الفصل الثاني

بعدما اختفى تماماً عن ناظريها , تنهدت بوبي مسقطة كثيراً من الهموم , ثم جلست على احد المقاعد لتلقي نظرة عامة على هذا المكتب باهتمام.
كان هناك كثير من الأتربة في كل مكان , وبلاشك هو نتيجة لكثرة الكتب . التقطت بوبي الكتاب الذي كان يقرؤه , كان مؤلف الكتاب هو نفسه دكتور براون الذي تعمل لديه الآن , كان الكتاب جديداً والتراب يغطيه, وفي الحقيقة فإن جميع المجلدات لها نفس الرائحة الذكية , كم هي عاشقة للكتب , إنها عاشت من اجلهم, وقد تعلمت منها الكثير.ريحانة
في وسط هذا الركام من الأتربة كانت هناك فقرة قصيرة توضح بعض المعلومات عن الكاتب د/ فيرجي براون , فلقد تعلم في جامعة الملك , بالإضافة الى انه اصغر متخصص في علوم الجلد وامراضه في البلدة , وله ابحاث في عدوى تلك الأمراض , ولقد اصيبت بوبي بالحيرة لقرائتها هذه المعلومات.
في منتصف الحجرة كانت توجد مدفأة ضخمة بها تجويف على الجانبين, وكان المكان يحتاج الى ارفف توضع عليها الكتب , القت بوبي نظرة على الكتب محاولة البحث عن ورقة وقلم, فالتقطت ورقة عديمة النفع وقلما وبدأت في عمل قائمة :
1- عمل ارفف لتلك الكتب.
2- تليفون المكتبة المحلية اكثر الطرق المؤثرة في تقسيم الكتب .
3- شراء نباتات خضراء وزهور للزينة .
امكنها الاستعلام عن عدد من ارقام تليفونات عمال النظافة من خلال تليفون المستشفى , فقامت بالاتصال بهم , فر د عليها شاب بصوت حالم قائلاً لها " لا يوجد الآن في القسم من يمكنه ان يساعدك" فتركت رقم تليفونها ليتصلوا بها بعد ذلك في فترة الظهيرة.
كان البند التالي هو الاتصال بالمكتبة المحلية , وتحدثت بالفعل الى فتاة مساعدة , فأوضحت لها ان تنظيم الكتب يختلف من مكتبة لأخرى , وانه بالنسبة لمكتبة د/ بروان فيمكنها تنظيمها من خلال الحروف الأبجدية لأسماء مؤلفات دكتور براون اولاً ثم باقي الكتب , ويمكن ترتيبها حسب الموضوعات , وبالفعل صنفت الكتب طبقاً للحروف الأبجدية في انحاء الغرفة, واخذ منها ذلك اكثر من ساعة, وفي نهاية المطاف شعرت بالعطش واتسخت ملابسها , حاولت الاتصال لعمل أرفف للكتب, واضافت لقائمة الشراء غلاية لعمل الشاي . منتديات ليلاس

كانت خلال ذلك تنظر الى ساعتها كل خمس دقائق في انتظار رنين التليفون, واخيراً اتصل بها مكتب عمال النظافة في المستشفى فشرحت لهم ما تريده. ولكن كان هناك احد الموظفين يعمل بشكل روتيني , وبوضوح وتلذذ رفض رغبتها قائلاً:
- لو اننا قمنا بعمل أرفف لك فإن جميع من بالمستشفى سيطلبون عمل أرفف مثلك.
ردت بصوت قوي:
- لكننا لسنا كجميع من بالمستشفى, وإذا لم تخبر انت احداً بأننا قمنا بعمل الأرفف فإننا لن نفعل ذلك ايضا.
لم يكن الموظف لا يقوم بتنفيذ الأوامر فقط, بل إنه يستنكر ذلك ايضاً, ورد عليها بقسوة قائلاً:
- نحن مضطرين للعمل من خلال النظام يا آنسة .
ردت بوبي بغضب :منتديات ليلاس
- آه يا ربي , انا لم اسمع في حياتي شيئاً يدعو للسخرية مثل هذا ! شكراً على لا شيء .
واغلقت سماعة التليفون .ريحانة
والآن ما الذي سوف تفعله ؟ إنها الآن فقط استطاعت عمل مكتب وسط هذا الركام من الكتب , إنه اول يوم ترى فيه البروفسير براون, وغداً سوف يدخل بعاصفته ويسخر منها وسط كتبه الثمينة, إنه من الأشخاص المعاكسة لطبيعتها. ولكنها سرعان ما خرجت من حيرتها , فقد تذكرت انه لن يكون هنا غداً وهي ايضاً لن تكون هنا, فعملها سوف يبدأ يوم الاثنين وغداً السبت. إذن فإن لديها يومين كاملين لعمل الأرفف , إنها سعيدة جداً لهذه الفكرة الرائعة .منتديات ليلاس
وصلت بوبي الى منزلها في الساعة الخامسة والنصف وهي مشتاقة لرؤية إليا لتقص عليها ما حدث, في السابعة تماماً دخلت المنزل فوجدته هادئاً على غير المعتاد , فبوبي عادة ما تقوم بتشغيل جهاز الكاسيت بشكل مزعج.
دخلت إليا الى غرفة الأنتريه وصاحت بسرعة :
- بوبي.

ردت بوبي:
- أنا في الحمام.
خلعت إليا الجاكيت وتركت حقيبتها على المنضدة, واخذت تفاحة تأكلها واخذت تمضغها محدثة صوتاً للمضغ , ومشت نحو الحمام حيث وجدت بوبي مرتدية مشداً للصدر اسود به دانتيل وقطعة الملابس السفلى الداخلية وهي منحنية الظهر وتنظر لنفسها في المرآة , وبدون ان تلتفت تحدثت بصوت حزين :
- هل انا اذكرك بالمرشلمو؟
إليا :
- ماذا! انا اعلم انه في يوم ما ما ستصبح بوبي اندرسون رجلاً .
- لا تمزحي إليا, فإنني لا امزح , هل انا فعلاً اذكرك بالمرشلمو ام لا؟
- بالطبع لا, إنك تذكرينني بمارلين مونرو , كل من يراك يقول ذلك.ريحانة
بوبي:
- لكن ماريلن مونرو كانت بدينة.
إليا:
- لا, إنها لم تكن بدينة , بل إن جسمها كان ملفوفاً جميلاً , لها صدر رائع, وخصر نحيل, وسيقان حسنة المنظر مثلك تماماً.
همست بوبي وقالت:
- هل تعتقدين انني اضع ماكياجاً كثيراً؟
انتقلت إليا من مكانها وهي تقول :
- نعم , احياناً, خاصة اثناء النهار.
نظرت إليا بسرعة في وجه بوبي ورجعت في كلامها بسرعة وقالت:
- أنا اقصد عندما كنت تعلمين في ماكس ويلز, إنه جزء من عملك , من لديها هذه العيون الجميلة والجلد البراق الناعم مثلك من المخجل ان تغطيهم , ولو ان لي شعراً ذهبياً مثلك فإنني بالتأكيد لن اصبغه اصفر.ريحانة
- إنك سوف تفعلين لو كان كالفأرة .
- لا إنه ذهبي بين وليس كالفأرة .

- ياللجحيم الذي انت فيه , إنك واحدة من العاطين, هذا حقيقي, ولكنك غير مسئولة عن ذلك.
هزت بوبي رأسها وقد تغير لونها وصفاً وجهها وهي تقول :
- ليس على الإطلاق .. لقد حصلت على وظيفة , وانتهت , هذه هي المشكلة.ريحانة
ابتسمت إليا ابتسامة عريضة وقالت :
- ماذا تقولين ؟! هل حصلت على وظيفة إنه مدهش! يجب عليك ان تقفزي فرحاً.
قالت بوبي :
- انتظري حتى تسمعي , لقد حصلت على وظيفة عند طبيب من اكثر الاطباء سخافة , لايمكن لك ان تتخيليه .
ردت إليا بتعجب:
- طبيب ! لكن لا يمكن ان .. أنا اقصد انك لا تعلمين...
اومأت بوبي برأسها موافقة وقالت :منتديات ليلاس
- بالضبط , أنا لا اعلم اي شيء عن الطب , أنا لا افهم ماذا يفعل. وماذا حدث بعد ذلك . إنه رجل عجيب الاطوار , طرد كثيراً من الفتيات , ومن الاشياء السيئة انه لا يحب السكرتيرات . من خلال حديثه استطعت ان اتصور ان طريقة أكله هي التي جعلت منه هذا الشخص , إنه يتكلم كالموتى , صدقيني إنه كذلك . وهناك شيء آخر مقزز : إنه شخص يستظرف , قال لي انا البروفسير , ويجب ان أناديه بهذا اللقب. انا في البداية اخطأت في تقديره , واعتقدت انه رجل من عمال النظافة.
قهقهت إليا بجمود وقالت:
- بوبي! هل اجتزت كل ذلك بنفسك؟!
في هدوء وقد فتحت ساقيها على إتساعهما ووضعت الكرسي بطريقة معكوسة وجلست عليه واسندت ذقنها على حافة مسند الظهر وقالت :
- هذا ماحدث , والآن على ان احاول الحصول على الأرفف التي سيتم تركيبها في غرفته قبل يوم الاثنين ليرى كيف استطعت ترتيب كتبه المقدسة من جديد.

وكانت المفاجأة عندما جاء البروفسير يوم الاحد ودخل الحجرة وسرعان ماترك دكتور براون الحجرة الجانبية واتجه مسرعاً الى المكتب , وكم كانت دهشته عندما رأى مكتبه وحدث نفسه قائلاً:" كيف استطاعت عمل ذلك!؟"
نظرت اليه الممرضة المسئولة نظرة حانية ذات معنى , فطلب منها فنجان قهوة, ولكنه غير رأيه وعدل عن طلب القهوة , ثم بدأ الكتابة , إنه يوم الأحد ولا يجب عليه ان يكون هنا, إنه يوم الإجازة, سألته جوفي الممرضة المسئولة :
- ماالذي أتى بك هنا يوم الإجازة ؟
ابتسم براون وقال:
- انه يوم جميل للإطلاع والخروج من المنزل , ولم اجد امامي غير هنا, وفي الحقيقة لايمكن كتابة الكتب في البيت.منتديات ليلاس
تمنى دكتور براون في داخله ان يكون شاباً مثل هؤلاء الشباب الذين يعملون نفس عمله , يتواعدون مع فتياتهم , او يفعلون اي شيء يمكن ان يسعدهم في النهاية.
خرج الدكتور براون من مكتبه متوجهاً للخروج من المستشفى , ولكنه قجأة تذكر كتاباً قد تركه فوق المكتب يوم الجمعة , فعاد مسرعاً الى مكتبه مرة اخرى وهو يشكر الله انه قد تذكره قبل ان يصل الى منزله وإلا كان قد عاد كل هذه المسافة مرة ثانية.
وصل بروان الى المكتب, وهو يلف أكرة الباب ليفتحه سمع صوتاً غير طبيعي بالداخل كأنه صوت راديو , دخل وترك الباب موارياً ونظر ليرى ساقين جميلين , فاعتقد انه يحلم , فدقق النظر فوجدها السكرتيرة الجديدة تقف في احد اركان الغرفة وهي ترتدي بلوزة شفافة عارية الأكتاف وتنورة سوداء قصيرة تظهر ساقيها على امتدادهما تماما وهي تحاول ان ترتفع بجسدها لتعلق اركان المكتبة فكانت تتجمد من الإحراج وتنظر بقلق , فقال لها :
- ربما ترغبين في توضيح الأسباب التي اتت بك هنا يا آنسة اندرسون , لا , لا تقولي لي خمن.