كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية وعسى رمضانكم زوين :$
طبعًا واضح لكم إننا دخلنا بمرحلـة حساسة شويتين، وأنا قاعدة أرمي حلول كثيرة لألغاز موجودة من بدايـة الروايـة، فاللي ما تقرأ السرد وتتململ منه تسنعي اليوم وبكره وبعده واقرأي لأني أذكر أهم تفاصيل الروايـة بالسرد أكثر منه في الحوارات، والجاي ما يتحمل تطويف جزئيات بداعي - السرد كثير -.
عمومًا خلونا في المهم ، صفحتي بالآسك قفلتها، طبعًا مو لأني حساسة وما أتحمل الكلام القاسي على قلبي الضعيف، لا يا حبيباتي بس من بدأ رمضان وصفحتي ما صار منها فائدة، أنا لو كان الداعي لقفل الصفحة هو اني تضايقت من كلام البنات اللي يتهموني بأشياء كثيرة كنت من أول تعليق رحت أتبكبك وقفلت الصفحة، لعلمكم ترى احتمالي أكبر من أي تعليق ودايم أرد برواق وما أتضايق منكم أبدًا، اللي يتهموني أرد عليهم، واللي ينتقدون بشكل مبالغ فيه أرد عليهم، عدا اللي يسبوني هذول أسفههم وأتسلى بقراءة تعليقاتهم اللي تدل على صغر عقلهم ، أقدر أرد، لكن صفحتي أنظف من إني ألوثها بسباب وشتائم ... + ماقد حذفت اي تعليق إلا اللي يروح مع البلوك، غيره أضحك عليه وأتسلى بقراءته لذلك ترى أنا ضد السب للعلم طبعًا :$ :D
وأكيد برجع افتح صفحتي بس ماهو حاليًا لأن الفائدة راحت وطغى على صفحتي عدم الفائدة، فيمكن أرجع افتحها بعد رمضان، او بعد العيد، او بعد كم شهر .. ما أدري بس متى ما حسيت اني محتاجة أفتحها أو البنات محتاجين مكان غير المنتدى والسناب والتويتر والسايات مي برجع أفتحها.
عمومًا استلموا بارت اليوم اللي بإذن الله جامد :$ حاسته بيصدمكم :$$$
بسم الله نبدأ ،
قيودٌ بلا أغلا عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !
لا تلهيكم عن العبادات
(38)
قلبي يرتعش، حدقتيَّ ترتعشان، كل خليةٍ في جسدي ترتعش . . أشعر أنّ جسدي يكتوي بنارٍ تندلعُ في حناياي ولا يُطفئها مُنقذ، الهواءُ ساخنٌ من حولي، والأرض تهتز من تحتي، أين أنا مني؟ أين الأرض من الثبات؟
ارتعشَ جسدها بقوةٍ وهي تشعر بكفيْه تتحسسان عنقها، تشعر أن بشرتهُ باتت مكواةً تحرقها ولا ترحمها، قُبلته الحادة رصاصةٌ تتجهُ إلى صدرها مباشرةً، هذا الجسر الذي بينهما تشعر أنه هشْ! ينقصه المزيد من العاطفة، تطفّل عليها الغضبُ والحدة . . وعدم الوعي التامِ منه!
تحرّك جسدها برفضٍ فوق الأريكةِ وجسدهُ ينحني إليها، تُغمض عينيها بقوةٍ وقلبها يتعرقل الإنتظامُ منه، هذهِ العاطفةُ الشائبةُ من قبلِه لا تتناسبُ مع الحب بطردية! هذه العاطفةُ العرجاءُ تصبُّ بشكل عكسيٍ مع الحُب . . تشعر بشغفه، لكن لا يكفي الشغف حتى تقبل كُليًا به، اقمع غضبك! اقمع غضبك وستقبل جوارحي كلها بك.
وضَعت كفيها على صدرِه تحاول دفعه، لكنها ما استطاعت! . . انحدرت شفاههُ إلى وجنتها ليُقبلها، ومن ثم إلى أذنها، ليهمس بصوتٍ تبدّل نصفيًا وبقيت علاماتُ الغضبِ به : أنتِ الغلو! الغلو يا جيهان
ارتعش جسدُها وهي تتنفس باضطرابٍ تشعر أن العالمَ يسحب كل الهواءِ من رئتيها ويتركها خاويةً على عروشِها، فارغةً تنتحبُ والنحيبُ ذاتهُ ينسحبُ من صوتِي، يتعرقل حين ينوي الإتجاه إلي لأختنق الآن ولا أجدُ للتنفيس عن صدري منفذًا.
وضَعت كفيها على كتفيْه وهي ترفعُ رأسها وكفيه اللتين على عُنقها تشعر أنهما كالمكبسِ ستخنقانها، ستقتلانِها لا محالة ... همَست برجاءٍ ما إن وجدت صوتها : ابعد ، بالله عليك ابعد
انكمشت كفاهُ قليلًا على عُنقها، وارتدت ملامحهُ للخلف حتى قابلَ وجهها ورأى النظرةَ الكسِيرة على عينيها، النظرة التي تكسرُه وتحطّمه إلى أشلاء، إلا أن أشلاءهُ لا ترضى بالإبتعاد الآن! فهذا سيكون كالختم على بقائـها قربَه، ستبقى معه! بالتأكيد ستبقى معهُ وبقرب صدره، وكل ما نحتاجه هو علاقةٌ زوجيةٌ صادقة.
سامحيني ، على كل شيء! سامحيني على مالا ترتضينه، رفضُكِ يصبُّ في قلبي كالحمم، يلوي أحشائي لأتقيأ الإرادةَ ولا يرضى جسدي إلا بعكسِ ما تريدينَه . . لا تعلمين أن رفض المرأة لرجُلها قد يُخلد في قلبِه كأسوأ أمرٍ ممكن! رفض المرأة لرجلها دائمًا ما يجيءُ بردةِ فعلٍ عكسية! لذا سامحي ردتي التي لا ترتضينها ... سامحي رفضك لي!
همَس لها وهو يُحيط وجهها بكفيه اللتين تشتعلان : ما بعد فيه بُعد يا عيون فواز
رمَشت جيهان بضعفٍ لتسقط دمعةً على وجنتها وصدرها يرتفعُ بشهيقٍ مُنفعل : أسألك بالــ
غطى فمها بكفِه ليُقاطع كلمتها، وبإصرارٍ حادٍ بعض الشيء : لا تسأليني بالله ، لا تقولينها
جيهان تهزّ رأسها بالنفي ودمعتها تُلامس كفه، تنظر إليه برجاء . . الحيـاةُ السوداء تنشُر ظلامها في الدمعِ لتسقط ويكون سقوطها مدويًا ، ناشرًا للسواد.
أزاحَ كفهُ عن فمها وهو يمسح نظرتها من عقله لكن هيهاتَ فمركز ذاكرته لا يتواني في حفظِ الصورِ السلبية، الصورِ التي تجيءُ ولا يكون مجيئُها عاديًا. تجاهل كل شيء! رفضها ، دمعها ، نظرتها ، نبرة الرجاءِ في صوتها ، وأسكَن صورتهما سويَّةً مدى العُمرِ في عقله ، حتى وإن علِمت فيما بعدُ بما حدث، حتى ولو علِمت بزواجـه ، إلا أنها لن تتجرأ على طلبِ الفُراق بعد كل هذا.
أحاطَ خصرها بذراعيه ليشدها إليها حتى يرفعها، إلا أنّها لازالت متمسكةً بإرادتها وقوتها لتشدّ قبضتيها على الأريكةِ بشدةٍ وتتجاهل الألم الذي شعرت بهِ في أسفل أظافرها لعُنف تشبثها. هتفت بشدةٍ لازالت تحمِل الرجاء وهي تهزّ رأسها يمينًا ويسارًا برفض ، وبضعف : الله يجعلني فدوتك يا فواز ، يا عيُوني .. مو بهالطريقة! الله يخليك مو بهالطريقة ترى الغصيبة توجع ، صدقني توجَع وأنا ما بغيت البداية كذا.
ارتخى جسدُه قليلًا وهو يزفُر أنفاسًا ساخنةً مُضطربة يتردد اضطرابُها في المدى، في صدرِه وجوفِه، في عقلهِ الذي امتلأ بنبرتِها وكلماتها، و " عيُوني "! وكأن كل العيُون فجأةً صارت هباءً ولم يعُد يرى سوى عينيها، هل هي مجرد كلمةٍ عابرةٍ لفظها لسانها وانتهت! هل هي مجرد كلمةٍ ذابلةٍ لا وجود لرائحتها؟ أم أن بُرعمًا نمى دون أن يشعر وهاهي زهرةٌ تفتحت! لم تقوليها لتنتصري علي، أليس كذلك؟! لم تقوليها لأبتعد، لأتراجع، لم تقوليها وكانت نبرتُكِ كاذبة ... هل أنا - عيُونك -؟
نظَر لعينيها الباكيتين مطولًا، لارتعاش شفتيها، لاضطرابِ صدرها خلف اضطرابِ تنفسها .. أغمضَ عينيه يُغذي نفسه بإرتواءٍ كافٍ بكلمتها تلك يجعله يبتعد، " الله يجعلني فدوة عيونِك ، ما يجعلك فدوة لي! ". أنتِ الغلو، ولا أُعيذ نفسي منكِ. أنتِ الغلو الذي لا يصل بي كافرًا، أنتِ الإيمانُ الذي ينتهي عندهُ الشقاءُ والممات.
انحنى قليلًا إلى عينيها ليُقبّل اليُمنى ومن ثمّ اليُسرى، وسكَن فؤادهُ عند اليُسرى وتحجّر الوقت وتوقف بين انقباضاتِ قلبيهما وبريق عينيْهما، كل شيءٍ حولهما توقف فجأةً حتى الهواءُ ما عاد يندفعُ إلى رئتيهما، عقاربُ الساعةِ تركض، والوقتُ لا يركض! جنةٌ عرضها الأرضُ أنتِ، وعرضها السمواتُ والأرضُ في الآخرة .. فليرزقني الله بكِ في الجنة، فليرزقني بكِ ولن أخشى وقتها فُراقكِ كما الآن.
زمّت شفتيها وهي ترفعَ يديها وتُحيط عنقه بذراعيها، تُرسل دفء جسدها إلى جسده، تناجي بالتحامهما ذا القليل من الراحة، السكينة، الحيـاة! عيناها تنامان عن الدنيا وكَدرها، تريد فقط السكُون، السكُون الذي يبتعد فيه غضبك وعاطفتكَ الشائبـة التي لا أحب.
دفَنت وجهها في عُنقهِ وهي تهمس بصوتٍ مُختنق : الحب ماهو كذا ، لا تشوهه
تعرقَلت أنفاسه، اضطرب صدرهُ طلوعًا ونزولًا، غابَت الدنيا عن عينيه ولم يعد يشعر بسواها، لم يعد يشعر إلا ببشرتها الدافئة على عنقه .. أغمضَ عينيه وهو يُحيط خصرها بقوةٍ ويضمها إليْه ، وبهمس : مين عيونك؟
جيهان تزدرد ريقها قبل أن تهمس : ما أقدر أشوف الدنيا مازالت بخير إلا فيك ، لا تصيب نفسك بآفّـة
فواز يشدّها إليه بقوةٍ ويهمس : يعني؟
جيهان : لا تفهم غلط! أنت عيوني بس
فواز : متأكدة؟
جيهان بتوترٍ تُخفي وجهها في صدره، توترٌ لا تعلم سببهُ أو من أين جاء : أيه ، أنت عيوني ما يكفيك؟ لا تصير طمّاع
فواز يبتسم رغمًا عنه وكلمتها يشعر أنها تدغدغ قلبه : طمعي ماهو راضي يقتنع بأني بس عيونك!
احمرّ وجهها وهي تتنفس باضطرابٍ ورائحةُ عطرِه تغزو أنفها، ابتعدَت عنه قليلًا بينما نظراته تلاحقها، طمعه لم يكتفي، لكنه في الحقيقة لا يستطيع أن يُقنع نفسه أنها تراه بغير ذلك! يُحاول أن يبثّ بعض الأمـل، يتفاءل بتغيرٍ وإن كان طفيفًا، إلا أنه لا يستطيع! هناك فجوة، فجوةٌ لا تسمح لهُ برؤية غير أنه - عينيها - كما أسلفت، فجوةٌ صنعها بنفسه، صنعها دونَ إرادةٍ وسقطا فيها معًا.
مدّ يدهُ ومسحَ على شعرها الطلِق والجاري على كتفيها مُصتدماً بظهرها في صورةِ شلالٍ بنيٍ صافي، بينما بلل شفتيه بلسانِه قبل أن يهمس بجدية : جيهان
تنفسَت باضطرابٍ وهي تُخفض عينيها بتوترٍ وترفع يدها لتُعيد خصلاتٍ من شعرها خلف أذنها، بينما هتف فواز بحزم : إلا أمي ، لا تزيدين الفجـوة بيننا بقلة أدبك
رفَعت عيناها إليه وهي تعقد حاجبيها، وباستنكار : قلة أدب؟
فواز بحدة : وأيش تسمين اللي تسوينَه؟
جيهان : وأنت أيش تسمي سواتك ذي لما قررت ننام هنا بدون ما تعلمني؟ وأيش تسمي اللي كنت بتسويه؟!
فواز : أسميها ردة فعل عكسية على اللي تسوينَه
تحرّك مبتعدًا باتجاه غرفةِ النومِ وهي تتابعهُ بنظراتٍ يتقلصُ فيها الراحـة، يتقلص فيها الدفء وتشعر بذلك أن الحرارة في جسدها ترتفعُ حدّ أن عيناها تشتعلان ، هتفت بحدةٍ ورفض : وأنـا اللي أسويه ردة فعل عكسية على اللي سوّته أمك
توقفت خطواتُه، وسكن لثانيتين في حالتـه يُديرها ظهره، بينما عيناها كشرارتيْن من الجحيم، كمطفأةِ سجائر تستقبل اللّفافاتِ الساخنة.
استدار إليها وهو يقطّب جبينه بحدة، يشدّ على قبضـةِ يده اليُمنى ، وبنبرةٍ تتماجُ الحدةُ فيها : اسمها خالتي ، مو أمك
جيهان : مالك شغل بطريقة مناداتي لها!
فواز وانقطابُ جبينه يتضاعف ، هتف بحزمٍ يُطفئ صوتها : جيهان! لا تطلعيني من طوري ... وش مالي شغل بعد!
زمّت شفتيها بغيظٍ وهي تُدير وجهها عنه، بينما أكمل طريقهُ والتكشير يتسلل إلى وجهه الذي يشتدُّ بغيظه، هـذا الحال لا يُناسب الزمن! هذا الحـال يجبُ أن يُقمع قبل أن تنزلق من يديْه الأمور ... يجب أن يتصرف ، وبسرعة.
،
تجلسُ في صالـةِ الجناح، الأرضُ تتسعُ بالمشِيخ، الدائرةُ السوداءُ تضيقُ على صدرها، الظلام أصبحَ اعتياديًا لديها، من عاشرَ الظلمة سنينَ لن يُحبّ الضوء، كما أضواءُ الجناح باتت لا تروقها وتزعجها وكأن " الساد " أصاب عينيها وفقَدت شفافيتها.
رفعَت قدميها عن الأرضِ لتضمّ ركبتيها إلى صدرها وتدفُن وجهها بينهما، رائحةُ اليأس تفوحُ منها، يتخلخل مساماتها الملحُ ليُنثَر على جراحها الداخليـة .. هاهي اختارت! وكم كان الإختيار صعبًا! رغمًا عنها كانت ستختارُه، رغمًا عنها كان سُلطان خيارها الأولى، وقِبلَتها الأولى، ستكُون كلّ مخططاتِ والدها باطلةٌ إن أدارت ظهرها إليْه، ولن تستطيع إدراك ما سيحدث لها بعد إذن.
أغمضت عينيها بقوة، وهمست بصوتٍ ينحشر بين ركبتيها ولا ينتشر في الهواء، يرتدُّ إلى أذنها كصدًى للحنِ نايٍ بائس : لمتى؟
وكما أن صوتَ النايِ جميل، إلا أنّ حُزنه باكٍ، حزنه غمدُ الجراحِ وصوتُه منبرُ الآه، و " آه "، وألفُ آهٍ وياحسرتي! نهرُ الدماءِ من تحتي يجرِي، وغيمةُ الدموع تهطلُ من فوقي .. يا سرمديةَ حُزني، ويا انتهاءَ الأنا في صدري ... من أنا؟ من أنا من صوتِ القيثارةِ المبحوح؟ وصوتِ النايِ الأنين! من أنا من نرجسيةِ الدمعِ الغزير؟ للهِ دُرّك يا عينِي، عجبًا لعدَمِ جفافك.
همَست بصوتٍ مبحوح، كبحّةِ الأغصانِ الجافةِ في الخريفِ، والرياحِ الضّالةِ في الشتاء : ما أقدر أعيش حيـاة ماهي لي ، ما أقدر
شهقَت بقوةٍ وابتلَع جوفُها اليأس، هبطَت دموعها كشُهبٍ لامعةٍ لاهبةٍ تشوي الوجوه، تتشقّقُ الأرض من بطشها ... ويا ويلتها كانت وجنتاها تلك الأرض.
أردفَت بسخريةٍ على حالها : ليه هو كان لك حياة أصلًا؟ يا شفقتي عليْ ، حتى أنا تبكيني! .. صوتِي ماهو صوتي، والله ماهو صوتي! كل شيء فيني ماهو لي والحيـاة اللي أعيشها ماهي حياتِي
تقوّست شفتاها وهي تغرس وجهها أكثر ممرغةً له بين ركبتيها، الصُداعُ يفتك برأسها من كل حدبٍ وصوبْ، اختارتْه، وكان اختيارها هذا كالفأس على رأسها، من البديهي أن يكون سلطان هو خيارها الوحيد والأمثل، الأفضل بالنسبةِ لديها .. لكنّ الموضوع برمّته يُشتت عقلها، يُفرّقُ شملها ، حتى سلطان الذي قررت الكثير بشأنه يُريدها كيفما يشاء، بالصورةِ التي يُريدُ وكأنها باتت لعبةً للجميع.
عضّت شفتها المُرتعشة وهي تُغمض عينيها المُزدانتان بالدمع كأرضٍ خصبة، والفرق بين عينيها وبين الأراضي الخصبة أنها قبيحةٌ بخصبتها!
سمعَت صوتَ البابِ يُفتح، فتشنّجَ جسدها رغمًا عنها وضمّت ركبتيها إلى صدرها أكثر، العباءةُ لازالت عليْها، لم تخلعها منذ عادت قبل أربعِ ساعاتٍ رُبما، أو خمسْ! لا تدري كم مرَّ على الوقت الذي عادت فيه وذهب سلطان دون أن ينزل من سيارتِه حتى! الساعةُ الآن أصبحت الثانية، وهي لم تُدرك ذلك ولم تشعر بتأخر الوقت، فالوقت عبَر كومضةٍ ولم تشعر بعبُوره في جلسةِ الحسرَةِ هذه.
نظَر سلطان إليْها نظرةً خاطفة، مُفرغَةً من أي شعور قد يُخالجه، تكدساتُ هذا اليومِ مع البارحةِ يُثقل كاهلة ، أولًا الحادث، ومن ثم غزل ... وبعد كل ذلك كان في مركز الشرطة يستمع لنتائج التحقيق مع عناد ، وبرفقتهِ هو!!
أغمضَ عينيه بقوةٍ وهو يزفر، جُدران المكان الأربع تضيق، يرتفع صدرهُ بانفعالٍ مستنشقًا الهواءَ بعنف، وكأن الأكسجين فجأةً أصبح محدودًا في الأجواء.
بينما بقيَت هي على حالها، لم ترفع رأسها بل كانت تضمُّ جسدها بصورةٍ أكبر إليها، ونظراته التي كانت تتشتت هنا وهناك بانفعاله عادت إليها، بحدّةٍ كسيفٍ سلَّهُ القهر وحطّم غمدَه ، وبصوتٍ حادٍ خرجَ ليفرغ بعض الحدةِ في جوْفه : تبكين؟
اشتدّت قبضتها على قماش عباءتها وجفناها تَستران حدقتيها بقوّةِ إطباقهما، جسدها رغمًا عنه يرتعش ، يرتعش! وكأن صوتَهُ خرجَ كرياحٍ باردةٍ انحلّ عنها الدفء، رياحٍ اصتدمَت بجسدِها لترتعش كلُّ خلاياها ببرودتها.
أردف سلطان بضيقٍ وهو يعقد حاجبيه مستنكرًا، متحسرًا : البكى ماهو لك ، ما يليق عالظالم
ارتخَت قبضتاها قليلًا وهي تفتح عينيها التائهتين، دون أن ترفعَ رأسها، تستجيب لكلمة " ظالِم " والعالم كلّه يستجيب باكيًا لها. من غيرِ العدل أن تتبدّل المصطلحات وتُلقى في غيرِ محلِّها، من غير العدل أن تقول عني - ظالمة - وأنا المظلوم بعينه .. المظلومُ الذي انجرفت الملوحةُ من تحتهِ بلّوراتٍ بيضاءَ تجتذبُ البلل منها وتتركها جافَـة.
عضّت شفتها بقوةٍ ودموعها تتساقطُ أكثر، بينما أكمل سلطان بقهرٍ وهو ينظر للأرض بفراغ : طبعًا شخص مثلك ما يهمه ، لا الزواج الباطل ولا غيره! * رفعَ رأسه للأعلى ليشدّ قبضتيه ويرفعهما قليلًا في الهواءِ مُردفًا بانفعال " أكيد ما يهمك ، هو أنتِ تعرفين الزواح الباطل أصلًا؟ طبعًا عادي عندك تنكبين الحمار اللي قدامك ... ما يهم، صح؟
بقيَت صامتةً ولم ترد، بينما تنفّس بقوةٍ وهو يشعر أنّ قهره اليومَ يحرّكه كالورقةِ وهو الريح، جاءَ من أرضِ معركةٍ ليصبَّ وجعَ خسارتِه عليها، لم يكُن ليتحدث معها هكذا، هذا ما كان يقوله قبل أن يتجه للشرطة ... لكن الآن ، تغيّر كل شيءٍ بعد أن أصبح الغضب يتغلغل جوفَه ويهوِي بقراراته.
اقترب منها قليلًا غافلًا عن كل شيءٍ وعن كلماته، عن نبرتِه القاسيةِ وسهامِه المسمومةِ التي يُلقيها إليها : واضح بعَد إن الأب والأم كافرين والا ما كانت بنتهم راح تكون كافرة كذا ولسانها أوصخ! وش هالتربية الواو! أشفق عليك وعلى أهلك صراحة
فتَرت نظراتها، واتسعت عيناها، وجُرحٌ انفلقَ فجأةً في صدرِها، جرحٌ غائرٌ نبَع منهُ الدم، الألم، الوجع، الأنين الذي يسكن عند شفتيها ولا يخرُج، ارتعشت أجفانُها في ضغفٍ هاوي، وشفتيها انفرجتا والهواءُ ينسحبُ التجاؤهُ إليها ولا تجد رئتيها سوى الانكماشِ على أوجاعُها ، من الذي يشرحُ للدمعِ أنه الأنيس؟ أنّه الونيس! أنّه الوحيد الذي لا يخُون ، ما خانني يومًا ، كيف ظلمتُه؟ ما خانني مرةً والآن لا بأس في أن أعترف له أنّه أقربُ صاحب.
كيفَ كان لا يسقُط أمام والدها؟ هل كان يُدرك أن سقُوطه كارثة؟ وأن سقوطه أمامه خاطئ؟ والآن هاهو سقط بغزارةٍ أمام من علّمه السقُوطَ بحضرتِه، أمام من قال لها " ابكي " وبكَت! . . بكَيتُ أوجاعًا غائـرةً من الحيـاة، وطلبتَ مني البُكاء لأرتاح ، والآن أنت تبكيني بلومةِ لائمِ، تبيكيني منكَ ووصاياكَ لم تعد تطبّق على أوجاعي ، بل عليْك.
شعرَت بكفِّيه تُلامسان كتفيها، حينها انتفضت انتفاضةَ المماتِ وهي ترفعُ رأسها وعيناها متسعتان بتيهٍ ليس يُغنيها عن وِحدةِ الدروب.
شدّ على كتفيها وهو بالفعل لا يجدُ نفسه، رفعها قليلًا ليجعلها تقفُ أخيرًا وتقاسيمُ وجههِ ليست هيَ، ليست ملامح سلطان، ليسَت ملامح الحنون الذي رأت قبلًا!
هتف بقسوةٍ يبثّ سمومه مع أنفاسِه : عندي ما تمشي تربية أهلك ، يا تكونين مثل ما أبي يا تنقلعين من وجهي
عضّت شفتها المُرتعشة، وعيناها الغارقتين في حُزنهما وجرحهما تماوجَ الرفضُ فيهما ، الرفضُ لمعاملةٍ وجدت عكسها من ذات الشخص ، من ذات الشخص الذي يبث ما يُريد في الوقت الذي يُريد ليبثّ الضدَّ منه حينما لا تُريد! همَست ببحةٍ مستوجعَة : وأنت تربيتك خلّتك تخدع الناس بشيء لين ما يثقون فيك ، وبعدين توريهم بشيء ثاني؟
اشتعلت عيناه بغضب، وبشدةِ نبرةٍ خاوَت شدّهُ على كتفيها حتى شعرت بأضلعها ستتحطم : لسانك لا يمس تربيتي ، أحذرك
غزل من الجهةِ الأخرى اشتعلت عيناها بقهرٍ لتهزّ رأسها يمينًا وشمالًا بانفعال، والطرحَة التي كانت على رأسها سقطت على كتفيها تلتحم مع سوادِ عباءتها : ايـه ، واضح انها تربية **** ! حقييييير!!
لم يشعر بنفسه إلا وهو يدفعها بقوةٍ حتى سقطت على الأرضِ وظهرها اصتدم بحافّةِ الأريكة، تأوّهت بقوةٍ والألم انتشر بسرعةٍ عاتية، بينما ارتفعَت كفّه دون شعورٍ لتُغمض عينيها وتصرخَ وهي تُغطي وجهها بكفيْها.
تحجّرت يدُه في الهواءِ ونسيَت الهبوط إلى وجنتها، اتسعت عيناه وكأنه أدرَك نفسه، بينما صدره يرتفع ببطءٍ يعتلي لينخفض زافرًا الهواءَ بصعوبة ... ما الذي يفعله؟ هل استحلّ به الغضب حتى هذا الحد! حدّ الذي ترتفع فيه يدُه ناويةً الهبوط إلى وجهها!!
تراجَع للخلف وهو يعضّ شفته ويُغمض عينيه بقوة، سحقًا لك يا سلمان، وسحقًا لكِ يا غزل ولوالدِك ... يا الله! هل يخسر نفسه؟ هل يخسر نفسه الآن بسببهم!!
ازدرد ريقهُ وكم تمنى في هذه اللحظة لو أنه استمع لكلام عناد الذي طلبَ منه المبيت اليوم عنده، وكأنه كان يعلم أن قهره قد يجعله يخسر نفسه فجأةً ويقوم بما لم يفكر أنه سيقُوم بهِ يومًا، أن يضرب غزل! أن يضرب انسانًا ويتجه لفعل ما ازدرءهُ من قبل . . ألأنها ابنة أحمد! أرآه فيها؟! رفَع كفّه إلى ملامحهِ وغطّى عينيه المُرهقتين وهو يسمعُ صوت بكائها يرتفع ... وفجأة ومضَ حوارٌ له مع عناد قبل زواجـه، عبارةٌ استنكرها حين سمعها من عناد ورفضَها قولًا وفعلًا
" تبي تنتقم من أبوها عن طريقها يا سلطان؟؟؟ "
إلهي ما الذي يحدث لي؟ ، ما الذي يحدث لي؟؟
ضمّت غزل جسدها بذراعيها وعيناها تنزفانَ ماءً، تعضّ شفتها السـفلى بأسنانها ونحيبها رغمًا عنها يتصاعد، وصلت إليها صفعته! وصلت إليها وإن لم تُلامس بشرتها، وكم كانت صفعته أقوى من أي صفعةٍ غزَت ملامحها قبلًا، كانت صفعةً حارة، حادة، كانت صفعةً وشمَت نفسها على صدرها ... هاهو الخُذلان الأولُ منه، لم تكَد تقوم بما قررته، لم تكد تُمارس ثقتها حتى سقَط من عينيها! ارتفعَ صراخها في كلماتٍ خُذلَت وهي تنظر إليْه بوجَع : الله ياخذك ، الله ياخذك ... خليتني أبكي! قلت عشاني، قلت عشان أرتاح ، والحين صارَت دموعي قدامك كشيء عادي ... الله ياخذك ياكذاب! ما كانت عشاني ، ما كانت عشاني والله
غطّت وجهها بكفيْها وهي تنتحب بحسرة، بينما تراجع هو للخلف مُستغفرًا بكبت، متجهًا للباب الذي دخَل منه وهو يمحُو صوتها المُنتحب وصورتها الباكيةِ من رأسه، لكنّ صورتها انحشْرت رغمًا عنهُ وخُلِّدت في عقله، صورتها كأول جرحٍ منه إليها، وأول خذلانٍ منه يعتريها.
أدار مقبض الباب، لكنّ صوتها الحاقد هتف متجهًا إلى ظهره مباشرة : رجعني لأبوي ، ناره ولا جنتك
تصلّبت يده على المقبض، وحاجبيه انعقدا بينما صدره لازال في موجةِ انفعاله.
أردفت بحقد : رجعني للشخص اللي تربيته واو .. ويصير اللي يصير ما عاد يهمني شيء ، كلّه ولا خداعك، ماني لعبة عندكم ، ماني لعبة عشان تحركونها مثل ما تبون
شدّ بقوةٍ على المقبض وهو يزمّ شفتيه بانفعال، إلا أنه هذهِ المرةَ كبتَه، وبصوتٍ حازمٍ دون أن ينظر إليها : عشم ابليس بالجنة
خرج وأطبق الباب من خلفِه بقوة، ليدوّي صوتَه في المكان مرتدًا في صدرها باعثًا صدى لا يسكن، ضرَبت الأرض بقبضتها بقهرٍ وهي تنخرط في بُكائها وتهتف بضعف : ليه تسوون فيني كذا؟ لييييييه؟
،
كان يجلسُ على سريره، ينظر للأرضِ الظلماءِ بين عتمةِ الغُرفةِ بشرود، بالتأكيد لا يرى إلا صورةً هشّةً للمفرشِ الرمادي، فرماديتُه تشوّشت بالظلام ... كان الأحرى أن يكُون في هذهِ اللحظةِ مُتمددًا على فراشِه ، يستعدّ للنومِ أو قد غاصَ في بِحار أحلامه، لكنّ التفكير يطفو رغمًا عنه فوق البحارِ والمحيطاتِ ويكُون سلطان هو الهواءُ المحرّك له.
يسترجعُ ما قبل ساعات، خارج إطارِ هذا البيتِ وكوبيليةٌ خاصّة دون إطارٍ ترتسم، نظراتُه، نبرته، انعقاد حاجبيه بمزاجٍ معكرٍ ما إن رآه ... وتبقى الصورةُ تتأرجحُ في دماغِه.
*
وقف أمام البابِ وهو يستمع لكلامِ المُحقق لسُلطان وعناد، توقف للحظةٍ والكلمات تصله : الحين بيجي صاحب الشاحنة
ابتسم سلمان ابتسامةً تكاد لا تُرى، مُجرّدُ طيفٍ ارتسم على ملامحهِ واختبأ من أعينِ البشَر .. فتَح البابَ وبرفقته الشُرطي، ومن ثم خطى بخطواتٍ واثقةٍ ليهتف بصوتٍ ثابت : السلام عليكم
وجّه المحقق نظراتِه إليه وابتسم رادًا السلام، بينما استدار عناد تلقائيًا ما إن سمع صوته وعلى ملامحهِ تعبيرٌ مستنكرٍ متسائـل عن سبب تواجده هنا، بينما بقيَ هو ، متحجرًا! ظهرُه إليه وعيناهُ تتسعان بصدمة، نبرتُه دغدغت أذنيه وجالَ في عقله أنّه ليسَ هو، بل بالتأكيد سيكون عقله أخطأ في التعرّف على اهتزازاتِ حبالِه الصوتية، باتَ كل البشر صورتُهم سلمان، وصوتهم سلمان ، وعقلهُ الذي يُطيل التفكير بِه يُخطئ ، لأنّه يراه في كل البشر لتفكيره.
ازدردَ ريقهُ قبل أن يشدّ على قبضتيه، ومن ثمّ استدار ببطءٍ وهو يفتحُ عينيه على اتساعهما حتى تحجّرتا برؤيتِه، واقفًا ينظر إليه بنظراتٍ لا تُفسر ، لم يكُن عقلهُ خاطئًا، عقلهُ لا يُخطئه! لا يُخطئ صوته ، والآن لم يُخطئه ، كان هو من سمِع.
تشنّجت يدُه، ككل مرةٍ يراه فيها من بعدِ خيبته، تشنّجه هذا يُثبت له أن الخيبة تتجدد، لكنّه يتجاهل! كل شيءٍ يتجاهله ويجعل حقده الحديثُ له نصب عينيه.
بلل شفتيْه وهو يُشتت عينيه عنه، ونظراتُ عناد كانت مرتكزةً عليه بقلق، بينما اقترب سلمان بخطواتٍ هادئةٍ ليبتسم للمحقق ويهتف : الله يسلمك ، شكرًا لأنّك اتصلت علي وبلغتني
المحقق يبتسم له : واجبنا
استدار إلى سلطان وهو يبتسم بخفة، وبصوتٍ غريبٍ عنه : مين كان يظن إنّ السيارة اللي كانت طرف بحادث ولد أخوي هي نفسها المسروقة من شركتنا
اتسعَت عينا كلٍ من سلطان وعناد، ودوَى صوتُ مدفعٍ في صدرِه، مدفعٌ للحروب يرمّلُ النساء، يُحيل الغلمان أيتامًا والنساءَ سبايا .. تنفّس بقوةٍ وهو يُشتت حدقتيه .. ماباله؟ وكأنه لا يعلمُ أنّه سلمان منذ البداية؟ ما بال صدمتهِ هذه؟ لمَ تجيئُه في غير محلّها وهو الذي يعلم كيف كان الحادث ومن وراءه.
تشبّث بالثبات، ونظر بخواءٍ إليه، يرسم الجمودْ على ملامحهِ السمراء التي تأبى السقوط، إلا أن سلمان وبكل بساطةِ العالم يقرأُ سقوطه، يراه كتابًا مكشوفًا لديه، وقصةٌ نهايتها معروفة، لم يجهلهُ يومًا، يعرفه كما يعرف نفسه، وليس صعبًا عليه أن يرى نظراته الخائبـة، أكُرهه لهُ كَذِبٌ ولم يستطِع حتى الآن حقدًا عليه؟
اقتَرب عناد من سُلطان حتى يُنقذ الموقف، حاذاهُ ليضعَ كفّهُ على كتفهِ ويبتسم لسلمان هاتفًا بابتسامةٍ لا يفهم مغزاها إلا سلمان : في الحديدة
ابتسم سلمان رغمًا عنه لمكرِه، ليتنهد بصمتٍ هاتفًا : المهم سلطان بخير * ركّز بنظراتِه على ملامحهِ التي تشنّجت * أنا اصلًا أول ما عرفت إن الشاحنة المسروقة هي نفسها اللي تسببت باللي صار أمس قررت أبيعها ... ما تسوى قدامك ترى!
احتَدّت نظراتُ سلطان بحقد، وشدّ على قبضته اليُمنى وخطى نصفَ خطوةٍ إلى الأمام إلا أن عناد شدّ بكفّه على كتفِه وهو يهتف بحزم : هذا العشم فيك يا عمي
عضّ سلطان طرفَ شفتهِ السُفلى ونظراته تتّقدُ متجهةً لعيني سلمان الباردتين، والذي استدار إلى المحقق يستجيب لسؤاله : قلت الشاحنة مسروقة من أسبوع؟
سلمان بثبات : أيه ، وأنا قدمت بلاغ من وقتها
المحقق بعملية : حاليًا البحث عنها لازال جاري * نظر لسلمان بتركيزٍ قبل أن يُردف * أنت عم الضحية؟
سلمان : ايه عمه
المحقق : طيب شاك بأحد؟ فيه ببالك شخص تعتقد انه ممكن يسرق منك الشاحنة ويورطك؟
هزّ سلمان رأسه بالنفي، وبجمود : لا
وجّه المحقق نظراتهُ إلى سلطان الذي تجيش في صدره العديد من المشاعر : وأنت ، مو شاك بأحد؟ مافيه شخص ببالك ممكن يتمنى لك الموت والشر؟
صمت سلطان قليلًا ونظراتُه تثبّت على سلمان الذي ينظر إليه بجمود، لثوانٍ قصيرةٍ كان ينظر إليه، ولسانُه يستعد للفظ اسمه ، إلا أنه أخيرًا هتفَ ببرود : لا
أغمضَ عناد عينيْه براحَة، بينما ابتسم سلمان ابتسامةً صغيرةً لمحها سلطان وشتت عنها عيناه، النارُ لا ترضى أن تنطفئ، لا ترضى أن تترك خلفها دخانًا يثبت أنها كانت، تريد هذه النار أن تراها الناس، تريد أن تبقى شيئًا ملموسًا للعيَان.
صغِرتُ يا أبي، عُدت بعمري ليومِ وفاتك، لم أجد ما أتوكأ عليه وانكمشت حواسي كلّها لذاك اليومِ الأليم، لمَ منعتني يا عناد من الركض إليه واحتضانه؟ لمَ منعتني من الإلتصاقِ بهِ والالتحامِ لنُصبح واحد ... وأموتَ معه.
دماؤكَ كانت يا أبي حمراء! لم أكره هذا اللون كما كرهته يوم ذاك ، بات كلُّ أحمرٍ قاسٍ على قلبي ، دماؤك الطاهرةُ يا أبي رائحتها حتى الآن تُدغدغ أنفي ، لمَ لم تأخذني معك؟ لمَ لم تأخذني؟ لمْ أشتق إليك كما اشتقت الآن بعد أن تثاقلت الخيبات على صدري . . لرُوحك الجنة، ولحُزني النار.
بعد وقتٍ طويل
نهضَ سلمان عن المقعد الذي كان يجلُس عليه وهو يبتسم، ومن الجهةِ المقابلة نهض عناد ومعه سلطان الذي كان مُضطرًا في الدقائق السابقة على اختزانِ الموجِ الناري في صدرهِ والإصتدام مع سلمان ببعض الكلمات.
سلمان بابتسامـة : المهم من كل اللي صار تعرفون من اللي تسبب بالحادث وكان ناوي على ولد أخوي
زفَر سلطان وهو ينظر إليْهِ بحُنق، بينما اقترب منه سلمان ليضعَ كفّهُ على كتفهِ باسمًا : مرة ثانية الحمدلله على سلامتك
تراجعَ للخلف وهو يعض طرف شفتِه بغضب، ونظراتُ عناد تشتدُّ والحال الذي أمامـه لا يعجبه، سلمان مُستفزٌ لسلطان بهذهِ التصرفات خصوصًا حين اكتشف أنَّه بكل بساطةٍ مالكُ الشاحنـة ، أي أنه بالتأكيد سيفكر بكونِ سلمان يفعل ما يريد بأدلةٍ تتجه إليْه لكنّه يتعامل معها وفقَ مصالحـه، الشاحنةُ له، لكنّها مسروقةٌ منذ أسبوع! ماهذا التلاعب والمكر!
انتبه عناد لنظرات المُحقق الثاقبة عليهما، بالتأكيد يستنكر ما يحدث بينهما وهما عمٌ وابن أخٍ ونظراتُ النفورُ بارزةٌ في عيني سلطان.
تنحنح المُحقق وهو يتجاهل ما يرى ويضع في نصبِ عينيه أن لا شأنَ لهُ بعلاقتهما وإن كان يتخلخلها النفور، وبهدُوء : انتهينا ، إذا فيه شيء ثاني بتواصل معكم بعدين
ابتسم إليْه سلمان شاكرًا، ومن ثمّ استدارَ ، بقيَ يتطلع بسلطان لثوانٍ قصيرة، ثوانٍ تختزلُ فيها الحناجِرُ صوتَها، والجفونُ رفرفتها، والمحاجرُ نظراتٍ تحمل كل التناقضات ، كلٌّ التناقضاتِ تأتي من أعيُنهمت تلفظُ الذكرى ويستقرُّ فيها الكَدر!
تحرّك سلمان بجمودٍ باتجاه الباب، واضطرّ الاثنانُ التحرك خلفه، خرجوا جميعًا وفي خلجاتِ كلٍّ منهم شيءٌ مختلفٌ عن الآخر، من كان يظنُّ أنه سيُقابله هنا؟ من كان يظنُّ أن يراهُ في هذا المكان ليتجدد الحقد في قلبه؟ هل الأقدارُ تختارُه للألم؟ هل يرتبط اسمهُ بزعزعةِ الفرح؟ نسيتُ الراحـة، نسيتُ النومَ دون التفكير قبلًا، قِيل لي يوم موتِ والدي، يوم استقرَّ البُكاء على محجري " كل شيء بخير، أبُوك بخير، وأنت بخير ، وكلنا بخير "، قيل لي ذلك واستقرّ برأسي، وتداركت الآن أن من قالها هو من جعَل كل شيءٍ - ليس بخير -.
من يشرحُ مافي صدرِي؟ من لديه الأبجديات الكافية حتى يكتب مرثيةً وزنُها البكاء وقوافيها الخيبة؟ من لديْه القدرةُ الكافية حتى يستوعب مقدار الألم في قلبي ولا يمُوت؟
تشوّشت الرؤيـَا في عينيه، الدموع سلالمُ السُقوط، كل ما ارتفعَت خطواتُ السقوط على عتباتِها سقطت هي أكثر! لم أُحبّذ البُكاء يومًا، لم أكُن صديق الدموع ولا يريد كبريائي ذلك، لمَ ظهرت؟ لم جئتَ وجددت في قلبي الألـم؟
بلل شفتيه وهو يتنفس بصعوبة، يرتفعُ صدره بمقدارِ الألمِ الذي ينتَحله، يهتز ثباته رغمًا عنه ، سيشهد التاريخ أنّه بكى في داخلهِ ولا زال ينزف، سيشهد التاريخُ أن بكاءُ العينين لا يدلّ على الضعف، فبُكاء القلبِ هو الضعف.
كان سُلطان يمشي وعيناه متعلقتان بظهرِ سلمان الذي يمشي أمامه بثقة، وعناد يمشي بجانب سلطان ويشعر بالضغطِ الذي يستحلّ صدره، مدّ كفه ليُمسك كفّه ويرفعها قليلًا ليستدير سلطان برأسه بعد أن توقّفَ ناظرًا لهُ بفراغ، حينها همسَ له عناد وقد توقّف معه : لا تسوي شيء ، اعتبره ماهو موجود
سلطان بحرقةٍ وصوتٍ ذاهبِ النبرات وهو يعود للنظر إلى سلمان الذي توقف عند باب مركز الشرطة : ما أقدر ، ما أقدر يا عناد ما أقدر .. شلون تبيني أتجاهله وهو غصّة بحلقي
عناد بحزم : حاول تلفظه
سلطان ينظر لسلمان الذي كان قد توقف ما إن جاء إليه شخصٌ وبدأ بالحديث معه، وبقهر : عايش حياتَه ، ما كأنه قتل أخوه .. يظن اني بتركه كذا! لا والله ما حزر وبأقرب فرصـة بفضحه وبخليه ياخذ حقه كامل وزود
صمَت عناد ولم يُبدِي حرفًا، بينما كان سلمان من أمامهم قد أدار رأسه قليلًا باتجاههم، نظراتُه تعلّقت بسلطان للحظتين، وتعلّقت نظراتُ القهر في عيني سلطانِ إليْه، من المؤلم أن تعيشَ لخمسة عشرَ عامًا وأنت في كنفٍ لتكتشف أنّك في بئرِ الخذلان، من دفءِ الأبِ البديل عن من رحَل إلى قبرِ الخداع. هل هناك مخلوقاتٌ بهذا القُبح؟ انتقم لوالدي يا الله، انتقم لوالدي ... وانتقم لقلبِي وحزني.
تحرّك سلمان مُبتعدً، يطوي الأرض بخطواتِه، مخلفًا خلفهُ كوماتٍ من الذكريات، من الدمَاء، من الحضُور الذي كلما كرر نفسه كرر في قلبِ سلطان الألم.
*
حُزنكَ طاغٍ، حزنكَ ألم، أدركُ كل هذا ، وأنا حُزني فراق ... سننتقمُ معًا، سننتقمُ معًا وهذا من قلبي إليْك.
،
باقترابِ الساعةِ من الرابعةِ فجرًا
استشعَرَ تحرّك جسَدها بجانبِه، تقلّبت ذات اليمين وذات الشمال وهي تعقدُ حاجبيها، صوتٌ ما يتخلخل سمعها، صوتٌ دفينٌ تحت الترابِ ترى صاحبه أمامها. تنفَّست بصعوبَة، ذاتُ الوصايا التي كان يُمطرها عليها انقلبَت إلى استنكارٍ وعَتب.
لمَ حدثت الخيـانة؟ هل كان سهلًا عليكِ كُلّ هذا الذنب؟ ، أسيل ، لقد أحرقتني بما فعلتِه، لقد استحللتي ذنبًا واللهِ لن تحتمله الجبال ، قلتِ لن تخوني، فكيف فعلتِ؟
فغَرت شفتيها وعيناها مغلقتان، مازالت بين الصحوةِ والمنام، تجتذبها الكوابيسُ وصوتُه العاتب، تجتذبها ملامحه الحزينةُ وعيناهُ النازفتين عتبًا، نبرتُه القارسة، جسدُه الذي يتجمد أمامها وكفيه المُندسّتان في جيبِ آخرٍ بنطالٍ كان قد ارتداه قبل أن يُسافر ، يقف على بعدٍ منها، ينظر إليْها بحُزن، الوحدةُ ترسم نفسها في تقاسيمه، وكأنه يقول كان في وحدتي أنتِ، فأُزيلت ، والآن من سيُزيلها؟ خذلتني بما فعلتِ، خذلتني يا أسيل.
أغمض عينيه الحزينتين، ومن ثمّ أدارها ظهرهُ ليعبُر عبور الجاثمين فوقَ قُلوبِ المُحبين، غادَر وثقلٌ ما أصاب صدرها، منعها من التنفّسِ بانسيابيَة.
نهضَ شاهين من منامهِ حين سمعَ صوت أنفاسها تعلُو، نظر إلى ملامحها وهو يعقدُ حاجبيه بقلق، كانت قد استدارت على جانبِها الأيسر وكفُّها اليُمنى انقبضَت على قميصِ نومها الليموني، صدرها كان يرتفعُ وينخفض بعُنف، وأنفاسها المتعرقلةُ تعبر بين شفتيها باردةً ببرودةِ الغرفة.
همس شاهين بقلقٍ وهو يمسحُ على وجنتها : أسيل؟
ارتعشَت شفتاها ببرودةٍ تستحلّها، وشدّت أجفانها على صفيحةِ عينيها، بينما صوتُ شاهين يجتذبها نحو الواقـِع، والصوتُ الآخر يجتذبها نحو عالمهِ هو، جسدُه لازال يبتعد، قدماها تُريدان التحرّكَ خلفه، لكنّهما فجأةً تشعر وكأنّ حبالًا تلتف حولهما، حبالًا تشدُّ على ساقيها لتجرح بشرتها الرقيقة. نظرَت لجسدِ متعب المُبتعد، ودموعها سقطت تلقائيًا مواكبةً عمقَ الألم في قلبها، عمقَ التأثّرِ بنظرتِه الكسيرة/اللائمـة.
كانت ستصرخُ وتناديه، كانت ستلفظ اسمه بكلِّ أصواتِ العالمين، لكنّ يدا شاهين اللتين استراحتا على وجنتيها مُحيطتان لوجهها اشتعلت بدفئها على بشرتِها، يشدُّ على ملامحها وصوته العميق يتسلل بين خيوطِ منامها : أسيل ، أسييييل
فتحَت عينيها رغمًا عنها وصوتُ الواقِع كان أقوى، نظرت لملامحِ شاهين بين الظلامِ وصدرها يرتفعُ وينخفضُ باضطراب، عيناها تتوهان بين نظرتِه القلقةِ وكفيه اللتين تحيطان وجهها بدفء.
همس لها بقلق : ربِّ أُعيذها بكَ من همزات الشيطان وأن يحضرون ، عسى ماشر!!
بقيَت تنظر إليْه للحظتين وحدقتيها تهتزّان بعدم استيعاب، صدرها لازال مُضطربًا، تحاول محو صورةِ متعب الطافيةِ على ملامحِ شاهين، وصوتِه الذي يختلطُ بصوته.
همست ما إن وجدت نبرتها الواهنة : شفت لي كابوس بس
شاهين باهتمام : تعوّذي من الشيطان ومنه
رفرفرت أهدابها وهي تمتم مستعيذةً من الشيطان دون أن تستعيد مما في الحُلم، فكيف عساها تستعيذُ من متعب؟
شاهين يهتف باهتمام : وش شايفة بالحلم؟
بللت شفتيها بارتباكٍ قبل أن تهمس : ما ينفع أقوله ، الرسول صلى الله وعليه وسلم ما قال احكوا عن الكوابيس الشينة
ابتسم لها بعذوبة : خلاص اخرستيني ، عسى ما يكون الكابوس عني بس
ابتسمت باهتزازٍ وهي تبلل شفتيها بلسانها، وبهمس : لا تحاتي منت كابوس
ابتسم وهو ينحني نحوها قليلًا، ليُداعب وجنتها بأنفه هامسًا : متأكدة؟
أغمضت عينيها وهي تزدرد ريقها بعذاب، بينما قلبها يتصاعدُ صوتهُ بين أضلعها، يختلط مداهُ مع ضرباتِ قلبهِ المُنتظمة، وجسدها ينخفض ارتعاشهُ رويدًا رويدًا بدفءِ جسده، وكأنّ ما كان يجعله ينتفض لم يكُن سوى بردًا تخلخل مساماتها واجتازها، مع أنّ الإرتعاش بفعلِ البرودةِ بعيدٌ عنها كبُعدِ الغائبين عن الوجوه.
شعَرت بهِ يجلسُ ويتكئ بمرفقهِ على الوسادةِ بينما كفّه على شعرها وذراعهُ الأخرى تُحيط جسدها، وبعبث : شرايك أحكي لك قصة قبل النوم؟ يمكن ، لا أكيد بتروح كوابيسك
لم تستطِع منع شفتيها من الإبتسام لنبرتِه العابثة، تُحاول عيناها طردَ صورةِ متعب ووضع شاهين أمامها، تُحاول الإستغفال عن نظرةِ الخيبةِ في عينيه الشاحبتين كشحوبِ الأمـوات ... همست تستجيب لهُ وتطردُ كل ما رأته : طيب ، قول يلا
شاهين : تبين قصة رومانسية والا رعب؟
ضحكَت رغمًا عنها لاستعباطِه، حينها ابتسم وهو يهتف : يخلي هالضحكة ، يلا حددي وش تبين بالضبط؟
أسيل بابتسامةٍ بعد أن سكَنت ضحكتها القصيرة : اللي تبيه احكيه
التوت ابتسامةُ شاهين بمكرٍ وصورةٌ حلوة تغزو ذكرياته، انحنى وجهه قليلًا إليها ليهمس بلؤم : أحكي لك قصة الأميرة عاشقة النوتيلا؟
عقدَت حاجبيها بادئ الأمرِ وكأنها تُحاول استيعاب مقصده، ولم تلبث ثانيتين حتى اتسعت عيناها بصدمةٍ وإحراجٍ وهي تجلس مندفعةً هاتفةً برجـاء : شاهيييييين
شاهين يضحك بعد انقطاب ملامحها بإحراجٍ بين خيوط الظلام، استدار ناحية الكومدينة ومدّ يده ليُشعل نور الأبجورةِ الذي انتشر في الغرفةِ الظلماء، ومن ثمّ عاد ليستدير إلى ملامحها التي أُنير خجلها بالضوءِ البرتقالي : ههههههههههههههههههههه الحين وشوله الخجل؟ القصة تراها عاديـة
شتت عيناها بإحراجٍ وهي تُبلل شفتيها، وبعبوسٍ دون أن تنظر إليْه : انسى اللي صـار
اقترب منها والخبثُ يرتسم في زوايا عينيه : وش أنسى؟
أسيل تقطّب جبينها بضيق : عوذة منكم يا الرجـال ما تغفلون عن شيء الا وتستغلونه قدام البنات
شاهين : هههههههههههههههههههههه أفا عليك بس
أردفَ بلؤمٍ أكبر : عاد الأميرة هذيك يقولون بياخذها الأمير لمطعم صمموه خصيصًا من النوتيلا ، ألل ثينق نوتيلا ، حتى الكراسي والطاولات
أسيل توجّه نظراتها إليه وتعقد حاجبيها هاتفةً بتكشير : سامج
شاهين : افا ياذا العلم
أسيل : راح أمسك عليك شيء اصبر علي بس
شاهين ولم يستطع منع ضحكاتِه التي انتشرت في الغرفة : هههههههههههههههههههههههه ما أدري ليه حسيت بالخوف
أسيل بعبوس : تتطنز علي؟ ما عليه تطنز
تمددت على السرير وتغطّت باللحافِ حتى تعودَ للنوم، بينما ضحكات شاهين التي تعالَت تطرُق أذناها حتى خفتت قليلًا حين تمدد بجانبها وهو يُحيطها بإحدى ذراعيه هامسًا بنبرةٍ ضاحكة : نتغشمر وياج ، امبيييه محد يقول لج شيء
ابتسمت أسيل رغمًا عنها : لا تخرب اللهجة واللي يعافيك
عانقها وهو يضحكَ، وذراتُ السعادةِ تنتشر في الأجـواء، من كان يظنّ أن السعـادة ستكون بهذه البساطة؟ وأن بابها سهلُ الفتح، وأن السعادة عينيها!
همسَ لها قبل أن يُقبل وجنتها : أنتِ تآمرين أمر
،
الآن اعتكفت في غرفتها، بعد كلّ ما حدث جلَست تبكي لدقائق في الصالـةِ وفي ذاتِ حالتها حين خرج سلطان، بكَت حتى شعرت بالصداعِ يفتك برأسها، كل ألمٍ جسديٍ قد تشعر بهِ لن يكُون موازيًا للألم النفسي الذي يمحق كل ذرةٍ فيها، يمحق كلّ سكونٍ في خلاياها ليبقى الإنتفاضُ مرافقًا لها حتى هذهِ اللحظة، لم تبكي من قبلُ كما بكت اليوم، اليومَ كان بُكاؤها يهزُّ الدنيـا، كان بكاؤها يوازي جرح الأيام السابقةِ والسنين التي عاشتها في كنفِ الجِراح ، و " آه يا الجراح ، راح اللي راح .. وراحتي! من ياترى بيردها؟ ". من يردُّ إلي راحتي؟ غنّى البَدر بالجراح، وكأنّه يتغنى بي، غنّى البَدر بنايٍ حزين، وأنا النايُ يا ابن عبدالمحسن، من يردُّ إلي راحتي؟ من يردُّ السنين ويُحوّر الحُزن فيها؟
آه يا الجراح ، راح اللي راح
وراحتي! من يا ترى بيردها
تمرّ سنينُ عمري، و " اللي راح ، مايروح! والله ما يروح " الوقتُ يجري ويذهب، لكنّ مافيه يبقى في القلبِ ويجرح، يبقى في صدرِي مُخلَّد، يبقى في عيناي دمعاتٍ ملوحتها كالبحرِ الأسود، ذاك البحرُ الميت الذي لا يعيشُ فيهِ أي كائنٍ حي، لأن من يعيشُ فيه ، يموت! وهكذا الفرحُ فيَّ يمُوت.
مسحَت على ملامحها السمراء، وضغطت بكفّها على أرنبةِ أنفها المُرتفعة، سُلطـان لم يعُد حتى الآن، وياليته لا يعُود! لا تُريد رؤيتـه بعد ماحدث، يكفي! يكفــي!!
،
سيّارتُه متوقفةٌ أمـام إحدى الحدائِق التي ينتفض عنها الناسُ في هذهِ اللحظـات، هاهي الحدائقُ تحمل صفةً ما وجدَت في الإنسان، " الوحـدة ". . أوَحيدةٌ أنتِ أيتها الأرضُ الخضراء؟ اللُّعبُ التي تستوي على مفرشِك الأخضر وجودُها كعدمِها، الأرجوحةُ الفقيرةُ من الأطفال، الضحكَاتُ حولك، صدقيني أشعُر بِك! أنا حياتي كانت كلُّها هو بعد أبي، واكتشفت أنّها لم تكن شيئًا، كانت فراغًا وفي العدِم أدركت أن كل الناس ان اجتمعوا لن يكونوا ملء فراغي، حتى عنادُ وأمي وغيداء، كلّهم لازالوا معي، لازالوا يشغرون حياتي، هم العائلةُ التي لا تتجانسُ بالدم، لكنني رغمًا عني حين يظهرُ سلمان أشعر أنني وحيد . . يا فراغًا يشغُر الدنيـا ببطشِه، أنا والحديقةُ يتيمان، غُصننا وحيدٌ دون أوراق، حلّ الخريف وجرّدنا من كل أوراقنا وظلّ أثره باقيًا فينا. شكرًا يا خريفنا الجاف، لذهبيتِك، لملمسكِ الذي سُرعان ما يُحوّلنا - فتات -، شكرًا لساديّتك .. الحدائقُ تبكي نفسها، وتبكيني! حفيفُ الأشجارِ يتسلّقُ وجنتي مطبطبًا على كل جراحي، ولا دواء ، أنا الوباء! إن كُنت منذ الأزل وضعتُ حياتي فيهِ فأنا الوبـاء، ولن تنطفِ جراحي.
رفعَ رأسهُ للسماء، القمرُ يتوسطُ السماء بدرًا وغيمةٌ كهلى تُغطّي نصفهُ، لمَ أفقدتِه هويتهُ في منتصف الشهر؟ ألا يُرضيكِ أن يكون بدرًا؟ هل تغارين؟ تمامًا كما يغارُ الوجعُ مني ويغطي كاملي لا منتصفي؟ ، ما بالي أفقدني؟ ما بالي أخسر سُلطان ويستوطنني من لا أعرف؟ كدتُ أضربها يا الله! كدتُ أصفها وأتساقط أمام عينيها كأوراقِ الخريفِ الجافة، هذا إن لم أسقُط بعد.
أنا والخريفُ عاشقان، كلّما جاءني حزنٌ عانقني، وكلّما جاءتهُ ريحٌ لملمْتهُ كي لا يتساقط. اشكرنِي أيضًا، لا تكُ كالغيمةِ الكهلى والوجعْ! كُن رفيقًا وطبطب على جراحِي ... فأنا وحيد، وهويتي تتساقط من بين أناملي.
،
في الصباحِ الباكر
قطراتُ الندى المتساقطةِ من أوراقِ الشجَر، وقطراتُ الماء المُتكثفةِ على نوافذِ بروكسيل الباردة، السماءُ يتكتّلُ فيها الغيم، والنسيمُ يأتي من كلِّ حدبٍ وصوبٍ باردًا يلفظُ الدفء.
أحاطَ عُنقه بالوشاحِ الصوفي الثخين، يرتدي اللون الأسودَ حتى يجتذب بعض الدفء، يضعُ على رأسهِ قُبعةً رمادية، والمعطفُ الغامق ينحدر على جسدهِ الرياضِي حتى ركبتيه .. تحرّكت قدماه باتجاهِ بابِ غُرفته، فتحهُ ومن ثمّ خرج، كفيه تندسّان في قفازٍ صوفيٍ ومن ثمّ في جيبِ معطفِه تبحثان عن الدفء، الشقةُ في هذهِ الأثناء هادئـة، غادة نائمة، وكذلك أخيه حُسـام، كل الهدوءِ الذي يعدو في حياتِهم بارد، هو الهدوءُ الذي يسمى بما قبل العاصفة، هكذا يقول لهُ قلبه، وهذا ما يُخيفه.
تحرّك باتجاهِ البابِ حتى يخرج، سينزل للمقهى الذي يقع أسفل المبنى حتى يشرب كوبًا من القهوةِ تُدفئ حنجرته، لن يبتعد. هذا ما كان يقُوله لنفسه، عائلته الباقية أمام عينيه، فلا خطَر عليهم.
نزَل عتباتِ الدرج بهرولة، خرج من بابِ المبنى واستدارَ يمينًا حتى يتجه للمقهى الذي لا يبتعد خطوات عديدة، ومن ثمّ دخل ليجلس في مقعدهِ المُعتاد، يتناول الجريدة التي على الطاولـةِ بعد أن طلب قهوته التركية المرّة، ويبدأ بقراءةِ آخر ما استجد في هذا العالم القاسي، الدول العربية، الإنتفاضاتُ الشعبية، الدماءُ والبطشْ، كل تلك الأخبـار العنيفةُ تصوّر أمامه أرملةً أو يتيمًا، أو - أرملًا! - ... هذا اللفظُ قاسٍ، واللهِ قاسٍ ... زمّ شفتيه قبل أن يُغمض عينيه ويتنفس بعمق، وحين شعر بالنادل يضع قهوته على الطاولةِ فتح عينيه ونظر إليه مُتبسمًا شاكرًا له.
وضعَ الجريدة على الطاولة ومدّ يدهُ إلى كوبِ القهوةِ حتى يُدفئها وبين كوبهِ وبشرته قفازٌ يحدّ من الحرارةِ الحارقة، شردَ قليلًا أمـامَ الدخان المتصاعد الذي يشوّه صفاءَ ملامحه، عيناهُ روايـةٌ أخرى، لن يقول قصة! هي ليست قصةً والله يعلم ذلك، عيناهُ شخوصٌ وكوارث، عيناهُ عقدةٌ لم تجد الحل ، ملحمةٌ أدبيةٌ لم تنتهي ولا يعلم إن كانت ستنتهي ، هل نهايتي كارثـة! روايةٌ ملحميةٌ بائسة! صدقوني إن الروايات التي تبدأ حزينةً وتنتهي حزينةً لا تُحزِن، لكنّ التي تبدأ سعيدةً وتنتهي حزينةً لا تمر مرور الكرام ، وأنا أريد المرور مرور الكرام، أريد أن أكون عاديًا/روتينيًا، لكن لا أنتهي حزينًا دون هدفٍ وحيـاة، لا أبدأ سعيدًا وأنتهي حزينًا.
استيقظ من كابوس اليقظةِ على صوتٍ أثارَ السلام، حينها رفعَ رأسه ليبتسم رغمًا عنه باهتزازٍ ويهتف : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، حيّ العم يوسف
يوسف يجلسُ في المقعدِ الذي أمامه ويبتسم : الله يحييك ، كيفك اليوم؟
بَدر بابتسامةٍ ينظر إلى ملامحه البشوشة : طيب طاب حالك
يوسف : من دخلت وأنا منتبه لك ، ملاحظك اليوم عابس، ليه وش قريت بالجريدة؟
نظر بَدر إلى الجريدة المرمية على الطاولة دون مبالاة، أعاد نظراتِه إلى يوسف ليهتف : كنت أطالع سلوم العرب
يوسف بابتسامة : وش لقيت؟
بَدر : العرب مامنهم رجا
يوسف : الحال نفسه؟
بدر : ويتردى ، قاعدين نرجع لزمن الجاهليـة
يوسف : من أي ناحيـة؟
أعـاد بدر ظهرهُ للخلفِ ليُدير رأسه ناحيـة النادلِ ويُناديه، ومن ثمّ نظر ليوسف : نفس اللي تشربه كل يوم؟
يوسف تتسع ابتسامته وهو ينظر إليْه : ايه ما عليك أمر
حضر النادل ليطلبه شايًا دون سُكر، وما إن ذهب النادل حتى رفع كوب قهوتِه وشرب منها القليل، ليُعيد يُوسف سؤاله : ما علمتني ، من أي ناحية؟
بَدر يرفَع يدهُ ليُزيل القبعة الصوفية التي تُعانق رأسه، حرر شُعيراته السوداء ووضَع القُبعة جانبًا على الطاولة، لفظ ناظرًا إلى يُوسف : عنصرية مقيتة ، شيعي سني أبيض أسود غني فقير والقائمة تطول ، هذا اللي يذبح والله! إذا ما رجعنا للجاهلية فاحنا رجعنا لأوروبا القديمة ، مابقي غير نحط قانون لقتل كل شخص يختلف مذهبه او لونه أو جنسيته عنا، ونبتكر آلآت تعذيب جديدة ننافس فيها ابتكارات العصر المظلم
يوسف ينظر إليْه مطولًا، يُحب فيه عروبته الشرقية، غيرته على بلاده، قهرهُ على ما وصَل إليْه العرب، تعرّف عليه بعد وصولهِ إلى بروكسيل بأيـام، وأصبح يلتقي بهِ تقريبًا كل صباحٍ في هذا المقهى، لا يعرف عنه الكثير، بل على الأحرى لا يعرف عنه الا اسمه وأين يعيش وأنّه مع أخويْه، هذا هو ما يعرفُه عنه فقط، حتى عمله حين سأله ماهيته قام بَدر بتحوير الموضوع وتغييره، يرى فيهِ ذكاءً وحزمًا، صلابةً يشوبها الحزن الذي يُغطّي عينيه!
أردفَ بَدر وهو يرفعُ كوبهُ إلى شفتيه : الله يرحم أيـام العصر المُزهر، المسلمين كانوا في شيء وصاروا في شيء ثاني
يوسف : منت متأمل فيهم خير؟
بَدر : على هالحال ، لا والله
وصَل النادلُ بالشاي، وضعهُ على الطاولةِ ليُغادر، بينما هتفَ يوسف : طيب خلنا من العرب الله فوق ويقويهم بإذنه ، أنت ماقد نويت تتزوج؟
نظَر بدر إلى يوسف بصدمةٍ من سؤالـه، عيناه اتسعتا قليلًا قبل أن يتلعثم شعورهُ ويزدرد غصةً مدويةً في حُنجرته، ماذا عساه يقول له؟ أنا أرمل؟ وحُزني أرملٌ دون بكاء، وصوتي أرمل دون النبرات؟ أنا أرمل! بكى قلبي لفظًا ليسَ سهلًا، قد يراهُ البعض سهلًا، لكنّ قلبي لا يراه .. من المفترض أن يقول له الآن أنّه أرمل، وأن زوجته متوفاة، وأنه وحيد! لكنّه بكل بساطةٍ لا يستطيع! الكلمةُ أكبر، أكبر بكثير من أن يقولها، أكبر بكثير من أن تحملها لسانه وينطق بها، أكبر من كل الدنيـا وحُزني سقَر، أنفاسي باتت زمهريرًا، عيناي عيونٌ من شياط.
ازدرد ريقه مرةً ومرارًا، وانقبضت كفاه على الكُوب الساخن، هذهِ المرة وصلت الحرارةُ إلى بشرتهِ بشدِه على الكوب، عيناه تضيقتا كمعبرٍ اكتظَّ بالعابرين. كانت نظراتُ يوسف تتابعه، وكأنه يريد أن يفهم هذا الرجل الذي يراه غامضًا حتى الآن.
بَدر يُشتت عينيه عن الكوب قبل أن يهمس بعبرة : ما بعد يجي الوقت
يوسف باهتمام : كم عمرك؟
بدر ينظر لسطحِ القهوةِ بعينين خاويتين : ٣٣
يوسف بنبرةٍ مُتفاجئـة : وتقول ما بعد يجي الوقت؟! خلاص ياوليدي صرت رجال وحق عرس وعيال
بَدر ببهوت : ماني مستعد للزواج
صمت يوسف للحظةٍ يقرأ نبرته الحزينة، يترجم الخيبات في صوتِه والشوق والغياب ... همَس بعد فترةٍ طالت قليلًا من الصمتِ وقهوةُ بدر تستعد للبرود : براحتك ، بس حاول تشد حيلك وتفكر بالزواج اللي مثل عمرك عندهم درزن عيال
بلل بَدر شفتيه قبل أن يرفعَ الكوب ويرتشف رشفةً كبيرةً بتوتر، نهضَ يُريد إنهاء هذا الحديث الذي يهزّ أوتار شوقه، يصيبه في صميم التحامهِ بالأموات ، هتف بعجلـة : اعذرني عمي يوسف ، أهلي تاركهم بروحهم وما أبي أتأخر عليهم
ابتسم لهُ يوسف بشفافيةٍ ليودعه، ويغادر بدر بعد أن دفَع الحساب هربًا من تضاعف الشوق لكن هيهات فالشوق يثمر في قلبه.
،
جمعت شعرها خلف رأسها في " كعكة "، تتأمل صورتها التي تنعكسُ في مرآةِ التسريحةِ ببهوت وهي جالسةٌ على السرير، تنسحب مداركُ الراحـة في عينيها وملامحها السمراء، هذهِ الكذبةُ أكبر من كل التي قبلها، أعظمُ بشدةٍ في نطاقِ الزوجية. تنهّدت وهي تخلخل أناملها بين خصلاتِ شعرها لتحررها من جديدٍ وتعود للملمتها خلف رأسها، هاجمها الشرود حتى وجدَت اللعب في شعرها هو متعتُه، لم تنتبه لسيفٍ حين دخل وهتف لها بعجلة : ما خلصتي؟
لم ترد، بقيَت تنظر لصورتها في المرآة وهي لا تراها فعليًا، لتنضمّ لصورتها المُنعكسة صورةُ سيف حين اقترب من السرير وانعكس على المرآة في إطـارٍ يهتف أنه إطـار الحياة، وأنّهما جُمعا معًا ولن يفترقا إلا إن حُطّم هذا الإطـار، ويا خشيتي إن كان هذا الفأس الذي سيحطّم إطارنا هو كذباتِي ، بالأمس كذبتي " ما علي صلاة " وابتعد! أمام كل كذباتي لم أشعر بعظمتها كما هذه، لا بأس، هو لا يستحق كل هذا الندَم، لأجل طفلِي سأفعل الكثير ولن أندم، وسأكذِب إن تطلّب الأمر أيضًا، أقررت بنفسي عدم الندم، ولن أندم.
شعرَت بكفِّه الدافئة على كتفها وصوتهُ يهتف : وينك؟
انتفضت وكأنها استوعبت الواقَع أخيرًا ونظرت إليه بفتور، بينما استقام في وقفته هاتفًا : بتأخر على شغلي ما خلصتي للحين؟
ازدردت ريقها وهي تُلملم شعرها من جديدٍ وترتّبه هذه المرّة، ترجّلت عن السرير بعجلةٍ لتهتف وهي تتجه للخزانـة دون أن تنظر إليه : خلاص خلصت
تحرّك سيف مبتعدًا حتى يخرج وهو يأمرها بعجلة : بنتظرك في السيارة ، لا تتأخرين
أومأت وهي تُخرج عباءتها، استدارت بعد أن أغلقت باب الخزانة لتُسند ظهرها عليه وتُغمض عينيها وهي تضمّ العباءة إليها، سامحني يا الله ، سامحني.
،
قميصٌ أبيضَ رسمي وتنورةٌ سوداء ينسدلان على جسدها، شعرها الذي طال قليلًا حتى أسفلَ كتفيها رفعته في ذيلِ حصان، وجهها الشاحبُ غطّت شحوبَه ببعضِ مساحيق التجميل، رسمَت كحلًا فوقَ جفنها العلوي بانسيابِ " القطّة "، ووضعَت أحمرَ شفاهٍ ورديٍ على شفتيها حتى تتورد ملامحها البائسةُ قليلًا ... جلَست مطولًا مع نفسها ليلًا، تنظر لملامحها أمـام المرآة، تسترجع كلمات هديل، نبرتها، عيناها اللتين يظهر الإزدراءُ فيهما، الإنتفاضاتُ التي تعلو كفيها الآن لا لومةَ عليها، متوترة، أجل، تشعر أن التوترُ يسحقُ كفيّها وأن لمعةَ عيناها ضعيفتان.
كانت نتيجة الإجتماع الذي عقدتْه ليلًا مع انعكاس صورتها في المرآة أنها خاطئـة، وأن هديل أصابت في كل شيء، هذا الضعفُ الإيماني الذي ينتحل قلبها يجب أن يزول، هذا الصوتُ الخافت لابد لهُ من العلو، هذهِ النظرةُ المظلمةُ لابد لها أن تنير، وشحوبها الميت سيُحيى، الحيـاةُ واحدة، والنِّعمُ كثيرة، من هي لتجحد نعم الله كلّها عليها لسنةٍ أُختزل فيها مُصطلح الوجعْ! ومن هي لتبتعد عن الله وتنسى أن كل زوال شقائها بقُربها منه! يا الله، أنت الحيُّ والباقي، وأنت الكريمُ المتعالي ، أبوءُ لكَ بذنبي، وضعفي، وانهزامي، أبوءُ لكَ بخسارتي الأيام السابقة، بجزعي .. فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
حزني لازال في قلبي، يأسي يُحارب تفاؤلي، كل الأيامِ الماضيةِ لم تزُل إلا أنني أحاول إخفاءها بوشاحٍ رقيق علَّ هذا الوجعَ ينحدر عن قلبي ويتلاشى، علَّ دمعِي ينضب، إن تركتني الأيادي لأسقط فيدُك ممدودةٌ لا تترك عبدًا، ممدودةٌ بكرمِك ورحمتك ، وأنت أقرب إليَّ من حبلِ الوتين.
لم أتجاوز حُزني بعد، ولم أنسى بعد، لكنني أحاول التجاوز دون النسيان، سأتناسى! كلماتُ هديل كانت المطرق الذي ضرب عقلي، إنني إنسانةٌ جاحدة! حُزني مُبتذل، بما أنّك ربي ... فحُزني مُبتذل.
تحرّكت بتوترٍ بعد أن ارتدت حذاءها الأسود، تناولت عباءتها واتجهت للباب تُحاول درءَ إرادتها في ارتداء عباءتها أولًا ومن ثمّ الخروج إليهم، ستتأقلم مع حالها هذا ، ستتأقلم حتى يُفرّج الله لها حزنها السابق.
تحرّكت في الممر المؤدي لعتبات الدرجِ بتوترٍ وهي تضمّ العباءة إلى صدرها، العائلـةُ بأكملها ستكون بالتأكيد تجلس على طاولةِ الإفطار، ساكنين أو ضاحكين، لا تدري! كل ما تدركه هو أنها أدخلت البؤس هنا.
في تلك الأثنـاء كانت هالـة تصعد بالإفطار إليها، حين أمرت هديل بأخذ الفطور لها صمتت ولم تُبدي الموافقة، واستشفّت الرفض من صمتها، لذا استغلت كون عبدالله لم ينضمَّ بعد لسفرةِ الإفطار وصعدت بالإفطار إليْها بنفسها، فلو كان عبدالله موجودًا لمنعها درءًا للمشاكل.
صعدَت عتباتِ الدرجِ وهي تزفرُ للحال الذي وصلوا إليْه، كانت تمشي وقد هاجمها بعض الشرود، وإلين من الجهةِ الأخرى صنعَ توترها الأفكار لتشردَ أيضًا وعناقُها لعباءتها يتضاعف، تشدّ هذا القماش الأسودَ إليها علّه يمتص السوادَ في أفكارها وقلبها.
كانت تطوي خطواتِها شرودًا، عقلها يُسافرُ على بحرِ الظُلمات، فوقَ سفينة التوترِ والضعف، حتى اصتدمت أخيرًا بهالة دون أن تشعر وتسقطَ صينية الفطور على الأرض وكل ما يحمله والحليبُ الساخن تشاركَ ما بين ذراعِ هالـة وصدر إلين لتنبعَ الآهةُ منهما في ذاتِ اللحظة.
.
.
.
انــتــهــى
وموعدنا الجاي بيكون الأربعاء أو صباحية الخميس بإذن الله ()
+ أحس إنّي مبسوطة لأنّي قاعدة أشوف تطوّر بأسلوبي ، أو يتهيأ لي! عمومًا فيه نقطة سألتني وحدة من البنات عنها في الآسك مرة وهي عمر الأبطال. طبعًا قلت برتّب الأعمار في بالي وبفرزها لكم بس انشغلت وقتها بالدراسـة وما عاد حطيت لكم الأعمار، لذلك ان شاء الله في الجاي راح أحطها في نهايةِ أي جزء، ممكن اللي جاي وممكن اللي وراه، عمومًا هو على حسب اذا حصلت وقت كافي.
وعلى فكرة، ممكن لما أحط لكم الأعمار تخالف البعض منها المذكور في أجزاء الروايـة، عادي ترى ممكن أغلط، وأنا ما عندي نية أرجع للأجزاء اللي قبل وأغير شيء ما يأثر على الروايـة ككل، خلاص اللي حطيته يثبت! كل شيء فات بيظل مثل ماهو وأنا حابة ان كل خطأ يجلس بوضعه ومايتغير.
فالأعمار اللي بذكرها بتكون تقريبيه أو صحيحه،
وبالنسبة للتعليقات، طبعًا أقصد تعليقاتكم اللي ماقد رديت عليها، أكيد فيه منكم كثير ماهو حاب الحالة اللي احنا فيها ويحب اني أرد عليه، وأنا ماخذة وعد على نفسي اني برد عليها وحدة وحدة واللي كانت قبل لا أقفل الرواية راح أجمع أهم الإستفسارات والنقاط اللي فيها وبرد عليها برد واحد. وراح أبدأ أمسك خط معها على هالأسبوع أو اللي وراه وإن شاء الله ما يجي نصف شعبان الا وأنا رديت عليكم كلكم وبعدها بحاول أنتظم مع تعليقاتكم لأني أدري إن حلات الرد على التعليقات لما تكون أول بأول وقبل لا ينزل البارت الثاني ()
+ البــارت الجاي راح يكون برعايـة أدهم :$$$*
ودمتم بخير / كًيــدْ !
|