سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساءكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحّة وعافية
كل عام والسعودية وشعبها والأمة العربية والإسلاميّة بألف خير ، بمناسبة اليوم الوطني السعودي بارتنا هادئ ولطيف ، وإن شاء الله جميل بعد :*
وشكرًا لتواجدكم، شكرًا لكلماتكم الطيبة سواءً بالمتصفح أو خارجه، شكرًا للروايـة اللي جمعتنا .. إن شاء الله أكون دائمًا عند حسن ظنكم والله يكتب لي التوفيق والوصول للنهاية بسلام ويجعل هذهِ الرواية شاهدة لي لا علي :$$ ،
بسم الله نبدأ ،
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !
لا تلهيكم عن العبادات
مَتـى سَتعرِف كَم أَهواكَ يا رجلاً ..
أَبيعُ من أَجلهِ الدُنيا و ما فيها
يا مَن تَحديتُ في حٌبي لَه مدناً ..
بِحالها و سَأَمضي في تحديها
لو تَطُلبُ البحرَ في عينَيكَ أَسكٌبه ..
أَو تَطُلب الشَمسَ في كَفيكَ أرميها
أَنا أُحِبُكَ فَوقَ الغَيمِ أَكتُبٌها ..
و للعصافيرِ و الأَشجارِ أَحكيها
أَنا أَحِبُكَ فَوقَ الماء أَنقُشُها ..
و للعناقيدِ و الأَقداحِ أَسقيها
أَنا أَحِبُكَ يا سيفاً أَسالَ دَمي .
يا قصةً لستُ أَدري ما أُسَميها
أَنا أُحِبُكَ حَاول أَن تُساعِدَني ..
فَإِن مَن بَدأَ المَأساةَ يُنهيها
و إِن مَن فَتَحَ الأَبوابَ يُغلِقُها ..
و إِن مَن أَشعلَ النيرانَ يُطفيها
يا مِن يُدخِنُ في صَمتٍ و يتركني ..
في البحر أَرفع مَرساتي و أُلقيها
أَلا تراني بِبحر الحبِ غارقةَ ..
و الموجُ يمضغٌ آمالي ويَرميها
انزِل قليلاً عَنِ الأَهدابِ يا رجلاً ..
ما زالَ يَقتلُ أَحلامي و يُحييها
كَفاكَ تَلعبُ دَورَ العاشقينَ مَعي ..
و تَنتقي كلماتٍ لستَ تَعنيها
كَم اخترعتُ مكاتيباً سَترسِلُها ..
وأَسعدتني وروداً سَوف تُهديها
و كَم ذَهبت لِموعدٍ لا وجودَ لَه ..
و كَم حَلمتُ بأَثوابٍ سأَشتريها
و كَم تمنيتُ لو للرقصِ تَطلبني ..
و حيرتني ذِراعي أَين أُلقيها
إِرجِع إِلي فإِن الأَرض واقفةٌ ..
كأَنما فرت مِن ثوانيها
إِرجِع فَبعدكَ لا عِقدَ أُعلقه ُ ..
و لا لَمستُ عُطوري في أَوانيها
لِمن جَمالي لِمن شالُ الحَريرِ لِمن ..
ضَفائري مُنذُ أَعوامٍ أُربيها
إِرجِع كَما أَنتَ صَحواً كُنتِ أو مَطراً ..
فَما حَياتي إِن لَم تَكُن أَنت فيها
* القصيدة اختيار الجميلة خولة لسلطان وغزل ()
(81)*3
" هذي الأوامـر ، خلاص انتهى دورك هنا "
اتّسعت عينـاه بصدمة، لحظة ، أيُّ دورٍ يقصِد؟ متى كان دورهُ بالضبط ومن أيـن بدأ وأين انتهى؟ بهت للحظـة، لكنّه سرعان ما اندفـع بصوتٍ جـرف معه انفعالًا غاضبًا : انتهى دوري؟؟ أنت أي دور تقصد !!
عبدالله يتنهّد بحِلم ، ومن ثمّ يلفظُ بتوضيحٍ استفزَّ بدر وكأنه يحادثُ طفلًا! : خلاص ، هالمهمة مالك دور فيها، قرّرت إنّ دورك ينتهِي منها وبس.
بدر يبتسمُ بحنق : دوري؟ هو احنا بدينا أصلًا! طول هالسنوات مافيه شيء ويوم بديتوا تجمعون معلومات وأدلّة صرت تحاول تماطِل وأنا منتبه لهالشيء ، والحين تقول انتهى دوري اللي ما أدري وش هو وأحس فيه إنّي بلعبة؟
عبدالله ببرود : أنت مهمتك تسمع منّي ، وهذي هي الأوامر.
بدر بنبرةٍ مكبوتة : ليه كنت هنا طول هالفترة؟ علّمني السبب الحقيقي !!
عبدالله : أي سبب؟
بدر : أنا أسألك عنّه . . وش السبب اللي مخليك تماطل وما ودك لا أتدخل بشكل رسمي ولا أبعِد عن الموضوع بشكل نهائي إلا الحين !
عبدالله : ما فيه سبب ، لا تتوهّم شيء مو حقيقي.
ابتسمَ بدر بقهر : للأسف ، ما تقدر تبعدنِي عن الموضوع بكيفك . . ودِّي أكون موجود ، لي دور تجاه الأشخاص اللي ذبحوا زوجتي وأهلي ! بعدها اعتبرني ما كنت موجود ولا بتشوفني مرّة ثانية أشتغل معك.
عبدالله بجمود : ما أقدر أبعدك؟ بدر . . .
قاطعه بدر بثقَة : فيه ناس من حولِي ارتبطوا فيني . . وصارت حياتهم بخطر بسببي وبدون قصد منّي . . بكيفك تنهِي دوري أو لا ، بس أنا ما راح أبعد عن الموضوع ، أعتذر!
استطاعَ أن يلتقطَ نبرة الغضبِ في صوتِه الذي اندفعَ إليه بهدوءٍ كاذِب : أي ناس بدر؟ أنا وش قايل لك !!
بدر يبتسمُ بغيظ : ما كنت أقصد ، بس صار اللي صار وحاليًا سعود حاط عينه عليهم ، معليش طال عمرك بس يا ليت تعطيني سبب عشان أقتنع ، هذا كل اللي أبيه من الدنيا الحين، تمنعني منه ليه؟
،
في اليومِ التالي ، الساعة الثانية والنصف مساءً.
تُشبعهما الشمسُ من حرارتِها، يصخبانِ بهدوءِ الشارعِ عدا من زحـامٍ مشروع، إنمـاءُ صخَب، يتواتـر الحبْلانِ " اللّيلُ والنهار " في دفءٍ إلى حرٍّ يُلهبُ صدرهُ أكثر . . والآخر بعد إن استمعَ لحدِيثهِ بعينينِ متّسعتان استدارَ بقوّةٍ إليه بعد أن صَدمه ما سمَع : وش تقول؟
سلطان بهدوءٍ وهو ينظُر للأمام، أصابعهُ تطرقُ على المقودِ بانتظـار الاشارةِ الحمراءِ أنْ تخضرّ : اللي سمعته.
عناد دون تصديق : بتتوسط لقاتـل عند أهل المقتول عشان يرضون بالديَة؟
أردفَ بشكٍّ وهو يُهدِّئ من روعِه : قتل عمد؟!
سلطان بهدوءٍ بارِد وأقدامهُ تفرضُ التحرّك بعد أن التمعَ الضوءُ الأخضر : أيه.
رمقـه عناد لوقت، بملامِح هادئـة، وعينينِ طغـى عليهما هدوءٌ غريبٌ لم يُدركه سلطان الذي كان ينظُر للأمـام، بضعُ لحظـاتٍ وجيزة . . قبل أن يتراجَع للخلفِ ليسندَ ظهره على ظهر المقعدِ وهو يبتسمُ ابتسامةً فاتـرة، وبخفوت : تغيّرت كثير .. شخصيتَك ، قناعاتك ، قيَمك . . وش استفاد من كل هذا؟
" وش استفاد؟ " ، لم يركّز سلطان في معناها، ما يقصِد، ومن يقصِد! لم يبـالي من الأساسِ بما قـال وهو يهتف : إذا ما ودّك تجِي معي قولها ببساطة من الحين .. بتفهّمك.
عناد يتنهّد وهو يغمِض عينيه، فتحهما من جديد، ومن ثمّ نظـر إليه بهدوءٍ ليلفظ متسائلًا برويّة : القاتل خويّك؟ قريب منّك وما قدرت تتقبّل إنه يتعاقب بالقصاص؟
سلطان يبتسمُ بجمودٍ وهو يردّ دون النظر إليه : لا.
عناد : منت متقبّل يموت ببساطة حتى لو مو خويّك يعني؟
سلطان : بعَد لا.
عناد بصبر : أجل وش السبب عشان ترمي مبادءك وتشيل هم شخص قتَل عمد؟
سلطان بهدوء : كِذا .. القاتِل أنا ممنون له عشان شيء ، والمقتول شخص أعرفه وما كانت علاقتي فيه
زينة .. فالقاتل أولى عندي بحياته منّه.
اتّسعت عينا عناد بصدمة، تصلّب ظهرهُ وهو ينظُر لهُ دون تصدِيق، لتلك النبـرة اللا مُباليـة، لكلماتِه المستفزّة لِقدسيّة الأرواحِ وجُرم امتهانِها، لم يُصدِّق ما سمِع ، هل سلطان من قالَها فعلًا أم تخيّل ذلك؟ كيفَ يقولها ومنذُ متَى تلبّسته تلك الغمامـة الرماديّة؟ متـى أصبحَت ملامحهُ هكذا؟ ما تلك العيُون الباردة؟ من ظنّ منّا أن سلطان عـاد بعد أن جاء للمشفى بروحٍ أُخرى؟ سلطان لم يعُد، سلطان مات! والذي يجلسُ بجانِبه شبحْ، وارتهُ الجدرانُ عن روحِه، عن جسدهِ الأمّ، ولم يستطِع اختراقها . . تلك الجدرانُ ما كانت؟ سلمان وحسْب؟ لا . . ما الذي حدَث؟ ما الذي بدّل في من أمامه روحَه؟
أشـاح وجههُ عنهُ دون تصدِيق، وانبثقَ من بئرِ الصمتِ عينٌ من حميمٍ أحـرق الصمتَ بعد لحظتينِ وحسب، أعـاد عناد ظهرهُ للخلفِ من جديد، ومن ثمّ هدأت نظراته المتّجهة للأمـام، بل تجمّدت! وصوتُه لفظَ بهدوءٍ يعتـذرُ في هذا الصرحِ عن زيفِ سُلطان ويعارِض سُلطانَهُ الجديد على جسدِه : منت رايح لأهل المقتول!
لم يتغيّر شيءٌ في ملامِح سلطان الذي كان قد وضع كلّ الاحتمالاتِ في عقلهِ عن ردّةِ فعله وأوّلها رفضَه أن يذهب : ليش؟
عناد بهدوءٍ ظاهريّ : اللي يسيّرك شيء غلط، ما أدري وش هو بالضبط، بس ماهي من قناعاتك ولا قِيَمك اللي تحرّكت .. منت أنت!
سلطان بجمود : يستحق فرصة ثانية.
عناد ينظُر إليه بحدّة : من باب إنه يستحق فرصة؟ بس أنت مو رايح لهالسبب ومن هالمنطوق .. أنت ما حطّيت اعتبار لمسألة القتل وشايل هم قاتل بس لأنّ المقتول شخص ما يهمّك! أنت رايح لأنّ الموضوع شخصِي ، وتجاهَلت كل التفاصيل اللي تخليك تحتقر فكرة روحتك!
سلطان : عندَه عائلة هو اللي يهتم فيها .. مالهم رجّال غيره.
عناد بغضبٍ ينهرهُ عن زيفِ أعذارِه التي يدرك أنّها لم تكُن هي الدافع : سلــطان !!!
التفتَ أخيرًا إليه التفاتةً سريعة ليُعيد نظراته للطريقِ مباشرةً وتُوقِفهُ إشارةُ مرورٍ جديدة . . حينها استدار، بكامِل تركيزِه، وكامِل الصلابـة في ملامِحه، وكامِل شفافيّةِ - الأشباح - في روحه ، وعدمُ سُلطان! : مشكلتك مع قراري أيش؟ قلتلك لو ما تبي تكون معي عادي ما راح أعتب عليك.
عناد يمرّر لسانه على شفتيه ومن ثمّ يزفُر بتروّي، غضّن جبينه وهو يهتفُ بتوضيحٍ هادئ ظاهريًّا : أنت ماخذ في بالك اعتبار إنّه قاتل وبتعمّد وبكامـل اختياره؟!
سلطان بنبرةٍ لا روحَ لها، تُسـاومُ قناعاته، تساومُ الشعلـة الباقيةَ في صدرِه لتنطفِئ ويبقى هكذا .. ليس هو! : وأنت يوم إنّك معاه كنت ماخذ ببالك إنه قاتل؟ إنّه لأكثر من 15 سنة الرجّال الصالح والسويّ وهو منافق؟ وإنّه ورّط اسم بريء مكانه؟
فاجأهُ ما قـال، لم يتوقّع أن يُحضِّرَ روح سلمان الآن ويبنِي الموضوع في تشابهه عليه! ابتسمَ سلطان بسخريَة ، ودون أن يهدِه الوقت الكافي ليردّ كـان قد أردف : شوف ، أنت لك كامِل الحرية باختيارتك، كامل الحرية بقناعاتك ، وحرّيتك في نظرتك للي قدامك .. كونك معه هذا ما صار يعنِي لي شيء، محد معك بكل شيء! عشان كذا أتفهّم . . كون معه لو تبي، اضحك له ، متقبّل كل هالشيء ومحترم رغبتك .. كون معه ، بس لا تكون ضدِّي! لا أكتشف بيوم إنّك تخدعني لأني مقدر أقيّدك بمشاكلِي وأخليك تكره اللي أكره وتحبّ اللي أحب، بس لا تكون ضدّي! . . مثل ما أنت مع قاتِل أبوي أنا مع قاتـل شخص ما يعنِي لك شيء ... تفهّمها مثل ما بديت أتفهّمك وأنت سقطَتك أكبر . .
وضعَ كفّه على رأسه دون تصديق، منى تفهّم؟ متى استطاع! هو لم يتفهّم بل بات كلّ شيءٍ أمامه لا يهم! هو لم يتفهّم بل تبلّدت حواسّه تجـاه من حولِه ، متـى حدث كلّ ذلك دون أن ينتبه كما يجب؟ متى حدَث وانطفأت الكلمـاتُ الدافئة على شفاهِ صفحاتِه؟ متى انسكَب من قلبِه اللا اهتمـام؟ هو لا يتصنّع ، هذه المرّة يدرك أنه لا يتصنّع بل أنه لم يعُد يهتمُّ بما ذكره فعلًا!
حرّك سلطان السيارة وهو يبتسـم من العدم : هاه وش قرارك؟ بتجي معي والا!
صمت عناد لبعض الوقتِ وعيناهُ لا تنظُر إليه، ينظُر للسياراتِ المُتحرّكة أمامه بضيق ، يمرّرُ الثوانِي من حدِّ سيفِ هذا الجوِّ الموبوءِ بالترهات! نعم ترهات !! .. كيفَ حدث ذلك؟ كيف !!!
لفظَ بخفوتٍ بعد برهةٍ من الصمت : معك .. ونشوف آخرتها.
،
في بروكسيل، تشتَّتَ عقلُها وهي تتابعها بأحداقٍ يلتمِعُ منها بصيصُ الاستنكارِ الذي نما حتى باتَ ضوءَ منارةٍ تائهـة، عقدَت حاجبيها بضيق. تجلسُ على إحدى الكراسي شاردة، تسندُ مرفقيها على الطاولـة البيضاء وعيُونها تنطفِئ منها إمـاراتُ الإدراك.
لفظَت جيهان بضيق : أرجوان !
سمعتْها ، من الجيدِ أنّها سمعتها! أدارتْ رأسها إليها ببطءٍ لتنظُر لها دون تركيز، تقفُ مستندةً عند حافّة النافـذة بظهرها، تكتّف ذراعيها أسفل صدرها ، أردفَت : شفيك؟ منتِ على بعضك من أمس .. كنت أظن إنّه عشان ليان بس واضح إنّه لا.
أشاحَت أرجوانْ عينيها عنها لتنظُر للأرضِ بصمت، في النهايـة لم أكُن أحلم، كان كلّ شيءٍ حقيقة! كـان حقيقةً رماديّة، بل نكتةً بيضاء في سوادِ الزيف! أن تكتشف زيفهُ هي فقط، في معمعةِ الخداع ... هل كان ذلك جانبًا مُشرقًا من الأمـس أم جانِبٌ فتْك؟ لكنْ ما كانت الفائدة؟ هل استفادت شيئًا؟ هل ستستطِيع فعل شيء؟ أمْ أنها ستتألـم لا غير ، تراقبُ صامتة!!
لم تُجبها على سؤالها ذاك، بل ابتسمَت ابتسامَةً زائفـةً وهي ترفعُ عينيها إليها ومعهما حاجبها الأيسر الذي استندَ على استنكارٍ خافِت، لتلفظَ بتساؤلٍ عابِثٍ تمحو بِه اختلاجاتِها السيئة : ما تتوبين؟ وش عندك واقفة جنب النافذة؟
عضّنت جبينها قليلًا وملامِحها تعبُس كعبُوس الليالـي في صباحاتٍ كثيفـة ، كاعتراضاتِها على الشروقِ لتمضِي بظلامِها . . هتفَت ببرودٍ وهي تصدُّ بوجهها نحو النافذةِ وتنظُر للشارعِ ووالدها بعينينِ باردتين، وبلا مبالاة : لا تفسرين على كيفك لو سمحتِ! قاعدة أراقب أبوي والوسيم اللي معه.
اتّسعت عيناها بشك ، الوسيم الذي معه!! . . قفزَت فجأةً وهي تكتمُ شهقةً من صدرِها، لم يكُن الأول - بدر - فوالدها من الواضِح أنّه قطـع علاقته بِه، ولا تظنُّ أنه شخصٌ غريب .. بالتأكيد هو! لا أحـد سواه !!
تحرّكت بخطواتٍ غاضبـةٍ نحو النافذة في اللحظة التي عقدَت فيها جيهان حاجبيها باستغرابٍ وهي تلتفتُ إليها بعد أن استشعرت خطواتِها المندفعةِ نحوها.
وقفَت أرجوان أمام النافذة لتتّسع عينيها بشكلٍ تلقائيٍّ ما إن رأت الرجُل ذاته، هو ، بكلّ بجاحـة . . هو!!
ارتفعَ صدرها بزخمٍ عالٍ من الأكسجين الذي كان اختناقًا عوضًا عن عدمِه، شدّت شفاهها بغضب وقهر، يا الله كيف عساها تصمُت؟ ما الذي يريده من والدِها، ما الذي يريدهُ منه بالضبط ولمَ هو تحديدًا؟!! كيف تصمت، كيفَ تراقبُه وتخنُق الكلماتَ في حنجرتها؟!
ظهرَت انفعالاتُها جليًا أمام جيهان التي كانت تنظُر لها دون استيعابٍ للتقاسيمِ التي تظهرُ على وجهها، أعـادت نظراتها إلى والدها وذاك الشابْ، ليان تقفُ معهما، يُمسك بِها يوسف وينحنِي ذاك الرجُل إليها وهو يداعبُ شعرها ويُحادِثه بينما ليان لا تفقـه ما يقولان.
نظرَاتُ أرجوان غاضِبة! بطريقةٍ مـا كان يملأوها الغضب! . . في حينِ كانت عينيْ أرجوان تشتعِل بغضبٍ وهي تشدُّ على أسنانها وتصرخ داخلها " لا تلمسها "!!
أخرجتها جيهان من حالـة الصراخ الداخلـي والغضب الذي تلبّسها بصمتٍ كاد أن يفجّرها : لو ما أعرفك كنت بقول ودك تشوفين خشّته وخاقة عليه عشان كذا جيتِ تراكضين لما قلت وسيم . . . . . ليش معصّبة؟
تفاجأت أرجوان من سؤالها، ماذا كانت تظنُّ؟ بالتأكيد كان غضبها هذا ليكون واضحًا! . . مرّرت لسانها على شفتيها ومن ثمّ ضيّقت عينيها قليلًا لتهتفَ بنبرةٍ هادئـةٍ كذبةً ارتدَت وشـاح الحقيقة : ما أبي أبوي يعرف هالأشكـال ... يكفّي وثق بالأول ذاك وطلع حقير.
جيهان دون فهمٍ حتى الآن لحجمِ غضبها عقدت حاجبيها قليلًا، وبهدوء : شوفي أنا صح من البداية مو متطمّنة له وقلتها، شكله من نسل مسيلمة الكذاب بس عمومًا ما أتوقعه يعني نذل وحقير على قولتك .. بس متصنّع واضح هالشيء.
ابتسمَت بسخرية، متصنّعٌ فقط؟ لم يتوقّف الأمـر عند تلك الصفة، ذلك الرجُل خطير ! خطيــرٌ بدرجة لا تكفِي الكلماتُ لتصفه!!
في الأسفل ، استقـام تميم يكتمُ ضحكتهُ بملامِح هادئة يتصنّع بها عدمَ الفهم وهو يسمعُ ليان التي نظرت لوالدها بتذمّرٍ وهي تلفظ بخفوت : وش تقولون؟
نظر لها يوسف وهو يبتسم : بعدين أقولك حبيبتي خليك بس عاقلة.
ليان تعقدُ حاجبيها وكأنّها تحاول التأكّد من أمرٍ ما تذكره ، وبتساؤل تقتربُ منه وكأنّها لا تريد لتميم أن يسمـعها : هذا اللي كان معانا بالمطعم صح؟
ابتسم حتى ظهرت أسنانه وهو يفهم أيّ مطعمٍ تقصد وأيّ يوم، حين سلّم عليه وبقيا يتحدّثان لدقائق، هزّ رأسه بالإيجابِ وهو يلفظ : أيه حبيبتي.
ليان : اها كانت جوج تقول عنه كذّاب وحلو .. عرفته عرفته.
بهتت ملامِحه قليلًا إلا أنه لم يفقدْ ابتسامتهُ التي ارتبكت وهو يزفُر ويشكر الله أنّه لا يفهم حديثها، ستجلب أحداهما لهُ مصيبةً ذات اليوم! جيهان أو لسان ليان الذي يسرد ببراءةً كلّ ما تسمع !!
بينما حافظَ تميم على قناعهِ الهادئ أمامه، يتصنّع عدم الفهم وهو يلفظُ بابتسامةٍ هادئة : اسمح لي.
أومأ لهُ يوسف بصمت، ليتحرّك تميم مبتعدًا ، وما إن استدارَ حتى رفعَ حاجبه الأيسر بتفكيرٍ عميق/غاضبٍ بعض الشيء، من تقصِد بـ " جوج؟ " أكانت تلك التي تصادم معها البارحة أم الأخـرى؟ لا يدري أيّ مطعمٍ قصدت وفي أيّ يوم .. لكنْ لو أنّها كانت نفس الفتاة وهذهِ الجملة في وقتٍ قريب لما ألحقتها بوصفٍ مادِحٍ كـ " حلو "!
ابتسمَ ابتسامةً باردةً وساخـرةً في آن ، لنرى إلى أين سنصِل !!
يُتبــع . .