كاتب الموضوع :
لولوھ بنت عبدالله،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الجزء الثاني والثلاثون
(لا تلهيكم القراءة عن الصلاة يالغوالي)
الجــــزء الثــــاني والثلاثــــون
،
دعي جراحي .. دعي قلبي وما حملا
لا تسأليني عن الأمس الذي رحلا
ودعته عندما ودعت أغنيتي
وغار جرحي بسهم الحب واندملا
تاهت على موجة النسيان رحلتنا
حتى الشواطئ ضاقت قبل أن نصلا
تغرَّب الحب فينا يا مسائلتي
وكيف نسكن حبا ينكرُ الأملا
كانت هناك فتاتي .. حيث كان فمي
يروِّض الشعر .. حتى ينشد القُبلا
الشعر نزف الليالي حين نعزفه
إن لم يكن صوته نزف القلوب فلا
لولا معانقة الأحزان ما وجدت
لها القصائد في أرواحنا سبلا
وتعلمين يقينا أن في شفتي
قصيدة الموت يدمي صوتها الجُمَلا
غدا .. أسافر ..قد لا أستعيد دمي
وقد أموت غريبا عاشقا ثملا
وقد تهيم بشعري ألف باكيةٍ
فأقرئيها هوًى إن جنَّ ما عقلا
لـ إبراهيم أحمد الوافي
،
توقفت الدوريات الثلاث حول السيارة المطلوبة وبدأ رجال الشرطة بإخراج جميع الهاربين ..
خرج الرجل من السيارة "المُنقذة" واقترب من الشرطة وقال بحزم فخم: سلام عليكم ..
نزع سائق السيارة الهاربة ذراعه من يد العسكري واقترب وهو يشتم بقوة ويصرخ:
يلعن شكـ.... انت شوووو خص امك فيييييينا .. الله يلعنـ... ويلعنــ.. يالـ.... يالـ.....
دفعه رجل الشرطة بقسوة وصرخ: جب ولا كلمة .. الا بيض الله ويهه ويعل من رباه الجنة .. شلوووه لا بركتن فيييه الردي ..
جرّه العسكري وادخله واصحابه المتهورين في السيارات وذهبوا ..
بينما استدار المسؤول عن العملية الى الرجل الواقف كالجبل الشاهق وقال بحزم مثقل بالفخر/الامتنان:
اشهد انك ما قصرت يا ولد الناس .. اللي سويته ينحط على الراس ثم في العين والله ..
مد يده واكمل: معاك النقيب حريز المحيربي ..
ابتسم الرجل بسمة خفيفة تفجرت بالرجولة الناضجة وهو يمد يده ويقول:
والنعم بك وسبعة انعام .. معاك حارب بن محمد الـ ..
النقيب بحزم قوي ودود: والنعم بك زوووود يا خويه حارب .. اللي سويته اليوم هب غريب على ولد البلااااد ابد .. يعلك انت وكل من في راسه نخوه وغيره على هالبلاد ذخر الهاا ولترابهاا ..
حارب بتواضع تام: والله يا خويه ما سويت الا الواجب .. واي واحد مكاني بيسوي شراتي وزود ..
يعطيكم الصحة والعافيه ..
النقيب: كفو كفووو .. ربي يعافيك ويسلمك من ناره وعذابه ..
ذهب النقيب بعد ان اكد لـ حارب ضرورة قدومه الى المركز لإجراءات روتينية يتحتم عليه فعلها بما انه ساهم بشكل رئيسي في ايقاف الهاربين المستهترين ..
دخل الى سيارته ليحركها .. فوقوفها في وسط الطريق العام قد اعاق السير اكثر مما أُعيق بسبب مطاردة الشرطة للهاربين قبل قليل ..
يشعر بالصداع يفتك برأسه .. وحرقان لاسع بدأ يزداد في جبهته .. حيث ندبته تماماً ..
ألم ندبته يثير فيه غضب سرعان ما يتصاعد في اوردة تنفسه ..
غضب لا يزداد لينفث ما فيه من آسى وحسرة ومرارة فقد .. لا يزداد ليعلن عصيانه على احباله الصوتية ويصرخ كمداً/لوعةً/قهراً ..
لا ..
بل يزداد فقط ليحرضه على الخنوع لسلطة الصمت .. صمت مهيب يجعل من وتين قلبه يأن دهراً قبل ان يبكي دماً ..
يبكي وجعاً صافياً على من سافروا سفرة لا رجعة فيها ..
يبكي امه نيلا .. ثم نيلا .. ثم نيلا ..
ثم اباه محمد .. وأنين خفيض أليم يصدح بـ اسم . . . . . "عبيد" ..
بكاء الكبار لا يُسمع .. ولا يُرى .. بكاء الكبار كبير حتى على الاحساس ذاته ..
امسك برأسه بقوة وذكريات الندبة اللعينة تجري بعقله كجريان النهر .. هذه الندبة التي ما ان يشعر بوجودها حتى يستحيل لتمثال صامد يقف عليه غربان من جهنم تذكره بكل شيء يكره تذكره ..
ندبة بغيضة ترغمه على تذكر وجوه من فقدهم بلمحة عين .. وتجبره على الغرق بنمرودية تامة في وحل القهر ... الانتقام ... الحسرة ... والمرارة ..
آآآآخ رحمتك يالله ..
رحمتك ..
لم يتمكن من القيادة وصداع رأسه في أوجه .. أوقف سيارته بجانب الطريق ثم خرج وهواء الصيف الحار يلفح وجهه الاسمر بخيلاء صرف .. وكأن الهواء يحاول بقوة مغرورة محو تكشيرة وجه الرجل .. الا انه لم يفلح ..
أكان على هواء الصيف تحدي من لا يُمكن تحديه بسهولة ..!!!
: سييير .. سييييييييير .. سير هاااااارب ..
تغضنت جبهته بتعبير صارم مستغرب وهو يستدير للخلف لرؤية من يناديه .. رفع حاجباً واحداً محاولاً تذكر اين رآى الرجل المُقبل عليه ...
: سير هارب .. بليز .. انا يريد يور فون ..
شمر حارب عن ساعده الايمن بحركة عفوية وقال بتعجب حازم وهو يرى من خلف كتف السائق سيارة منزل ابا ذياب المألوفة لديه بسبب زياراته المتعددة الى مجلسهم: عمران ..!!! شو تسوي هنيه ...؟!
رد السائق عمران بقلق جعله ينفجر بالحديث بتلعثم وتعثر مذعور: بنات بابا هامل في السيارة .. ماما نائمة داخل تئبان انا ما يئرف هي شو في .. بليز سير انا يريد يور فون .. ماي فون مافي بتاكه .. وماما فوتيم يقول فون مال هوه سكر وماما نائمة ما يجيب فون .. ووو
قطع تسلسل حديث السائق الخائف وهو يتحرك باتجاه السيارة بثقة طاغية صارمة تأبى غير الثبات ..
اقترب من باب السيارة الخلفي قبل ان يطرق على النافذة ثلاث طرقات سريعة ليهتف بسرعة غاض البصر ما ان نزلت النافذة المظللة بشكل كامل امامه:
السلام عليكم ..
اتاه صوت غير الذي تأمل سماعه .. صوت شديد الخفوت .. مضطرب وخائف: و و وعليكم السـ السلام ..
حارب بصرامة: ختيه معاكم اخوكم حارب بن محمد .. تبغن حايه ولا معونه ترى نحن حاظرين ..
تورد وجه فطيم من الحرج والخجل وهي تتعرف على هوية الرجل ..
وسامته السمراء الخشنة بـ "عصامته التي يتدلى ذيلها على كتفه بشكل جانبي" اذهلت ناظريها وجعلتها رغم ما تشعر به من قلق وخوف في حالة تخبط وخجل غير طبيعيين ..
اجابته بتلعثم خرج نتيجة تخبط مشاعرها بين قلق وحرج انثوي طبيعي: أ أ والله يا خويه تسوي فينا خير لو ادق على ابويه ولا اخويه ذياب ..
زاد تهدج صوت فطيم وهي تكمل بصوت مذعور: مـ مـ ماعرف شو صار في ختيه .. فجأة طاحت غمرانه عقب اللي صار مساعه في الشارع .. تلفونيه فضى والدريول ما عنده رصيد ..
(طاحت غمرانه = أُغميَ عليها)
تمكنت من السيطرة على لسانها ولم تخبره ايضاً انهما لم تحملا معهما حتى مالاً لوقت الحاجة .. ان قالت له هذا فلابد وانه سيظنهما فتيات خرقاوات مستهترات ..
شعر بانقباضات في صدره ومجرى تنفسه .. لم يدرك ما يفعله حتى قال بحزم بالغ لم يظهر ما فيه من "تخبط":
ممكن ختيه اشوف شو فيها ..؟!
لمح بطرف عيناه تصلب فطيم جرّاء ذهولها من طلبه .. هتف بسرعة كي لا يقع في دائرة سوء الفهم:
طويلة العمر عنديه شهادة اسعافات اولية .. لفي ويهها بس خليني اجيك على السريع ..
بدأ انين خافت يصدر من حنجرة ناعمة الذي استحال وجهها الى شحوب شديد الاصفرار ..
لم يكسر حاجز الاغماء في عقل ناعمة الا اشتمامها رائحة رجولية قوية .. رائحة فخمة لها طابع خاص مزيجة من روائح النعناع الحار والزهور والخشب الأبيض والعنبر ..
لم تعرف ناعمة ان الطيف الذي استحضرته بعقلها بعد ان شمت الرائحة هو ذاته بشحمه ولحمه امامها .. كانت ما تزال تحت وطأة الاغماء ..
التفت حارب الى وجه التي تأن بتعب والذي اصبح باتجاهه .. ثم عرف بسرعة بديهية ان الذي اصابها مجرد انخفاض في ضغط الدم ادى لفقدانها الوعي .. والذي اكد على استنتاجه انينها المتحشرج وهي تستنجد بأختها بصوت مرهق مختنق بشدة: فـ فـ فطيم وينج .. ر ر راااسي بينفجر ..
و و و احسس بـ بـ لووووعه ..
سيطر على اضطراب مشاعره الذي شعر به يهز بعنف قفص صدره ما ان رآى تغضن وجهها الأسمر "الساحر كسحر نساء الغجر" ..
للتو فقط استطاع لمح غمازتها اليسرى .. شحوبها وبحة صوتها المتحشرج المتعب لم ينقص ابداً ما تمتلكه هذه الفريدة من سحر آسر ..
بل زاده .. وزاده .. وزاده ..!!
بدأت تفتح عيناها وضبابية حالكة تحجب رؤيتها .. تراجع حارب للخلف متجهاً نحو سيارته بقامته الرجولية العضلية الصلبة اللافتة للأنظار ..
وبخفة سريعة حمل كوب قهوته السوداء التي اشتراها منذ قليل بينما هو يتجه لمنزل ابا ذياب ولم ينسى اخذ قنينة ماء من صندوق تبريد السيارة ثم رجع مرة اخرى الى سيارة الفتاتان ..
وقف هذه المرة امام النافذة التي بقرب فطيم .. مد لها كوب القهوة الساخنة وقنينة الماء وقال بنبرة اجشة هادئة اخرجها باتزان كامل بمهارة تامة:
تفضلي ختيه .. غسلي ويهها بالماي عقب شربيها من هالكوفي وبتصح بإذن الله ..
رآى نظرة استنكار تطل من مقلتا فطيم الا انه قال بذات نبرة الهادئة الواثقة: توني شاريه ما شربت منه ولا يغمه ..
(يغمه = جغمه أي جرعة من ماء او شراب)
وقبل ان يتراجع رآى جميلته البهية تتحرك بإرهاق شديد وتستدير بوجهها .. ولكنها وقبل انت تتمكن من النظر لأي شيء بوضوح .. تراجع بقوة جاهلاً سبب عدم رغبته بأن تراه ..
لا يعرف ..
يشعر في قرارة نفسه انها الى الآن لم تتجاوز صدمتها برؤيته لها في سيارته .. وانها ما تزال غاضبة منه ومما جرى ..
رغم ان لا ناقة له ولا جمل فيما حدث .. الا ان احساس عميق اصابه بهذا الشأن ..
اقترب من السائق وقال بلهجة آمرة: عمران عطني رقمك بحولك رصيد ..
عمران بامتناع مرتبك تخلله عزة نفس شديدة: لا لا سير انا يريد بس يسوي كول ..
رمقه حارب بنظرة سوداء زادت خشونة ندبته التي تتوسط حاجبيه: عمران عن الهذربان عطني رقمك ..
ارسل حارب خلال ثواني رصيداً لعمران ثم قال بحزم بالغ: ما يحتاي ادق على حد .. دق سلف ورد البيت ..
عمران: بـ بس ماما نـ ..
حارب بثقة: ماما ناعمة خلاص ما عليها شر ان شاء الله .. يلا توكل ..
اكمل وهو يتذكر امراً مهماً: اسمعني عمران .. لا تخبر حد انك شفتني ولا رمستني تسمع ..!!!
هتف عمران بنبرة قوية ممتنة غافلاً تماماً عن سبب حرص حارب على ان لا يعرف احد بأنه كان هنا: ان شاء الله سير دونت ووري ..
هتف حارب مبرراً بخبث مبطن بالتهديد كي يفهم عمران ان الامر لمصلحته هو لا احد آخر: اذا قلت حق بابا هامل ولا ذياب شو صار بيحرجون عليك وبيسفرونك لانك هب راعي مسؤولية وما تهتم لو في تلفونك رصيد ..
حد يظهر من البيت وتلفونه مفضي ..!!!! طمطمة انت ..!!!
لو ما شفتني صدفة هنيه شو كنت بتسوي ..!!!
رآى الجزع يطل من عينا عمران واضاف بنظرة سوداء تلتمع مكراً: انا ابا مصلحتك .. ان بغيتهم يسفرونك خبرهم باللي صار ..
عمران بجزع: لا لا لا سير انا ما في يقول ..
امسك بحنجرته كعادة الهنود عندما يلقون القسم: والله والله خلاص آخر مرة ..
حارب بحاجبٍ مرفوع: وقول حق ماما فطيم ما تقول بعد .. عشان مصلحتك يعني مب عشان حد ثاني
عمران بارتباك: ايوه ايوه انا بيقول حق ماما فوتيم ..
حارب: يلا برايك .. توكل ..
استدار حارب وهو يزفر زفرة ارتياح .. غير انه يشعر في قرارة نفسه بحنق شديد من ذاته ..
لم يكن يرغب بترك الفتاة قبل ان يتأكد من صحتها لكنه ايضاً لم يكن ليغامر اكثر بعلاقته مع عائلة ابا ذياب ..
فإن صدّق ذياب المرة الاولى على انها محض صدفة أتت من قدر الله الا انه من المحال ان يصدق ان هذه المرة هي صدفة ايضاً ..!!
حسناً .. يجد نفسه مضطراً لأن يلعب دور المنقذ المتخفي حتى تصبح الفتاة حليلةً له شرعاً ..
بسبب ما جرى قبل قليل .. شعر انه من الحكمة لو تراجع عن ذهابه لأبا ذياب .. لهذا قرر ان يمر صباح يوم غد لبيت الاخير ويأخذ منه المفتاح الاحتياطي لسيارة سلطان ..
.
.
.
.
.
.
.
: ياربيييييييه يا عمراااااان قذيييتني .. قلتلك خلاااص ما بقول حق حد عن اللي صاااااار ..
(قذيتني = ازعجتني)
عمران بخوف: بليز ماما انا ما يريد بابا هامل ولا بابا ذياب يعصب عقب كنسل فيزة مال انا ..
فكرت فطيم بتوتر ..
ليست بمجنونة كي تخبر احد ان ذلك الرجل قد تكلم معهما وساعدهما .. ليست ان ارادت صفعة محترمة من والدها او اخيها ذياب ..
ارتجفت خوفاً ما ان وصلت أفكارها لهذا الحد وقالت محاولةً اسكات عمران السائق بنبرة مرهقة لا قدرة لها على الحديث اكثر: خلاص قلتلك ان شاء الله خلااااص ..
استدارت نحو اختها ناعمة التي تمسك بكوب القهوة بيدين مرتجفتين وتسند بكل تعب رأسها على ظهر مقعد السيارة ثم قالت بقلق:
ها فديتج شو صحتج الحينه ..؟!
هزت ناعمة رأسها ببطئ وهمست بخفوت مرهق: الحمدلله احسن ..
فطيم: شو ياج بسم الله عليج .. ماحيدج تخافين على ادنات الدون .. انا اللي اتحرى عمريه صياحة ودلوعة ما خفت شراتج ولا ياني شي ..
(ادنات الدون = على ابسط الأمور)
امسكت ناعمة برأسها الذي ما زال في دوار طفيف وهمست ببحة خافتة: لا هب من الروع .. بس يمكن لانيه من يومين ما كلت شي ولا شربت ماي وايد .. وهاييل الشباب الخمه يوا وزادوا السالفة عليه .. عسب جيه نزل ضغطي ..
فطيم بغضب مستنكر: شعنه امايه ..!!! ناويه تنتحرين ونحن ما نعرف ..!!!
امالت ناعمة رأسها بإرهاق وهمست بصوت لا يكاد يُسمع: فطيم تعرفيني يوم موعدها ايكون قريب تنسد نفسي واعاف العيشة ..
هتفت فطيم بنبرة حانقة: انتي والله غير نمونه .. البنات في هالفترة يستلغثن على الاكل والحلويات والعصاير وانتي تنسد نفسج ..
اغمضت ناعمة عيناها بإنهاك وهي تشرب قليلاً من كوب القهوة .. ثم عقدت حاجبيها قليلاً والرائحة الرجولية "تلك" ما زالت تداعب أنفها .. والغريب ان الرائحة تزداد ما ان تقترب من كوب القهوة وتشربه ..
انزلت ما في يدها وهي تهتف بتساؤل مستغرب: فطيم حد خطف صوبنا يوم وقفنا مساعه ..؟!
امسكت فطيم بقوة ابتسامة انثوية لعوبة ثم هتفت بخفوت: هيه
ناعمة بذات تساؤلها: منووه ..؟!
فطيم: شربي الكوفي وخلاف بقولج شو صار ..
نظرت ناعمة لكوب القهوة ثم قالت باستغراب اشد: تعالي .. من وين يبتي هالكوفي ..؟!
فطيم: هههههههههههههههههههههههه بعد هذا خلاف بخبرج عنه
ارجعت ناعمة رأسها الى ظهر المقعد وهي تدير براحة يديها كوب القهوة ..
ثم فجــــــأة ..
تشنج كامل جسدها وهي تستدير لأختها بحدة وتقول بصوت مباغت مصدوم: مال امنوووو هالكوووفي ..!!!
فطيم بتعجب بريء: ترى قلتلج بقولج خلاااف ...
لكن تعجب عينا فطيم استحال لذهول عندما مدت ناعمة الكوب نحوها وقرأت الاسم الذي كُتب على كوب القهوة المأخوذ من احد المقاهي الاجنبية المشهورة ..
"HARIB"
ناعمة بتلعثم شديد التوتر: مـ مال منو هالكوفي فطيم ارمسي ..!!!
قالت فطيم بنبرة حازمة بالغة: يا ربييييه .. نعوم حبيبتي شربي ومن نوصل البيت بخبرج ..
ناعمة بغضب نضح من وجهها الشاحب المرهق: خبريني الحين ما بصبر يلين ما نوووصل
فطيم: اوهووو عليييينا ..
اضطرت فطيم ان تقول لأختها الذي جرى بالحرف الواحد .. ولم يخفى عليها شحوب وجه ناعمة الذي ازداد وهي تحدّق بكوب القهوة بين يديها بنظرات غامضة غير مفهومة بتاتاً ..
ناعمة بنظرة ذابلة مصدومة: انتي متأكده انه هو نفسه حارب ربيع عمج واخووج ..؟!
فطيم مؤكدةً بثقة: هيه هو نفسه ..
انزلت ناعمة عيناها الى الكوب بفكر مشوش .. وبلا ارادة منها .. تصاعد لهيب حار في جوفها ..
لهيب وصل الى يدها الحاملة للكوب لاسعةً إياه بلا رحمة ..
القدر يجمعنا يا هذا بـ صورة عصية على الفهم ..
لكن لمَ .. لمَ أنت بالذات ..!!!
فطيم بمكر انثوي لا يفارق بنات حواء: ربي يحفظه من العين .. عليه جمال هب طبيييعي .. طووول وعرض وهيبه .. ما شاء الله عليه ..
تراجعت فطيم للخلف وقالت بخفوت: بس تصدقين نعوم .. ماعرف ليش من شفته تذكرت رمسة يدوه عنه وعن اللي صار في هله .. وايد غامضني هو واخته ..
مساكين ما يستاهلووون ..
استمرت ناعمة اسيرة الصمت ولم تتجاوب مع ما قالته اختها سوى ببضعة هزات رأس ..
تشعر ان الذي يحصل معها محض امرٍ من وحي الخيال ..
أن تتصادف معها الاقدار لرؤية من خلب لب قلبها في باريس هنا وبشكل متكرر .. هذا امر غريب ..
غريب بشكل لا يصدق ..!!
لكن الاكثر غرابة .. هو انها منذ ان رأته .. وهي تتلمس حبال لا تؤدي الا إليه .. إلى شخصه .. إلى كينونته هو ..
تتلمس وتستشعر بافتتان صرف علاقة خفية بين روحيهما ..
اصبحت اكثر ايماناً ان ارواحهما قد تلاقت في عالم الارواح قبل عالم الاجساد ..
قشعريرة سرت في كامل عامودها الفقري وهي تتخيل وقوفه بقربها ورؤيته لوجهها ..
كيف كان ..!!!
أكان قلقاً علي لدرجة ان يعطي فطيم قنينة ماء وكوب قهوته ..!!!
لو كان رجلاً آخر لاكتفى بإعطاء عمران هاتفه ليتصل من خلاله ويذهب ...
لمَ دائماً استشعر قربك الطاغي يا "أنت" .. واتلوى ألماّ لذيذاً لمجرد ان اتخيل طيفك يسري بين مناماتي ..!!
حـــــارب ..
يالإسمك المنبثق من إحدى قصص محاربي الاغريق القدامى .....
اشتدت قبضتها على كوب القهوة مقربةً اياه الى صدرها وهي تدرك الآن مصدر الرائحة الرجولية "المُربكة" التي ما زالت تتراقص بمكر لذيذ حول أنفها الصغير ..
.
.
.
.
.
.
.
بدأ تنفسها يثقل من شدة القلق .. الخوف .. والتوتر العارم في صدرها ..
مر يوم كامل واكثر عليها في هذا الجناح وحيدةً ولا اثر لـ طيف ذلك القاسي الى الآن ..
يا رب .. أين هو ..؟!
ليتها تملك القدرة على الخروج والبحث عنه .. لكنها لا تقدر .. وهذا ما يجعلها تضطرب اكثر ... وتنفسها يثقل .. والدم في جسدها يثخن ذعراً ..
آآآآآآآه .. ما كان عليكِ نفث براكين مرارتك وجرحك بتلك الصورة يا شما .. ما كان عليك ذلك ..
لكنه يالله استفز ذكريات بغيضة ..
ما حيلتي وتلك الذكريات قد بركت مبرك الناقة في جوفي دون رحمة ..!!!
اخذ جسدها يهتز ويتأرجح بين الامام والخلف من شدة توترها وهي تردد بخفوت كلمة "يا ربييييه" ..
ولم تعرف ان الدموع قد تجمعت بمقلتاها المظلمتان ...
انتفضت واقفة ما ان سمعت صوت باب الجناح يُفتح ..
ازدرت ريقها الجاف .. وبدأ صراع بين عيناها .. وقلبها .. فعيناها تتلهفان رؤية حبيبها بكامل صحته وعافيته .. وقلبها خائف من مواجهته رغم غضبها الشديد منه لتركه اياها وحدها فترة طويلة في هذا المكان ..
يظن هذا المجنون انها في احد مدن الوطن لا أمريكا ..
اشتدت قبضتها على يمناها عندما لمحت طرف جسده يدخل الغرفة ..
كادت تبكي فرحاً/عشقاً/امتناناً عندما رأته امامها واقفاً بذات وقفته الصارمة الغارقة في لج الصمت المهيب ..
خانتها ركبتيها عندما قررت الاقتراب منه .. لكن خيانة ركبتيها لم تعد لها اهمية عندما مر بجانبها بذات صمته "المظلم" ليقترب من حقيبة ملابسه ويفتحها ..
رغم ربكة مشاعرها وتوترها وانفعالها .. قالت وهي تراه يقطب حاجبيه بتعجب صامت قاسي: آ آ آ رتبت ثيابك وحطيتهن في الكبت ..
تراجعت لا ارادياً خطوة الى الوراء عندما رمقها بنظرة سوداء جانبية تنضح اشمئزازاً وازدراءاً .. وقال بغلظة صنديدية لا احساس فيها: ما اسمح لج اتزخين اي شي من اغراضي وثيابي .. هاذي آخر مرة ..
ارتجف فكها من قسوة كلماته .. وكأنه يبصقها بـ قرف ..
تأملت ظهره وحركاته السريعة الصارمة .. حاولت رؤية بعض من سلطانها الذي كان منذ بضعة ايام ..
حاولت امساك بعض من تعابيره .. مكره المحبب .. بسمته الواثقة .. لمعة عيناه الصقرية "القاتلة" .. كلماته القصيرة الباعثة للربكة في القلب من هول جاذبيتها ..
لكن لم تجد اي من ذلك ..!!!
رأته يمر من جانبها بسرعة وهو يخلع قميصه القمحي الخفيف مظهراً جسده الرجولي الفتاك بشكل لا يرحم انوثة من تتلوى وجعاً الآن ..
بخجل فطري انزلت عيناها حتى سمعت صوت باب الحمام يُغلق بقوة ..
ركبتاها المنتفضتان لم تتحملان هذه المرة حمل جسدها .. جلست على الاريكة وهي تضع يدها على صدرها علّها بهذا تستكين خفقاتها الوجلة ..
يا رب .. ما الذي عليّ فعله .. ليس وكأنني سأفكر مرة أخرى بالاعتذار منه ..
لا ..
انتي لم تقولي اي شيء يوجب عليك الاعتذار عليه .. لا ..!!!
يكفي ضعفاً وذلاً يا ابنة أباك .. يكفي ..!!
اخذت شهيق وزفير عميقان .. واتبعتهما بإثنان آخران بعد ثانية ..
تريد بث القوة في قلبها كي تتمكن من مواجهة هذا الرجل والخروج من مواجهته بأقل خسائر ممكنة لقلبها المُغرم ..!!
مر عليها عشر دقائق وهي على هذا الحال حتى خرج سلطان من الحمام وهو يمسح عن جبهته بقايا ماء من اثر البخار ..
اقتربت منه بسرعة وهي تهتف بحدة متلعثمة متوترة وكأنها تحاول اخراج حروفها بثبات من غير نسيان حرف واحد:
أنـ انت ووين كـ كنت ..!!! شـ شقايل تخليني هنيه روحي كل هالوقت ..!!!
ما تخاف عليه .. !! ما تهتم لو يانيه شي ولا حد يدخل عليه يسرق ولا ينهب ولا يذبح ..!!!!
وكأن كلماتها الحانقة ذهبت ادراج الرياح ..
لم يعطيها سلطان أي نظرة او ردة فعل .. بل اكمل طريقة واندس تحت الفراش الوثير واغمض عيناه السوداء بكل هدوء ..
اقتربت شما من الفراش وهي تهتف بنبرة حادة مرتجفة مخدوشة الكبرياء: انت ليش تسويلي طاااااف ..!!
هذا قدر خويدم عندك يا بومييد ..!!! جيه تسوي في بنته وانت عنده اغلى من اعيااااااله ..!!!
كادت تجن عندما لم تتلق منه بعد كلامها هذا حرفاً واحداً ..
اقتربت منه واردفت وهي تحرك يدها بـ غضب مرير .. غضب منها وعليها قبل ان يكون منه وعليه .. ان يتعامل معها كما يتعامل مع اي شيء بلا قيمة هذا يفعل فعلته الجنونية بـ روحها الشماء .. لا تحتمل بتاتاً من لا يحترم/يكترث بما تقول او تفعل:
انا ارمسسسك .. المفرووو....
شهقت بحدة عالية جزعة عندما امسك سلطان ذراعها الايمن واسقطها على صدره بقوة .. ثم رمق عيناها نظرة شيطانية لن تنساها وهو يهتف بفحيح قاسي جبروتي غليظ:
كتمت غيظيه مرة لا تظنين بكتمه مرة ثانية .. لمي ثمج وخوزي عنيه قبل لا اراويج شي ما قد ريتيه ..
قال آخر كلماته قبل ان يدفعها عنه بازدراء اسود عاتي ويوليها ظهره ..
ترنحت شما حتى كادت تسقط لكنها تمكنت من الاتزان وهي تمسك ذراعها بألم .. عند قبضة يد سلطان تماماً ..
لا تعرف من الذي طغى على من .. ألم ذراعها ام ألم قلبها .. !!
انزلت رأسها بـ روح مخذولة مخنوقة حد النخاع ثم خرجت من الغرفة بصمت ..
ما ان خرجت من الغرفة حتى رفعت رأسها كي تمنع سقوط دمعة كادت تخونها ..
تنفست بعمق ثم اخذت تتمشى في الجناح الكبير وتتأمل بنظرة ذابلة باهتة ما فعلته خلال الساعات الماضية عندما تُركت وحيدة في المكان ..
فعلت كل ما يجعلها تنسى وحدتها وقلقها وخوفها وبالها المزدحم المشوش ..
استحمت .. اكلت .. شاهدت التلفاز .. نظفت الجناح "الذي لا يحتاج للتنظيف اساساً" .. تحدثت مع اهلها وصديقتها آمنة .. صنعت كعكاً لذيذاً بسيطاً يلائم المقادير البسيطة المتواجدة لديها .. ثم نظفت المطبخ خلفها ودلفت الغرفة كي تستحم مرة اخرى قبل ان ترتب ثيابها وثياب سلطانها ..
لن تكذب وتقول انها مع كل لمسة لأغراضه وثيابه كانت تقف عشر دقائق تشم رائحة شخصه الطاغي فيهم ..
وكل مرة تأخذ شهيقاً من رائحته كان قلبها ينتفض صبابةً لا قبل لها ولا علاج ..
دخلت المطبخ .. ثم قطبت حاجبيها عندما رأت اكياس من الطعام فوق المنضدة .. لكنها سرعان ما ابتسمت ابتسامة لم تتجاوز عيناها الباردتان عندما علمت ان السلطان قد شفق عليها وجلب لها وجبة افطار ..
وضعت الأكياس في الثلاجة التي سبق ورتبت فيها حاجيات الطعام اللازمة التي جلبها سلطان ما ان وصلوا لـ آسبن ..
اغلقت باب الثلاجة بحدة وهي تجلس وتضع يدها على جبهتها ..
تشعر ان هذا الرجل يفقدها كل سيطرتها على اعصابها .. هي ليست بشخص يمكن اثارت اعصابه بسرعة وسهولة .. لطالما تمكنت من تجسيد كل دراستها في علم النفس في شتى مواقف حياتها منذ ان تخرجت قبل بضعة سنين .. لطالما كانت العنصر المُهدئ العاقل في العائلة .. العنصر الذي يُلجأ إليه في تحكيم عقول من يدخلون ضمار المشاكل حولها ...
لكن هذا السلطان تمكن بأيام قليلة من اخراج وجه آخر لم تألفه فيها.. وجه لا يمت لـ شما الهادئة العاقلة الرزينة بصلة ..
استطاع افقادها سيطرتها على انفعالاتها ولسانها بلا اي جهد منه .. نظراته الصقرية فقط كانت كافية لإستفزاز الجانب المتمرد من انوثتها ..... "المجروحة" ....
آآآآآه .. يجب عليكِ التحكم بنفسك يا شما .. لا تدعي لذلك المتكبر فرصة لإرضاء روحه المستخفة بكِ .. لا تدعيه يشعر بضعفك يا فتاة ...... ابداً ....!!
.
.
.
.
.
.
.
" تابعوا معنا اجمل افلام العشق مرارةً وعذوبة ......."
اغلقت التلفاز شاعرةً بالسأم من دعايات الافلام والمسلسلات الرومنسية .. لا تعرف الى متى ستستمر في السعي وراء التلذذ بالحب من محض رواية او فلم لا يتعدى مدته الساعتان او الثلاث ..
تحب الحب وعبقه .. تحب جنونه وعذوبته .. تحبه بكل اشكاله واصنافه .. لطالما آمنت انها ستلق من يشاركها جمال الحب في يوم .. لطالما آمنت انها لن تتزوج الا من يتمكن من سلب قلبها ويجتذب سرائر ما فيها من انوثة ..
لكن الامر لم يتعدى مرحلة مراهقة .. وتعرف انه مجرد احلام مراهقات .. لهذا عندما خطبها شقيق صديقتها لم تحاول المعارضة .. بل لم تحاول روحها الانثوية "الهائمة على الدوام" التعارك مع عقلها والتنافس على رغبات الفؤاد القابعة في اعمق نقطة فيه ..
رضت بالزواج علّها تستطيع افلات ذاتها من ادمان الحب وافلامه ومسلسلاته .. جزء منها يظن ان هذا غير عادل لها ولأحلامها الوردية .. فالزواج المخطط ينافي ما طمحت إليه من قبل ... "رغم ان هذا الزواج هو الزواج الواقعي والسائد في البلاد" ..
وجزء منها يظن ان هذا هو الطريق الحقيقي لتذوق الحب "الصافي" الذي يأتي بشكله ولونه الأصليان .. حب طاهر ملتف حوله طوق شرعه الله فوق سبع سماوات ..
لن تكذب وتقول ان الفضول لا يأكلها لتتعرف الى الرجل الذي ستتزوجه .. لكنها تكذب ان قالت انها ليست قلقة وخائفة من ان تكون حياتها القادمة باردة روتينية لا معالم للحب الدافئ "الذي لطالما تمنته" فيه ..
تنهدت بعمق ... ثم .. وبتسيير من عقلها الباطني .. وضعت ابهامه داخل فمها واغلقت عيناها وهي تذكر المرة اليتيمة التي رأت فيها حمد زوجها المستقبلي ..
فتحت عيناها بضيق وهي تُبعد اصبعها عن فمها وتهتف بصوت عالي حاد منزعج: افففففففففف بعرس جريب وهالعاده الخايسة بعدها فيييييني ..
استدارت برأسها فوق الوسادة عندما سمعت رنين هاتفها ..
انقلب وجهها الى غضب محتقر مزدري عندما لمحت رقم الرجل البغيض الذي حفظته لكثرة ما يرسله من رسائل:
يعلك العوووق يالحيـ....
اغلقت هاتفها وهي تقرر بسرعة ان غداً ستطلب من اباها تغيير رقمها الى رقم جديد ..
.
.
.
.
.
.
.
تسللت بخفوت حذر الى المطبخ كي لا تصدر صوت مرتفع لقرب غرفة والديها وجديها ...
صنعت لأجلها شطيرة جبن ومارتديلا وصبت لها كوباً من العصير الطازج ثم التفتت لتخرج ..
صرخت بحدة عندما رأت طيفاً واقفاً امام الباب: بسسسسسسم الله الرحمن الرحييييم .. سلام قولاً من رب رحيييييم ..
دخل والدها المطبخ رافعاً حاجباً بصقيعية جامدة وهو يقول بنبرة تشابه نظرة عيناه:
جيه شايفة ارضي جدامج ..!!!!
(ارضي = جني)
تلعثمت حصة بتوتر وخجل وما زال قلبها يخفق من الجزع: آ آ آ لا لا ابويه .. اسمحليه والله زغت ..
مر من جانبها من غير ان ينطق بكلمة .. وهذا ما جعل حصة تتذكر جفائه لها بعد ان اعلنت رفضها من الزواج بـ فلاح الاسبوع الماضي ..
منذ ذلك اليوم وهي تشعر انها تفتقد نظرة الحنان والحب بعينا والدها .. صحيح انه يتعامل معها ومع اختها بصرامة وبعض الأحيان بقسوة .. الا انها قسوة ابوية حانية لا تخرج الا ومعها لمعة حب دافئة من عيناه ..
هي ابنته الكبرى واكثر من يعرف طلاسيم طبع والدها الصارم ..
تشعر بألم يفتك قلبها .. لا تريد ان تخسر اباها بسبب رجل هو بنظرها لا يستحق كلمة "رجل" .. لا تريد خسارة من تعب في تربيتها من اجل امر هو بنظرها "لاقيمة له" ..
اجل .. ان تتزوج برجل تبغضه هو " امر لا قيمة له" مقارنة برغبتها الشديدة برؤية الرضى والحب على وجه رجلها وحبيبها الاول اباها ..
اخذ ابا سيف يتفحص محتوى الثلاجة الكبيرة قبل ان يقترب من طاولة المطبخ ويمسك كوب العصير الخاص بـ حصة ويقول باقتضاب: ها شو ..؟!
رفرفت العصافير في روحها عندما تحدث معها .. قالت بسرعة: عصير برتقال .. خذه ابويه بصبلي واحد ثاني ..
ابا سيف: لا مابا عصير .. في خاطريه لبن ..
اسرعت حصة الى الثلاجة واخذت علبة اللبن الكبيرة وصبت لوالدها كوباً منه ..
حصة: تفضل الغالي ..
اخذ الاخير منها الكوب وهو يقول بنبرة هادئة: دام فضلج ..
ظل والدها واقفاً ويشرب كوب اللبن بصمت مما سبب بمزيد من التوتر في جوف حصة .. تريد الاعتذار منه لكن صمته هذا لا يساعدها على الاسترخاء والتحدث ..
الا انها تغلبت على توترها .. وقالت بخفوت لا يكاد يُسمع: أ أ احم .. أبـ
وضع ابا سيف كوبه وقال وهو يستدير: يلا سيري ارقدي عن السهر ..
اعادت حصة ندائها بصوت اعلى: أ أبووويه اصبر ..
استدار ابا سيف إلى ابنته وقال بحزم صوته الطبيعي: شو ..!!!
اقتربت حصة من والدها بخجل شديد .. ثم مدت كلتا ذراعيها واحتضنت ذراعه ووضعت جانب رأسها على كتفه بغنج اثنوي فطري ..
وقالت بنبرة هامسة تشوبها نفحات الاسف وتأنيب الضمير: باباتي انا آسفة .. انا وايد كنت سخيفة معاك .. ما بعيدها والله ..
اشتعل قلبه بالعاطفة نحو هذه التي ورثت منه ابغض الخصال .. خصلة الانفعال السريع واللسان المتمرد .. لكنه اجاب بجمود ظاهري قاسي: كل ما قلنا حصيص عقلت تطلع النا بـ فنتك ايديد .. لجنه بو طبيع مايوز عن طبعه .. ما بتوبين انتي مع لسانج هذا ..
(فنتك = حركة/فعلة/تصرف)
اقتربت حصة منه واختبأت بحضنه بـ ندم ينضح من جنباته دلعاً مص كل شرارات القسوة في قلب اباها: ابوووويه عاااااااد والله ما كنت اعرف شو اقووول .. آسفة يعل لسانيه القص ان طولته عليك مرة ثانية ..
حتى سالفة العرس امررره ما برمس عنها ولا بفتح ثميه .. كله ولا زعلك يا نصخ حصيص ..
كادت تبكي سعادةً عندما احست بقبلة والدها على رأسها هاتفاً بنبرة تغرق ببحر صافٍ من الحنان:
بسم الله عليج ابويه .. ماروم انا اصلا اشل في خاطريه على الحص بنتيه ..
قبلت حصة خد اباها برقة وقالت: عساني ما خلى منك يا رووح الحص ..
: ما شااااء الله ما شااااااء الله شو عنده بوسيف وبنته مسوين فلم هندي في المطبخ ..
ضحك ابا سيف وحصة مما قاله احمد الذي دخل عليهم بـ إزاره وفانيلته ويبدو عليه امارات ...... السهاد ..!!
ابتسمت حصة بقلب صاف لعمها وهي تتأمل منظره الرجولي المتشعث .. ثم قالت: هيه انا وابويه نتغزل في بعض شو حارنك بوزايد ..
فتح احمد قنينة ماء وقال ببسمة حانية قبل ان يشرب: لا محتر ولا شياته .. تتهنّون انتو الاثنينه ويا بعض ..
شربت حصة ما تبقى من عصيرها ثم قالت وهي تهم بالخروج: يلا فديتكم بسير ارقد ..
اوقفها احمد بنبرة سريعة احست حصة فيها بفداحة ما في قلب عمها من ارهاق نفسي "لا يرغب بإخراجه": حصيص ..
سعيد فوق يصيح .. تعبت وانا احاول فيه يرقد هب طايع .. سيري طاعيه فديتج ..
حصة بلوم: الله يهداك عميه قلتلك من قبل خله يرقد عنديه انت ما طعت .. المسكين ما تعود إلين الحينه على فراق امه ..
تجمدت نظرة عيناه ما ان سمع آخر كلمة من حصة .. وقال باقتضاب شديد: برايج شليه خليه يرقد عندج ..
حصة: ان شاء الله ..
خرجت حصة من المطبخ تاركةً اباها يرمق اخاه نظرة سوداء متفحصة ..
وقال بعد ان مرت عدة ثواني: احمد ..
رفع احمد رأسه بسرعة بعد ان كان غارقاً في تفكيره: لبيه
ابا سيف بحزم دافئ: تلبي حاي يا ربيه
احمد بنظرة حانية: وياك عسى .. آمرني الغالي ..
فتح ابا سيف باب المطبخ الثاني المؤدي الى حديقة شما الخلفية وقال: تعال نتمشى خاري شويه ..
هز احمد رأسه وتبع اخاه بصمت ..
ما ان اقتربا من حديقة شما حتى قال ابا سيف بحزم غامض: احمد .. حياة حرمتك .. صار امبينكم شي وانت ما تبا تقوله ..؟!
اهتزت نظرة احمد عندما باغته اخاه بحديثه الصادم .. لكنه سرعان ما خبأ ما فيه وهو ينكر بصرامة بالغة: لا ابد ما صار شي .. شحقه هالسؤال ..؟!
هز ابا سيف كتفيه بتشكك وكأنه لم يصدق ما قاله اخاه للتو: ماعرف ليش حاس ان شي صار بينك انت وحرمتك قبل لا تتوفى الله يرحمها ..
من نييب طاريها تنجلب ويصوفر ويهك ..
استند احمد بظهره على احدى النخيل وظل صامتاً يتأمل ما حوله من اخضرار جميل ..
اردف ابا سيف وهو يرمق وجه احمد بنظرة مترقبة: في عزا حرمتك انت اختفيت امرره .. ابويه قالي ان اللي سويته من زود حزنك عليها .. بس اعرفك انا زين اما زين .. عوشة غاليه عندك وتحبها بس فراقها ما بيخليك ضعيف وماتوقف بعزاها وتويب العربان ..
كاد ان يبصق قيحاً خالصاً مقرفاً من جوفه شاعراً ان القيح هذا يذبحه ويخنقه ..
يكره ذاته في كل مرة يتذكر فيها انه في يوم كان يكن لـ تلك الخائنة مشاعر جميلة .. ويزدري نفسه في كل مرة يتذكر فيها موافقته البلهاء الغبية على الزواج منها ..
كان بحق ابله .. ومعتوه .. ومغفل حد اللانهاية ..
مسد شعره القصير براحة يده وقال متجاوزاً اخاه ببسمة قاسية مريرة يأكلها الحسرة على الذات:
هب كل شي يا خويه ايي على هوا ما نعرف ونظن .. كلنا لنا الظاهر .. نمشي ورا قلوبنا وظنونا عقب
هوووووب *واشر بيده الى الاسفل" نطيح على ويوهنا ..
شخر بـ علقيمة عاتية .. واكمل بصوت غليظ سحيق: في الاخير لا انت اللي قدرت تعرف من شو قلب ضنينك ولا انت اللي قدرت تعد كم مرة ظنك خاب فيه ..
(من شو قلب ضنينك = قلب محبوبك من اي شي مخلوق ؟)
ادرك ابا سيف ان كلام احمد جزء منه يتعلق به هو لا بغيره .. يؤمن ان هناك ما حصل بين الاخير وزوجته لكنه لا يرغب بالتفوه به ..
تنهد بخفوت وآثر ان لا يضغط على احمد بالحديث .. فوجهه ينبأ عن كمية لا حصر لها من قهر وألم شديدان ..
وقال بنبرة هادئة مجارياً اياه بالحديث: صدقت يا خويه ...
نظر لساعة يده واكمل: انا بسير ارقد ورايه شغل من غبشه
هز احمد رأسه وقال: عقب شوي بدخل انا .. تصبح على خير ..
ابا سيف: وانت من هله ..
دخل ابا سيف البيت بينما اخذ احمد يمشي في باحة المنزل والافكار تتقاذفه يمنةً ويسرة بلا هوادة ..
رفع عيناه الى السماء وقال بنبرة أجشة تغلغلت في الظلمة مع تغلغل جرحه الماكن في روحه الأبية:
يا بوسيف حطوا بين الضلوع حسرة .. يشب بلظاها حاميات الملايل ..
(الملايل جمع مليلة .. والمليلة هي الجمر الذي تخلفه النار والرمل الذي حُمي بسبب حرارتها)
.
.
.
.
.
.
.
فتح عيناه كصقر يوشك على الانقضاض .. عيناه الناعستان الحمراوتان زادتا من خشونة ملامحه الوسيمة وعكس صورة مصغرة عن نار القهر/الغضب القابع في سويداء روحه ..
كل دقيقة مرت عليه منذ ساعات كان يصدح فيها كلمات "تلك" ..
كلماتٍ اوقفت مجرى الهواء الى عقله من شدة وقعها الجبار على شخصه .. كبريائه .. وجده .... وصبره ..
لولا قول الله "والكاظمين الغيظ" لكان قد تجرد من انسانيته ولقمّها صفعة تدمي فمها التوتي الشرس ..
لولا قوله تعالى "يا ابن آدم اذكرني إذا غضبت، أذكرك إذا غضبت فلا أهلكك فيمن أُهلك" .... لكان قد أخرج قهر شيطاني تراكم في جوفه اثني عشر سنة ..
قهر كبر وتجبر على روحه لا قهر وليد اللحظة حديث العهد ..!!!
"ان رقيت سابع سما ولا طحت القاع بتم في نظريه الريال اللي ما يستااااااااهل لولوةْ خويدم .."
"ولو رد فيه الزمن جان رديتك مرتين وثلاث واربع هب الا مرة لان يا استاذ سلطان من باعنا برخيص نبيعه بسعر التراب"
عض باطن شفته السفلى من غير احساسه منه لما في داخله من اعاصير عاتية .. الا انه قطب حاجبيه بخفة وهو يعيد في عقله جملتها الاخيرة ..
"من باعنا برخيص نبيعه بسعر التراب" ..
اخذ يقلب جملتها بقهر غارق بالحيرة .. للتو فقط ركّز بكلماتها ..
ما الذي تقصدينه بكلماتك يا أنتي بحق من خلق جبروت عيناكِ ..!!!
لم يشعر بأي شيء يتصل بواقعه غير رنين الهاتف الذي اخرجه من الذي كان غارقاً فيه ..
كان المتصل سكرتيره .. تحدث معه بضعة دقائق واستشف منه آخر المستجدات الحاصلة في العمل ثم اغلق عنه ..
ادرك بعد ان نظر لساعته انه نام فقط ساعتين ..
رفع جانب فمه بسخرية ..
منذ متى كنت تنام اكثر من ذلك يا سلطان لتستغرب ..!!!
رغم انه لم ينم اكثر من اربع وعشرين ساعة .. الا ان الساعتان قد عملتا السحر فيه ليستقيظ بنشاط جسدي تام ..
بعد خروجه من الحمام .. تذكر الفتاة التي تركها خلفه وخرج ..
رغماً عنه .. ولأنه شخص لطالما تعود دوماً حمل المسؤوليات والحفاظ عليهم .... غضب مما فعله وشعر بالندم ..
ما كان عليه ترك زوجته وهم في بلاد خالية تماماً من الامان .. هذه امريكا بحق الله كيف له فعل ذلك ..!!!!
تأفف بغيظ ثم اخذ يتلفت بعيناه باحثاً عنها ولم يجدها ..
لا يريد رؤيتها في الحقيقة بعد الذي تفوهت به بحقه .. رؤيتها تزيد من غضبه واستيائه .. لكنه يخاف غضب الله وهو الذي أُئتمن عليها .. يرغب بالاطمئنان عليها ومعرفة ما اذ اكلت شيئاً منذ البارحة ام لا ..!!
بحث عنها في ارجاء الجناح ولم يجدها .. في النهاية ساقته رجلاه إلى المطبخ ..
امال جسده على حافة الباب وعقد ساعديه على صدره واخذ يتأمل امامه ما وقعت عيناه عليه ..
صورة ذات بهاء رباني يعجز امهر الرسامين عن رسمها ..
كانت تضع رأسها على طاولة المطبخ الصغيرة وشعرها الليلي الطويل منسكب على ظهرها وكل جسدها كما ينسكب قطرات العسل الاسود ..عيناها النائمتان مختبئتان تحت ذراعيها المنطويتين .. وهاتفها المحمول مرمي بإهمال امامها ..
خفقات قلبه وصلت حدود حنجرته لجمال ما يراه .. خمّن انه لو ظل واقفاً هكذا يتأملها مئة سنة لن يفتح فمه ابداً ويشتكي ..
من ذا الذي يشتكي تأمل كل هذه الكمية اللامتناهية من الجمال ..!!!!
سحقاً .. رغم كل ما تفعله به هذه الصغيرة .. يرى نفسه كالأبله يتوق إليها وإلى ملمس خدها القطني ..
إلى سرقة قبلة جائعة من فمها القاسي "العذب" ..
تردد أيوقظها ام يدعها تكمل نومها .. لكنه لم يفكر مطولاً وهو يقترب منها بخفة شديدة ويجثو بركبته بجانبها ..
خانه نفسه .... وبدل ان ايوقظها .. قرب انفه مغلقاً عيناه .... وبدأت روحه ترتحل مع عبق شعرها الخرافي مستنشقاً إياه بجنون ...
يالله .... عبقه ناعم .... مثقل بالفتنة ... بالاغراء ... بكل شيء ساحر عصي على الوصف ...
رفع عيناه وهو يختلس النظر للرسالة القادمة الى هاتفها عبر برنامج الواتس آب ..
كان من امرأة اسمها "أمونتي" .. عرف سريعاً انها آمنة زوجة صديقه بطي ..
اللحظات اليتيمة الجميلة الذي قضاها مع شما في المطعم سنحت له الفرصة كي يعرف عمق علاقة الاخيرة بزوجة صديقه بطي وشدة تعلق الاثنتين ببعضهما ..
ابتسم برجولية صرفة عندا قرأ ما كتبت آمنة:
" يالحمارة يالطفسة نسيتي اربيعتج وصندوق اسرارج .. هيه ابويه معلوم يه الاخ سلطان وسرق بلمحة عين قلبج وعقلج .. شكلج نايمة بالعسل معاه هههههههههههههههههههههه قليلة ادب شوشو استحي لا تشدين حيلج وايد ههههههههههههههههههههههههههههه"
ضحك في قرارة نفسه وهو يرى مدى تشابه طبع صديقه المجنون وطبع زوجته المجنونة ..
ثم التفت لـ شما وهو يراها تتململ بنومها وكأنها غير مرتاحة في وضعيتها هذه .. تنحنح بخفة ثم وقف وهتف بنبرة صارمة جافة مقتضبة:
شما ..
هتف بكلمة واحدة فقط .. كلمة كانت كفيلة برفع جفناها والنعاس يلفهما بضراوة ..
استقامت بظهرها بحدة/بجزع ... وقالت وهي تتلفت يمنةً ويسرة بضياع وعقل غائب من اثر النعاس: و و وين انا ..!!!
رفع حاجباً واحداً بتهكم ساخر وقال: وين ثرج بتكونين .. في العين ..!!!
هل ....... هل هذا الشخص نطق بأسمها منذ قليل ..!!!!
وقفت بسرعة مضطربة مبعثرة المشاعر وهي تزيح عن جبهتها وكتفها شعرها المتساقط .. ثم قالت محاولةً الاتزان بجسدها المتكسر من اثر النوم على الكرسي: ا ا ا أنا شو مرقدني هنيه ..؟!
مشط بعيناه محياها الجميل وقامتها التي رغم طولها الواضح كانت مقارنةً به قصيرة .. هتف بنظرة سوداء حادة:
المفروض انا اسألج هالسؤال ..
اخذت ترفع شعرها الكثيف فوق رأسها بتوتر/عبثية سامحةً للمتيم امامها بتأمل عنقها الطويل الصافي ..
لم تعرف انها بحركاتها المضطربة كانت تفتعل المعارك في جوف سلطان .. لم تعرف ان حُسنها الغارق ببحر الانوثة كان يُشعل رجولته التي تخونه ما ان تدخل "هي" وسط السطر ..
استدار بعد ان قرر الخروج والهروب من مشاعره قبل ان تخونه ..
الا انه توقف عندما سمع همسها الناعم الخجول: سـ سلطان ..
اغمض عيناه بشدة وهو يشتم قلبه الذي يخفق بجنون لمجرد سماع اسمه على لسانها ..
قال بخشونة جامدة وهو يعطيها ظهره العريض الصلب:
هلا شما
نـ نـ نطق بإسمها للمرة الثانية ..
أين ذهبت لولوة ..!!!
قالت شما وقد بثت القوة في صوتها المبحوح: شسمه .. اسويلك ريوق ..؟!
اجاب بذات نبرته الجامدة وهو يكمل سيره الى الخارج: لا تسلمين هب مشتهي ..
شعرت بإحباط شديد لتصدد سلطان الواضح عنها .. لكنها حافظت على قوة روحها وهي تقرر صنع ما اعتادت كل صباح على صنعه ..
فالعادات لا تُنسى .. ولا يسهل نسيانها .. حتى لو تغير المكان الجغرافي للإنسان .. !!
بعد دقائق معدودة
عدلت من وضعية سلسال رقبتها المرصع بذهب ابيض فاتن التصميم ثم خرجت وهي تحمل صينية عليها دلتين صغيرتين خاصتان بالسفر .. دلةً للقهوة .. ودلةً للشاي بالحليب ..
رأته واقفاً امام البلكونة المُطلة على طبيعة آسبن الخلابة بجبالها وسهولها الخضراء الباعث للسكينة والمغرية لتسبيح الله ..
رغماً عنها ابتسمت عيناها .. كيف لها العبوس وطبيعةٍ ربانية كهذه امامها ..!!!
هذا غير ممكن ....
هتفت بأنوثة ناعمة هادئة "طاغية" وهي تضع الصينية على الطاولة: اقرب بومييد تقهوي
التفت سلطان بخفة وعلى وجهه ضبابية غامضة .. وكأنه كان غارقاً في فكر بعيد كل البعد عن الواقع ....
التمعت عيناه بشكل خفي لدهشته مما رآى .. لكنه حافظ على صرامة وجهه وهو يقترب ويجلس امام الطاولة ..
لكنه ما ان جلس حتى تراجعت شما بسرعة الى الخلف وقالت بخجل فطري وهي تعدل ياقة بيجامتها الوسيعة: دقيقة بس .. بسير الحمام على السريع وببدل وبييك ..
حركتها هذه اجبرته على رؤية ياقتها التي أظهرت مع اتساعها مواطن انوثتها الباذخة .. لكنه اخفض عيناه شاعراً ان قدرة احتماله قد توشك على الخيانة به ..
برشاقة منها .. هرعت الى الغرفة بسرعة تاركةً "ذلك" يتنفس رائحتها الخوخية الرائعة التي انتشرت حوله ما ان غدت قريبة منه ..
يالله .. من يرى حُسن وجهها البريء وجسدها الغض الطري بمنحنياته الآسرة لا يظن ان هذه الصغيرة قد دخلت عامها الثلاثين ..
رفع شفته العليا باستهزاء على حاله
ومن يرى توتر خفقات قلبك وتعصر اعصاب جوفك ما ان تلمح طيفها لا يظن انك أيها السلطان قد بلغت الأربعين .. بل مراهق لم يتم حتى عامه السابعة عشر ..
اخرج من جيب بنطاله ورقة دُوّن فيها جدول تجوالهم في آسبن .. لم يبقَ لديهم سوى خمس ايام تقريباً ..
رغم انه يشعر ان هذه الرحلة قد اخذت منحنى غير الذي اراده .. منحنى ازعج نوم جرحه الذي كان يحاول اخماده "فقط لبضعة ايام" ..
إلا انه لن يسمح لشيء بإعاقة ما خطط له فيما سبق ..
.
.
.
.
.
.
.
بعد مضي يومان
وقف الشيخان الكبيران قبالة بعضهما .. اثنان كان وجه التشابه بينهما كبير ..
كبير بمدى جرح المشاعر .. ووجع القلب .. وفقد الضنى ....
الأول لا يحق له معاتبة الآخر لأن الآخر لا ينقصه وقلبه ما زال صريع ألماً ناضجاَ .. والآخر لا يحق له الاعتذار من امر كان خارجاً عن نطاق ارادته وسيطرته .....!!
لو كان الأول ما زالت روحه تنوح فقد ابنة أُغدر بها في رمشة عين .. فالثاني قد فقد ابناً وبنتاً وحفيداً اختفوا بسرعة توازي رمشة العين أضعافاً مضاعفة ..
الاثنان ليس بجعبتهما غير المواساة .. والحسرة المريرة على فلذات قلبهما ..
اقترب بـ "خيزرانه" خطوتين هاتفاً ببحة صارمة تخللها صوت شهد سنون طويلة من تجارب ومحن لا حصر لها:
شحوالك يا بوعبيد .. ربك الا بخير وبحالن طيب ..؟!
اقترب ابا عبيد "نهيان الكبير" من ابا محمد "حارب الكبير" هاتفاً بترحيب صارم تخلله طيبة قلب تمركزت في الروح: بخير يعلك الخير والعافية يا بومحمد .. انت شعلومك شو صحتك خبرني عنك ..؟!
هز رأسه بخفوت بعد ان تنهد تنهيدة سحيقة ثم قال: الحمدلله على كل حال يا اخويه نهيان .. الحمدلله على كل حال ..
اقترب منهم نهيان حفيد ابا عبيد وقال: يلا يا جماعة هاذوه المليج وصل .....
.
.
.
.
.
.
.
وضعت احمر الشفاه على المنضدة وهي تكتم عن الفتيات حولها تنهيدة ضيق/استياء لا وصف لها ..
ابتسمت بذبول عندما سمعت العنود تهتف بإعجاب حقيقي: ما شاء الله عليج حصيصي قمرررر .. اسميه ولد عبيد حظيظ يوم انه بيضوييييج ..
احتضنتها خالتها آمنة بقوة وقالت: هو من بيشوف عيونج بيطيح غشيان .. بذمتكم يا عرب حد يتحمل كل هالغوى ..!!!
زمت ميرة فمها بطفولية وقالت بتهكم: انزين عنبوه عطونا ويه .. نحن بعد اليوم بنملج ..
وسرعان ما ابتسمت بسعادة عندما امسكت موزة وجهها كلتا يديها ثم اشرت بعينان تلتمعان بجذل مُحب حنون:
ميرة انتي بعد قمررر ما شاء الله ..
لم تحتمل ميرة كمية الحب البريء المطل من عسل عينا موزة .. ارتمت بحضنها بقوة وقالت بصوت عالي: علني افدااااااااا عوييييناتج يالموووز والله محد يبرد اليوووف غيرررج ..
في الحقيقة لم تنزعج ميرة من الكلمات الغزلية التي تتقاذف على رأس حصة منذ الصباح .. كانت تعرف ان العائلة اجمع تريد تخفيف الغضب والاستياء والضيق الذين اجتمعوا بشراسة في مزاج حصة الصعب ..
كانوا يرغبون بكلماتهم المشجعة برسم البسمة على شفتيها في هذا اليوم الفارق في حياتها ..
لهذا هي ايضاً لم تقصر ابداً رغم انها هي ايضاً كانت تشعر بالتوتر والجزع الطبيعيان .. لكنها آثرت إلهاء نفسها بأختها كي تنسى وجود الانفعالات الهائجة في روحها .. او لنقل تتناساها ..
آمنة بنظرة حب أزلية: علني افداكن انتن الثنتين .. تعالن عداليه بقرا عليكن ..
اقتربت الشقيقتان من خالتهن واخذت تقرأ عليهن آيات حفظ النفس من العين والحسد ..
اشد من كان سعيداً بدخول آمنة الى البيت بعد طول غياب كانت حصة .. لكن حصة بطبعها لم تكن بالأنثى التي تتدخل عادةً بمشاكل الآخرين حتى لو كان الامر بين عمها وزوجته التي هي خالتها ..
كانت تكتفي بالصمت ورؤية إلى اين تؤول الامور ..
لكن رؤية خالتها اليوم هنا بيّن لها كمية الفقد التي كانت تشعر به في هذه الاشهر .. ان تختفي آمنة ورائحة آمنة وطيفها العذب من حولها فجأة ليس بالأمر الهين .. لا عليها ولا على الآخرين ...
حصة بنظرة ممتنة وهي تكشف ما في داخلها من مشاعر: فديتج خالوه .. كم تسوى عنديه ييتج اليوم هنيه ..
تصلبت نظرة عينا آمنة بدهشة .. ثم تدريجياً ابتسمت شفتيها بحنان عذب ناضح وقالت: هب خبله انا عسب اطوّف هاليوم عليّه ..
يعلني افداج انتي واختج ..
.
.
.
.
.
.
.
كان المجلس الكبير عامراً بالرجال .. توسطهم عائلتي خويدم بن زايد ونهيان الحر وشيوخ القبيلتين الأجلاء ..
هتف كاتب عقد القران بحزم بالغ: لو سمحتوا ابا اسمع راي البنات الله يستر عليهن ..
وقف بطي واحمد في ذات الوقت بعفوية رغبةً منهم بـ إيصال الشيخ الى مكان العرائس .. لكن صوت صارم قوي اوقفهم بإحترام شديد: انا بودي الشيخ ما عليكم امارة ..
كان هذا صوت سيف الجالس على كرسيه المتحرك .. الذي لم يكن ليقبل لأحد غيره "حتى اعمامه" بأخذ مكانه الشرعي في اليوم الذي سيتزوجن به اخواته الغاليات على روحه ..
يعترف انه خاض معركة نفسية شديدة بين ما يشعر به وما يرغب به .. لكن كانت نتيجة معركته هو انتصار رغبته على مشاعره السلبية الخاضعة اغلبها لسلطة الحسرة على الذات/الضيق الشديد ..
ابتسم ابا سيف ابتسامة جانبية فخورة تنضح عزاً واشر بعيناه لأشقائه بالجلوس وترك المجال لـ سيف لفعل هذه المهمة ..
في الداخل
ازدردت حصة غصة ماكنة في الروح .. غصة تقول لها بكل تكبر شيطاني "ان ذلك الفلاح سينال مراده لا محال"
زفرت زفرة حارة حارقة وأعلنت موافقتها امام الشيخ بصوت جامد/مقتضب ...
لم تعرف كيف وقعت على ورقة زواجها .. ولم تعرف كيف تحركت لتعطي لأختها مكانها لتتحدث مع الشيخ ..
مرت الدقائق عليها واصوات البشر تدخل مسامعها بشكل ضبابي مموه لا يُفهم ولا يقبل الاستيعاب ..
كانت مسلوبة الحواس كلياً عندما تلقت المباركات هي واختها .. وعندما اخذن النساء يتقاذفنها من حضن الى حضن ببهجة وسعادة ..
لم تدرك انها اصبحت زوجة لـ فلاح الا عندما نظر إليها شقيقها الغالي نظرة حب صافية وقال بصوت خشن رزين: بالبركهه الغالية ..
صوتها مبحوح .. مبحوح للغاية .. لكنها ردت بـ نظرة غائمة جامدة: يبارك بعمرك بومايد ..
.
.
.
.
.
.
.
تهافت الرجال يسلمون على العريسان ووالدهما .. وكان على رأسهم الشيوخ واعيان القوم ..
اقترب نهيان من شقيقاه وبارك لهما بحزم دافئ ودود: مبروووك الف مبروك ما دبرتوا يا الغوالي .. ربي يتمملكم على خير ..
فلاح بحزم مشابه يشوبه رائحة الغرور اللاصقة به على الدوام: الله يبارك فيك ويخليك يا بوعبيد .. آمين يا ربيه ..
حمد ببسمة رجولية ملؤها الجذل والبهجة .. فهو اليوم قد نال ما رغب منذ زمن طويل بنيله بالحلال: ربي يبارك في حياتك يالغالي ..
بعد ان سلم على شقيقاه .. اقترب من والده الذي كان واقفاً بعيداً مع ابا سعيد وابا جمعه ووالده ..
دنا من رأسه وقبّله بكل ما يكنه في صدره من حب واحترام وتقدير له ... ثم قال: بالبركه يا بو نهيان .. يعل الفرحة والسعاده ما تفارج ايامك وسنينك ..
اجابه والده بحزم مقتضب "غامض": يبارج بعمرك نهيان .. اللهم آمين وياكم يميع ان شاء الله ..
اردف بسرعة بأمر صارم: نهيان هات ولدك عبيد خله يسلم على هله وعمامه ..
نهيان بسمع وطاعةٍ رجولية: تامر بونهيان .. على هالخشم ..
على جانب آخر .. جلس فلاح بثقل قامته الفارعة معيداً ترتيب نسفة غترته البيضاء .. وعيناه تلمعان "بانتصار ماردي خبيث"
حسناً يا ابنة عبدالله .. يبدو ان لعبتنا على وشك البدأ ..!!
نلت حتى يجيء هذا اليوم الصبر الكثير .. وانتي بكل ما فيك من رداءة الطباع واللسان اخذت نصيبك واكثر من وقتي ..!!
تحرك فمه باحتقار غاضب كلما تذكر بذائة كلماتها التي مست بؤرة رجولته الأبية العامرة بالاعتزاز الصرف الصافي ..
: ماعرف ليش تحريت انك بتطلب شوفت حرمتك ..!!
التفت لـ شقيقه حمد وقال بسخرية: قول انك تبا تشوف حرمتك ولا تلف وادور بالرمسة ..
حمد: ههههههههههههههههه والله هو شي في الخاطر لجني ما برمس .. تعرف منقود عند عربهم هذا الشي ولا هي من سنتهم ..
فلاح: هههههههههههههههههههههه استريح عيل ولا تفضحنا وتفضح عمرك ..
.
.
.
.
.
.
.
اشرت لجدتها ببساطة: يدوه تبين من هالعصيدة ..؟!
جدتها ام محمد "ام والدها": لا لا مابا عصيده .. اشوه ها موزانه ..؟!
اشرت موزة على طبق فيه حلوى ام علي: هذا ..؟!
الجدة ام محمد: هيه هالابيض شووه ..؟!
احتارت موزة كيف تخبرها بإسم الحلوى .. لكن الجدة لم تنتظر اجابة موزة وانما وضعت القليل من الحلوى في صحنها وتذوقته .. ثم قالت بعد لحظات: هيه هذا ام علي .. واغشيييييه محلاته .. لجنه سكري عقبه بيرتفع لين قمة راسيييه ..
اشرت موزة بسماحة نفس صافية: ماعليه اهبشي منه شوي لا تكثرين يدوه ..
حركت الجدة ام محمد رأسها بشكل جعل موزة تشك ما اذ فهمت الأخيرة اشاراتها ام لم تفهمها ...
اقتربت ام العنود وبيديها صحنان من الحلوى اللذيذة: امايه يبتلج كيك .. اطعميه وايد حلو عنوده مسوتنه ..
اشرت ام محمد ببسمة اخرجت تجاعيد انفها وما حول شفتيها: لا امايه بسني كلت وايد .. عطي موزانة ..
هتفت العنود بفم مزموم: افا يدوووووه ما تبين تطعمين كيكتيه .. تعبانه عليها يا ام محمد ..
ام محمد باستخفاف شديد بـ بنات هذا الجيل: وابوووويه عليييييش .. هاي الكيكة تعبتش الحينه ..!!!
اسميكن يا بنات هاليومين ما عرفتن التعب ولا قربتن منه ...
انا وختيه لطيفة يوم كنا في سناينكن كنا شالات البيت بكبره على روسنا ووووو.....
(سناينكن = اعماركن)
نظرت العنود لـ امها ولإبنة خالها موزة نظرة ضجرة متذمرة وهي تتلقى توبيخ جدتها المعهود .. فهذا الكلام قد سمعته من جدتها فوق ما يقارب المئة مرة ..
العجائز دائماً ما يرين المتعة في توبيخ بناتهن وتذكيرهن بعراقة ماضيهن وانجازاتهن المنزلية العظيمة ..
هتفت العنود بعبوس متفكه بعد ان انتهت سلسلة كلمات الجدة ام محمد الموبخة: خلاص يدوه اسحب كلامي ..
لم تتحمل موزة وجه العنود المضحك .. وضعت كفها الايمن على فمها الصغير وضحكت بصمت رقيق ..
ام العنود: هههههههههههههههههههههه سمعن الرمسة العدله من يدتكن وسون اللي تنصحكن به .. ما تبا الا مصلحتكن هي ..
دنت من والدتها وهمست لها بصوت لا يسمعه سواهما: امايه خليني ابشرج بهالخبر ..
ام محمد: بشريني يعل ربي يبشرج بالجنه ...
ام العنود: اللهم آمييين ومن قااال ياااربي .. ولدج حارب ناوي يعرس ..
ام محمد بـ ذهول شاسع: في ذمتش ..؟!!
ام العنود ببسمة حانية: هيه نعم .. يبا ياخذ من قوم هامل بن ذياب ..
اشتدت خفقات قلب ام محمد سعادةً لأجل ذلك الذي لم تجد بمقلتيه ألوان الحياة منذ وفاة والديه واخاه ..
ثم ابتسمت بنظرات تلتمع حزناً دفيناً مغروساً في اقصى حنايا الفؤاد .. وقالت: والنعم فيهم .. عرب طيبين ايواد ماشي شراتهم في ذمتيه ...
خليه يعرس يا عاشة .. ان شاء الله على ايد الحرمة بيروم يخمد حرقة اليوف اللي اشوفها بعينه كل ما يانيه راس الخيمة ..
تنهدت ام العنود بوجع ماكن وهي تدرك ما تقصده والدتها .. ثم هتفت وهي تهز رأسها بخفوت: ان شاء الله امايه .. الله يشهد انيه اكثر وحده تبا حارب يعرس ويشوف حياته .. اللي شافه قبل هب شويه ..
رمقت ام محمد من تحت برقعها سميتها البكماء التي تضحك وغمغمت بحزن: ربي يرزقش انتي بعد بالريل الصالح .. هاليتيمة مقطعة افواديه يا بنتيه ..
تهدج صوتها وهي تكمل: شافت اللي محد يروم يشوفه .. ربي يمسح على قلبها ويرزقها السعادة وراحة البال ...
امسكت ام العنود كف والدتها وهمست بتأثر: اللهم آمين يا رب العالمين ..
.
.
.
.
.
.
.
علم منذ ان وصل الى العين عصر هذا اليوم ان زوجته في بيت والده .. لم يخبره احد .. كان كافياً على قلبه العاشق شم عبق طيفها ...
لكن ما حيلة هذا القلب وصاحبته تمارس عليه اشد انواع الظلم/الاستبداد/الجفاء/القسوة ..!!
لا ترغب بإرخاء حبل الوصال وفتح باب للتفاهم ولا بالإفصاح عما يكن في جوفها كي يقطع هو بدوره هذا الحبل ويأتي بحبه إليها مهرولاً لا ماشياً ....
سحقاً .... لو هي تعتقد انه ما زال ينوي الزحف خلفها ذلاً كي ترضى فهي مخطئة ..
لو هي تظن انه سيدخل عليها البيت الآن وتلهف قلبه المثقل بالتوق/العشق يسبقه إليها فهي مخطئة كذلك ..
تذكر حواره ليلة البارحة مع عمه والد زوجته .. صُعق بحق عندما سمع منه ان آمنة ترغب بالطلاق لأنها تعتقد انه متزوجاً عليها ..!!!!
المجنونة .. كيف لها ان تظن انه في يوم من الايام سيقترن بأنثى غيرها او حتى ينظر لسواها ..!!!
رغم ما شعر به من عدم تصديق/استغراب في صوت ابا معضد لما قالته ابنته .. إلا انه لم يعطه اية ايحاء للأخير ان ما تظنه آمنة خطأ ..
لا يعرف لمَ لم ينكر كلامها امام والدها .. يشعر انه يريد نفث بعض من لهيب غضبه حتى لو كانت طريقته واهية لا فائدة منها ..
غيظه المتصاعد مما تفعله هذه المجنونة به يوشك ان يوصله على حافة اللامعقول ..
اللامعقول بمعناه الحقيقي ..!!
: حي ذا الزووول في ذمتيه ..
استدار بطي للصوت القادم من خلفه بنظرة سوداء غائمة سرعان ما انقشعت ظلمتها بـ ود رجولي صرف:
مرحباااا مليووووون .. يالله حي من لفااااانا وانورت الدار من وطااااها ..
ابتسم القادم بـ ود وقال: ربيه يرحبك على فضله يا بونسب .. شحالهم علهم الا بخير وعافية ..؟!
بطي ببسمة مشابهة: والله بخير وعافية ما نشجي باس يا نهيان ..
اكمل وهو يتذكر بمكر: اوووه اسمحلنا .. الحينه خلاص رسمي غديت بوعبيد هههههههههههههه
نهيان: هههههههههههههههههه شفت انت عاده الدنيا ..!!!
استدار بطي الذي كان واقفاً منذ البداية على دكة ابواب مجلس الرجال المطلة على باحة المنزل وينظر من بعيد لأولاد العائلة وهم يلعبون مع عبيد ابن نهيان .. كانت محياهم تنضح سروراً وجذلاً بتواجد فرد جديد بينهم ..
بطي: تصدق عاده .. امررره نهيان قاعد ..
نهيان بتفكه لطيف: اسكت انا يوم شفته اول مرة ما صدقت .. ماريت موليه شي يشابهه فيه .. عقب عاده يوم استوعبت ان هذا ولديه شفت شقد ماخذ عنيه شيفتيه كلها ..
بطي: هههههههههههههههههههههههه اللي ما يشابه هله مصروق يا بوعبيد
(اللي ما يشابه هله مصروق = مثل شعبي يُقال دلالة على ان ابن الاهل لابد ان يأخذ شبه ملامحه منهم)
اتسعت ابتسامة نهيان مما قاله بطي ... ثم وببطء شديد ذبلت ابتسامته لتحل محلها "لمعة مقلتين" دخلتا في دوامة من افكار لا نهاية لها .. أفكار شديدةً الشحق/العتمة ....
رمق بمحاجره الضيقة جانب وجه بطي الذي ينظر للأولاد ويضحك بصمت على جنونهم ..
أتراك يا بطي مالذي ستفعله لو علمت بما حل بـ شقيقك سعيد ..!!
ما الذي سيصدر منك لو علمت ان وفاته كان قتلاً غداراً حقيراً لا يناسب شخصاً كبير الشأن مثله ..!!
انزل رأسه بملامح ضبابية جامدة ..
أستضطر لكتم بركان قهرك وصدمة مشاعرك كما كتمتها انا عندما علمت بما فعلوا الانذال بعمتي وزوجها وابنهما عبيد ..!!
أستضطر لتمثيل دور اللامبالي كما مثلته انا بينما ارى من تحت اهدابي حسرة قلب جدي على ابنته ..!!!
ام سيصدر منك ردات فعل غير متواجدة في قائمة ظنوني بك يا ابن أباك ..!!!
: هييي بونسب .. وين شرد مخك ..!!
جفل نهيان بخفة وهو يجيب بنظرة باسمة: هنيه هنيه الغالي ..
نظر لساعته واردف: يلا بترخص عنكم الحينه .. مضطر ارد دبي ..
بطي بتهكم خفيف: افااااااا شو ترد دبي .. ايلس ايلس يا ريال توه الناس ..
نهيان برفض لطيف: والله مضطر يا بوخويدم .. اسمحليه علنيه افداك ..
دفع بطي بـ لطف نهيان الى الداخل وهو يحلف ببداوة ماكنة في الروح: أقول صك الدعنه .. والله ما تسير قبل لا نقهويك ..
نهيان: ههههههههههههههههه مع ان كريشتيه ممزوره .. لجنه ماعليه فنيال واحد عن خاطرك ..
(كريشتيه = كرشته)
.
.
.
.
.
.
.
كان على وشك الخروج من حدود العين عندما اتاه اتصال من حمد الذي تكفل مسبقاً بإرجاع امه وشقيقته الى دبي ..
: هلا حمد
حمد: فلاح انت طلعت من العين ولا بعدك ..!!
فلاح: لا خطفت على الشيشة قبل شوي الحينه بطلع .. شحقه ..!!!
حمد: نحن خلينا عبيد عند هل بوسعيد .. ما طاع يفج عن العيال .. يوم بغينا نشله صاح ..
فلاح باستغراب: انزين شعنه ما تميتوا شويه معاه يلين ما يخلص لعب ..!!
حمد بهمس: فضيحة ياخي الوقت تأخر وامايه مبونها ما تروم على السهر .. تعرفها تتعب بسرعة ..
فلاح بسخرية مرحة: اخوك ياب الولد وعقه علينا .. من احينه بايعنه بو الشباب ..
ضحك حمد بخفوت بينما اردف فلاح بحزم ودود: خلاص برايك عيل راد اشله ..
حمد وهو يكتم ضحكته: اسمعني .. ان ما طاع يرد وياك اصبر عليه لا تعصب .. حليله ماصدق يشوف عيال قده يلعب معاهم .. يوم يشبع من اللعب شله ..
رفع فلاح حاجباً واحداً بتهكم باسم ثم قال: الساااع ردينا دبي اليوم .. شوف انا ما عنديه دلع .. ان مصخها بيره من كندروته هاي اللي ماعرف من وين ماخذينها .. شبر ونص ..
حمد: هههههههههههههههههههههههههههههههههه طر ها ..!!! هاي مهاري ماعرف متى لحقت تفصلها حق عبيد
سمع فلاح نبرة الغرور الطفولي في كلام مهرة التي قاطعت حديثهم الساخر: فدددديت عبييييييد وطووووله .. حبيبي انا مهره ان بغيت الخياط يخلص كندوره في ساعتين بيخلصها وريله فوق راسه ..
فلاح: ههههههههههههههههههههههههه هب هينه مهاري ..
حمد: هههههههههههههههههههه هيه شو تتحرا .. يلا عيل نخليك ..
مع السلامة ..
فلاح: مع السلامة ..
زفر زفرةً عميقة ثم اتجه الى اقرب دوار كي يرجع الى الطريق المؤدي الى منزل ابا سعيد ..
.
.
.
.
.
.
.
نزلت من الطابق العلوي بعد ان جاءها نداء ميرة تخبرها ان والدهما يرغب برؤيتهما ..
وضعت على سبيل الاحتياط غطاء رأسها على رقبتها رغم انها تعرف ان مجلس الرجال قد خلى كلياً من الضيوف لكن فقط كي تكون حذرة في حال خرج احد سائقو المنزل امامها ..
ما ان اقتربت من المجلس حتى سمعت اصوات ضحك وصخب ..
عندما فتحت الباب رأت المجلس في حالة فوضى عارمة وكل ولد اتخذ مكاناً خاصاً له ..
خويدم منبطحاً على الاريكة .. شقيقه سلطان جالس فوق متكأ أحدى الارائك واضعاً ساق على ساق .. زايد وابن ابن عمه مايد مفترشان الارض امام التلفاز تماماً ..
سعيد مع محمد ومنصور اشقاء مايد وطفل تعرف وجهه جيداً مفترشين الارض هم ايضاً بشكل متوازي كأنهم توأم ..
كانوا يشاهدون على التلفاز احد افلام ديزني الشهيرة ويضحكون بجنون ابله عالي .. منظرهم رغم الفوضى والوساخة كان جميلاً يبعث البسمة على الشفاه ..
لكنها رسمت الغضب على وجهها ودخلت واضعةً يدها على خصرها .. قبل ان تقول بزجر انثوي ناعم:
انتو شو مسووييييين ...!!! هاااااااااااااه ..!!!!
انتفض جميع الأولاد بجزع بعد ان كان واضحاً عليهم الاندماج الكلي مع الفلم ..
زمت فمها وهي ترمق كل وجه على حدا بشكل مرعب .. واردفت بتوبيخ: الليلة ولا واحد فيكم بيرقد يلين ما تنظفون الميلس كله تسمعوووون ..!!!
هتف الاولاد جميعاً لـ حصة: ان شااااااء الله صووووصة ..
رأت ان فرداً منهم لم يجب بل ظل يحدّق فيها بتوجس طفولي لذيذ ..
لم تستطع كتم بسمتها وهي تقترب منه وتقول بمكر رقيق عذب: ليش ما قلت ان شاااااء الله .. انت ما كنت معاااااهم ..!!
هز الطفل رأسه بإيجابية تخللها جزع بين نظراته .. شعرت حينها حصة ان عصافير قلبها قد سقطت صريعة عينا هذا الجميل ..
حملته بتلذذ تام وهي تسنده على خصرها وتسأله رغم معرفتها بالإجابة: شو اسمك يا حلووو يا عسسل ..!!
وضع عبيد اصبعه في فمه وقال بخجل نضح من عيناه الكبيرتان الدائريتان: اسمي عبيد ..
امسكت حصة بيدٍ واحدة وجهه وقبّلته بقوة ثم قالت بعينان تتوهجان حباً وحناناً: فديت هالثم يا ربيه .. عاشت الاساامي يا عبيد ..
تعرف انا منوووووه ..!!!
اقترب الاولاد من حصة التي كانت رغم نارية طبعها ولسانها الطويل تعشق الصغار ..
هتف محمد ابن سيف وهو يمسك بثوب عمته ويقول بحماس: انا انا بقوله اسمج عموه صوصة ..
كرر وهو يقول لـ عبيد ذو النظرات البريئة: اسمها صوووصة عبيييد ..
ضربه سلطان الذي قال بفم مزموم متهكم: شو صوصة يا غبي .. اسمها الصدقي حصة مب صوصة ..
رفعت حصة كلتا حاجبيها باستهزاء متفكه ثم قالت وهي تقترب من اذن عبيد وتهمس له: ميانين هاذيل صح ..؟!
هز عبيد رأسه بـ نعم بشكل افلت ضحكةً عالية متغنجة من حصة صدح ارجاء المجلس بأكمله ..
رجعت تقبل وجنة عبيد الممتلئ بنهم ثم قالت بصوت رقيق جميل الوقع: انا اسمي حصة ..
اشرت بحماس على ابناء بطي واحمد واكملت: انا استوي بنت عم هاييل المقلع ..
ثم اشرت على ابناء سيف وأضافت: وعمة هالثلاثي المرح
: وتستوي حرمة عمك فلاح
تصلب جسدها بـ صدمة كاسحة ما ان وصل مسامعها صوت رجولي خشن آتٍ من خلفها ..
وسرعان ما استدارت بحدة ووقعت عيناها على آخر رجل رغبت برؤيته في ليلتها هذه ..!!!
نهــــاية الجــــزء الثــــاني والثلاثــــون
.
.
ان شفت تفاعل كبير هالمرة فـ ابشروا بأحلى هدية هالاسبوع ان شاء الله :)
قراءة ممتعة حبايبي ...
|