كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساءكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية
البارت إهداء للجميلة .. Maysan .. عاد كانت منتظرة لحظة كشف غزل ومنتظرة اهداء لانتظارها :p اهو وصل .
شكرًا لتواجدكم، شكرًا لكلماتكم الطيبة سواءً بالمتصفح أو خارجه، شكرًا للروايـة اللي جمعتنا .. إن شاء الله أكون دائمًا عند حسن ظنكم والله يكتب لي التوفيق والوصول للنهاية بسلام ويجعل هذهِ الرواية شاهدة لي لا علي :$$ ،
بسم الله نبدأ ، قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !
لا تلهيكم عن العبادات
(79)*3
تقلّبت فوقَ السرير ، تضطجِع على صفيحةٍ ملتهبـة، نـار، نـارٌ أسفلـها تكويها، وكأنّ المفرشَ في لحظـةِ اشتعـالٍ سافرَ في خضمِ النـارِ وعاد! .. مدّت يدها اليُسرى لتضعها على جانب وركها الأيمَنِ وهي تشدُّ أسنانها وتقوّس فمها، تئنُّ وألمُها يكبُر أكثر، تشعُر أنّه زحفَ من عظامِ وركِها إلى كامِل جسدها .. انقلبَت على جانِبها الأيسرِ وصوتُها يبكِي بأنين، دموعها لم تسقُط، لكنّ صوتها كان يئنُّ ويبكي ... سيقتلها الألم! سيقتلها الخوف، ستقتلها الوحشـةُ في هذهِ الغرفـة ، يا الله كم من القسوةِ امتلكّ في تلك اللحظـةِ حتى ينفيها هنا! نظراتـه بعدَ جملتها الأخيرةِ تلك كـانت كالجحيم، كـان يبتسـم بقهرٍ وغضب ، قبـل أن يدفعها لتصتدمِ بالبـابِ من خلفِها، دفعـةً كانت كافيـة، لتنشـر الألـم هذهِ المرّةَ في عمودِها الفقريّ بينما ضاعفَ آلام وركِها ، فغـرتْ فمها بألمٍ وهي تُغمـض عينيها، بينما نظـر لها سلطـانْ بقسوةٍ وهو يلفظُ بنبرةٍ متسلّطة : اطلعـي .. ما أبي نكون تحت سقفْ واحد وبنفس الغرفـة ، كفايـة تلوّث وقذارة لهنا! .. روحي نامـي يا نظيفة بنفس الغرفـة اللي تجاوز فيها واحد من أمثالك عليك * ابتسمَ بسخرية * أشك! .. يمكن يكون من كلابك القدامـى واشتاق لك! وأنتِ بالمقابـل استغلّيتي الفرصـة وسويتي التمثيلية الرخيصة هذي.
ابتلعَت ريقها، أخفضَت رأسها للأسفـل وصوتُها يختنـقُ بانكسـاره، لا تستطِيع الاحتمـال رغمَ أنها كانت تستعدّ! لا تستطِيع احتمـال هذهِ الكلمـاتِ التي يلقيها عليها وكأنها إحدى ال******ِ لوّنت القذارةُ أجسادهن! .. رفعَت يدها اليُسرى لتُمسك عضدها الأيمـن وعيونها تشتدُّ إغماضًا عن رؤيـاه، عن النظـر إلى الأرضِ حتى! .. لا تستطِيع احتمـال قسوته رغمَ أنها انتظرت منه كرهًا واحتقارًا ، وآمنت أنها تستحقُّ كلّ ما قد يأتيها منه! .. إلا أنها في النهايـةِ همسَت ، بصوتٍ مختنق، متألّم .. منكسِر ! : لا تقذفنــي !
سلطـانْ يقتربُ منها ببطءٍ وهو يلفظُ بخفوتٍ مستنكرٍ وكأنه شكّ بما سمـعه : نعم !
غزل ترفـع وجهها إليه ، كـانت قدْ فتحَت عينيها، وأطلقَت منها سهـامَ حُزنها دون أن تُصيبه، تقوّس فمها بوجَع، ومن ثمّ همسَت باختنـاقٍ يتضاعف، تكرّر ما قالت : لا تقذفني !
رفـع حاجبـه باستخفاف، ومن ثمّ اقتـربَ منها ببطءٍ حتى شعرَت بحرارةِ جسدِه لتلتصقَ بالبابِ مباشـرةً وهي تبتلعُ ريقها بذعر، وضعَ كفّه اليُمنـى بجانِب رأسها على الباب، ومن ثمّ انحنـى نحو وجهها ببطء، ليهمـس أخيرًا بحقد، باحتقـارٍ وقهر! : لفظ القذف .. ينقال لما يكون بحق العفيفات .. الطاهرات .. مو على أمثالك!
عضّت شفتها بألمٍ وهي تُخفـض وجهها بهوانٍ أكبـر ، لم تستطِع أن ترد! تضخّمت غصّتها حتى اختنقَت بقيّة كلماتِها في حنجرتها ولم تستطِع البزوغَ بوجود، أغمضَت عينيها بقوّة ، في حينِ ابتعدَ سلطـان وملامحـه تتعجّن بضيقٍ من مرآها لعينيه ، وبحدةٍ آمـرة : اذلفي .. روحي للغرفـة نفسها ، لو أكتشف إنّك نمتِ بغيرها الكف اللي اليوم بيجيك أضعافه بكرا .. مع إنّي أشك بموضوع محاولة الاغتصابْ ذا بس لو كـان صح ... فبيرضيني عذابك النفسي وأنتِ تعيشينه من جديد وما تحسّين بذرة أمان!
اتّسعت عيناها بصدمـة ، ارتفعَ رأسها بسرعةٍ إليهِ دون استيعاب ، أي فمٍ قد ينطقها؟ أيّ رجلٍ قد يقولها لزوجتِه؟! يريدها أن تحيا اللحظـاتِ القاتلـة تلك من جديد! .. هل ، هل هو واعٍ لمَا يقول!!
تشنّج فكّها ، بينما رمقـها سلطـان من زاويـةِ عينِه بعدَ أن استدار، يشعُر بنارِ ترتفـع في صدرِه ولا تنطفئ، نـار غضبٍ وقهر ، لا يدري كيفَ لم يقتلها حتى الآن، كيف!! أيّ - حِلمٍ - ذا الذي تلبّسه!!
صرخَ فجأةً بنفادِ صبرٍ وهو يكادُ أن ينفجـر في أيّ لحظـة : وش عند واقفـة انقلعــي من وجهي !!!
ظلّت لوهلةٍ تنظُر إليهِ بالنظراتِ المصدومـةِ ذاتها ، لا يُمكـن هذا! ، أيُّ منطقٍ يحدث؟ أيّ منطقٍ يقول بأنّ هذا قد يحدث !!!
تحرّكت دونَ شعور ، لتخرج! .. بينما أقدامـها .. تنصـاعُ بشكلٍ أعمـى ، إلى تلك الغـرفة التي ظلّت تفوحُ بذكرياتِها وآلامِها في صدرِها طيلـةَ الليل! .. كان جسدها يئنُّ حديثًا صاخبًا متشابكًا في خيوطه، وصدرها وعقلها يخوضُ في تمتمةٍ قاتلـة! .. تأسِرها الزوايـا ، وتجلدُها سياطُ الخوف، وعدمِ الأمـان ، تستعيدُ تلك اللحظـات ... كما أراد! .. لتختنـق من جديدٍ بكفّ ذاك ، ومن ثمّ يطرحـها في عذابٍ جسديّ ونفسيّ ، وأنينٍ يُنـادي سُلطـان ... من جديد!
لمْ تنَم ، لم تنَم أبدًا ، كيفَ قد ينسجِمُ النومُ مع ألمٍ جسديٍّ صاخبٍ وآخر نفسيٍّ يزمجـر بثباتٍ بأنّ عذابـه أقسى! .. كيفَ قد تنام !!
تقلّبت من جديد، هذهِ المرّة تمدّدت على ظهرها لتصرخَ بآهـةٍ أخيرًا وهي تُغمـض عينيها وتستسلمُ لدموعها التي انسكبَت كشلّال نهرٍ جرفَ معهُ حصاةَ انحصار ، تلوكُ بقساوتِها تربـةَ صمودها، عضّت على شفتها السُفلـى بألم، ومن ثمّ عادَت لتتقلّب كالساعاتِ الطويلةِ التي رحلَت ولم ترحل بحسّها! .. عادَت تستندُ على جانِبها الأيسرِ وهي تضعُ كفّها على موضِع الألـم وتهمسَ ببكاءٍ متوجّع : يا ربي بموت ! .. بموت آآآه !
أغمضَت عينيها بقوّةٍ لتغرقَ في بكاءٍ هادئٍ في اللحظـةِ التي اعتلى فيها صوتُ الأذان ، والآن ماذا؟ كيفَ ستصلّي؟ استطاعت أن تصلِي الفجـر بصعوبةٍ وكانت تئنُّ مع كلّ حركـة ، فكيفَ الآن وقد تضاعفَ الألـم ضعفين!!
وصَل دمعها المـالحُ لشفاهها ليذوقه لسانها، ابتسمَت بحسرة ، ومن ثمّ همسَت بعذاب : يا رب لو الدعاء على النفس بالموت حلال !!!
،
رفعَت عينيها عن أوراقٍ كـانت تراجعها، عقدَت حاجبيها قليلًا وهي تنظُر للواقفِ أمامها عند البـاب، وبنبرةٍ عمليّة : تفضّل.
دخـل الرجـلُ بهدوءٍ وهو يحاول أن يرسمَ ابتسامةً مصطنعـة ، وبهدوء : أردت أن أسألك عن أمرٍ ما ، لن أخذ من وقتك الكثير.
ندى بهدوءٍ وهي تتطلّع بِه بشك : عن ماذا؟
الرجُل : إحدى مرضاك .. اسمها جيهان يوسف على ما أذكر!
ظلّت تنظُر لهُ ببرودٌ قبـل أن تلفظَ بنبرةٍ صلبـة : لا أفصـح معلوماتٍ عن مرضاي.
الرجـل يحكُّ عنقه بتوتّر : ليسَ هذا .. فقط أريد أن أقول بأنّني كنت أنتظر اللقاء بها لأمرٍ ضروريٍّ في الساعة العاشرة بعد أن تخرج من عندِك.
ندى بجمود : لا علاقـة لي بذلك ... تستطيع أن تتفضّل لطفًا !!
شعرَ بتوتّره يتضاعـف ، لكنّه تراجـع ببساطةٍ بعدَ أن تأكدَ بأنها ليسَت هنا، أيّ أن عائلتـها أجمـع قد ابتعدُوا من هذا المكـان منذُ وقت . . خرجَ بهوءٍ وهو يرفـع هاتفه بينما عيني الطبيبة تتابعه بشكٍّ وريبـة .. ابتعدَ عن مرأى عينيها، ومن ثمّ اتصـل بتميمْ ليلفظَ بعد أن جاءه صوته : ليسوا في داخِل العيادة.
تميم يزفُر بضجر : اذهبْ حيثُ يسكنون ، هلْ تكفيك المعلوماتُ التي لديك؟!
في جهةٍ أخـرى ، بعدَ ثُلثِ ساعةٍ تقريبًا، توقّفت عندَ إحدى بسطاتِ المقتنيـاتِ القديمـة، لطـالمها كانت تُبهرها الأمورُ التي نفـخ فيها الزمنُ من روحِه، حتى أنّ جيهان لطالمـا سخرَت منها على صورِها المعتـادة في مواقع التواصـل الاجتماعي " الصور المقترنـةِ باللونِ البنيّ تحديدًا "، لفظَت جيهان بضجرٍ وهي تعقدُ حاجبيها بضيق : يا ليل البثارة!
أرجوان تبتسمُ بمتعـةٍ بصريّةٍ لا تضاهيها مُتعةٌ بالنسبـةِ لها : دامْ هالبسطَة اليوم صارت قُرب حينا بستغلّ الموضوع ، وش يدريني ممكن بكرا ما أحصلها؟!
جيهان بشهقـة : ليه هو أنتِ لو حصلتيها بكرا بتوقفين عندها بعَد؟!
أرجوان بإغاظـة : بالضبط.
جيهان : يا ليل البثارة.
أرجوانْ تحمـلُ إحدى المجسّماتِ القديمـة لرجلُ دينٍ صينيٍّ أو هكذا بدا الأمـر، قلّبتك في يدها بحذرٍ وهي تلفظُ بتركيز : لا تكررين جُملك تصير بايخة.
استدارَت جيهان عنها دون مبالاةٍ لتنظُر لوالدها الذي كـان يميلُ قليلًا إلى ليانْ التي كانت منذُ وقتٍ تتدلّل عليه بأن يأخذها إلى عربـة الآيسكريم المجاورة وهو يرفضُ لأنها اشترت قبل ساعةٍ تقريبًا، اقتربَت منهما جيهان لتستندَ بكفيها على ركبتيها وتميلَ قليلًا إليها وهي تلفظُ بحاجبين معقودين : يا بنت الناس توك شارية! .. بتذبحين حلقك آخرتها التهابات ومدري أيش!
ليـانْ بإصرارٍ وعناد : أبغى مالي شغـل! أنتِ دايم تطلبين شبساتك وعصيراتك وعادي ليش أنا لا !
رفعَت جيهان جذعها وهي تلفظُ بوجوم : ما أبثر من أختك إلا أنتِ، * نظرت ليوسف لتُردف * لا تاخذ لها يُبه بتتدلع عليك زود وتتمرّد حشى دواء هو بتموتين لو ما حصلتيه!
ليان بعناد : الدواء طعمه مو حلو هذا حلو ..
ابتسمَ يوسِف وهو يهزُّ رأسه بأسـى : مالنا غير نجيبه لها هالعنيدة ..
جيهان باعتراض : يبه يعني تدلّعها زود عن كِذا؟!
يوسف ينظُر إليها مبتسمًا : تراك كنتِ أضعاف دلعها بصغرك ، لو بغيتي شيء وما جاك عادي تجوعين نفسك باقي اليوم.
ابتسمَت جيهان بحرج : شدعوى يبه تقارنّي أنا جيهان بعظمتي بهالبزر؟
يوسف : هههههههههههههههههههه أي طبعًا ما كنتِ بزر بيوم . .
جيهان بغنـج : بزر مستثناه من هالقائمة البثرة .. كنت أحلـى بنت صغيرة مرّت بحياتك صح؟!
يوسفْ يضـع يدهُ على رأسها بحنانٍ ليهمـس لها : وأحلـى بنت كبيرة بعد.
جيهان بحبور : شكرًا على ذوقك الراقِي.
يوسف يضحك : روحي بس نادِي أختك خلنا نمشِي ونشتري لليان اللي تبيه.
جيهان نظـرت لأرجوان نظرةً خاطفـة ومن ثمّ أعادَت عينيها إليه : اتركها أن بظل معها مالها داعِي نرجع البيت الحين .. روح اشترى لليـان واحنا بننتظرك هنا لين تخلص.
يوسف يعقدُ حاجبيه برفضٍ لتلك الفكرة : لا ما تظلون بروحكم .. * بحزم * ناديها ويلا نمشِي.
جيهان بضيق : يبه شفيك والله منت طبيعي أبد! .. يعني المسافة ما تستاهل هالخوف ، محنا بجامعة أو معاهد أو رحنا بمطعم بروحنا! .. من أيش قاعد توسوس هالأيام!
استرخَت ملامـح يوسِف فجأة، أغمـض عينيه بيأس، ومن ثمّ تنهّد ليمدَّ يدهُ لليـانْ وهو يلفُظ : تعالي حبيبتي ..
أمسكَت ليـان بيدِه ، لينظُر مباشـرةً لجيهان بعدَ أن فتحَ عينيه، وبتردّد : بكون قريب، انتبهوا على نفوسكم.
لم تعلّق وهي تراه يبتعدُ بينما جبينها تغضّن بضيقٍ ينتشـل تفكيرها، استدارَت لتنظُر لأرجوان التي كانت تطوف بيديها بين ما أعجبها وآخر، اقتربَت منها، ومن ثمّ لفظَت وهي تقفُ خلفها : عجّلي شوي .. أبوي متضايق وواضح يبينا نمشي.
نظرت لها أرجوان باستنكار : ليه متضايق وش صار؟
جيهان بضيق : كالعادة خايف مدري من أي داهيـة بالضبط .. والله إنّي أدري ما تغيّر إلا بسبب المعفن ذاك! .. خاطري أفهم وش مسوي ووش علاقته بأبوي؟!
أرجوان بضيقٍ تركت مافي يدها لتبتعدَ وهي تلفُظ : امشي .. ما عجبني شيء.
جيهان تتبعها : خذي اللي تبينه قلت له بننتظره هنا.
أرجوان : ما عليه هو وين راح بالضبط؟ بنلحقه ونكون معه إذا كان خايف علينا ليه نزيدها عليه؟ مع إنّي مو دارية وش هو الموضوع بالضبط بس ما يسوى نزيدها!
تنهّدت جيهان وهي تتبعها، وبخفوتٍ تُشير بعينيها نحو عربـة الآيسكريم التي يقفُ عندها : هِناك.
تحرّكا بتمهّلٍ قبـل أن تقفا فجأةً وعيونهما تتحرّك نحو ضجيجٍ صخَبَ في زاويـةٍ مـا، عقدَت جيهان حاجبيها قليلًا، حتى يوسِف رفع رأسه مستنكرًا الصوتَ الذي جـاء من منطقةٍ حين نظـر إليها وجدَ أنّ صناديقَ حديديّةٍ كـانت مصدَر الضجيج فيها ، مرّرت جيهان لسانها على شفتيها ومن ثمّ تمتمَت : مين راعي هالعربـة الماصخة؟ خرّب هدوء الحي.
أرجوان باستنكار : يختي أنتِ كل الناس تبين تهاوشينهم؟ امشي بس امشي ما عليك . .
قبل لحظتين، كـان يقفُ بجانِب تلك العربـةِ مباشرة، ينظُر نحوهما بعينينِ نسريّتين ، يراقبهما منذُ وصـل والملامِح كان يدركها من المرّة السابقة التي رافقه فيها تميم ليوضح له كل شيء، شعرَ فجأةً بيدٍ حطّت على كتفه، فزعَ لكنّه استدارَ ببطءٍ ليعقدَ حاجبيه ما إن رأى وجهًا حذّره تميم منه سابقًا " بدر "، توتّر قليلًا، لكنّه أشار برأسه " ماذا؟ " .. ليلفظَ بدر بجمود : من تراقب؟
هوَ بهدوءٍ ظاهري يسأله باستنكار : من أراقب؟!
شدّ بدر فجأةً على كتفِه بقوّةٍ وغضبٍ وهو يلفظُ من بين أسنـانه : أنت . . .
لكنّه قاطعه فجأةً ما إن دفعـه عنه بقوّةٍ ليصتدمَ بالصناديق، ركـض مبتعدًا عنه بينما كـاد بدر يسقطْ إلا أنه توازَن اخيرًا وتبعه ركضًا وهو يشتمُه، منذ البداية كـان قد انتبه لمراقبته لهم ولا مجال للشكّ بعد هربِه !
حرّك عينيه وهو يتوّقف بعد أن فقدَ أثره ، تمتمَ بغضبٍ وهو يضربُ على فخذِه بحنق : الله يـ . . . اففف
تحرّك عائدًا لتُعـاد نظراته ليوسف من جديد والذي كـان قد وقفَ مع جيهان وأرجوان هذهِ المرّة، كان سابقًا قد حذّره من اقترابه منه بأيّ شكلٍ من الأشكـال، لكنّه بالمقابِل لم يستطِع وشعوره بالمسؤولية يكبُر نحوهم، لم يُخبر عبدالله حتى الآن بمَا تسبّبه لهم ، لم يتّصل بهِ منذُ أيامٍ أصلًا!! . . زفـر بحنق، يشعُر أنّه يريد ابعاده عن كلّ هذا دون أن يقولها جهرًا " سحبت اسمك من هالمهمة "! يقولها لهُ كثيرًا حينَ يُماطِل بالحديثِ معه، لا يفهـم جيدًا ، لكنّه يريده أن يبتعد عن كلّ شيء! عن الرازن ، وعن عودتِه للسعودية حتى!!
أمال فمه وهو يقفُ في مكانٍ بعيدٍ عنهم لا يلمحونه منه، في حينِ ابتسمَ يوسف وهو ينطُق ناظرًا لأرجوان : متأكدة تبينا نرجع؟
أرجوان لا تريد أن توضح لهُ أنّها تفضل العودة لأجلـه هو ولأجلـه قلقه هذا : أيه ، طفشت أصلًا أحس اليوم زحمة.
يوسف يهزُّ رأسه بالإيجاب : خلاص اللي يريحك.
،
وقفَ أمامه وهو يتنفّس بسرعـةٍ ويضعُ كفوفه على ركبتيه، أمال تميم فمه بغيظ، وبقهر : هذا ما يعيش من غير لا يطلع لي؟ . . . * أردف بغضب * وأنت أيها الغبي !! ألا تجيد المراقبة جيدًا؟!
نظر لهُ ذاك وهو يقطّب جبينه، وبنبرةٍ ضيّقة : أعتذر.
تميم من بين أسنانه : تقلــع . .
لم يبالِي أنّه لم يفهم ، تحرّك بحنقٍ وهو يُخرج هاتفه ، سيجِد طريقةً أخـرى ، اليوم !!
،
بعدَ صلاةِ الظهـر ، دخـل لغرفتـها بعدَ أن طرقَ البابَ عدّةَ مراتٍ ولمْ تُجِب ، مرّر أحداقـه بتوجّس ، في الصبـاحِ وحين موعِد الإفطارِ طرقَ البـاب كالآن ولمْ تُجِبه أيضًا، دخـل ليجدها مستلقيةً على جانِبها تُديره ظهرها، شكّ بأنها تتصنّع النوم أو لا تريد النظر إليه! لكنّه في المقـابلِ لم يرِد أن يغرقَ في أفكارِه أكثر لذا تراجـع وتركها كي تنام - أغلب الظن -!
وجَدها الآن تجلسُ على سجّادتها تقرأ القرآن، ابتسمَ ابتسامةً هادئـة، ومن ثمّ خطـى نحوها لينحنِي بعدَ وقوفِه خلفها، يُخفِض رأسه حتى قبّل رأسها وهو يَضَعُ كفيه على كتفيها، وبخفوتٍ حنون : تقبّل الله .. قومي عشان تتغدين ما فطرتِي اليوم.
شعرَ بكفّها التي وضعتـها على كفّه، ومن ثم وببرودٍ أزاحتها وهي تلفظ : شكلك تظن إنّي ألعب معك وإلا أيش؟ .. قلت لك ماني ماكلة شيء لين ترجع مرتك.
تصلّبت كفه التي كانت ما تزال على كتِفها، شدّ عليها فجأةً دون أن يفقدَ حتى في شدّه رقّته على عظامِها الهشّة ، وبجزعٍ ورجـاءٍ يائس : يمه وبعدين ! مو معقول طول حياتِي بتظلّين تمشيني في اللي ما أبيه وأنتِ تشوفينه صح على كيفك!
عُلا ببرودٍ دون أن تنظُر نحوه : ماني ممشيتك على كيفي ، عادي تقدر تسوّي اللي تبيه وأقدر أسوي اللي أبيه في المقابل.
شاهينْ يزفـر بصبرٍ يكادُ أن ينفد : يا رب ألهمني الصبر !
عُلا بسخريةٍ مُتأسّية : أثقلت عليك يا ولد بطنِي؟ ... الله يلهمك الصواب بس.
شاهين برجاء : يمه تدرين إنّي ما أقصد إنك مثقلة علي! .. بس تراني تعبت والله العظيم خلاص تعبت من كل اللي قاعِد يصير.
عُلا بحدةٍ توجه أنظارها نحوه : وش اللي قاعد يصير طيب؟
شاهين بعُقدةِ حاجبينِ ابتسم : شيء بيفرح قلبك!
عُلا تبتسمُ بالمقابـل ابتسامةً ساخـرة : طبعًا يفرّحني إنّك تبي تطلّق زوجتك ويفرّحني إنّها أجهضت ويفرحني إنّك أرخصتها بهالشكل ويفرحني بعد إنّه ما مر سنة على زواجك إلا وأنت متخلي عنها وكأن الموضوع كان مجرد لعبة ومليت منه!! .. يفرحني كل هذا يا شاهين .. يفرّحني كثيييييييير.
مسحَ على جبينه بكفٍّ تضطربْ، أغمـض عينيهِ للحظـة، ومن ثمّ لفظَ وهو لايزال يحاول المحافظـة على ابتسامتـه : شيء بيفرّحك! وش بيفرحك أكثر شيء بهالوقت يمه؟!
عُلا بغضب : قاعد تستخف فيني؟
شاهين يتحرّك كي يُصبـح أمامها مباشـرة، انخفَض إليها قليلًا، أمسكَ كتفيها ، ومن ثمّ لفظَ بنبرةٍ جدّية : وش أكثر شيء بيفرحك بحياتك كلها، مو بس بهالوقت؟
عُلا بحدة : شاهيــن . . .
شاهين بهدوءٍ يكرّر : وش أكثر شيء بيفرحك وتتمنينه ... جاوبيني يمه.
عُلا بسخرية : تعقل وترجع مرتك .. ما يبيلها.
شاهين يهزُّ رأسه بالنفي : لا .. مو هذا ، بعيد عني وعن أسيل وعن زواجِي .. وش أكثر شيء بيفرحك وتمنيتيه كثير وهو مستحيل يصير؟ شيء بيفرحك .. أكثر من أي شيء ثاني ممكن يكون واقع!
صمتت فجأة ، تبدّلت نظراتها من الغضبِ للإستنكـار ، رقّت قليلًا ، بل انتشـر فيها بشكلٍ مُفاجـئ .. الحُزن! أمنيتها؟ ماهـي؟! معاكسـةِ أكثرِ ما ألهبَ قلبها كأم! .. أمنيّةٌ جازعـة! .. لا تريد أن تسخطَ على قضـاءِ اللهِ وقدرِه ، لذا صمتت .. وولّفت الأحزانَ في صدرِها ، صمتت ، ولم تُجِبه سوى بنبرةٍ حازمـةٍ غاضبـة : اطلـع ، ولا تفكر تجِي عشان آكـل شيء.
شاهين بابتسامةٍ يُبعِد كفيْهِ عن كتفيها وهو يلفُظ : الأمنيـة اللي جات بخاطرك بتتحقّق ، عاد مدري وش هي بس نحققها لك ليش لا؟!
اختنقَ صدرها، في حينِ كـان يُدرك هو جيدًا ما أمنيتها، لكنّه تصنّع الجهـل بكونِ أمنيتها مستحيلة - كما تظنّ - واعتبرها أمرًا لا بأس في وقوعِه . . لم تلفُظ بشيء، بينما ابتعَد شاهين للبـابِ لتتلاشى ابتسامتـه فجأةً ما إن خـرج . . كيفَ قد يُرغمها على الأكل؟ كيف!!
،
جلسَ على طاولـةِ الطعامِ وهو يمرّر نظراتٍ باردةٍ من حولِه، التقطَت أحداقـه سالِي ليلفظَ مباشرةً بجمود : وين غزل ما أشوف حطيتي غداها؟
توقّفت سالِي وهي تنظُر لهُ بربكـة ، وبهدوءٍ مهتزّ : ما يبغى.
رفـع حاجبيه ليتمتمَ بقسوة : نعم !!! . . * ارتفعَت وتيرةُ نبرتهِ قليلًا ليلفظَ بأمرٍ حازم * ناديها ، قوليلها تنزل بغت أو لا.
أومأت مباشـرةً ومن ثمّ ابتعدَت لتصعَد إليها وهي تزفُر ، ومن ثمّ وبعدَ ثانيتنِ بدأت تتمتمُ بتذمّرٍ بلغتها الأم! .. وصَلت للغرفـة التي نامَت فيها غزل، طرقَت البـاب، لكنّ صوتَ غزل لم يُجِبها ، طرقَت من جديدٍ لكنّها أيضًا لم ترد، حينها تراجعَت كيْ تذهب، لكنّها في النهاية ترددت بعد أن استوعبَت أن سلطـان ليسَ طبيعيًا منذ الأمـس ، خشيَت على نفسها ، وعلى غزل من الجهةِ الأخرى! .. ابتلعَت ريقها، ومن ثمّ وبخطوةٍ متردّدة ، فتحَت البـاب!
اقشعرّ جسدها من برودةِ الغـرفة، في اللحظـةِ ذاتها التي انكمشَ فيها جسدُ غزل ودفَنت وجهها في الوسادةِ بعدَ أن توقّعت أنه سلطـان ، لن تقدِر على مواجهتـه الآن ، لن تقدِر بهذا الاستحواذِ الجسديّ من الألم! النفسي، الضيـاع ، والتيـه الذي تُبحـر على غيومِه.
لفظَت سالِي بربكةٍ وهو تنظُر للأرض : بـابـا سلـــــ . .
رفعَت غزل رأسها بصدمةٍ ما إن سمعَت صوتًا آخـر غير صوتِ سلطـان ، لم تشعُر بنفسـها وهي تشدُّ بقبضتيها على الوسـادة ، ومن ثمّ تقاطعـها بصرخـةٍ غاضبـة : وش تبين؟! .. اطلـــعــــــي!! مو ناقصتك الحين قلت لك ما أبي غدى ما تفهمين وإلا شلـــ . .
بُتـرت كلماتُها فجأةً ما إن لمحَت سلطـان من خلفِ سالِي ، بدأت الرجفـةُ تتسلّل إليها من جديد، وقبضتيها ، شدّتا على الوسادةِ أكثر بينما ملامحها انخفضَت للأسفـل لينسدلَ معها شعرها ويحجُبَ عينيها الدامعتـين، تقدّم سلطـان بخطواتٍ باردةٍ متجاوزًا سالـي وهو يلفُظ بحزم : اطلعـــي . .
نظـرت لهُ سالـي بربكـة، لكنّها سرعـان ما انصاعَت لتخرجَ مباشرةً ويردفَ سلطـان البـابْ من ورائها ، في حينِ كانت أحداقـه لا تزال مُعلّقـةً بها ، بجسدِها الذي يستلقِي على السرير، تحديدًا على بطنِها، في حينِ ترتفـعُ عن طريقِ ذراعيها قليلًا، تشدُّ الوسادَة بينَ يديها ، وتُخفـض رأسها ، دون أن يتبيّن أينَ تتّجه عيونها في تلك اللحظـة من شعرِها الذي يحجبُ وجهها.
مرّر لسـانهُ على شفتيهِ ببرود، ومن ثمّ اقتـربَ منها بخطواتٍ كـان وقعها على قلبها أكبـر من احتمـاله، لم تشعُر بنفسها إلا وهي تُخفـض رأسها أكثر، وتترك لدموعها من الجهـةِ الأخـرى أن تنسكبَ أكثر بأنينِ خافتٍ بكّاء.
سلطـان يقفُ بجانِب السرير ليكتّف ذراعيه إلى صدرِه مباشـرةً ويلفظ : وش هالشغب؟
لمْ ترد، صوتُه الغريبُ رغـم غرابتـه، إلا أنه أشعرها في النهاية بأمانٍ فقدته طوال الليـل، لم تردّ ، لأنّها استكثـرت على صوتِها الأجـوفِ أن يتجرأ ويقاطـع صوتَه المعشوق لقلبها ، ونبرته التي تشعرها بالأمـانِ من كلّ شيء، تشعرها ، بأنّها بخير! .. مهما كانت غاضبـة ، وأخافتها رغمًا عنها في لحظـات، منه هو! . . صوتـه ، جـاءَ في النهـارِ كطوقِ نجـاةٍ من الخوف، بعدَ ليلٍ سكبَ من ظـلامِه في صدرِها موتًا! .. كـنتُ في مقبـرة! وجِئتَ أنتَ .. بعثًا!!
سلطـان بحدةٍ من بينِ أسنانِه بعدَ تجاهلها له : لما أسألك تردّين .. وش هالشغب اللي مسوّيته؟!
حرّكت رأسها قليلًا، أدارته نحوه، لتسقُط أنظـارها مباشرةُ عليه ، ويظهر وجهها الشاحِب ، المملوءِ بألغـامِ الوجَع! .. ظهرت أجفانها المنتفخـة، ودمعها الذي لم يجفَّ على خديها . . ابتسمَت رغمًا عنها لوجهه، ومن ثمّ همسَت بوجـع ، بشكوى! : ما قدرت أصلي ظهر !
للحظـةٍ عُقدت حاجباه ، لكنّه سرعـانَ ما أرخاهما وهو يلفظُ بسؤالٍ بارد : وراه؟
غزل باختنـاق ، تشتكِيه ، تشتكيه ألمـها ، وكأنه هو فقط ، دائمًا ، وفي كلّ الأزمـان والبقـاع ، هو منقذها! .. تشتكِيه ، بصوتٍ يختنق، ودموعٍ تسقط ، وكانها تشتكِي أبيها! : جسمـي يوجعني .. ما قدرت أتحرك.
سلطـان بصوتٍ لازال باردًا، غير مباليًا بألمها ، وشكواها إليه هو! : اوقفي شوي طيب.
غزل ببكاءٍ صخبَ فجأةً بضعفِها : ما أقدر ، ما أقدر!
اقتربَ منها قليلًا، جلسَ على طرفِ السرير، ومن ثمّ سألها بنبرةٍ هادئـة : وين يوجعك بالضبط؟
غزل تشهقُ كطفلةٍ سقطَت في وحلٍ مملوءٍ بالأشواكِ ووجدَت والدها يمدُّ يديه ليحملها ، تشتكِيه ، حتى من آلامٍ خلّفها فيها هو! . . حرّكت إحدى يديها حتى وصَلت لموضِع الألـم ، لامَست بباطِن يدِها وركها، ومن ثمّ همسَت بضعف : هنا .. بس جسمي كله بعد صار يعورني!
مدّ يدهُ ببطء، وملامحـه لا تعبّر عن شيء ، وضـعها على كفّها ، بينما همسَت غزل بغصّةٍ وهي ترفـع نظراتها نحو ملامِحه : أبي أصلـي وعجـــ . .
صرخَت فجأةً ما إن شعَرت بيدِه تضغطُ على كفّها ليضغطَ بالمقابِل على عظامها ويتضاعفَ ألمها، ينتشـر بقوّةٍ كحطـامِ جزءٍ منها، شدّ على أسنــانِه بغضبٍ وقهر، ومن ثمّ أخفضَ وجهه إلى وجهها ليلفظَ بحرارةٍ ونبرةٍ تعلو في حينِ يدهُ تضغطُ على آلامها أكثر وأكثر وبقسوةٍ سوداء : والحين؟ راح الوجع! .. خفّ وإلا باقي يعوّرك؟!!
غزل بألمٍ تدفُن وجهها في الوسادة، حاولَت سحبَ يدها التي يضغطُ معها على عظامِها إلا أنها لم تكُن تفعـل شيئًا سوى أن تضاعفَ آلامها، بكَت بصوتٍ عالٍ وهي تهمسُ بنبرةٍ واهنـةٍ ترجوه أن يرحمها! : لا لا .. آه يوجع والله العظيم يوجع تكفى !!
ابتعدَ بحدّةٍ وارتدّ جسدهُ للخلفِ ليقفَ بعيدًا عنها وهو يتنفّس بسرعةٍ وانفعـال، يريد رؤيتها تتألّم أكثر، لا تكفيه دموعٌ صامتـة ، لا تكفيه! .. يريدُ لأنينها أن يستمرّ .. رغبـةٌ ساديّةٌ بالعذابِ تغتالـه ، رغبـةٌ في إماتتها ببطء!
تلوّت غزل فوقَ السريرِ وهي تضمُّ خصرها بذراعيها وتبكِي بآهاتٍ صارخـة وألمها الآن لا يُحتمل، شهقَت بقوّةٍ ما إن شعرتْ بيدِه التي قبضَت فجأةً على فكّها ليديرها بالأخرى على ظهرها بقوّة، ثبّت وجهها أمامه، ومن ثمّ انحنى برأسه إليها ليقابـل بملامحـه ملامِحها ويلفظَ بنبرةٍ مكبوتةٍ تنفجـر قهرًا وغضبًا لم يهدأ من البارحـة، لم يهدأ ، بل كـان يتصاعد! يتصاعـد أكثر وأكثر دون أن يتوارى! : كم واحد؟
لم تسمـع سؤالـه وهي تُغمـض عينيها وتشكُو ببكائها ألـم جسدِها، فكّها، روحها وقلبها الذي تشعُر بهِ يتفتّت . . شدّ بقوّةٍ أكبـر على فكّها بينما يدهُ الأخـرى تنصـاعُ لرغبـةِ العذابِ وتنجرفُ إلى وركِها ليضغطَ عليهِ وهو يُعيدُ سؤاله بوحشيّةٍ وقسوة : كم واحد؟ كم واحد سلّمتيه جسمك؟ كم واحد أرخصتِ نفسك عشان لحظة! كم واحد لمسك! .. كم واحد!!!!
شعرَت بفكّها يكادُ أن يتحطّم ، بأن الألـم هذهِ المرّة سيقتلها، ستموت! ستموتُ من فرطِ الألم!!
صرخَ بقوّةٍ أكبر وهو يدفـع وجهها ويسحوذُ على شعورِها الباقِي بفكّها : كم واحــــــــــــــــــد!!!!!
حينها استطاعَت أن تحرّك شفتيها دون صوت، لم تستطِع الحديثَ من ضغطِه على وجهها، لذا وتلقائيًا خفّف من ضغطِه دون أن يصلَ لمرحلةٍ لا توجعها، أرادَ للإجابـة أن تصله ، وكـان لهُ ذلك ، بصوتٍ متقطّع : و .. وا .. واحد !!
ابتسمَ بقهرٍ وهو يلفظُ من بينِ أسنانه بقسوة : كذبـة جديدة! .. بس بتجاوز عنها . . متى كـانت أولى مغامراتك في عالم ال******؟!!
غصّت بوجعٍ أكبـر، شدّت على أجفانِها ، ومن ثمّ غرقَت في البـاقِي من البكـاءِ - الذي لا ينتهي، وهي تهمسُ بوجـع وأجفانها ترتفـع ببطءٍ لتكشفَ لهُ أعيُنها المُحمرّة كالدمـاء : ما تنطبـق علي! .. لا تقولها .. تكفى .. لا تقولها !!
سلطـان باستخفاف : حرام أقيّد مواهبك وما أذكرها !!
غزل ودموعها تُلامـس أذنها ، تسقُط بشكلٍ عكسيّ، في نفسِ الاتجاهِ الذي تغرقُ فيهِ ولا ترتفـع : أنا .. أنا زوجتك !!!
قسَت ملامـحه أكثر ، تلاشَت ابتسامتـه ، بينما انخفضَ وجهه إليها أكثر، ليلفظَ بقهرٍ واحتقـارٍ لذاته لأنها زوجته !! : للأسف .. أنتِ زوجتي .. ماهو هذا اللي يقهر؟ إنّك تزوجتيني وانسترتي، وتبين الطـلاق ، وبتكمّلين على حسابي أنا !! . . شلون أرضاها؟! يا كبـر حقارتك! والله ولعبتيها صح !!
غزل بحجّةٍ واهنـة : تدرِي إنّي تزوجتك مجبورة ! ما كنت أبي!!
سلطـان يضحكُ بقهر : ما صرت أقدر أصدّق هالكلام !! .. يا الله كنت غبي! كنت غبي من البداية .. كان الاتفـاق يخضع لك أنتِ! الزواج الكاذب لمدّة سنـة .. عشان ما أخرّب سمعتك وأضيّع مستقبلك .. كان هدفـه أنقذِك! تستخدميني كمعبـر لك ، عشان تخفين قذارتك فيني وتكملين من بعدِي!
ابتلعَت ريقها بصعوبـة ، وهي تشعُر بقهرهِ وشعورِه بالغبـاء صبَّ في صدرِها حميمًا ، همسَت بنبرةٍ ميّتـة : ما كان لي شيء من بعدك .. كنت بموت عندك ، وما يحييني من بعدك أحد!
سلطـان باستهزاءٍ ترتسمُ على شفاهه بسمةٌ مستخفّة : أقـل شيء كنتِ بتكمّلين مغامراتك اللي تستحقّ الفخـر.
غزل بتأكيدٍ يغصُّ في اختناقها : أنا زوجتك! هالكلامْ ما يعنِي لك شيء؟ ما يعنِي إنك ... إنّك قاعد تسيء لنفسك!
سلطـان بقسوة : مين أنتِ؟! مين أنتِ عشان أسيء لنفسي منّك!
غزل باختنـاقٍ تبتسـم : زوجتك !
انخفضَت كفّه ليضغطَ فجأةً على عنقها بقهرٍ وهو يلفظُ بكلماتٍ حادةٍ من بينِ أسنانه : بشكل نهائي .. ماراح تحصلين على اللي بغيتيه .. مانِي مطلقك عشان تبدين من جديد .. ومانِي معيّشك معِي ... بتموتين ، بس بتموتين .. بكل لحظـة ، لين ما أشوف نفسي خلاص تأكدت إنّك انتهيتي وانتهت منّك الحيـاة . . وقتها تنقلعين ، باللي ما يحفظك !
تركها بعنفٍ ليبتعدَ عنها نحو البـابِ ويتركها تتلوّى بألمٍ روحي ، بألمِ فؤادها ، الذي غيّب ألمَ جسدها الذي تمـادى على أعصابِها!
يُتبــع ..
|