كاتب الموضوع :
لولوھ بنت عبدالله،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الجزء السادس والثلاثون
(لا تلهيكم القراءة عن الصلاة يالغوالي)
الجــــزء الســــادس والثلاثــــون
،
لا أحَدَ قرأ قصائدي عنكِ
إلاّ وعرفَ مصادرَ لغتي
لا أحدَ سافر في كُتُبي
إلا وَصَل بالسلامة إلى مرفأ عينَيْكْ
لا أحَدَ أعطيتُهُ عُنْوانَ بيتي
إلا توجَّهَ صَوْبَ شفتيكْ
لا أحَدَ فتحَ جواريري
إلاّ ووجدكِ نائمةً هناكَ كفرَاشَهْ
ولا أحدَ نبشَ أوراقي
إلاَّ وعرفَ تاريخَ حياتِكْ
لـ نزار قباني
،
اوقف سيارته وسط باحة منزل جد ابناءه .. تحديداً امام الباب الداخلي الضخم للمنزل .. كان ينتظر ابنه زايد ليعطيه حقيبته التي نسيها في الصباح ..
وبينما هو ينتظر بضجر .. سمع هاتفه يرن ..
قطب حاجبيه بعد ان جهل هوية المتصل من الرقم الغريب الواضح على الشاشة ...
رفع هاتفه واجاب بهدوء: ألوو
..
:هيه نعم ختيه وياج احمد بن خويدم
..
تحولت نظرته للشر وهو يهتف بفظاظة: خير شو بغيتي ..!!!
..
ابتسم بازدراء شديد وقال: تبين ترمسينيه في سالفة ..!!!
ماعرفج انا عسب تستوي امبينا سوالف ..
..
استحالت نظرته للظلام هاتفاً بتحفز ملتهب: بلاها عوشة ..!!!!
..
لم تصله من المتصلة سوى كلمات معدودة .. كلمات كانت كفيلة بتأجج لهيب اسود في جوفه .. لهيب سيُحرق الأخضر واليابس حد الترمد السحيق ..
رفع عيناه المظلمتان المتفجرتان "بالشر" نحو ابنه الذي يمشي باتجاهه .. ولـ تلك التي تقف امام الباب منتظرةً عودته ..
ادرك ان لهيبه المستعر في بؤرة قلبه سببه هذا المنزل .....
هذا المنزل الذي انجب منه أحقر مخلوق على وجه الخليقة .....
ومن هذا المنزل سينتزع انتقامه الأسود ...... وحالاً ..!!!
فتح باب سيارته وخرج تاركاً شمس الصيف الحارقة تعكس اشعتها الساطعة على نظارته الشمسية ..
نظر بعينان غائمتان بـ الغضب الماردي الدفين الى ابنه زايد .. ثم هتف بغلظة هادئة احكم ما فيها من "لهيب" بعد ان اعطاه حقيبة ألعابه:
زايد ..
سوليه درب بسلم على يدك
رمقه زايد بدهشة مبتهجة ثم استدار وهو يهتف بصوت عالٍ: ان شااااااااء الله ..
كانت تشاهد من بعيد الأب وابنه يتحدثان ..
لولا خوفها الشديد على ابناء اختها وحرصها على اللحاق بهم اينما ذهبوا لما خرجت خلف زايد وسببت المزيد من العذاب لكرامتها برؤية من اهانها قبل ايام معدودة ..
لما اجبرت نفسها على عدم التقيؤ من فرط حقدها وهي تنظر لوجهه الوسيم وطلته الخاضعة للمهابة ..!!!
إلتمعت عيناها ببغض وهي تتذكر اهانته ..
هه .. ما فائدة الرجولة التي تمتلكها وانت بكل صفاقة تهين امرأة ..!!!!
اكرررهك ....
اكررررررررهك ......
: خالوووووه خالووووووه ..
زفرت زفرةً اخرجت ما فيها من غضب/استياء ثم تراجعت بجسدها وهي تفتح الباب كاملاً لـ زايد: عيونها انته ..
هتف زايد بوجهه المحتقن من اثر حرارة الجو وقال: خالوه دخلي داخل .. ابويه يبا يسلم على يديه ..
تغضنت جبهتها ورغبةً كبيرة تتملكها للخروج وطرد الرجل من المنزل بعد ان تلقنه درساً قاسياً بالاخلاق ..
هتفت بحدة وهي تستدير لتذهب الى المطبخ: انا بيلس في المطبخ .. يوم يروح ابوك خبرني ..
ذهب زايد واخبر جده ان اباه يرغب بإلقاء السلام عليه .. ثم بعدها خرج لوالده واشر بيده الصغيرة ان يدخل ..
.
.
.
.
.
.
.
كوّر بيده الرز حتى غدت كتلة صغيرة ثم دسها في فم الصغير .. كان الجميع يراقبه من غير ان يشعر ..
كان مأخوذاً بفكرة ان الجالس بقربه هو حفيده ..
حفيدٌ له يجري في عروقه دمه .. دم الحر .....
رغم غضبه من فعلة ابنه .. الا انه لا ينكر ابداً امتنانه أنه جلب له هذا الطفل الغالي ..
رفع عيناه بعفوية ثم سرعان ما ارتسم الذهول على ملامحه وهو يهتف بصوت حازم "مرتبك":
بلاكم جيه اطالعوووني ..!!!!
ابتسمت مهرة بحبور شجي لأباها الحنون وهو يطعم عبيد .. ثم قالت بمكر رقيق:
يا حيك يا عبيد .. عبيد العود روحه يلقمك ..
كوّر حمد بسرعة الرز بيده ثم دسه بفم اختها هاتفاً بتسلية: ها اندوج لقمناج انتي بعد .. حشى يابوكم حاسدين الفقير على موتة اليمعه ..
كادت مهرة ان تغص بلقمتها على قهقهات جميع من على المائدة .. ابتلعت الرز بصعوبة قبل ان تهتف بغيظ طفولي:
يالحماااااااار شو هالدفاشه هاااااااااي ... ومنو قالك حاااسده الولد ويه ويهك ..!!!
حمد بذات تسليته المحبوبة: ما يبالها ذكا طاعي ويهج وانتي ترمسين وبتعرفين هههههههههههههههههههههه
اشاحت بوجهها بشكل درامي ثم قالت وهي ترمق والدها بنصف عين: كلن يرى الناس بعين طبعه حبيبي ..
ومن شو بغار يعني .. اصلا محد يروم يشل باباتي عنيييييي ..
ضحك والدها وهو يطعم عبيد مرة اخرى ... ولم يعلق ..
شعرت مهرة بالغيظ لان والدها لم يساعدها في رفع شأن مكانتها لديه امام حمد الساخر .. صاحت بغيظها:
باباااااااا قووووول شي يااااااخي ..
جفل الجد ابا عبيد الذي كان يأكل بصمت .. ثم زمجر بغضب شديد: غربل الله بلييييييسج يالهرررررمة .. صميييتي اذنيييه ..
حارب أبا نهيان ضحكته هو يقول: ها شو فيج تباغمين انتي ..!!
زمت فمها بغنج غاضب ثم قالت: مابااااااا .. شحقه مخلي ولدك يتمصخر عليه ..!!
أبا نهيان وقد تحولت نبرته الهادئة لحزم مصطنع: حمد يوز عن مهاري ..
مهرة بـ قهر: باباااااااااااااا ..
رفع كلتا حاجباه واجاب بصوت عال مستنكر: هاااااااه .. ترى قلناله ايوز عنج ...
حمد: ههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
ضربت الأرض بقدمها وهي تكاد تبكي: قوله ان محد يرووم يشلك عنيييييي ..
فتح ابا نهيان ثغره وقد استوعب اخيراً ما قالته: ايوووووا ...
استدار لإبنه وقال مكرراً حزمه المصطنع: حمدوووووه يوز عن مهااااااري .. محد اصلا يروم يشلني عنهااااااا
حمد: ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه بحاول اصدقك ..
ادخلت بفمها قطعة دجاجة وهي تغمغم بتهكم حاد: ماعليه يا حمدوه بردها لك .. ماعليييييه ..
: السلام عليكم ..
رد الجميع سلام فلاح الذي دخل لتوه المنزل مزيحاً عن رأسه قبعته العسكرية قائلاً بارهاق: ميت يووووووع ..
تحركت والدته من مكانها على الارض لتعطي له المساحة الكافية ليجلس ثم قالت بحنان عبق:
علنيه افدااااااك يا ربيه .. ايلس ايلس مسوتلك بشاميل .. ادريبك تحبه ..
جلس فلاح بقربها وهي تضع بعض من أكلته المفضل على صحنه ...
تذكرت في هذه اللحظة ابنها البكر .. وشعرت بغصات الألم تجتاح مجرى تنفسها من جديد ..
آه ... تشعر ان الدنيا تضيق يوماً بعد يوم عليها والسبب زوجها الذي مازال لم يغفر لـ ابنه خطيئته ..!!
اخرجها من فكرها الحزين صوت ابنتها التي سألت بمكر: امايه متى بنظهر اليوم ..؟!
هتف حمد بعفوية: على وين ..؟!
اجابت والدته بهدوء: تبا تتشرى لبس حق حفلة حرمتك ..
رمش بعيناه بسرعة بشكل اثار ضحكة مهرة الماكرة والتي قالت محركةً عيناها بتلاعب شديد: بعده الريال هب مستوعب ان عنده حرمة هههههههههههههههههههههههه
تنحنح بخفة متجاهلاُ ما قالته اخته .. ثم سأل بخشونة ابطنها بمشاعر تنضح لهفة/توق:
متى الحفلة ..!!
ام نهيان: هالاسبوع .. الخميس ان شاء الله ..
ابتلع فلاح لقمته وهتف بمزاج امتزج بالغزل "النادر": شمعنه مهاري شيخة البنات مالها حفله هي بعد ..!!
رمت مهره ملعقتها فجأة وحركت يديها بطريقة مسرحية والقلوب تتطاير من عينيها الجميلتين:
ويعلنيه افدااااااا شيخ الرياييييييل فلاح بن عبييييييد ..
ضربت كتف حمد مضيفةً بتهكم مغتاظ: تعلم تعلم يالدفش ..
فلاح: ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
مهرة: سلمك الله يا الغالي انا مابااا .. ما فيه على العزايم والحفلات والخربطان .. وتعالي دوري فستان .. وسيري اشتري نعال .. وسيري حجزي اكل وقاعة وماعرف شووو .. لا لا ما فيه مووووول ..
رفع فلاح كلتا حاجبيه بتعجب وهتف: عجيييب .. اي بنية مكانج وناجحة ما بيكون ها ردهاااا
غمزت لشقيقها بشقاوة ثم قالت بغرور مصطنع: بنت عبيد مفندة عن باجي البنيات طوليه بعمرك ..
(مفندة = مميزة/ليس لها شبيه)
حمد: رووووووح يا مفند انته ..
رفع فلاح كفه هاتفاً ببسمة جانبية جذابة اورثها لتلك التي تحدثت بكل ثقة قبل ثواني: وانا اشهدددددد ..
.
.
.
.
.
.
.
فتحت باب المنزل وعيناها تقدحان غيظاً/كرهاً/ألماً ..
الذي فعله بها اليوم بطي كسر في وجدانها شيئاً لا ينجبر ..
شيئاً جعلها تتعرى ... جعلها تشعر وكأنها حيوان قذر مرمي في الشارع .....!!
اذاقها مرارةً متدفقة وكأنها لم تذق في حياتها الا طعم السكر ..
جعلها تشعر باليتم وكأنها لم تشعر به رغم وفاة والدها ..
جعلها تشعر لأول مرة انها .......... لا شيء .... لا شيء بمعناه الحقيقي ... والملموس .....!!
ولوهلة فقط ...... ووسط كرهها لـ بطي .... شعرت بالكره العنيف لذاتها .... لـ غبائها .....
لو انها لم تذهب ذلك اليوم لـ مسكن بطي ... وتطلب مفتاح شقته من الأمن ..... لما آلت الأمور في النهاية ضدها ...
لو انها حاربت رغبتها المجنونة في الدخول لـ شقته والولوج لحياته "رغماً عنه" بمعرفة كل تفاصيله الصغيرة والكبيرة .. رائحته الملتصقة في كل قطعة في المكان ..... وبصماته القابعة في كل ركن .. وحائط .... طاولة ...
لو انها حاربت رغبتها النرجسية المتعجرفة بالاحساس بنفسها "ما ان تكون واقفة في مملكته الخاصة" تكاد تصل لمبتغاها ... وتكون زوجته وحبيبته ...
تكون ذات قيمة وشأن ... وعلى يديه ....
لما حصل كل هذا .... ولما شعرت الآن ..... بأنها خسرت الكثير .... الكثير يالله .....
صرخت بحدة سببت بحدوث صدى في ارجاء المنزل كله ... وسرعان ما اقتربت منها والدتها وهي تسألها عن سبب غضبها بذعر ... الا ان الأخيرة صرخت بذات صوتها الحاد .... المقهور حد الوجع:
ما فييييييه شي .. ماااااااااااا فيه شي ....
ارتعدت اوصال والدتها لصراخ ابنتها العنيف الصادم .. وكررت تساؤلها وقلبها يرتجف خوفاً على ابنتها لا منها:
يـ يـ يا امايه شو فيييييييج ..!!! شو مستوي عليج بسم الله ..!!!!
رمقتها ابنتها بعيناها اللامعتان بالدموع المتجمدة .. ثم صرخت بهستيرية:
قلتلج ماااااااا فيه شيييي انتي ما تسمعييييييييين ..!!! ما تفهمييييييييين ...!!!!!!
نزعت عنها حجاب رأسها ورمته على الارض قبل ان تدخل الحمام وتغلق بابه بقوة خلفها ..
اخذت ترش الماء على وجهها المحتقن وصدرها يغلي بمشاعر لم تصدق بأنها ستتذوقها يوماً بهذه الوحشية ..!!!
كانت غاضبة .. غاضبة حتى شعرت للحظة ان دماغها سيتوقف عن العمل وتموت ..!!!
ظلت في الحمام فترة ليست بالقصيرة .. وعندما خرجت سمعت انين بكاء تنكسر له الأفئدة .....
علمت ان هذا بكاء والدتها ....
لا تعرف لمَ في هذه اللحظة شعرت بـ حديدة ساخنة توشك قلبها بلا رحمة .. شعرت في هذه اللحظة بأنها ضئيلة ..
ضئيلة العقل .. والقلب .. والروح ..
انها تافهة .. وتفاهتها من وضعتها في موقف خدش كرامتها/انوثتها/قلبها ..
اقتربت من والدتها هامسةً بأسف حقيقي: آسفة امايه مب قصدي والله ..
اعتصر قلبها عندما سمعت همس والدتها الباكي المتهدج بين دموعها المتساقطة:
انتو مب عياااااااليه .. لا والله مب عيااااااااااليه .. لا اشوف منكم نظرة سمحة ولا كلمة طيبة .. تعاملوني جني عدوتكم مب امكم اللي ربتكم وسهرت الليالي وتعبت عليكم ..
شو يااااااكم يا عيال حسن جلبتوووا ..!!! شو يااااااااااااكم ..!!!!
ودخلت في نوبة بكاء مرير تبكي كل من فقدتهم بآسى أفقر قلبها من كل احساس جميل ..
بكت زوجاً راحلاً .. وابناء لم يرحموها ولم يأنسوا وحدتها البغيضة بين أربع جدران ..!!
فلتت منها دمعة وقد هالها بحق منظر والدتها المنكسر وكلماتها التي تزري حالها وفقدها ..
اقتربت بتردد منها ووضعت يدها المرتجفة على ظهرها وهي تهمس بألم شابه ألم حروف امها:
أ أ أمايه .. اسفه .. خـ خلاص .. اوعدج ماعيدها ..
والله ماعيدها ..
آسفة ..
.
.
.
.
.
.
.
وقف ونظرة اعتداده فاقت كل الحدود .. وسرعان ما قال بحزم تخلله "خبث شيطاني":
طوليه بعمرك يا بوحميد .. فكر باللي قلتلك عنه .. وترى اول وتالي زايد وسعيد عيالكم يا غير ما اباهم يتربون على ايد وحده غريبة والله العالم طباعها زينه ولا شينه ..
وقف ابا حميد قبالة الرجل الذي رغم تحفظه الشديد بشأنه الا انه لا ينكر أخلاقه العالية وحسن معاملته الشديدة مع ابنته سنوات طويلة قبل ان يحدث ما يحدث في تلك الليلة ..
من الظلم جداً ان يتخذ موقف معادي لرجل لم يرَ منه الا الخير والمحبة والطيبة بناءاً على موقف واحد حصل لأسباب مجهولة لا يعرفها سوى رجل وزوجته ....
لن يكذب على نفسه وينكر طبع عوشة النزق الصعب الذي شمل على مر سنين قساوة غريبة نحو زوجها .. كان الامر جلياً امامه .. لطالما تلقَ الشكاوي والتهكمات من زوجته بخصوص ابنتهم التي لا تنفك ان تضع زوجها علكة في فمها وتستهزأ به باحتقار عند دخولها وخروجها من منزلهم ..
ابا حميد يعلم ان امراً خارقاً اجبر احمد على الخروج من صومعة طيبته الطبيعية ويفعل ما فعله تلك الليلة ..
ليلة حادث ابنته ..
لكنه أب .. وليس باستطاعته ازالة تحفظه وجمود قلبه نحوه .. ولا يستطيع الا ان يخاف على مستقبل ابنته الاخرى خاصة بعد ان ألقَ الاخير قنبلته عليه ..
هز رأسه بهدوء ثم قال بنبرة هادئة وانما قوية حازمة:
عطنا كمن يوم وبنرد عليك ان شاء الله ..
التمعت عينا احمد بشيء من الانتصار الخبيث .. ثم قال: خذوا راحتكم عميه ..
اقترب منه وقبّل رأسه بعد ان تابع: يلا عيل .. بترخص عنك ..
أومئ أبا حميد برأسه ... ثم خرج احمد ليترك الاخير في دوامة تفكير مشوش عالقاً بين امرين .. اولهما حياة احفاده .. وثانيهما مستقبل ابنته ..
دلف الى غرفته وكلمات احمد ترن بعقله
"انا يا عميه ريال محتاي حرمة .. ومابا آخذليه غريبة تلعوز عياليه .. فكرت فيها زين ما زين وشفت انيه ما بلاقي احسن عن بنتكم"
سمع صوت زوجته آتياً من خلفه يتخلله امارات الامتعاض/الغل: شو يبا بوزايد ..؟!
ارتمى على الفراش وهو يتنهد بعمق .. ثم قال مغمضاً عيناه بإرهاق: خلاف بخبرج .. تعبان ابا ارقد ..
.
.
.
.
.
.
.
اقترب من زوج ابنة عمته ... وانحنى له مرحباً به برجولية بحتة:
هلا ومرحباااا بـ بومااااايد ..
رد سيف بذات الترحيب وقد اخفى في جوفه ألمه وهو يرى الرجال ينحنون لهه ليسلموا عليه .. تذكر عجزه الذي يمتص ألطف المشاعر في روحه:
المهلي ما يولي يا بومحمد .. تو ما انورت الدار
جلس حارب بقربه وهو يدخل بعض من شعره الغزير تحت "عصامته البيضاء": تسلم تسلم ... مبونها الدار منوره ابكم ..
شحالك الغالي وشحال العيال ..؟!
اخذ الرجلان يتبادلان السلامات والسؤال عن الاحوال بروح رجولية تخللها محبة متبادلة ..
كان قد قرر حارب فيما سبق ان يذهب الى العين ليزور عمته وشقيقته .. ومن حسن حظه انه ألتقى بـ سيف امام المنزل قبل ان يدلف ..
هتف باهتمام وهو يسأله بحزم: ومتى السفر ان شاء الله ..؟!!
نظر سيف الى رجليه ولمسهما بمشاعر غامضة .. ثم قال بهدوء: على اخر هالاسبوع ان شاء الله ..
هز حارب رأسه ثم قال بحزم دافئ غارق باليقين: بإذن الواحد الاحد بتردلنا وانت ماشي عليهن يا بومايد .. توكل على الله سبحانه وما خاب من توكل عليه ..
لانت عينا سيف وهو يستشعر الدفئ من كلمات حارب .. ثم قال بيقين وايمان مشابه: والنعم بالله سبحانه ..
ان شاء الله خير ان شاء الله خير ..
صمت سيف بينما اخذ حارب يشرب قهوته وعيناه الغائمتان تنظران الى العدم .. الا انه حواسه قد تحفزت ما ان سمع سيف يهتف له باهتمام: انت شحوالك حارب .. شو دنياك ..!!!
نظرة سيف إليه اعلمته انه يسأل عن حاله بعد اهله .. كتم شخرة خشنة مستهزئة "علقمية حد الصميم" ..
ماذا سيكون حالي يا رجل وانا فقدت بلمحة عين من كانوا يملكون ناظريَ هاتين ..!!!
وضع فنجانه داخل الغسول وقال باقتضاب شديد: ما نقول الا الحمدلله رب العالمين ..
الحمدلله على ما عطانا والحمدلله على ما خذاه ..
شعر سيف بحسد من حارب وهو يراه يمتلك هذه الكمية المهولة من الصبر والتحمل .. شعر ان مصيبته لا تساوي شيئاً امام مصيبة من فقد امه .. ثم اباه وشقيقه ..
وشقيقة انحرمت من نعمة النطق ..
سرت في صدره رجفة شديدة وهو يتخيل حياته من غير والديه واشقائه وزوجته وابنائه .. شعر مع رجفته هذه بنعمة الله عليه ..
فالله وضعه في امتحان بسيط .. وفي امتحانه هذا يكاد يجن من قهره وحسرته ..
لكن الشخص الذي يجلس امامه وُضع في امتحان لا يتحمله أحد .. وهاهو يراه صامداً صابراً بقوة ..
أتاهم صوت ام العنود الرقيق رغم قوته الرنانة: السلام عليكم ..
وقف حارب بعد ان رسم على ثغره بسمة تحمل في طياتها كل الحب والود: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
.
.
.
.
.
.
.
احتضنت ذراعه بشوق عارم .. ثم سمعت صوته وهو يقول بحزم دافئ مربتاً على رأسها: فديتج موزانه .. شعلومج غناتيه ..؟!
اشرت بشجن صامت: انا بخير دامك بخير يا خويه ..
قبلت كتفه وهي تسمع همسه الاخوي "أليم": لا خلت العين منج يا ريحة امي ..
تشنجت بعنف لجملته ....
كانت هذه المرة الاولى التي يتحدث فيها حارب إليها بهذه العاطفة الجياشة الشفافة ..
منذ ان فقدوها ... كانت هذه المرة الاولى التي يذكر فيها والدته بشجن موجع مثل الآن ..
كان يتجنب نهائياً الخوض في امور توصله لأكثر المواضيع بغضاً على روحه .. كان يتجنب حتى التفوه بذكرهم وهو الذي لم ينسَ في يوم ذكراهم في قلبه وروحه الخاوية ..
لطالما اعتقدت هي ان ابتعاد شقيقها عنها كان ليجتنب ان يراها ويتذكر مأساة حياتهما هما الأثنان .. كانت كالبقية تعتقد ان حارب كان يهرب من اي ذكرى تذكره بالمأساة التي حلت بعائلته ..
تجمعت الدموع بعيناها وغصة حارقة تكورت بحنجرتها تكاد تخنقها بشدة ..
جفل حارب عندما احس باهتزاز جسد اخته وعلَم انها تبكي .. ابعدها عن ذراعها وهو يمسك بوجهها معتذراً بنبرة مؤلمة: موزوه موزوه قسم بالله مب قصدي .. آسف فديتج آسف ..
لم تصمت موزه وانما خبأت وجهها بذراعه وظلت على بكائها الصامت ..
رجع حارب رأسه الى الخلف بقهر/حسرة ماكنة في الوجدان .. لا يعرف ما الذي جعله يتفوه بما قاله قبل قليل .. فحالة اخته النفسية ليست بأحسن حال كي يذكرها بمأساتهم "الحية في قلوبهم" ..!!
على ما يبدو سؤال سيف له قبل ساعتين عندما كان متواجداً معه هيّج مشاعره من غير ان يشعر .. وأُجبر على النطق بإسم "جنته المفقودة" ما ان سقطت عيناه على شقيقته الوحيدة ..
شعر بها تستكين بقربه .. انزل عيناه ورآها تمسح دموعها ثم تنظر إليه بعينيها اللوزيتين وهي تأشر بهدوء مبطن بآلاف مؤلفة من مشاعر هوجاء:
حارب .. خبرني ..
متى بتخطب ..؟!
رفع جانب فمه ببسمة خفيفة .. ثم قال:
من يرد بومييد الدار ان شاء الله بخلي عمتيه تخطبليه ..
هزت رأسها بـ إيجابية .. ثم التمعت عيناها بذعر طفولي وهي تتذكر تلك المرة التي رأت فيها سلطان ..
في ذلك اليوم بث فيها رعباً حقيقياً بقامته المهيبة وصوته الرجولي الرنان الباعث للتوتر .. قالت بإشارات يدها:
هاك اليوم روعنيييي ..
رفع كلتا حاجبيه بتعجب وقال: منووه ..!!!
اكملت اشاراتها بخجل شديد: هذا خويّك بومييد .. كان ياي يرمس عموه في سالفة .. يوم وايجت عليه تروعت ..
وايد يزززيّغ .. كيف انت مرابعنّه ..!!!
لم يتحمل حارب طفولية/عفوية حديث شقيقته: ههههههههههههههههههههههههههههه ..
اسميج يا موزوووه سوالف ..
ارتخت ضحكته حتى تحولت لبسمة رسمت الضبابية على نظرة عيناه .. ثم قال وكأن الزمن رجع به الى الوراء:
بومييد ماله بين الخلايق مثيل يا بنت ابويه .. الله يقدرنيه في يوم واردله ربع اللي سواه معايه ..
نظر لـ شقيقته التي سرحت بكلامه الفائض بالمشاعر .... ثم ابتسم بدفئ وقال:
ها حجزتي عند الدكتورة اللي رمستيني عنها ..!!!
هزت موزة رأسها بـ "اجل" وقد ذكّرها حارب بموعدها القريب مع الطبيبة النفسية ..
لم تخطو هذه الخطوة الا بعد نقاش طويل معه .. واقتنعت "مع تحفظها بتوترها وخوفها" بأن تحجز موعداً مع طبيبة ماهرة قد رشحتها فيما سبق شما لها ..
حارب بصوت هادئ رزين: على خير ان شاء الله ..
.
.
.
.
.
.
.
ارجع طرف غترته فوق رأسه بعبثية وقال وعيناه على صديقه:
لي متى بتقعد على حالتك ذي ..؟!
اخذ يرتشف عصيره بنظرته المتلاعبة على الدوام ثم قال بسخرية: بلاها حالتي بسم الله .. اللهم لك الحمد ماشكي من علة ولا باس ..
رفع حاجباً واحداً وقال: نهيان لا تستهبل .. اللي اقصده ليش ما تتزوج وتكون لك بيت وتستقر ..
نهيان بذات سخريته المتسلية: يوم تعرس انت هاذيج الساعه بعرس ..
رفع جانب فمه بسخرية وقال: لا تعتمد علي ولا بتقعد طول عمرك عزابي ..
استقام نهيان بجلسته وهو يقترب من صديقه ويقول بغيظ باسم: الحينه بذمتك نصور مخلي حرمه اطفرك بعيشتك وتكرهك بالعرس ..!!!
خبل انت ..!!!
انتفض ناصر بجلسته وهتف بخشونة مستنكرة: تهبي وتعقب .. ما ناقص الا ذي ..
ارجع ظهره الى الوراء وقال بحاجبيه المعقودين: ام العيال مالها دخل .. انا مابي اتزوج من الاساس ..
نهيان وهو يرغب بسبر اغوار صديقه: شعنه ..!!!
لأن التي اختارها قلبي يستحال عليها الزواج مني ..!!!
ابتلع حديث قلبه في جوفه وقال وهو يحول مسار الموضوع باتجاه صديقه: اذا علمتني سبب رفضك للزواج بعلمك انا بأسبابي ..
اخذ نهيان رشفة صغيرة من عصيره ثم قال: ما قلت انيه رافض الفكرة .. انا بس اتريه الوقت المناسب ..
ناصر: ايه ومتى هالوقت المناسب ..؟!
آآآآآآه يا ناصر .. قسماً بالرب لا اعرف .. حياتي في فوضوية تامة ولا اظنها تستطيع استقبال عنصر جديد إليها بهذه السهولة ..
نهيان بحزم بهادئ: جريب جريب ان شاء الله
قطب حاجبيه عندما رن هاتفه .. وسرعان ما استله وهو يبتسم وداً للمتصل .. كان عمه مصبح ..
: يا هلاااا ويااا مرحبااا .. حي الله الغالي ولد الغاالي ..
مصبح: مرحبابك زوود يا بوعبيد .. الله يحييك ويبقييك ..
شحالك شعلومك .. يعلك الا بخير ..؟!
نهيان: بخير عميه ربيه يعافيك ويسلمك .. ومن صوبك ..؟!
مصبح: يعله حالن مديييم .. والله الحمدلله ما نشكي باس بصحة وعافيه ..
نهيان: اللهم لك الحمد .. وياك يا ربيه ويااك ..
مصبح: وين دارك ..؟!
نهيان: والله هنيه .. عندكم ..
مصبح بتهكم طفيف: عندنا وما تخطف تسلم يالهيس ..!!!
ضحك نهيان بحرج واجاب معتذراً: والله يا عميه مشغول .. ما فضيت الا قبل شويه ..
رفع مصبح حاجبه وقال بحزم: يوم انك فاضي الحينه اخطف جدانا ..
رفع نهيان ناظريه نحو صديقه .. ثم قال: الحينه انا ويه ربيعي ناصر ..
قاطعه عمه مصبح بنبرة صارمة لا تقبل الجدال: دام ناصر وياك عيل والله عشاكم عندنا الليلة .. نترياكم لا تبطووون ..
نهيان: عنيه هب بلااااك يا بوظاعن .. امررره فالك طيب ...
.
.
.
.
.
.
.
قبّلت جباه اخويها بحب خالص ثم تحركت لتطفأ الإضاءة وباب الغرفة ..
تصلبت اطرافها بتحفز عندما شعرت بظلٍ ضخم خلفها .. وفحيح خشن "شيطاني مقرف" يهمس:
هلا هلا ..
هلا بالحلوييين ..
ارتجف فكها بـ كره/حقد/خوف ثم مرت من جانبه بعد ان تمالكت كل ما باستطاعتها من قوة هامسةً باشمئزاز قاني:
حلك حلول يا ربي ..
امسك بطرف خصرها ليجرها إليه .. لكنه وقبل ان يفعلها .. احس بارتجاج في اذنه/رأسه .. زمجر بألم ... ثم صرخ بغضب عاتٍ:
يالحيواااااااااااااانه ..
رمقته بنظرة شرسة .. وهتفت من بين اسنانها بقهر مترمد/حقد وصل عيان السماء وهي ترفع بيدها تمثال خشبياً على شكل طائر اللقلق:
هالمره فلعتك بهذا .. المرة الياية والله يا الوصصصخ بفلعك بـ حديييييده ..
ضحك بمكر مرعب وهو يحك اذنه وامارات الألم واضحة على ملامح وجهه: والله انج هب سهله يا رفوع .. ماحيدج جييه قوية ...
مشط بعيناه الجائعتان كامل جسدها "الذي يرتجف رغماً عنها" وقال بنبرة اجشة تشمئز لها الابدان:
قوية بس غاااااااااااوية ..
غضنت وجهها الجميل بازدراء/بغض وقالت باصقةً كلماتها بوجهه: قذررر .. وبتم طول عمرك قذررررر ...
قذفت كلماتها وتحركت باتجاه المطبخ لكن يده امسكت بذراعها وجرتها بعنف حتى كادت تصطدم بجسده ..
سمعت فحيحه الحيواني الجائع في اذنيها يقول:
انتي عطينيه بس القرين لايت .. واوعدج بتستانسييييييين ....
شعرت لوهلة بأنها تكاد تُعمى من هول غضبها المجنون .. لم تعرف كيف اخذت اكبر كمية من الاكسجين من هواء البيت "النجس برائحة هذا السافل" .. ولم تستوعب كلماتها وهي تقول بوحشية .. وبعينان تقدحان شرراً ووعيداً:
قسماً بالحي القيوم .. ان ما شليت ايديك عني الحينه .. بويّه صوب اقرب مركز وبخبرهم عن اللي سويته هاك الزمان ويه ربيعك ..
تشنجت يده الممسكة بذراعها مما جعلها تتمكن بسهولة من دفعه بقوة والابتعاد عنه حتى وصلت لعتبة باب المطبخ ..
هتف لها باستخفاف ساخر لم يظهر ما فيه من توتر/خوف: وحليلج .. تعرفين تهددين بعد ..!!!
حركت شفتيها باحتقار شديد وقالت بصوت قوي ينبأ السامع إليه بصدق نبرة وعيده: اعرف اهدد واعرف انفذ بعد يا بوحاااامد ..
حرك يده في الهواء وقال بذات استخفافه الساخر: شو بيسوولج الشرطة لي خبرتيهم باللي صار ..!!!
لا عندج دليل ولا اثبات يثبت اللي بتقولينه ..
هههههههههههههههههههههههههههههههه بالعكس انتي جيه بتفضحين رووحج لانيه بكل سهولة بقولهم ان ساس البلا كان من ربيعي اللي اغتصب بنت حرمتيه ..
ابتسمت بشيطنة وحرقة تستعر في جوفها من ذكريات قلبت حياتها رأساً على عقب:
شو بتقولهم يا مسعود اتحفني ..!!!
اكيد ما بتقولهم اني يريت ربيعي لخرابة هو وبنت حرمتيه وسويت فلم هندي محوره الاساسي ريال اغتصب ياهل بكل حقارة .. واكييييييد ما بتقولهم ان الريال اللي اعتبرك شرات اخوووه صدّق جذبتك الوصخه وبـ سبتك تم 15 سنة طايح في المستشفى ولا هو بداري عن دنياه ولا عن هله ..
وكل ها عسبت شوووو ...!!!!!
عسب بس يتنازلك عن دورة ترفّع رتبتك في الجيش ..
شحب وجهه وقد ذُهِل تماماً مما سمعه ..
اردفت وقد بدأت تشتعل قوةً نادرة خاصة وهي تراه بهذا الوضع الضعيف امامها:
شو يا بوحامد .. اشوفك بلعت لسانك ..!!!!
زمجر وقد تملكه القهر من القوة التي يراها تنضح من عيناها الشبيهتان بعينا والدتها:
انتي من وين يبتي هالخرابييييط ...!!!
ومنو قالج اصلا ان خليفة طاح بـ سبتيه .. هو صارله حادث .. جانج ما تعرفين انجبي احسسسسن ..
ميّلت جسدها على طرف باب المطبخ وقالت عاقدةً ساعديها على صدرها: سالفة من وين يبت هالخرابيط فـ هي منك يالغالي .. اكيد ما بتحس على اللي بتقوله وانت سكرررررررران ...
وسالفه ان خليفه مرقد بـ سبة الحادث فـ هاذي معلومة مشكوك فيها ..
رأته بوضوح وهو يبتلع ريقه الجاف بتوتر شديد .. ثم اضافت وقد شعرت بالنشوة لامتلاكها قوة لم تمتلكها في يوم:
طبعاً بتقول ان الشرطة ما بتاخذ على كلام مب مبني على اساس قوي .. وانهم ما بيسوون شي بليا دلايل وعلى كلام مب منطقي ..
رفعت جانب شفتيها بدهاء بالغ واكملت: لكن اللي يبيع خمور على اليهال والمراهقين كل ليلة في الفرجان وبين السكيك بيتجنب يحتك في الشرطة قد ما يقدر .. ومب من مصلحته يبطل عيون الحكومة عليه عشان ما يروح في ستين داهية وينقطع رزقه ..
صح ولا انا غلطاااانه يا حضرة المقدم المتقاعد ..!!!!
اشتعلت عيناه بـ صدمة/غضب/جزع وامتقع وجهه بشدة .. ثم اقترب منها بسرعة مزمجراً بقهر:
انتي يالكلبة شو عررررفج بكل هااااااااا ....!!!!!!
بخفة يد ماهرة .. مدت رفعة يدها الى الخلف واخذت من طاولة المطبخ سكيناً وحركته امامها بالهواء مهددةً وعيناها تعصفان وعيداً:
ان قربت زووود بذذذذذذبحك ..
تراجع بقوة قبل ان تأتي طرف السكين على رقبته .. ثم اخذ يتنفس بقوة وانفاسه الكريهة تلطم وجهها بعنف ..
رمقها نظرة شر مطولة قبل ان يقول بخشونة تنضح غضباً اسوداً:
ماعليه يا بنت امج .. ان ما خليتج تصيحين دم على اللي قلتيييييه ما اكون مسعوود ..
استدار وخرج من المنزل بعد ان اهتزت جدران المنزل من قوة اغلاقه للباب .....
هنا شعرت رفعة ان قوتها بدأت تنسل منها .. وان ساقيها ما عادت تحملانها بسبب كتمها القوي لاضطرابها وانفعالها ..
جلست على الارض بإرهاق شديد قبل ان تضع كفيها على عيناها وتزفر زفرات ثقيلة ملتهبة قوية ..
صدمت بردة فعلها العنيفة امام السافل مسعود .. لم تكن تعرف انها تمتلك في جعبتها قوةً حتى اخرجتها على هيئة صواعق من الكلمات وضربته على رأسه .....
الجبان ..
يظن انها مازالت تلك الطفلة الجاهلة المغفلة التي لا تفقه شيئاً من أفعاله المشينة الحقيرة ..
تباً له ......
.
.
.
.
.
.
.
ربّت على فخذ عمه ثم وقف هاتفاً بحزم ودود: يلا الغالي .. بترخص ..
وقف عمه بدوره وقد بان تقارب اطوال كل منهما وهما بمحاذاة بعض .. ثم قال باستنكار خفيف:
وين يا ريال تو الناس ..
قبّل نهيان أنف عمه وهو يقول معتذراً: والله يلستك ما تنمل يا عميه لجن ورايه خط وما فيه اتحير اكثر عن جيه ..
هزّ العم مصبح رأسه ثم قال وقد اخشوشنت نبرته: نهيان لا تخلي ابوك وهو زعلان عليك .. راضه .. هذا ابوك يا ولديه ..
تنهد نهيان بعمق ثم قال وهو يمشي مع عمه باتجاه باب المجلس: والله انيه اسوي اللي اقدر عليه .. بس ان شاء الله بتم وراه يلين ما يرضى عليه ..
مصبح بحزم دافئ: بارك الله فيك
اضاف بغيظ متفكه: اسمعني .. مرة ثانية ير حويرب من اذنيه وهاته وياك ..
اللي ما يخيل ناسي امررره ان خاله في بوظبي ..
نهيان: ههههههههههههههههههه لو هو في بوظبي جان والله يبته ويايه بس اتصلبي الظهر وقال انه ساير العين ..
مصبح: ماعليه المرة اليايه ان شاء الله يره وياك ..
نهيان ببسمة رجولية جميلة: افا عليك تامر امر ..
يلا فديتك .. مع السلامة ...
مصبح: الله يحفظك .. في وداعة الله ..
خرج نهيان من منزل عمه بعد ان امضى وصديقه ناصر بعض الوقت عنده قبل ان يعتذر الاخير بلباقة قبل دقائق معدودة بسبب اعماله المتراكمة .....
.
.
.
.
.
.
.
اهتز كوب الماء في يدها بـ دهشة اخذت اتزانها كله حتى كاد الماء ينسكب على الارض ..
هتفت وقد تملكها حرارة شديدة في جسدها: شـ شو قـ قلتي ..!!!!
هتفت والدتها وهي ترمي الثياب المتسخة في سلة الغسيل بشكل يوضح كمية الغضب والانفعال اللذان يسريان بروحها بصمت:
سمعتي اللي قلته .. ابوج يقول ان بوزايد خطبج ..
شحب وجهها وغدا كـ لون الخريف ... وقالت بذهول شديدَ التوتر/التخبط: مـ ماا فهمت .. كـ كيف يعني خطبني ..!!!!
هتفت والدتها بحدة وقد انفلتت اعصابها بشكل واضح/حاد: كيف بعد خطبج ..!! الريال يباج حلييييله .. يبا ياخذج عشان تربين عياااااله .. لان ان ما خذااااج بياااخذ وحده غريبة والله العالم شو بتسوي في العيااال بعيد عن عيينااااا ..
تلعثمت وهي تتلقَ كلمات والدتها المنفعلة: يـ يعني انتو موافقين ..!!!!
رمت آخر كمية من الملابس وهي تصرخ بحسرة تخللها حرقة قلب دامية .. حرقة لا تشعر بها الا من فقدت ابنةً تركت خلفها اولاد صغار غدوا هم النفس والحياة لـ روح جدتهم الثكلى:
انا لو عليه جان ما عطيتج اياه لو المووووت .. لجني اشووف ابوووج ساكت جنه الا يازله الخبر ..
تراجعت خوفاً ان تلاحظ والدتها ارتجافة ساقيها وصوت انفاسها التي ثقلت ..
احمد زوجاً لي ..!!!
لي انا ..!!!
يا إلهي ....
أأتزوج من كان في السابق زوجاً لـ شقيقتي ..!!!
شعرت بحرارة تلفح وجهها مما يعتمل روحها من احاسيس عاصفة قوية .. لا تستطيع تخيل ان احمد زوجاً لها ..
لا تستطيع ....
استعادت فجأة كلماته المهينة لها واحتقن وجهها هذه المرة بغضب ... بحيرة ... بوجع شديد الوطأة على نفسها ..
لمَ يرغب بالزواج مني وقد اعلن مسبقاً بكلماته انني معدومة الاخلاق والتربية ..!!!
ويحك يا هذا ان كنت تظن انني ساذجة وقابلة لتلقِ السخريات والاهانات منك ..!!!!
هتفت بصرامة توهجت من عيناها المظلمتان: بس انا مابااااااه ..
مرّت والدتها من جانبها وهي تهتف بجمود شديد: ولا انا ابا هالساااااالفه كل ابوووها يا غير الشور عند ابوج هب عنديه ..
سيري انتي تفاهمي وياااااه ..
.
.
.
.
.
.
.
: ذياب وين اوراق البشكارة الايديده ..؟!
اجاب ذياب على ابيه وعيناه على التلفاز: في الموتر ابويه ..
ابا ذياب: سر ييبهن شو تتريه ..!!
رمى ذياب مفتاح سيارته على ناعمة التي كانت مندمجة في الفلم ذاته الذي يشاهده ذياب: الناعم سيري فديتج ييبي الاوراق
عقدت ناعمة حاجبيها بتهكم: يا ربيييه يا ذياب مالقيتوا غيريه .. فطيم انتي سيري ..
هتفت فطيم وهي تعمل "مساج" لأرجل جدتها: ما تشوفيني اهمز رويلات يدوووه ..!!!!
ذياب وعيناه مشدودتان نحو الشاشة: يلاا نعوووم ...
دست ناعمة داخل فمها حبة من عباد الشمس وقالت برجاء: صبر صبر شوي ابا اشوفه يوم يذبح البنية ..
سرعان ما جفلت مذعورة عندما احتد فجأة صوت والدها المستنكر: نعوووم نشي ابا اطّالع الاوراق يلاااااا ..
نهضت ناعمة وهي تهتف بخوف: ان شاء الله ان شاء الله ..
اخذت المفتاح وهرعت الى الخارج باتجاه السيارة ..
فتحت السيارة قبل ان تجلس على مقعد السائق وتهم بالبحث عن الاوراق المنشودة ..
اخذت تبحث في كل مكان ولم تجد شيئاً .. انزلت في النهاية المرآة المطوية "الخاصة بالسائق" علّها تجد الاوراق مدسوسة في الداخل ..
لم تكد تنزلها الى النصف حتى سقطت على رأسها اوراق وصور عديدة ...
فتحت الاوراق ثم التمعت عيناها وقد وجدت ما كانت تبحث عنه ..
اجمعت بعدها الصور المتساقطة كي تدسها مرة اخرى داخل المرآة المطوية ..
لكنها توقفت عندما سقطت عيناها على احدى الصور القديمة ..
كان صورة تضم شقيقها ذياب وعبيد صديقه رحمه الله ..
كان ذياب في الصورة مختلف .. مختلف جداً قلباً وقالباً .. كان واضحاً من ابتسامته العابثة ونظرته الماكرة بريق طيشه الشبابي القديم وصبيانيته اللامبالية ...
كان عكس صديقه عبيد تماماً .. لنقل كان النقيض ..!!
عبيد ... وكما سمعت كثيراً من اخيها ... كان هادئ الطباع .. باسم على الدوام بطيبة وسكينة تجبران الورد على الانحناء .. صامت اغلب الأحيان ..
كان يمتلك كما يقول ذياب مزاجاً معتدلاً ... ويعرف كيف يعاشر الناس بالحسنى ويجتذب قلوبهم بأحاديثه العفوية الصادقة ..
كان النقيض لـ شقيقها المتحمس/الحركي/العاشق لكل شيء يجعل حياته تنبض نشاطاً وضحكاً ولهواً واستمتاعاً ..
النقيض الذي استحال إليه الاخير الآن .. وكأنها تراه يتلبس روح صديقه الراحل من غير ان يشعر ..
همست بقلب صادق: يعل مثواك الجنة ..
خفق قلبها عندما تذكرت "أحدهم" .. قربت الصورة وبدأت لا شعورياً تجري المقارنات ...
لا يشبهه كثيراً ....
عبيد كان لونه مائلاً بين الابيض والقمحي ذو وسامة شبابية هادئة وبسمة حنونة نابعة من القلب ..
احست بصدرها يرتجف وهي تستعيد صورة منقذها بشجن عارم آسر ..
اما "هو" ..... فكان اسمر اللون ذو جسد اكثر طولاً وعرضاً .. ذو وسامة خشنة ... حادة ....
وندبته التي لم تكتشف وجودها سوى منذ وقت قريب زادت من خشونة ملامحه مما يجعل قلبها يرقص اثارةً كلما تذكرتها ..
كان "كـ كل" مثالاً للغموض الصامت .. ونظراته الفهدية "كانت تفتك أوردتها رغم عتمة سكونها" ..
شعرت وكأن حملاً على صدرها يجثو على مجرى تنفسها .. لم تعد تحتمل مشاعرها المحمومة التي تكنها لـ ذلك الرجل ..
تشعر انها تغرق ببحرٍ ملك عيناه .. وتحت حكم شخصه الرجولي العصي عن النسيان/التجاهل ..
اخذت اكبر كمية من الهواء ثم اخرجته على هيئة صفائح حارة متهدجة مرتجفة .. وتسائلت بألم ..
أسيجد قلبها السكينة في يوم ..!!!
.
.
.
.
.
.
.
يشعر في كل مرة .. تدخل "هي" في المعادلة .. تزداد قلة سيطرته على نفسه .. على انفعاله .. على غضبه المتراكم ..
تذكر آخر معركة كلامية حدثت بينهما .. اتهمته منذ ليلتين بين دموعها "التي تنهك روحه" بأنه قاسي .. بأنه عديم الرحمة .. ولا يتقِ الله فيها بظلمه لها ....
تملكه الغضب العاتي منها وهو يراها تتخذ بكل صفاقة وضعية المظلوم وتجبره على اتخاذ وضعية "الظالم" ..!!
وكأنها هي من تجرعت الذل لسنوات طويلة من غير ان تتفوه ببنت شفه وليس هو ..!!!
غضبه كان منها .. ومنه قبل هذا ..
كان يتلوى بلهيب الشوق .. يتفحم بالرغبة الهوجاء .. يتعصر بحبل عشق مجنون يجعله يتوق لتنفس اريج انفاسها ..
يلمس طراوة شفتيها المكتنزتين .. يتذوق الشهد القابع بينهما .....
كان يشهد الموت ذاته وهو مصلوب بين رغبته بتجميع كبريائه المهدور والدخول عليها الغرفة وجرها لأحضانه والغرق بكل ضراوة في دوامة نهم خالص فيها حتى تبكي توقاً/غراماً تحت يديه ..
دخل في تلك الليلة إليها وجسده بأكمله متحفز ملتهب .. وعقله مشوش مبهم ..
كان خائف .....
أجل .. سلطان "ذو الهيبة العصية عن الوصف" كان خائفاً .....
كان خائفاً من ان ترى كمية رغبته الشديدة بها .. بحاجته لقربها .. لشمها .. لتنفس عبقها ..
كان خائفاً من ترى عشقه السرمدي برجفة عيناه وبارتفاع صوت خفقات قلبه .. من ان تكتشف لوهلة ان الذي امامها .. والذي يرهب اعتى الرجال بنظرةٍ جانبية منه .. ما هو الا طفل صغير يأن جوعاً واحتياجاً بين يديها ..
خاف ان تتوحش عليه وهو الذي لم يسلم من مخالبها الناعمة طيلة 12 سنة ..
خاف ان يكسر عهده مع ذاته بأن لا يضيع هذه الايام عليهما وقد سرت الامور فيما سبق بهدوء بينهما وعاشا اوقاتاً رائعة تتسم بالسكينة والتفاهم ..
لكنه لم يتوقع ان تهجم عليه بدموعها .. وبكلماتها المرتجفة الضعيفة "الصادمة" ..
صادمة وانما ألهبت ذكرياته .. هيّجت حرقة قلبه .. جعلته يتمرغ بعذاب شديد ..
جعلته يتذكر كم كان يتألم بسبب انثى "هي الوحيدة من تمكنت من وجدانه" ........ وهي ياللوجع احرقت بعنجهية صرفة صور اناث العالم من قلبه ولم تترك الا صورتها العذبة ..
تركته 12 سنة قابعاً في محراب عشقها ناسكاً متعففاً عن جنس حواء ... ولم يضع لفروسيته وصف ولا لـ حالة رجولته المسجونة حد الا عندما روّض جماحها وأسرها بين اضلعه في اول ليلة بينهما .....
علم في تلك اللحظة انه ابداً لن ينسى لذتها وعذوبة رحيقها .. ولن يأبى الا ان يتذكر في كل ثانية "بـ وجع ضاري" انوثتها النمرودية المتوحشة رغم ضعفها الظاهر ..
مرر اصابعه السمراء بين شعيرات رأسه القصيرة وهو يزفر زفرة حارقة غارقة بالقهر ..
مازال يتوق إليها كالمجنون .. ولا يعرف ما حيلته وهو يصارع مشاعره المتناقضة .....
رفع عيناه الى باب غرفتهما المواري بسكون والذي لم يُفتح الا مرات قليلة لتخرج من خلفه شما بصمت شديد ..
لم يصدر عنها اي فعل او كلمة منذ تلك اللحظة .. وهو بدوره لم يحادثها الا مرتين فقط ..
كانت تلتزم الغرفة ولا تخرج منها الا الى الطعام "الذي لا تمس منه الا القليل" ..
نظر الى ساعة يده مدركاً قرب رجوعهم الى البلاد .. سويعات قليلة وسيتوجهون الى المطار ..
خلع قميصه القطني بضجر ليدلف للإستحمام راغباً في المقام الاول بـ إزالة ما يعتمل صدره من انفعال/مشاعر حارة ثم بـ تنظيف جسده من بقايا عرق ملتصق من اثر جريه السريع في الخارج ساعتين كاملتين من غير توقف ..
دخل الغرفة وظلام حالك يحوم حول ناظريه .. سمع حركتها الخفيفة على السرير لكنه لم يلتفت ليراها ..
ان يراها فوق سريرهما بهالة جمالها المدمر هو امر لن يحتمله ابداً .. امر يفوق طاقة صبره بدرجات كبيرة ..
اخذ بسرعة ثياباً نظيفة من الخزانة ثم التفت متجهاً الى الحمام ..
سقطت عيناه "بلا ارادة منه" الى جسدها المختبئ تحت الغطاء الكبير ..
تشنجت خفقات قلبه وهو يلمح من تحت انارة ابجورة الغرفة الصفراء الخافتة ارتجافة جسدها الغض ..
وكأن نظرة واحدة عليها وهي بهذه الحالة كانت كفيلة بتخدير وعيه .... وعقله ..
اقترب منها بهدوء حتى وصل إليها .. ثم ازاح عن رأسها الغطاء ونظرته غدت سوداء غائمة "شجية" ..
شعر بقلبه يسقط لأسفل نقطة في جسده وهو يتأمل خصيلات شعرها اللاصقة بوجهها بسبب دموعها الغزيرة .. وبسبب تعرق وجهها الذي كان تحت الملاءة "على ما يبدو" فترة ليست بقصيرة ..
كانت ترتجف وهي تحتضن بصدرها ورقة بيضاء وقلم رصاص ..
كانت مغمضة العينين بقوة وتأن ببكاء صامت "موجع حد الموت" .. لم يتمكن من ردع نفسه من الجثة على احدى ركبتيه .. امام وجهها تماماً .. وملامسة خدها متحسساً دموعها الملتهبة بأطراف اصابعه الرقيقة ..
عندما شعرت بملمس اصابعه على خدها .. جفلت بعنف وانتصبت جالسة .. وكأنها للتو نهضت من سكرة بكاء أليمة ذهب فيها عقلها تماماً عن الوجود/الاحساس ..
خرجت شهقة مكتومة منها وهي ترمقه بعيناها الحمراوان . بـ وجهها الرطب "المحتقن بشدة" .. وبـ شفتيها المنتفضتين كانتفاضات شعوب اهلكها الظلم على مدى سنون طويلة ..
اخذ يمشط بعيناه وجه انثاه ... هكذا .. وبلا حول ولا قوة من روحه المسلوبة من "جور الجوى"
كانت ترتجف بضعف شديد تحت قميصها السكري الخفيف ..
يـا إلهــــي .. ليس من العدل ان تكون بهذا الجمال .. بهذا الكمال الحوائي .. بهذه الفتنة الباذخة "المُدمرة" ..!!!
سقطت عيناه على صدرها المرتعش .... وعلى ترقوة عنقها التي تتحرك بلا هوادة معلنةً هي الاخرى تحديها على كل من يفكر بلمسها ..
تحديها على الـ سلطان ذاته ..!!!
أكنت ستكون الـ سلطان لو رفضت تحدياً أُعلن عليك امام وجهك ..!!!!
مدّ كلتا كفيه وامسك بعنقها بعد ان مرر أصابعه الطويلة "المرتجفة بانفعال لا يُطاق" ببطئ شديد على ترقوتها ...
شعرت بالضياع تحت ملمس يديه وامام وجهه الذي كان اغلبه معتم ولا يُرى ..
سرت رجفة في اوصالها وهي تستشعر قربه الطاغي عليها .. وتذكرت بأنفاس "محمومة/ثقيلة" ليلتها الاولى معه ..
كانت ليلة "معجزة" .. ليلة لا وصف لها الا "شبيهة الجنة" .. ليلة وسم فيها "هذا القريب البعيد" انوثتها بملكيته الابدية ..
تحت ملمسه الدافئ نسيت تماماً قوتها .. تمردها .. كبريائها .. تمنعها .. تحصنها ..
نسيت كل شيء ..
كــــــــــل شـــــــــــــيء ..
حبها المريض له انساها حتى "الأكسجين" ..
تشبثت بالورقة وعصرتها بيدها وكأنها تستمد بحركتها هذه قوة توقظها من سبات وعيها .. قوةً تجعلها تسترد انفاسها الهاربة وتمكنها من السيطرة على نفسها ومواجهته ..
قرّب بقوة حانية وجهها إليه بحيث ارغمها على إمالة كامل جسدها نحوه .. وهمس بأجش مبحوح .. محموم .. مسلوب الارادة .. والاتزان:
امـــــوت لا شفــــــت دمـــــــوعج ..... امـــــــوت ..
وقطع مجرى كلماته المحترقة وهو يزرع على دميعاتها قبلات ناعمة .. متروية .. ثائرة .. متوهجة كتوهج القمر ليلة اكتماله ..
ابعد وجهها عنه ورمقها نظرة "لن تنساها" .. نظرة اذهلت كيانها كله ..
نظرة ارجفتها حد النخاع .... واضعفت تحصنها الكامل ..
كانت نظرة عشق خالصة "أليمة" لا تخرج الا من قلب تمرد بنار الجوى/الحاجة .... وتعتق ..
انفاسه المتهدجة الحارة تلطم وجهها بثوران عاتي .. رائحته الرجولية الممزوجة ببقايا عرق وعطر باهت جعلت انوثتها تتحفز .. وخفقات صدرها تعلن استنفارها بجنون ....
قربه الشديد منها يثير فيها رغبات جنونية "ملتهبة" .. يضعفها ويجبرها على التفوه بكلمات تبدأها بـ "أحبك" ..
وتنتهي بـ "قبلني .. والآن" ..
همست بنبرة تقطعت من اثر البكاء الشديد .. وبنظرة حزينة من عينيها الدعجاوتين:
بـ بسسس .. إ إ إنت ..... مـ ماا .... مااا تحبني .....
مال برأسه ونظرته الغائمة تشتد عتمةً .. ثم امسك بكتفيها العاريتين وانزلها بعنف حيث كان جاثياً .. حيث اصبحت اكثر قرباً منه ..
انحنى بجسده الضخم حتى وضع جبهته على جبهتها واغمض عيناه .....
أخذت تتأمل بـ ربكة مرتعدة عيناه المغلقتان وصدره الذي يرتفع ويهبط بانفاس ثقيلة صعبة .. وكأنه يصارع في قرارة نفسه اعاصير هوجاء من مشاعر ورغبات لا تنتهي ..
لم تعرف كم من الثواني مرت ...... كم من الدقائق مرت ..
التي تعرفه انها تمنت وبشدة ان حلمها الجميل هذا لا ينتهي ..
ابدا ..!!!!
ارتعش فكها وهمسه الأجش المحموم يهز نبضاتها هزاً لم تعرف له مثيل:
ليت اللي تقولينه صدق ..
ليتنيه غضيت البصر قبل لا اطيح عينيه عليج يا بنت خويدم ..
ليتنيه غضيته ونفدت بقلبيه قبل لا تنهبينه ..
رفع كفه قبالة وجنتها الحمراء وبدأ يحركه بالهواء وكأنه يتلمس نعيمه العذب بانفعالات عاتية .. واكمل بنبرة مختنقة ... محترقة:
ليتنيه بس نفدت به قبل لا اغدي مينون بهواج اهاذيبج كل ما سرحت وضويت ..
خرجت شهقة من باطن حنجرتها وكلماته تلسع قلبها لسعات قاتلة .. كادت تتراجع للخلف لولا اشتداد قبضة يديه الحارقتين على كتفيها ..
أكمل بهمسه المتحشرج ... الموجوع ...... وانما تخلله نبرة آمرة نابعة من طبيعة شخصيته القوية:
لا ..... تمي ......
فتح عيناه السوداوان "الناريتان" .... ونظر الى شما التي ارتسم على وجهها كل معالم الذهول العاصف/الذعر الحقيقي ...
وببطئ .... التمعت ظلمة عيناه بإثارة .... ثم امسك بخصرها وقربها منه بعنف لاغياً المسافة بينهما بالطريقة الوحيدة التي يتقنها ....
بـ قبلة سلبت ارادة الطرفين .. عقلهما وسيطرتهما .. وكسرت خيط اتزان "ثوران جسديهما" ..
شعرت مع قبلته بدوار برأسها .. وكأنها تقاوم دخول ثمالة سرمدية لا نهاية فيها .. رمت تحت وطأة مشاعرها العاصفة ذراعيها على جانبيها تاركةً لهذا "القاتل" تذوق رحيقها برجولةٍ خاصة جعلت من انوثتها تأن وتصرخ ..
رفعت ذراعيها مرة أخرى علّها تستجمع قليلاً من مقاومتها لكنها لم تفلح .. كيف لها مجاراة عاصفة من المشاعر كهذه التي تصدر عن سلطانها الآن ..!!!
زمجر بإلتياع خشن وهو يعمق قبلته العنيفة مغرقاً اصابعه السمراء داخل شعرها المربوط حتى افلت عقاله بحركة واحدة ..
كان يعلم ان مجرد نظرة إليها ستفقده صوابه .. ستفقده صبره ..
كان يعلم ان نظرة واحدة فقط ستسبب بحدوث الجنون فيه .. وفي مشاعره المتهيجة ..
كان ينتظر مقاومتها .. رفضها له حتى ولو بحركة ضعيفة من يدها .. كان ينتظر ان توقفه كي لا ينجر وراء شوقه العارم إليها .. لكن عقله المسلوب ذُهل خاصة وهو يشعر بيداها الرقيقتان تتلمسان "بتعثر/خجل بالغان" صدره الصلب الحار ثم تضعهما بضعف شديد على كتفيه العاريتين اللامعتين تحت الانارة الخافتة ..
شعر تحت حركتها "غير المتوقعة" بارتفاع نسبة ادرينالين العنفوان بدمه ..
عند هذا الحد فقد سيطرته تماماً حد اللارجعة .. انتفض واقفاً وهو يحملها بين ذراعيه ومازالت شفتيه تلعبان بضراوة بشفتيها النديتين ..
وضعها على الفراش وأنين يصدر من اعمق نقطة في حنجرته يذكره بأن هذه الانثى "المستحيلة" لا تنفك تقطع نياط قلبه المُصاب بـ "صبابتها" ..
.
.
.
.
.
.
.
واشرقت شمس جديدة على بلادنا الحبيبة
تلعثمت بارتباك وهي تتلقَ حديث اختها بدهشة: الدكتور ناصر ..!!!
جلست بقرب شقيقتها وقالت بهدوء: هيه .. شفته يوم كنت عند ابويه اولت البارحة ..
شعرت شيخة بمشاعرها تتخبط ولم تعرف كيف السبيل لإخفاء ما فيها من اضطراب سوى بالوقوف هاتفةً بنبرة مكتومة:
اهاااا شي طيب .. انا بسويليه قرص بيض .. تبين ..!!!
قضمت روضة قطعة من الخيار واجابت: لا غناتي مب مشتهية بيض ..
تحركت شيخة باتجاه المطبخ ويديها تتحركان بجانبها بارتباك شديد ..
ما بكِ يا بلهاء .. ما الذي جرى لك ..!!!
ألم نتفق على نسيانه والمضي بحياتنا بعيداً عن كينونته الآسرة ..!!!
ألم تمضِ أشهر عديدة تسعين خلالها بجهد ان تتعدي المشاعر التي لسعتكِ منذ ان ابصرتي لون القهوة بعيناه ..!!!
وقفت امام المطبخ وهي تتسائل بوجع صدمها ..
لمَ تحارب مشاعر فطرية لم تتعدى عتبات قلبها ولم تتجاوز الخطوط الحمراء ..!!!
لمَ هذا الجزع الشديد من التشبث بمحض "حلم ونبض" ..!!
لمَ لا تحيا بـ حرية داخلية .. بينها وبين قلبها .. وتتنعم بـ حب انبته الصدف بخجل شديد ..!!!
لمَ التحفظ والارتباك يا شيخة لمَ ..!!!
تنهدت بإحباط ... بقلبٍ يغرق بضعف في بركة تساؤلات لامتناهية وأجوبة ما زالت مجهولة ..!!!
نهــــاية الجــــزء الســــادس والثلاثــــون
|