لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-10-16, 07:30 AM   المشاركة رقم: 946
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Sep 2010
العضوية: 190192
المشاركات: 620
الجنس أنثى
معدل التقييم: أبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 748

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أبها غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

سلمت يمناكِ كيد ..

جزء شد الأعصاب .. من بداية فقرة غيداء وأنا متوترة
أسابق الاسطر أبي أشوف نهاية الموقف المرعب ..😓
الله يحمي بناتنا و شبابنا عن الحرام ..

أجدتِ يا كيد في توضيح دور الأسرة والأم خصوصاً في
أهمية متابعة بناتهم وملاحظة التغيرات التي تطرأ عليهم وأهمية
التقارب بينهم وفهم مشكلاتهم ..
غيداء ذات معدن طيب وأصيل وتربية .. لم أشك يوما أنها سترجع
إلى جادة الصواب وخاصة وهي تملك أم وأخ متفهمين ..
والحمدلله أن الأمور لم تتطور إلى الأسوء ..

كل الشكر والتقدير المبدعة كيد .
🍃🌸🍃

 
 

 

عرض البوم صور أبها  
قديم 16-10-16, 05:43 PM   المشاركة رقم: 947
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئ مميز


البيانات
التسجيل: Jun 2010
العضوية: 174082
المشاركات: 4,029
الجنس ذكر
معدل التقييم: fadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسي
نقاط التقييم: 4492

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
fadi azar غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

مسكينة غزلسيعاقبها سلطان اكثر وسيقتنع انها مليئة بالشر

 
 

 

عرض البوم صور fadi azar  
قديم 20-10-16, 09:16 PM   المشاركة رقم: 948
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضـا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافيـة


شكرًا لتواجدكم، شكرًا لكلماتكم الطيبة سواءً بالمتصفح أو خارجه، شكرًا للروايـة اللي جمعتنا .. إن شاء الله أكون دائمًا عند حسن ظنكم والله يكتب لي التوفيق والوصول للنهاية بسلام ويجعل هذهِ الرواية شاهدة لي لا علي :$$ ،


بسم الله نبدأ ، قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات


(83)*1




" متأكدين من كونه رجَع .. مافيه شك من هالموضوع "
عقدَ حاجبيهِ من خلفِ البابِ الذي كان يقفُ عندهُ وقدْ شدّهُ اسـم " متعب "، ينبعِثُ صوتُ سـالمْ بحدِيثه الذي يهدأ تارةً، ويحتدُّ تارةً أخـرى كالآن وبعدَ ثلاثِ ثوانٍ من الصمتِ من خلفِ جملته تلك : وبعدين مع هالكلام! .. ترى كل اللي أنت فيه من قبله أحمـد ، ماهو أنـا .. هو اللي فتّح العيون من سنين ... متعب مو مقيـاس على مين الغلطـان بيننا، بطّل تكرر هالكلام على راسي.
صمتَ قليلًا وهو يزفـر بصبْر، مرّت لحظـاتٌ قليلـةٌ على صمتِه حتى لفظَ أخيرًا : بلاقيـه ، بوقتها ما راح يحدنِي شيء على موته ، هالمرة بقتله بيديني أنا وأتأكد إنّه انتهى.

اتّسعت عينـا سندْ من الجهـةِ الأخـرى، متعب! .. يتحدّثون عن متعب!! أخُو شاهين بعينيهِ أم مجرّد تشابهِ أسماء! زمّ شفتيه وهو يبتعدُ عن البـابِ أخيرًا بعدَ أن سمعَ صوتَ سالِم يودّع الطـرف الآخر، كـاد أن يبتعد، إلا أنه تراجـع عن قراره، واقتربَ أكثر من البـاب، طرقَه دون تردّدٍ ليصله صوتُ سالِم الذي كان لا يزال محتدًا : ادخـل.
فتحَ سند البـاب ليدخـل، ابتسمَ سالم على مضضٍ ما إن رآه وهو يلفظ : تفضل اجلس .. وش عندك؟
سند بهدوءٍ اقتربَ حتى جلسَ على الكرسيّ الذي كـان أمام مكتبِه، وبنبرةٍ ثابتة : آسف .. سمعتك بالغلط وقت ما كنت واقف ورى الباب عشان أدخـل.
اتّسعت عينـا سالمْ متفاجئًا في بادِئ الأمـر، إلا أنه سرعـان ما ابتسـم ابتسامةً حادّةً خطـرة ، ومن ثمّ هتفَ بصوتٍ بارد : تتجسّس؟
سند يهزّ رأسه بالنفي : لا .. بس أعترف لك شدّني اسـم متعب.
تصلّب سالِم الذي كـان جالسًا وهو يوسّع عينيه دون فهم، وبتساؤلٍ هادئ : ليه شدّك؟
سندْ بشك : أنت كنت تقصد متعب محمد نفسه؟
هذهِ المرّة وقفَ سالـم بانشداهٍ وهو يسندُ كفّيه على سطحِ المكتب، وبخفوتٍ لفظ : أفهـم من سؤالك عنه إنك تعرف شيء حديث ومهم وإلا مجرد أمور قديمة مالها معنى!
سند يبتسم : ليه اخترتني؟ أتوقع تدري إنّ أخوه عدوِّي .. اختيارك لي عشان أشتغل معكم ومعرفتي الحين إنّ فيه لكم علاقة مع متعب تخليني أشك بالوضع.
سالم يتراجـع للخلفِ كيْ يسندَ ظهرهُ على الكرسيّ المكتبي وهو يبتسِم : لا تعتبر هذا سبب أساسي .. قول اللي عندك.
سند : أدري إنّه حـي.
اتّسعت ابتسـامة سالِم أكثر وأكثر : حلو ... حلو مرّة .. يعنِي تدري بأشيـاء أكثر ... قولها عشان ما أشك فيك.
سند بثقة : هذا كل اللي أعرفـه ... بس اللي ممكن أفيدك فيه إنّه قبل فترة جانِي أخوه شاهين يسألني عنّه .. وكان سؤاله يقول إنّه شاك بحقيقة كونه عايش.
ظلّ سالِم صامتًا للحظـةٍ وهو ينظُر لسطحِ المكتبِ بتفكير، يبتسِم ، ولابتسامتِه حكاياتُ مكـرٍ وشرْ . . وقفَ بعدَ لحظـاتٍ وضحكةٌ تنفلتُ من بين شفتيه قبل أن يرفعَ عينيه إلى سند وهو يلفظُ بنشوة : كنت شاك عالعموم وأنت أكدت لي .. انتظر مُكافئتك . .

*

اتّسعت بسمتـهُ وهو يقفُ أمـامهُ بكلّ ثقـة، يردُّ نظراتهُ الحاقـدةَ بأخـرى ماكِرة .. مرّر شاهين لسانـه على شفتيه، ومن ثمّ هتفَ بصوتٍ جامِد : اكلمك بعدين.
كـادَ يُنهِي مكالمته مع متعب إلا أن صوتَ سندْ جـاءَ بسرعةٍ يسبقه : تكلم متعب؟ ممكن تخليني أكلمه وأتحمّد له بالسلامة؟!!
اتّسعت عينـا شاهين بصدمـة، إلا أنه وبسرعةٍ كـان يُغلـق الهاتِف قبل أن يجيء ردّ متعب الذي يكـادُ يجزم بأنه سمِع حديثه، نظـر لسند بحدّة، ما الذي يفهمه ممّا قالـه؟ لا يعتقِد أنّه استطـاع استنتاجَ عودتِه في آخـر مرةٍ التقيـا فيها؟ إذن ما علاقتـه بالأمر!!!
رغـم أنّ فكرَه تشوّش لكنّه لم يسمَح بأن يشردَ طويلًا أمامه، رفـع عينيهِ إليه بثقةٍ وهو يهتفُ بصوتٍ ثابِت : محشوم متعب من صوتك ... ولو إنّي ما أدري ليش استنتجت إنّه هو بشكل خاص! وأيش قصدك من أتحمّد له بالسلامة !!
غمزَ سندْ بمكرٍ وهو يفهـم جيدًا ما معنـى أسئلته تلك وهدفـه الذي لم يكُن سوى تضييعه من الفكرة الخطيرة " أنّه يتواصَل مع متعب "، لم يكُن يريد أن يثبتَ أن متعب عاد وهو قريبٌ جدًا منه .. يأخذ حذره منه بما أنه لا يثق بِه ! .. هتفَ بنبرةٍ خبيثة : علينـا دكتور شاهين؟ أنـا شبـه واثِق إنّ سؤالك ذاك اليوم عن متعب ما جـاء من فراغ، كـان راجـع وطالـع لك مثل الشبح عشان كذا كنت تبي تتأكد مني؟
استشعرَ شاهين الخطرَ من صوتِه ونظراتِه .. اتّسعت عيناه قليلًا بشكّ، هل لهُ يدٌ فيهم؟ فيمن آذوا متعب؟ لا معنـى للريبـة التي يستشعرها تجاه صوتِه ونظراتهِ إلا هذا ، أنّ لهُ يدًا معهم !!
رغـم أنّه شعـر في ذاك الوقتِ برغبـةٍ في ضربهِ إلا أنه ابتسمَ ببرودٍ تصنّعه ومن وراءِ ابتسامتِه تلك نيرانٌ اندلعَت تريد أن تؤذيه كما فعلوا بمتعب، وبجمود : طالع مثل الشبح؟ هالكلمـة ما تنقـال عن متعب يا حبيبي ... قول طالع مثل حياة ثانية ! كذا أنت تحط كل شخص بمكانه الصحيح ..
سند يضحكُ بعبث : طيب ممكن أعرف مكاني أنا وين دام الدقّة لي؟
شاهين باحتقـار : بجهنم إن شاء الله.
سند : هههههههههههههههههههههههه أفا !!
شاهين يتحرّك مبتعدًا قبل أن يقتلـه بشكلٍ فعلي، لكنّ سندْ كـان قد تبعهُ بعجلٍ وهو يلفظُ بضحكـة : لحظـة .. بنعطيه قرصـة أذن بسيطة.
استدار شاهين باستهجانٍ وعينيهِ تلتمعـانِ بشرر : نعــــم !!
سند : هذي للتحيّة بس.
لم يكَد يستوعب بردّةِ فعلٍ دفاعيـةٍ حتى كـانت يدهُ التي امتدّت إليه أسرعَ وهي تحمـل جهازًا أدرك أنها " صاعقٌ كهربائي " .. أصابته في صدرِه قبل أن يرتدّ للخلفِ ويبتعد، تشنّج جسدهُ وعضلاته في لحظـةِ ذهول، بينما ابتعدَ سند للخلفِ وارتفعَت قبضـةُ يدهِ اليُمنـى لتتّجه لصدرِه مباشـرةً وتصيبَ أضـلاعهُ بقوّة أدرك معها أنه كان يرتدِي شيئًا صلبًا جعل قوّةَ قبضته كافيَةً لتحطِيم أضلاعـه ... جلسَ شاهين على ركبتيه وهو يضعُ كفيه على صدرِه ويسعلَ متقيّئًا دماءه .. اختنـاقٌ حبَس القدرةَ على التنفّس فيه، انحنَى إلى الأرضِ وهو يريد أن ينهضَ إليه ويردَّ ضربته التي غدرهُ فيها لكنّه لم يستطِع .. بينما ابتسمَ سندْ بنشوةٍ وهو يتراجـع ببرودٍ للخلف ... هاتفًا بصوتٍ مستخف : لنا لقـاء ثانـي ... هذا قرصـة أذن بس ... وأنصحك ما تقول اسمي لأحد ، عشان سلامة متعب بس.


،


عمّ الصمتُ في البقيّة البـاقيـةِ من مسـافةِ الوصول، كان حديثًا سريعًا ما قُرِئ من عيونه وما لُفظَ من حرارةِ غضبـه، انتهزَ ثانيـةً فقطْ استطـاع فيها أن يرسـل إلى عقلـها وعيدهُ لهـا تجاه ما تسبّبت بِه، تجـاه الضيـاع الذي كـانت ستساعدهُ ليتشبّث في حيـاةِ غيداء، أو على الأحـرى صارَ يُلامسـها وإن لم يُمسكْ بها بشكلٍ كليّ.
أغمضَت عينيها بعدَ أن وصَلت رسـالتهُ الصقيعيّة إليها، ورغـم أنّ اضطرابها تضاعفَ إلا أنّها هدأتهُ قسرًا، لن تهتمّ كثيرًا لغضبـه، لن تهتمّ كثيـرًا لكرهه لها أكثـر، لن تهتـم لكونِها تكْذِب على نفسها الآن !!
أغمضَت عينيها وهي تقاومُ العبراتِ التي تدافعَت إلى حنجرتها وبنَت فيهِ سدًّا من خـرابٍ مسّ انتظـام أنفاسِها . . دقـائقُ لم تكُن طويلـةً جدًّا حتى وصلوا ، أوقفَ السيّارةَ في اللحظـةِ التي كـانت فيها غيداء تنظر لحجرها منذُ زمـنِ الاعتذَارِ الذي جـاءها من غزل، من بعدِه وهي تتوهُ في ضياعِها أكثر! تتعمّقُ في أفكـارها التي أحالتـها لبؤسٍ أكبـر، تشعُر أنها تريد الذهـاب إلى أمّها كي تعتذِر منها لكنّها في الوقتِ ذاتِه لا تريدُها أن تعلـم بما حدَث، لا تريد أن ترى في عينيها العتَب، كمـا أنّها تخشـى رؤيتها بعدَ التمرّد الذي كـان فيها وبعدَ الكمّ الكبيرِ من التمادِي معها . . ويبقَى سؤالٌ واحِدٌ رغـم أنّها تنفي الإجابـة فيه بـ " نعم " لكنّه يزعزعُ طمأنينتها مهما حاولت : هل يحتقرون كونها ابنتهم بالفعـل كما قالت سارة؟ هل ما حدَث لها سابقًا دافـعٌ كيْ تُبنـى بينها وبينهم أسوارٌ من البُعـد؟
رفعَت رأسها حين شعرَت بكفِّ غزلْ تمسكُ كفّها التي كانت تستقر في حُجرها، وبصوتٍ حنونٍ هتفَت : وصلنا غدو .. انزلي.
نظـرت لها غيداء في بادِئ الأمـر بضيـاع، إلا أنها رمشَت بعينيها مرارًا ومن ثمّ أومأت كي تستدير إلى البـاب وتفتحه كيْ تنزِل .. تردّدت غزل قليلًا قبل أن تمدّ يدها لبابِها في اللحظـةِ التي كانت تسمعُ فيها صوت بابِ غيداءْ يُغلـق، تنفّست بحشرجة، ومن ثمّ وجهت نظراتها نحو سلطـان الذي نظـر إليها وابتسمَ بسخرية : انزلـي .. في النهاية محتـاج إنّك تكونين معها دامك بنت مثلها وممكن تحتاجك.
ابتلعَت ريقها بارتباك، أشاحَت عينيها عنه وهي تلفظُ بخفوت : بس الليلـة ، رجّعني قبل الفجـر.
سلطـان باستخفاف : يصير خير.
زمّت شفتيها وهي تمدّ يدها أخيرًا للبـابِ وتفتحه لتنزل، بينما قـام سلطـان بالمثـل، وقتذاك كـانت غيداءْ تقفُ عند بابِه بارتبـاكٍ وهي تعانِق عضدَها الأيسـر وتنظُر للأرض .. ابتسـم سلطـان بعطفٍ وهو يقتربُ منها، وقفَ بجانِبها ليمرّر يدهُ اليسرى من خلفِ ظهرها إلى كتفها الأيسر ويمسك بهِ بكفٍّ دافئة، بينما يدهُ اليُمنـى كانت قد عانقَت كتفها الأيمـن وصوتهُ يخترقُ مسامعها بخفوتٍ حنون : ليه أحسّ إنك خايفة مني؟
غصّت بشهقـةِ بكاءٍ سرعـان ما انسابَت من حنجرتها بعد أن غصّت فيها، عضّت شفتَها السُفلـى تكتُم بكاءها، لكنّها لم تستطِع وبدأت بالأنينِ من جديدٍ ليجذبها سلطـان إلى صدرهِ وهو يهمسُ لها بحنان : تعالي.
تحرّك وهو يشدُّ على كتفيها، اتّجه للبـاب، بينما تابعتهُ غـزل بعينينِ بائستين، شعرَت باختلاجاتٍ عنيفةٍ في صدرِها، ابتلعَت المرارةَ التي غصّت بها، ومن ثمّ تحركتْ من خلفِهما وهي تشعُر أنّ جسدها يتشنّجُ وإبرٌ تغزو مساماتِها وتخزُها.

بعدَ دخولِه اتّجـه مباشـرةً بها نحو الصـالة، التقـى بسالِي في طريقه والتي كانت قد عقدَت حاجبيها ما إن رأته ومعه غيداء، لم تنتبه لغـزل التي كـانت على بعدِ خطواتٍ منهم .. نظـر سلطـان إليها بحزمٍ ليلفظْ : جهزّي وحدة من الغرف.
أومأت ببلاهـةٍ ومن ثمّ تحرّكت كي تذهبَ للأعلـى إلا أنها تجمّدت فجأةً وهي ترى غزلْ التي ابتسمَت لها ببهوت. سالي باستنكـار : ماما غزل !!
سلطـان يلتفِتُ إليها بحدّة : استعجلي سالي، اتركيك من غزل الحين.
ارتبكت سالي لتومئ برأسها ومن ثمّ تحركت نحو الدرج كي تصعَد وتجهّز إحدى الغرف، بينما جلَس سلطـان على الأريكةِ وبجانِبه غيداء التي كـانت تبكِي بخفوتٍ مختنـق، مسحَ على رأسها وهو يضمّها إلى صدرِه، وبحنان : مع إنّي معصب منك بس تهزمني دموعك .. تعرفين شلون تلعبين بمزاجِي.
لم تردّ عليه بل بكتْ بصوتٍ أعلـى وكأنها كانت في تلك اللحظـةِ تشعُر بذنبٍ عميقٍ من نفسِها ومن تهوّرها وسذاجتها .. فتحَ نقابها ليرميهِ بجانِبها ومن ثمّ أرخـى من طرحتها وهو يلفظُ بهدوء : ما أبـي أحاسبك وأنتِ بهالحالة ولا تظنين إنّي بسكت لو بكيتي ... اسكتي عشان أهاوشك وما أحس بالذنب.
غيداء باختنـاق : آسفـــة ..
ابتسم : اعتذرِي لنفسك مو لـي ، أنا ماني زعـلان منّك ، زعلان عليك عاد هالزعـل خاصَةً كايد ، شلون بتراضيني الحين؟
ابتعدَت عنه قليلًا لترفعَ وجهها المنتفـخ إلى وجهه، كـانت عينيها قد انتفختـا من بكائِها، شفتيها ترتعشـانِ وصوتُها مبحوحٌ غـادرهُ الوضوحُ من عبراتِها : أنا غبيّة .. ولو إنّه صـار شيء أستاهل .. من البداية ما كنت أسمع كلام ماما وأعاندها . .
سلطـان بحزم : لا تقولين هالكلام .. وش أستاهل وما أستاهل هذي !! امسحي دموعك وبسّك بكا .. بخلّي سالي تحضّر لك شيء تاكلينه الحين وبعدين نتفاهم زين .. بعرف شلون بالضبط عرفتيها ومن متى وليش محد حدّك لهاليوم.
لم تقُل شيئًا وهي تتراجـع للخلفِ بعدَ أن نهضْ، دمعٌ كثيفٌ يغطّي عينيها ويشوّش انحناءَ حدقتيها، رفعَت يدها كي تمسحَ دموعها، شهقةٌ انسلّت من صدرِها دون أن تستطِيع حتى الآن أن تتحكم بشهقاتِها، زفـر سلطـان وهو يقفُ أمامها مباشرةً ليمدَّ كفيه ويحيطَ وجهها، بدأ بمسحِ دموعها بإبهاميه وهو يهمسُ لها بحزمٍ رقيق : يكفي بكاء .. وإذا خايفة منّي أو من امي أو حتى عنـاد فمافيه داعـي لهالخوف ، تدرين إنّنا نحبك ومستحيل نقسي من باب القسوة. . . عيونك الحلوة ما تناسبها الدموع ، ابتسمي أشوف.
حاولَت أن تبتسِم، ولم تستطِع سوى أن تميل بفمها قليلًا ليبتسمَ سلطـان بالمقابلِ ويقبّل جبينها بحنان، في حينِ وقفَت غزل على مقربةٍ منهما، تراقبُ حنـانه الذي اشتاقته والذي فقدته في ظلِّ الأيـامِ السابقـة، رغـم حسرتها في فقدِه ابتسمَت، رغـم الحُزنِ في صدرِها ابتسمَت، رغـم كلّ الأوجـاع كانت تبتسِمُ لأجلِ غيداء، وتغبطُها في اللحظـةِ ذاتها، تبتسِم .. لأجلها، وتمتّعًا بحنانِه وكأنها تتذوّقه بنفسِها.
تراجَعت عنهما لتخرج، اتّجهت للمطبَخِ كيْ تحضّر شيئًا لتأكله غيداء، لم تكُن لتتهوّر في الطبـخ لذا استقرَت على دهن التوست بالجبنـة، وقهوةٌ جاهـزةٌ أضافت لها الماءَ والسكّر .. شغّلت الغلايـة الكهربائيّة ووضعَت الكوبَ بجانِبها تنتظرُ غليان المـاء، وبجانِب الكوب صحنٌ يحمـل شريحتيْ التوست المحمّصة والمدهونة بالجُبن.
أسندَت مرفقيها على الرخـامِ وهي تتنهّد، كيف اعتلَت خيبتها أكثر؟ كيفَ عادَت في غمضـةِ عينِ إلى هنـا، تشتمُّ من الجدرانِ رائحتـه، وتسمـع من الزوايـا حفيفَ أنفاسِه، كيفَ عادَت إليه وكأنه الهُدى؟ ولأنه الهدى ، هو فعلًا طريقْ، كيفَ يُهدى الضـلالُ بذاتِه إليه؟ .. عضّت شفتها وهي ترفـع عينيها إلى المـاءِ الذي كـان يرتفـع في غليـانه، تتابـعهُ وصورةٌ مشوّشـةٌ لها تنعكـس، ومن خلفِها .. سُلطـان! .. استقرّ المـاءُ أخيرًا وهدأ ثورانُه، ابتلعَت ريقها بصعوبـة، لم تلتفِت إليه وهي تحمل الغلّاية، تتجاهـل رائحتـه العنيفة التي استشعرتها هذهِ المرّة بقوّةٍ بعد أن فقدَت الشعور بها في سيّارته، يدغدغُ حاسّة الشمّ ويعنّفها، تنسـى كل الروائح عدا حضوره القاسِي على قلبها، القاسـي واللذيذ في ذاتِ اللحظة ! . . صبّت من المـاءِ في الكوبِ بينما كان سلطـان يقتربُ منها بصمتٍ وهدوءٍ حتى وقفَ خلفها، ارتعشَت أصابعها حتى كـادت تُسقطُ الكوب والغلّاية معه، أخفضَت رأسها، كـانت لا تزالُ ترتدِي عباءتها، خلعَت طرحتها ونقابها وحسب بينما عباءتها تغطّي جسدها الذي اعتنَت في إبرازِ فتنتِه اليومَ كنوعٍ من التغيير .. كتّف سلطـان ذراعيه إلى صدرِه وهو يرمقها ببرود، راقبَ أصابعها المضطربة بوضوحٍ رغـم أنها كانت تشدُّ على مقبضِ الغلاية كي تسترُ اضطرابها، بيـاضُ طـلاء الأظـافر انعكـس بجاذبيّة على بشرتها السمراء .. وضعَت الغلاية في مكانها، ومن ثمّ تحركت للخلفِ قيد أنملةٍ وعادَت لتقف بتوتّر، يقفُ قريبًا منها جدًا لذا توقّفت بخوفٍ من الالتصـاق بِه .. لفظَت بخفوتٍ حاولت أن تجعَل نبرتها فيها ثابتةً لا تُظهر وهنها بقربه : ممكن تبعد شوي؟!
ابتسمَ سلطـان ابتسامةً باردةً وهو يتراجـع للخلف، تنهّدت براحـة، كـانت تشعر أنها في سباقِ مارثون من الإرهاقِ الذي هزّ جسدها، قُربه ليسَ عاديًا، قُربه يستفزُّ كل معالِم الجمودِ ويحوّلها إلى ذرّاتٍ تتناثـر مبتعدَةً عن قلبِها، يُرعِشها مهما حاولت الصلابة.
حملَت الكوب، لم تكَد تمدُّ يدها للصحنِ الذي كان يحمل التوست حتى وصلها صوته الهادِئ هدوءً مُرعبًا! : وش مسوّية لها؟
ابتلعَت ريقها بصعوبةٍ وهي تشتّتُ عينيها، وبنبرةٍ واهِنة : ولا شيء ... كوفي جاهز وتوست.
سلطان : همممم حلو .. ما ودّي تذوّقينها مرارة أكلك بعد ما ذوّقتيها مرارة قناعاتك.
أغمَضت عينيها بقوّة، جــاءَ وقتُ الحسـاب منه سريعًا، سريعًا لم تتمكّن حتى من استيعابِ كونها تكلّمت بكل جرأةٍ أمامه. هتفتْ بنبرةٍ متشنّجةٍ وهي تشدُّ بقوةٍ على عينيها : ما كنت أقصد أضرها.
سلطـان : قناعاتك بكبرها ضرر. وش اللي قلتيه لها بالضبط عشان تتعرف عليها وتصير قريبة منها؟
لم ترد، بل صمتت وهي تشدُّ على الكوبِ بقوّةٍ وصدرها يرتفعُ ويهبطُ بشدّةِ توتّرها. تصلّبت ملامِحه أكثر وقسَت عيناه وهو يكرّر بصوتٍ يخفتُ بقسوة : الجرأة اللي خلّتك تحكِين قدامي بالسيارة وين راحت عنك الحين؟ ورّيني غزل القويّة اللي تتصنّعينها.
فتحَت عينيها قليلًا، كـانت أجفانُها مُسدلةٌ كستارٍ أسودَ لا حولَ لهُ ولا قوّةَ إلا السقوطُ والارتفـاع معلنًا بداياتِ خيبة دون الانتهاء! لا ينسدِل كنايـةً عن انتهاءِ مسرحّيتها، بل ينسدِل مضاعفًا لها.
استدارَت بهدوءٍ كـان في الحقيقةِ صعوبةً في حركتِها، نظرتْ لملامِحه وأجفانها لا تزالُ متهدّلة بتلك الطريقة الخائبة، زمّت شفتيها بألمٍ قبل أن تهمسَ بصوتٍ خافِت : كونِي حرّة، لا تخضعين لأحد.
رفـع ذقنـه بغضب، ضيّق عينيهِ بحّدةٍ وهو يسمعها تُتـابعُ ببحةِ حُزن : ألـزم ما عليك حريّتك .. لا تهتمين لكلام أخوك المعقّد ..هو يبي يضيّق عليك وبس! ... استانسي.
شدّ على أسنـانه وفي لحظـةٍ خاطفـةٍ اقتربَ منها وهو يزفُر زفـرةً أقرب لزمجرةِ أسدٍ غاضِب، انتفضَت بقوّةٍ بعدَ اقترابِه المُرعبِ ذاك، ومن فرطِ الانتفاضةِ التي هزّتها كـان صوتها يعتلِي بصرخةٍ مذعورةٍ مع كفّها التي اهتزّت وتنـاثرَ نصفُ القهوةِ بلسعتِها الحارةِ على يدِها وبطنِها.
أمسكَ سلطـان بكفّها التي احترقَت بقوّة، شدّها إليهِ بغضب ليهتفَ بنبرةٍ حادّةٍ غاضبـة امتزجَت مع صوتِ تحطّم الكوبِ وتنـاثره على الأرضِ شظـايا : حريّة؟ حريـــة؟!! أيّ حريّة هذي؟ أي ضرر تبينها توصل له! تبينها تصير مثلك؟ وحدة بدون شرف !! هذا اللي تبينه هاه! هذا اللي تبينه يوم إنّك حثّيتيها على قناعاتك الحقيرة!!
عضّت شفتها بألمٍ من يدِه التي تكـادُ تحطّم معصمها وقبلها الحرارة التي ابتلعَت جلدَها بهيمنةٍ مؤلمـة، لم تتأوّه، حكـى عنها صراخها الأوّل ملخصًا آلامها الجسديّة والنفسيّة، تركَ سلطـان يدها بغضبٍ وهو يتراجعُ للخلفِ ويلفظُ بصوتٍ مشدودٍ وغاضب : منتِ أحرص عليها من عنـاد ومنّي .. بأي وجه رحتِ تنصحينها وأنتِ فاقدة كلْ شيء يدل على شرفك وأخلاقك! بأي وجه رحتِ لها؟ بــأي وجه وجّهتيها للخراب؟!!!
أخفضَت وجهها وهي تُغمـض عينيها بقوّة ، تحتـرق ، تحتــرق ، ليسَ احتراقًا من لسعـةِ سائلٍ ملتهبٍ بحجمِ ما كـان احتراقها براكينَ تثورُ في قلبها ... آلام الجسدِ تسقُط يا الله أمام ألـمِ قلبي، تسقُط! .. ما الذي يشرحُ مقدارَ احتراقِي؟ ما الذي يشرحُ ترمّدِي بعدَ أن أصبحتُ غابةً خضـراءَ في عينيه؟ هل أسمّي ما يعتري لحظـاتي – سوء منقلب -؟ وأنا التي كُنت بعيدةً عنك يا الله والآن أدركت طريقَ الهدى، وخسرته من الجهةِ الأخرى! فهل ما أصابني سوءٌ منقلب! أم أنّ الدنيا بدناءتها لا نحصـل فيها على كلّ ماهو خيـر .. وهو خير، أثقُ يا الله أنّه خيرٌ وخسرته.
فتحَت عينيها بقوّةٍ ما إن سمعَت صوتًا مبهوتًا غير صوتِ سلطـان حضر، كـانت غيداء التي دخَلت للمطبـخِ مذعورةً من صراخ غزل وصوتِ تحطّم الكوب : وش صــار !!!
فتحَت غزل عينيها، بينما استدارَ سلطـان نحو غيداء بوجهه المتصلّب والذي يشرحُ تمامًا كيفَ هو مزاجُه الآن، أفرجت غيداء شفتيها وهي تنظُر لوجه سلطـان بارتبـاكٍ تحاول فهم سبب هذهِ الملامِح التي ابتسمَت لها إلا أن ابتسامتها لم تُخفِي غضبها، وقبل أن ينطُق شيئًا سبقته غزل بصوتٍ واهنٍ وهي تنخفضُ للأرضِ كي تحملَ أجزاءَ الكوبِ المكسور : ما صار شيء ، الكوب طاح من يدّي بس وأنا انخرشت ... هذا اللي صار.
غيداء تنظُر لها بخوف : احترقتي؟
غزل بصوتٍ باهتٍ مغمور، وباختنـاقٍ لا تدري لمَ أصابَ صوتها فجأة : لا ، روحي اجلسـي على ما أجيب لك شيء تاكلينه.
فتحَت غيداء فمها كي تعترض، لكنّ حالتها النفسيّة كانت سيئةً تحتـاج أن يكون أحدًا بجانِبها، لا تنكـر أنها جائعة، ولا تنكـر أنها تريد الراحـة ، وأن تنـام أيضًا. لذا أومأت بصمتٍ ومن ثمّ ابتعدَت لتعودَ حيثُ كانت تجلس، قلبها لازال خائفًا، لكنّها تحاول أن تُخفِي خوفها، وتجلسَ وحدها.
جمعَت غزل الأجزاء المكسورة، رمتها في حاويـةِ القمامـة ومن ثمّ اتّجهت للخزانـةِ لتُخرجَ ظرفًا آخر تصنع بهِ قهوةً عوضًا عن القهوةِ التي ذهبَت أدراجَ السقوط، لم تحتَج أن تعيدَ تسخينَ المـاء، أضافت السكّر سريعًا من ثمّ أخذَت الصحنَ وتجاوزَت سلطـان الذي كـان قد استدارَ إليها بعدَ خروجِ غيداء وظلّ يراقبها بنظراتٍ غريبـة ... خرجَت من المطبـخ، وقلبها ينبِضُ بجنون .... لمَ كان صامتًا بعدَ خروجِ غيداء! ما سببُ هدوئه!!


يُتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 20-10-16, 09:19 PM   المشاركة رقم: 949
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 






،


تصلّبت حواسُها وعينيها التمعتـا بكُرهٍ واحتقـار، تراجعَت للخلفِ بتلقائيّة، رغبـةٌ في صفعـه أرعشَت كفّها، رغبـةٌ في تمزيقِ ابتسامتهِ الحقيـرة ..نظـراتها كـانت كالحممِ التي انسكبَت إلى عينيهِ مباشـرة، لم تحرقـه بل ضاعفَت متعته، ابتسَم أكثـر وهو يقتربُ منها .. ارتبكَت قليلًا، تدرك أنّه لن يتجرّأ على شيءٍ في هذا المكـان، وفي طريقه إليها لن يستهدفَ إلا شيئًا واحدًا، أو شخصًا واحدًا !!
زمّت شفتيها زهي تستديرُ وتعودُ لوالدها الذي لم ينتبِه بعدُ على تميمْ، وقفَت أرجوان بجانِبه، أحاطَت عضده بكفّيها بتشنّجٍ ليُدير رأسه إليها مباشرةً باستنكـار بعد أن دفـع حسابهما . . هتفت بصوتٍ راجِي ونبرةٍ خافتـةٍ أصابها الوهن : خلنا نرجـع بسرعة .. لا توقف أكثر ... أحس إنّي تعبانة شوي.
عقدَ حاجبيه مباشـرةً وبحركةٍ خاطفـةٍ كـانت يدهُ تُمسكُ إحدى كفيها وصوتهُ يلفظُ بقلقٍ عنيف : وش تحسين فيه؟
ابتسمَت أرجوان باهتزاز : لا تحاتِي بس أحس بشوية دوخـة ...يلا نرجع.
لم تكُن تريده أن توقّف، تحتَ أيّ ظـرف، لم تكُن تريده أن يوقفهُ ويحادِثه، يُخادِعه أكثر، يتمـادى ... يتمـادى كثيرًا في خداعِه لوالدها !!
تحرّك يوسفْ بقلقٍ مباشـرةً وهو يُمسكُ كتفيها ويسندها إليه، لم يكُن جسدها متداعيًا بل كـان يُسندها بشكلٍ تلقائيٍّ خوفًا عليها. لفظَ بصوتٍ قلق : كنتِ بخير وش صار؟
أرجوان تبتسمُ بشحوبٍ حقيقيّ، رؤيتها لهُ والتفكـير فيما يريد بوالدها يجعلها تستشعر التعب والإرهـاق فعليًا ، لفظَت بابتسامةٍ ناعمـة : وأنا للحين بخير .. قلت لك بس إرهاق بسيط ودوخة.
سقطَت عينـا يوسف على تميمْ الذي كـان قد وقفَ قريبًا يُتـابعُ تلك التمثيليّة بملامِح باردة، لم يهتمّ يوسفْ لرؤيته، بل أعـاد نظراته بشكلٍ تلقائيٍّ إليها وهو يلفظ : ما عليه حبيبتي .. بس ترتاحين وتكونين بخير.
أرجوان وابتسامتها تتّسع : إن شاء الله ...
خرجـا من المطعمِ وهذه المرّة كـان تميمْ بعيدًا لم يقدِم على الاقترابِ بعدَ رؤيتهِ لتلك التمثيليّة التي ستمنعه بالتأكيد من محاولة القُرب. ابتسَم بسخريةٍ هو يهز رأسـه : تستحق أحطها براسي ... مو مشكلة دامها تتذاكى علي !



،


جلـس في سيّارتهِ وهو يسعـل بقوّة ليتضـاعفَ ألـم صدرِه أضعاف، أغمـض عينيهِ بقوّة، يُغلـق البـابَ الذي ترافـق صوتُ إغلاقِه مع رنينِ هاتِفه، يصدحُ بإصرارٍ ويدرك أنّ المتّصل متعب.
رفـع الهاتِف وهو يجعّد ملامحـه، مع كلّ شهقةٍ وزفـرةٍ يشعُر بألمِه يتضاعفُ ممّا جعلـه يدركَ أنّ أضلاعـه قد أصيبت بكسرٍ أو شروخ، لم يُجِب عليه، بل رفـض مكالمتـه ومن ثمّ ذهبَ يبحثُ عن رقمِ سيف، لا أحـد قد يستطِيع الاتصـال بهِ الآن سواه، اتّصل بِه وهو يحرّك السيـارة، لم يتأخّر سيفْ في الرد، وصَل إليهِ صوته في اللحظـةِ التي كـان فيها شاهين يرفعُ ذراعهُ إلى خلفِ عنقهِ حتى يخفّفَ من الضغطِ الناجِم على كتفِه، هتف سيف : السلام عليكم.
كـان قد توقّف سعـالهُ وبقيَ الألـم يتضاعفُ من تنفّسِه، لفظَ بصوتٍ متوجّع : وعليكم السلام .. وينك؟
عقدَ سيفْ حاجبيهِ باستنكـارٍ من صوتِه، وبشك : تعبان؟
شاهين : لا بس * صمت لثانيتنِ وهو يشدُّ على أسنانِه بغضبٍ قبل أن يُردف وهو يشعُر بصدرِه يحطِّمهُ الألـم * ما أدري شلون طحت مباشرة على صدري وأتوقع صار لي كسر بالأضلاع ... بعقل وما أثقل كثير على نفسي عشان كذا أبيك تمرني.
سيف بعينينِ اتّسعتا : كسـر أيش! بسيط والا ؟
شاهين يزفُر بغضبٍ ليتأوّه فجأةً آهـةً خافتـة، وبخفوتٍ متوجّع : بسيط ...
سيف : طيب إنت وين؟
شاهين : بسيارتي ... قدام البيت.
سيف : عشر دقائق وأكون عندك.



،


تراقبُ عينيهِ خلسـة، لا أدري عن ماذا أبحثُ في شرودهما، ما الذي يدفعنِي للنظـر خلسةً إليه وكأنّني أسـرقُ شيئًا ليسَ من حقّي، كأنّي أقومُ بمعصيةٍ ستودِي بيديّ قصاصًا لأجـل عينيه المرتدّتين على شريعةِ الاستواء! . . . بللت شفتيها بلسانِها تطردُ الجفـافَ الذي زحفَ إليهما بعدَ انسحابِ الرطوبـة، وكأنها كـانت في حربٍ سجـال مع كلماتٍ صامتـةٍ تلَتها في صدرها، بل كـانت في حربٍ نزحَ النصـر فيهِ إليه هو حتى في صمتِه وغيابِ حواسّهِ عنها . . يسترخي بصمتٍ وسكينةٍ برأسِه على حُجـر سُهـى، كثيرًا ما يتصرّفُ كطفلٍ مدلّل، يأتِي إليها وحينَ ترمقـه بنظراتِها الغاضبـةِ يبتسـم لها بعنادٍ ويريحُ رأسه في حجرها، وفي مرّاتٍ قليلـةٍ كالآن ينسحبُ إلى سهى التي تستقبلـه بدلالِ أمٍّ وتلاعبُ شعره.
ما الذي يجعلُ النصرَ ينحنِي إلى عينيهِ الشاردتينِ إلى التلفـاز؟ لمَ أراقبهُ وكأنّي عاشقـةٌ في أوجِ الصبـا تسرقُ اللحظـاتِ لتُمتّع ناظريها بملامِح عشيقها، تلتمـع عينيها ببراءةٍ لأنها فقط رأتـه فارسًا يمتطِي أحلامـها . . كشّرت بشكلٍ تلقائي ، حاشاني! أن أنصّبكَ فارسًا على أحلامِي فذلك الجنونُ بعينِه! الجنونُ الذي يرتسـمُ في أحداقكَ عشقًا لـي وفي جنبـاتِ عناقِك امتلاكًا، في صدرِي حضورٌ وفي عيني سرقـاتُ نظـر !! ... يا الله هل جُننت أم مـاذا؟!
ابتسمَ أدهم الذي لم تنتبه لكونِه قد نظرَ باتّجاهِها ليسرقَ نظرةً إليها في المقـابلِ بعدَ أن شعرَ بأن عينيه غابتا عنها دهرًا : بتتعبين قلبك من كثر هالتفكير فيني.
انتفضَت حواسُها ما إن وصلَ إليها صوته، نظـرت إليه ببهوتٍ في بادئ الأمـر ودون استيعاب، إلا أنها سرعـانَ ما شتّت عينيها بحرجٍ وقهرٍ منه أمام عمته التي كـانت تتابـع التلفازَ وتتصنّع عدمَ المبـالاةِ بحديثهما.
إلين من بينِ أسنانها بحنق : القلب اللي يفكّر؟
أدهم يُميل فمه بغرور : الحُب محفّز للقلب عشان يسرقْ إمكانيات غيره.
اتّسعت عيناها بصدمـة، تنمّلت أصابعها وكأنه رشَّ عليها مـاءً باردًا كان في حقيقةِ الأمـر " وقاحتـه " .. ابتسَم بعبثٍ وهو يرفعُ حاجبـه، كان قد شعرَ بمراقبتِها لهُ وحين التفتَ وجدها بالفعـل شاردةً تنظُر نحوه، في لحظـةٍ خاطفـةٍ كشّرت بملامِحها وراقبَ هو تبدّلاتِ تضاريسها في صيفٍ وشتـاء، في عواصِف باردةٍ وأخـرى ساخنـة ... تُلهبينَ الجُرحَ وتُثلجينه في آن، أيجتمعُ الضدّانِ في لحظـةٍ واحدة يا نجلاء؟ أنـا الغارقُ فوقَ جفائك، الهائمُ لأجلِ وصالك، أرتجِي القُرب منكِ ، ليسَ قربَ الجسد بل تذوّق لحظـةٍ تنهزمُ فيها صلابـةُ قلبكِ ويذوبَ في فمـك بـ : أحبّك! .. إن تلوتُها كذبًا فالوهمُ صدّقنِي، وإن كذّبتُها كمدًا فالقلبُ في وصلكِ مسفـارُ .. لن يكلّ!
كيفَ يجتمعِ بردكِ وحرارتكِ على جرحٍ واحِد؟ كـان جرحُ اعترافـي ... لم أكُن يومًا أميلُ كلّ الميلِ الآن للفصـح التـام ، لكنّك تهزمين بعينيكِ الصمت وتخضعِينه.
لم تردْ، اتّسعت ابتسـامته أكثر بانتصـارٍ وهو يدرك أنّ نيرانًا اشتعلتْ في صدرها، لم تستطِع الردّ عليه أمام سهى لكنّ عينيها كـانتا حاقدتين/متوعّدتين، كـاد يضحكُ وهو ينظُر إليهما إلا أنه كتـم ضحكته وهو يحرّك رأسه لينظُر لسهى التي كانت تُخفي ابتسامتها وهي تنظُر للتلفـاز بتركيزٍ كـاذب، لفظَ بصوتٍ هادئٍ ورقيق : عمتي الجميلة.
ابتسمت هذهِ المرّة دون أن تحاول إخفـاءْ ابتسامتها، أخفضَت نظراتها إليه وهي تلفُظ بشك : ما تمدح لله ... وش عندك؟
أدهم يرفـع جسدهُ ليجلـس وهو يضحك : ههههههههههههههه أفا بس !
سهى : اخلص علي.
مرّر أدهم كفيه على شعره الفوضويّ ليُهذِّبه، وبابتسامة : ما تبين تتزوجين وتفكينا منّك؟
اتّسعت عيناها بصدمة : نعــــــــم !!!!
أدهم يكرّر بهدوء : ما تبين تتزوجين وتفكينا منك؟
اشتدّت ملامـح سهى بغضبٍ لتشدّ على أسنانها وهي ترفـع الوسادةَ وتضربـه بها : يا قلييييييييييل الحيا والمروءة ... هذي كلمة تقولها لي؟ إذا قاعدة على قلبك قولها واخلص عليْ.
أدهم يحكُّ شعره وهو يضحك : شدعـــوى .. بس ودّي أشوفك عروسه وإلا لو ودّي سكنتك أنتِ ورجلك هنا عشان ما أفقدك.
سهى ترمقهُ بحدّة : تلعب على عقلي بهالكلمتين؟ أجل تسكّني أنا ورجلـي يا الرمّة.
أدهم : ههههههههههههههههههه هذا اللي ناقص.
سهى ترفـع حاجبها : وش طاري هالسؤال؟ أنت تدري إنّي مطلعـة الزواج من راسي وخلاص مثل ما يقولون فاتني القطار.
أدهم : فاتك القطار؟ توّك بالثلاثين وشحليلك جميلة وتشبهيني ما يبيلها شهادة.
سهى : هههههههههههههههههههههههههه أنت تفتخر لما تشبّه وجهك بوجه مرّة؟!
أدهم : جات المتخلفة الثانية.
سهى تعقدُ حاجبيها : ليه مين المتخلفة الأولى؟
زمّ شفتيهِ يكتـم ضحكته بعدَ أن انزلقَت منه الكلمـة دون شعور، رمقتـه إلين بغضبٍ نـاري، فهمت أنه يقصدُ يوم رفضَت أن تتزيّن لـه بداعي ألا تكون كالجـارية ... بينما نظرت لهُ سهى ببلاهة، انتبهت لعيونه التي اتّجهت لإلين واستدارَت معه تنظُر إليها .. حينها فغرت فمها وهي تلفظُ بعد أن فهمت : آآآه . . .
صمتت مباشـرةً بحرجٍ دون أن تُكمـل الكلمةَ التي كادَت تقولها وهي تصدُّ عن إلين التي احمرّت ملامحها بحرجٍ وهي تُخفضُ وجهها، غضبٌ تأجّج في صدرها أكثـر إلا أنها أخفتـه أمامها، بينما كـان واضحًا لأدهـم الذي يكـادُ يضحك ويكتـم ضحكاته بصعوبة.
سهى تغيّر الموضوع وهي تنظُر لأدهم بغضب : أيه وش تتمنّى يكون أول أولادكم؟ بنت وإلا ولد؟
شعـر بقلبِه في تلك اللحظـةِ ينقبضُ وابتسامـةٌ ارتسمَت على شفاهِه بشغفِ اللحظـةِ التي يحمِل فيها طفلهما، مخلوقًا يُشبههما معًا! .. اتّجهت نظـراتهُ بتلقائيّةٍ إليها ليلمـح مباشـرةً احمرارَ وجهها بخجلٍ وهي تشتِّتُ عينيها، اتّسعت ابتسامته أكثر، ومن ثمّ وقفَ ليتّجه إليها وهو يلفظُ بشغف : شرايك؟
عضّت طرفَ شفتها بربكـة، لم تنظُر نحوه وهي تتخيّل طفلًا يُشبـه ملامِحها ومزاجّية والدِه ، شعره المتشابكِ مثله، لم تخطّطْ يومًا لهذا! لم تخطّطْ للحظـةِ التي تحمِل فيها طفلًا يحمِل جزءً من أدهم! .. كـانت ككلِّ أنثـى، بالتأكيد قد خطّطت لأموميّتها، لكنّها بالتأكيد .. لم تخطّط لها مع أدهـم.
وقفَ أمامها مباشرةً بينما كـانت هيَ جالسـة، لا يدري أينَ اتّجهت أفكـارها، لكن الفكـرة كـانت لذيذةً بدرجةٍ لم تسمحْ لهُ بتخيّل أن تكون أفكـارها ناحيتـها سلبية، لذا حافظ على ملامِحه الشغوفة، وابتسمَ تلك الابتسامـة العابثـةَ وهو يضعُ كفّهُ على شعرها ليُشعثهُ لها ويلفظَ بخفوتٍ شغوف : أبي أول من يجينا بنت ، ويكون اسمها هيفاء.
تصلّبت للحظـةٍ سريعةٍ قبـل أن تنظُر باتّجاهه، رغـم أن ملامِحها كانت قد اضطربَت بحرجٍ إلا أنها عقدَت حاجبيها وهي ترمقهُ باعتراض : لا ما أبي البكر بنت ... ولد وأسميه ليث ،
عقدَ أدهم حاجبيه وهذا الاسم ارتبطَ تلقائيًا بـ شاهين، كشّر باستهجـانٍ وهو يتمتمُ في نفسِه " هذا الناقص "!! .. ومن ثمّ تراجـع وهو يُميل فمه بقرف : تعقبين .. إلا ولدي ما يتلوّث بهالاسم.
نظرت لهُ بعينينِ اتّسعتا صدمة : نعـم !!!
أدهم : دورِي اسم غيره .. هذا لا.
ضيّقت عينيها بحنـق، وبتلقائيّةٍ بـزغ الجُزء الطفوليّ فيها بعنـادٍ تمارسهُ بأسذجِ حلّةٍ له : لا .. هذا عاجبني وأبيه .. ولدي وكيفي لو أسميه جهنم ما لك شغل.
أدهم بسخرية : ما شاء الله يصير اسمه جهنم أدهم؟ عزّ الله فلحت أنا وهو.
إلين : لو قبر أدهـم بعد ترضى وإنت ما تشوف الدرب.
ضربَت سهـى جبينها وهيك لا تصدّقُ ما تسمـع من جنونٍ طفوليٍّ منهما، لمْ يُظهرها هذا الجانِب أمامها قبلًا، لذا كـانت تراقبهم وهي توسّع أحداقها وتضـع كفها على جبينها بذهول.
أدهم بضجـرٍ يمرّر كفّه بين خصلاتٍ شعره : يصير خير .. اللي يسمعك يقول تارس بطنك الحين .. انثبري بس.
إلين ترفـع حاجبها باستهجان، وبمحاولةٍ واهيةٍ في استفزازِه : أهم شيء لا تعطيه جينـات شعرك .. اتفقنا؟
أدهم يكتُم بسمتهُ وهو يرفـع حاجبَه : ولا تورثينه غبائك.
إلين بحنق : الله يستر عـاد من طيشك.
أدهم : وبرودك.
إلين : ومزاجيّتك.
أدهم : وجمـالك.
غصّت فجأةً بما لا تعلـم لتبدأ بالسعـال بينما اندفـع أدهم إليها وهو يضحك : بسم الله عليك . .
سهى من خلفِهم ابتسمَت وهي تنهضُ كيْ تبتعِد : الله يخلف عليكم.
لم يبدوا أنهما سمعاها، بل على الأرجـح تناسيا وجودها قريبًا منهما .. نظـرت إليهما نظرةً خاطفـةً وهي تبتسِم، أدهم يضحكُ وهو يضعُ كفّه على ظهرها بينما إلين كانت قد ضربت صدرهُ ومن ثمّ وضعَت كفها على فمها دون أن يتوقّف سعالها إلا أنه خفَت .. كـانت تريد شتمه ولم تستطِع ، باغتـها بتلك الكلمـةِ الغزليّة السريعـة، وباغتَ قلبها بانتفـاضةٍ ربّما هي التي غصّت فيها، بدأت تخـافه، تخـاف لحظـاتِ تأمّلها له، تتبّع التفافاتِ شعره، عبثَ عينيه، همزةَ الوصلِ ما بينَ حاجبيه، والألفُ المقصورةُ على شفاهِه المنحنيَة بمزاجٍ ملتـاع.
" جمالك " ما فيها من سُلطـانٍ حتى تهزَّها بقرارٍ متين؟ ألـم تعتَد على أساليبهِ الملتويَة؟ لازالت في كلّ مرةٍ يلتوِي بغزلِه يُصيبها الذهولُ والبهوتُ أمـامه، تظهر بسذاجـةِ صبيّةٍ تسمـع الغزل من حبيبها لأول مرّة.
ابتسَم وهو يمسَح على ظهرها، وبمكر : عيب تكونين جميلة بزيادة، حتى لو تكرهيني ترى الفتنة أشدّ من القتل، كم مرة فتنتيني وكم مرة أقدمتِ على جُرم بهالشدّة؟
زمّت شفتيها بانفعـال، لم تنظُر لهُ وهي تمسحُ بظاهِر كفّها على فمها، بينما أخفضَ أدهمْ كفّه عن ظهرها ليتّجه إلى وجهها، أزاحَ خصلاتِ شعرها الساقطـة عن ملامِحها، لم تنظُر إليه أيضًا بل ظلّت تنظُر للأرضِ حيثُ تصتدمُ عينيها بموضعِ قدمِه القريبةِ من أقدامِها . . . شعَرت بِه يُمسكُ ذقنها ومن ثمّ يرفـع وجهها ويلتقِي بها كسفينـةٍ تاهَت عن مينائها والتقَت بها الآن، ارتعشَت كفوفها، ورغـم أنها كـانت تتجاهلـه قبل لحظـاتٍ بعينينِ مفتوحتين ها هـي الآن تنشدُّ إليه بعيونٍ مُغلقـة، أسدَلت أجفانها وهي تشعُر بكفّه تستقرُّ على خصرها لترفعها قليلًا حتى تقفَ بعد أن كـانت جالسَة على الأريكةِ وهو أمامها . . إن كـان للقبـلاتِ قاعـدةٌ اختلقها المترفون بمشاعـر لم تُبـادل فستكون أمـلًا، وإشعـاعُ نور ، بأنها لا تُصبـحُ واللهِ قاتلـةً إلا إن كـانت المشاعرُ ترتحـل عبر الشفـاه، تجيء وتذهب بانتظـام، في طريقٍ لـهُ جانبين ، لا تسمـح إطلاقًا بأن يعبُرها واحِدٌ وحسْب .. تلك القاعدةُ أختلقُها الآن كيْ أدرك فقط أنّك تحبّينني زيفًا وأنّني أدركُ حبّك حتى أُدركهُ فعلًا، تلك القاعـدةُ " تصبيرةٌ " حتى تحينَ الحقيقة التي سأجرّها قسرًا إلينـا.
شعرَ بها تدفعهُ من صدرِه، تراجـع لتجلـس مباشرةً كمـا كانت وكأنها كانت تستندُ للوقوفِ على كفّه تلك التي لم تكُن تحملها في الحقيقة، لكنْ لربّمـا كـان الاستنـادُ معنويًا وما إن ابتعدَت وفقدتْ ملمسَها حتى سقطَت جالسـة .. عضّت شفتها السُفلـى والتي تضطربُ بقبلتـه المترسّبةِ عليها، شتّت عينيها وكأنها تبحثُ عن شيءٍ مـا .. أو شخصًا .. حينها ابتسمَ أدهم وهو يمرّر لسـانه على شفتيه ويهتف : شفيك مرعوبة؟ ماهِي حولنا.
ابتلعَت ريقها وهي ترفـع عينيها إليه، وبخفوتٍ مرتبـك : تخيّل لو شافتنا؟ لا عـاد تسويها بالصـالة.
أدهم : ههههههههههههههه كنت بقول شيء بس بتردين عليْ بـ " قليل أدب " عشان كذا سكت.
عقدَت حاجبيها، تشعُر أنها فهمَت ما كـان سيقوله، بالتأكيد سيتعلّق بالمكـان ، وبما أنها ذكرَت موضِع قبلةٍ في الصـالة فسيتمادَى في كلامِه .. لوَت فمها وهي تصدُّ عنـه وتلفظَ بتكشيرة : قليل أدب.


يُتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 20-10-16, 09:21 PM   المشاركة رقم: 950
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 





،


" شلون طحت أنت ووجهك؟ وعلى أيش بالضبط! "
ابتسمَ شاهين دون تعليقٍ وهو يستلقِي نصفَ استلقـاءٍ على السرير، في حينِ مطّ سيفْ فمـه باستخفافٍ وهو يُردف : ما استحيت وأنت تقول طحت؟ .. زين ما انصابت أعضاءك بشيء وكان كسـر خفيف.
شاهين بهدوء : تبالـغ ، عادي كل انسان ممكن يطيح.
سيف : طول وعرض وما تعرف تتّزن.
شاهين بضحكـة : صدمتْ بشيء خلانِي أطيح .. مدري وش كـان.
سيف : كنت تفكّر بزوجتك أتوقع! .. واضِح مشتاق وتكابِر.
تبدّلت ملامِح شاهينْ فجأة، وبحدّة : سيف .. عن البزرنة!
سيفْ : بزرنة؟ لا تخليني أخلف أطلع لك جزء البزر بداخلـي وأخليك تشوفه بشكل جدّي ... ترانِي رجّال وأفهم مُكابرتَك.
ابتسمَ سيفْ بعبثٍ وهو يلحـظُ جمودَ عينيهِ وقساوةَ ملامِحه وكأن ذكرَ هذا الموضوعِ أغضبه! .. تراجـع وهو يلفظُ باستهزاء : الله يخلِف ... أنا بنتظِرك برى على ما يخلصْ الدكتـور من إجراءات القلق.
لم يردّ عليه شاهين، أشـاحَ وجههُ عن البـاب بعدَ أن أغلق وهو يزفُر زفـرةً آلمَت صدره، هو لا يُكـابرُ إطلاقًا، بل يشتـاقُ ويعترفُ لنفسِه بذلك، لا يحـاولُ أبدًا أن يُولِّفَ شوقهُ في مهبِّ المكابـرة ، يشتـاقُ لعينيها، لوجنتيها البارزتين ونحالـةِ وجهها، لشعرها ... لا يكذِب الشوق، لا يتجرّأ على تكذيبِه، للشوقِ قدسيّةٌ لا تُمسّ بتصنّع عكسِه . . أغمـض عينيه، يقـاومُ تنهيدةً قد تؤلِم صدرَه .. ليسَ وقتَ التفكيرِ بها، ليسَ وقته، المهم الآن هو متعب ! .. ما علاقـة ذاك الأحمـق بما حدَث له؟ ما علاقـته بِه؟!


،


أوقفَها بصوتٍ رزينٍ لا يُظهِرُ تعابيـرَ خطّتهِ الشيطـانيّة، والعابثـةِ عبثًا لا يلِيقُ بِه ... نظرَت لهُ الممرّضـةُ باستنكـار، اقتربَ منها سيفْ وهو يُخفِي ابتسامتهُ ليظهـر بجدّيـةٍ فيها القليلُ من الحـرج، مدّ هاتِفهٌ نحوها لتنظُر ليدِه الحاملـةِ لها باستغرابٍ ودون فهم ، وما إن رفعَت نظراتها نحوه بتساؤلٍ حتى لفظَ وهو يشعُر بحرجٍ حقيقيٍّ كـان يُخفيه : هذا جوّال خويّي اللي مسوّي حادَث قبل شوي .. منحرج أكلّم زوجته ممكن تكلمينها عني؟
استنكَرت أكثر، كـان يستطِيع أن يتّصـل برجُل، أخوها أم والِدها أم أيّ شخصٍ قريبٍ منها قد يُخبـرها ... رغـم استنكـارها إلا أنها أخذَت الهاتِف وهي تومئ برسميّةٍ وتهتف : اسمه لو سمحت.
سيف بابتسامةٍ وديعـة ، ورغـم " بزرنةِ " خطوتِه هذهِ التي لا تليقُ بالصورةِ التي من المفترضِ أن يظهرَ عليها رجلٌ ينتصِف الثلاثينَ إلا أنّه كـان يريد أن يُشعـل قلبها عليه .. وفي اللحظـةِ ذاتِها ... يتلاعَبُ بشاهينْ وحمـاقته! : سيف ... بس طمّنيها إنه مافيه إلا العافية وكـان حادِث بسيط .. فيه شخص ثانِي بعدْ كـان معه وهو زوج أختها . . . .


،


ارتجَف صوتُها ، كفّها التي كـانت تحمِل الهاتِف ... هوى قلبُها في وادٍ ساحِق، فـراغٌ أحاطَها ورعشـةٌ هزّت حواسّها وهي تهتفُ بخفوتٍ باهِت، مذعور! : سـ ... سيف .. شفيه سيف؟ وش صار له وش ....
قاطعتها المُمرّضـةُ بهدوء : هو بخير لا تحاتين .. صار له حادث بسيط مع الثانِي وحاليًا حالته كويسَة ..
أغمَضت عينيها بقوّةٍ وهي تُرجـع رأسها للخلفِ وتقـاومُ دمعًا سحقَ مقلتيها، قلبُها هوى في نبضـاتٍ تسارعتْ حتى شعرت أنهُ سينفجِر ويحطّمُ أضلعـها .. تتخيّل أن يُصيبهُ شيءٌ ويصيبها هيَ معـه بكلّ العنفوانِ القاسِي والموجِع .. تتخيّل أن يمسّهُ شوكٌ ويكون شوكًا يخِزُ خاصِرتها .. بتلقائيّةٍ ما يُصيبهُ يُصيبها .... في مقتل! يُصيبها واللهِ في مقتل !!
ابتلعَت ريقها، صُيِّرَت ساقاها إلى هُلاميّة، تشبّعت بالوهنِ بينما كـانت أسيلْ قد انّشدّت إليها بقلق، نهضَت لتقتربَ منها وهي ترى ديمـا تشدُّ على الهاتِف بقوّةٍ متشنّجةٍ وتسمـع البقيّة من حدِيث الطرفِ الآخـر ...
ارتفعَت عينيها فجأةً نحو أسيل، جلدُها الشاحِبُ صبّ فيها الذعـر لتقتربَ أكثـر وهي تلفظُ بخوف : وش اللي صار لا تفجعيني !!
ديما بارتبـاكٍ تُشتّت عينيها ، تلفظُ بصوتٍ مختنـقٍ باكِي : اوكي .. اسم المستشفـى لو سمحتِ.
أغلقَت بعدَ لحظـاتٍ بينما كـانت أسيل تندفعُ جالسـةً بجانٍبها بذعرٍ وهي تهتفُ بصوتٍ ذاهب :مين في المستشفى؟ سيف؟!
ديمـا تبتلعُ ريقها وهي تُقاومَ دمعـةَ خوفٍ تريد أن تنسلَّ من عينيها، رمشَت مرّارًا وتكرارًا وهي تبتلعُ ريقها، تترقّب ملامِح أسيلْ الخائفـةَ والشاحبـةَ فوقَ شحوبِها المُعتـاد . . . لفظَت بصوتٍ خافتٍ يرتعِش : سيف ... و ... وشاهين.
اتّسعت عينـا أسيـل بصدمـة، تصلّبت للحظـاتٍ بطيئـة، انسكبَ البهوتُ في ملامِحها وانسلّ عنها تواضُع السكونِ فيها واحتلالـه .. تصلّبت كغصنٍ خريفيٍّ جـاف، اصفرَّ بشحوبِ ملامِح الفصلِ النائيْ عن نضـارةِ الطبيعيةِ ورنقها ، بذهبيّةٍ مُفرغة! ..لم تستطِع ديمـا قراءتها، لم تكُن الآن تهوى قراءتها في الحقيقة! لم تُحـاول، بل وقفَت بأقدامٍ هُلاميـة ، وصوتُها لفظَ بحشرجـة : بروح المستشفى ، السواق موجود؟!
لم تردَّ عليها أسيـل، كـانت تسبحُ في أفكـارها وهي تتخيّل ما حدَث لهُ بالضبْط ، لمَ هو في المستشفى! لم توضّح لها ديمـا شيئًا، ما الذي حدَث له؟ ما الذي أوصلهُ للمشفـى؟ ما الذي ... ما الذي . . . .
اختنقَت ، لم تستطِع قولَ شيء، حامَت الكلماتُ فوقَ الصمتِ وأُخرسَت، بينما هزّت ديما كتفها بانفعالٍ وهي تلفظُ بحدّة : أسيــــــل .. مو وقت تناحتك ، السواق موجود؟!
نظـرت لها أسيل ببهوت، لم تستوعِب ما قالتْ في بادِئ الأمـر، لكنّها وبعدَ لحظتيْنِ أومأت وهي تلفظُ برجفـة : أعتقد موجود ، بـ .. بتّصل عليه.
ديما بانفعال : طيب بسرعـة .. ركّزي . .
حرّكت أسيلْ رأسها تبحثُ عن هاتِفها بضيـاع، وما إن سقطَت نظراتُها عليه حتّى اتّسعت وهي تنهضُ بصعوبةٍ نحـوه، حملَته بيدٍ مرتجفـة ، بحثَت عن رقمِه حتى وجَدته لتتّصل بِه وتتأكد من تواجُدِه بينما كـانت ديمـا في ذاك الوقتِ ترتدِي عباءتها وهي تبحثُ بانفعـالٍ عن عذرٍ تلفّقه لأمها لخروجِها الاضطراري، لحظـاتٌ مرّت قبـل أن تسمـع من أسيـل " موجود " .. ومن ثمّ أردفَت بتساؤلٍ متوتّرٍ بعدَ أن استوعبَت كلّيًا ببطء : ليه في المستشفى؟
ديمـا تحمِل حقيبتها، تتغافـل عن نبرتِها، عن رعشـةِ صوتِها، عن توتّرها وهي تلفُظ سؤالها المتوجّس ذاك والمختنـق بخوفِها ... ردّت باستعجـال : صـار عليه حادِث . . . * نظرتْ لها لتردف باستعجـال * أنا رايحة .. مافيني أنتظر لين تجي امي وأكلمها بنفسي .. قوليلها أي عذر ممكن يجي ببـالك . . .
قاطعتها أسيل وهي تنهض وتغمـض عينيها باختنـاقٍ أكبـر ، يجفُّ من حلقها التعبيرُ ويخرجُ صوتُها فارغـًا ، هادئًا ، هدوءَ ما قبـل السقوط : بروح معك ...


،


لازالت عيناها تتبّعانِ حنانَه، ابتسامةُ شغفٍ تتكوّن تـارةً وتارةً أخـرى تستذكِرُ ما هـي فيهِ لتُمحيها، تحاولُ تهذيبَ عضلاتِ وجهها فلا تقدِر، كلّ شيءٍ فيها يمتزجُ بِه ويُصدِر تعابيرًا فوقَ تحكّمها . . كلّ ما أعلَمه أنّني فقدتُ نفسِي ووجدتها أيضًا فيك، خسرتُ مجابهـةَ الجمودِ وذابَ سكونُ وجهِي أمـامَ ابتسامتكِ التي توزّعها لكلّ من يبتغيها وتبخلُ بها عنّي وأنـا أحتـاجها ، أحتـاج ابتسامتكَ طيرًا لا يُجيدُ الطيرانَ دون جنـاحين، زهـرةً لا تُزرعُ دون تربـة/دون مـاء، أحتاجُكَ غمـامةً تريدُ الانحلالَ لتُظهرَ فيّ تعبيرَ الحيـاة، صوتً موسيقيًّا مُقدّس، ولحنـًا لا يبرأُ من الجمـال، أحتاجُك كمـالًا وأحتـاجكَ حيـاة فإنّ الموتَ الحيّ لم يُلائمنِي.
كـان يجلسُ بجانِب غيداء، اختـارَ عدمَ الإكثـارَ من محاسبَتها والأسئلةِ المستفسِرةِ عن الحقيقة، يريدها فقط أن ترتـاح الآن والصبـاحُ رباح. ابتسمَ لها بعدَ أن رآها تضعُ كوبَ القهوةِ على الطـاولة، وبصوتٍ حنونْ : الحينْ بتروحين تنـامين وترتاحين ، وبكرا نشوف شلون بنتفاهَم.
ابتسمَت دون حيـاة، لم تكُن ابتسامتُها وضّاءةً في الحقيقةٍ بل كـانت زائفَة، أومأت دون اعتراض، لا تستطِيع أن تقول له الآن أنّها خائفـةٌ لا تعلَم لمَ ! لأنّها لاحظـت اتّصالاتٍ منها؟ منذُ ذهب للمطبَخِ خلفَ غزل شقّ هاتِفها سكون المكـان، أخرستهُ بسرعـةٍ لكنّ الاتصـالاتِ لم تتوقفْ لذا كـانت تضعُ هاتفها على وجههِ كي لا يلحظَ سلطـان اضاءته.
نهضَ سلطـان وهو يُشير لها أن تنهضَ كيْ يوصلها للغـرفةِ التي جهّزتها لها سالِي، وقفَت وهي توجّه عينيها لغزل، وبحبْ : تسلم يدّك .. المرّة الثانية أبي أذوق طبـخك مو بس توست.
غزل تبتسمُ بنعومةٍ وهي تهتفُ بضحكة : بتندمين على قرارك ترى.
غيداء : ما يضـر نذوق ونتسمّم من بعدك .. حرام سلطـان بس يتذوّق طبخك واحنا لا.
تحوّرت بسمتها للزيف، كان فمها قدْ اهتزّ يريد لابتسامتها أن تتلاشـى لكنّها قاومَت اهتزازها وأبقَت على بسمتِها تلك .. يعودُ وحيْ الأيـام التـي ذاقَ فيها مـذاق طعامِها اللاذِع وابتسـم بمجاملـة، ومرّاتٍ قليلـةٍ كـان يقولها لها بكلّ صراحـة " هالمرة أسوأ من قبل ، تعلمي " .. يعودُ إليها ذاك النهـارُ الذي طبخَت لهُ لأوّل مرةٍ في حيـاتها، يومَ رأى الغزوَ الذي حلّ في ظهـرها ، وواساها .. واحتواها بقُربـه . . . ابتلعَت ريقها ، نظـرةٌ سريعةٌ ألقاها إليها سلطـان ببرودٍ قبل أن يصعدَ ومعه غيداء .. تركـاها وحيدةً مع الذكـريات، ومع مشاعِرها المحمومةِ بحمّى اشتياقِه .. ليسَ سهلًا! ليسَ سهلًا واللهِ أن تتجـاوز، ليسَ سهلًا أن تحاولَ التناسـي وتقدِر .. هو أكبـر من مصطلحـاتِ التجاوزِ وأكبرُ من أن أحـاول حتّى ، كلّما قُلت في نفسي " سـأتناسى " تنفصِل السينُ عن الإرادةِ وتتباعدُ الأحـرفُ لأصدقَ القول أخيرًا مع نفسي " لا أقـدر ، ولا أريد أن أنسـاك "! إن كـانت المرارةُ كبيرةٌ فمحاولـة نسيانِك أشدّ مرارةً في روحي.
مرّت دقـائقُ طويلـةً بعضَ الشيء، نزلَ من بعدِها سلطـان وما إن سمعَت صوتَ خطواتِه حتى رفعَت وجهها الشاحِب إليه، ستقول له الآن بأن يُعيدها، لن تبقَى معه هذهِ الليلـة، لا تريد تجديدَ أوجاعِها والشعور بأنها تحتاجُه أكثر!
اقتربَ سلطـان بهدوئه منها، عقدَت حاجبيها بمرارةٍ ومن ثمّ أفرجَت شفتيها وهي تقفُ وتسمـح لصوتِها المبحوح أن ينسـابَ إليهِ منهزمًا : خلاص ما يحتـاج أجلس معك أكثر ... رجّعني.
رفـع سلطـان حاجبه، لا تدري إنْ كـانت رأت في عينيهِ نظراتَ استخفافٍ وسخريةٍ أم أنها توهّمت! .. شعرت بالاضطرابِ من نظرته تلك، شتّت عينيها لتسقطا على طرحتها ونقابها الموضوعينِ على الأريكـة، مدّت كفّها إليهما باضطرابٍ تريد أن ترتديهما في تعبيرٍ حـازمٍ على رغبتها في الخروج، إلا أنه كـان قد استدارَ دون مبـالاةٍ وتحرّك مبتعدًا .. هاتفًا بأمـرٍ جـاف : تعالي وراي ....


،


بينما في جهةٍ أخـرى استلقَت غيداءْ على السريرِ وهي تقبضُ على هاتِفها بقوّة، تُستنفدُ أعصابُها من إنارتِه بإصرار، كانت تخشى أن ينتبِه لهُ سلطـان حينَ صعودِهم لذا كـانت تدسّه في حقيبتها ولم تخرجه إلا بعدَ خروجه، لازالت مصرّةً على الحديثِ إليها ... لا تريد الرد! لا تريد أن تسمـع صوتها، تشعرُ أنّها ستتقيأ من التقزّز ، ومن خيبتِها أيضًا! .. كـانت الوحيدة التي تشعرُ بها، أو تتصنّع؟ كـانت الوحيدةَ التي تفهمها، أو تمارسُ ذلك تمثيلًا؟ هل كلّ ما قالته عن عناد وأمها تلفيقٌ أم حقيقة؟ هل أصبحَت الآن وحيـدةً دونها؟ بعدَ أن كـانت من تشغُر ألامها! .. هل كـانت تشعُر بها فعلًا؟
شدّت على أجفانِها، لا تريدُ أن ترى الهاتِف وهو يُضيءُ معلنًا عن اتّصـالها ... لكنّها في الحقيقة .. تريد ! تريد أن تحدّثها، تعاتِبها، تسألها لمَ؟ وتحاولُ أن تجعلها تستفيقُ من تلك القذارة !
لم تستطِع فعلًا أن تتجاهلـها، فتحَت عينيها لتنظُر لشاشةِ الهاتِف القريبةِ منها بإصرارٍ حزين، رغـم ما اكتشفتهُ فيها إلا أنها لم تكُن تريد إطلاقًا أن تفقدَ من كـانت تشعُر بها ... ردّت ، بعدَ هزيمـةِ الأشهر التي عرفتها خلالها لها .. بل لم تكُن تعرفها! في الحقيقةِ لم تكُن تعرفها ... ولازالت تكذبُ تلك الحقيقة.
ابتلعَت ريقها باختنـاقٍ وهي تضعُ الهاتفَ على أذنها، أغمضَت عينيها بتلقائيّةٍ وصوتُ سارة العنيفْ يصِلها غاضبًا : ليه ما تردّين يا جبــانة؟ أنتِ أيش؟ طول عمرك تظلين غبية وتمشين ورى كلامهم !
ارتعشَت شفاهُ غيداء بضعفٍ قبل أن يغصّ صوتُها في خيبتها وتهمسَ لها : مانِي غبية ..
سارة بوحشيّة : إلا غبية ... ومليووووون علامة استفهام ورى غبائك .. جبرتك على شيء؟ قلت لك غصب توافقين على اللي أقوله؟ كنت أقنعك بكل هدوء .. وأنتِ رحتي تراكضين للمتخلفين اللي حولك ..
سقطَت دمعةٌ من عينِها بضعفٍ وأسـى ، تستميل بالدفـاع في صورةٍ واهنـة، في صورةٍ هشّة : لا تسبينهم.
سارة بسخرية : كـالعادة ما ترضين عليهم مع إنهم مقيدين حريّتك ومخلينك مثل العبيد المسجونين ... ما يتحرّكون إلا بعدْ صدور الأوامـر الملكية منهم.
غيداء بحدّةٍ هشّة : ماهم كِذا ... هم يخافون عليْ وبس.
انفجـرت سارة بضحكـةٍ مستخفّةٍ أجفلت بها ملامِح غيداء جفولًا متداعي، ابتلعَت غصّتها، ولازالت تغصُّ بأحزانٍ أكبـر .. هتفتْ سارة بسخريةٍ واستخفاف : يخافون عليك؟ كثّري من عذر المُستعبدات هذا ... صيري غبيّة مثل كل بنت تشوف كلام أهلها وحيْ مُرسـل.
غيداء باختنـاق : كلام الوحيْ المُرسل يقول إنّ اللي أنتِ فيه غلط وحرام ... ليـــه؟! ليه يا سارة والله أحبك ما أبيك كذا.
ابتسمَت سارةْ على براءةِ صوتِها وهي تنطُقها ببكاءٍ وخيبـة، وبصوتٍ رقيقٍ فقدَ حدّته : يا حبي لك غيودة ويا حبي لبراءتك بس.
اقشعرّ جسدها، هذهِ المرّة لم تأتِي كلمـاتها عفويّةً وطبيعية، بل استشعرت منها النفور، شتّت عينيها وفمها يتقوّس ببكـاءٍ ووهن .. في حين أردفَت سارة برقّة : اللي مثلك ما راح يفهمون الموضوع أو يقدّرونه .. أنتِ تمشين ورى كلامهم ، عشان كذا تشوفيني غلط لأنك ما تعرفين شيء اسمه حريّة . . .
غيداء ببكـاءٍ غرقَت فيه، جسدها بدأ في الارتعـاشِ كأنّ نزلـةً حلّت عليهِ واحتلّت سكونه : هذي مو حرية ... حرام اللي تسوينه ، ومقرف !!
سارة بجدّية : كلمـة مقرف هذي مالها معنـى .. أنا طيب قاعدة أشوف انهزامـك وركضك وراهم مقرف! يعني لا تاخذين كلامك بعين الاعتبـار ... وبالنسبة للحرام والحلال خلّيك منهم ... الأغاني حرام .. الكذب حرام .. الغيبة حرام ... وكلها حتى أنتِ سويتيها .. يعنِي لا تدخّلين الحرام في النهاية أنتِ تسوينه وما تنتبهين لكونك سوّيته ... ما تاخذينه بعين الاعتبـار من الأسـاس ...
ورغـم وقاحـة تبريرها الذي جعـل غيداءْ تعقدُ حاجبيها، تستنكـر ربطها بينَ ذاك وذاك ، إلا أنها شعرت بكلمـاتِها تُلجمها ، لم تجِد ردًّا عليها وصمتت بهوان، في حينِ ابتسمَت سـارة بغيظ .. غيداءْ سهلـةٌ في الاقنـاع ، تدركُ ذلك ، ساذجـة، لا تفهمُ الحيـاةَ كما يجِب لذا من السهلِ أن تجذبَها لعالمـها دون الكثيرِ من التعب.
همسَت بصوتٍ ناعـم : نامِي الحين حبيبتي ... أكلمك بكرا ، ولا تخافين منّي! أنا أقدّس الحرية ، وبحاول أقنعك وإذا رفضتِ براحتـك.
أغمضَت عينيها بقوّةٍ تكتـمُ شهقـة البُكـاءِ التي زاحمَت أنفاسَها .. كـادَت سارة تغلقُ بعدَ أن تأكدَت بأنها لن تجيب، لكنّ غيداءْ خيّبت ظنها حينَ همسَت برجاءٍ مهتزٍّ وهشّ : ما عاد أبي أتواصل معك ... لا تتّصلين علي.
ابتسمَت سارة بسخرية : أنـا راح أتّصل أكيد .. لا شفتِ رقمـي لك حريّة الرد وعدمه.
أنهَت جملتها تلك ومن ثمّ أغلقَت مباشرة، تركتها ترتعشُ بجنون، لا تعلـمُ لمَ تحديدًا، خوفًا ، أم ضعفًا .. أم من فرطِ الحُزن ... بقيَ الهاتفُ على أذنِها لحظـاتٍ قصيرةٍ صيّرتها لبُكـاءٍ عنيف ، حاولَت كتمهُ بكفّها المرتعشـة ، بخيباتِ الحديثِ والشكوى في فمِها.



يُتبــع . .

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 07:53 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية