كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثاني والعشرين
يجلس في المقهى الذي كان بجانب المبنى القاطن فيه، يحتسي من القهوةِ المرّة ومرارتها تدخل قلبهُ قبل جوفِه، يرتشف المرارة قبل أن يرتشف السائل الساخن القابع في الكأس، ولأنّ المرارةَ موجودةٌ في مجرى دمِه كان لابد أن يشعر بها مع كل نبضةٍ وكل رشفةٍ وكل رفّةِ جفن، ولأن المرارة كانتْ أيضًا هجومًا خارجيًّا حيٍ كما هي في دمِه كان لابد من أعصابِه الحسية أن تُرسل تنبيهاتٍ لدماغهِ حتى يقوم بدوره بتنبيه الأعصاب الحركية ليبتعد، وابتعد! ابتعد عنها وتركها هناك في الأعلى، صوتُها ينساب لغيره، مرارتُها الحلوةُ ابتعد عنها بأمرٍ من دماغهِ وبقيت تلك المرارةُ التي تجري في دمه.
هل تركها بالفعل هناك؟ صوتُها يجري لأذنِ عناد فقط؟؟
" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " . . تعوَذ من الشيطان وهو ينفض رأسه من تلكَ الأفكارِ العقيمة التي لا طائل منها سوى اللوعة التي ستصيب قلبه فقط . . تنهد لينظر لساعةِ معصمه التي بدأت عقاربها بالإتجاه للثانيةَ عشرة منتصف الليل، لقد تأخر في الرجوع كثيرًا.
وقف ثم دفع الحساب ليخرج، وكفيه دُستا في جيبي معطفهِ الجلدي الأسود يبحثان عن الدفء بعيدًا عن هواءِ بروكسيل البارد، ليتجه مُباشرةً للعمارةِ ويدخل صاعدًا لشقته.
دخل غرفة النوم بعد أن لاحظ هدوء الشقة، وما إن وقعت عيناه عليها مُتمددةً على ظهرها تنظر للسقف بشرودٍ وملامح لا تُفسَر حتى تنهد مُقتربًا منها.
فواز بهمس : جيهان
اتجهت عيناها إليه للحظة، ثمّ عادتا من جديدٍ لتنظرا للأعلى دون أن تلفظ بشيء. حينها زفر وهو يقترب أكثر إلى أن جلس بجانبها على السرير.
فواز : وين الجوال؟
أغمضت عينيها دون أن ترد وهي تُغمض سمعها أيضًا عنه، وحين أعاد سؤاله شدّت على جفنيها أكثر وهي تُديره ظهرها إليه.
فواز بحدة : جيهان ... عن التطنيش عاد
زفرت وهي تزمّ شفتيها، وحقدٌ تأجج في قلبها وانتقل إلى عينيها اللتين فتحتهما لتنظر إليه عبر زاويةِ عينيها وهي لا تزال مُمددةً على جانبها الأيمن وهو يجلس من خلفها، هاتفةً بحدة : الأرض استقبلته بكل رحابة صدر
اتسعت عيناه وهو يستدير بسرعةٍ ليبحث بعينيه عن هاتفه الذي سيُحطم لا محالةً على يدها الطائشة، وما إن رآه مرميًا قرب الحائط ومن الواضح أنه تلقى " رميةً جامدة " حتى تأفأف وهو يتجه إليه ليتناوله، هاتفًا من بين أسنانه : ياليل المصايب! * استدار إليها مُردفًا * انكسرت الشاشة
لوت فمها دون مبالاةٍ وهي تسحب اللحاف لتُغطي جسدها به، وبحقد : مو ذنبي ، صاحبك ممل ويحب يتفلسف كثير
عضّ طرف شفته وهو يقترب منها حاملًا أجزاءَ هاتفه التي التقطها وأمسكها بكفٍ واحدة، يُحاول إسكانَ الحدةِ في صوته : فشلتيني معه .. مية بالمية فشلتيني معه
احتدت نظراتها وهي تستديرُ بقوةٍ إليه جالسةً لينساب اللحاف إلى حجرها، وبقهر : فشلتك؟ هذا اللي يهمك؟ ... ترى انت اللي فشلت نفسك ماهو أنا . . . هه ، رجال ما عندك نخوة تخلي مرتَك تكلم واحد غيرك
ارتفع حاجبيه بجنونِ التعجب في داخله، وبصوتٍ مكتوم : لا تجيبين تفسيرات من راسك وتحورين الموضوع على مزاجك الحين! . . قولي لي وش سويتي بالضبط؟
جيهان بنزق : إسأل صاحبك
ثمّ عادت لتتمدد وتُهديهِ ظهرها مُتدثرةً باللحاف، حينها زفر وهو ينظر لهاتفه في كفهِ ومن ثم نظر إليها من جديدٍ بقهر : هاتي جوالك
جيهان ببرود : تراه على التسريحة ، خذه ما أبيه
زمّ شفتيه بقهرٍ وهو يتجه للتسريحةِ حتى يآخذه، ثمّ رفعه ليضع هاتفه الذي تحطمت شاشته نهائيًا بعد أن أخذ الشريحة ينوي نقلها لهاتف جيهان.
هتف بحدةٍ يُريد استفزازها : لعلمك ترى جوالك بيصير لي لين ما أشتري جديد أو أصلح ذا
تجاهلته تمامًا وهي تغطي وجهها كما جسدها، تجاهلته وتجاهلت صوته الذي انساب إلى أذنيها كصريرٍ آذاها/غلف سمعها بموجاتٍ كانت تتجاوز الفوق صوتية بمراحل عديدةٍ حتى مات سمعها ولم يعُد له أيّ أثر، مات كما ماتت ذكرى إحدى الليالي التي قضتها تنعم بالأمان بين أضلعه، مات كما مات بريق عينيها منذ زمنٍ ولم يتبقى منه سوى بصيصِ نورٍ تلاشى بفضل فواز .. هه! يريد مصلحتي كما يقول! ومصلحتي في الحقيقةِ باتت تكمن في ابتعادِه بعد هذا الخذلان الذي واجهني به، هذا الخذلان الذي قطّع ثقتِي بكَ لأشلاءٍ يا فواز ولم يعد في جوفي أيّ طعمٍ لكَ سوى المرارةِ والمرارةِ لا غير.
كانت معصيةً مني لنفسي أن وثِقت بك، وكان التكفير على معصيتِي تلك بزوالِ النعَم التي قد أستشعرها معك مُستقبلًا.
نظر فواز لتكوين جسدها الذي تغطى بالمفرش العنابي ثم تنهد وهو يتجه للبابِ ينوي الخروج، باتت صعبةَ المراس بعض الشيء، عنادية لأجل مجد عقلها الذي تظن أنه أباح هتكه، وأنتِ المجدُ ذاتـه يا جيهان، العالية فوق كل شيءٍ والصاخبةُ في هدوءِ ملامِحك والمُغرقةُ في بحُور شعرِك، أنتِ الثلجُ الذي يكمنُ في دفءِ بشرتك، الناعمةُ الخشنة، أنتِ التي سكَنت الفؤاد واحتلت حُجراتِه الأربع، طاردةً كلّ ماقد ينوي العبور إليه فلم يعُد في جسدي أيُّ دمٍ أو أكسجين إلا أنتِ التي لخصتي جميع أساسياتِ الحياة فيك.
,
" وبعدين؟ " . . عبست بشدةٍ ما إن سمعت لكنته الحازمَة حين لفظ بكلمتهِ تلك، تتدلل عليهِ اليوم بعد أن أعادته أخاها الذي اعتاد تدليلها ومُداعبتها بكلماتِه الحنون التي تدخل قلبها دون أن تطرق بابه.
غيداء بغنج : عنودي بليييز أبي أسولف وياك شوي
عناد وهو يمرر كفَه على شعرهِ المموج : إيش قلت؟ عندي شغل من بدري يا غيداء افهمي هالشيء؟
ازداد عبوسها وغنجُ صوتها : أنت في الساعات اللي راحت ما خليتني أسولف وياك وقاعد تكلم في الجوال
رفعت حاجبها بخبثٍ مُردفة : اعترف مين كنت تكلم؟
رفع حاجبيه باسمًا وهو يلتقط إحدى الوساداتِ ليرميها على وجهها : أقول اذلفي
ضحكت غيداء بشدةٍ وهي تُمسك الوسادة في يدها بعد أن اصطدمت بوجهها : بتقولي وحدة من مرضاك عارفَة .. يوم من الأيام بتخرب والسبب هذول المرضى اللي تكلمهم، ليه ما يروحون عند حريم بالله؟
استلقى عناد على سريره بعد أن كان جالسًا وهي تقف بجانب السرير تتحدث إليه، ليهتف : في الطب مافيه مرَة أو رجال ... المهم في النهايَة هو العلاج اللي بياخذه المريض والشرع ما حرم هالشيء
تلحفَ مُردفًا : ويلا اذلفي وجهك، بعد لين الثلاثة ولو ظليتني أشوفَه بقوم أغير خريطته
غيداء بتكشيرة : خلاص طالعة اووووف
ضحك بخفوتٍ وهو يراها تتجه للباب : قفلي الباب وراك ... ولا تنسين النور
لوَت فمها بحنقٍ وهي تُغلقُ الأنوار ومن ثمّ تخرج لتغلق الباب من خلفِها، وما إن استرخى في تمدده حتى فُتح الباب ليزفر : أعوذ بالله من غضب الله
غيداء بابتسامةٍ ظهرت في الظلام عن طريق النورِ المُنبعث من خلفها : نسيت شيء مهم
عناد وهو يضع ساعده على جبينه مُغمَض العينين : وشو؟
اقتربت منه غيداء بهرولةٍ حتى وصلت إليه، ومن ثمّ انحنت لتُهديهِ قبلةً صغيرة في وجنته : هذي
ابتسم عناد دون أن يفتح عينيه، وبهمس : واحد ... اثنيـ
قاطعته بضحكة : خلاص طالعة طالعة
لتخرج من جديدٍ وصوت ضحكتها الخافتةِ تنساب إلى أذنيه.
كان قد تلحف أخيرًا، وجفنيه بدأ النوم يداعبهما، وفي تلك اللحظات وصل إلى سمعِه صوت رنين هاتفِه، ليُقطب جبينه وهو يتنهد بضيق، ومن ثمّ استوى جالسًا ليتناول الهاتف من على الكومدينةِ وينظر لهوية المتصل الذي كان فواز.
لم يستطع منع نفسه من الإبتسام ما إن رأى اسمه، ودون أن يشعر انسابت ضحكةٌ خافتةٌ من بين شفتيه ليرد بضحكة : يعني لازم هالإزعاح
وصل إليه صوت فواز المكتُوم بحنقٍ واضحٍ ميّزه : معليش عارف إن الوقت متأخر بس اعذرني
عناد بمزح : لا منك ولا من مرتك
غضّن فواز جبينه بانزعاج : وش سوت؟
عناد بعد ضحكةٍ قصيرة : الله يسلمك ما سوت شيء
فواز بخفوت : يعني حكت معاك؟
عناد : لا ، قلتلك هو شيء متوقع ، ماراح تحكي في أول مكالمة
فواز : طيب؟
عناد : كانت ساكتة وأنا أحكي وأحكي لين ما عطتني شكر بسيط وقفلت بوجهي هههههههههههههههه
فواز بقلق : شكر؟
تنهد عناد ليهتف بابتسامة : تطمن ما سوت شيء ، هي بس أهدتني سبّة وقفلت
فواز بإحراجٍ تأوه : اوووه معليش
ضحك عناد : ليه تعتذر؟ تراها أفضل من غيرها ... بعضهم يغسلون فيني الأرض بلسانهم وانفعالهم، بس عادي متعود على الوضع
صمت فواز وهو لا يدري بمَ يرد، وعيناه اتجهتا تلقائيًا لباب الغرفةِ التي تنام بها.
عناد يُردف بهدوء : ممكن أسألك سؤال
فواز بشبحِ ابتسامة : تفضل
عناد : كنت تقدر تآخذها لأي دكتور أو دكتورة نفسية أفضل من صوت ينسمع بالجوال ، بس ليه ما جيتني الا أنا؟
فواز يزفر بضيقٍ قبل أن يرد : أترك الجواب عندي أفضل
عناد : براحتك بس لا حسيت انه لازم تقابل دكتور وجه لوجه راح أبلغك وأسحب نفسي
فواز : ما تقصر الله يسلمك
ابتسم عناد بخفة : طيب انت الحين متصل عشان هالسالفة؟ كنت تقدر تتصل بكرة بدل لا تزعجني بهالليل وانت عارف إن وراي دوام
ضحك فواز بخفوتٍ وهو يهتف : نعتذر منك دكتورنا ... روح كمل نومك
,
دخل والإرهاق يشقّ ملامحه، المكانُ هادئٌ بعكس ضجيج العواصف داخله، وكيف قد يكون الإبحار بصمتٍ فوق أمواجِ الضجيج؟ كيف لهُ أن يكون هادئًا في خضم الضجيج الذي يُحركُ سكونَ سفينته من كل جانب؟
زفر وهو المعتاد على سكُون غزل الدائم، وكأنها ميّتةٌ حيةٌ في كنفه، وكأنّه القبر الذي احتوى سكون جسدها دون أن يستطيع تجاهل وجودها بين حناياه.
المكان مُوحشٌ جدًا، كوحشةِ روحهِ التي تشتاق إلى من يقتنصها ويحتضنها إليه، كاشتياق أنفاسه للإختلاطِ بأنفاسِ غيرهِ بعكس حالتِه الآن. غزل حتى في وجودها رثاء! إنّ عينيه الآن ترثيان روحهُ الميتة والمُصلّبةُ على قارعةِ الغربة.
أعبُر طريقًا فينسى هذا الطريقُ خطواتي، أنظُر للمارةِ من حولي ولا ترانِي أعينُهم، ألتقط الأكسجينَ من الهواءِ فيقذفنِي الهواء بنفسه إلى الفضاءِ حتى أسبح في فراغهِ دون أُكسجينٍ يُسعفني. يا الله! إنّي أضيعُ دون مأوى، أحتضر دون أن يُسعفني الموت فينتَشل روحي، إنّي ألمحُ الموتَ ينظرُ إلي في كل مرةٍ ويتوعدني بالقدومِ بشكلٍ أبطأ/أعنف، ليتهُ يجيء في لحظةٍ عابرةٍ تختزل الوجع الذي سكن فؤادي منذ الطفولةِ حتى ريعانِ الشباب، تختزل سنواتٍ مرّت بي على سكّةٍ فولاذيةٍ تشعّبت بالصعاب والإنحناءاتِ لأسقط كل مرةٍ ولا أنهض مستويًا. أسعفني يا الله بروحٍ لا تُنازع الموتَ فتُطلق دون عودة، أسعفني يا الله بموتٍ قريبٍ ينتشل وحدةَ اللحظاتِ التي انتظرت النور ولم يجيء، أسعفني بخلاصٍ ينتهي بي إلى راحةٍ أبديةٍ دون خذلانٍ أو خيبةٍ أخرى، أسعفني يا الله!
زمّ شفتيه ليفركَ عينيه بظاهرِ كفه اليُمنى وكأن شيئًا ما يُحرقه بهما، ثمّ اتجه لغرفتهِ بعد أن ألقى نظرةً خاطفةً على بابِ غُرفتها الساكن والمفتوحِ بعض الشيء كما سكونها المُتمرد ببريقِ عينيها.
وصل لبابِه، وما إن أمسكَ بمقبضهِ حتى فُتح ليُجفل وهو يُعيد كفه إليه، حينها خرجت أمامه! غزل التي كانت مُرتبكةً وملامحها لا تفسر! ملامحَ سمراءَ جميلةٍ انتفخت ببكاءٍ هاجمها، عينانِ حمراوتان اهتزّت حدقتاها برعبٍ ما.
عقد حاحبيه ليهمس بتساؤلٍ مُتعجِب : وش تسوين في غرفتي؟
لم ترد، وعيناه تابعتا تفاصيل ردات فعلها، تشتيتُ عينيها اللتين أخبرتاه بمُصيبةٍ ما قامت بها، عضّها لشفتها المُمتلئةِ بعض الشيء والمزمومةِ بشكلٍ يُثير أي رجل، الشحوبُ يعبُر ملامحها السمراء بعنجهيةٍ وتمرد، يُفسد تضاريسها العذبَة الأقرب لسهولٍ خصبة تجذب الناظرين.
أعاد سؤالهُ بخفوتٍ أشد : وش تسوين في غرفتي يا غزل
ازدردت ريقها وهي ترفع عينيها إلى ملامحهِ المُرهقة، ثم عادت لتشتيتهما وهي تردّ بتلعثم : شاحن جوالي ضاع
سلطان يرفع إحدى حاجبيه : على أساس بيزحف لين غرفتي!
غزل : لا بس دوّرت في كل الجناح وما لقيت شيء .. قلت ما بقى غير غرفتك فدخلت
هتفَ سلطان بقسوةٍ ارتسمت في ملامحه : أجل مرة ثانية يا هانم لا بغيتي تشكّين إني سرقته مثلًا إستأذني وعقب ادخلي
غزل بارتباك : ما قصدي كذا
سلطان بقسوة : ما يهمني قصدك ... وإذا كنتِ خلصتي بحثك فاطلعي!
عضّت طرف شفتيها بحرجٍ وهذه الحركة لطالما كانت تُكررها أمامه كثيرًا حين يُهاجمها الإضطراب، شعرها مُتحررٌ من حولها بهمجيةٍ وفوضويةٍ تثيرُ الأعين، وعيناها الحمراوتان بدتا أجمل في حزنهما.
اندفع داخلًا حين رأى منها السكون في مكانها دون أن تتحرك وتنزاح عن طريقِه، وحين دخوله بذاك الهجوم المُنفعل كانت كتفه تصتدمُ بكتفها لتُزاح رُغمًا عنها وتتأوه بخفوت.
غزل بألمٍ وهي تفرك كتفها بكف يدها الأخرى : ما سويت شيء عشان تدفعني بهالطريقة
سلطان بنزقٍ وهو يجلس على سريرهِ لينحني حتى يخلع حذاءه بعد أن رمى " غترتهُ " على السرير : ما شفتك عشان أتعمد دفعك
زمّت شفتيها بحنقٍ وهي تشعر بالدموع تعاود القدوم. يكفي، لقد واجهت منذ ساعاتٍ ما كان كافيًا ليُهلكها، وليس هذا وقتَه ليزيد الطين بلّه، ليس هذا وقته ليُضاعف الجراح في صدرها، ليس هذا وقتَه ليُجدد الألم فيه أكثر حتى يُظهره بصورةٍ تُرضى كل الرجال المُستبدين في هذا العالم، هذا إن كان هناك من هو غيرُ مُستبد!
بللت شفتيها قبل أن تهاجمه بعينيها اللتين حُبست الدموع خلف بابِ مُقلتيها لكي لا يظهرا على زجاجتيهما، هاتفةً بحدة : ما شفتني؟ حشرة عشان ما تشوفني والا شلون؟
رفع عينيه إليها ببرودٍ وهو يُسوّى ظهره بعد أن كان مُنحنيًا يخلعُ حذاءه، ليرفع كتفيه ونظراتُه قاسيةٌ اليوم ككلِ مرةٍ يأتي فيها غاضبًا حتى يُفرغ غضبه بها : يمكن!
اتسعت عيناها بصدمةٍ وانفرجت شفتاها، صدرها ارتفع بغضب استنشاقها للأكسجين ليهبط بعنف زفيرها، وبصراخ : حقييييير ... انت الحشرة هنا مو أنا
سلطان بحدةٍ يُسيطر على أعصابه كي با ينهض إليها ويسحقها : انقلعي برى قبل لا يصير شيء ما يرضيك
غزل بعنادٍ تُكتف يديها وتستند بكتفها على إطار الباب : ماني طالعة وش بتسوي؟
سلطان من بين أسنانه : قلت اطلعي برى أبرك لك
غزل بعنادٍ أشد وهي تعضّ شفتها : مـــانـــي طالعة ... وكلام الحشرات ما يمشى علي
صرخ سلطان صرخةً أفزعتها وقد تجاوز حدود غضبهِ بأميال : غــــــــــــــــزل
انتفضت ما إن انساب إلى أذنيها صوتُه الرجولي الصارخ، لكنها بالرغم من رؤيتها للغضب الذي ارتسم في جميع تفاصيلهِ إلا أنها وقفت في مكانها بثباتٍ مهزوزٍ هاتفة : مابطلع .. ما بطلع . . ووريني وش بتسوي ياولد فهد
برقت عيناهُ بوحشيةٍ حين سماعه لاسم والده، وبحدةٍ وعنفٍ نهض لتنتفض وتتنفس بقوةٍ لكنها لم تتزحزح عن مكانها، اتجه إليها حتى وقف أمامها، ثمّ مد يدهُ ليشدّ على عضدها العاري هامسًا بحدة : وش تبين بالضبط من استفزازك لي؟
غزل باضطرابٍ حاولت إخفاءهُ دون جدوى : مو قاعدة أستفزك .. انت اللي تُستفز بسرعة مو شغلي
شدّ أكثر على بشرتها حتى كاد يخترق جلدها بأنامله، وجملتها تلك كانت شبيهةً بإحدى جُمل سلمان اليوم بدرجةٍ كبيرةٍ أثارت استفزازَه أكثر
" أذكرك قبل كم شهر كنت صبور وما تُستفز بسرعة ... حتى وإن عصبت ما يظهر عليك، وش صار الحين؟ "
تنفّس بقوةٍ وهو يقرّبها إليه أكثر حتى اصتدمت أنفاسه بوجهها، حينها ارتعشت وتجمدت في مكانها وصعوبةُ التنفس عندها أصبحت أكبر : ابعد عني
سلطان بحدةِ صوتِه يبعث أنفاسًا حادةً أيضًا لتلسع بشرتها بحدتها : شغلك بيكون عندي لو تماديتي أكثر ... عطيتك وجه أكثر من اللازم وضروري أربيك من جديد
زمت شفتيها بذعرٍ وهي ترفع كفها بضعفٍ لتضعها على صدرهِ تدفعهُ هامسةً من بين أسنانها : ابعد عني
ابتسم سلطان بسخريةٍ وهو يدفعها عنه، ثم هتف ببطءٍ ساخرًا وهو يهزّ رأسه يمينًا ويسارًا : ما تزوجتيني الا عشان تهربين من فكرة إنك ما تتزوجين مرة ثانية! بس ما أستبعد أبدًا هدف ثاني لأبوك ومنها إثبات إني ماني رجال لو تزوجتي من بعدي ... هه! مهزلة أنتِ وأبوك يا غزل!
عقدت حاجبيها وهي تنظر إليه باضطراب وخوف، ما الذي يعنيه بكلماته؟ هل .. هل سيُخالف ما اتفق عليه هو ووالدها؟؟
سلطان يُردف : بس اللي ما تعرفينَه لا أنتِ ولا أبوك المخفة هو إن سلطان ولد فهد ما يهمه حكي الناس ولا يهتم لكلام الحشرات اللي حوله ... * أعقب بتحدٍ * أنا رجال لنفسي ماهو لك ولأشكالك ، وكلمتي ما تنرد لو على صورتي قدام الناس . . . حتى لو جيتيني بيوم وقلتِ لي يا سلطان أنا أبيك بقولك بح مافيه!
أغمضت عينيها بقوةٍ وراحةٌ غلفتها بعض الشيء، تستمع للثقةِ في كلماتِه، تشدّ على أسنانها بعنفٍ وما أصابها في تلك اللحظة لم يكن سوى .... طمأنينة!
كلمات سلطان لم تجري في أذنها من قبل، نبرته التي نضحت ثقةً ورجولةً اخترقت عقلها بقوة، وقناعتها السابقةِ بأن الرجال لا يهمهم سوى رضا شهواتهم لا تزال قائمة، لكنها الآن لا تدري لمَ شعرت بأن كلماته ليست مجردَ كلمات، شعرت بطمأنينةٍ انسابت إلى قلبها وهناك ما يُخبرها أن تطمئن من ناحيَة رغباتِ سلطان أو فكرة أن يُقدم يومًا ما على ماهو محظور.
حاولت طرد تلك الأفكار وهي تحثّ نفسها ألا تُصدق كل ما تسمع لمجرد الثقةِ في نبرته وتأثيرِ كلماته . . وبحدةٍ وثقة : أجيك بيوم؟ مرة واثق من نفسك!
رفع سلطان حاجبيه وهو يتراجع للخلفِ قليلًا : لا تتحديني ما بيصير لك طيّب
غزل بابتسامةِ كبرياء : أجل اتحداك! أنت بتخلي الغزل يبيك بيوم؟ ... هه ، النجوم أقرب لك
ضحكَ سلطان وهو يمسك بمقبض الباب يستعد لإغلاقِه، رافعًا سبابةَ يده الأخرى هاتفًا بثقة : بدا العد التنازلي ... تحملي التحدي وكوني قدَّه لو طحتي على وجهك في يوم
غزل بغرور : نشوف مين بيطيح على وجهه
قالت جملتها تلك وهي تنسحب إلى غرفتها بعد أن تهوّرت بتحديها، لا بل لم تتهور! هي تعلم من هي، تُدرك من هي، لـذا لن يأتي يومٌ لتتغير وتبحث عن رضى أنوثتها عند سلطان تحديدًا، تُدرك ذلك لذا خاضت بما خاضت.
دخلت غرفتَها تزفر بكبت، ثمّ رفعت هاتفها لتخطّ بأنامل مضطربةٍ وهي تفضل الإرسال على الإتصال به " دوّرت بغرفته بس ما لقيت شيء "!
,
الساعة الثانيَة ظهرًا
بعد أن اغتسلت وارتدت قميصًا قطنيًا يصلِ إلى نصف ساقها تمددت على السرير وهي تزفرُ بإرهاق، كان سيف قد عاد لعملِه بعد أن أوصلها، يقُول بأنه اليومَ مشغولٌ ولن يعود الا متأخرًا.
استرخت على جانبها الأيمن، تنظر للجهةِ التي ينام فيها عادةً، الجهةِ التي لا تزال تحتفظ بأثرِه، الوسادة التي تحتفظ برائحته، واللحاف الذي يتشاركانهِ في كلّ ليلة.
تنهدت وهي تُغمض عينيها اللتين تريانهِ حتى وهما مُغمضتين! .. وما إن أغلقتهما بثوانٍ حتى استقرت أنفاسها وغرقت في نومها لإرهاقها، بالرغم من أنها لم تعتد من قبل أن تنام في فترة الظهيرة لكن على الأرجح أنها ستعتاد على ذلك مع عملها هذا إضافةً لكونها حاملًا الآن.
مرّت الساعات وهي نائمة، وعانقت العقارب الخامسَة والرُبع، وأصواتٌ تصاعد مداها خارج الغرفة التي تنام فيها، لتنزعجَ في نومها تهمهم وتنقلب على جانبها الأيمن، وفي لحظةٍ كانت قد انتفضت جالسةً بفزعٍ وهي تنظر للساعةِ الجداريةِ بذهول : صارت خمسة وربع! لاااا ما صليت!!
أزاحت اللحاف عنها ثمّ ركضت باتجاه الحمام دون أن تلتفت للضجيج في الخارج والذي لا يمكن أن يكون سببه سيف وحده!
بعد دقائقَ طويلةٍ كانت تطوي سجادة صلاتها ومن ثمّ تخلع رداء الصلاة لتلملمَه بعشوائيةٍ ومن ثم ترميه مع السجادةِ والرداء على السريرِ وصوتُ ضحكاتٍ في الخارح لفتت انتباهها حين انسابت إلى أُذنيها، استدارت إلى الباب وهي تُقطّب جبينها باستغراب، صوتُ ضحكَات سيف وضحكةٌ طفوليةٌ أخرى .... لا يمكن!
ديما ببهوت : مو معقول ... مو معقول يكون جابه لـ هنا!!
تحركت قدماها دون أن تشعر باتجاه الباب وهي تُتمتم بـ " مستحيل " ... لا يمكن أن يُصبح احترامهُ لها في عينيه بهذا الإضمحلال! لا يُمكن أن يكُون تماديه معها الى هذا الحد! لا يمكن أن يفعل بها هذا ويلفظ كل احترامٍ لها عنده!
اقتربت من الباب لتضع قبضتها على مقبضهِ وهي تتمنى أن الصوت مُجرد خيالاتٍ بفعل الجنِّ أو بفعل عقلها المُرهقِ لا غير، وما إن فتحت الباب حتى وقفت في مكانها بجفولٍ وهي تراه يجلس في حجر سيف الجالس على الأرض، ألعابٌ عديدة تناثرت من حولهما، شفتيه كانت تتحركان عن أذني زياد، يهمس له بكلماتٍ أضحتكه.
لا، فعلها، قام بكلِ بساطةٍ بفتح بابِ قلعتها لأعدائها، قام بكلِ بساطةٍ برمي احترامِه له وإحضارهِ بكل دمٍ بارد. لمَ يقوم بكل هذا؟ لمَ يقُوم بكل هذا يا الله؟ لمَ يهوى تعذيبي وتنكيلَ قلبي مرارًا ومرارًا؟ لمَ يقوم بكل هذا؟ لم يقوم بكل هذا؟؟!!
كانت تهزّ رأسها بالنفي وهي تقوس شفتيها دلالةَ البكاء، وقتئذٍ انتبه سيف ليوجّه نظراته إليها واقفةً عند باب غرفتها، ليبتسم بهدوءٍ هاتفًا : وأخيرًا صحيتي؟ متى نمتي؟
أطبقت جفنيها بقوةٍ للحظاتٍ وهي تتنفس ببطءِ القهر داخلها، قبل أن تهتف من بين أسنانها بحدة : طلّعه برى!
قطَّب سيف جبينه : كيف؟
فتحت عينيها لتهتف بحدةٍ في وجهه : طلعه برى جناحي .. مالك حق تجيبه لهنا
وقف سيف بذهولٍ ليقف معه زياد الذي انتفض من صوتها العالي والحاد، مُتشبثًا بثوبِ والده ينظر إليها بخوف.
سيف بحدة : جنيتي؟؟
صرخت ديما بانفعالٍ وهي تُشير لباب الجناح : اي جنييييت .... طلعه برى ما أبي أشوفه
عضّ شفته بقوةٍ وغضبٌ هاجم ملامحه التي احتدت بعنفٍ وهو يضع كفه على شعر ابنه، وبهدوءٍ ظاهريٍ وهو ينظر لزياد : روح عند جدتك حبيبي وأنا بلحقك بعد شوي
أومأ زياد بسرعةٍ ثمّ هرول باتجاه الباب وكأنه يهرب من وحشٍ بريٍّ يُلاحقه، ثمّ فتح الباب ليخرج بسرعةٍ دون أن يغلقه من خلفه لشدةِ ذعره.
نظر إليها سيف وهو يتنفس بقوةٍ بعد أن كان ينظر لزياد حتى اختفى من أمام عينيه، ثمّ اقترب وبحرُ الغضب أغرق كل نظرةٍ أخرى في عينيه، حتى ما وصل إليها أمسك معصمها بغضب : أنتِ شقصتك بالضبط؟؟
سحبت معصمها بقوةٍ وهي تنظر إليه بملامةٍ وحقد : قصتي انك قاعد تتعمد إهانتي!
سيف : أتعمد إهانتك؟ * صرخ بغضب * أتعمد إهانتك بطفل!! طفــل يا جاهلة؟؟!!!
صرخت هي بدورها : ايه ... طفل ، طفلك اللي قاعد تتباهى فيه قدامي وكأنك تقول عندي وما عندك! طفلك اللي جايبة لحتى جناحي بشكل يثبت إنه مافيه أي ذرة إحترام لي في عينك
سيف بغضب : احترام؟ ليه هو أنا جبت بثينة عشان تعصبين بهالطريقة؟ ... كل اللي جبته هو زياد وبس!
ديما بحدةٍ تنظر في عينيه بتمردٍ وغضبٍ لا يظهر بها الا نادرًا : زيادك أنت! اللي هو ولد زوجتك السابقة ... اللي حارمني من العيال لأنك ما تبي ولد من غيرها!!!
حرَك كفه في الفراغ بانفعالٍ وهو يشدد على كلماته : ما بيهلكك الا ظنونك وتفسيرك للأشياء بكيفك! تظنين إنّ كل شيء يمشي على كيفك أنتِ؟ ... أجل لك اللي يبيه كيفك، اي عشان بثينة!
ظهر في عينيها الذهول، وقلبها تمزق لأجزاءٍ تلاشت في غبار قسوةِ كلماتهِ التي شطرتها لأنصافٍ ارتجت الموت ولم يأتيها، كلماتِه التي تُدرك أنه لا يعنيها حرفيًا بل قالها عنادًا فقط، لكنها كانت كافيةً لتُدمي قلبها وعينيها اللتين رثتا حالهما بالدموع في هذا الأجواء الدمويَة.
يُدمي ويمسَح الدماء، ذاك هو سيفها الذي تمرد عن غمدِه ليتحرر ويسفكَ بها، انهُ يجرحها بنصلِه الحاد ليُدير نفسه ويمسح دماءها بجانبِه الناعم، يُبدع في التنكيل بها وإهانةِ حُبها له، يتميز في سحقهِ لكلِ نظرةٍ غير التي يُريد في اللحظةِ التي يُريد.
أريد أكرهك فكيف أفعل؟ أريد أن أبزق حُبك في وجهك فكيف أقدر؟ ما أنت إلّا وسمّ طُبع على جبيني ليبقى مُلتصقًا بي ما حييت، ما أنت إلا دمٌ يجري في أوردتي فكيف أُجففك من دورتِي الدمويَة وأنت عنصرٌ أساسيٌ بها. أريد أن أكرهك يا سيف كما تنصاع أنت لإرداتك في طعني، أريد أن أقذفك من جسدي كما أقذفُ دموعي في هذا اللحظاتِ دون أن تنتهي .... لكن كيف؟
عضّت شفتها بقوةٍ حتى شعرت أنها ستتقطعُ لا محالة، ودون أدنى شعورٍ رفعت قبضتيها المتكورتين لتضرب بها صدرهُ باكيَة : مين تظن نفسك؟ مين تظن نفسك؟ ... * تنفست بانهيارٍ وهي تردف بصوتٍ غلفه البكاء * بولد ..، والله بولد وراح تشوفني شايلة ولدي وتتحسر! بولد وراح تقبل فيه سواءً اقتنعت أو ما اقتنعت
أمسك قبضتيها بيديه بقسوةٍ وهو يدفعها عنه دفعةً بسيطةٍ ليُبعدها عنه فقط، لكنها كانت كافيةً لتُسقطها جالسةً لانهيارها وضعف جسدها في هذه الأثناء.
سيف بوعيد : والله والله يا ديما لو أدري إنك مسويَة شيء أو ما تداومين على الحبوب اني بأخليك تتمنين الموت وما يطولك ... وهذا أنا حذرتك وولد مافيه الا بحسراتِك
لفظ كلماته القاسيةَ تلك ثمّ ابتعد عنها خارجًا، وما إن خرج من الباب حتى قابل والدته التي جاءت بعد أن أعلمها زياد ولأصواتهما المرتفعة، وبحدة : وش سويت لها؟؟؟
سيف بغضبٍ وهو يتجاوزها : ما سويت لها شيء بس هي اللي سوت بروحها
توقف ليستدير إليها هاتفًا بصوتٍ عالٍ قاسٍ كبرودةِ الشتاءِ وانجراف السيول : علميها شلون تحترمني كويس ... وزياد والله لو تتعرض له بكلمة إني لأدفعها ثمنها! .... طفل وش سوى لها؟
وصلتها كلماته جيدًا، كانت تبكي وكفها على أسفل بطنها الذي يؤلمها بجنون، لكن بكاءها وألمها لم يمنعانها من الصراخ بقهر : اللي سواه إنه حمار ولد حمـــار
تنفس بقوةٍ وهو يندفع باتجاه الباب حتى يدخل إليها والغضب أعماه نهائيًا هذه المرة، لكنّ أمه وقفت في وجهه لتضع راحة كفيها على كتفيه، وبرجاء : أسألك بالله تتركها
تراجع وهو يتنفس بعنفِ الغضب داخله، ووجهه يتجاوز في شرّه كلّ ملكٍ جائرٍ هان عليه أن يفتك بشعبه، إذن ماذا عنه إن اقترب منها ولم تكن أمه موجودةً الآن؟
أغمض عينيه بقوةٍ يحاول السيطرة على أطرافه التي ارتعشت بفعل الغضب الذي دفع بالأدرينالين لأقصى حد، ثم تراجع لينزل الدرجات بهرولةٍ وهو يهتف بصوتٍ عالٍ بعض الشيء ينظر لزياد الذي كان يجلس على إحدى أرائكِ الصالة ووجهه مذعورٌ بدرجةٍ كبيرة : امشي برجعك للبيت ... ماراح تبات اليوم عندي نخليها بيوم ثاني
اقترب منه بسرعةٍ وكأنه انتظر منه ذلك بعد الخوف الذي واتاه من زوجة ابيه الشريرة، لم تكن أمه مُخطئةً إطلاقًا أو كاذبةً حين صوّرتها بالساحرةِ الشريرة التي يجب أن يبتعد عنها كي لا تؤذيه.
أمسك بيد سيف الذي تحرَك به إلى الباب وهو يخبره أنه سيجلب له ألعابه فيما بعد بينما ملابسه ستبقى عنده حتى إن جاءه مرةً أخرى، وهل سيجيء؟!
,
نظرت للهاتف ووجهها يمتقع بشدة، يُظلم ويختفي النور منه تدريجيًا، ترى رقمهُ الغير مدونٍ عندها يُنير شاشة هاتفها، تتجاهل ولا يتوقف، حتى حين كانت قبل قليلٍ جالسةً مع عائلتها دفعها رنين هاتفها لتركهم وهي تخشى أن يشكوا بشيء.
عضّت شفتها وهي لا تدري ما الذي تفعله، هل تخبر فارس ليتصرف معه وتتورط أكثر مع خالها؟ أم تصمت لتتورطَ أكثر مع هذا المدعو هيثم والذي هو ابن خالها؟.
كادت تُغلق الهاتف نهائيًا حين لم يتوقف رنينه، لكنها في النهاية تراجعت لترد عليه بتردد، إن كانت لا تستطيع التحدث، ولا تَركه بأريحيته، إذن فلتواجهه بنفسها وبكل شراسة.
ردت بحدة : أنت شتبي بالضبط؟؟
هيثم : اوووه وأخيرًا رديتي!
جنان باضطراب : انت مجنون والا قاعد تستهبل معاي؟
هيثم بوقاحة : لا هذا ولا ذاك، اللي فيني هو العشق
زمّت شفتيها وهي تُغمض عينيها بحقد، ثمّ هتفت من بين أسنانها بحدة : اسمعني زين ... هي كلمة ورد غطاها، لو شفت رقمك مرة ثانية والله ما يردني عن فارس الا لساني ... وهذاني حلفت وبكون عند حلفاني
أغلقت بغضبٍ وهي تتنفس بانفعالٍ بدا مليًا في صدرها الذي كان يرتفع ويهبط بجنون، وهي تقرّ في نفسها أنها لن تصمت وستخبر فارس إن اتصل بها فعلًا.
من جهةٍ هي تتضايق من تعامل والده معها، ومن جهةٍ أخرى هذا الذي لم يحترم صلتهما ببعضهما البعض! فكيف عساها تحتمل؟
,
كانت تستمع إليه ببهوتٍ وكلماتهُ كانت كطعمٍ لاذعٍ عبَرَ بلعومها، كطعمٍ مرٍ جعلها تتقيأ السكون وقلبها بدأ في صياحٍ مُعذِب.
إلين بغصة : مات؟؟
نظر إليها بتأثرٍ لبريق عينيها المُتأثرتان، لاهتزاز شفتيها حين سماعها بخبر موتِ من كان على الأحرى أن تحقد عليهِ لكل ما فعله بها. إن ما فعله لم يكُن هينًا لتُسامح أو تحزن لفراقِه وهي التي لم تعش معه لحظةً منذ أفاقت للعالم.
زمّت شفتيها وحدقتيها تهتزان، هي لا تكنّ له مشاعر خاصة، لا تشعر تجاهه بأي حبٍ أو عاطفة، وكيف عساها تكن له المحبَة وهي لم تعش معه لحظةً واحدة؟ أدهم نفسه لا تُنكر أنها لا تزال تشعر ببعض الكره تجاهه ولا توجد أي عاطفةِ حبٍ لتُطلقها نحوه، لكنها على الأقل تشعر حين تُحدثه أو تفكرُ فيهِ براحةٍ لا مثيل لها، بشعورٍ خاصٍ على الأرجحِ هو شعور الأخويَة وإن لم يكُن هناك حبًا.
بينما والدها لا تعرف صوته، لم تره من قبل، لم تواجهه وجهًا لوجه، إلا أن خبر وفاتِه كان كالسهم، كان كسلسلةٍ طولها عشرونَ ذراعًا لُفّت كلّها حول عنقها لتُقيّد صوتها وأنفاسها إلى أن تختنق، لا تحبه نعم، لكنه في النهاية والدها وإن لم يكُن حزنها عليه بهذا الحجم الذي سيكون متوقعًا حين يُفقد الأب.
همس عبدالله بخفوت : عظم الله أجرك
أومأت وهي تزفر بكبت، ثم هتفت بتهدج : شلون عرفت؟
عبدالله : جلست أسأل عنه أكثر من شخص لين ما وصلت للي قالولي عن موتَه
نظرت إليه دون تعبيرٍ مقروء، وبهمس : قالولك شيء ثاني عنه؟
أغمض عبدالله عينيه للحظة، كان صعبًا عليه أن يقول لها ما قيل، كان صعبًا عليه أن يُخبرها بكل أريحيةٍ كيف كان والدها المزعوم ... اغتصب ابتسامةً وهو يهتف : كل خير
أطرقت بوجهها بعد أن أدارت رأسها عنه وأناملها تُداعب مفرش سريرها الذي كانت تجلس عليه كما عبدالله، وبحيرةٍ وحزن : وليه أدهم ما حكى لي بخصوص موته؟
عضّ عبدالله طرف شفتِه وهو الذي لا يشعر بالإطمئنان تجاهه، سأل عنه ولم يعلم ما يكفي، فهو لا يختلط مع الناس كثيرًا ولا يُماشي الا أشخاصًا محدودين، باختصارٍ هو غامضٌ بالنسبة للكثير.
عبدالله : في النهاية أنا ماني مرتاح له ولاني راضي إنك تروحين له حاليًا
عقدت حاجبيها وهي تستدير إليه تُقطب جبينها، وكفها امتدت إليهِ لتُمسك بكفهِ برجاء : طيب رجع لي جوالي .. خلني اكلمه الله يخليك
عبدالله بانزعاجٍ لرجائها : إلين أنا ما أقصد تقييدك والسيطرة عليك .. أنا بس أبوك! والأب دايم يخاف على عياله ووده بمصلحتهم
نظرت إليه بتاثرٍ أهلكها، بأنفاسٍ اضطربت، وكلمة - أبوك - كانت أكبر من أن تحتملها، أكبر من أن تتجاوز أذنيها دون أن تُطبع في ذاكرتها. عيناها لمعتا بدمعٍ لا يريد النضوب ولن ينضب، لكن دمعها الآن لم يكن عن حُزن، لم يكُن عن ضيقٍ أو خيبة، دمعها الآن كان لفرحٍ نتَج عنه هو، عن مدى الحنانِ والعاطفة التي انبعثت من عينيه بصدقٍ أوجع قلبها، عن مدى ما رأته من حُب حقيقيٍ فقدتُه، لا لم تفقده، وكيف تفقده وهي لم تذقه من الأساس؟ والأحرى أن تقول عن حبٍ حقيقيٍ لم تذقه.
اقتربت منه دون شعورٍ لتضع رأسها في النهايَةِ على كتفها تبحث عن دفء جسده، ودمعٌ تجاوز جفنيها ليشقّ طريقه عبر وجنتيها، وبامتنان : شكرًا لك .. شكرًا لك يا يبة
,
جلست بجانبها على الأرضِ وهي تراها تبكي قهرًا وألمًا وخذلانًا، تضع كفها على بطنها وأنينٌ ينبعث من بين شفتيها مع نحيبها الباكي.
ام سيف بقلق : صار لك شيء؟ ضربك؟
هزّت رأسها بالنفي وهي تشهق ببكاء : لو إنه ضاربني والله ماكنت جلست ثانية وحدة معاه ... ممم آآه يابطني
ام سيف بقلق : لا يكون صار للولد شيء!
تقوست شفتاها وازداد نحيبها بخشيةٍ من هذه الفكرة : والله مابسامحه لو صار له شيء، والله ما بسامحه
مدّت ام سيف يداها لتُساعدها في النهوض، ثمّ تحركت وهي تسندها بينما ديما تتأوه لألمٍ حادٍ بعض الشيء أقلقها وأبكاها أكثر من بكائها لما فعله سيف بها.
وصلت للسرير لتستلقي، ووجهها يُحاكي في ألمهِ شحوبَ التائهين والمُعذَبين في السجون، ولأنها السجينة خلف قضبان سيف كان لابد منها أن تشعر بعذاب السياط التي تجلد جسدها بفعل يديه، كان لابد منها أن تتعذب ببطشه لها في كل ثانية.
تركتها ام سيف وهي تخرجُ مُسرعةً تنوي احضار هاتفها والإتصال بالطبيبةِ لتطمئن.
في تلك اللحظةِ كانت تغطي وجهها بكفيها تئن بألمٍ نفسي قبل أن يكون جسدي، ونفسها نضحت بالخيباتِ والخذلان منه. تُدرك جيدًا أنه إن أصاب جنينها شيءٌ في هذه الأثناء فستكرهه لا محالة.
إن الحزن والفرحَ يتعاقبان، تمامًا كما الليل والنهار، وأنا أعيشُ في شتاءٍ دائم، في أقصى كوكب الحب، في القطب الصقيعي، في نقطةٍ كان فيها ثقب الأوزون مُتسعًا فلم يحجب عني أيّ اشعاعاتٍ مضرةٍ والتي كانت هي كلماتكَ يا سيف. الأوزون هو حُبي لك، حبي الذي زُرع فيه فجوةٌ كانت أكبر من أن تمنعك من جحيم فمكِ وانبعاثِ أسهمك.
والشتاءُ في القطب الصقيعي طويل، شبه دائم، لذا كان حريًا أن نكونَ في ليلٍ دائم، في حُزنٍ يُغلفني أنا يا سيف، في حزنٍ وأفراحي مُعجزةٌ إن ظهرت في ذاك القطب الجليدي.
لمَ لم تكُن لي الفراء التي تُدفئني؟ لمَ لم تكُن لي الدفء الذي يحميني من جورِ الشتاءِ ورياح الجليد التي نخرت عظامي حتى الموت؟ لمَ لم تكُن لي الدواء يا سيف بل كنت الداء؟ ولمَ حلّلتُ عليكَ إيذائي إلى هذا الحد؟ أنتَ بكتيريا عجزت كرات الدمِ البيضاء من هزيمته، أنتَ بكتيريا تجري في دمي وتُرهقني حد البكاء، أنتَ سيفٌ وسأكررها مائةَ مرةٍ أو ألف، سيفٌ تحرر من غمدهِ ليفتك بقلبي.
جاءتها ام سيف بعد دقائق وهي تتحدث في الهاتف بتعثر : لا مافيه نزيف * نظرت لديما بقلق * ما ظني بنجيك الحين ، ليه هو فيه خطر؟
نظرت إليها ديما وهي تُسدل جفنيها ودموعها تغرق وجهها. لتبتسم ام سيف باهتزازٍ وهي تهتف : طيب .. مشكورة دكتورة ما قصرتي
أغلقت ثمّ اقتربت من ديما التي تساءلت بتألمٍ وقلق : إيش قالت؟
ام سيف بخفوت : إن شاء الله مافيه خطر انتِ بس ارتاحي اليوم ولا تسوين شيء يرهقك
ديما : يعني مافيه داعي نروح لها؟
ام سيف تهز رأسها بالنفي : كانت بس بتتطمن أكثر ... بس تقول إن شاء الله ما يكون فيه شيء، أي ضربك بسيطة بهالفترة ممكن تأذيه فخليك منتبهة أكثر
أصاب وجهها الوجوم وهي تمسح بكفها على بطنها، وشهقةٌ مُعذِبة انسابت من بين شفتيها، ثمّ أدارت ظهرها إلى أم سيف وهي تهمس بغصة : اتركيني بحالي خالتي
جلست بجانبها وهي تهمس : ما بطلع لين ما تقولين لي وش صار؟
ديما بقهرٍ دون أن تنظر إليها : صار إنه قاعد يقلل من احترامي
ام سيف تقطب جبينها باستغراب : لأنه جاب زياد؟
استدارت ديما إليها بقهرٍ تأججت ناره في عينيها : جابه لجناحي يا خالتي ... جابه لجناحي عشان يقهرني
ام سيف بحاجبين منعقدين : مين قال وده يقهرك؟ زياد كان بيجلس اليوم مع سيف عشان كذا بغى ينومه في الغرفة الثانية بالجناح
ديما بشراسة : كذاب كان يمديه يحطه بأي غرفة بالبيت
ام سيف : بس هو وده يكون قُربه
ديما : وقربي عشان يقهرني
ام سيف بخفوت : قاعدة ترهقين نفسك بظنونك
زمّت ديما شفتيها وعيناها برقتا بخيباتها، والإرهاق في الحقيقةِ لا يَتمثل الا به وبسببه هو وحده! . . من ذا الذي يستطيع مواجهةَ تيارٍ كتياره؟ من ذا الذي يستطيع هزيمة خيبةٍ تعتلي فؤادها بفعل يدِ من كان على الأرجحِ أن يكون نصفها الآخر والمُكمل لها؟ من ذا الذي يصبِر كما صبُرت؟ .. ثلاث سنين وأشهرٍ كانت فيها كالمعتكفِ عن السعادة الحتمية، كالغارقِ في يأسهِ حتى ملّ أن يطفو لينجو، كالذي سقط في حفرةٍ لا نهاية لها ولازال حتى الآن يصرخ هاويًا إلى دونِ قاع.
إن السعادة تتناثر مع نسماتِ الريح، مع أوراقِ الخريفِ مع حباتِ الرمال، مع دمعها الذي يطير إلى الأسفل لا الأعلى! مع نحيبها الذي سطعَ بألمِه على آذآنٍ كان من بينها أذنا سيف الذي تجاهل وفضّل أن يزيد جرعاته.
همست بخذلان : لو ماكان قصده يقهرني ... فهو أثبت إن احترامه لي معدوم لما جابه وأنا محرومة بفضله . . . ليش سوى فيني كذا يا خالتي؟؟!
تنهدت ام سيف وهي تُربت على كتفها، وبهمس : خلاص لا ترهقين نفسك ... عشان جنينك اللي انتظرتيه فترة ماهي قليلة
هزّت رأسها ودموعها تنسابُ بحريةٍ على وجنتيها، لتنهض أم سيف وترفع اللحاف تُغطيها به، ومن ثمّ خرجت.
,
السابعةُ ليلًا
خرجت من المطبخِ بخطواتٍ متفاوتة، ترتدي بيجاما طفوليةٍ وردية اللون رُسم على قماشها مجموعة دببةٍ بنيّةٍ صغيرة، شعرها انساب على كتفيها بعشوائيةٍ وفضوية، وفي كفِ يدها اليُسرى كانت تحمل صحنًا زجاحيًا حوى شوكلاه " النوتيلا "، وبين أنامل يدها الأخرى حملت ملعقةً صغيرة كانت تغمسها في النوتيلا لترفعها إلى فمها وتلعقها.
سمعت صوتَ رنين الجرس يتصاعد، فعبست بحدةٍ أكثر من عبوسها السابق، وعيناها تحكيان ضيقًا تحاول تفريغه بما في يدها.
مرّت ام فواز تتجه للباب الخارجي حين سمعت صوتَ رنين الجرس، وما إن لمحت شكل أسيل الفوضوي حتى توقفت تنظر إليها مُقطبةَ الجبين : أسيل! للحين بالبيجاما ما غيرتيها
أسيل بضيق : مالي خلق حتى عشان أدخل الحمام وأتحمم
هزّت أمها رأسها بالنفي وهي تهتف بضيقٍ من حالتها : أجل اجلسي لين تتعفنين * نظرت لما في يدها لتُردف * ونوتيلا بعد؟ لا شكلك وصلتِ أقصى حدود الإحباط
رفعت أسيل كتفيها ببرود ثمّ تجاوزتها لتتجه باتجاه الدرج وهي تغمس الملعقة في النوتيلا مجددًا، حينها رنّ الجرس من جديدٍ لتُسرع أمها باتجاه الباب وهي تتحلطم من حال ابنتها قبل أن يكون من تجاهل الخادمة للباب.
كانت أسيل قد صعدت الدرج وقدماها تقتربان من بابِ غرفتها، لكنّ صوت أمها أوقفها حين نادتها بصوتٍ عالٍ تلفظ باسمها : أسيـــل
استدارت أسيل بهدوءٍ ما إن سمعت اسمها وهي تعود باتجاه الدرج : نعم
كانت تمشي بخطواتٍ هادئة، وما إن وقفت أعلى الدرج حتى هتفت : وش فـ ....
قُطع حديثها بشهقةٍ وصلت أذني أمها كما أذني الواقف بجانبها، وعيناها تتسعان بصدمةٍ وهي ترى شاهين ينظر إليها، يقف بجوار أمها، يرمقُ شكلها وابتسامةٌ ظهرت على شفتيه رغمًا عنه، ليس لملامحها المصدومةِ بقدر ماهو لشكلها الطفولي المبعثر والشكولاه التي كانت تُغطي زاوية فمها ومناطقَ من شفتيها بشكلٍ مُغرٍ.
حركت شفتيها المغطاة بالنوتيلا بكلماتٍ دون صوت، كلماتٍ لم يستطع ترجمتها بعينيه، وجهها يحمرّ تدريجيًا وعيناها يُغلفهما الذهول، يغلفهما الإحراج والخجل الذي رأى في هذه اللحظاتِ أنه لا يليق إلا بأنثى اسمها - أسيل - ..... لااااااااا
زمّت شفتيها بعُنفٍ لتتوزع الشكولاة على سطحهما، تُغمض عينيها بقوةٍ قبل أن تتحرك تنوي الهروب، تريد أن تموت في هذه اللحظةِ المُحرجة، تُريد لو أنها تفقد وعيها ويراها ولا تراه.
لقد رآها بهذا الشكل! بهذا الشكل! بحماقةِ مظهرها، بقميص بيجامتها الذي كان " كت "، تُظهر مرمريةَ كتفيها، ببنطالها الذي كان ينتهي عند نصف ساقيها، حافيةُ القدمين وشعرها بالتأكيد كان أشعثًا بشعًا.
هتفت امها بصدمةٍ وصوتٍ عالٍ ما إن رأتها تهرب : أسيـــل! شقلة الأدب هذي وين رايحة؟؟؟
ضحكَ شاهين بقوةٍ لم يستطع كبحها وهو يراها تفرّ هاربة، ودون أن يستطيع منع نفسه واحترام وجود امها تحركَ بسرعةٍ خلفها وهو يهتف لام فواز : بطلع لها بنفسي
اتسعت عيناها لكنها لم ترد سوى بإيماءةٍ لم يرها شاهين في حين كان يهرول أمامها يُدير ظهره إليها.
دخلت أسيل غرفتها بسرعةٍ أمام مرأى عينيه، لم تنتبه له حين كان يلحق بها، ولم تنتبه له حين رأى باب غرفتها يُغلق أمام عينيه ليُميزه بكل سهولة من بين الغرف المحيطةِ بغرفتها.
أسندت ظهرها على الباب وهي تتنفس بسرعة، كفها لا تزال تُمسك بالصحن الذي يحوي النوتيلا البائسة، والملعقة ضاعت مع ضياعِ عقلها، ضاعت كما ضاع سكونها وبرودها في هذه اللحظات، سقطت كما سقط قلبها وهي تراه ينظر إليها ... بهذا الشكل المُزري!!
أسيل بقهرٍ ووجهها لازال يحتفظ باحمراره : الله ياخذ النوتيلا ... الله ياخذ النوتيلا ... الله لا يوفقك يـ ... ااااااه
شدّت عى أسنانها بقوةٍ وهي تطبق جفنيها على عينيها، وما إن ابتعدت عن الباب حتى دفعه شاهين بخفةٍ وهو يدخل باسمًا : شقلة الأدب هذي اللي تخليك تتركين زوجك وتهربين؟؟
.
.
.
انــتــهــى
إن شاء الله يكون بارت مُرضي
ما صدقت متى خلصته والنت لعب فيني :(
+ حبيت أطلب منكم طلب صغنون، بالنسبة للي تتابعني في تويتر وما تحب تعلق في المنتديات ... بيسرني تعليق ورأي بسيط في هاشتاق #رواية_كيد
ودي أشوف تفاعل معاي وأميّز قرائي أكثر، وأكيد بيسرني هالشيء
ودمتم بخير / كَيــدْ !
|