كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
تكملـة الجُزء (81)*1
في قصيدتي قافيـة ، لا تُجيد الا الانكسـار على كلماتِ العتـاب، في قصيدتي وزنٌ انشطـر ، وتعبيرٌ باهِت ، وأطلالٌ تبكِي بعد أن طفـح من دمعِي الكثير ولم تستطِع حمله . . في قصيدتِي أقصوصـةٌ بلاغية ، والتحـام ، ومغيبٌ يسافـر فوق سفينـة الشروقِ ويهزمه بثقلِه . .
أسدلَت خمـارَ الانطفاءِ في شاشـة هاتِفها وهي تضعهُ جانبًا ، كـانت تقرأ نصوصًا نثريةً استوقفتها الأخيرةُ في صورةِ قصيدةٍ مكسورة تحكِيها .. رفعَت وجهها الهادئ ببطء لتنظُر لام سيف التي كانت تُحاكيها ، ابتسمَت ، لم تكُن تدري فعليًا ما قالت لكنّها ابتسمَت ، هل عقلها بالفعـل مسافرٌ إليه قلقًا؟ منذُ استيقظَ في الصباح بل منذ البارحـةِ وهو مزاجـه سيءٌ لأجل ابنه.
ام سيف بتساؤل : ما قالّك سيف متى بيرجع اليوم؟
ديما : ما قـال ، بس أتوقع بيتأخر ، هو حاليًا مع زياد.
ام سيف بعبُوس : الله لا يفجعنا بس.
سمعا صوتَ البابِ الذي فُتِح ، استدارتـا ليظهر لهما سيف الذي دخـل وهو يضعُ شماغه على كتفِه وشعره الفوضويِّ يُظهر عبثَ كفيه اللتينِ مسّدتا الصداع فيه ، ألقـى السلام بصوتٍ هادئ ، ومن ثمّ اقتربَ منهما وهو يسمع صوتيهما في ردٍّ خافتٍ " وعليكم السلام ".
جلسَ بجانِب ديما ، بينما لفظَت امه بقلقٍ مستفسرة : شلونه؟
سيف بإجابةٍ موجزة : إن شاء الله خير.
ام سيف باحباط : إن شاء الله.
وجّهت ديما نظراتها إليه ، تصلّبت ملامِحها ما إن رأت عيناهُ تتغلغلُ عينيها في نظراتٍ غريبـةٍ ومُرهقةٍ كملامِحه ، ارتبكَت ، لكنّها لم تُحِد بأحداقها عنه ، بقيَت تنظُر لها ، يُرسل عبر عينيه كلمـاتٍ إليها ، ربّما يريد الشكوى أو أن يفرّغ مافي صدرِه بكلمـاتٍ ويرى أنّ جمودها حاجز ! لا تدري ، لكنّها شعرت بِه يريد قول شيءٍ ما!
زفـر سيف زفرةً عميقة ، ومن ثمّ وبشكلٍ لا مبـالي بمكانِهما مـال برأسهِ نحوها ، وضعهُ على حُجرها واستلقَى نصفَ استلقاءٍ على المساحة الفارغةِ في الأريكة ، أجفلتْ ديما بصدمة ، واحمرّت ملامحها وهي تفغرُ شفتيها بينما سيف يهتفُ بصوتٍ خافتٍ مبحوحٍ وهو يغمض عينيه : راسي يعورني.
ابتلعَت ريقها ، وعينيها ارتفعتا بحرجٍ إلى امه التي وقفَت بقلقٍ وهي تلفُظ : أجيب لك شيء تشربه !
ديما بارتباكٍ تحاول أن تتحرّك من أسفله : لا خالتي أنا برو . . .
قاطعتها امه بحزم : لا ! ما تشوفينه واضح يبيك جنبه ، أنا بروح اجيب له أي شيء يشربه ومعه حبوب لراسه.
اومأتْ باختنـاقٍ من حرجها، بينما ابتعدَت امه عنهما ، حينها ابتسمَ سيف ابتسامةً مُشاغبة وهو يهمس : يدينك دواء ، أحب ملمسها براسي.
عقدَت ديما حاجبيها بغضبٍ منه ، وبخفوتٍ حاد : ما تستحي؟
سيف بتجاهلُ الاجابة عليها : راسي يعورني.
ديما بضيقٍ وضعت كفيها على رأسه وقد فهمت ما يُريده، بدأت تدلكه لـه لتتسلّل تنهيدةُ إرهاقٍ من صدرِه إلى مسامعها، رقّت ملامحها رغمًا عنها، وبكفّين ناعمتين كـانت أصابعها تغرسُ في رأسه رغبةً في جعلِه يسترخِي، وتنعـم عيونها برؤية ملامحه تستريح.
،
انتهَت من تنظيفِ الصحونِ خلال أقل من عشرِ دقائقَ، كـانت قد خرجَت إلى غرفـة الجلُوس وهي تمدُّ ذراعيها المُرهقتينِ وتزفُر زفرةً طويلةً مُتعَبة ، لا تنكـر هذا الارتبـاك والتوتّر الذي كـان يتواتُر عليها طيلة الوقت الذي مضى وهي تفكّر بأدهم وبعنادها الطفوليّ الذي تمارسـه معه ، هل كان المفترض بها أن تتبعـه وتترك هذا التحدّي الذي لا معنـى له؟ .. لا معنى له! الأمـر بالنسبةِ لها ليس مجرّد تحدِي وعنادٍ ساذج ، لكنّها في العُمق تشعر بالقهر ، تشعُر بالحنق لأنّها تخضـع لهُ بطريقةٍ مـا، لم تكُن شدّةً منه بحجمِ ما كان الضعفُ منها! تخضعُ بطريقةٍ تجعلها مقهورةً من نفسها قبله ، واليوم تصاعدَ قهرها منه تحديدًا بعد الصباح.
دخَلت وهي ترفعُ كفيها لشعرها الذي تلفّه في " كعكة " صغيرةٍ نفذ منها معظم خصلاتها القصيرةِ بلونها البُنيّ، تعدّله وهي تلفُظ بهدوء : طلعت الأغراض اللي ممكن تحتاجينها . . أي حلى بتسويــ ن بالضبط ؟
تعرقلت أحرفها الأخيرة بربكةٍ واهنـة بعد أن سقطَت عينيها على أدهم الجـالس بجوارها، شتّت عينيها بحرجٍ مفاجئٍ لا تدري لمَ شعرت بهِ بعد أن رأته، بينما ابتسمَت سهى برقّة، وقبل أن تُجيب كان أدهم قد مـال إلى أذنها سريعًا ليهمـس بشيءٍ ما وابتسامته المشاكسة ترتسمُ على شفاهه، حينها ضحكت سهى بخفوتٍ وهي تلفظُ بصوتٍ وصل إلى إلين : خذوا راحتكم.
رفـع أدهم نظراته إليها دون أن يفقدَ ابتسامته، بينما ارتفعَ حاجبُ إلين بتوجّسٍ وحلقها يتحرّكُ دون اطمئنان ، وقفَ بهدوءٍ وسكون ، ومن ثمّ اقتربَ منها بخطواتٍ صلبـةٍ كملامحه التي ظهرت بصلابتِها بعد أن أدار سُهى ظهره ، ابتلعت إلين ريقها بتوجس، بينما وقف أدهم أمامها لثانية، قبل أن يمدَّ يدهُ ليُمسك عضدها ومن ثمّ يتحرّك بِها وهو يبتسمُ وينظُر لسهى : مثل ما قلت لك ، بسرقها كم دقيقة.
إلين بإجفال : هاه !
لم تستوعِب إلا وهي خارج الغرفـة معه ، ارتبكَت ، هربها منه الآن سيجيء انعكاسًا في ردّة فعله بالتأكيد ، ابتلعَت ريقها بربكةٍ ومن ثمّ حاولت سحب يدِها وهي تلفظُ بتوتّر : عيب ، بروح اجلس معها ما يصير اتركها.
أدهم يتظُر إليها نظرةً خاطفةً سرعان ما كسرها وهو يدير رأسه عنها ويبتسمُ بسخرية : لا ، عندك مذاكرة مو باقي لك امتحان بكرا؟
إلين بتوتر : أدهم والله عيب تسحبني كذا قدامها !
جذبها بقوّةٍ بعد أن استدارَ إليها لتصتدمَ بصدرِه الغاضب، ابتلعْت ريقها وهي ترفعُ ملامحها إليه، مال حاجبيها بربكة، بينما أمسك أدهم كتفيها بحدةٍ وهو يلفظ من بين أسنانه بغضب : ليه ما تسمعين الكلام؟
أخفضَت نظراتها عنه بصدّ ، حينها زمَّ شفتيهِ وهو يتركها ويتراجع للخلف، وبحزم : الحين تطلعين وتبدلين ملابسك . . كلامي الصبح ما راح أبدله.
شتّت أحداقها عنهُ وملامحها الواجمة تُظلم بقهر، وبكبت : مانِي جارية عندك!
أدهم بصدمةٍ رفع أحد حاحبيه : نعم !!
إلين ترفعُ وجهها إليه لتنفجرَ بغضبٍ احمرّت بهِ ملامحها : مانِي جارية عندك! لا تنتظر مني أرضيك بشكلي وكأنّي راقصة أستعرض لك!
انقلبَت ملامحـه المصدومة إلى ازدراءٍ ممتقُع! لم يعتقِد ولو لوهلةٍ أن تفكّر بتلك السطحية ، لذا كـان ردّها صادمًا جعلهُ يضعُ كفّه على كتفها قبل أن يزيحها من أمامه ليعُود إلى سهى وهو يلفظ بازدراء : شلون ما شفت منّك كل هالسطحية المُقرفة !!
استدارَت إلين بعد ابتعادِه، عقدَت حاجبيها بقهر، ومن ثمّ تمتمَت بصوتٍ وصل إليه رغم خفوته : انعكـاس حياتي معك!
،
بجنونٍ استغلت لحظـةَ ولوجِه للحمام ، كـانت تجلُس في المجلس معه ، زيـارةٌ هادئة لم يمرّ منها سوى ثُلث ساعة ، تراجعَت للمجلسِ بعد أن أوصلته للحمام ، نظرت للطاولة الدائريّة التي كـانت أمامه ، كـأسٌ من الشايِ بالنعناعِ انتصف، بجانِبهِ هاتفه ومحفظته . . عضّت زاويـة شفتها السُفلى بعد أن أمالتـها قليلًا ، ما ستفعله وقاحة! لكنّها تشعر أنها تريد فعلهُ وتصحيحَ خطئِها ، هل هذا صحيحٌ أم من ضربِ الجُنون؟
ابتلعَت ريقها قليلًا وهي تجلسُ بجانِب المكان الذي كان يجلسُ فيه والذي لازال يحمِل دفء جسدِه، مدّت يدها لهاتِفه وهي ترسمُ الاصرار على وجهها ، لا داعِي للتردد ، حسنًا ، ما ستفعله جنون وربما وقاحة ، لكن لا أحـد يشعُر بألـم ضميرها وتأنيبها لذاتها بسبب هذا الذنب، لذا تريد أن تصحّح ما فعلت ، أن تخرج من كلّ هذا دون شيء!
أخذت هاتفه وهي تدعُو الله في نفسها أن لا يكون لهُ كلمة مرور ، مرّرت لسانها على شفتيها ، تشعُر بالحرجِ من تطفلها هذا لكنّها في النهاية فتحتهُ لتبتسـم وهي تجدهُ دون قيود، تنفّست بعمق ، واستعجلت خطواتَ اصابعها لتتّجه للأرقـام التي يخزّنها حتى تبحث عن رقمها باسم " جيهان " . . لا شيء! . . زفرت بإحباط ، إن لم يسجّلها باسمها فكيف ستعرف ما الاسم الذي قد يطرأ على عقله؟ . . وضعَت الهاتِف بإحباط، ومن ثمّ مطّت فمها جانبًا وهي تتراجـع للخلفِ وتسندُ ظهرها على ظهرِ الأريكة ، ربّما من الغبـاء أن فكّرت بهذهِ الخطوة ، في النهاية لا مجـال للتخمينات، لا تضمن أنّه يحتفظُ برقمها حتى الآن في هاتِفه! لم تكُن تدرك أنّه يحفظه في قلبـه ، تسيرُ أصابعه إليه دون تفكير ، لا يشعُر إلا وهو قد كتبَه ، لم تكُن تدري أنّ تفاصيلها لا مجـال لحفظها، فهي طموحٌ لا يحتاج دراسة ، يصل إليه بقلبه.
انتبهَت لصوت خطواتِه تقترب ، لم تكُن قد انتبهت لفكرةِ تغيّر مكانها لذا لم تتحرّك ، دخـل فواز ليعقدَ حاجبيه ما إن رآها تجلسُ بجوارِ موضعِ جلوسه، استنكر ، لكنّه ابتسم أخيرًا ابتسامةً هادئة، لم تكُن تريد أن تجلسَ قريبةً منه، كـانت على بعدٍ طفيفٍ بعكس الآن، غريب ما الذي جعلها تبدّل مكان جلوسها؟
لم يبـالي بأفكارِه تلك وهو يجلسُ في مكانه، شعر بها تنتفض فجأة، كانت قد أدركت أين كانت تجلس! ارتبكت وهي تقفُ وتتأتأ بربكـةٍ لا تدري ما تقول : بجيب لك . . .
فواز يُقاطعها بكفّه قبل صوتِه ، أمسكَ بيدِها وهو يلفظُ بهدوءٍ مبتسم : ما أبي شيء ، اجلسي.
جنان تحاول سحب يدِها وهي تزفُر بربكة : لا برجع مكاني.
فواز يكتم ضحكته، يستنكر ما تفعـله، تأتي لتجلس هنا في لحظةِ خروجه وما إن عاد حتى أرادت العودة لمكانها! : ليه أجل جلستِ هنا؟
لم تدري أنّ وجنتها احمرّت بحرجٍ واضطرابُ موقفها جعلها تُشتّت أحداقها عنه، لا تجدُ تبريرًا على حماقتها، لذا وجدَت نفسها تجلسُ بجانِبه قسرًا لتشعُر بدفء جسده القريب يتسلّلُ إلى حاسّة اللمـس لديها.
فوّاز باسترخاء يُعيد جسدهُ للخلف ، يلفظُ بنبرةٍ مسترخيةٍ عانقتها زفـرةٌ خافتة : فارس على وصول ... عارف بتقولين بخاطرك أحسن !
جنان تبتسمُ دون أن تلتفت إليه : أحسن.
فواز : هههههههههههههههه نفسيّة !
نظرت إليه بوجوم : والله ما التفسية إلا أنت !
سمعْت في تلك اللحظة صوت الجرسِ جاء بعيدًا بعض الشيء، عقدَت حاجبيها ، ومن ثمّ نهضَت وهي تلفظُ بهدوء : راجعة لك.
خرجَت من المجلس بعد أن كـان آخر تعبيرِه إيماءةً صامتة، اتّجهت للباب ، من قد يأتيهم؟ فارس لم يكُن ليضرب جرس الباب بل ليدخل !!
وقفَت أمامه، ومن ثمّ رفعَت وشاحها الذي كان على كتفيها لتغطّي بِه رأسها ، ابتسامةٌ ناعمـة ترتسمُ بتلقائيةٍ وهي تفتحُه ، لكنّ تلك الابتسامة تلاشَت ... ما إن ظهر لعينيها . . . . هيثم !!!!
،
وضعَت الكتاب الذي كـانت تقرأهُ جانبًا ، تستلقِي على ظهرها وعيونها تتعلّقُ بالأعلى/بالفراغ ، الضيقُ يكبـس عليها منذُ الصبـاح وبعد سؤال والدها ذاك ، كانت قد سألت نفسها قبلًا أسئلةً تحملُ ذات المعنى، هل ندمَت على لحظـةً قـال فيها " طالق "؟ هل تتمنّى العودة إليه؟ وكـانت جوابها نعم للسؤال الأول ، ولا للآخـر ، مهما اتّسعت آلامها من غيابِه، لكنّها لم تكُن لتحتمل الركـض خلفه ، مهما كـان مستوى هذا الحُب في قلبها ، إلا أنها تعترف بأنّ حبها الآن لا تظنّه كحبه لها قبلًا - ولم تعُد متأكدةً منه الآن -، وإن كـان بكلّ الحُب من قبـل قد بدأ وقرّر أن يسكُن لامرأةٍ سواها فلمَ لا تستطِيع هي؟ . . ورغـم كلّ ذلك ، لمَ أخرسها سؤال والدها ، وشتّتها بتلك الطريقةِ الموجعة؟
انقلبت على بطنِها، ومن ثمّ أسندَت ذقنها على كفيها فوق الوسادةِ وهي تتنهّد بسكُون ، سمعَت صوت البابِ يفتح، حينها حرّكت أحداقها فقط دون رأسها، نظـرت لأرجوان من زاويـةِ عينيها ، بينما دخلت تلك وهي ترسُم ابتسامةً ناعمـةً على شفتيها ، أشاحَت جيهان نظراتها عنها، في حين قفزت أرجوان للجلُوس بجانبها وهي تلفظُ بحماسٍ محاولةً جعلها تخرج من حالةِ السكون هذه : استأذنت أبوي نطلـع ، هالمرة واضح تعدّى الموضوع وما صار خايف علينا.
عقدَت حاجبيها بصمت، ودون أن تردّ كانت تُشيح رأسها عنها هذهِ المرّة وليس فقط عينيها ، تنهّدت أرجوان وهي تنحني إليها وتلفظَ بيأسٍ منها : ماش ما تحمسين ، تراه ما وافق نطلع بروحنا .. بيجي معنا وقالي اقولك تجهزين ... قومي.
جيهان ببرود : ما أبي أطلع.
أرجوان بضيق : لا بتطلعين ، ودي أروح السوق لا تحشريني مع مزاجك.
جيهان بغضبٍ انفجرت به نظرت إليها : ماني رايحة مكان ، انقلعي من وجهي !!
: جيــهان!
التفتتا لصوتِ يوسف الحـازم الذي جاء من الباب، كان يقفُ وهو يضعُ كفّه على إطاره ونظراته الحازمـةِ اخترقتها بثباتها ، مُردفًا بشكلٍ يُنهي الحديثَ ورفضها : عشر دقايق وتكونين جاهزة.
قطّبت جبينها بضيق وألم، في حينِ ابتعدَ يوسف عن الغرفة بعد أمـره . . نهضَت بوجعٍ لتتّجه لخزانتها بانصيـاعٍ كئيب !! وعينيْ أرجوان تتابعها بحسرة.
،
كسرتْ شهقتُها الصاخبة هدوء المكان الذي نفذَ إليه بعد كلماتِه تلك ، ارتفعَ وجهه الغاضبُ فجأة، لم تُبالِي بقسوةِ ملامِحه وهي تندفعُ إليه بهرولةٍ مرتبكة، تقفُ أمامه وجسدها المضطربُ كاد يسقُط عليه من اندفاعها إلا أنها اتّزنت أخيرًا أمامهُ وهي تلفظُ بذهولٍ وعينيها تتّسعان بجنون : وش صار؟ من وين هالدم؟
اقتربَت حتى لامَست بأصابِعها العاريـةِ مقدّمة حذائه، بينما كان هو قد أخفض وجهه، وعينيه تقسوانِ أكثر ، تشتدُّ ملامحهُ بتصلّبها ، يشعُر بها تضعُ كفّها على كتفِه فيقشعرَّ جسدهُ تلقائيًا بانتفاضةٍ نافـرةٍ ومن ثمّ يرفعُ عينيها إليه بانفجار، دفعها عنهُ بكفّه من صدرِها لتتراجـع للخلفِ دون استيعاب . . دمعـةُ خوفٍ وقلقٍ كانت قد تعلّقت على رمشِها، انفراجةٌ طفيفةٌ ما بينَ شفتيها كـانت تحكِي قصّة اختنـاق، أنّها تتنفّس من فمها بعد أن غُلِّف أنفها برائحـةِ دماءٍ توهّمتها من الذُّعر . .
وقفَ سلطان بطريقةٍ حادّة ، بوجههُ القاسي وعيناهُ اللتين اتّسعتا بغضبٍ وهو يلفظُ بخفوتٍ آمر : اطلعي.
لم تشعُر بنفسِها أنّها كانت تهزُّ رأسها بالنفي، وجهها رغـم الخوفِ كان قد تصلّب بحدةِ مشاعـرها والقلق ، لم تكُن لتنصـاع وهي ترى هذهِ الدماء على ملابِسه، لم تستوعبْ أن كَمّها يعنِي جرحًا بليغًا ، لم تستوعب أنّها لو كانت دماؤه لسقطَ أمامها من بلاغـة جرحِه ، لم يكُن ليقفَ أمامها بهذهِ الصلابة ، لكنّ عقلها غابَ في تلك اللحظـة عن المنطِق وظلّت تنظُر إليه بعيونٍ نهمَةٍ للسلامة.
ارتفعَت حواجبه بصدمةٍ من هزّها لرأسها بتلك الطريقة " رفضًا "، شدّ على أسنانه بغضب، ومن ثمّ اقتربَ منها ، لا يحتمـل وقوفها أمامه ، قد يقتلها في أيّ لحظـةٍ لذا يريدها أن تتلاشـى ، يريدها أن تختفِي قبل أن يصِل بهِ غضبه إلى قتلها.
شدّ بقبضتِه على عضدها، وجدَت نفسها ترتفعُ على أصابعها من شدِّه لها، ألـمٌ تسلّل إلى عظامها، عقلها لم يستوعبْ بعد ولازَال مغيّبًا ، لازال قلبها ينبِض بانفعال ، لازال جسدها يُدرُّ الأدرينالينَ وصورةٌ واحدةٌ تأتِيها . . سلطان تأذّى! لطالمـا كانت مشاعرها تعنِي أن يغيبَ عقلها ، لو لم تكُن كذلك لما وصلَت لهذهِ الحالةِ مع سلطان، لو لم تكُن كذاك لمَا ضلَّت منذ البداية.
همسَ من بينِ أسنانهِ بغضبٍ وهو يتحرّك ويجذبها معه كي يُخرجها قسرًا : اذلفي من وجهي.
غزل بانفعالٍ ونبرةٍ باكيةٍ تقاومُه وتتشبّث بالأرضِ بقوّة : من وين هالدم؟ وش صارلك بالأول !!
سلطان يكادُ ينفجرُ وتندفعُ كفّهُ بصفعةٍ جديدةٍ ربّما! صرخ : اطلعي يا بنت أحمـد كانِك تبين تظلّين بعد هاللحظة بخير !!
لا تدرِي كيف استطاعَت سحبَ عضدها، كيفَ استطاعت هزيمة قبضتِه وكيف امتلكَت القوّة لتقفَ أمامهُ بانفعـالٍ - صلب! ، وجَدت عيناها تطوفانِ على كتفِه وصدره الذي يتحرّكُ مرتفعًا ومنخفضًا بانفعالِه، كـان قميصُه المتّسخَ بحُمرةٍ لازال يُغطّيه عن جُرح! لا ، هل هذهِ دماءٌ من جراح!!، تحاول أن تستوعبْ ، تحاول أن تدرك في هذهِ اللحظاتِ السريعةِ إن كـان أصابه شيءٌ مـا . . وكأنّها استوعَبت ، لم يكُن ليقفَ بهذهِ القوّة لو كان مصابًا إصابةً تُدرُّ بهذِه الدماء!
ارتعشَت شفاهها، وفي اللحظة التي شعرت فيها بكفّيهِ تقبضانِ على عضديها بقسوةٍ حتى سرَت الرعشـةُ إلى كامِل جسدها ، وانزلقَت تلك الدمعـةُ من رمشها بعد حالـة الذعرِ هذه!
هتف بحدةٍ وبصوتٍ كـان يكبُت رغبةً بخنقِها وإزهاق روحها : اطلعي ... اطلعي والحين . . روحي عن وجهي !!
عضّت شفتها تُخرسُ ارتعاشـاتها، لونٌ من اختنـاقٍ كان اختنـاقُ الحديثِ في حنجرتها ، لم تجِد من عبثِ الأحداث السيئة الآن بها إلا أن يكُون قد تأذّى ، لا فكـرة قد تقتلها إلا الآن ، لا فكـرة قد تبثّها الدقائِق إلى عقلها وتحطّمها سوى أن لا يكون بخير ! . . رفعَت كفّها ، ووضعتها على موضِع النبضِ في صدرِها وهي تنظُر للأرض ، إلى موضِع قدمِه ، لم تكُن لتستطِيع التحرّك والخروج كما يريد الآن، ساقيها في لحظـةِ تلاشي صارت بمكنونٍ هُلاميّ، صـارت باكية، كقلبها الذي خافَ عليه ولم يخافه منه الآن، وكعينيها اللتين درّتـا على وجنتيها غيثًا من الراحـة!!!
ترك عضديها ليدفعها وتتراجـع للخلفِ قليلًا متّزنـة بتعرقل! تستفزّهُ بما تفعل ، بهذا السكُون وعدم الانصيـاع لما يقول! لا يكفِيه الآن صدامٌ لا يضمَنُ فيه أن لا يهدر دماءها، كـان يتجاهل وجودها لأيّامٍ حتى شعر بأنّه قد هدأ! هدأ ولو هدوءً كاذبًا ، لكنّ التقاءه بها البارحـة أعاد في صدرِه أعاصير من الحقدِ والكره.
فتحَ فمه يريد أن يرميها بشيءٍ مـا ، لكنّها كانت قد رفعَت وجهها ليظهَر لهُ بألمِه ، قوّست فمها، ونطقَت قبل أن ينطُق بشيء، سابقتـه من العدم : بعد هاللحظة ، الخير اللي أعرفه إنّك بخير وبس!
سلطان بجمود : برى !
ابتسمَت باهتزاز، لم تكُن تسوِّي من الصمتِ سوى أهازيج ، يُكوّرُ في فمها شكر ، في جبينها سجدة، في أنفها تلامُسٌ يعنِي فيه أن تشكُر كمَا علّمها ، من المُجحِف أن لا أضمِّنَك مع سجداتِ الشُكر وألتهمَ من الدعـاء إنابةً بأن تستوِي أيامُنا ، من المجحِف أيضًا أن أطمع بِك! بعد كل شيءٍ أطمـع بِك رغـم المكانـة التي تتّسع بينكَ وبيني على سُلَّمِ التفاضُل.
تراجعَت للخلفِ وهي تُخفضُ وجهها، لكنّها فجأةً توقّفت ، وأعادت نظراتها لملامحه الجامـدة ، تحرّكت خطواتهَا للأمام - إليه ، وفي لحظةٍ مـا كانت قد وقفَت أمامه مباشرة، جسدها يكادُ يلامـس جسده . . عقدَت حاجبيها، ومن ثمّ همسَت بخفوتٍ مختنق : تدري وش أقسى عقاب ممكن يجيني منّك على اللي سويته فيك؟
لم تتغيّر ملامحه ، بل ظلّ ينظُر لها بجمود ، إلا أنها كانت تقرأ في عينيه بعضًا من شراراتِ احتقارِه! وبعضًا من الاستخفاف والكثير من السخرية . . أردفت بخيبة : بعد جفاك بُعدي عنّك . . هذا اللي فيه موتِي.
ارتفعَت زاويـةُ فمِه بسخرية، وبهدوءٍ يسبُق عاصفتهُ ربّما! : طريقة أسرع عشان أطلقك!
هزّت رأسها بالنفْيِ وابتسامتها تتقوّس للأسفل، وبهمس ، أنفاسها اقتربَ جلدُه من استشعارِها أسفل قميصه ، كـانت تقتربُ أكثر ، تقتربُ أكثر، وكأنّها تهمسُ للبُعد أن ينتظر، تهربُ من مصيرها معه ، من مصيرها الأكِيد معه : لو الموضوع بيدي ، ما يكون بيننا شيء اسمه طلاق ولا بعدت عنك أبد . . لو الموضوع بيدّي كنت ظليت تحتك وأنت سماي ما يسقيني إلا أنت ... أنا من دونك ميتة!
جملةٌ قديمـة ، قالتها لهُ مرّة، وأعادتها الآن بنبرةٍ مُرّة ، جملةٌ تعني أنّه الحيـاةُ وبريقها وأنّها سواه عدَم!
سلطان باحتقار : أي ثقة هذي تخليك تظنين إنّي بصدّق مشاعرك؟
غزل : وإن صدّقتها بيختلف شيء؟
سلطان : بس بتلذّذ أكثر.
غزل تبتلعُ غصّتها : اللي مخليك كِذا أيش؟ أيش اللي قاهرك أكثر؟ حقيقتي ، وإلا إنّي كذبت عليك؟! * أردفت بعد أن مرّرت طرف لسانها على شفتيها الجافتين * الثانية مالها مُكمّلات ، كل شيء واضح لعيونك وما عندي أي عذر لأنّ كل الأعذار بتكون تافهة بالنسبة لك وما تستحق ... بس بالأولى أرجوك لا تتصوّر الأحداث من نفسَك!! يمكن تظلمني ! .. أبي أقولك كل شيء ، وبراحتك بعدها لو صدقتني أو لا ، بس أبي أحكي ... تكفى!
رفعَ حاجبهُ الأيسر وهو ينظُر لها بحدّة ، عيناه انخفضتا ، يقيّم قربها الوقح منه! لم يتراجـع وهو يلفظُ بنبرةٍ ظهر التقزّز فيها واضحًا : لا تتجاوزين المسافة بيننا ، ابعدي.
شعرت ببرودةٍ في أطرافها وهي تتراجـع للخلفِ بربكة ، بينما أردف سلطان وهو يبتسـم تلك الابتسامة التي تحتوِي فمه في اللحظـاتِ التي يتلذّذ فيها بإذلالها، ابتسامته التي لا معنى لها! : ترجّيني أسمع قذارتك.
غزل بأسى تقطّب جبينها، يتعرقلُ صدرها بأنفاسه، تهبطُ نبضاتُها وتشعُر بحرارةٍ تقترفُها على أعصابِها ، تهمسُ بيأسٍ وهي تُخفض نظراتها للأسفل : تكفى . .
سلطان ببرودٍ دون أن يفقد بسمته تلك : ما نلعب احنا . . هالكلمة ما تكفي . . ترجيني أكثر وأكثر.
عقدَت حاجبيها، ودون أن تنظُر لهُ عضّت شفتَها بألمٍ وهي تهتفُ بنبرةٍ انفجرتْ من صدرِها بأنينٍ مهزوم ، كـانت دموعها قد جفّت، كـانت وجنتها قاحلـة، ودمعاتها التي سقطَت كانت لخوفِها عليه، لكنْ الآن لم تسقُط دمعةً لأجـل نفسها! ملّت البكاءَ لنفسها ، وآثرت هذهِ المرّة ، أن تمتلك ملوحتها صلابةً لا تُذيبها انهزامًا، أن يمتلك صوتها ثباتًا، وانفجار! : مرّة وحـدة ورجّال واحد ... كانت بدون وعيي !!
لم يستوعب ، عقدَ حاجبيه دون إدراكٍ لانفجارها في البداية ، لكنّه ما إن استوعبَ كلماتها حتى اتّسعت أحداقه باشتعـالٍ غاضب . . تراجعَت غزل للخلفِ وهي تنظُر لوجههِ الغاضب بخوف ، ابتلعَت ريقها ، وهي تدركُ أنّ اندفاعها بالحدِيث لم يكُن ليصدّقه، لكنّها الطريقة الوحيدة لجعل الحقيقة تصله إن كـان لا يريدها! . . اقتربَ منها بخطوةٍ تحمِل في طيّاتها وعيدًا ما . . تشنّجت شفاهها، كفّها اليُمنى تقبضها أسفل صدرها وهي تتراجـع خطوةً أخـرى ، وتلفظُ بنبرةٍ مختنقةٍ تُتابـع ما أرادَت قوله ورفض هو دون رجاءٍ يذلّها بِه! : الكذبة اللي كذبتها عليك عشان أظـل معك كانت حقيقة ، حقيقة بس بطريقة ثانية ... ما أدري إذا من حقي أسمّيه اغتصاب بس ما كنت بوعيي وقتها ولا كنت برضى! أ .. أ ..
تعثّرت كلماتها، وظهرها التصقَ بالجدارِ أخيرًا بعد أن انتهـى مجـال الهروبِ أمامه، وقفَ أمامها، وانعكَف قليلًا إليها وهو يضعُ كفّه بعصبيّةٍ بالغـة بجانِب رأسها على الجدار ، برزَ عرقُ عنقه ، جانبٌ نبـض وأنفاسه ارتفعَت، تدرك كم أنّ استرجـاع لحظةٍ كهذهِ أمامه لن يكون سماعها بهدوء! تدرك أنّ غضبـه الآن قارس، لكنّها رغـم ذلك تابعت، وعيناها متعلّقتـان بعينيهِ في أمَلٍ ميّت : صـار هالشيء قبل يوم ملكتنا .. ما .. ما كنت أقصد أتزوجك رغم اللي صار ... قبل لا أكون مجبورة من أبوي ما حسيت بعمري وكنت مسيّرة ، كانت غلطتِي ما رفضت ، بس ، بس حتى لو رفضت ... كنت راح أنجبــ . .
صرخَت صرخةً مختنقـةً ما إن شعرت بكفّه تضربُ الجدارَ بجانِب رأسها بقوّة ، تكوّرت قبضتـه واندفعَت دون أن يبالـي بأذى مفاصِله ، ملامحـه تقسو ، تتصلّب ، شفاهُه المتشنّجة تنطبِقُ دون أن تجِد كلمـةً تعبّر عمّا يريد بصقه عليها، وعيناه وحدها ما كانت تتحرّك ، تتّسع أجفانه، مُحيطةً عدستهما اللتينِ تتحركان على وجهها باحتقار . . لم تدرِي ما كـانت ردّة فعله داخليًا دون الغضب ، لكنّها خافَت ، خشيَت ممّا كان فيه وهي تُشيح وجهها جانبًا بعيدًا عن قبضته التي كانت بجوارِ رأسها، يُذيب بشرتها بأنفاسِه التي أسندَت نفسها على خدّها بعد أن أخفض وجهه قليلًا إليها، وبهمسٍ خافتٍ محتقر : شلون وصل لك؟
أغمضَت عينيها بحُزن، هل يجِب عليها الآن أن تفرح ولو قليلًا لأنّه استجاب بسؤاله؟ هل يجب أن تفرح؟ أم أنّ سؤالـه الآن لهُ تأويلٌ آخر ، لهُ معنى سوى التصديق !!
أغمضَت عينيها بحُزن ، كـان حزنًا، لأنّها كـانت القافلة التي أوصلته إليها! لأنّها كـانت الهدف، وكـانت طريق الوصول إليه! . . همسَت بانهزام، وباحتقارٍ أكبـر .. لنفسها! : غلطة.
سلطان بنبرةٍ غاضبـةٍ تشتدُّ كعاصفـةٍ تقتلعُ الاخضرارَ من جذورِه ولا تتركُ سوى الاصفرار الشاحب! : يعنِي؟!!
غزل بخوفٍ ينكمـش جسدها وهي تقبضُ بأجفانِها على عينيها أكثر : كنت ، كنت على علاقة فيه وأتواصل معه . .
تضاعَف تقوقعها حول جسدِها ما إن شعرت بِه يلتصقُ بها وزفرةٌ غاضبةٌ تسلّلت من صدرِه بعنف! تنفّست بسرعة، وانبثقَ اكتمُال الحديثِ منفعلًا كسرعة أنفاسها : ما عرفت الصلاة ، وما نهتني عن الفحشاء والمنكر ، ما كنت أدري إنّ تواصلـي معه بيوصلني لهالشيء! وما كنت أدري إنّي مرخصة نفسي . . ما عمري طلعت معه مرة وحدة وكنت أرفض ، تواصلي معه ما تجاوز الجوال، ويوم تجاوز بسبب غبائي استغل هالشيء ، و ، و انتهيت . . . ما قصدت أكون رخيصة! ما قصدت أكون لغيرك بغيـر الحلال ، ما قصدت أصلًا أكون لغيرك !
،
تعبثُ يدهُ بينَ كُتبِ مكتبتِه الصغيرة في غرفته، بينما كان سلمـان يستلقِي على سريرِه وهو يعقدُ حاجبيه بانزعاجٍ من تواجُده ، ليلفظَ بهدوء : يكفّي عناد لهنا .. تقدر تروح.
عناد يستديرُ إليه وهو يرفعُ حاجبًا ، وبتساؤلٍ ساخر : كرهت جلستي معك؟
سلمان ببرود : اطلع.
عناد : عفوًا ! أنا كلّفت نفسي حارس لك . . معليش بظل معك وأهتم فيك لين أضمن إنّك خلاص بخير.
سلمان يُغمض عينيه بيأسٍ وهو يُعيد رأسه للوسادة : يا صبر أيوب ! . . متأكد مو لله !!
عناد بضحكة : أفا! لا تسيء ظنّي!
سلمان بجمودٍ دون أن يوجّه أحداقه إليه : وش تبي من قعدتك معي؟
عناد : ههههههههههههههههه والله ما أبي شيء! شدعوى يا الشيخ مو بهالطريقة!
تنهّد سلمانْ وهو يضعُ ذراعه على عينيه ، وبهدوء : روح شوف سلطان شلونه اليوم.
عناد بابتسامة : نصّبتوني مرسـال لكم ! .. تراه بدا يشك فيني.
سلمان : أحسن.
عناد : هههههههههههههههه حاقد علي ليه !
ابتسمَ سلمان دون أن يعلّق ، بينما تحرّك عنـاد باتّجاه بابِ الغرفة مُقرّرًا الخروج وإهداءه لحظاتِ استرخاءٍ لوحدِه.
،
وقفَ أمامهُ في مواجهـةٍ صامتة، حديثُ شفاه ، تقويسـة حاجبينِ بغضب ، ونبرةٌ تصخُب بالاحتقـار.
ابتسم تميم وهو يرفعُ كفّه ليضعها أخيرًا على كتفِ بدر الذي انتفـض بنفورٍ وتراجـع للخلفِ بغضبٍ ناري ، وبحقد : لا تلمسني بقذارتك.
تميم بسخريةٍ مُستفزّة ويدهُ تعلّقت في الهواءِ بعد أن ابتعَد : رجعت كلّمته؟
بدر وقد فهم جيدًا من يقصد : وش كنت تقصد بحركتك الأخيرة بالضبط !
تميم بابتسامة : ولا شيء من اللي صـار ، كانت ضربة حظ ، بس ما يهم كل الطرق تؤدِّي إلى روما في النهاية.
زفـر بدر وهو يكبتُ غضبه، أغمـض عينيه بلحظـة صمت، بينما ظهرَ لعينيْ تميمْ في تلك اللحظـة طيفٌ ابتعد ، عقـد حاحبيه وملامحه احتدّت فجأة ، وبنبرةٍ تثلّجت وتجمّدت بصقيعٍ صامت : ضيعت وقتِي.
تحرّك بعد جملته السريعة تلك ، بينما التفتَ بدر إليه بغضبٍ بعد أن تجـاوزه ، كـاد يلحق بِه وربّما يلكمه! لكنّ صوتَ هاتِفه الذي تصاعَد برنينِه جعله يتوقّف في مكانِه ، ومن ثمّ يخرجه من جيبِه.
في جهةٍ أخـرى ، سارَت خطواتُها بعجلةٍ مرتبكـة، ملامِحها بهتَ لونُها ، عقلها تشوّش فجأة ، تضاربَت الأفكـار في رأسها ، أحدُ الواقفيْنِ رجُل أساء لوالدِها وكان نهايـة كلامِه معه خصامٌ دلَّ أنه كان يستشعِر خطرًا بسببِه وفي النهاية هو الخطر! يقفُ مع شخصٍ آخر ، يهدِي أباها ابتساماتٍ ويحادثهُ بعينينِ بريئتين . . ماذا يعني وقوفهما معًا سوى أنّهما يعرفان بعضًا؟ إذن فالآخر يخدعه أيضًا كما فعـل الأول، الآخر شريكٌ له !!!
شهقَت فجأةً بصدمةٍ وذعر ، انتفـض جسدُها لتُدير رأسها بعنفٍ إلى الذي وقف بجوارِها، مُمسكًا بيدِها ! . . برودةٌ تسلِلت لأطرافِها ، تصلّبت مفاصِلها بذهُول ، لا تستوعِب أنّه يمسك بها ، ويسير بجانِبها بملامـح مسترخيةٍ وكأنّه لم يكُن يفعل شيئًا !!
ابتسمَ تميم بهدوءٍ وهو يشعُر بها تحاول الابتعاد وجذبَ كفّها من يدِه بعنفه، لم تكُن قوّتها شيئًا أمامه، وانعكَست الطاولـة ، شدّ هو بيدِه على يدها، ومن ثمّ سيطر على اتّجـاه المسير، أصبح يسحبها معهُ قسرًا . . . إلى أين؟!!! لا ، ما الذي يحدُث بالضبط !!!!
شعرت بالجنُون الذي تعيشـه ، عيناها غامَت فيهما الرؤية من ذهولِها وخوفها، تتّسع بهلـع ، وتجدُ نفسها تحاول المقاومة وهي تلفظُ بنبرةٍ متعثّرة، مختنقة ، بعنفٍ ونفورٍ لم تستوِعب أنها كانت تتحدّث بالعربية من رعبها : اتركني .. اتركني وإلا بلمّ عليك هالنـاس اللي حولنا !
تحوّرت ابتسامـة تميم أكثر في سخريةٍ دون أن يتوقّف عن سحبِه لها والذي كان مُريبًا في مكانٍ عام، وبنبرةٍ حادّة : لا تسوّين شيء غلط ، امشي بهدوء ، وإلا العواقب ما راح تكون طيبة . . .
.
.
انــتــهــى
|