كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
اشتقت لكم هوايـة على قولة حبايبنا العراقيين :$ إن شاء الله تكونون بألف خير وعافية
بارت اليوم دسم شويتين ، حجمه في دسامته لذلك ركزوا كثير على كل كلمة وكل بادرة من الأبطال. فيه توضيحات وردّات توضّح كثير للي عقله نظيف ومركز + لحظة انتظرناها وهرمنا لأجلها :)) فاستلموه.
بسم الله نبدأ على بركته
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !
لا تلهيكم عن العبادات
(30)
تجمدت عيناه بعد تلك - الكارثة - التي لفظت بها أمه ولم يشعر بنفسه إلا وهو يهمس وعيناه تتوسعان مُتفاجئًا من ذاك الإقتراح الذي ما وجدَ في قاموس المنطق له ملجأً : مُستحييييييل
وقف ليهزّ رأسه يمينًا ويسارًا مُردفًا ببهوت : أنتِ من جدك يمه تفكرين إني أرجعها لي؟!!
تنهدت بضيق وهي تُشيح بناظريها عنه، بالرغم من كل شيءٍ ومدى الضياع الذي تراه في عينيه، مدى الرغبة والشغفِ في زياد إلا أنها لن تكُون راضيةً يومًا أن يُعيد بثينة إليْه فتستوجع ديما بذلك، لكنها في هذه المرّةِ ضعفت في حين غفلةٍ حينما تمركز الضياع على اثنين وليس فقط واحدًا، على ابنها وحفيدها في الوقت ذاته.
وقفت بسرعةٍ لتزفر وهي تهزّ رأسها بالنفي، ثم بتعثّر : خلاص انسى ولا تفكر بهالشيء . . فيه أكيد مليون حل غيره
تابعها بنظراته وملامحه تتجمد لاسمٍ ذُكر بين المنطقِ والمُحال، بين الواقع والخيال، هذا الإسم الذي لفظه للجحيم منذ سنواتٍ ولم يزاوله إلّا غصبًا لوجود رابطٍ بينهما وهو طفلٌ اجتمعت فيه براءةٌ لم تنبع من أمه يومًا، أمه التي لُخّصت كل الصفات السلبيةِ في كيانها والعجب أن الأمومةَ جاورتها بالرغم من كل شيء!
لكن ومن بين كل شيء وفي وسط المنطق والمُحال كان ذاك الإقتراح قد تجاوز خطّ المُحال بأميالٍ عديدة، كان كطلقةٍ جاءتهُ في صدره عن بُعد ألف ياردة! هل سيكُون بكامل عقلهِ لو فكّر مجرد تفكيرٍ في هذا الأمر؟ في أن يُعيد أيامًا مَضت بسوادها وقتامتها ليُهديها الحقّ حتى تعود لتنشر ظلامها الذي سيطر عليْه في زمنٍ ما! في لحظاتٍ لم تطوِها الأيام بعد ولا السنين التي اضمحلت بينه وبين ديما لتظهر لهُ ممتدةً بينهما بشكلٍ مأساوي! علاقته ببثينة دامت لوقتٍ يقارب الوقت الذي بينه وبين ديما، لكنّه يشعر أنّ تلك العلاقة أطول بكثيرٍ من عدد السنين التي ترجمتها، بينما سنينهُ مع ديما مضت كومضةِ برق! ربما لأنه المُسيطر فيها، أو ربما لمدى حلاوتها التي لُخصت في عينيها! لا يدري! لا يعلم ما السبب لجريانها السريعِ كما يجري النهر الصافي، وكلّ جريانٍ يعني التجدد والنقاء، بينما الماء الراكد فاسد! تمامًا كعلاقتهِ ببثينة التي طالت وطالت بالرغم من كونها كذات سنينهِ مع ديما، والفرق يكمن في الحلاوةِ والمرارة.
وكلُّ حلاوةٍ تكمن في امرأةٍ قاتلة! تمامًا كسحر عينيها اللتين ينشقُّ عندهما النظر ويبقى العمى المُنساب في عينيه بلذاذةِ جمالها الغيرِ مُدوّنٍ في قاموس النساء، هي الأجمل من بعدِ حواء وسارة، هي الملكةُ التي لم يوضع على رأسها تاجٌ مرئيٌ وكل النساءِ من بعدها جواري!
,
قطّبت جبينها وهي تتحرك بانزعاج، الغرفة تضيق بهما في خلوةٍ مُحرمةٍ تخشى نتائجها، لم تُبالي بكلماته وهي تشعر أن جزيئات الهواء باتت بينهما كالجسر الملوّثِ بثاني أكسيد الكاربون، انطفأ الأمان عند نظراته التي جعلتها تزدرد ريقها بصعوبةِ مرورُ شوكةٍ آلمتها ومزّقت حنجرتها. همست بتوترٍ وهي تُشتت حدقتيها هنا وهناك بعيدًا عنه : مو وقتك! أبوي الحين أكيد منتظرني
رفعَ إحدى حاجبيه وشفتيه تتلوّن بابتسامةٍ ماكرة : أبوك ينتظرك؟ متأكدة؟
اضطربت عيناها وصدرها يتحشرج بأنفاسها، ما الذي يقصده بكلماتهِ هذه؟ ما معنى هذه النبرة التي انجرفت لمعنًى غير مُطمئِن. بللت شفتيها وهي تركز بعينيها هذهِ المرة بعينيه وقلبها يضطرب بانقباضاتهِ خوفًا! مما هي خائفة؟ أمن كابوسٍ رأتـه في منامٍ لا غير؟ من أمرٍ كان مجرد أضغاثٍ استحلت عقلها وانتهى بها المطاف ميّتةً في مهدِ المنام!
رفرفت بجفنيها لثانيتن وكل زاويةٍ في جسدها تضطرب وتنجرف نحو الإرتباك، كل جزءٍ من دمها انخفضت نسبة الأكسجين بهِ لتشعر بقواها تخور وهي تسألة ببهوت : وش تقصد؟
تنهد بضجرٍ وهو يُغمض عينيه ويُحرّكُ رأسه يمينًا وشمالًا مُتأتِئًا بملل : نسيت إنّك ما حضرتي كامل المشهد ... للأسف زوج خالتي أبوك ما نجحت عمليته وصار له شويّة مضاعفات
ارتفع شهيقها الذي بُترَ من بعدهِ الزفير، عينيها كادتا أن تُلفظا من محجريْها وهي تنظران إليْهِ باتساعٍ كاتساع تلك الهوّةِ التي وقع فيها قلبها لما سمعته! كاتساع تأثير نقص الأكسجين على صدرها في هذهِ اللحظات.
هزّت رأسها بالنفي وهي لا تستوعب ما يقول، فشل! ومضاعفات!! أبعد تلك الرجاءات التي بُتر صوتها؟ أبعد تلك الأدعية التي تمتمت بها بخشوعٍ كخشوع عينيها في بريقها الحزين؟ الآن يجيء هو ليسحقها بما قال؟ ليسحق كل تلك الأوراق الخريفية التي جففها البكاء؟ لكن لمَ عساها تصدقه؟ ما الذي يخوّلها لتصدقه؟ إنه يكذب! بالتأكيد يكذب ليُزعجها فقط لا غير.
همست لهُ بصوتٍ تحشرج بغصّاتها وعيناها تبهتان من خلف غمامة الدموع التي غلفتها : كذاب! وحقير بعد
اقترب منها وهو يرسم ابتسامةً ماكرةً واثقة يتجاهل شتائمها له : آخذك له تشوفينه؟ لأنك أكيد بتضيعين بعد ما نقلوك لغرفة ثانية
عادت للخلف بخوفٍ من نظراته، لتصتدم ساقيها بسرير المشفى وتسقط عليه شبه جالسة، لكنها بتوتر قدميها لم تستطع النهوض من جديدٍ وهي تهتف بخوف : لا تقرب
توقف مكانه وهو يزفر بضجرٍ وكفيه دُسّتا في جيب بنطاله الجينز، وبعجرفة : قلت لك يا ستّي منتِ من مستواي عشان أقرب لك
بللت شفتيها باضطرابٍ وقبل أن تفكر بالرد كانت كلماته قد جاءت كالقصف في أذنيها حين أردف : مسكينة خالتي شلون تحملت بنت المسيار تعيش معها في حياتها
,
تمددت على سريرها بعد أن بدّلت ملابسها بقميص نومٍ يُظهر منها الكثير، تشعر بالحرّ يهاجمها في هذه الغرفةِ الباردة منذ دخلتها، شتّان ما بين شعورها بين تلك العائلةِ ووحدتها الآن وقبل الآن! . . انقلبت على جانبها الأيمن تُدير ظهرها للباب، كم تمنّت لو أن هذا اليوم لم ينتهي ولا ينتهي، لكن أمنيتها في النهايـة لم تتحقق كسائر أمنياتها! كسائر تلك الأحلام التي تجري في عروقها مع دمها.
ابتسمت بأسى وهي تُغمض عينيها، يتعرقل عقلها بالتفكير الذي تفاعل مع أحماضٍ عدّةٍ ليُحرقها من الداخل، ليسلخ كلّ مراكز عقلها عدا مركز الذاكرة التي تُعيد تدوير الكثير من الصور في عقلها دون توقف.
زفرَت زفرةً ساخنةً تحمّلت بالكثير من ثاني أكسيد الكاربون الذي بات المكوّن الضارَ لها. وبالرغم من كونها كانت مستنكرةً لهدوء سلطان من بعد عودتهما في حين أنّه أقر بعكس ذلك في بيت والدته إلا أنها شعرت بالراحةِ تتغلغلها، هُنا ستكون لوحدها معه، لن تحتمي بأحدٍ كما كانت تفكّر هناك، هنا الجدران والباب هما وحدهما الحليفين لها، واليأس هو مثواها، هنا تنشطر الراحة بين الخطرِ والأمان، بين عينيه الحانيتين ولسانهِ الذي يلفظ بالغضب.
رفعت إحدى كفيها لتخلخل بها شعرها الطويل وتشدّ خصلاتها بقوّة، وأسنانها وطأت على شفتها السفلى إلا أنها ارتخت فجأةً ما إن سمعت رنين هاتفها.
سكنت للحظاتٍ وكأنها تعلم من هو المتصل، ومن غيره؟ نبضَ قلبها بقوّةٍ خوفًا إلا أنها اعتدلت جالسةً لتلتقطهُ بسرعةٍ وكل تهديداته وتحذيره لها لم يكن مجرد حلقةٍ في أذنها بل كانت كالحشوة التي حشت بها أذنيها حتى لا تنساها، ونبرتـه تلك تتمرر في مسامعها كسمّ أفعى تتخلخل مساماتها وتتنشر في دمها.
عضّت شفتها ما إن رأت رقمه وارتفع معدّل نبض قلبها، بالرغم من كونها تعلم منذ البدايـة أنّه هو إلا أنّ رؤيتها لرقمه كان عنيفًا لترتفع نسبة الأدرينالين في جسدها محدثةً فوضى عارمة في كامل أعضائـها.
ازدردت ريقها وهي تُجيب، ثمّ رفعت كفها لتضع الهاتف بجانب أذنها وأنفاسها تتحشرج توترًا، وبهمسٍ مُضطرب : نعم يبه
سمعت صوت زفرةٍ غاضبة من الجهةِ الأخرى، وقد كان دويّها كافيًا لترتعش شفتاها وتكون ردّة فعل أسنانها هو عضّ السُفلى منهما .. رفعت كفّها الأخرى لتضعها على صدرها ولسانها لا يقوى على سؤاله إن كانت أخطأت بشيءٍ حتى تُصدر منه هذه الزفرة الغاضبة. انتظرت للحظاتٍ تنتظر منه أن يتحدث، لكنّ اللحظات طالت بصمته لتستنكر هذا الصمت، فالصمت في قاموسه قد حُذف بل لم يكُن له تواجدٌ من الأساس، فما بهِ صامتٌ الآن صمتًا لا يليق بانطلاق لسانه؟
ازدردت ريقها مرةً أخرى قبل أن تهمس بتردد : للحين ما لقيت شيء، من الأساس ماراح ألاقي شيء واحنا هنا
صمتت تتنفس بقوّةٍ تشحذ بها طاقةً لا ترحمها وتأتيها، ثمّ أردفت وأناملها تشدّ على قميصها فوق صدرها : أكيد بحصل شيء في بيته . . بس ، بس مدري متى بنرجع! يقول البيت للحين قاعد يصلح فيه . . يعني شويّة وقت بس
ارتجفت كفّها وارتخت عن قميصها وهي تسقط في حُجرها، حنجرتها تعثّرت بأحرفها التي فقدت مخارجها الصوتية وتلاشت، تتوقف غصّتها في بلعومها لتتوقف كل كلماتها وهي تشتت حدقتيها بضعفٍ تنتظر رده الذي لم يجيء سوى بصوتٍ أنفاس مُنفعلة، صمته لا يبشر بالخير! يضاعف مدى الرعب في قلبها بالرغم من كونها لطالما تمنّت صمته وابتعاد نبراتهِ القاسية عنها. طالت الثواني في صمتٍ قبل أن يختفي صوت أنفاسه وتتلاشى فجأة، وقبل أن تستوعب أنه أغلق كان صوت طرقاتٍ على الباب تبعها فتحهُ قد أفزعها.
,
نظر مطوّلًا للنائم على السرير والهاتف بيده، يشدّ عليه بقوةٍ ووجهه يتلوّن بالإزدراء والحنق، يتلوّن بالكثر من الغضبِ وعدم الرضا، ذلك الصوت الذي كان ينساب إلى أذنيه كان لامرأةٍ خائرة القوى، ضعيفةٌ واليأس قد اعتراها، تلوّنت نبرتها بجفافِ الخريف وصقيع الشتاء، بنعومةِ النسيم البارد وحدّة السكين. ما الذي كان يفكر به؟ ما الذي كان يفكر بهِ ليقوم بفعلٍ قبيحٍ كهذا!! ما الذي فعلته يا أحمد؟!
تعلّقت عيناه بملامح أحمد وهو يضع الهاتف على الكومدينة ويزفر بحرارةٍ دون رضا، ثمّ بهمسٍ ووجهه يتلوّن بالحنق : وش كنت تفكر فيه يا أحمد يوم دخّلت بنتك في هالمعمعة؟!! وش كنت تفكر فيه بس؟!
,
كان النومُ قد بدأ يسرقها عن العالم الواقعي إلى عالمٍ أجمل تتلوّن فيه الأحلام بالزهري، ترى نفسها في تلك الأحلام كغيرها من الإناث اللاتي ولدن في ظروفٍ طبيعيةٍ بين عائلةٍ وفي منزل. لكن الأحلام تنطفئ في مهدها ما إن يعي الشخص واقعه، ما إن ينتشله العالم عن عالمه الإفتراضي الآخر. وهذا ما كان حين انتشلتها طرقات الباب من عالمها ذاك.
فتحت عينيْها ببطءٍ وهما لازالتا غارقتين في النعاس، منتفختين بشدةٍ لخشوعها في البكاءِ قبل ساعات. همهمت وهي تتحرك بكسلٍ وتعود لإغلاق عينيها دون استيعاب، وحين عادت الطرقات لتعلو أكثر فتحت عينيها مرةً أخرى وقد بدأ الإستيعاب يزورها ليصلها صوت الطرقات مُحملًا بصوتٍ بشري ثقيل.
كان صوت ياسر يصل إلى أذنها مختلطًا بالكثير من القلق : إلين ، إليــــن
بللت شفتيها الجافتين وهي تجلس وكفّاها تفركان عينيها، وما إن أنزلتهما عنهما حتى نظرت للباب بخمولٍ وملامحها الناعسة يتخلخلها الكثير من الحزن، والخزي! كيف عساها تمتلك الوقاحة لتقابل أحدهم بعدما حدث؟ كيف قد تسمح لنفسها بالتمادي أكثر وكلّ جزءٍ منها يخجل من كونه ينتمي إليها فماذا عنهم هم؟ تعالت صوت الطرقات والنبرةِ القلقة في صوتِه، وتصاعد صوت الخزي في داخلها وكل الأبواب تُغلق في وجهها كما الأنوار انطفأت ليعمّ الظلام، اختفى ظلّها في عتمةِ الغيهبِ واقترب جسدها للزوال، تنهار كل السنين في عينيها وتسقط! كل الأنامل التي تشابكت معها تراجعت بقوةٍ لتخلع معها مفاصلها وتظلّ وحيدة الكفيْنِ دون أصابع.
من خلف الباب تصاعد قلقه هو من عدم ردها عليه، لمَ لا ترد؟ هل يمكن أن يكُون قد حدث لها شيء؟! ... عند تلك الفكرةِ ضرب الباب بصورةٍ أشدّ وصوته يرتفع في لفظ اسمها الذي كرهته! كرهته وما عاد جزءٌ فيها يُحب انتماءها لهذا الإسم وكل انتماءٍ كاذبٍ ينقشع عند من هو بحالها. كبِرتُ ونسيتُ الحياةِ في عمري والعُمر يجري بسرعةٍ يضمحلّ فيها الصغر والشباب ليصل للمشيخ. لعُمري الذي ضاع في هوّةٍ كاذبة، لعُمري الذي سحق الحاضر والمُستقبل بشيخوخته، لعُمري الذي ما عرفَ الإنتظام وشاب بي بسرعة، في الحُزن تنشطر الأحلام وتهوي في بئرٍ دون قاع، في اليأس ينسى الإنسان طموحه الذي انكسر بحصاةٍ صغيرة! إجري كما تحب، الفظني كسفينةٍ جرفها الموجُ إلى شاطئٍ غير مأهول، الفظني كسمكةٍ ازداد عنصر الملوحةِ في وطنها فهاجرت أو ربما ماتت قبل أن تهاجر! إلفظني كساعةٍ نسيتها عقاربها وراحت دونَ وجهِ فائدة.
اختلط صوتُ ياسر بصوتِ هديل، حينها أدركت أن عبدالله غيرُ موجودٍ في البيت، فهي تُدرك كما تدرك بؤسها أنه دائمًا ما يكُون أول المتفقدين حين تحصلُ مهزلةٌ ما أمام باب غرفتها.
هديل بقلقٍ من خلف الباب : وش صار؟
ياسر بحدة : من متى وهي في غرفتها؟
توترت ملامح هديل وهي تنظر للباب بقليلٍ من النفور، إلا أنها عضّت طرف شفتها وهي تطرد تلك المشاعر السلبية وتلك الأفكار لتهمس بفتور : من بعد اللي صار
ياسر : ما طلعت؟
هزّت رأسها بالنفي بصمتٍ وعيناها تنحدران للأسفل لتنظر للأرض دون صوتٍ وأمواجها الصوتية نسيت العبور من خلف شفتيها، هناك نارٌ اشتعلت فجأةً من بعد ما حدث في قلبها، هناك اندلاعٌ يفتت قفصها الصدري بحرارتـه وفكرة فقدانها لأمها جعلت كل شيءٍ في روحها ينهار! من السبب في كل ذلك؟ تُحاول أن تقنع نفسها بأنّ لا سبب! وذاك قضاءٌ وقدر، إلا أن المنطق يأتي كومضةٍ يُنير عقلها فَيُظلم شعورها وهي من الجهةِ المقابلةِ تُحاول إنارتـه بدفاعٍ مُستميتٍ دون أدنى فائدة.
انتبهت لياسر حين عاد ليطرق الباب، ينتظر إجابةً من إلين التى فضّلت أن تواري صوتها حتى يملّ ويذهب، فمقابلتهم وجهًا لوجه ستكون أقصى من قدراتها لذا من الأفضل أن تسكن في مكانها.
في أثناء ذلك النداءِ المسموع وطرقات الباب المُزعجةِ خرجت هالة من غرفتها بملامح شاحبةٍ مُقطّبة إثر ذاك الضجيج، وحين رأت وقوف ابنيها أمام غرفة إلين فُجعت واقتربت منهم هاتفةً بقوةٍ رغم أن الضعف يستحل حدقتيها : وش قاعد يصير هنا؟
ارتفعت الأنظار جميعها إليها وتلك المُتوارية من خلف الباب وقفت فاغرةً شفتيها تُرهف السمع بعد أن تمكنت بجهدٍ بالغ أن تستوعب أن هذا الصوت لهالة! إذن هي لا تزال هنا!!
تغلغلتها الراحة لتبتسم ابتسامةً حزينة وابتسامتها تلك جاءت في غير الوقت المُلائم لها، ابتسامةٌ نبعت من شفتين وعينيْها التضادُ التامُ لها. المهم أنّ بؤسها لم يُكمل مسيرة انغراسهِ في هذه العائلة، هي الدخيلة في النهاية وكم من المُخزي أن يصبح الدخيل هو المحرك للحزن في بيتٍ احتضنه سنين.
بهتت ابتسامتها والتوت بألمٍ وهي تستمع لصوت هالة التي سألت بقلقٍ واضح : إلين فيها شيء؟
اقتربت هديل منها بعينين تلتمعان لتُمسك بعضدها وهي تهمس برجاءٍ خائف : ما صار شيء يمه بس تكفين لا تقربين من هنا أخاف تصير مشاكل من جديد
ازدردت إلين معدنًا مُنصهرًا أحرق جوفها والكلمات التي لُفظت من هديل شعرت أنها معنيةٌ بها بشكلٍ ما! انسلخ باطنها عن جسدها باندلاعِ نارٍ حزينةٍ تنتقم منها لأمرٍ لم يكُن بيدها، ليس ذنبها أنها ولدت وقدرها مكتوبٌ قبل أن تسكن في رحمِ أمها، ليس ذنبها أن كان الجوع العائلي مرافقًا لها وكل قوتٍ يوميٍ قد تحصل عليه يتلاشى حتى قبل أن تقترب منه. ليس الذنب ذنبها وما يحدث ليس ذنبًا من الأساس! هذا قدرها شاءت أم أبت والقدر لا يكُون يومًا ذنبًا بحجم ما قد يكُون عقابًا! ما الذي فعلتُه في حياتي يا الله؟ ما الذي اقترفْتُه لأتبوأ هذه الدار الساكنُ فيها الريح والمُغادر عنها الأكسجين؟ ما الذي فعلْتهُ يا إلهي لتُسدّ كل الأبوابِ في وجهي وأنا التي تستغفر في الأسحار وفي النهار علّ هذا الجوع يُتوّج بالشبع يومًا ما؟ " وبشر الصابرين " فهل كنت ل تلك السنين لست منهم؟
هتفت هالة بجمودٍ ما إن سمعت رد هديل : ما بيصير شيء ، وش صاير؟
بلل ياسر شفتيه وهو كأخته لا يريد لمشاكل أخرى أن تنهض، لذا رد عليها بهدوءٍ ظاهري : لا بس بغيناها تاكل لها شيء عشان ما تتعب
وكأنها باتت كالسجناء! حين يجيء وقت طعامها يقترب الحارس من بابها ويقدم الطعام في طبقٍ صغير، وكأنها الرديءُ من المعادن والتي تُرمى في أقرب مكبٍ للنفايات! كأن الوجود واللاوجود حلقتان تداخلا من عند الأطراف واستقرت هي وسط الشكل الذي كوّن لتُصبح بينهما، موجودةٌ وغير كذلك! مُنشطرةً عن الأحياء وكذلك عن الأموات.
ازدردت ريقها للمرة المائة وغيمةٌ حُبلى من فوقها تُظللها ولا تسقيها، غيمةٌ حُبلى تعسّرت ولادتها فتأخر موعد سُقياها.
انعقد حاجبي هالة قليلًا وهي تسألهما : ليه هي متى آخر مرة أكلت؟
تنهدت هديل بكبت، ثمّ شدّت بيدها على عضد هالة وهي تعقد حاجبيها قليلًا برجاء : يلا يمه خلينا نمشي ، ياسر بيتكلم معاها
هالة برفض وهي تنظر لياسر نظرات لا يفهمها سواه وإلين : ومين قال إنّي بخليه يتكلم معها؟
عضّ ياسر شفته بحرارةٍ وهو يُشتت حدقتيه عنها ويزفر محاولًا طرد الشحنات التي تدفقت في جسده حين قالت ما قالته! ألا تعلم أنها بما تقول تقذف اثنين؟ ألا تعلم أنّ هذا ذنبٌ لا يُغتفر والقذف مُحذرٌ منه في كتاب الله جل علاه؟ ألا تعلم أنها لو كانت شخصًا آخر وقذفته لقام بإجراءٍ آخر معها؟ لكن المشكلة أنها أمه! من ربته لتتهمه بهذه الصفةِ الشنيعة بعد سنواتٍ طالت في كنفها، من كان يجب أن تثق به ولو كانت رأته في وضعٍ مشكوكٍ به، من كان لعينيها أن ترى أمامه مرآةً تُظهر محاسنه بينما تنكسر المساوِئ عندما تُحاول اختراقها، كان يجب أن تجعل من عينيها مرآةً مُحدبة تقوم بتصغير كل سيئةٍ تظهر منه على الأقل! فكيف إذن وهو لم يفعل شيئًا!
نظر لملامحها بجمودٍ للحظاتٍ وعينيها تنظران إليه باتهامٍ صريح، توقف الزمن قليلًا عند تلك النظرات التي ترشق من كليهما وهديل تنظر إليهما باستنكارٍ حتى انقطع النظر بتحرك ياسر مبتعدًا. ظلّت هالة تنظر إليه بعينين مُحبطتين به حتى توارى عنها داخل غرفته، ومن ثمّ تنهدت لتتحرك مبتعدةً قبل أن تهتف بجمودٌ موجهةً كلماتها لهديل : حاولي تقنعينها تاكل شيء
صمتت هديل للحظاتٍ وعيناها تميلان بخواءٍ قبل أن تهتف بفتور : إن شاء الله
,
بُهتت ملامحها وهي تنظر إليْه بعدم استيعابٍ مُطلق، ما الذي لفظ بهِ للتو؟ أما قال ضربٌ من جنون؟ بالتأكيد! فهيثم مجنونٌ كفايـة ليقول ما يقول وكل المقاويل من بين شفتيه لا يؤخذ بها لأنه وبكل بساطةٍ مجنون!
لمحت فمه يلتوي بابتسامةٍ ساخرةٍ ماكرة ومن ثمّ تأتأ بأسى وهو يهزّ رأسه يمينًا وشمالًا، ليلفظ : مسكينة!
ارتعشت شفتاها وعيناها تنظران إليْه ببهوت، وعند هذا المُفترق ارتفعت إحدى كفيها ليستقر باطنها على جُرح زندها المُغطى بكُمّها الطويل، بالرغم من كونها تُدرك أنّ كلماته مجرد جنونٍ وعبث، مجرد مُحاولةٍ لإزهاق سكونها، إلّا أنها كان لها المفعول التام لتُشعرها بهذا الخمول في أطرافها الآن. اهتزت نظراتها وانكسرت عن عينيه اللتين تلتمعان بلؤم، لتنظر للأرض وهي تقبض بقوةٍ على زندها هامسةً بصوتٍ وصل إليه جيدًا بشكلٍ مُهتز : مجنون!
التوت ابتسامته أكثر مُحاولًا كبح ضحكةٍ أرادت التسلل من بين شفتيه، لتنفرجا مُتمتمتين بما نطقت بهِ دون صوتٍ ساخرًا عبْر عينيه وانعدام صوته، إلى أن ضحك أخيرًا بصوتٍ عالٍ وهو يغمض عينيه غارقًا في ضحكهِ هذا الذي جعلها ترتعش بغيظٍ كبتته عن الظهور دون أن تستطيع السيطرة على عينيها اللتين رمقتاه باحتقار.
همست بشتيمةٍ لم يسمعها لتتحرك وهي تراه مُنزاحًا عن الباب قليلًا، لم تترد هذه المرة في الإتجاه للباب حتى تخرج فهو من الواضح أنه لا ينوي تركها تخرج بسهولة، وفي أثناء اتجاهها للباب كانت تنظر إليْه بحذر، كيف عساها تتحرك ببساطةٍ وسهولةٍ إلى الباب وهو قريبٌ منهُ بشكل يسمح له بلمسها إن هي اقتربت!!
تحرك خطوةً جانبًا لتنتفض وتقف مكانها ناظرةً إليه بذعر، إلا أنه كبت ضحكةً ليتراجع قليلًا للخلف مُبتعدًا أكثر عن الباب وهو يرمقها بنظراتٍ لا تُبشر بالخير.
ازدردت ريقها باضطرابٍ وهي تقترب أكثر من الباب وعيناها إليه لا تُدركان طريقها، وما إن وقفت عند الباب حتى وصل إلى مسمعها صوتهُ الأشبه بفحيح أفعى سامةٍ تقترب من فريسةٍ لها، وبابتسامةٍ وهو مُغمضُ العينين : قيييم أوفر!!
استدارت نظراتها إليْهِ تلقائيًا ليضحك وهو يرفع كفيه للأعلى وعيناه ترمقانها بمكر : روحي له . . روحي للي ظلمك بهالحياة لما تزوج وخلفك في المسيار!! روحي
استدارت هذه المرة بجسدها بأكمله إليه وكفاها هذه المرة ارتعشتا عند جنون كلماته التي لفظها لتهزّ بدنها، لتأخذها علة محمل الجد فعيناه تلتمعان بشيءٍ ما بعيدًا عن الكذب والجنون، وبحدةٍ لم تستطع منع لسانها عن السؤال : وش الجنون اللي قاعد تقوله؟؟
,
" متى بتروحون أنتو؟ " .. لفظتها من بين شفتيها بتذمرٍ وهي عابسةُ الملامح، وما إن سمعت أرجوان ما قالته أختها حتى شهقت ناظرةً إليها بنظراتٍ مُتسعةٍ تُرسل إليها تحذيرًا حتى تصمت.
لوت جيهان فمها وهي تصدّ نظرها عن عيني أرجوان لتنظر لرامي بملل : وصمخ ما تسمع أنت؟ يلا اتصل على أحد من أهلك وقوله يجي لكم
ضربت أرجوان رأسها وهي تعضّ شفتها بحنقٍ من وقاحة أختها، وبحدة : جيهااان
جيهان دون مبالاة : اصصص خليني أتفاهم مع ذا اللي مطنش بعد!
نظر إليها رامي من طرف عينيه نظرة احتقارٍ ويدُ " البلاستيشن " استقر بين كفيه، ثمّ صدّ عنها بكل بساطةٍ ليُكمل لعبه وترتفع شهقة جيهان هذه المرة.
جيهان بحنق : أيا قليل الحيا!!!
ضحكت أرجوان بخفوتٍ وهي تنهض عن الأريكةِ لتُمسك بمعصميها هاتفةً بابتسامةٍ جميلة : خليك منه وتعالي ندخل غرفتك نحكي شوي
تقطّبت ملامح جيهان وارتبكت قليلًا لا تدري لمَ! إلا أنها أومأت لتنهض وتتجهان لغرفة النوم.
جلستا على السرير وأرجوان ترسم ابتسامةً جميلة على شفتيها، بينما كانت جيهان تنظر إليها بملامح زارها البهوت والشحوب منذ أيامٍ طالت ولم تنتهي.
بدأت أرجوان بالتحدث مُرققةً صوتها باهتمام : بينك وبين فواز شيء صح؟
قطّبت جيهان جبينها وعيناها تنظران إلى أختها باستنكارٍ ظاهري : شيء مثل أيش؟
أمالت أرجوان رأسها قليلًا وابتسامتها تتقلص تدريجيًا، ليس صعبًا عليها أن تميز ما الذي تواجهه أختها في حياتها، ليس صعبًا عليها أن تلمح المعاناة في ملامحها الفاضحة، في ملامحها التي تعكس الحزن والفرح في لحظاتهما.
همست أرجوان بعينين ضيقتين : مبسوطة مع فواز؟
تجمدت ملامح جيهان وبردت نظراتها حتى وصلت لبرودة الصقيع، وبالرغم من كون أرجوان كانت تعلم تمامًا ما الإجابة إلا أن الألم زاولها بشدةٍ حين تجلّى الحزن في عيني أختها البُنيتين . . انعكس ألمها على سطح حدقتيها بسهولةٍ وهي تبتلع ريقها بغصّة، وبهمسٍ تنظر لحجرها مُبتعدةً عن عيني أرجوان : مافيه بيننا شيء
أرجوان تقترب منها أكثر لتُمسك بكفيها المُرتعشتين بوهنٍ وبرودة الشتاءِ تمركزت في بشرتها التي لسعتها ببرودتها، تجسد الإرتعاش بأكمله في أطرافها وبوادر البُكاء حلّت من ارتعاشها لإحمرار ملامحها.
همست أرجوان بتأوهٍ وهي تشدّ على كفيها بقوة : احكي ، لا تكذبين علي يا جيهان، احكي وطلعي اللي جواتك
زمّت جيهان شفتيها وهي تصدّ بوجهها عنها، بالرغم من كل ما يحدث معها، بالرغم من حقدها على فواز بعد ما حدث، إلا أنها قد أقرت سابقًا أنّها لن تتجرأ على التقليل من شأنه أمام أحد، هي ترى أنه يخطئ في حقها بمعاملته وظنه بأنها من المجانين! إلا أن رؤيتها هذه لا تخوّل لها أن تقلل من شأنها ولا زوجة ترضى بذلك لزوجها وإن كان قد قلل من شأنها هو.
همست جيهان بخفوتٍ دون أن تنظر إليها : شوية مشاكل بس .. لا تخافين علي
أرجوان دون تصديق : شوية مشاكل؟ متأكدة؟
أومأت جيهان بصمتٍ دون أن تدير وجهها إليها، حينها رفعت أرجوان كفها لتُمسك بذقنها وتُدير ملامحها إليها، وبجدية : ماني مصدقتك! دامك ما طالعتي بعيوني وأنتِ تقولينها ماراح أصدقك . . . وحتى لو قلتيها وعيونك بعيوني بعد ماراح أصدقك
أقدر أشوف اللي في قلبك بكل سهولة يا جيهان لأنك أختي، بس ما راح أضغط عليك، مو بس لأنك ما تبين لأني بعد أثق في ولد عمي وأثق إنه ماراح يأذيك
فغرت جيهان شفتيها قليلًا وعقلها يهمس بسخرية " ماراح يأذيني؟ " . . ألا تدرك أنه قام بما يتجاوز الإيذاء حين جرحها بتلك الطريقة وبذاك الإتهام؟ إلا تُدرك أنهما في شدٍ وجذب، في مدٍ وجزر، وكل السبب لا يقع إلا على عاتقه وعلى ذاك الظن؟
تنهدت تُخفي ما اختلج بداخلها في صدرها دون أن تظهره لسانيًا، يكفي ما تواجهه، يكفي كلّ شيء فهي لا تريد أن تُضاعف القلق في صدر أختها التي تثق بابن عمها!!
,
اتجهت عيناها للباب الذي فُتح ليتراءى أمامها سلطان الذي وقف ينظر إليها للحظاتٍ نظراتٍ لا تُفسر، بينما استقرت عيناها عليه وبمظهره الساكن وعينيه الهادئتين في حين توقعت هي غير ذلك من براكين وزلازل في صدره، توقعت أن يُلخص جميع الكوارث الطبيعية في سهامِ عينيه وموجاتِ لسانِه، إلا أنه بدا هادئًا، هدوءًا كان مُرعبًا ومُزعجًا أكثر من أي ضجيج يتعدى الموجات الصوتيةِ ليُدمي أذنيها.
تثبّتت عيناها الضعيفتين في عينيه اللتين كانتا تنظران إليه بقوّةٍ لتصدا عنها أخيرًا، حينها انتبهت لمظهرها وعُريِّ لباسها لتشهق بقوةٍ واضعةً كفها على صدرها وشفتيها انفرجتا بذعر. إلا هو! إلا هو لا تريد أن ترتدي مثل هذه الملابس ويراها، بالرغم من كونها لا تخجل منها واعتادت عليها كليًا لكنّ الوضع مُختلف! مُختلفٌ بدرجةٍ لا تحتمل الخجل أو إمحاقه!
تلفتت بسرعةٍ تبحث عن روبها الطويل والذي لا تدري أين وضعته بالضبط! فحضور سلطان في هذا الوقت لغرفتها ومظهرها كانا سببًا كافيًا حتى يتخبّط عقلها ويتشتت تركيزها.
لم يستطع منع ابتسامته من الظهور حين لمحها بطرف عينيه وهي تُدير رأسها هُنا وهناك تبحث عن شيءٍ ما على الأحرى ليسترها، مظهرها بدا بريئًا ورغبتها في ستر نفسها أعجبته! . . تحرّك مبتعدًا باحترامٍ عن الغرفة وهو يهتف بجمودٍ وظهره إليها : استري نفسك والحقيني
ليتحرك مبتعدًا بعد كلماته وتلك الأخرى انفعل قلبها الذي أصبح يضرب قفصها الصدري بقوةٍ ضارية، ارتفعت نسبة الأدرينالين لتنخفض نسبة إفرازها للعاب ويجفّ فمها، ازدردت ريقًا وهميًا وكفها مُستقرةٌ على صدرها الذي يرتفع وينخفض بتوتر، وعيناها تعلقتا بالباب المفتوح والذي خرج منه بعد أن دخل عبره ليراها هكذا، الباب الذي كان مفتاح توترها الآن، انتقلت من تركيزٍ عالٍ كان مُتمثلًا في والدها لتنتقل لتركيزٍ أعلى ... أعلى! أمثله يكُون كالمنطقة ذات التركيز العالي ليلفظها منه بوحشية؟ أم أن والدها هو من كان له أن يكون كذلك منطقيًا! . . ارتخت كفها عن صدرها وانسدلت رموشها بحيرةٍ وضياع، إنه وإن كان رجلًا إلا أنه لم يفعل لها شيئًا حتى الآن لتصفهُ بتلك المبالغة! الأحقية لوالدها في هذه الصفة وليست لسلطان، لكن لمَ فكرت أنّه كذلك؟ لمَ فكرت أنه قد يكون بذاك التركيز القوي وهو الرجل الذي ما جاور قسوة والدها يومًا ولن يجاورها أحد؟
عضّت طرف شفتها وهي تستنشق الأكسجين باضطرابٍ من بين شفتيها لترتعشا ببرودةِ الهواء الذي عبرها، غرق تفكيرها للحظاتٍ في الضياع والتخبط الذي عاشته وستبقى تعيشه أبد الدهر، في البساتين التي تبرأت منها بعد أن أصبحت زهرةً جافة لا جماليةَ بها، في الرياح التي حملتها غيمةً مُثقلةً بالصديد لتنسحب عن حملها أخيرًا وتسقط بمرارةِ حياتها التي التحمت مع الوجَعِ وباتتا واحدًا لا يقبلان القِسمة. قُمعت كل العمليات الرياضية والحيوية فيما بين حياتها والوجع، تكللت سيرتها الذاتية بجائزة نوبل للناتج التي صدرت عن عدم عمليةٍ ما أو معادلةٍ وتفاعل.
جُذبت من البحر الذي غرقت بهِ على صوتِ سلطان الذي ارتفع باسمها حين لم يرها قد لحقته، وقد ظنّ أنها تتجاهله عمدًا لذا خرج صوته حادًا بعض الشيء.
انتفضت لتشدّ بقوةٍ على مفرش السرير وكأنها تطلب الحماية، ثمّ تنفست بقوةٍ وهي تُغمض عينيها مُحاولةً تهدئـة نفسها لتنهض وتبتعد عن المشاكل معه الآن . . وقفت بارتعاش ساقيها لتتناول روبها الطويل وترتديه بترددٍ وهي تتمنى أن تسمعه يقول " خلاص بروح أنام "، لكن هيهات فصوته ظلّ ساكنًا حتى خرجت إليْه بوجهٍ مضطربٍ تغَطى بالقليل من الخوف بعد أن كانت تتصنع العكس من ذلك حينما كانا في بيت امه.
هتف ببرودٍ وهو يرمق ملامحها التي سطع على جمالها الضعف وقلّة الحيلة : تعالي اجلسي
فركت كفّاها ببعضهما وهي واقفةٌ عند باب غرفتها مُطرقةَ الرأس بشكلٍ طفولي، وبهمسٍ متردد : بنام وش بغيت؟
رفعَ إحدى حاجبيه ليهتف بصوتٍ جاد : أبي أتفاهم معاك وأشوف وش آخرتها وياك
رفعت رأسها مباشرةً إليه لتُطلق من عينيها سهامها التي كانت مضطربةً بشكل وصلت إليه ضعيفة، وقد لمح بكل سهولةٍ الخوف الذي ظهر عليها وإن كانت حاولت إخفاءه. همس : ليه الخوف؟ وش بسوي لك يعني؟
انكسرت نظراتها عن مرآةِ عينيه لتُشتتها وهي تزفر بتوترٍ ظهر في ساقيها اللتين كانتا تهتزان باضطرابٍ واضح. لمَ يجب أن تظهر دائمًا بهذا الشكل الضعيف أمامه؟؟؟ عضّت شفتها بقوةٍ وهي تُعيد النظر إليه واضطرابها شعرت أنه هو من بات يحرك عضلة لسانها : ماني خايفة مين قالك؟
ارتفع حاجبه لردها الحاد الذي تسلل من بين شفتيها قبل أن يستوعبه عقلها، ونظرته نفذت إلى أعماقها بقوّتها وثباتها المُضاد لاهتزاز كل خليةٍ في جسدها، تضاعف الإهتزاز ليجعل من تكوينها رخويًا عند عينيْه اللتين ضاعفتا من اضطرابها ما إن اصتدمت بهما، وكأنه صقرٌ رأى فريسةً لهُ أمامه، كأنّ الموج تصاعد مدّهُ ليصتدم بصخور الشاطئِ بقوةٍ جعلتها تتفتت.
أغمضت عينيها بقوةٍ وهي تُدير وجهها جانبًا وقدماها رفضتا الإنصياع لإرادة عقلها بالهرب، ماتت أعصابها الحركية وتصلّبت عظامها لتظلّ واقفةً أمامه وكل ضَلالٍ لا يكُون إلا بالضعف الجسدي الذي يخون صاحبه ولا يُنقذه من بطش الفهود.
رقّت نظراته قليلًا وهو يزفر ويُغمض عينيه للحظات، وفي كل يومٍ وساعة، في كل دقيقةٍ وثانية، هاهي تثبت للمرةِ الألف أنّها تُعاني من شيءٍ ما على الأرجح هو نفسي! تنكسر نظراتها ويرتدّ جسدها ما إن تستشعر غضبه، حتى في حالات " روقانه " لا تكون بكامل طبيعتها والحذر ينبع من عينيها.
ما الذي واجهته في حياتها ليجعل من شخصيتها مُهتزّةً بهذا الشكل؟ ما الذي واجهته ليبنيها بهذهِ الهشاشةِ القابلة للكسر؟ وكل الرخوياتِ انسلخ عنها تكوينها الرخوي ليتمركز في حدقتيها اللتين صاحبها الإهتزاز والصرع!
فتح عينيه لينظر إليها وهي على حالها واقفةٌ بخشيةٍ واضحة وعينيها مُغمضتين بقوةٍ تصدّ رأسها عنه، وبجهدٍ حاول إيصال صوته هادئًا حنونًا بدرجةٍ كافيةٍ لتطمئن : خلاص روحي نامي ، واعتبري أخطائك اليوم متغاضي عنها بس حاولي ما تكررينها
فتحت عينيها بسرعةٍ ورأسها أدارته إليه بقوّةِ المدفع، رأى عدم التصديق في عينيها جليًا وكأنها كانت تتوقع منه قتلها على الأقل! أوجعه أن يرى هذه النظرة في عينيها والتي تثبت أنها واجهت أمرًا غير إنسانيٍ في الماضي.
ابتسم لها بحنانٍ لينتفض قلبها بقوةٍ وتعود أعصابها الحركيةُ للحياة، انتهى تصلّب عظام قدميها وانقبضت عضلاتها في حركةٍ مُرتدةٍ للخلفِ والأكسجين يعبر من بين شفتيها باضطرابٍ تضاعف آلآف المرات بابتسامته، بنظرةِ عينيه، بملامحه المُرتخية وكأنّ تشنج ملامحهِ في تلك الثواني لم يكُن إلا تصويرًا من عينيها وعقلها.
كان قلبها يدوي كالمدفع بين أضلاعها، وعينيها المتسعتان احترقتا بدموعٍ ما كادت تخونها هذه المرة لتسقط . . ما الذي يفعله؟ ما الذي ينتويه مكره؟ ما الذي يريد أن يصل إليْه تحديدًا؟؟!
تراجعت للخلف وشفتيها ترتعشان، وصوتها انقطع منه الثبات ليتسلل من بين شفتيها مُنهارًا والدموع تزيّن سطح عينيها : يكفي! وقف اللي قاعد تسويه! الوضع ماهو مُمتع ... والله ماهو ممتع حرام عليك
تلاشت ابتسامته وظهرت الصدمة على ملامحه بوضوح. امتدّ جسرٌ بينها وبين تلك الإبتسامة التي تحمّلت بمشاعر عظيمة، بينها وبين نظراته، بينها وبين ملامحه وصوته، امتدّ جسرٌ تُدرك أنها إن عبرته سيتحطم وهي في منتصفه لتسقط، ستلتهمها أسنانه بعد حينٍ من تصديقها لهذه المشاعر.
اعتادت على القسوةِ المباشرة، اعتادت على عدم اللف والدوران فلا تلجأ إليه الآن! لا تتصنع شيئًا لتصدمها بشيء آخر! لا ترفعها للسماء لتُسقطها أرضًا في النهايـة. وهي الجذور التي تثبتت في أرضٍ قاسيةٍ وتشعّبت ليتضاعف ثباتها في تلك الأرضِ النهمة، هي الماءُ التي تشرّبته أراضٍ استحلها الجفاف لتُمتصها كلّها بوحشية، فكيف ستكُون حين يزداد جفاف هذه الأرض ويزداد تشعبها في القسوة؟ كيف ستطبح حين تزور بستانًا تنوي إسقاءه لتُصدم بأن هذا البستان جافٌ حتى من الأغصان!
كل الكوارث الطبيعية تمثّلت فيها من فيضاناتٍ وجفافَ وزلازل، تمامًا كما الآن وعينيها في فيضانٍ لم يتجاوز جفنيها، قلبها جفّ وتمزق وجسدها يستحلّه الإرتعاش بشدة.
رأته يقف لتتراجع بقوةٍ أكبر وتصرخ دون شعورٍ وهي تُغمض عينيه لتنساب دمعةٌ يتيمة على إحدى وجنتيها وتروي جفاف بشرتها : لا تكســر قلبي أكثر . . لا تصير الشيطان اللي يطلع بشكل ثاني . . لا تكون أسوأ! الله يخليك لا تصير أقسى بهالطريقة!! ما عاد أتحمل خلاص ، والله ما عاد أتحمل .... أنـــا بشــر
جلست على الأرض بانهيارٍ بعد أن ارتعشت قدماها بقوةٍ أضعفت بقية جسدها وهي تقوّس شفتيها، وجفنيها هذه المرة انخلعا ليتجاوز الدمع محجريْها، بكت كما لم تبكي في خلواتها ووحدتها والعينُ حين يفيض بها الماءُ تتفجر فتروي الأراضي اليابسة كقلبها الذي تشقق بجفافه، تُثبط عزيمة النار التي تندلع في الجوْفِ وكل الحزن حين تشتعل نيرانٌ داخلية تُحرق ولا تحول الجسم إلى رماد، تُحرق ولا تجعل الدخان يرتفع عن محجريها اللذين احترقا واختنقا بعطاءِ هذه النار المُتأججة. الحُزن للعينين عند عزاءِ قلبها والمجد لتلك النار وإن أُحبطت الآن إلا أن مجدها باقٍ كهذا الحُزن وهذا الضعف.
ارتفع صوتُ نحيبها وهي تُغطي ملامحها بكفيها، بينما بقي سلطان واقفًا في مكانه للحظاتٍ والصدمةُ من انهيارها وبكائها الذي يراه لأول مرةٍ شلّت أركانه. قبل ساعاتٍ كان يقول لها ابكي! كان يقول لها أخرجي مافي قلبك! لكنّ التحفيز لأمر شيءٌ ورؤيته متجسدًا شيئًا آخر يختلف عن الحقيقة والخيال، يختلف عن حُزنٍ جسّدته القصص والأقلام في الورق، يختلف تجسده في الواقع عن تجسده في الأفلامِ الحزينة، نضحت عيناها بالماء المالح وكل إناءٍ يمتلئ سينضح في آخر المطاف، كلّ كبتٍ لابد له أن ينفجر وما أقساه من انفجارٍ حين يكون لأنثى يلمح حُزنها كما يلمح حزن عينيْه في المرآة، يلمح انكسارها دائمًا في سطح حدقتيها العسليتين وجمود ملامحها السمراء، يلمحه في ارتعاش كفيها وعضّها لشفتها، في تواريها خلف باب غرفتها خوفًا منه لما لا يعلم وفي اهتزاز نبرتها عند الحديث معها.
ما الذي جعل غزالًا مثلها بهذا الجرح وهو الغزال الذي لم يصطده أحدًا من قبل؟ ما الذي جعل غزالًا بريًا حرًا أن يتهاوى ساقطًا في أقصى فحولةِ جماله؟ كيف يُضعف الحزن النساء بهذه الطريقة منذ أول بادرةٍ له ولا يفعل ذات الشيءِ معها؟ كيف قابلته أول مرةٍ بثقةٍ كاذبة ولم تسقط عند أول خوفٍ وألمٍ رآه في عينيها؟ . . لو أنكِ بكيتي منذ أول مرة، لو أنك انهرتي بترفٍ عند أول حزن، لو أنكِ لم تقسي على نفسك لتنكسري أخيرًا كغصنٍ تيبّس وتصلب، لربما كان الإنهيار اليوم أقل وطأةً عليكِ وعليْ، لربما كان حُزنك الآن أقل صدقًا، لربما كنتِ أنتِ أكثر ثباتًا من الآن وغير الآن وبعد الآن، لكنكِ قسوتِ يا غزل على نفسكِ كما لم يقسي أحدٌ من قبل على غيره، قسوتِ على قلبكِ الذي سيكون ضعيفًا ليتحمل كل هذا وكل مالا أعرفه فأنتِ ككل الإناثِ اللاتي يتصنعن القوة ليسقطن أخيرًا.
سقوطكِ كان أقسى، سقوطكِ كان أعنف، سقوطكِ كان أكبر من أن يتحمله أي رجل.
تشنجت قبضتاها فوق عينيها وصوتُ نحيبها تشعر أنّه يتجاوز حنجرتها ليمزّقه، يتجاوز شفتيها بجوانب مُسننةٍ ليجرحها بعنف.
لم تبالي أنها اليوم بكت، لم تبالي أنها اليوم سقطت بالرغم من كونها تُدرك أنه يستلذّ بهذا الضعف الآن وليفرح! ليفرح فقلبها وصل في تحمله لما لا يقوى وقد انفجر بحزنه هذه المرة ليبكي مع عينيها ويُوقف عمليه ضخه للدماء إلى أوردتها، انقطع الأُكسجين عن دمها ومات دماغها وتوقف عن عمله ليتوقف تفكيرها في كل شيءٍ ما عدا هذا البُكاء الذي سينتهي بالندم والعتاب، سينتهي بضحكةٍ منه، ضحكةِ تشفي وانتصار.
توقف الشعور لديها بصدمةٍ عند ذراعين طوّقتها بقوةٍ إلى صدرٍ صلب، اتسعت عيناها بصدمةٍ وكل خلاياها ارتعشت ونحيبها أُخرس عند شعورها بدفءِ صدره، حتى كلماته المُهدئة لها توارت خلف صوت قلبها الذي اعتلا بعنفٍ ليتصدر كل الأصوات ويُمحقها. لم تسمع شيئًا مما يقوله، اختفى صوته، اختفت برودة المكان، وسكن ارتعشها بدفئه، رأسها كان مُستقرًا في صدره بفعل كفهِ التي كانت مُستريحةً خلف رأسها تشدّها إليه، والأخرى كانت تمسح على ظهرها برفقٍ وحنان. انتهى الإستيعاب عند نبضات قلبها وهذا الدفء، ليصل إليها صوتٌ آخرَ كان صوتُ نبضاتِ قلبه التي كانت تُجاور أذنها
,
تحركت بارتباكٍ والفستان الأبيضُ يبتلعها بأكملها، هاقد جاء اليوم الذي لم يكن مُنتظرًا! جاء هذا اليوم الذي ستزفّ فيه إلى غيره! جاء اليوم الذي ستندلع فيه حرارة خيانتها وتحرقها، كل شيءٍ من حولها بات غيرَ مرئيًا، باتت الأصوات شيئًا لا يعبر وكيف عساها الموجات الصوتية تعبر وتصل إلى مسامعها وجزيئات الهواء تلاشت بعد أن استنشقتها بأكملها؟ كيف عساها تصل ولا جزيئات تُسعفها بالإصتدام بها؟ عضّت شفتها بقوةٍ وهي تجلس مُنتظرةً الأوامر التي ستصدر قريبًا حتى تتحرك وتبدأ الزفة، الوقت يمرّ بسرعةٍ وهذا حال الوقت حين يتعلق بما هو غير منتظر، الإنتظار يتعلق بما هو مُتأخر، وهي لم تنتظر فكيف سيتأخر احتراقها؟
دخلت ديما التي غلفها اللون التيفاني بإغراء، عيناها تخضّبتا بالكحل العربي لتشعا جاذبيةً مع نظرتها السعيدة في هذا اليوم الذي انتظرته وهاقد جاء.
دخلت وهي تهتف بعجلة : يلا تجهزي جاء وقت التصوير
شعرت بأن أحدًا ما قام بصفعها على وجنتها بقوةٍ غير ملموسة، فغرت شفتيها وهي ترمش بعينيها التي أحيطت بألوانٍ ناعمة والتصديق لا ينولها. ثم ببهوتٍ همست : تصوير!!!
قطّبت ديما جبينها وهي تهمس : مو أمي قالت لك قبل؟
اندفعت أسيل واقفةً وكأنها استوعبت للتو ما معنى التصوير مع زوجها الحالي، وبانفعال مُتخبط : لا ما قالت، محد قالي .. ومستحيل أوافق، مستحييييل
فغرت ديما شفتيها ببهوتٍ لانفعالها، ليس هناك ي داعٍ لذلك فهو زوجها في النهاية : أسيل وبعدين معاك؟ أمي قايلة لك من قبل وأنا بنفسي سامعتها بس شكلك ما كنتِ مركزة
انتفضت كفها وارتعشت شفتاها بتعثّر، كانت تُحاول منذ أيامٍ أن لا تنهار واستطاعت، والآن ماذا؟ هل جاء وقت انهيارها أخيرًا؟؟
همست بعبرة : ولو . . أنتم تعرفون إني مستحيل أتصور وياه ليه . . ليـ ..
بُترت كلماتها وهي تشعر بعدم المنطقيةِ بها، لا حجة لها لترفض، هذا ما يرونه لكن ماذا عنها؟ ماذا عن قلبها وشعورها؟ ماذا عن انهزام الفرح في صدرها؟ ماذا عن تلك الليالي التي نامت فيها تحت جُنح الزواج بمتعب ومن ثمّ الترمل لتموت في فراشها منذ دخل شاهين حياتها؟ ماذا عن تلك النصوص البريئة التي كتبتها عن جهلٍ شعريٍ لهُ ليسمعها منها مُبتسمًا ويُشجعها بكلماته؟ ماذا عن ارتعاش كفيها حين تسكن كفيه؟ هل مات كل ذلك يا الله؟ هل انتهت تلك الأيام الربيعية ليحلّ الشتاء الآن؟ هل ستُرغم الآن على النسيان والإخلاص للآخر لتذنب إن لم تقم بذلك؟ لا ذنب لها في شيء، لا ذنب لها إن فكرت بغير زوجها الحالي، لا ذنب لها وكل الذنب مات في هذا الزواج الخاطئ والذي لم يبنى بمنطقية، هذا الزواج الذي بُني صدئًا وسيسقط أخيرًا.
كادت تبكي لولا أن اندفعت ديما إليها بذعرٍ وهي تهتف : خلاص أسيل لا تبكين تكفين .. بتفضحينا اليوم أنتِ؟
زمّت شفتيها وهي تهتف بقهر : هذا اللي هامكم ... هذا اللي هامكم
دخلت أمهما في تلك اللحظةِ لتصمت ديما عن الحديث الذي كانت ستوجهه لأسيل، بينما صدّت الأخرى عن الباب وهي تُمسك زمام دموعها قسرًا وتحترق عيناها بها.
هتفت ام فواز وهي تلحظ الأجواء المشحونة بينهما : اطلعي ديما شاهين بيدخل
,
دخل بملامح غطّاها الجمود الذي كان من المفترض أن يبتعد بأميالٍ عنه في هذه الليلة، نظراته وجمود ملامحه لا تُعبّر عن كونه العريس، ولولا مظهره وابتسامته الهادئـة لكان من المستحيل أن يميز عابرٌ أن حفل الزفاف هذا له.
كانت تجلس وأمها تقف أمامها وتحدثها بشيءً ما على الأرجح سيكون نصائح حادة كي تلتزم الأدب، ما الذي بقي ولم تفعله بعد ما فعلته البارحة وما قالته له من وقاحة؟ زمّ شفتيه وهو يحاول كبت انفعالاته كي لا تظهر على سطح عينيه، ثمّ اقترب منها وعيناه تتأملان كل تفصيلٍ فيها بتركيز، كانت تبدو كحوريةٍ هربت من المحيطات وجاءته بهذا الجمال الأخآذ الذي يخلب اللب ويسرق النظر ليبقيه أعمى عن سواها، كقطعةِ سُكر لم يتذوقها أحدٌ من قبل ولن يتلذذ بحلاوتها سواه، كالمنشقة التي ستسرق حياته بالتأكيد! كادت تخطف قلبه في هذه الأثناء وتجعل ملامحه ترقّ رغمًا عنه لمرآها، إلا أنه عاد وذكّر نفسه بما فعلته لتتجمد ملامحه ويتضاعف تصلّبها.
اقترب منهما بهدوءٍ وهالةٌ انتشرت حوله جعلت نظراتها المُضطربة إليه تنكسر عنه بعيدًا، بدأ قلبها ينبض بشدةٍ وهي تشعر بالخزي يختلط برفضها ونفورها، كلماتها له تتكرر في ذهنها، تشعرها بمدى حقارتها وصغرها، إلا أنها في النهاية لُفظت وما عاد شيءّ يعيدها إلى جُحرها.
*
كانت الساعات القليلة المُتبقية لميعاد زفافهما تكاد تنتهي، قليلةٌ بقلّة السكون في هذه اللحظات، بل بانعدامه! ضيقة كضيق صدرها، سريعةٌ كسرعة نبضاتها الجامحة، يكاد عبورها أن يكون ثقيلًا على معدتها سريعًا في صعقها.
ما الذي تفعله حتى الآن؟ لمَ لا تزال واقفةً ولم تقم بإلغاء كل هذا بجديةٍ وضراوه؟ ما كلّ هذا الضعف والهوان؟ ما كل تلك الذبذبات التي تزورها فتجعلها إنسانةً مهتزةً لا قرار لها؟ كيف يُزاولها الضعف المُجمِّدُ لها ولا يزاولها الجنون لتتحرك؟ كيف يغادرها الإصرار وتقف بهذا السكون المقيت؟ إنها تنتهك بكل هذا، تنتهك بهذا الإستسلام وسيف شاهين يغرس نصله الحاد في صدرها، تنتهك بهذه الخيانة وتلك العلاقة التي يتوجب عليها الإخلاص بها وكل إخلاصٍ من بعد متعب توارى من خلفه وبجواره ولم يعد هناك أيُّ إخلاصٍ إلا له، كلّ ما يقام بهِ خطأ، كل هذا خطأ، كل تلك القرارات مُحرمةٌ خرجت من دائرة العلاقات.
جلست بعد أن كانت مُمتددةً على سريرها وهي تمسح دمعةً تسللت من بين رموشها، ودون شعورٍ رفعت هاتفها من على الكومدينة لتتجه لرقم شاهين مباشرةً والتفكير يغادر عقلها في هذه الأثناء.
بقي الهاتف يرنّ لثوانٍ طالت قبل أن يرفعه شاهين من الجهة الأخرى ليتوقف قلبها لثانية، وصل إلى مسامعها صوته الذي ميّزت بهِ صدمته بسهولة فهما من بعد أن تجاهلت الرد عليه آخر مرة لم يتجرأ أحدهما على الإتصال بالآخر : أهلين أسيل
أسيل بتوتر : هلا
شاهين : كيفك؟
أسيل تزدرد ريقها باضطراب : الحمدلله
صمت قليلًا ينتظر منها أن تتحدث وتقول ما تريده، فهو يدرك دون ذكاءٍ أنها لم تتصل به له، بل لأجل نفسها الأنانية بالتأكيد.
انتظر لثوانٍ وصوت أنفاسها المُتوترة تصل مسامعه التي اشتاقت لصوتها في تلك الأيام القليلة، شعر أن اليوم الذي ينقضي دون صوتها كالدهر الجاف بدون ماءٍ أو حياة، كالسنين الجائعة فيها أذناه. ما الذي فعلته به؟ يريد فقط أن يعلم ما الذي فعلته به؟ كيف لأنثى مثلها بهذا الجمال أن تعبره ولا تتجاوزه؟ كيف لامرأةٍ جسّدت جاذبية الكون بأكمله في عينيها لا تجعله يُطيق صبرًا حتى يسمع صوتها، حتى يتلذذ برؤيتها، حتى يستشعر دفء جسدها بين ذراعيه! ما الذي فعلتِه يا أسيل بي ليهتز قلبي حين يصل صوتكِ مسامعي ويخترقها؟ ما الذي فعلتُه أنثى بنعومتك حين طعنت قلبي بحدةِ عينيها؟ أنتِ لا تدركين أبدًا أن الرجل الشرقي حين يحب لا يكره، حين ينجرف بموجٍ كأمواجك لا يسعه أي شيءٍ أن يُنقذه، لا تدركين أن لعينيك أمواجًا تجاوزت أمواج المحيطات بأكملها بقوتها، لا تدركين أن لكٍ عينيان كـ " مثلث برمودا " تجذب كل شيءٍ إليها ولا تعيده! لا تًدركين أنني انجرف نحوكِ ولا شيء يشدني بعيدًا عنكِ وكل حبلٍ قد يُنقذني منكِ انقطع قبل وصوله إلي.
همس بحيرةٍ باسمةٍ حين طال صمتها : فيه شيء؟
تنفست بقوةٍ تسحب الأكسجين إلى صدرها بضراوةٍ وكأنها في حربٍ طاحنةٍ بين رئتيها والهواء. والضعف لازال مُستحلًا بها حتى في هذه الساعات التي لا تحتمل الضعف. همست بعد صمت وهي تُحاول شحذ نفسها بالقوة : أيـه
ابتسم برقةٍ وكأنها أمامه، ينسى الجرح منها بسهولةٍ ويتغاضى عن الكثير من أخطائها، يُدرك أن لا علاقة تستمر حين يدقق الطرفين في كل خطأٍ وكل زلةٍ متعمدةٍ أو غير متعمدة.
شاهين بلطف : سمي
أسيل بتوتر بدأت ساقيها بالإهتزاز : بكره زواجنا
اتسعت ابتسامته لمجرد التخيل أنها ستكون غدًا في بيته، وقلبه الحالم بدأ بالخفقان حين ارتفعت نسبة الأدرينالين في جسده، وبصوتٍ هامس : مبروك علينا
توترت نظراتها وكفها المُمسكة بالهاتف انقبضت بقوةٍ عليه، ازدردت ريقها والكلمات تخرج بوجعٍ من بين شفتيها دون إدراك : زواجنا بكره يا شاهين
بهتت ابتسامته قليلًا حين كررت جملتها مع اسمه وكأنها تستنجد به ليُنقذها! ليُنقذها من زواجهما!! . . طرد تلك الأفكار وهو يقنع نفسه أنه تخيّل تلك النبرة التي انسلخ عنها الفرح، وبهدوءٍ دون ابتسامة : أيوا!
أسيل بفتور : بس لازم أعلمك شيء قبل
توتر شاهين قليلًا : وش هو؟ أسمعك
أسيل ولسانها بات يتحرك بالأحرف دون إدراكٍ منها : بتقبل؟ ماراح تعصب؟
تضاعف توتره وقلبه شعر بالقلق رغمًا عنه، فهو يدرك تمامًا من هي أسيل ليقلق حين تتحدث معه بطريقتها الآن، وكيف عساه لا يقلق وهي كالطريقة التي تحدثت بها حين طلبت أن يكون زواجهما - صوريًا -!
زمّ شفتيه قبل أن يهتف بهدوءٍ ظاهري : ما راح أعصب احكي
ازدردت ريقها بصعوبةٍ تتذوق مرارة الصديد، تشعر أن حمضًا استقر في جوفها وعصارة معدتها تلتهمها بأكملها، انسلخ الشعور عنها، والإدراك عن كلماتها تلاشت عند هذا المفترق وبين الضياع والألم وهي تهمس والكلمات تجيئها من حيث لا تدري : علاقتي السابقة ... مع متعب
وقف بسرعةٍ من الجهةِ الأخرى ما إن نطقت باسمه، ونارٌ اندلعت في جوفه بينما تشنجت ملامحه بغضب، كم مرةً قال لها أن لا تفعل ذلك؟ كم مرةً قال لها أن تتركي مافي قلبك لقلبك؟ كم مرةً يجب عليها أن تستهين بهِ وبعلاقتهما بهذا الشكل وتنتهك حرمتها؟ هل خُتم على علاقتهما كل تلك الوقاحةِ من قبلها؟ هل هو ناقصٌ في عينيها بهذا الشكل لتستهين بشعوره؟ أم أنه تساهل معها بدرجةٍ سمحت لها بالتمادي؟
هتف من بين أسنانه بحدة : أسييييييل!!
أسيل تقاطعه بجنون : لازم أقولك قبل .. لازم أخليك على بيّنَه لأن هذا زواج وما أبيك تنخدع فيه
صمت وهو يشعر أن القادم أعنف، أن القادم أشد وقاحةٍ من الآن! أشد وطأً على قلبه، تنفسه اضطرب حينما أكملت، عيناه تحجرتا في الفراغ وهو يسمعها تتابع : أنا ومتعب . . علاقتنا كانت تتجاوز العلاقات المقيدة في الملكة.
.
.
.
انــتــهــى
الأسبوع الجاي عندي امتحانات :( بس مع ذلك أنا توقفت بهالبارت عند نقطة بتخليني أكتب اليوم يمكن نص بارت بعد :P -> شغلة حماس وكذا :$
+ أقولها لكم بكل صدق، أنا علاقتي في قُرائي ما أعتبرها مجرد علاقة كاتب بقارئ عبر رواية لا غير! أنا أشوفكم أكبر بكثير من كذا وأشوف علاقتي وياكم أعظم.
لو كانت العلاقة منحصرة في علاقة كاتب بقارئ كنتوا بتشوفوني رسمية بشكل كبير وما أثرثر في بداية البارت ونهايته، ما كنت رديت على الأسئلة في الآسك ولا الكومنتات في الإنستقرام ولا على اللي في المنشن عندي بتويتر!
هالأسبوع في ناس الله يسامحهم البعض منهم كان يتذمر مني ويعاتب بشكل تجاوز العتاب عن تأخري المضطر عشان دراستي! وفيه منهم وحدة قالت لي منافقة وما أفي بوعودي ومن هالكلام اللي ما كان له أي داعي أبدًا.
ما شلت بخاطري على أحد وكلكم ما راح أقول لكم الا " الله يسامحكم "
أنا أعتبركم مثل أخواني أو أصدقاء على الأقل، وعند أي ظرف يصيبني مباشرة أعتذر منكم وأوضح لكم وش اللي مخليني أتأخر أو ما أكتب بارت طويل، فياليت بس تعطوني - تصديق - منكم وشوية ثقة، لا تكذبوني لأننا كبرنا على هالتفكير وعلى الكذب!
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " من حلف لكم بالله فصدقوه " ، وأنا والله والله ما أتعمد التأخير ولازم يصيبني ظرف أتأخر بسببه، أما إني أقعد ألف وأدور مثل ما تقولون! ماهي من شيمي والله شاهد على هالشيء.
حاولوا تعطوني ثقتكم الروايـة راح تكتمل بإذن الله.
أحبكم () لا تحرموني من دعواتكم لي في دراستي :(
دمتم بخيرٍ دائمًا / كَيــدْ !
|