لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-02-15, 07:48 PM   المشاركة رقم: 241
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 





سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن


اشتقت لكم هوايـة على قولة حبايبنا العراقيين :$ إن شاء الله تكونون بألف خير وعافية

بارت اليوم دسم شويتين ، حجمه في دسامته لذلك ركزوا كثير على كل كلمة وكل بادرة من الأبطال. فيه توضيحات وردّات توضّح كثير للي عقله نظيف ومركز + لحظة انتظرناها وهرمنا لأجلها :)) فاستلموه.

بسم الله نبدأ على بركته
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات

(30)





تجمدت عيناه بعد تلك - الكارثة - التي لفظت بها أمه ولم يشعر بنفسه إلا وهو يهمس وعيناه تتوسعان مُتفاجئًا من ذاك الإقتراح الذي ما وجدَ في قاموس المنطق له ملجأً : مُستحييييييل
وقف ليهزّ رأسه يمينًا ويسارًا مُردفًا ببهوت : أنتِ من جدك يمه تفكرين إني أرجعها لي؟!!
تنهدت بضيق وهي تُشيح بناظريها عنه، بالرغم من كل شيءٍ ومدى الضياع الذي تراه في عينيه، مدى الرغبة والشغفِ في زياد إلا أنها لن تكُون راضيةً يومًا أن يُعيد بثينة إليْه فتستوجع ديما بذلك، لكنها في هذه المرّةِ ضعفت في حين غفلةٍ حينما تمركز الضياع على اثنين وليس فقط واحدًا، على ابنها وحفيدها في الوقت ذاته.
وقفت بسرعةٍ لتزفر وهي تهزّ رأسها بالنفي، ثم بتعثّر : خلاص انسى ولا تفكر بهالشيء . . فيه أكيد مليون حل غيره
تابعها بنظراته وملامحه تتجمد لاسمٍ ذُكر بين المنطقِ والمُحال، بين الواقع والخيال، هذا الإسم الذي لفظه للجحيم منذ سنواتٍ ولم يزاوله إلّا غصبًا لوجود رابطٍ بينهما وهو طفلٌ اجتمعت فيه براءةٌ لم تنبع من أمه يومًا، أمه التي لُخّصت كل الصفات السلبيةِ في كيانها والعجب أن الأمومةَ جاورتها بالرغم من كل شيء!
لكن ومن بين كل شيء وفي وسط المنطق والمُحال كان ذاك الإقتراح قد تجاوز خطّ المُحال بأميالٍ عديدة، كان كطلقةٍ جاءتهُ في صدره عن بُعد ألف ياردة! هل سيكُون بكامل عقلهِ لو فكّر مجرد تفكيرٍ في هذا الأمر؟ في أن يُعيد أيامًا مَضت بسوادها وقتامتها ليُهديها الحقّ حتى تعود لتنشر ظلامها الذي سيطر عليْه في زمنٍ ما! في لحظاتٍ لم تطوِها الأيام بعد ولا السنين التي اضمحلت بينه وبين ديما لتظهر لهُ ممتدةً بينهما بشكلٍ مأساوي! علاقته ببثينة دامت لوقتٍ يقارب الوقت الذي بينه وبين ديما، لكنّه يشعر أنّ تلك العلاقة أطول بكثيرٍ من عدد السنين التي ترجمتها، بينما سنينهُ مع ديما مضت كومضةِ برق! ربما لأنه المُسيطر فيها، أو ربما لمدى حلاوتها التي لُخصت في عينيها! لا يدري! لا يعلم ما السبب لجريانها السريعِ كما يجري النهر الصافي، وكلّ جريانٍ يعني التجدد والنقاء، بينما الماء الراكد فاسد! تمامًا كعلاقتهِ ببثينة التي طالت وطالت بالرغم من كونها كذات سنينهِ مع ديما، والفرق يكمن في الحلاوةِ والمرارة.
وكلُّ حلاوةٍ تكمن في امرأةٍ قاتلة! تمامًا كسحر عينيها اللتين ينشقُّ عندهما النظر ويبقى العمى المُنساب في عينيه بلذاذةِ جمالها الغيرِ مُدوّنٍ في قاموس النساء، هي الأجمل من بعدِ حواء وسارة، هي الملكةُ التي لم يوضع على رأسها تاجٌ مرئيٌ وكل النساءِ من بعدها جواري!


,


قطّبت جبينها وهي تتحرك بانزعاج، الغرفة تضيق بهما في خلوةٍ مُحرمةٍ تخشى نتائجها، لم تُبالي بكلماته وهي تشعر أن جزيئات الهواء باتت بينهما كالجسر الملوّثِ بثاني أكسيد الكاربون، انطفأ الأمان عند نظراته التي جعلتها تزدرد ريقها بصعوبةِ مرورُ شوكةٍ آلمتها ومزّقت حنجرتها. همست بتوترٍ وهي تُشتت حدقتيها هنا وهناك بعيدًا عنه : مو وقتك! أبوي الحين أكيد منتظرني
رفعَ إحدى حاجبيه وشفتيه تتلوّن بابتسامةٍ ماكرة : أبوك ينتظرك؟ متأكدة؟
اضطربت عيناها وصدرها يتحشرج بأنفاسها، ما الذي يقصده بكلماتهِ هذه؟ ما معنى هذه النبرة التي انجرفت لمعنًى غير مُطمئِن. بللت شفتيها وهي تركز بعينيها هذهِ المرة بعينيه وقلبها يضطرب بانقباضاتهِ خوفًا! مما هي خائفة؟ أمن كابوسٍ رأتـه في منامٍ لا غير؟ من أمرٍ كان مجرد أضغاثٍ استحلت عقلها وانتهى بها المطاف ميّتةً في مهدِ المنام!
رفرفت بجفنيها لثانيتن وكل زاويةٍ في جسدها تضطرب وتنجرف نحو الإرتباك، كل جزءٍ من دمها انخفضت نسبة الأكسجين بهِ لتشعر بقواها تخور وهي تسألة ببهوت : وش تقصد؟
تنهد بضجرٍ وهو يُغمض عينيه ويُحرّكُ رأسه يمينًا وشمالًا مُتأتِئًا بملل : نسيت إنّك ما حضرتي كامل المشهد ... للأسف زوج خالتي أبوك ما نجحت عمليته وصار له شويّة مضاعفات
ارتفع شهيقها الذي بُترَ من بعدهِ الزفير، عينيها كادتا أن تُلفظا من محجريْها وهي تنظران إليْهِ باتساعٍ كاتساع تلك الهوّةِ التي وقع فيها قلبها لما سمعته! كاتساع تأثير نقص الأكسجين على صدرها في هذهِ اللحظات.
هزّت رأسها بالنفي وهي لا تستوعب ما يقول، فشل! ومضاعفات!! أبعد تلك الرجاءات التي بُتر صوتها؟ أبعد تلك الأدعية التي تمتمت بها بخشوعٍ كخشوع عينيها في بريقها الحزين؟ الآن يجيء هو ليسحقها بما قال؟ ليسحق كل تلك الأوراق الخريفية التي جففها البكاء؟ لكن لمَ عساها تصدقه؟ ما الذي يخوّلها لتصدقه؟ إنه يكذب! بالتأكيد يكذب ليُزعجها فقط لا غير.
همست لهُ بصوتٍ تحشرج بغصّاتها وعيناها تبهتان من خلف غمامة الدموع التي غلفتها : كذاب! وحقير بعد
اقترب منها وهو يرسم ابتسامةً ماكرةً واثقة يتجاهل شتائمها له : آخذك له تشوفينه؟ لأنك أكيد بتضيعين بعد ما نقلوك لغرفة ثانية
عادت للخلف بخوفٍ من نظراته، لتصتدم ساقيها بسرير المشفى وتسقط عليه شبه جالسة، لكنها بتوتر قدميها لم تستطع النهوض من جديدٍ وهي تهتف بخوف : لا تقرب
توقف مكانه وهو يزفر بضجرٍ وكفيه دُسّتا في جيب بنطاله الجينز، وبعجرفة : قلت لك يا ستّي منتِ من مستواي عشان أقرب لك
بللت شفتيها باضطرابٍ وقبل أن تفكر بالرد كانت كلماته قد جاءت كالقصف في أذنيها حين أردف : مسكينة خالتي شلون تحملت بنت المسيار تعيش معها في حياتها


,


تمددت على سريرها بعد أن بدّلت ملابسها بقميص نومٍ يُظهر منها الكثير، تشعر بالحرّ يهاجمها في هذه الغرفةِ الباردة منذ دخلتها، شتّان ما بين شعورها بين تلك العائلةِ ووحدتها الآن وقبل الآن! . . انقلبت على جانبها الأيمن تُدير ظهرها للباب، كم تمنّت لو أن هذا اليوم لم ينتهي ولا ينتهي، لكن أمنيتها في النهايـة لم تتحقق كسائر أمنياتها! كسائر تلك الأحلام التي تجري في عروقها مع دمها.
ابتسمت بأسى وهي تُغمض عينيها، يتعرقل عقلها بالتفكير الذي تفاعل مع أحماضٍ عدّةٍ ليُحرقها من الداخل، ليسلخ كلّ مراكز عقلها عدا مركز الذاكرة التي تُعيد تدوير الكثير من الصور في عقلها دون توقف.
زفرَت زفرةً ساخنةً تحمّلت بالكثير من ثاني أكسيد الكاربون الذي بات المكوّن الضارَ لها. وبالرغم من كونها كانت مستنكرةً لهدوء سلطان من بعد عودتهما في حين أنّه أقر بعكس ذلك في بيت والدته إلا أنها شعرت بالراحةِ تتغلغلها، هُنا ستكون لوحدها معه، لن تحتمي بأحدٍ كما كانت تفكّر هناك، هنا الجدران والباب هما وحدهما الحليفين لها، واليأس هو مثواها، هنا تنشطر الراحة بين الخطرِ والأمان، بين عينيه الحانيتين ولسانهِ الذي يلفظ بالغضب.
رفعت إحدى كفيها لتخلخل بها شعرها الطويل وتشدّ خصلاتها بقوّة، وأسنانها وطأت على شفتها السفلى إلا أنها ارتخت فجأةً ما إن سمعت رنين هاتفها.
سكنت للحظاتٍ وكأنها تعلم من هو المتصل، ومن غيره؟ نبضَ قلبها بقوّةٍ خوفًا إلا أنها اعتدلت جالسةً لتلتقطهُ بسرعةٍ وكل تهديداته وتحذيره لها لم يكن مجرد حلقةٍ في أذنها بل كانت كالحشوة التي حشت بها أذنيها حتى لا تنساها، ونبرتـه تلك تتمرر في مسامعها كسمّ أفعى تتخلخل مساماتها وتتنشر في دمها.
عضّت شفتها ما إن رأت رقمه وارتفع معدّل نبض قلبها، بالرغم من كونها تعلم منذ البدايـة أنّه هو إلا أنّ رؤيتها لرقمه كان عنيفًا لترتفع نسبة الأدرينالين في جسدها محدثةً فوضى عارمة في كامل أعضائـها.
ازدردت ريقها وهي تُجيب، ثمّ رفعت كفها لتضع الهاتف بجانب أذنها وأنفاسها تتحشرج توترًا، وبهمسٍ مُضطرب : نعم يبه
سمعت صوت زفرةٍ غاضبة من الجهةِ الأخرى، وقد كان دويّها كافيًا لترتعش شفتاها وتكون ردّة فعل أسنانها هو عضّ السُفلى منهما .. رفعت كفّها الأخرى لتضعها على صدرها ولسانها لا يقوى على سؤاله إن كانت أخطأت بشيءٍ حتى تُصدر منه هذه الزفرة الغاضبة. انتظرت للحظاتٍ تنتظر منه أن يتحدث، لكنّ اللحظات طالت بصمته لتستنكر هذا الصمت، فالصمت في قاموسه قد حُذف بل لم يكُن له تواجدٌ من الأساس، فما بهِ صامتٌ الآن صمتًا لا يليق بانطلاق لسانه؟
ازدردت ريقها مرةً أخرى قبل أن تهمس بتردد : للحين ما لقيت شيء، من الأساس ماراح ألاقي شيء واحنا هنا
صمتت تتنفس بقوّةٍ تشحذ بها طاقةً لا ترحمها وتأتيها، ثمّ أردفت وأناملها تشدّ على قميصها فوق صدرها : أكيد بحصل شيء في بيته . . بس ، بس مدري متى بنرجع! يقول البيت للحين قاعد يصلح فيه . . يعني شويّة وقت بس
ارتجفت كفّها وارتخت عن قميصها وهي تسقط في حُجرها، حنجرتها تعثّرت بأحرفها التي فقدت مخارجها الصوتية وتلاشت، تتوقف غصّتها في بلعومها لتتوقف كل كلماتها وهي تشتت حدقتيها بضعفٍ تنتظر رده الذي لم يجيء سوى بصوتٍ أنفاس مُنفعلة، صمته لا يبشر بالخير! يضاعف مدى الرعب في قلبها بالرغم من كونها لطالما تمنّت صمته وابتعاد نبراتهِ القاسية عنها. طالت الثواني في صمتٍ قبل أن يختفي صوت أنفاسه وتتلاشى فجأة، وقبل أن تستوعب أنه أغلق كان صوت طرقاتٍ على الباب تبعها فتحهُ قد أفزعها.


,


نظر مطوّلًا للنائم على السرير والهاتف بيده، يشدّ عليه بقوةٍ ووجهه يتلوّن بالإزدراء والحنق، يتلوّن بالكثر من الغضبِ وعدم الرضا، ذلك الصوت الذي كان ينساب إلى أذنيه كان لامرأةٍ خائرة القوى، ضعيفةٌ واليأس قد اعتراها، تلوّنت نبرتها بجفافِ الخريف وصقيع الشتاء، بنعومةِ النسيم البارد وحدّة السكين. ما الذي كان يفكر به؟ ما الذي كان يفكر بهِ ليقوم بفعلٍ قبيحٍ كهذا!! ما الذي فعلته يا أحمد؟!
تعلّقت عيناه بملامح أحمد وهو يضع الهاتف على الكومدينة ويزفر بحرارةٍ دون رضا، ثمّ بهمسٍ ووجهه يتلوّن بالحنق : وش كنت تفكر فيه يا أحمد يوم دخّلت بنتك في هالمعمعة؟!! وش كنت تفكر فيه بس؟!


,


كان النومُ قد بدأ يسرقها عن العالم الواقعي إلى عالمٍ أجمل تتلوّن فيه الأحلام بالزهري، ترى نفسها في تلك الأحلام كغيرها من الإناث اللاتي ولدن في ظروفٍ طبيعيةٍ بين عائلةٍ وفي منزل. لكن الأحلام تنطفئ في مهدها ما إن يعي الشخص واقعه، ما إن ينتشله العالم عن عالمه الإفتراضي الآخر. وهذا ما كان حين انتشلتها طرقات الباب من عالمها ذاك.
فتحت عينيْها ببطءٍ وهما لازالتا غارقتين في النعاس، منتفختين بشدةٍ لخشوعها في البكاءِ قبل ساعات. همهمت وهي تتحرك بكسلٍ وتعود لإغلاق عينيها دون استيعاب، وحين عادت الطرقات لتعلو أكثر فتحت عينيها مرةً أخرى وقد بدأ الإستيعاب يزورها ليصلها صوت الطرقات مُحملًا بصوتٍ بشري ثقيل.
كان صوت ياسر يصل إلى أذنها مختلطًا بالكثير من القلق : إلين ، إليــــن
بللت شفتيها الجافتين وهي تجلس وكفّاها تفركان عينيها، وما إن أنزلتهما عنهما حتى نظرت للباب بخمولٍ وملامحها الناعسة يتخلخلها الكثير من الحزن، والخزي! كيف عساها تمتلك الوقاحة لتقابل أحدهم بعدما حدث؟ كيف قد تسمح لنفسها بالتمادي أكثر وكلّ جزءٍ منها يخجل من كونه ينتمي إليها فماذا عنهم هم؟ تعالت صوت الطرقات والنبرةِ القلقة في صوتِه، وتصاعد صوت الخزي في داخلها وكل الأبواب تُغلق في وجهها كما الأنوار انطفأت ليعمّ الظلام، اختفى ظلّها في عتمةِ الغيهبِ واقترب جسدها للزوال، تنهار كل السنين في عينيها وتسقط! كل الأنامل التي تشابكت معها تراجعت بقوةٍ لتخلع معها مفاصلها وتظلّ وحيدة الكفيْنِ دون أصابع.
من خلف الباب تصاعد قلقه هو من عدم ردها عليه، لمَ لا ترد؟ هل يمكن أن يكُون قد حدث لها شيء؟! ... عند تلك الفكرةِ ضرب الباب بصورةٍ أشدّ وصوته يرتفع في لفظ اسمها الذي كرهته! كرهته وما عاد جزءٌ فيها يُحب انتماءها لهذا الإسم وكل انتماءٍ كاذبٍ ينقشع عند من هو بحالها. كبِرتُ ونسيتُ الحياةِ في عمري والعُمر يجري بسرعةٍ يضمحلّ فيها الصغر والشباب ليصل للمشيخ. لعُمري الذي ضاع في هوّةٍ كاذبة، لعُمري الذي سحق الحاضر والمُستقبل بشيخوخته، لعُمري الذي ما عرفَ الإنتظام وشاب بي بسرعة، في الحُزن تنشطر الأحلام وتهوي في بئرٍ دون قاع، في اليأس ينسى الإنسان طموحه الذي انكسر بحصاةٍ صغيرة! إجري كما تحب، الفظني كسفينةٍ جرفها الموجُ إلى شاطئٍ غير مأهول، الفظني كسمكةٍ ازداد عنصر الملوحةِ في وطنها فهاجرت أو ربما ماتت قبل أن تهاجر! إلفظني كساعةٍ نسيتها عقاربها وراحت دونَ وجهِ فائدة.
اختلط صوتُ ياسر بصوتِ هديل، حينها أدركت أن عبدالله غيرُ موجودٍ في البيت، فهي تُدرك كما تدرك بؤسها أنه دائمًا ما يكُون أول المتفقدين حين تحصلُ مهزلةٌ ما أمام باب غرفتها.
هديل بقلقٍ من خلف الباب : وش صار؟
ياسر بحدة : من متى وهي في غرفتها؟
توترت ملامح هديل وهي تنظر للباب بقليلٍ من النفور، إلا أنها عضّت طرف شفتها وهي تطرد تلك المشاعر السلبية وتلك الأفكار لتهمس بفتور : من بعد اللي صار
ياسر : ما طلعت؟
هزّت رأسها بالنفي بصمتٍ وعيناها تنحدران للأسفل لتنظر للأرض دون صوتٍ وأمواجها الصوتية نسيت العبور من خلف شفتيها، هناك نارٌ اشتعلت فجأةً من بعد ما حدث في قلبها، هناك اندلاعٌ يفتت قفصها الصدري بحرارتـه وفكرة فقدانها لأمها جعلت كل شيءٍ في روحها ينهار! من السبب في كل ذلك؟ تُحاول أن تقنع نفسها بأنّ لا سبب! وذاك قضاءٌ وقدر، إلا أن المنطق يأتي كومضةٍ يُنير عقلها فَيُظلم شعورها وهي من الجهةِ المقابلةِ تُحاول إنارتـه بدفاعٍ مُستميتٍ دون أدنى فائدة.
انتبهت لياسر حين عاد ليطرق الباب، ينتظر إجابةً من إلين التى فضّلت أن تواري صوتها حتى يملّ ويذهب، فمقابلتهم وجهًا لوجه ستكون أقصى من قدراتها لذا من الأفضل أن تسكن في مكانها.
في أثناء ذلك النداءِ المسموع وطرقات الباب المُزعجةِ خرجت هالة من غرفتها بملامح شاحبةٍ مُقطّبة إثر ذاك الضجيج، وحين رأت وقوف ابنيها أمام غرفة إلين فُجعت واقتربت منهم هاتفةً بقوةٍ رغم أن الضعف يستحل حدقتيها : وش قاعد يصير هنا؟
ارتفعت الأنظار جميعها إليها وتلك المُتوارية من خلف الباب وقفت فاغرةً شفتيها تُرهف السمع بعد أن تمكنت بجهدٍ بالغ أن تستوعب أن هذا الصوت لهالة! إذن هي لا تزال هنا!!
تغلغلتها الراحة لتبتسم ابتسامةً حزينة وابتسامتها تلك جاءت في غير الوقت المُلائم لها، ابتسامةٌ نبعت من شفتين وعينيْها التضادُ التامُ لها. المهم أنّ بؤسها لم يُكمل مسيرة انغراسهِ في هذه العائلة، هي الدخيلة في النهاية وكم من المُخزي أن يصبح الدخيل هو المحرك للحزن في بيتٍ احتضنه سنين.
بهتت ابتسامتها والتوت بألمٍ وهي تستمع لصوت هالة التي سألت بقلقٍ واضح : إلين فيها شيء؟
اقتربت هديل منها بعينين تلتمعان لتُمسك بعضدها وهي تهمس برجاءٍ خائف : ما صار شيء يمه بس تكفين لا تقربين من هنا أخاف تصير مشاكل من جديد
ازدردت إلين معدنًا مُنصهرًا أحرق جوفها والكلمات التي لُفظت من هديل شعرت أنها معنيةٌ بها بشكلٍ ما! انسلخ باطنها عن جسدها باندلاعِ نارٍ حزينةٍ تنتقم منها لأمرٍ لم يكُن بيدها، ليس ذنبها أنها ولدت وقدرها مكتوبٌ قبل أن تسكن في رحمِ أمها، ليس ذنبها أن كان الجوع العائلي مرافقًا لها وكل قوتٍ يوميٍ قد تحصل عليه يتلاشى حتى قبل أن تقترب منه. ليس الذنب ذنبها وما يحدث ليس ذنبًا من الأساس! هذا قدرها شاءت أم أبت والقدر لا يكُون يومًا ذنبًا بحجم ما قد يكُون عقابًا! ما الذي فعلتُه في حياتي يا الله؟ ما الذي اقترفْتُه لأتبوأ هذه الدار الساكنُ فيها الريح والمُغادر عنها الأكسجين؟ ما الذي فعلْتهُ يا إلهي لتُسدّ كل الأبوابِ في وجهي وأنا التي تستغفر في الأسحار وفي النهار علّ هذا الجوع يُتوّج بالشبع يومًا ما؟ " وبشر الصابرين " فهل كنت ل تلك السنين لست منهم؟
هتفت هالة بجمودٍ ما إن سمعت رد هديل : ما بيصير شيء ، وش صاير؟
بلل ياسر شفتيه وهو كأخته لا يريد لمشاكل أخرى أن تنهض، لذا رد عليها بهدوءٍ ظاهري : لا بس بغيناها تاكل لها شيء عشان ما تتعب
وكأنها باتت كالسجناء! حين يجيء وقت طعامها يقترب الحارس من بابها ويقدم الطعام في طبقٍ صغير، وكأنها الرديءُ من المعادن والتي تُرمى في أقرب مكبٍ للنفايات! كأن الوجود واللاوجود حلقتان تداخلا من عند الأطراف واستقرت هي وسط الشكل الذي كوّن لتُصبح بينهما، موجودةٌ وغير كذلك! مُنشطرةً عن الأحياء وكذلك عن الأموات.
ازدردت ريقها للمرة المائة وغيمةٌ حُبلى من فوقها تُظللها ولا تسقيها، غيمةٌ حُبلى تعسّرت ولادتها فتأخر موعد سُقياها.
انعقد حاجبي هالة قليلًا وهي تسألهما : ليه هي متى آخر مرة أكلت؟
تنهدت هديل بكبت، ثمّ شدّت بيدها على عضد هالة وهي تعقد حاجبيها قليلًا برجاء : يلا يمه خلينا نمشي ، ياسر بيتكلم معاها
هالة برفض وهي تنظر لياسر نظرات لا يفهمها سواه وإلين : ومين قال إنّي بخليه يتكلم معها؟
عضّ ياسر شفته بحرارةٍ وهو يُشتت حدقتيه عنها ويزفر محاولًا طرد الشحنات التي تدفقت في جسده حين قالت ما قالته! ألا تعلم أنها بما تقول تقذف اثنين؟ ألا تعلم أنّ هذا ذنبٌ لا يُغتفر والقذف مُحذرٌ منه في كتاب الله جل علاه؟ ألا تعلم أنها لو كانت شخصًا آخر وقذفته لقام بإجراءٍ آخر معها؟ لكن المشكلة أنها أمه! من ربته لتتهمه بهذه الصفةِ الشنيعة بعد سنواتٍ طالت في كنفها، من كان يجب أن تثق به ولو كانت رأته في وضعٍ مشكوكٍ به، من كان لعينيها أن ترى أمامه مرآةً تُظهر محاسنه بينما تنكسر المساوِئ عندما تُحاول اختراقها، كان يجب أن تجعل من عينيها مرآةً مُحدبة تقوم بتصغير كل سيئةٍ تظهر منه على الأقل! فكيف إذن وهو لم يفعل شيئًا!
نظر لملامحها بجمودٍ للحظاتٍ وعينيها تنظران إليه باتهامٍ صريح، توقف الزمن قليلًا عند تلك النظرات التي ترشق من كليهما وهديل تنظر إليهما باستنكارٍ حتى انقطع النظر بتحرك ياسر مبتعدًا. ظلّت هالة تنظر إليه بعينين مُحبطتين به حتى توارى عنها داخل غرفته، ومن ثمّ تنهدت لتتحرك مبتعدةً قبل أن تهتف بجمودٌ موجهةً كلماتها لهديل : حاولي تقنعينها تاكل شيء
صمتت هديل للحظاتٍ وعيناها تميلان بخواءٍ قبل أن تهتف بفتور : إن شاء الله


,


بُهتت ملامحها وهي تنظر إليْه بعدم استيعابٍ مُطلق، ما الذي لفظ بهِ للتو؟ أما قال ضربٌ من جنون؟ بالتأكيد! فهيثم مجنونٌ كفايـة ليقول ما يقول وكل المقاويل من بين شفتيه لا يؤخذ بها لأنه وبكل بساطةٍ مجنون!
لمحت فمه يلتوي بابتسامةٍ ساخرةٍ ماكرة ومن ثمّ تأتأ بأسى وهو يهزّ رأسه يمينًا وشمالًا، ليلفظ : مسكينة!
ارتعشت شفتاها وعيناها تنظران إليْه ببهوت، وعند هذا المُفترق ارتفعت إحدى كفيها ليستقر باطنها على جُرح زندها المُغطى بكُمّها الطويل، بالرغم من كونها تُدرك أنّ كلماته مجرد جنونٍ وعبث، مجرد مُحاولةٍ لإزهاق سكونها، إلّا أنها كان لها المفعول التام لتُشعرها بهذا الخمول في أطرافها الآن. اهتزت نظراتها وانكسرت عن عينيه اللتين تلتمعان بلؤم، لتنظر للأرض وهي تقبض بقوةٍ على زندها هامسةً بصوتٍ وصل إليه جيدًا بشكلٍ مُهتز : مجنون!
التوت ابتسامته أكثر مُحاولًا كبح ضحكةٍ أرادت التسلل من بين شفتيه، لتنفرجا مُتمتمتين بما نطقت بهِ دون صوتٍ ساخرًا عبْر عينيه وانعدام صوته، إلى أن ضحك أخيرًا بصوتٍ عالٍ وهو يغمض عينيه غارقًا في ضحكهِ هذا الذي جعلها ترتعش بغيظٍ كبتته عن الظهور دون أن تستطيع السيطرة على عينيها اللتين رمقتاه باحتقار.
همست بشتيمةٍ لم يسمعها لتتحرك وهي تراه مُنزاحًا عن الباب قليلًا، لم تترد هذه المرة في الإتجاه للباب حتى تخرج فهو من الواضح أنه لا ينوي تركها تخرج بسهولة، وفي أثناء اتجاهها للباب كانت تنظر إليْه بحذر، كيف عساها تتحرك ببساطةٍ وسهولةٍ إلى الباب وهو قريبٌ منهُ بشكل يسمح له بلمسها إن هي اقتربت!!
تحرك خطوةً جانبًا لتنتفض وتقف مكانها ناظرةً إليه بذعر، إلا أنه كبت ضحكةً ليتراجع قليلًا للخلف مُبتعدًا أكثر عن الباب وهو يرمقها بنظراتٍ لا تُبشر بالخير.
ازدردت ريقها باضطرابٍ وهي تقترب أكثر من الباب وعيناها إليه لا تُدركان طريقها، وما إن وقفت عند الباب حتى وصل إلى مسمعها صوتهُ الأشبه بفحيح أفعى سامةٍ تقترب من فريسةٍ لها، وبابتسامةٍ وهو مُغمضُ العينين : قيييم أوفر!!
استدارت نظراتها إليْهِ تلقائيًا ليضحك وهو يرفع كفيه للأعلى وعيناه ترمقانها بمكر : روحي له . . روحي للي ظلمك بهالحياة لما تزوج وخلفك في المسيار!! روحي
استدارت هذه المرة بجسدها بأكمله إليه وكفاها هذه المرة ارتعشتا عند جنون كلماته التي لفظها لتهزّ بدنها، لتأخذها علة محمل الجد فعيناه تلتمعان بشيءٍ ما بعيدًا عن الكذب والجنون، وبحدةٍ لم تستطع منع لسانها عن السؤال : وش الجنون اللي قاعد تقوله؟؟


,


" متى بتروحون أنتو؟ " .. لفظتها من بين شفتيها بتذمرٍ وهي عابسةُ الملامح، وما إن سمعت أرجوان ما قالته أختها حتى شهقت ناظرةً إليها بنظراتٍ مُتسعةٍ تُرسل إليها تحذيرًا حتى تصمت.
لوت جيهان فمها وهي تصدّ نظرها عن عيني أرجوان لتنظر لرامي بملل : وصمخ ما تسمع أنت؟ يلا اتصل على أحد من أهلك وقوله يجي لكم
ضربت أرجوان رأسها وهي تعضّ شفتها بحنقٍ من وقاحة أختها، وبحدة : جيهااان
جيهان دون مبالاة : اصصص خليني أتفاهم مع ذا اللي مطنش بعد!
نظر إليها رامي من طرف عينيه نظرة احتقارٍ ويدُ " البلاستيشن " استقر بين كفيه، ثمّ صدّ عنها بكل بساطةٍ ليُكمل لعبه وترتفع شهقة جيهان هذه المرة.
جيهان بحنق : أيا قليل الحيا!!!
ضحكت أرجوان بخفوتٍ وهي تنهض عن الأريكةِ لتُمسك بمعصميها هاتفةً بابتسامةٍ جميلة : خليك منه وتعالي ندخل غرفتك نحكي شوي
تقطّبت ملامح جيهان وارتبكت قليلًا لا تدري لمَ! إلا أنها أومأت لتنهض وتتجهان لغرفة النوم.
جلستا على السرير وأرجوان ترسم ابتسامةً جميلة على شفتيها، بينما كانت جيهان تنظر إليها بملامح زارها البهوت والشحوب منذ أيامٍ طالت ولم تنتهي.
بدأت أرجوان بالتحدث مُرققةً صوتها باهتمام : بينك وبين فواز شيء صح؟
قطّبت جيهان جبينها وعيناها تنظران إلى أختها باستنكارٍ ظاهري : شيء مثل أيش؟
أمالت أرجوان رأسها قليلًا وابتسامتها تتقلص تدريجيًا، ليس صعبًا عليها أن تميز ما الذي تواجهه أختها في حياتها، ليس صعبًا عليها أن تلمح المعاناة في ملامحها الفاضحة، في ملامحها التي تعكس الحزن والفرح في لحظاتهما.
همست أرجوان بعينين ضيقتين : مبسوطة مع فواز؟
تجمدت ملامح جيهان وبردت نظراتها حتى وصلت لبرودة الصقيع، وبالرغم من كون أرجوان كانت تعلم تمامًا ما الإجابة إلا أن الألم زاولها بشدةٍ حين تجلّى الحزن في عيني أختها البُنيتين . . انعكس ألمها على سطح حدقتيها بسهولةٍ وهي تبتلع ريقها بغصّة، وبهمسٍ تنظر لحجرها مُبتعدةً عن عيني أرجوان : مافيه بيننا شيء
أرجوان تقترب منها أكثر لتُمسك بكفيها المُرتعشتين بوهنٍ وبرودة الشتاءِ تمركزت في بشرتها التي لسعتها ببرودتها، تجسد الإرتعاش بأكمله في أطرافها وبوادر البُكاء حلّت من ارتعاشها لإحمرار ملامحها.
همست أرجوان بتأوهٍ وهي تشدّ على كفيها بقوة : احكي ، لا تكذبين علي يا جيهان، احكي وطلعي اللي جواتك
زمّت جيهان شفتيها وهي تصدّ بوجهها عنها، بالرغم من كل ما يحدث معها، بالرغم من حقدها على فواز بعد ما حدث، إلا أنها قد أقرت سابقًا أنّها لن تتجرأ على التقليل من شأنه أمام أحد، هي ترى أنه يخطئ في حقها بمعاملته وظنه بأنها من المجانين! إلا أن رؤيتها هذه لا تخوّل لها أن تقلل من شأنها ولا زوجة ترضى بذلك لزوجها وإن كان قد قلل من شأنها هو.
همست جيهان بخفوتٍ دون أن تنظر إليها : شوية مشاكل بس .. لا تخافين علي
أرجوان دون تصديق : شوية مشاكل؟ متأكدة؟
أومأت جيهان بصمتٍ دون أن تدير وجهها إليها، حينها رفعت أرجوان كفها لتُمسك بذقنها وتُدير ملامحها إليها، وبجدية : ماني مصدقتك! دامك ما طالعتي بعيوني وأنتِ تقولينها ماراح أصدقك . . . وحتى لو قلتيها وعيونك بعيوني بعد ماراح أصدقك
أقدر أشوف اللي في قلبك بكل سهولة يا جيهان لأنك أختي، بس ما راح أضغط عليك، مو بس لأنك ما تبين لأني بعد أثق في ولد عمي وأثق إنه ماراح يأذيك
فغرت جيهان شفتيها قليلًا وعقلها يهمس بسخرية " ماراح يأذيني؟ " . . ألا تدرك أنه قام بما يتجاوز الإيذاء حين جرحها بتلك الطريقة وبذاك الإتهام؟ إلا تُدرك أنهما في شدٍ وجذب، في مدٍ وجزر، وكل السبب لا يقع إلا على عاتقه وعلى ذاك الظن؟
تنهدت تُخفي ما اختلج بداخلها في صدرها دون أن تظهره لسانيًا، يكفي ما تواجهه، يكفي كلّ شيء فهي لا تريد أن تُضاعف القلق في صدر أختها التي تثق بابن عمها!!


,


اتجهت عيناها للباب الذي فُتح ليتراءى أمامها سلطان الذي وقف ينظر إليها للحظاتٍ نظراتٍ لا تُفسر، بينما استقرت عيناها عليه وبمظهره الساكن وعينيه الهادئتين في حين توقعت هي غير ذلك من براكين وزلازل في صدره، توقعت أن يُلخص جميع الكوارث الطبيعية في سهامِ عينيه وموجاتِ لسانِه، إلا أنه بدا هادئًا، هدوءًا كان مُرعبًا ومُزعجًا أكثر من أي ضجيج يتعدى الموجات الصوتيةِ ليُدمي أذنيها.
تثبّتت عيناها الضعيفتين في عينيه اللتين كانتا تنظران إليه بقوّةٍ لتصدا عنها أخيرًا، حينها انتبهت لمظهرها وعُريِّ لباسها لتشهق بقوةٍ واضعةً كفها على صدرها وشفتيها انفرجتا بذعر. إلا هو! إلا هو لا تريد أن ترتدي مثل هذه الملابس ويراها، بالرغم من كونها لا تخجل منها واعتادت عليها كليًا لكنّ الوضع مُختلف! مُختلفٌ بدرجةٍ لا تحتمل الخجل أو إمحاقه!
تلفتت بسرعةٍ تبحث عن روبها الطويل والذي لا تدري أين وضعته بالضبط! فحضور سلطان في هذا الوقت لغرفتها ومظهرها كانا سببًا كافيًا حتى يتخبّط عقلها ويتشتت تركيزها.
لم يستطع منع ابتسامته من الظهور حين لمحها بطرف عينيه وهي تُدير رأسها هُنا وهناك تبحث عن شيءٍ ما على الأحرى ليسترها، مظهرها بدا بريئًا ورغبتها في ستر نفسها أعجبته! . . تحرّك مبتعدًا باحترامٍ عن الغرفة وهو يهتف بجمودٍ وظهره إليها : استري نفسك والحقيني
ليتحرك مبتعدًا بعد كلماته وتلك الأخرى انفعل قلبها الذي أصبح يضرب قفصها الصدري بقوةٍ ضارية، ارتفعت نسبة الأدرينالين لتنخفض نسبة إفرازها للعاب ويجفّ فمها، ازدردت ريقًا وهميًا وكفها مُستقرةٌ على صدرها الذي يرتفع وينخفض بتوتر، وعيناها تعلقتا بالباب المفتوح والذي خرج منه بعد أن دخل عبره ليراها هكذا، الباب الذي كان مفتاح توترها الآن، انتقلت من تركيزٍ عالٍ كان مُتمثلًا في والدها لتنتقل لتركيزٍ أعلى ... أعلى! أمثله يكُون كالمنطقة ذات التركيز العالي ليلفظها منه بوحشية؟ أم أن والدها هو من كان له أن يكون كذلك منطقيًا! . . ارتخت كفها عن صدرها وانسدلت رموشها بحيرةٍ وضياع، إنه وإن كان رجلًا إلا أنه لم يفعل لها شيئًا حتى الآن لتصفهُ بتلك المبالغة! الأحقية لوالدها في هذه الصفة وليست لسلطان، لكن لمَ فكرت أنّه كذلك؟ لمَ فكرت أنه قد يكون بذاك التركيز القوي وهو الرجل الذي ما جاور قسوة والدها يومًا ولن يجاورها أحد؟
عضّت طرف شفتها وهي تستنشق الأكسجين باضطرابٍ من بين شفتيها لترتعشا ببرودةِ الهواء الذي عبرها، غرق تفكيرها للحظاتٍ في الضياع والتخبط الذي عاشته وستبقى تعيشه أبد الدهر، في البساتين التي تبرأت منها بعد أن أصبحت زهرةً جافة لا جماليةَ بها، في الرياح التي حملتها غيمةً مُثقلةً بالصديد لتنسحب عن حملها أخيرًا وتسقط بمرارةِ حياتها التي التحمت مع الوجَعِ وباتتا واحدًا لا يقبلان القِسمة. قُمعت كل العمليات الرياضية والحيوية فيما بين حياتها والوجع، تكللت سيرتها الذاتية بجائزة نوبل للناتج التي صدرت عن عدم عمليةٍ ما أو معادلةٍ وتفاعل.
جُذبت من البحر الذي غرقت بهِ على صوتِ سلطان الذي ارتفع باسمها حين لم يرها قد لحقته، وقد ظنّ أنها تتجاهله عمدًا لذا خرج صوته حادًا بعض الشيء.
انتفضت لتشدّ بقوةٍ على مفرش السرير وكأنها تطلب الحماية، ثمّ تنفست بقوةٍ وهي تُغمض عينيها مُحاولةً تهدئـة نفسها لتنهض وتبتعد عن المشاكل معه الآن . . وقفت بارتعاش ساقيها لتتناول روبها الطويل وترتديه بترددٍ وهي تتمنى أن تسمعه يقول " خلاص بروح أنام "، لكن هيهات فصوته ظلّ ساكنًا حتى خرجت إليْه بوجهٍ مضطربٍ تغَطى بالقليل من الخوف بعد أن كانت تتصنع العكس من ذلك حينما كانا في بيت امه.
هتف ببرودٍ وهو يرمق ملامحها التي سطع على جمالها الضعف وقلّة الحيلة : تعالي اجلسي
فركت كفّاها ببعضهما وهي واقفةٌ عند باب غرفتها مُطرقةَ الرأس بشكلٍ طفولي، وبهمسٍ متردد : بنام وش بغيت؟
رفعَ إحدى حاجبيه ليهتف بصوتٍ جاد : أبي أتفاهم معاك وأشوف وش آخرتها وياك
رفعت رأسها مباشرةً إليه لتُطلق من عينيها سهامها التي كانت مضطربةً بشكل وصلت إليه ضعيفة، وقد لمح بكل سهولةٍ الخوف الذي ظهر عليها وإن كانت حاولت إخفاءه. همس : ليه الخوف؟ وش بسوي لك يعني؟
انكسرت نظراتها عن مرآةِ عينيه لتُشتتها وهي تزفر بتوترٍ ظهر في ساقيها اللتين كانتا تهتزان باضطرابٍ واضح. لمَ يجب أن تظهر دائمًا بهذا الشكل الضعيف أمامه؟؟؟ عضّت شفتها بقوةٍ وهي تُعيد النظر إليه واضطرابها شعرت أنه هو من بات يحرك عضلة لسانها : ماني خايفة مين قالك؟
ارتفع حاجبه لردها الحاد الذي تسلل من بين شفتيها قبل أن يستوعبه عقلها، ونظرته نفذت إلى أعماقها بقوّتها وثباتها المُضاد لاهتزاز كل خليةٍ في جسدها، تضاعف الإهتزاز ليجعل من تكوينها رخويًا عند عينيْه اللتين ضاعفتا من اضطرابها ما إن اصتدمت بهما، وكأنه صقرٌ رأى فريسةً لهُ أمامه، كأنّ الموج تصاعد مدّهُ ليصتدم بصخور الشاطئِ بقوةٍ جعلتها تتفتت.
أغمضت عينيها بقوةٍ وهي تُدير وجهها جانبًا وقدماها رفضتا الإنصياع لإرادة عقلها بالهرب، ماتت أعصابها الحركية وتصلّبت عظامها لتظلّ واقفةً أمامه وكل ضَلالٍ لا يكُون إلا بالضعف الجسدي الذي يخون صاحبه ولا يُنقذه من بطش الفهود.
رقّت نظراته قليلًا وهو يزفر ويُغمض عينيه للحظات، وفي كل يومٍ وساعة، في كل دقيقةٍ وثانية، هاهي تثبت للمرةِ الألف أنّها تُعاني من شيءٍ ما على الأرجح هو نفسي! تنكسر نظراتها ويرتدّ جسدها ما إن تستشعر غضبه، حتى في حالات " روقانه " لا تكون بكامل طبيعتها والحذر ينبع من عينيها.
ما الذي واجهته في حياتها ليجعل من شخصيتها مُهتزّةً بهذا الشكل؟ ما الذي واجهته ليبنيها بهذهِ الهشاشةِ القابلة للكسر؟ وكل الرخوياتِ انسلخ عنها تكوينها الرخوي ليتمركز في حدقتيها اللتين صاحبها الإهتزاز والصرع!
فتح عينيه لينظر إليها وهي على حالها واقفةٌ بخشيةٍ واضحة وعينيها مُغمضتين بقوةٍ تصدّ رأسها عنه، وبجهدٍ حاول إيصال صوته هادئًا حنونًا بدرجةٍ كافيةٍ لتطمئن : خلاص روحي نامي ، واعتبري أخطائك اليوم متغاضي عنها بس حاولي ما تكررينها
فتحت عينيها بسرعةٍ ورأسها أدارته إليه بقوّةِ المدفع، رأى عدم التصديق في عينيها جليًا وكأنها كانت تتوقع منه قتلها على الأقل! أوجعه أن يرى هذه النظرة في عينيها والتي تثبت أنها واجهت أمرًا غير إنسانيٍ في الماضي.
ابتسم لها بحنانٍ لينتفض قلبها بقوةٍ وتعود أعصابها الحركيةُ للحياة، انتهى تصلّب عظام قدميها وانقبضت عضلاتها في حركةٍ مُرتدةٍ للخلفِ والأكسجين يعبر من بين شفتيها باضطرابٍ تضاعف آلآف المرات بابتسامته، بنظرةِ عينيه، بملامحه المُرتخية وكأنّ تشنج ملامحهِ في تلك الثواني لم يكُن إلا تصويرًا من عينيها وعقلها.
كان قلبها يدوي كالمدفع بين أضلاعها، وعينيها المتسعتان احترقتا بدموعٍ ما كادت تخونها هذه المرة لتسقط . . ما الذي يفعله؟ ما الذي ينتويه مكره؟ ما الذي يريد أن يصل إليْه تحديدًا؟؟!
تراجعت للخلف وشفتيها ترتعشان، وصوتها انقطع منه الثبات ليتسلل من بين شفتيها مُنهارًا والدموع تزيّن سطح عينيها : يكفي! وقف اللي قاعد تسويه! الوضع ماهو مُمتع ... والله ماهو ممتع حرام عليك
تلاشت ابتسامته وظهرت الصدمة على ملامحه بوضوح. امتدّ جسرٌ بينها وبين تلك الإبتسامة التي تحمّلت بمشاعر عظيمة، بينها وبين نظراته، بينها وبين ملامحه وصوته، امتدّ جسرٌ تُدرك أنها إن عبرته سيتحطم وهي في منتصفه لتسقط، ستلتهمها أسنانه بعد حينٍ من تصديقها لهذه المشاعر.
اعتادت على القسوةِ المباشرة، اعتادت على عدم اللف والدوران فلا تلجأ إليه الآن! لا تتصنع شيئًا لتصدمها بشيء آخر! لا ترفعها للسماء لتُسقطها أرضًا في النهايـة. وهي الجذور التي تثبتت في أرضٍ قاسيةٍ وتشعّبت ليتضاعف ثباتها في تلك الأرضِ النهمة، هي الماءُ التي تشرّبته أراضٍ استحلها الجفاف لتُمتصها كلّها بوحشية، فكيف ستكُون حين يزداد جفاف هذه الأرض ويزداد تشعبها في القسوة؟ كيف ستطبح حين تزور بستانًا تنوي إسقاءه لتُصدم بأن هذا البستان جافٌ حتى من الأغصان!
كل الكوارث الطبيعية تمثّلت فيها من فيضاناتٍ وجفافَ وزلازل، تمامًا كما الآن وعينيها في فيضانٍ لم يتجاوز جفنيها، قلبها جفّ وتمزق وجسدها يستحلّه الإرتعاش بشدة.
رأته يقف لتتراجع بقوةٍ أكبر وتصرخ دون شعورٍ وهي تُغمض عينيه لتنساب دمعةٌ يتيمة على إحدى وجنتيها وتروي جفاف بشرتها : لا تكســر قلبي أكثر . . لا تصير الشيطان اللي يطلع بشكل ثاني . . لا تكون أسوأ! الله يخليك لا تصير أقسى بهالطريقة!! ما عاد أتحمل خلاص ، والله ما عاد أتحمل .... أنـــا بشــر
جلست على الأرض بانهيارٍ بعد أن ارتعشت قدماها بقوةٍ أضعفت بقية جسدها وهي تقوّس شفتيها، وجفنيها هذه المرة انخلعا ليتجاوز الدمع محجريْها، بكت كما لم تبكي في خلواتها ووحدتها والعينُ حين يفيض بها الماءُ تتفجر فتروي الأراضي اليابسة كقلبها الذي تشقق بجفافه، تُثبط عزيمة النار التي تندلع في الجوْفِ وكل الحزن حين تشتعل نيرانٌ داخلية تُحرق ولا تحول الجسم إلى رماد، تُحرق ولا تجعل الدخان يرتفع عن محجريها اللذين احترقا واختنقا بعطاءِ هذه النار المُتأججة. الحُزن للعينين عند عزاءِ قلبها والمجد لتلك النار وإن أُحبطت الآن إلا أن مجدها باقٍ كهذا الحُزن وهذا الضعف.
ارتفع صوتُ نحيبها وهي تُغطي ملامحها بكفيها، بينما بقي سلطان واقفًا في مكانه للحظاتٍ والصدمةُ من انهيارها وبكائها الذي يراه لأول مرةٍ شلّت أركانه. قبل ساعاتٍ كان يقول لها ابكي! كان يقول لها أخرجي مافي قلبك! لكنّ التحفيز لأمر شيءٌ ورؤيته متجسدًا شيئًا آخر يختلف عن الحقيقة والخيال، يختلف عن حُزنٍ جسّدته القصص والأقلام في الورق، يختلف تجسده في الواقع عن تجسده في الأفلامِ الحزينة، نضحت عيناها بالماء المالح وكل إناءٍ يمتلئ سينضح في آخر المطاف، كلّ كبتٍ لابد له أن ينفجر وما أقساه من انفجارٍ حين يكون لأنثى يلمح حُزنها كما يلمح حزن عينيْه في المرآة، يلمح انكسارها دائمًا في سطح حدقتيها العسليتين وجمود ملامحها السمراء، يلمحه في ارتعاش كفيها وعضّها لشفتها، في تواريها خلف باب غرفتها خوفًا منه لما لا يعلم وفي اهتزاز نبرتها عند الحديث معها.
ما الذي جعل غزالًا مثلها بهذا الجرح وهو الغزال الذي لم يصطده أحدًا من قبل؟ ما الذي جعل غزالًا بريًا حرًا أن يتهاوى ساقطًا في أقصى فحولةِ جماله؟ كيف يُضعف الحزن النساء بهذه الطريقة منذ أول بادرةٍ له ولا يفعل ذات الشيءِ معها؟ كيف قابلته أول مرةٍ بثقةٍ كاذبة ولم تسقط عند أول خوفٍ وألمٍ رآه في عينيها؟ . . لو أنكِ بكيتي منذ أول مرة، لو أنك انهرتي بترفٍ عند أول حزن، لو أنكِ لم تقسي على نفسك لتنكسري أخيرًا كغصنٍ تيبّس وتصلب، لربما كان الإنهيار اليوم أقل وطأةً عليكِ وعليْ، لربما كان حُزنك الآن أقل صدقًا، لربما كنتِ أنتِ أكثر ثباتًا من الآن وغير الآن وبعد الآن، لكنكِ قسوتِ يا غزل على نفسكِ كما لم يقسي أحدٌ من قبل على غيره، قسوتِ على قلبكِ الذي سيكون ضعيفًا ليتحمل كل هذا وكل مالا أعرفه فأنتِ ككل الإناثِ اللاتي يتصنعن القوة ليسقطن أخيرًا.
سقوطكِ كان أقسى، سقوطكِ كان أعنف، سقوطكِ كان أكبر من أن يتحمله أي رجل.
تشنجت قبضتاها فوق عينيها وصوتُ نحيبها تشعر أنّه يتجاوز حنجرتها ليمزّقه، يتجاوز شفتيها بجوانب مُسننةٍ ليجرحها بعنف.
لم تبالي أنها اليوم بكت، لم تبالي أنها اليوم سقطت بالرغم من كونها تُدرك أنه يستلذّ بهذا الضعف الآن وليفرح! ليفرح فقلبها وصل في تحمله لما لا يقوى وقد انفجر بحزنه هذه المرة ليبكي مع عينيها ويُوقف عمليه ضخه للدماء إلى أوردتها، انقطع الأُكسجين عن دمها ومات دماغها وتوقف عن عمله ليتوقف تفكيرها في كل شيءٍ ما عدا هذا البُكاء الذي سينتهي بالندم والعتاب، سينتهي بضحكةٍ منه، ضحكةِ تشفي وانتصار.
توقف الشعور لديها بصدمةٍ عند ذراعين طوّقتها بقوةٍ إلى صدرٍ صلب، اتسعت عيناها بصدمةٍ وكل خلاياها ارتعشت ونحيبها أُخرس عند شعورها بدفءِ صدره، حتى كلماته المُهدئة لها توارت خلف صوت قلبها الذي اعتلا بعنفٍ ليتصدر كل الأصوات ويُمحقها. لم تسمع شيئًا مما يقوله، اختفى صوته، اختفت برودة المكان، وسكن ارتعشها بدفئه، رأسها كان مُستقرًا في صدره بفعل كفهِ التي كانت مُستريحةً خلف رأسها تشدّها إليه، والأخرى كانت تمسح على ظهرها برفقٍ وحنان. انتهى الإستيعاب عند نبضات قلبها وهذا الدفء، ليصل إليها صوتٌ آخرَ كان صوتُ نبضاتِ قلبه التي كانت تُجاور أذنها


,


تحركت بارتباكٍ والفستان الأبيضُ يبتلعها بأكملها، هاقد جاء اليوم الذي لم يكن مُنتظرًا! جاء هذا اليوم الذي ستزفّ فيه إلى غيره! جاء اليوم الذي ستندلع فيه حرارة خيانتها وتحرقها، كل شيءٍ من حولها بات غيرَ مرئيًا، باتت الأصوات شيئًا لا يعبر وكيف عساها الموجات الصوتية تعبر وتصل إلى مسامعها وجزيئات الهواء تلاشت بعد أن استنشقتها بأكملها؟ كيف عساها تصل ولا جزيئات تُسعفها بالإصتدام بها؟ عضّت شفتها بقوةٍ وهي تجلس مُنتظرةً الأوامر التي ستصدر قريبًا حتى تتحرك وتبدأ الزفة، الوقت يمرّ بسرعةٍ وهذا حال الوقت حين يتعلق بما هو غير منتظر، الإنتظار يتعلق بما هو مُتأخر، وهي لم تنتظر فكيف سيتأخر احتراقها؟
دخلت ديما التي غلفها اللون التيفاني بإغراء، عيناها تخضّبتا بالكحل العربي لتشعا جاذبيةً مع نظرتها السعيدة في هذا اليوم الذي انتظرته وهاقد جاء.
دخلت وهي تهتف بعجلة : يلا تجهزي جاء وقت التصوير
شعرت بأن أحدًا ما قام بصفعها على وجنتها بقوةٍ غير ملموسة، فغرت شفتيها وهي ترمش بعينيها التي أحيطت بألوانٍ ناعمة والتصديق لا ينولها. ثم ببهوتٍ همست : تصوير!!!
قطّبت ديما جبينها وهي تهمس : مو أمي قالت لك قبل؟
اندفعت أسيل واقفةً وكأنها استوعبت للتو ما معنى التصوير مع زوجها الحالي، وبانفعال مُتخبط : لا ما قالت، محد قالي .. ومستحيل أوافق، مستحييييل
فغرت ديما شفتيها ببهوتٍ لانفعالها، ليس هناك ي داعٍ لذلك فهو زوجها في النهاية : أسيل وبعدين معاك؟ أمي قايلة لك من قبل وأنا بنفسي سامعتها بس شكلك ما كنتِ مركزة
انتفضت كفها وارتعشت شفتاها بتعثّر، كانت تُحاول منذ أيامٍ أن لا تنهار واستطاعت، والآن ماذا؟ هل جاء وقت انهيارها أخيرًا؟؟
همست بعبرة : ولو . . أنتم تعرفون إني مستحيل أتصور وياه ليه . . ليـ ..
بُترت كلماتها وهي تشعر بعدم المنطقيةِ بها، لا حجة لها لترفض، هذا ما يرونه لكن ماذا عنها؟ ماذا عن قلبها وشعورها؟ ماذا عن انهزام الفرح في صدرها؟ ماذا عن تلك الليالي التي نامت فيها تحت جُنح الزواج بمتعب ومن ثمّ الترمل لتموت في فراشها منذ دخل شاهين حياتها؟ ماذا عن تلك النصوص البريئة التي كتبتها عن جهلٍ شعريٍ لهُ ليسمعها منها مُبتسمًا ويُشجعها بكلماته؟ ماذا عن ارتعاش كفيها حين تسكن كفيه؟ هل مات كل ذلك يا الله؟ هل انتهت تلك الأيام الربيعية ليحلّ الشتاء الآن؟ هل ستُرغم الآن على النسيان والإخلاص للآخر لتذنب إن لم تقم بذلك؟ لا ذنب لها في شيء، لا ذنب لها إن فكرت بغير زوجها الحالي، لا ذنب لها وكل الذنب مات في هذا الزواج الخاطئ والذي لم يبنى بمنطقية، هذا الزواج الذي بُني صدئًا وسيسقط أخيرًا.
كادت تبكي لولا أن اندفعت ديما إليها بذعرٍ وهي تهتف : خلاص أسيل لا تبكين تكفين .. بتفضحينا اليوم أنتِ؟
زمّت شفتيها وهي تهتف بقهر : هذا اللي هامكم ... هذا اللي هامكم
دخلت أمهما في تلك اللحظةِ لتصمت ديما عن الحديث الذي كانت ستوجهه لأسيل، بينما صدّت الأخرى عن الباب وهي تُمسك زمام دموعها قسرًا وتحترق عيناها بها.
هتفت ام فواز وهي تلحظ الأجواء المشحونة بينهما : اطلعي ديما شاهين بيدخل


,


دخل بملامح غطّاها الجمود الذي كان من المفترض أن يبتعد بأميالٍ عنه في هذه الليلة، نظراته وجمود ملامحه لا تُعبّر عن كونه العريس، ولولا مظهره وابتسامته الهادئـة لكان من المستحيل أن يميز عابرٌ أن حفل الزفاف هذا له.
كانت تجلس وأمها تقف أمامها وتحدثها بشيءً ما على الأرجح سيكون نصائح حادة كي تلتزم الأدب، ما الذي بقي ولم تفعله بعد ما فعلته البارحة وما قالته له من وقاحة؟ زمّ شفتيه وهو يحاول كبت انفعالاته كي لا تظهر على سطح عينيه، ثمّ اقترب منها وعيناه تتأملان كل تفصيلٍ فيها بتركيز، كانت تبدو كحوريةٍ هربت من المحيطات وجاءته بهذا الجمال الأخآذ الذي يخلب اللب ويسرق النظر ليبقيه أعمى عن سواها، كقطعةِ سُكر لم يتذوقها أحدٌ من قبل ولن يتلذذ بحلاوتها سواه، كالمنشقة التي ستسرق حياته بالتأكيد! كادت تخطف قلبه في هذه الأثناء وتجعل ملامحه ترقّ رغمًا عنه لمرآها، إلا أنه عاد وذكّر نفسه بما فعلته لتتجمد ملامحه ويتضاعف تصلّبها.
اقترب منهما بهدوءٍ وهالةٌ انتشرت حوله جعلت نظراتها المُضطربة إليه تنكسر عنه بعيدًا، بدأ قلبها ينبض بشدةٍ وهي تشعر بالخزي يختلط برفضها ونفورها، كلماتها له تتكرر في ذهنها، تشعرها بمدى حقارتها وصغرها، إلا أنها في النهاية لُفظت وما عاد شيءّ يعيدها إلى جُحرها.

*

كانت الساعات القليلة المُتبقية لميعاد زفافهما تكاد تنتهي، قليلةٌ بقلّة السكون في هذه اللحظات، بل بانعدامه! ضيقة كضيق صدرها، سريعةٌ كسرعة نبضاتها الجامحة، يكاد عبورها أن يكون ثقيلًا على معدتها سريعًا في صعقها.
ما الذي تفعله حتى الآن؟ لمَ لا تزال واقفةً ولم تقم بإلغاء كل هذا بجديةٍ وضراوه؟ ما كلّ هذا الضعف والهوان؟ ما كل تلك الذبذبات التي تزورها فتجعلها إنسانةً مهتزةً لا قرار لها؟ كيف يُزاولها الضعف المُجمِّدُ لها ولا يزاولها الجنون لتتحرك؟ كيف يغادرها الإصرار وتقف بهذا السكون المقيت؟ إنها تنتهك بكل هذا، تنتهك بهذا الإستسلام وسيف شاهين يغرس نصله الحاد في صدرها، تنتهك بهذه الخيانة وتلك العلاقة التي يتوجب عليها الإخلاص بها وكل إخلاصٍ من بعد متعب توارى من خلفه وبجواره ولم يعد هناك أيُّ إخلاصٍ إلا له، كلّ ما يقام بهِ خطأ، كل هذا خطأ، كل تلك القرارات مُحرمةٌ خرجت من دائرة العلاقات.
جلست بعد أن كانت مُمتددةً على سريرها وهي تمسح دمعةً تسللت من بين رموشها، ودون شعورٍ رفعت هاتفها من على الكومدينة لتتجه لرقم شاهين مباشرةً والتفكير يغادر عقلها في هذه الأثناء.
بقي الهاتف يرنّ لثوانٍ طالت قبل أن يرفعه شاهين من الجهة الأخرى ليتوقف قلبها لثانية، وصل إلى مسامعها صوته الذي ميّزت بهِ صدمته بسهولة فهما من بعد أن تجاهلت الرد عليه آخر مرة لم يتجرأ أحدهما على الإتصال بالآخر : أهلين أسيل
أسيل بتوتر : هلا
شاهين : كيفك؟
أسيل تزدرد ريقها باضطراب : الحمدلله
صمت قليلًا ينتظر منها أن تتحدث وتقول ما تريده، فهو يدرك دون ذكاءٍ أنها لم تتصل به له، بل لأجل نفسها الأنانية بالتأكيد.
انتظر لثوانٍ وصوت أنفاسها المُتوترة تصل مسامعه التي اشتاقت لصوتها في تلك الأيام القليلة، شعر أن اليوم الذي ينقضي دون صوتها كالدهر الجاف بدون ماءٍ أو حياة، كالسنين الجائعة فيها أذناه. ما الذي فعلته به؟ يريد فقط أن يعلم ما الذي فعلته به؟ كيف لأنثى مثلها بهذا الجمال أن تعبره ولا تتجاوزه؟ كيف لامرأةٍ جسّدت جاذبية الكون بأكمله في عينيها لا تجعله يُطيق صبرًا حتى يسمع صوتها، حتى يتلذذ برؤيتها، حتى يستشعر دفء جسدها بين ذراعيه! ما الذي فعلتِه يا أسيل بي ليهتز قلبي حين يصل صوتكِ مسامعي ويخترقها؟ ما الذي فعلتُه أنثى بنعومتك حين طعنت قلبي بحدةِ عينيها؟ أنتِ لا تدركين أبدًا أن الرجل الشرقي حين يحب لا يكره، حين ينجرف بموجٍ كأمواجك لا يسعه أي شيءٍ أن يُنقذه، لا تدركين أن لعينيك أمواجًا تجاوزت أمواج المحيطات بأكملها بقوتها، لا تدركين أن لكٍ عينيان كـ " مثلث برمودا " تجذب كل شيءٍ إليها ولا تعيده! لا تًدركين أنني انجرف نحوكِ ولا شيء يشدني بعيدًا عنكِ وكل حبلٍ قد يُنقذني منكِ انقطع قبل وصوله إلي.
همس بحيرةٍ باسمةٍ حين طال صمتها : فيه شيء؟
تنفست بقوةٍ تسحب الأكسجين إلى صدرها بضراوةٍ وكأنها في حربٍ طاحنةٍ بين رئتيها والهواء. والضعف لازال مُستحلًا بها حتى في هذه الساعات التي لا تحتمل الضعف. همست بعد صمت وهي تُحاول شحذ نفسها بالقوة : أيـه
ابتسم برقةٍ وكأنها أمامه، ينسى الجرح منها بسهولةٍ ويتغاضى عن الكثير من أخطائها، يُدرك أن لا علاقة تستمر حين يدقق الطرفين في كل خطأٍ وكل زلةٍ متعمدةٍ أو غير متعمدة.
شاهين بلطف : سمي
أسيل بتوتر بدأت ساقيها بالإهتزاز : بكره زواجنا
اتسعت ابتسامته لمجرد التخيل أنها ستكون غدًا في بيته، وقلبه الحالم بدأ بالخفقان حين ارتفعت نسبة الأدرينالين في جسده، وبصوتٍ هامس : مبروك علينا
توترت نظراتها وكفها المُمسكة بالهاتف انقبضت بقوةٍ عليه، ازدردت ريقها والكلمات تخرج بوجعٍ من بين شفتيها دون إدراك : زواجنا بكره يا شاهين
بهتت ابتسامته قليلًا حين كررت جملتها مع اسمه وكأنها تستنجد به ليُنقذها! ليُنقذها من زواجهما!! . . طرد تلك الأفكار وهو يقنع نفسه أنه تخيّل تلك النبرة التي انسلخ عنها الفرح، وبهدوءٍ دون ابتسامة : أيوا!
أسيل بفتور : بس لازم أعلمك شيء قبل
توتر شاهين قليلًا : وش هو؟ أسمعك
أسيل ولسانها بات يتحرك بالأحرف دون إدراكٍ منها : بتقبل؟ ماراح تعصب؟
تضاعف توتره وقلبه شعر بالقلق رغمًا عنه، فهو يدرك تمامًا من هي أسيل ليقلق حين تتحدث معه بطريقتها الآن، وكيف عساه لا يقلق وهي كالطريقة التي تحدثت بها حين طلبت أن يكون زواجهما - صوريًا -!
زمّ شفتيه قبل أن يهتف بهدوءٍ ظاهري : ما راح أعصب احكي
ازدردت ريقها بصعوبةٍ تتذوق مرارة الصديد، تشعر أن حمضًا استقر في جوفها وعصارة معدتها تلتهمها بأكملها، انسلخ الشعور عنها، والإدراك عن كلماتها تلاشت عند هذا المفترق وبين الضياع والألم وهي تهمس والكلمات تجيئها من حيث لا تدري : علاقتي السابقة ... مع متعب
وقف بسرعةٍ من الجهةِ الأخرى ما إن نطقت باسمه، ونارٌ اندلعت في جوفه بينما تشنجت ملامحه بغضب، كم مرةً قال لها أن لا تفعل ذلك؟ كم مرةً قال لها أن تتركي مافي قلبك لقلبك؟ كم مرةً يجب عليها أن تستهين بهِ وبعلاقتهما بهذا الشكل وتنتهك حرمتها؟ هل خُتم على علاقتهما كل تلك الوقاحةِ من قبلها؟ هل هو ناقصٌ في عينيها بهذا الشكل لتستهين بشعوره؟ أم أنه تساهل معها بدرجةٍ سمحت لها بالتمادي؟
هتف من بين أسنانه بحدة : أسييييييل!!
أسيل تقاطعه بجنون : لازم أقولك قبل .. لازم أخليك على بيّنَه لأن هذا زواج وما أبيك تنخدع فيه
صمت وهو يشعر أن القادم أعنف، أن القادم أشد وقاحةٍ من الآن! أشد وطأً على قلبه، تنفسه اضطرب حينما أكملت، عيناه تحجرتا في الفراغ وهو يسمعها تتابع : أنا ومتعب . . علاقتنا كانت تتجاوز العلاقات المقيدة في الملكة.

.

.

.

انــتــهــى

الأسبوع الجاي عندي امتحانات :( بس مع ذلك أنا توقفت بهالبارت عند نقطة بتخليني أكتب اليوم يمكن نص بارت بعد :P -> شغلة حماس وكذا :$

+ أقولها لكم بكل صدق، أنا علاقتي في قُرائي ما أعتبرها مجرد علاقة كاتب بقارئ عبر رواية لا غير! أنا أشوفكم أكبر بكثير من كذا وأشوف علاقتي وياكم أعظم.
لو كانت العلاقة منحصرة في علاقة كاتب بقارئ كنتوا بتشوفوني رسمية بشكل كبير وما أثرثر في بداية البارت ونهايته، ما كنت رديت على الأسئلة في الآسك ولا الكومنتات في الإنستقرام ولا على اللي في المنشن عندي بتويتر!
هالأسبوع في ناس الله يسامحهم البعض منهم كان يتذمر مني ويعاتب بشكل تجاوز العتاب عن تأخري المضطر عشان دراستي! وفيه منهم وحدة قالت لي منافقة وما أفي بوعودي ومن هالكلام اللي ما كان له أي داعي أبدًا.
ما شلت بخاطري على أحد وكلكم ما راح أقول لكم الا " الله يسامحكم "
أنا أعتبركم مثل أخواني أو أصدقاء على الأقل، وعند أي ظرف يصيبني مباشرة أعتذر منكم وأوضح لكم وش اللي مخليني أتأخر أو ما أكتب بارت طويل، فياليت بس تعطوني - تصديق - منكم وشوية ثقة، لا تكذبوني لأننا كبرنا على هالتفكير وعلى الكذب!
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " من حلف لكم بالله فصدقوه " ، وأنا والله والله ما أتعمد التأخير ولازم يصيبني ظرف أتأخر بسببه، أما إني أقعد ألف وأدور مثل ما تقولون! ماهي من شيمي والله شاهد على هالشيء.
حاولوا تعطوني ثقتكم الروايـة راح تكتمل بإذن الله.

أحبكم () لا تحرموني من دعواتكم لي في دراستي :(

دمتم بخيرٍ دائمًا / كَيــدْ !


 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 20-02-15, 08:31 AM   المشاركة رقم: 242
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2015
العضوية: 289721
المشاركات: 1
الجنس أنثى
معدل التقييم: اروى الشريف عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 11

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
اروى الشريف غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

جميلاا روايتك حبيبتي
تسلم اناملك على الطرح
بانتظار جديدك
دمتي ❤️

 
 

 

عرض البوم صور اروى الشريف  
قديم 21-02-15, 01:34 AM   المشاركة رقم: 243
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئ مميز


البيانات
التسجيل: Jun 2010
العضوية: 174082
المشاركات: 4,029
الجنس ذكر
معدل التقييم: fadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسي
نقاط التقييم: 4492

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
fadi azar غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

رائعة جدا ودائما الدراسة اهم شيء اختي فلا تهتمي نحن نقدر ظروفك

 
 

 

عرض البوم صور fadi azar  
قديم 21-02-15, 02:14 AM   المشاركة رقم: 244
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273510
المشاركات: 1,332
الجنس أنثى
معدل التقييم: طُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييمطُعُوْن عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2492

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طُعُوْن غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 
دعوه لزيارة موضوعي

هنووو ايش البارت الإجرامي ذا.. يختي يستحق الإنتظار والله.. انا للحين مفهية بالبارت بشكل..! تعرفين لما تنبهرين بشيء وكذا ياخذك لعالم ثاني.. هذي حالتي حاليًا بعد البارت.. رح ارجع لك اكيد بتعليق مفصل.. بس احتاج اقراه مره ثانية.. لأني احس ما استوعبته زين.. وفيه كلام كبير يحتاج مخمخه..

احبك يختي[emoji173]️


أرسلت بواسطة iPhone بإستخدام Tapatalk

 
 

 

عرض البوم صور طُعُوْن  
قديم 27-02-15, 10:49 AM   المشاركة رقم: 245
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 









سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف خير وعافية


بسم الله نبدأ على بركته
قيودٌ بلا أغلا عانقت القدر
بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات




(31)




مرت الثواني في صمت أعينهما، في حديثها إليه الذي كان يقرأهُ ببساطة وهو الذي لم يكُن أميًا يومًا في لغة العيون، في اضطراب صدرها الذي كان يلحظهُ بوضوحٍ وفي حركة أناملها النحيلة على بتلاتِ الورود التي ارتاحت في حُضنها، جمال الوردِ ينجلي عند جمالها وهي ملكة الورود التي خطفت كل الجمال والبهاءِ إليْها.
اقترب منها بخطواتٍ كانت كقرعِ طبولٍ داخل أذنها، كوطئِ الخزي على صدرها الذي اضطرب بتواجده، والسكون انشطر عن كيانها لتتلخبط بأكملها حين رأته أمامها ورأت جمود عينيه وبرودة نظراتـه أو هكذا تخيلت. كيف لا يكون بهذه الملامح بعد ما حدث؟ ما الذي توقعته بالضبط؟
سمعته يتحدث مع والدتها وكل الكلمات باتت طلاسم لا تفهمها، لم تعد تسمع سوى همهماتٍ لا تعيها، تشتت نظرها عنه إلى الورودِ التي تمنت أن تفرغ مابداخلها على بتلاتها فتقتطفها بتلةً بتلة ولا تترك سوى تويجةً وحيدةً حزينةً مثلها لربما كانت العزاءَ لها، لكنها كتلك البتلات الحزينة، قُطفت من نصف ساقها وانتهى تمرير الماءِ في حناياها، توقفت عملية البناءِ الضوئي لها واقتربت من الذبول. ستذبل، ستموت كما أموت أنا ببطء، سينسحب لونها عمّا قريبٍ ولن يزيّنها سوى قُبح التهدل والجفاف. إنّ الورود مثلي تُقتطفُ بعد أن تجذب أحدًا فتموت فيما بعد، تموت والدفن بعد موتها لا يكُون، تموت والبعث بعد موتها قد تمّ محقه، تموت ولا أحد يبكيها! إن الورود خُلقت لتجذب النظر، لتُستنشَق وتُقطف في آخر المطاف، لتموت بلذّة وافتخار قاطِفها لقطفها. لا أحد يُعزي جذورها حين تفتقد تلك الساق التي حملت في آخرها تويجةً ومن حولها بتلاتُ الجمال، لا أحد يستشعر أن تلك الوردةَ فُقدت من ذاك البستان، تمامًا كما لا أحد يستشعر ذبولي في هذه الدقائق والثواني تموت في معمعةِ النزيف، الثواني تموت في صمتِي وفراغ الأعين، كيف يمرّ هذا الوقت في جوفي حارقًا ولا يحرقني؟ كيف يمرّ مسننًا ولا يمزقني؟ هل فقد جسدي تكوينه وبات كتكوين الماءِ حتى لا يُقطع؟ هل بات بكميةٍ أكبر كي يتبخر جزءٌ منه بفعل تلك النار ولا ينجلي بأكمله؟ هل فقدت نفسي حين استُخلِصت في غربالٍ أضاع كياني كلّه؟
لمَ تعبرني الحياةُ بمرّها وتنسى أحقيتي في الصنف الآخر؟ لمَ تذوقت جميع الأصناف وحُرمت من - التحلية -؟ لم يكن ذلك عادلًا، لم يكن ذلك منصفًا، لم يكُن كل ذلك وهذا مفترضًا بهِ أن يكُون.
شعرت بكفّين دافئتين تُمسكان بكفيها، حينها ارتعشت وعيناها تصتدمان ببشرةِ كفيهِ السمراء، لم ترفع عينيها إليْه وهي تستجيب لشدهِ إياها للأعلى حتى تقف، وقد كانت بوزن الريش لذا استطاع رفعها بسهولة، أو هي من ساندته في ذلك!
قبّل رأسها ليهمس لها بصوتٍ فقد نبرةَ الغزل المُعتادة به، بصوتٍ أجوفَ مُصمتًا لم تعتده : طالعة حلوة
ارتعشت للجفاف الذي هزم صوتهُ وسكنَ به، وعيناها كما هما تمركزتا في الأسفل وخلاياها ترتعشان في الداخل دون توقفٍ وبصورةٍ لم تسمح للإرتعاش أن يبزغ خارجًا. مرت الثًوانِـي سريعةً بانعدامها، المصورةُ أصبحت واقفةً أمامها بعدستها، وشاهين أصبح خلفها فجأة، كفيه المُستقرتين على خصرها تناقضان في دفئها برودةَ صوته الذي لامس بأنفاسِه أذنها : ابتسمي، ارفعي راسك وابتسمي، هالملامح ماهي لك! المفروض تكون لي.
ارتعشت شفتاها وهي ترفع رأسها وقلبها اعتصر باستشعارها مدى الجرح الذي سببته في صدره، كم هي قاسيةٌ حتى تستهين بجُرح الرجال، تُدرك أنّ الإناث حين يُجرحن يبكين ويرمين حزنهنّ في البكاء، تُدرك أنهن يقومن ببث الألم في بكائهن وإن لم يغادرهن فهو سيُشطر قليلًا. لكن ماذا عن شاهين؟ ماذا عن جرحهِ الذي استقر في صدره بصلابته؟ هل يبكي ليُخفف منه؟ هل يبثّ قسوته إلى الجدران حين يُناجيها ببكائـه؟ هل يفعل مثلما تفعل حين تنوي تفريغ مافي جوفها؟
أغمضت عينيها لثانيةٍ قبل أن تفتحها وهي تحاول رسم ابتسامةٍ مُهتزة للمصورةِ أمامها، بينما وصلت إليها تنهيدةٌ خرجت من بين شفتيه ليرتعش جسدها بحرارةِ أنفاسهِ وتغضّ الطرف عن وجعها لأجله! لا يحقّ لها أن تستوجع بعدما أوجعته بدمٍ بارد، يكفي كذبًا على نفسها وتكفي تلك السادية التي تجرحها بهِ ولا يردها إليها، كانت عظمةً منه أن تركها دون تجريحٍ مقابل ما جرحته بكلماتها، كانت عظمةً منه أن تغاضى وللمرةِ الألف.
شعرت بأنفاسهِ تقترب من وجنتها أكثر فأكثر لتلسعها. كان رأسه قد انحنى إلى كتفها قليلًا لتُغمض عينيها وتفغر شفتيها قليلًا وحلقها يجفّ ويتخشخش باصتدام الأكسجين العابر إلى رئتيها، باصتدام ذرات الهواء التي باتت كحويصلاتٍ تجرح الممر الذي تعبر فيه.
لا تدري إذا ما كان مُبتسمًا أم لا، لا تدري إذا ما كانت عينيه باردتين كصوتـه أم لا! وحدها الصور ستخبرها بكل ذلك، بالرغم من كونها تستبعد كل إمكانيةٍ لابتسامهِ مع صوته الذي ينبعث إليها باردًا في هذه الثواني : ما كان وجعِك لي بيوصلني بهالطريقة لو إنّك قلتيها لي بهدف التوضيح ووضعي في الصورة، تدرين ليه؟ لأني إنسان يؤمن في الشرع وما يؤمن في العادات! أنتِ كنتِ زوجته، كنتِ زوجته
ابتلعت ريقها بصعوبةٍ وهي تستشعر أنها تبتلع معدنًا مُنصهرًا لصوته الذي تبدل لنبرةِ كمانٍ انقطعت أوتاره، لأغنيةٍ فقدت لحنها وعبرت ألسنةَ المُغنين وحيدةً ضائعة، لندى زهرٍ سقطَ بعيدًا عن اتجاه الساقِ فلم يرويها.
أردف بعد أن بلل شفتيه بلسانه : بس أنتِ قلتيها لهدف ثاني أقراه كل يوم بصوتك وأتجاهله! * شد على خصرها أكثر ليُكمل * أشوفه بعيونِك وأتجاهله مو لك بس لي ولك! تبين الفرقى؟ لا تحلمين فيه، لا تحلمين فيه يا أسيل.
طغى على عينيها الضياع وهي تُدير حدقتيها هنا وهناك تبحث عن ظلِّ أمها تحتمي به دون أن تجدها، تشعر بذراعيه تطوّقانها أكثر وأرنبةُ أنفه تكاد تُلامس وجنتها يستنشق رائحتها المُسكرة، لازالت تتذكر ردة فعله ما إن نطقت بما نطقت، صوتـه المصدوم الذي فُقد لثوانٍ طالت قبل أن ينبعث إلى أذنها باهتًا فاترًا : أنتِ إنسانة! .. إنسانة أيش؟!! حقييييييييرة!!
وبالرغم من صدمتها وقتذاك بما قاله إلا أنها صمتت بخزيٍ وأملها في أن يتركها في تلك اللحظةِ أقوى، لكنّ صوتـه غابَ عنها كليًا، صوتُ أنفاسه المُنفعلة، صوتُ خشخشةِ صدره، كلّ ذلك غابَ ما إن أغلق الهاتف دون كلمةٍ أخرى بعد ما قاله وكأنّ الصدمةَ شلّت مخارح أحرفهِ وقطعت حباله الصوتية، وكأن الصدمة كانت أكبر، أكبر من أن يعبّر عنها بغيرِ " حقيرة "!


,


نظرت لساعةِ يدها مطولًا، قلبها ينتفضُ بقوةٍ داخل أضلعها، لا تستوعب حتى الآن أنها فعلتها! هربت! هربت!!
كل شيءٍ من حولها تبدّلت ألوانـه، كل شيءٍ من حولها اكتنز ناظريها بشكلٍ آخر، الرهبةُ هاجمتها بعد أن كانت ساكنةً في تلك اللحظات، بعد أن كانت جالسةً بين الحضور بهدوءٍ وكأنها ليست الإعصار الآن.
وضعت كفّها على صدرها وهي تتنفس باضطراب، تُحاول إسكان حشرجةِ أنفاسها من هولِ مافعلته، دفعها الإصرار بشكلٍ أشدّ هذه المرة والفُرصُ لا تأتيها مرتين، في تلك الأيام لم تكُن تذهب للجامعة برفقةِ هديل إلا مع عبدالله، ولا تعود إلا معه! وكأنه كان خائفًا عليها أو يتوقع هربها؟ لا يهم الآن في صومعةِ هذا الجنون، لا شيءَ مُهمٌ حتى تعامل هديل الشبه باردٍ معها في الأيام السابقة، كانت تلمح محاولتها في إخفاءِ هذا البرود إلا أنها عانت الكثير من الجفاف ليسهل عليها التمييز بينه وبين آخر.
سمعت صوتَ سائق الأجرة يتحدث إليها، لتنظر إليه بتوترٍ وهي تشعر بالذعر يهاجمها من كل جانبٍ إلا أنها تحاول إسكانَ كل ذعرٍ أمام الهدف، الهدف ولا شيءَ آخر.
هتفت تُخبره عن وجهتها وصوتُها يرتعش لما أقدمت عليهِ أولًا ولأنها المرةُ الأولى التي تركب فيها سيارةَ أجرةٍ بمفردها، لكنها طردت ذاك الخوف وهي ترى السيارات من حولها وقلبها بات صوتُه أقوى من دوي مزامير السيارات.


,


كانت عيناها تتأملان أسيل التي تتحرك باتزانٍ بفستانها الأبيض الذي يرسم قوسًا من خلفها، تنظر لعينيها اللتين توارت نظرتهما الحزينة من خلف الظلال واللتين ظهرتا بجمالِ الوردِ الذي شقّته قطرةُ مطرٍ ساديـة، نعومةُ الورد لم تحتمل قطرةً سقطت بهمجيةٍ والأحرى كان في أن تسمى - وابلًا - إلا أنها لم تكن! كانت قطرةً ناعمة، كانت مجرد قطرةٍ رقيقةٍ يا الله فكيف قطّعت الوردَ بتلك الساديـة؟
لم تلحظ تلك النظرةَ في عيني أسيل ولا الإختلاجات التي واتتها، لم تلحظ بريق عينيها من بين الظِلال وكلُ ظلٍ تشعّب وأخفى القلبَ عن العين، أخفى الحزن عن النظرِ وكل المدامع تبكي داخليًا لافتقارها للدموع الظاهرة!
زفرَت جيهان بكبتٍ وهي تُسدل أهدابها على صفيحة عينيها البُنيتين، تنظر للطاولةِ المُزيّنةِ بحدقتين فقدتا الحياةَ وأناملها تتحرك على قماش فستانها الطوبي، هاتفها كان يهتزّ في حقيبتها، لم تشعر بهِ ولا باهتزازه، فقدت التركيز والشعور ما إن عادت هُنا، ما إن جاءت إلى أرضٍ نفَرت منها ولم تكرهها. لمَ أجبرها بهذه الطريقة؟ لمَ جذبها معه غصبًا وهو الذي يُدرك أنّها ما عادت تُريد هذه الأرض وهذا القاموس الذي لفظت نفسها منه؟ ما عادت أرضها اللحاف الذي تتدثر بهِ ودفئـه يتسلل بين مساماتها، ما عادت أرضها النور المُلتمع بين ذراتِ الظلام.
شردت عيناها في الطاولةِ وأناملها تقبض على فستانها، تناست المكان الذي هي فيه ونسيت الزفة التي انقضت بين معمعةِ صمتها وشرودها.


,


وقفت أمام باب المنزل الذي بثّ رهبةً تضاعفت في قلبها، كانت تلك الرهبةُ كافيةً لتقف ساكنةً لدقائق شعرت بأنها طالت عند ما تشعر بهِ من ترددٍ سكنها، شفتيها فاغرتين تجتذب الأكسجين الذي تغلّف بالبرودةِ إلى رئتيها المستوجعتين بفقر الهواء الذي يظلُّ الطريق ولا يجيئها.
هل قامت بأمرٍ خاطئ؟ هل تهورت في قرارها أم أنه الأنسب والأكثر حكمةً في هذا الوضع؟ لمَ إذن تشعر بهذا الذعر والرغبةِ في العودةِ الآن؟ لمَ تشعر أنها أجرمت في حق نفسها؟
ازدردت ريقها بقوةٍ وهي تمدّ يدها نحو زر الجرس، تنتفض أناملها بشكلٍ غير ظاهريٍ بالكُليّة وأسنانها تطئ على شفتها السُفلى، لم تُبالي بمدى التردد الذي اعتراها وتجاهلت كل أمرٍ قد يجعلها تعود بعد أن وصلت، وقلبها من بين أضلاعها ينتفض برهبةِ هذه الخطوةِ التي خطتها ومُحيَ طريق العودةِ من ورائها، محيَ وما عاد شيءٌ يُرغمها على أن تعود لذاك الحبس الذي اقتضته لنفسها حتى تحمي تلك العائلة من بؤسها.
ما إن ضربت الجرس مرةً واحدة حتى عادت لجذب يدها المُرتعشة إليْها وقد اكتفت بضغطةٍ واحدة، عقلها بدأ بالتفكير في أدهم خصيصًا، كيف ستكون ردة فعلهِ بعد أن رفضها آخر مرة؟ هل سيقبلها الآن أم سيطلب منها الرحيل؟ وماذا يُهم؟ المهم أنها وصلت ولن تعود، لن تعود وسيقبل بها شاء أم أبَى وسيعلم العالم أجمع أن لديها عائلةً كغيرها، لديها انتماءٌ ودمٌ إن لم تفخر بهِ الآن ستفتخر بكونها لا تجهله، لديها جيناتٌ تعرفها بداخلها وتُكوّنها.
مرت الثواني القصيرة طويلةً في توقيتها الخاص، ثقيلةً تطئ على صدرها لتجعل تنفسها يضيق بضيق رغبتها في فتح هذا الباب! هناك ما يأمرها بأن تتراجع وتظلّ في حياتها الرماديـة، هناك ما يخبرها أن الألوان ستُعتِم أكثر وستتجه للأسودِ من بعد الرمادي، وكأنّ الدنيا رفضت البياض حلّةً لها، كأن الرمادي فما فوق جرى في عروقها وكوّنها بالألوان المُعتمةِ لا غير، هل صبغةُ الميلانين للدنيا كثيفةٌ لهذا الحد لتظهر بذاك اللون الغامق؟ هل تشرّبت العُتمة عبر مساماتها ليتلون جلدها بهذا الشكل المُنفر؟؟!
فُتح البابُ أخيرًا، ودون شعورٌ شهقت بالأكسجين دون صوتٍ ليضيع من بعد شهيقها الزفير وتتوه عيناها فيمن فتح.


,


تحركت مُبتعدةً عن صخب القاعة وعيناها تتلألآنِ بدمعٍ كحباتِ اللؤلؤ وهي ترى أسيل وقد تربّعت كملكةٍ على عرشها، الآن يجب عليها القول " ما بغينا "، الآن يجب عليها أن ترتاح وهي ترى أختها وقد تزوجت أخيرًا، وكل المُنى أن يكُون زوجها مُنصفًا غير مستبدًا، كل ما أبتغيه يا الله أن يكُون شاهين الرحيق لهذهِ الزهرةِ التي اقتربت من الذبول ولا يكون النحل الذي يسرق الرحيق ذاته كما يفعل معي سيف! كلّ مناي يا الله أن يُحبها وتحبه ولا تحبه فيُضيمها! كل منايَ أن يكون الصبور الحنون المُستنشق لذرات غضبها والباثّ لأكسجينٍ مُحملٍ بالحب والرفق، كل منايَ ومُبتغاي ألا يكُون لسيف نظيرٌ يُجهد النساءَ ويُرهقهن بحبٍ من طرفٍ واحدٍ كما يفعل بي وكما أصبحت لديهِ هوايةٌ يتسلى بها متى ما شعر بالضجر، هوايـةٌ يُبدع في نتائجها المجنونة، هوايةٌ يُسبل فيها أهدابي على حدقتيَّ المُلتمعتين وأنا الخط الذي توازى معهُ ولم يلتقيا، رُسما مستقيمين وكم أتمنى لكلينا الإنحراف لنرتاح أخيرًا بلقائنا.
توارت عن الصخب حتى ترد على الهاتف ومن اختلج ذهنها واحتلّ عرش تفكيرها كان اسمه يبزغ على شاشةِ هاتفها كشمسٍ مستديرة تمنح الأرض بكليتها الضوءَ والدفء دون أن تمنحها هي، تُعطي الغير ولا تعطيها.
بقيت تنظر للشاشة طويلًا قبل أن ترد، بوجهٍ هاجمه العبوس وعيناها لازال بريق الدمع فيهما تأثرًا بالأجواء التي تلفها في هذه القاعة : ألو
سيف بهدوء : خلصت الزفة؟
ديما بهدوءٍ يُماثل هدوءه إلا أن بحّة البُكاء الذي اقترب اختلجت صوتها : توها مخلصة
صمت قليلًا وأذناه تترجمان صوتها، حاجبيه انعقدا قليلًا مع تلك الترجمةِ التي كانت ولغة صوتها التي يُدركها جيدًا ويفهمها، اللغة التي لم تُدوّن في قاموس اللغات ولم تجد لكلماتها ترجمةً عند غير أذناه. همس باهتمام : تبكين؟
زمّت شفتيها قليلًا قبل أن تهزّ رأسها بالنفي وكأنه يقف أمامها دون أن تنبس ببنت شفةٍ وعقلها يسبح بين اهتمام صوتِه وتناقض قلبه، دائمًا ما ينحصر الموضوع عنده في العشرةِ بالتأكيد، حين يهتم بها فهو اهتمامٍ فطريٍ كزوجين وعشرةٍ دامت ثلاث سنين، الأمر لا يتعدى ذلك، لا يَضِل لما تريد وما تتمنى، لا يصل للنقطة التي تحتاجها، دائمًا ما يُحبط إرادتها في الحياةِ برمتها! دائمًا ما يجعلها تتعثر في ثوبِ هذا الإنحصار، تسقط على وجهها حتى في أحلامها الصغيرة. لم تطالبهُ يومًا بشيءٍ غير حبه، لم تثقل عليْه يومًا ولم تُرِد سوى ذلك فلمَ يبخل عليها بما تريد ويشحْ؟!
وصلت إلى أذنها زفرةٌ مُنفعلةٌ وصمتها أجاب عليْه بالإيجاب، أجاب عليْه أنها الآن تبكي هناك حتى وهو بعيدٌ عنها! عضّ شفته قليلًا قبل أن يهتف بملامح متشنجة : ليه البكي طيب؟ ماني جنبك هالمرة!
عبست وهي تتنبأ بمشاجرةٍ جديدة، ألا يريد هذا الحال الإنطواء بعيدًا عنهما؟! ألا يريد تخليصهما من جوره؟ أم أنه لمح الإنتماء لديهما؟ ، سحقًا! سحقًا! . . همست بسرعةٍ تريد إنهاء المكالمة قبل أن يتطور الوضع : معليش بقفل أكيد أسيل الحين محتاجتني.
لم تُهدِه المجال ليستوعب سرعةَ حديثها ومطلبها حتى يرد، بل أغلقت بسرعةٍ وهي تستدير ليلتف فستانها حول ساقيها وهي تُسبل رموشها على حدقتيها، يجب عليها ألا تعكر مزاجها الآن بسيف، فهناك ما هو أهم منه في هذه الأثناء لذا فالتجاهل هو الأنسب حاليًا.
تحركت خطواتٍ تتجه إلى أسيل وأمها وهي تُحاول رسم ابتسامةِ الفرح على شفتيها، وفي تلك الأثناء وصلت إلى هاتفها رسالةٌ من سيف لم تنتبه إليها بين ذاك الضجيج.


,


كانت كملكةٍ اعتلت شعبها ببضع سانتيمتراتٍ فوق عرشها الملكي، الإستمتاع يغلّف وجوه الجميع، الإبتسامة تشقّ ملامحهم، وماذا عنها هي؟ ماذا عن صاحبة الشأن الأكبر؟ لمَ يخرس الوجوم ابتسامتها دائمًا وأبدًا؟ لمَ انسحبت منها الإبتسامةُ وباتت خواء؟ لا شيء بات مُغريًا في هذه الدنيا حتى ليلةُ العمر، لا شيءَ بات يُقنع الروح بالمكوث في الجسدِ وكل الملذات لا تجذبها، كل شيءٍ اندثر!
أغمضت عينيها بقوةٍ والغمامة تغلفهما، يتحشرج السكون في سلسلةِ عبورها هذا الموجِ الأمهق! باتت الحياة في عينيّ شهباءَ لا يميّزها لون، بات نورها ضئيلًا شبهَ مُنعدمٍ أو انعدم! لا شيءَ ينفذ في عيني ليُبدي الحياة أكثر نورًا، لا شيءَ ينفذ ليُبديها جميلةً مُغريةً للمكوث فيها.
عضّت طرف شفتها وهي تبتلع غصّةً انحصرت في نصف بلعومها وحشرَت أنينها، جففت صدرها من السكون لتتحشرج بتنفسها، تكاد تبكي لا محالة! أمام الناسِ أجمع، تكاد تنهار في أي لحظةٍ وحرارةُ بشرته لازالت تشعر بها على ثوبها ووجنتيها، لازالت تشعر بدفء أنفاسه ترتطم بعنقها، لازال صوتُه المؤكد لأبديةِ امتلاكهِ لها يعبر أذنيها ليجعل قلبها ينتفض بارتباكه، كيف ستكون في الأيام التي ستجيء بهما معًا؟ كيف ستكُون في الساعات القادمةِ بقربه؟ وحدهما دون ثالث! إنّ تخيّل الأمر وحدهُ يجلب لها القشعريرة، ترتجف خلاياها لفكرةِ أنّه سيكون قريبًا منها في اللحظات التاليةِ وفي كل الأيامِ التالية.
أغمضت عينيها بقوةٍ وهي تتنفس بعنف، نسيت فتحهما وصدرها يرتفع ويهبط بانفعالٍ خافت أن يكون ظاهرًا بشكلٍ كافٍ لمن هم حولها، هزّت رأسها بالنفي قليلًا وهي تفتح عينيها تُحاول التركيز بالحضور حتى لمحت جيهان تقترب منها بابتسامةٍ باهتةٍ حزينة.
رسمت ابتسامةً مُرتجفةً وعيناها تلتمعان بشوقٍ إليْها وإلى أرجوان، سمعت أمها تتحدث اليوم أنها لم تستطِع المجيء سوى البارحةِ وفي وقتٍ متأخر، وما إن سمعت ذلك حتى شعرت بأن ضغط الأيام السابقةِ تضاءل قليلًا خصوصًا أنّ هذا الخبر وصل إليها قبل تلك المكالمة بينها وبين شاهين، قبل تلك الوقاحة! .. ليندثر تضاؤل الضغط القليل ما إن حدث ما حدث.
اقتربت جيهان منها لتنحني وتحتضنها برفقٍ هامسةً بتأثر : مبــروووك ... مبروووووك يا بعد عمري
ارتعشت شفتا أسيل قبل أن تهمس لها بعبرةٍ وهي تضع كفها خلف كتفها : الله يبارك فيك جوج . . اشتقت لك
ابتعدت جيهان قليلًا وهي تبتسم لها بحب : وأنا أكثر بس وش عندي أسويه؟ هذي الدنيا
أسيل : أرجوان وليان ما جوا؟
هزّت جيهان رأسها بالنفي هامسة : ما حصلوا فرصة، بس أرجوان قالت بتتصل عليك عشان تبارك لك
فترت ابتسامتها قليلًا وهي تتنهد، كم تمنت لو أنها وجدت جميع أقاربها بجانبها، لربما قلّ مقدار توترها ومقدار هذا الإضطراب الذي يجعلها تتخبط بين البيْنِ والبيْن، أخفت احباطها ذاك وهي توسّع من مدى ابتسامتها التي تظلّلت بالعديد من الآفات : ما تقصر فديتها
عادت ملامحها للتقلص بحزنٍ وهي تشدّ جيهان إليْها وتحتضنها بقوةٍ هامسةً بتحشرج : اشتقت لك ، اشتقت لكم كلكم . . وينكم عني؟


,


" أيش أسوي بالضبط؟ .. لا لا لا ، والله أول مرة أحضر زواج بهالشكل ... هاه؟ لا دايم أحضر زواجات في الخارج ما قد حضرت زواج سعودي "
اندفعت كلماتها العفويـة والمُضطربة إلى مسامعهِ بنعومةِ البرعُم، بتمايل الأغصان بسلاسةٍ ضدّ الرياح، نبرتها الطفولية انبعثت إلى أذنيه شائبةً بالكثيرِ من التوتر الذي مازال حتى الآن يُصاحب نعومة صوتها في حديثها معه، حتى الحذر مازال يُصاحب نظراتها! لكنه على الأقل تضاءل من بعد تلك الليلةِ التي بكت فيها وهدمت السدّ الذي كان يحبسها منذ رآها أول مرة. كان ارتعاشها في حضنه يُثير حزنه عليها، يثير شفقته ويُثبت حاجتها إليْه، فرّغت كلّ مافي جعبتها لتنسحب أخيرًا إلى غرفتها بتعثرٍ وهي تمسح على ملامحها السمراء.
كان واجبًا عليها أن تبكي، كان ضروريًا أن تعبر بالدموع لا بالصمت، لم يُخلق الكبت مناسبًا لهشاشتها، لم يُخلق متوافقًا مع تكوينها البُرعمي، حتى البراعم تبقى ضعيفةً وإن كبرت ونضجت بجمالِ الورد وجاذبيته، حتى الغزلان تكبر وهي لا تزال فريسةً للأسود، تكبر وضعفها يكبر معها والسرعةُ لا تُجدي حين تكُون النهاية في معدةِ أسدٍ أو أكثر!.
ابتسم قليلًا وهو يسمع صوتها يعود للإنسياب إليْه مُضطربًا مُستفسرًا برجاء : قول لي أروح أسلم عليها والا وشو؟
ضحكَ بخفوتٍ وهو يهزّ رأسهُ يمينًا وشمالًا، ليتضاعف ارتباكها وهي تظنّ أنها قالت أمرًا خاطئًا، إلا أنه هتف راحمًا لها : بالله عليك! الزواجات اللي في الخارج مافيها سلام ولا شيء! ما تحسين إنك تبالغين في توترك؟
شتت حدقتيها قليلًا وملامحها المُضطربة بدت أكثر جاذبية، الحقيقة أنّ التوتر بأكمله لم يكن إلا منه! لازال عقلها حتى الآن يُعاتبها على ذاك الإنهيار، على ذاك البُكاءِ والإستسلام، إلّا أن شعورًا عظيمًا بالراحة كان يتغلغلها منذ ذاك اليوم، لازال أثرهُ في صدرها ولازالت نشوته تستفيض بها. كيف ظنت مشاركة البكاءِ قاسيًا لهذا الحد؟ كيف اعتبرته أمرًا حادًا يعبر الروح بنصلٍ مُسنن! قد كان شعورًا جميلًا! كان انحلالًا مُريحًا لم تذقهُ في كامل حياتها من قبل.
حتى الآن وبالرغم من تلك الراحة التي استشعرتها إلا أنّها لا تزال تتجنبه قليلًا وأن بدأا يأكلان سويةً في بعض الوجبات، تطورت علاقتهما بشكل ملحوظٍ وهذا ما يجلب خوفها أكثر! لا يزال فكرها حتى الآن عند سكنها في حضنه في تلك الليلةِ الباكية، العينينِ كانتا بدرًا والدموعُ نجوم، حضنهُ كان البيت وهي الضياعُ بكاملهِ الذي التقى بنفسه في ذاك البيت.
نفضت تلك الأفكار عن رأسها حين شعرت بأناملها ترتعش، لازالت حتى الآن تُحاول النسيان أو اقناع عقلها أنّ كل ذلك لم يكن الا مجرد حلم! استمعت لصوته الهادئ والذي يقتلها بنبرةِ لطفهِ وحنانه : الحين روحي سلمي على العروس ولا تتخبطين عندها! زي أي سلام عادي وباركي لها ، خلاص؟
قطّبت جبينها وهي تشعر أنّه بنبرته هذه بدا وكأنها يحدث طفلة، لذا هتفت بسرعةٍ كي لا تبدو بشكلٍ أكثر حماقة : خلاص فاهمة
أغلقت بعد ثوانٍ لتقف وهي تجتذب ذرات الأكسجين مُحاولةً طرد ذاك الدفء الذي مازال يعبر جسدها، تُحاول طرد صوتِه الذي لم تُدرك ما لفظ بهِ وقتذاك، تُحاول لملمة ذهنها وإيقاف تشتته. نظرت للعروس التي بدت بجاذبيةٍ كبيرة في ليلةٍ كهذه وهي ترى امرأةً بيضاءَ أُخرى تتحدث معها، استنشقت للمرة الأخرى هواءً نقيًا لتمشي باتزانٍ وهي تُقرء نفسها بضع كلماتٍ تُحفزها على التحرك.


,


شريط الوقت يعود للخلف، إلى أيامٍ مضت وافتتاحها كان حضورًا في إحدى المساجد لصلاةِ الفجر لينتهي حضوره ذاك بسؤالٍ لم يجد لهُ جوابًا حتى الآن، بحث كثيرًا في عقله، بحث عن جوابٍ ولم يجد . . ولسانه استصعب فكرةَ أن يسأل عمته وهو الذي يتلافى الاحتكاك كثيرًا بها في هذهِ الأيام لما لا يعلم! هل انهياره ذاك في تلك الليلةِ جعله يخجل منها أم ماذا! هل بات يشعر بالخزي؟ لضعفهِ وكلماته!
زمّ شفتيه وهو يُسبل بعينيه، يتنهد بكبتٍ والإنفجار التالي يقترب، يعلن بوادر مجيئه، لم يذهب منذ ذلك اليوم إلى المسجد ولم يُرِد الذهاب دون جوابٍ صحيح، دون جوابٍ مقنعٍ ولمَ لا يأتيه هذا الجواب؟ ما الذي لم يدركه بعد في جوانب الصلاة كي لا يجيء جوابٌ على سؤالٍ يُدرك أنّ جوابه سهل، لكن لمَ يستصعبه؟
أوقف سيارتـه على جانب الطريق، والرصيف ينتهي من المارةِ في هذا الليل الحالك في سوادِه، في هذا الليل الذي ارتدى لباس العُتمةِ ليوازي عتمةَ صدرِه ولا يلتقيان . . للأيامِ التي تعبر أمام عيناي ولا ألحق بها، للحظاتِ التي تجيء إلي ولا تلمسني، لكلّ الدقائق التي اكتسبتُ فيها فقر الإبتسامات، لكلّ الكفوف التي لم تتجه إلى كتفي، إنّي أصفح وأعفو وكل رجائي أن يعفُ جميع الخلق عني! لقد خسرت ما يكفي، خسرت ما يسدّ ربحي، خسرت ولا رغبةَ لي في الخسارةِ أكثر في آخرةٍ كل ما أخشاه أن يكون مصيري فيها هو - النار -.
أنزل رأسه قليلًا ليُريحهُ على المقودِ ويُغمض عينيه، يُسافر بهما بين اليقظةِ والمنام، يسمح للفتور أن يزور جسدهُ لدقائق فقط قبل أن يرفع رأسه ويُكمل طريقه إلى المنزل، إلا أنه نام! نامَ فعليًا وغرقَ في نومٍ لم يطل، وكأن الساعاتِ السابقاتِ الضاغطات على صدرهِ والحارقات لعينيه بأسيدِ السهر قد تلخصت في دقائق نامها كطفلٍ ليفزع من هذا النوم أخيرًا على صوت هاتفه.
رفع رأسه وجفنيه العلويتين مُسبلتين قليلًا على حدقتيه كجناحِ طائرٍ تبلل بقطراتِ المطر، وتلك الدقائق التي نامها لم تكن كافيةً حتى تطرد الإستيعاب من رأسه، لذا كان يتأفأف وهو يرفع رأسه ويُخرج هاتفه من جيبهِ حتى يرد. وصوته انحنى بنبراته لا إراديًا نحو البرودِ ما إن تراءى أمامه رقم عمته : ألو
سهى بجمود : أدهم
تصاعدت نبضات قلبه ما إن سمع صوتها الجامد، وبقلق : فيه شيء؟
سهى : فيه وحدة عندنا . . تقول تبيك!


,


خارجَ حدود السعودية بآلافِ الكيلو مترات
أعاد ظهره للخلف بقوةٍ على مقعدهِ الجلدي المكتبي ليزأر بقوةِ ارتداده، بدا على ملامحه العبوس وهو يتمقط ويهمهم بكلماتٍ غير مفهومةٍ مُتذمرة، وأنامله تحطّمت من تتابع الأوراق التي أمره جده بإتمامها.
زفرَ وهو يفتح عينيه الحادتين ويتمتم بضجر : العالم لهم النوم بهالوقت وأنت يا تميم لك الشغل * وقف يردف بزفرةٍ عنيفة * عالم ظالمة أوي
اتجه لباب المكتب الذي حُبس فيه وباتَ يحقد عليه لأنه يسرق ساعاتِه في الخارج لاهيًا، ثمّ فتحه ليخرج ويقابل بعض الخدمِ في طريقهِ إلى غرفته : قولوا للعقل الكبير إنّي خلصت شغلي وما راح أشتغل مرة ثانية لأني عطيت نفسي أسبوع إجازة
أكمل طريقهُ بعد أن رمى كلماته بعبوسٍ ليبدأ فجأةً في غناءِ لحنٍ يعيد صفو مزاجه، وما إن دخل غرفته الواسعة والمُترفة حتى رمى بجسده على سريرهِ دون أن يبدّل ملابسه.
سكنَ للحظاتٍ في مكانه، وهو يُخرس صوته ويتأمل السقف المنقوش برسوماتٍ أثريةٍ ورموزٍ لبعض الوقت، حتى أخرج هاتفهُ فجأةً وهو يتجه للملاحظاتِ مُبتسمًا. ماذا سيكتب هذه المرة؟ حتى الآن لم يشعر بالإستمتاع كثيرًا في خوض هذا الموضوع لكن هل سيظل الحال على ماهو؟ ولمَ لا يصطبر؟؟
بدأ يخطّ كلماتٍ جديدة، يبتسم بمتعةٍ وهو يُشغل عقله في خطّها، لكنّ استمتاعه قُطع بطرقٍ على الباب ليتأفأف بقوةٍ وهو يهتف : خييييييير الحين؟
إحدى الخادمات من خلف الباب : سيد تميم الجد يريدك
أغمض عينيه وهو يهمس بداخله " يا صبر الأرض "!! ألا توجد ساعاتُ راحةٍ في هذا البيت الأجوف؟ ما الذي جعله يُبتلى بهذا الجد؟؟
استغفر وهو ينهض عن سريره، على الأقل هو لا ينكر أن لهُ مكانةً خاصةً في قلبه تشفع لهُ كل تصرفاتهِ وإزعاجاتهِ له.
اتجه للبابِ حتى يفتحه ويخرج متجاهلًا للخادمةِ الواقفة، ثمّ اتجه مباشرةً لغرفةِ جده التي تقبع في آخر الممر ككآبةِ صاحبها نفسه!
طرق الباب ليصلهُ صوت جدهِ سامحًا له بالدخول، ليفتح الباب ويلجَ مقتربًا منه وهو جالسٌ على سريره ينظر إليْه بجمود.
تميم : نعم يبه بغيت شيء؟
الجد بجمود : قرب
مطّ تميم شفتيه قبل ان يُرخيهما وهو يعود ليقترب أكثر. يُدرك جيدًا محور الحديث الذي سيتجه إليه، كيف لا وهو النمط الذي يتكرر تقريبًا في كل يوم.
همس وهو يقف أمامه تمامًا : هاه قربنا
رفع جده حاجبه الكثيف والمغطى ببضع شعيراتٍ بيضاء وعينيه الحادتين تنظران إليْه بتركيز : اعقل!
قمع تميم ابتسامةً كادت أن تخرج وهو يتصنع عدم الفهم : الحين وش سويت؟
الجد : السؤال هو وش بتسوي بعد شوي من ألاعيبك! * أردف بجدية * أنت تعرف إنّك وريثي الوحيد ومافيه شخص ثاني يستاهل إنّه يورثني غيرك
تميم بتذمر : يا ليييييل ، طيب اللي ما وده يورثك ولا يهمه فلوسك!
الجد بحدة : ولد!!
تميم بضيق : لا تحسسني إني بزر أنت تعرف وش هي اهتماماتي وميولي ما أحب هالأجواء اللي أنجبر فيها على شيء وأنت أدرى
زفر جده بيأسٍ من تكرار هذا الموضوع في كل يوم، ثم هتف بحزم : ما أجبرك هذا قدرك
لوى تميم فمه بحنق قبل أن يزفر دون أن يرد، ليُردف جده : وعشان ميولك واهتماماتك هالمرة بعطيك إجازة لمدة أسبوعين روح فيها لأي دولة تلاقي فيها اللي تحبه، مصر روما اليونان اختار اللي تبيه واشبع بالآثار فيها
رفع تميم حاجبيه بصدمةٍ قبل أن يفغر شفتيه هاتفًا دون تصديق : من جدك؟!!
جده بضيق : متى كذبت عليك أنا؟
تميم يُكرر : لا جد من جدك؟؟؟
هتف الآخر بغضب : انقلع من وجهي لابوك لابو اللي يعطيك وجه
ضحك تميم وهو ينحني إليه مُقبلًا رأسه هاتفًا بالشكر، بينما ابتسم جده ابتسامةً صغيرة وهو يؤمئ له بجمودِه المعتاد والذي لا يتبدل.


,


شهقت بقوةٍ وهي تنظر لأمها برفض، لم تستوعب ما سمعته في البداية، إلا أن صوتها وفي هذه المرة انساب حادًا لا يقبل النقاش ما إن دخلت الكلمات عقلها : لاااا ، والله ما يدخل، والله ما يدخل
رأت الصدمة على ملامح أمها وديما التي زفرَت بقلّةِ صبرٍ وهذه الليلة باتت كشدٍ وجذبٍ لا نتيجةَ مُقررةٍ آخرها.
مسحت أم فواز على ملامحها وهي تهتف بحدة : لا حول ولا قوة إلا بالله والنهاية معاك؟ كل هذا كنا متفقين عليه من البدايـة وش اللي غير الحين؟
أسيل بنفورٍ حاد : أنتو متفقين من دوني ومخلين زواجي براحتكم ، ما أبيه ينزف معاي قولوله هالشيء
استغفرت ديما وهي تبتعد عنهما بقلةِ حيلة، وفي هذه الأثناء اصتدم بمركز ذاكرتها عدم دخول سيف في ليلةِ زفافهما، بالرغم من كونها لم تكن ممن يهتم لهذه الأمور إلا أنها الآن راحت تُفكر فجأةً بفتور، هل هو من كان لا يريد؟ هل هو من كرِه فكرة أن يجلس بجوارها في تلك الليلة؟
نفضت تلك الأفكار من رأسها وهي تزدرد ريقها، ماهذا الجهل الذي تعيشه حتى تُفكر بتلك الطريقة الآن؟ ما المهم في هذا الموضوع حتى تجلب لنفسها المزيد من الضيق لا غير!!
تنهدت وهي تطرد تلك الأفكار من رأسها وتضع أسيل فقط وهذا الزواج الذي لا يريد أن يمرّ بسلاسة.

في الجهةِ المقابلة
تشنّجت ملامحها وهي تنظر لأمها برجاءٍ كي لا تضعها فيما لا تريد وفيما لا تقواه، بعينين التمعتا حزنًا وبريق الدمع تلألأ في حناياهما. حينها زفرت أمها بغيظٍ وهي تبتعد عنها تتمتم ببضع كلماتٍ غاضبة وهي ترفع الهاتف إلى أذنيها، بينما ارتخت ملامح أسيل قليلًا وهي تشعر أن الدقائق التي تبقت ترفض العبور بسرعة، ترفض أن ترحمها وتنتهي من هذا الضغط على صدرها.
وضعت يدها على جانب عنقها وهي تُطرق بنظراتها للفراغ، إنّها اليوم عروسٌ فقدت الطبيعة التي يجب أن تكُون بها في هذه الليلة، فقدت المُعتاد عليه ولكنَة الفرح التي يجب أن تُغلّف صوتها.
عادت أمها بعد دقائق بملامح يتضح فيها الضيق، لتمدّ يدها بالهاتف وتتمتم بفتور : خذي شاهين وده يتكلم ويـاك
رفعت رأسها بصدمةٍ إليْها وعينيها تتسعان تدريجيًا ويتسع الرفض فيهما، هزّت رأسها بالرفض لتعضّ امها شفتها بقلةِ حيلة وتهمس : وبعدين معاك؟
أسيل برجاءٍ وصله جيدًا عبر موجات الهاتف : ما أبي الله يخليك ما أبي
ام فواز بحزمٍ فقدت فيه صبرها : تعبتيني منك! وش هالمبزرة على هاليوم؟؟ أقول خذي الجوال وخلي هالليلة تمر
تقطّبت ملامحها بيأسٍ وهي تتناول الهاتف باستسلام، حينها سمعت امها تستغفر وهي تبتعد، تُدرك جيدًا أنها تمادت اليوم، لكنه الضغط الذي تراكم عليها منذ أيامٍ وهاهو ينفجر.
همست بتردد : ألو
شاهين بحدة ما إن سمع صوتها يصل إليْه : أنتِ وبعدين معاك يا بنت الناس؟ تراني صابر عليك من البداية وصبري بدا ينفد
أسيل تشتت حدقتيها بتوتر : أنا ...
قاطقها بحدة : أنتِ أيش بالله عليك؟ غير إنّك طفلة وكئيبة ما أظن! ولعلمك أنا من الأساس ما كان ودي بهالزفة يعني ريحي بالك وارتاحي مني
أخرستها كلماته التي عبرتها بحدتها دون أن تترك لها المجال حتى تستوعب مقدار هذا الغضب الذي يُلفظ من صوتِه، بينما أردف هامسًا قبل أن يُغلق الهاتف : عيشة تقصر العمر.

.

.

.

انــتــهــى

ظهرت اليوم شخصية جديدة على مسرح الأحداث :"" من هاللحظة ورايح الأحداث راح تنحني لموجه ثانية وبتسلك طريق مختلف

أشوفكم على خير / كَيــدْ !


 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 07:30 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية