لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-08-16, 09:18 PM   المشاركة رقم: 876
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئ مميز


البيانات
التسجيل: Jun 2010
العضوية: 174082
المشاركات: 4,029
الجنس ذكر
معدل التقييم: fadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسي
نقاط التقييم: 4492

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
fadi azar غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

فصل رائع جدا

 
 

 

عرض البوم صور fadi azar  
قديم 07-08-16, 10:53 PM   المشاركة رقم: 877
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 





سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية


شكرًا لتواجدكم، شكرًا لكلماتكم الطيبة سواءً بالمتصفح أو خارجه، شكرًا للروايـة اللي جمعتنا .. إن شاء الله أكون دائمًا عند حسن ظنكم والله يكتب لي التوفيق والوصول للنهاية بسلام ويجعل هذهِ الرواية شاهدة لي لا علي :$$ ،

بسم الله نبدأ ، قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات.

المدخل اقتباس من الجميلة سلطانة :$ ، بقلم " قيس عبدالمغني " + اللي مرسلين لي من زمان اقتباسات للأبطال ارجعوا ارسلوها لي خاص معظمها ضاعت مني وقبل كل بارت صرت أحتاس وأدور :(

،

أنا هنا
على يسارك وأنت ذاهبة لتقبيل رجل آخر لايحمل ندوباً على وجهه..
أنا هنا على يمينك وأنت ترتدين أبتسامتك التي أمتدحتها منذ قرون لعدة دقائق..
يمكنك أن تتوقفي عندي
يمكنك للحظات أن تقفي أمام قصيدتي الأخيرة كي تتفقدي من خلالها مسودة جمالك..
أنا هنا
في الجهة المقابلة للوردة التي ستتجاوزينها لأنها لاتعني لك شيئاً..
أنا هنا
بجوار الليل المستسلم لنعاسك
الراضخ لزجاجات عطرك وأحتفالات سريرك.
أنا هنا
على يسارك وأنت عائدة من خيبتك الجديدة
يمكنك أن تركني قلبك أمامي كي تستريحي قليلاً
أنا هنا
خلفك تماماً
بلا كبرياء أو مكابح
لذا
أياك أن تتوقفي
قد أرتطم بك
أو أدهسك
أو
ربما
أسوأ من ذلك
قد تجدينني أمامك
.


(78)*3



يقلّب أوراقَ كتـاب ، يجلسُ في منتصفِ السريرِ كخواءٍ امتلأ بمكنونيّتِه الفارغـة ، يقرأ كلمتينِ فيجدهما فجأةً تغرقانِ في بياضِ الصفحاتِ وتتلاشى حروفهما ، يزفُر بضجرٍ وملل، ومن ثمّ يضـع الكتابَ جانبًا وينظُر للأعلـى بفراغ . . ملل! مللٌ يكادُ يقتله ، ما الذي تغيّر ليضيّق عليه فراغـه بهذا الشكل؟ منذ أوّل مرةٍ انتقـل بها عمله هنا واختار هو ذلك بمحضِ إرادته - هربًا - كـان يقضي لياليه دون هذا الملل، يجِد كتابًا فيونِس عليه خلوته، يحفظُ من القرآن ما يستطِيع ويجدُ أنّه يستطع! الآن باتَ لا يستطيع الحفظ ، تدخل آيةٌ لعقلـه وأخواتُها تقفن عند بابِ الحفظِ لا يقدرُ على استيعابهنّ فيتوقّف ، لم يعُد يجدُ في فراغهِ امتلاءً بكِتاب! ما الذي تغيّر؟ وقتها كـان يعيشُ خلوته ويملأها حتى قبل أن يتعرّف على فارِس أو أحدٌ ما يمضي الوقت معه ، والآن ماذا؟ هـل فكرةُ " الفراق " فعلت بِه كلّ هذا الخواء؟ كـان قبل سنةٍ ونصفَ تقريبًا يدرك أنّها لـه ، حتى قبل أن يتزوّجـا وبعدَ تلك الزيجـة بطريقتها الفوضويّة والتي عجّل بِها بقدرِ ما يستطِيع كي لا يحدثَ شيءٌ مـا ويوقفها ! يخشـى الأقدار ، يخشـى أن تأخذها منه عنوة ، استطـاع التعايشَ حتى في لحظـاتِ تشوّشـه بعد ابتعاده .. والآن ماذا؟ فكـرةُ الفراق القهريّ شلّت بعضَ تعايشه !!
زفـر بضجرٍ وهو يُميل برأسه قليلًا لتسقطَ على النافذةِ وأصواتٌ خفيفةٌ في سقوطِ مطرٍ يصطدمُ بزجاجيّةِ النافذَة ، ابتسـم دون تعبير ، هذا المطر ما يعنِي غيرَ الوقوفِ تحتَ مظلّةٍ من عنصرٍ مهترئ، - مُصنّع -، هل يرضيك أن نحتمي منك وأنت طبيعـةٌ بتصنيعٍ أجوف؟ هل يرضي هذا الحبّ الذي جـاءَ في غمضةِ إرادةٍ أن أحتمِي بِه بافتعـالِ " فُراق "؟ . . ابتسَم بسخرية، ومن ثمّ نهـض نحو النافذةِ التي تناءت عنها ستارتُها ، وقفَ أمامها ينظُر للأجواءِ الصباحيّةِ والسماءُ الملبّدةُ بشيءٍ من سوادِ الغيوم، أمالَ رأسه اخيرًا ، ومن ثمّ وضعّ جبينه على برودتها ، هامسًا بابتسامةٍ ميّتة : اللهم صيّبًا نافعًا .. ونسيان!
أليسَ هو من كـان يدعو لهذا الحبّ بالخلود؟ في خضمِ مطر، بينَ الأذانِ والاقامة، في ساعاتِ استجابـة، يدعو بملءِ الخشوع، فهل ستتضاربُ هذهِ الدعوةُ الباهتة مع أدعيتِه السابقة؟
عضّ زاويـةَ شفتِه وهو يزفـر ليتضبّب الزجاجُ بحرارةِ أنفاسِه في دائرةٍ عمياء، ابتعدَ ليتّجه لهاتِفه، يجبُ أن يترك التفكير فيما مضى ويفكّر بالأهم من كلّ هذا .. أسيل! .. كان قدْ قرّر أن يخبرها اليوم ، منذُ ساعاتٍ وهو يحاول أن يستعدّ ، سيمهّد لها الموضوع قبلًا ، نعم ، نعم !! لن يصدمها بِه ، يجب أن يمهّد لها قبل أن يقولها لها " متعب حي "!!
اتّصـل بها باضطراب، كيفَ لا يضطربُ إن كـان سيُخبر أنثى ضعيفةً بحقيقةٍ تكسـر الصخرَ الأبيّ؟ فكيف بها !!. . حكّ شفتيه ببعضهما ، جـاءهُ ردّها الناعم ، العاتِب : يا القاطع !!
ابتسـم ابتسامـةً باهتـة، يلومُ نفسه على الكثير ، على تباعده ، على نأيه ، لكنّه صدقًا أصبـح يحبّ أن يمكثَ وحيدًا قليلًا حتى يستقرّ بحياةٍ واضحـةٍ بعيدًا عن تخبّطاتِه .. ردّ عليها بخفوتٍ حنون : اشتقت لك!
أسيل بغنج : علينا؟!
فواز : قصدك إنّي كذاب؟
أسيل : مع مرتبة الشرف ، منت متّصل لله وراك شيء!
لم يستطِع أن يبتسم ، ابتسامةً صافيـةً بإيجابيّاتٍ بيضاء ، ابتسامـة أسى ، نعم ، لم يتّصل " لله " ، لم يتّصل لأنه اشتـاق، لأنه يريد أن يضحك وهو يخوضُ في الحديثِ معها ، لم يتّصل لشيءٍ زهريّ يجلبُ السعادة بل اتّصل ومن خلفِ فمه كلمـاتٌ رمادية ، لا يعلـم حقيقةً إن كـانت رماديّةً أم لا ! لا يدري هل هذا الأمـر يجلبُ الفرحَ أم لا! لربّما لو جـاءَ دون أن تكون أسيل مرتبطـةً بشاهين لفرح! لكنّ هذه المعمعـةَ تُهلكُ تفكيره ومشاعره . . . لفظَ بنبرةٍ باهتة : كنت بقولك شيء.
أسيل تضحك برقّة : شايف شلون أفهمك؟ حتى أنا بقولك شيء حلو .. بس بالأول قول وش عندك.
ماذا ستقول؟ بالتأكيد ليسَ أهم ممّا عنده ! .. لم يُبـالي وهو يعضُّ شفتـه وهذا الحمل " إخبارها " يشعر أنه يثقلُ كاهله ، في حين لفظَت أسيل مستنكرةً صمته : وشو؟
فواز بهدوءٍ يحاول أن يتدرّج في إخبارها : أسيل ... عرفتِي ليه شاهين تركك فجأة؟
شعرَ بارتباكِها الذي صمتت بِه للحظتينِ قبل أن تلفظَ بتوتّر : لا ... ليه تقولها وكأنّك تعرف؟
فواز : لأني أعرف.
هذهِ المرّةُ اضطربَت أنفاسها انفعالًا رغمَ أنها حاولت ان تخفي انفعالها ذا! ، لفظَت بنبرةٍ هجوميّةٍ وقهر : قوله .. يمكن يبرد قلبي وأعرف موقعي من الإعراب بكل هذا !!
فواز : بتتحملين اللي بقوله؟
ابتلعَت ريقها بربكـة، لم تحبّ نبرته تلك ، هتفَت بخفوتٍ وتوجّس : فواز وش فيه؟ شاهين فيه شيء تعبان أو شيء من هالكلام ؟!!!!
فواز : لا ..
أسيل : أجل !!!
أغمـض عينيه وهو يتنفّس بهدوءٍ كاذب، كان يحاول أن يكون هادئًا ، يحاول! وهو يخشى في لحظةِ انفعالٍ أن يصدمها صدمـةً تئدُها ، ابتلـع ريقه ، لن يرتبك ، لن ينفعـل، لن يقولها مضطربًا ولن يقولها بطريقةٍ تجعل الحقيقةَ قاسية/صادمة، سيقولها بهدوء .. لن ينفعل !! .. لفظْ ، وصوتُه وكلماتهُ التي اندفعَت قسرًا عاندت مآربـه ، حاول أن يقولها بهدوء ، أن يتحدّث برويـة ، أن يمهّد أكثر ، لكنّه أخيرًا قالها بصورةٍ طائشـة ، وكأن هذا الحمـل لم يعدْ يستطِيع أن يحملهُ ثانيةً أخرى ، قالها بصورةٍ منفعلة : شاهين تركك ... لأن ، لأنّ متعب ... طلع حي ... ماهو ميّت، ماهو ميّت يا أسيل!!
ما الذي فعله !! ليسَ هكذا ، ليسَ هكذا !! .. زمّ شفتهُ بقوّةٍ وهو يشدُّ على أجفانه ، ما الذي كان يقوله لنفسِه قبل أن يتّصل؟ سيمهّد للموضوع ، فماذا فعل؟! بينما هي لم تقُل شيئًا ، لم تقُل شيئًا وهي تعقدُ حاجبيها وكأنها لم تسمـع كما يجب ، لم تستوعبْ ما قـال أو ربّما " متعب وحي " لا يتوافقانِ في الحديث ، لذا أمالتْ رأسها وملامحها تشحبْ وقد فقدَت التركيزَ لوهلـة !
في حينِ تنهّد فوازْ ، حسنًا لقد قالها وانتهـى الامـر ، قالها ووصلَت الكلمـاتُ بقوّتها إليها . . ارتبكَ من صمتِها ، وظنّ أنه صمتٌ افتعلتهُ الصدمـةُ فيها ، لذا ارتبكَ أكثر وخافَ عليها ، ليلفظَ أخيرًا بحنانٍ محاولًا تخفيفَ الحقيقةَ بثقلها : اسمعي حبيبتي ، أنا مثلك تفاجأت بس هذي إرادة الله .. هو فعلًا حي ما مات .. كان هالسنين عايش برى بروحه ومضطر لهالشيء، فهذا .. فهذا السبب اللي خلّى شاهين يتركك وبدون ما يعلمك ، مو تقليل منك بس غصب عني قاعد أعذره ، أنا عجزت أستوعب هالفكرة فشلون هو ومتعب أخوه؟! فوق كذا .. فوق كذا متزوجك وهو حي!! . . . * أردف بتوتّرٍ من صمتِها * أسيل .. أسيل تسمعيني؟
من الجهةِ الأخـرى ، كانت لا تزل تنظُر بغرابـةٍ للصحنِ الذي قطّعت فيه التفاح الأخضـر، تعقدُ حاجبيها ، وتبهتُ نظراتها ، أصابعها كانت تتحرّك على إحدى قطـع التفاح بغرابـة ، ماذا يقول؟ لم تفهم ! لم تستطِع أن تفهم ، ماذا يقول الآن؟ ما دخـل اسم متعب في أن شاهين تركها فجأة؟ .. عادَ الاسم! عاد الاسمُ من جديد ... كيومِ أمرها أن تستعدَّ لتبتعد! كـان شاهين يتكلّم ، ويقصدُ بطلاسِمه متعب ! والآن فواز ، يقول شيئًا ما ويذكر اسم متعب ... يقول شيئًا ما !! ما كـان هو؟!
ابتلعَت ريقها ، ورجفـةٌ مرّت من أصابعها إلى كفيها رويدًا رويدًا وبتمهّل ، فغـرت فمها ، لتهمسَ ببهوتٍ وهي تبتسم ابتسامةً تهتزّ : وش كنت تقول؟!
زمّ شفتيه ، أدرك من سؤالها هذا أن غرابـة ما قاله لها جعلها تتشوّش وتتناساه بسرعة ، عضّ باطِن خدّه ، ومن ثمّ لفظَ بجدّية : أسيل ركزي معاي .. شوفي أنا ما كنت أبي أصدمك بالموضوع بس هو كان لازم يوصلك بطريقة راح تصدمك في النهاية ... مركزة؟
أسيل بتشوّشٍ وضياع : أنا معك .. بس وش كنت تقول بالضبط شفيه متعب الله يرحمه؟
مسحَ على وجههِ وأقدامهُ بدأت بالسيرِ جيئةً وذهابًا ، وبكلماتٍ يشدّد عليها : وين جالسة الحين أنتِ؟
أسيل تبتلعُ ريقها وهي تقبضُ كفّها المرتجفة محاولةً اسكانها، لمَ ترتجف؟ ما بالها؟!! . . شتّت عينيها باضطراب، ومن ثمّ همسَت ببهوتٍ وهي تتطلّع لخزائن المطبخِ بتشتت : في المطبخ.
فواز : أمي وينها؟
أسيل لا تدري ما يريد بأسئلته : نايمة.
فواز : متأكدة؟ قومي شوفي إذا صحت أو لا.
أسيل باستغراب ونبرتها بأت بالارتجاف : ليه؟
فواز الذي كان يريدها في ذلك الوقت أن تكون بجانِب أحد، لم تستوعبْ حتى الآن ما قالته، وحالة الركودِ والهدوءِ المضطربِ هذا جعله يخشى انفجارًا قريبًا ، لذا أراد أن تكون قريبةً من أحدٍ ما وليسَت بمفردها .. لفظَ بحزم : روحي بس شوفيها.
أسيل تنهضُ بتوتّرٍ لتخرجَ من المطبخ ، اتّجهت للدرجِ مباشرةً وهي تلفظُ باستنكار : ممكن تكون نايمة تبيني أزعجها؟
فواز : إذا نايمة صحّيها.
أسيل باستنكارٍ أكبر احتدّ صوتها وتغضّنت ملامحها : فواز وش فيه؟
فواز : مافيه شيء بس اطلعي لها الحين .. أبي أكلمها.
أسيل التي مازالت تُكمل سيرها : كلمها إذا صحت.
فواز بحدّة : أبي أكلمها الحين روحي لها وأنتِ ساكتة.
أمالت فمها باستغراب ، ماذا قال؟ قال متعب ماذا؟ وما علاقة متعب في ابتعادِ شاهين؟ .. لمَ .. لمَ مازالت ترتجف؟ بل لمَ تتضاعفُ هذهِ الرجفـة وتغتـال جسدها تنكيلًا !! . . شعَرت بقليلٍ من الدوارِ إلا أنها اكملتْ سيرها ، قلبها ينبـض بقوّةٍ لشيءٍ قـاله فواز وسمعته أذناها ، لكن ما الذي قاله ؟! هيَ سمعته ، لكن لم تعُد تدري ما هو !!! . . وقفَت أمام بابِ الغرفـة، كادت تضربُ البـاب إلا انها تراجعَت وفتحته مباشرةً بهدوء، خشيَت أن تكون نائمـةً وستزعجها ، بالرغمِ من أن فواز قال لها أن توقظها إلا أنها أيضًا لم تحبّ أن تزعجها !!
مرّرت نظراتها على الغـرفة لتبتسمَ وهي ترى أمّها جالسةً على السجادةِ بعد أن أنهت صلاةَ الضحـى ، شعرت بها من فتحها للبـابِ لتلتفِت وتبتسم ، لازالت تعيشُ نشوةَ السعادة من خبرِ حملها الذي تتمنّى أن يتغيّر بِه الكثير من نفسيتها، لذا أشرقت ملامحها ما إن رأتها ولفظَت : يا حلو هالصباح .. ادخلي حبيبتي ادخلي.
دخلَت أسيل بحرج، وبخفوت : صباح الخير يمّه ، معليش لو أزعجتك بس فواز يبي يحاكيك.
ام فواز بابتسامةِ لهفـة : لا والله أي ازعاج من وجهك او صوته؟! جيبيه جعلني فدا عيونه.
تقدّمت أسيل إليها وهي تلفظُ بامتعاضٍ منه : هاه هذاني عندها احمد ربك حصلتها صاحية .. شيلــ . .
فواز يقاطعها بهدوء : خليني بالأول أكمـل كلامي معك !
توقّفت أسيل وهي تمدُّ فمها : هاه وش تبي؟
فواز : أنتِ وش سمعتي من كلامي أول؟
أسيل بتشتّتٍ تلاشَى الاسترخاء عن ملامحها، مرّرت أحداقها بزاويا الغرفـة بضياعٍ وهي تلفظُ بغرابة : مدري!
فواز : عن مين كنّا نتكلم؟
أسيل باضطراب : عن .. عن شاهين !
نظرت لها ام فواز وهي تعقدُ حاجبيها بتوجّس، لم تنظُر لها أسيل بينما فواز يلفظُ بهدوء : ومين غيره؟!
أسيل تحاول أن تلملمَ في عقلها ما قاله ، تضاعفَت رعشتها وهي تلفُظ بنبرةٍ مهتزّة : م .. متعب.
فواز بتروّي : وش قلت لك عنه؟
أسيل نظرت لعيني امها التي كانت تنظُر لها مباشرة، بدأت شفاهها بالارتعاش ، بدأت أهدابها تخفقُ تشتّتًا .. وصوتها يلفظُ بضياع : مدري !
فواز يحاول أن تصِلها الحقيقة بصورةٍ مبسّطةٍ هذهِ المرّة ، دون انفعال، دون عجلة ، يحاول أن يقولها بشكلٍ أفضـل ، بشكلٍ أشدّ وضوحًا وأخفّ صدمة إلا أنه كان يدرك بأن صدمتها ستكون عنيفة : قلتلك .. متعب مو ميت ! متعب يا روحي طلع عايش وكان مضطر يظلّ برى السعودية طول هالفترة بس هو رجع قبل وقت قصير ، وبسبب هالشيء تركك شاهين لأنك من الأساس ما كنتِ أرملة!!!
ابتلعَت ريقها ، وهذهِ المرّة، شعرت أن النبضاتِ تعالَت .. وضعَت كفّها على صدرها ، تضغطُ على قلبِها علّه يهدأ ، .. هذهِ المرّة ، استعادَت كلماته الاولى ، واستوعبَت ما قاله ! .. استوعبَت بعدَ الضمور ، استوعبت ما السبب الذي كان يجعلها ترتجف ، والآن أكثر !!
شعَرت بحنجرتها جافـة ، بعينيها تغيبانِ خلف الضبـاب ، تحرِّكُ أحداقها دونَ هُدى ، إلامَ تنظر؟ لا تدري ، كانت ترى فقط تشوّشًا من حولها، ماذا يعني " مو ميّت "؟ كيفَ يحدثُ ذلك؟ .. كيف !!!
أفرجَت شفاهها، لم تعلَم الآن ما كان شعورها ، فقط ، كـانت تتوهُ بين غيومِ التشوّشِ والضيـاع ، حاولت أن تقول شيئًا ، ولا تدري جديًا ، كيفَ استطاعت !! : فــ .. فــواااز!! ...
تنفّست بانفعال ، ماذا؟ ماذا تريد أن تقول؟ الكلمـات تصلُ فمها وتُعلـن انتفاضـةً على الاستواء، لذا كانت تردفُ بتخبّطٍ رغمَ محاولتها أن تتّزن : شلون؟ .. وش ... أنت وش ، قاعد تقول؟!
أغمـض عينيه وتوقّفَ في مكانِه وهو يتنهّد بحسـرة ، استشعـر تخبّطها ، لكنّه كان مُطمئنًا بعض الشيء لتواجُدِ أمّه أمامها، لم يكُن يريد أن يقول لامه شيئًا في الحقيقة، أرادها أن تكون جاهلـةً بالصدمـة التي ستحلّ على أسيل حتى تستطِيع أن تتصرف! لم يُرِد أن يفاجئهما كلتاهما.
لفظَ بنبرةٍ هادئـةٍ والحمـل شعرَ أنه أزاحه، الآن سيستطِيع أن يتكلّم بوضوحٍ أكبـر دون أن ينفعـل : اهدي شوي حبيبتي ، لا تنفعلين طيب؟ .. ولا تفكرين بأي شيء أنتِ حاليًا اهدي واستوعبي الفكرة شوي شوي ، كل شيء ممكن .. مافيه شيء مستحيل حتى ضياع شخص لسنين ورجعته بعد موت !!
لم تدري في تلك اللحظـة أنّها كانت تهزُّ رأسها بالنفيِ وهي توسّع عينيها دون تصديق ، لم تدري في تلك اللحظـة أن مقلتيها كـانتا قد فتحَت أبوابهما لملحٍ مُذاب ، لم تدري في تلك اللحظـة ، ما مشاعرها !! .. سوى أنّ جسدها انتفض لتك الفكـرةِ وأقـامَ مظاهراتٍ على هذا الضيـاع ، كانت ترتجف ، رجفـةً أصبحَت واضحةً لعيني أمها التي ذعرت واندفعَت إليها ، كـانت شفاهها تثقُل ، ملامحها تذبُل ، كـان الشحوبُ يتضاعف ، وصواعقُ تصيب جسدها وتحرقها .. كانت في تلك اللحظـة توجّه أحداقها للأمـام بفراغ ! .. بينما صوتها مات ! ولم تستطِع أن تبعثـه من لحدِ الصدمة.
وقفَت ام فواز بصدمـةٍ بجانِبها وهي تسحبُ الهاتف الذي لا تدري كيفَ مازال حتى الآن في يدها ومثبّتًا على أذنها ، وضعَته مباشرةً على أذنها لتلفظَ بصوتٍ مرتفعٍ حاد : وش فيه وش قايل لها؟!!
فواز بنبرةٍ متفاجئة : يمه !!
ام فواز بغضب : وش قايل لأختك؟
فواز بذعرٍ شدّ على الهاتف : صار لها شيء؟
ام فواز : للحين ما صار !
تنهّد براحـة وهو يغمـض عينيه ، فتحهما بعدَ لحظتينِ ليردفَ بتوضيح : ما أقدر أقولك حاليًا بس أبيك الحين جنبها ، خليك معها لين تستوعب اللي قلته لها بعدين اتّصلي علي لو ما قالت لك بنفسها .. هالفترة خاصـةً كوني جنبها.
ام فواز بغضبٍ تكادُ تنفجـر وهي ترى أسيل التي كانت في وضعها ، تنظُر للفراغ، لازالت تهزُّ رأسها بشكلٍ أصبـح طفيفًا وعينيها ذرفتا الدمـع أخيرًا : لا بتتكلم الحين ... أنت مجنون عشان تقول شيء يصدمها بهالشكل ؟ أختك حامل يا فواز ما علّمتك هي والا شلون؟
فواز بصدمـة : حـــامل !!!
ام فواز بانفعـال : أيه حامل يا شاطر .. لو صار لها شيء فبيكون السبب . . .
لم تكدْ تُكمـل جملتها حتى انتبهَت لأسيل تضـع كفيها على بطنِها فجأة .. انتفضَت بذعرٍ واندفَعت إليها وهي تلفظُ بصوتٍ مذعور : بسم الله ، بسم الله شفيك تحسين بشيء ؟!
أسيل وعيناها تجحظان أكثر ، تكادُ محاجرها أن تلفظَ أحداقها وأنفاسها ترتفع بجنون : بطني .. بطني يمه آآآآآه ..
شهقَت بذعرٍ والهاتفُ فجأةً لم يعُد في يدِها ، لا تدري أين غاب، لم تهتم، ولم تستمِع في تلك اللحظـةِ لصوتِ فواز الذي كان يعلو مناديًا بقلقٍ وذعر .. أمسكَت كتفيها بخوفٍ وهي تهتفُ بصوتٍ تائهٍ متشتّت : وش تحسين فيه بالضبط .. وش ... آه يا ربي بشوف السواق ..
حاولت أن تبتعدَ عنها لكنّ أسيل كانت قدْ تشبّثت بها وهي تبكِي ، ألـم ، ألـمٌ لا يطـاق .. تشعر أنّ أحشاءها تتمزّق ، تشعر أنّ صوتها يرحلُ خلفَ نبرةِ البكـاءِ الذي اعتلى فجأةً بقوّة ، وضعَت رأسها على كتِفها وهي تتأوّه بعذاب ، كيفَ يكون ذلك؟ كيَ يكون حيًا؟ كيفَ يجلبون معجزةً - مستحيلة -؟! هل يمزح معها؟ .. لا ! لا .. ما هذا الجنون؟! .. يا الله كيفَ يحدثُ ذلك؟! وبكائي عليه سنين؟ اشتياقي؟ حبّي الذي مكثَ في صدري؟ .. كلّها ماذا كانت تعنِي؟!
ارتفعَت آهاتها الباكيةُ وهي تغرسُ أظافرها بقوّةٍ في جلدِ أمها ودون شعور ، كانت تشعُر بالألمِ ينتشـر في جسدِها ، أقدامها ثقلَت ، لم تعدْ تستطيع الوقوفَ وهي تصرخُ بعذاب وتشتّت ، تصرخُ بضيـاعٍ ما بينَ ما قيل ، وبين ألـم الجسدِ الآن : شلوووووون؟؟ آآآآه يمه بموووووت ... شلون يقول حي؟!!! شلوووون؟ .... بطنـي .. آآآه بطني . .
أغمضَت عينيها بقوّة وصرخـةٌ باسمها من بينِ شفتي أمها تسللت إلى أذنها ببطء ، تصاعَد الألـم حتى لم تكُن تشعر في تلك اللحظـةِ أنها ستحتمل أكثر ! ، وكـان ذلك ما كان فعلًا ! .. إذ غابَت في تلك اللحظـاتِ عن الشعورِ بعدَ الألـم الذي وأد بقيّة الوعيِ فيها ، ثقـل جسدها فجأة ، ولم تستطِع أمها في تلك الأثنـاءِ حملها لذا سقطَت جالسَةً على ركبتيها وأسيل معها ، هتفَت بجنونٍ وهي تهزّها : أسيــل!! أسيل بنتي تسمعيني ؟!!!
لم تجِد ردًا، حينها شهقَت وهي تتنفّس بقوةٍ وتشتّت ، حرّكت عينيها تبحثُ عن الهاتِف حتى تتّصل بالسائق وتخبره أن يجهّز السيارةَ لحينِ تُلبسها عباءتها وتتمكن من إيصالها للسيارة .. سقطَت أنظارها على الهاتف الذي كان يرمزُ للدقائق التي تحدّثت فيها أسيل مع فواز ، لم يكُن قد أغلق ! .. لم تهتمّ له وهي تمدُّ يدها لهُ وتنهي المكالمة! ومن ثمّ بدأت بانفعـالٍ تبحثُ عن رقمِ السائقِ لتتّصل به ، خمسُ رنّاتٍ لم يردّ فيها ، وكان انفعالها وخوفها في تلك الأثنـاءِ لا يتّسع للانتظـار ، تركت التفكير بِه كخيارٍ للانقاذ ، هي أصلًا لن تستطِيع حملها من الأعلى للأسفل بسهولة! لذا اتّجهت دون تفكيرٍ لتتّصل بشاهين ، لم يطُل الرنينُ لثلاثٍ حتى جاءها الردُّ بصورةٍ متردّدةٍ من شاهين الذي لفظَ بتوجّس : أهلين عمتـي ..
ام فواز بانفعـال : مافيه وقت للكـلام تعال بسرعة ..
انتفضَ شاهين واقفًا وعينيه تتّسعان بذعر : وش فيه وش صار؟
ام فواز بنبرةٍ متحسّرة : أسيل .. أسيل طاحت علي .. تعال تكفى ما أدري وش أسوي.


،


خرجَ من البيتِ مسرعًا، لم يفكّر بشيء، لم يهتمّ لشيءٍ في تلك الأثنـاء وكان قلبـه وحدهُ من أمـره في تلك اللحظـاتِ أن يُسيّر ولا يُخيّر ، صعَد سيّارته بعد أن أغلـق دون أن يهتمّ بالكثيرِ من التفاصيل، المهم أنّها في تلك اللحظـة لم تكُن بخير! وهذا يكفي كيْ يُثير في صدرِه كلّ معالِم الجفـاف، أن تَشّقق بهِ أرضُ جمودِه وتتناثرَ قناعاتهُ شظايا.
لم يستغرق أكثر من عشرِ دقائق إلا وهو يقفُ أمام المنزل، نزل وهو يتّصل بأم فواز لتردّ عليهِ مباشرةً ويلفظ : أنا عند البـاب.
ام فواز بصوتٍ ذاهب الأنفاس : جايتك.
وقفَ أمام البـاب وهو يسمعُ صوتَ خطواتِها المنفعلـةِ عبر الهاتف ، وبتساؤلٍ قلقٍ لفظ : ما صحت؟
ام فواز بحسرة : لا ، أساسًا ... * ابتلعَت ريقها قبل أن تردف * أساسًا قاعدة تنزف ! أخاف يكون اجهاض!
تجمّد في مكانه ، شعرَ بالألـم من تلك الفكـرة ، أن يخسـر تلك الروح التي كانت دليـل اجتماعهما تحتَ سقفٍ واحد ، الروح التي لم تُنفخ ولم يفرح بها بعد !! .. عضّ شفته ، حاول أن يصلبَ صوته وهو يلفظُ بتدارك : لا تهتمين لهالنقطة الحين ، المهم تكون بخير.
فتحَت البـابَ في تلك اللحظـةِ وهي تتنفّس بسرعة ، رأى دموعها التي كانت تغطّي ملامحها التي خطّت السنينُ فيها معالمـها ، أدخـل الهاتف في جيبِه بعد اغلاقِه ، ومن ثمّ تحرّك بعجلةٍ ودموعها أخافته أكثر : وينها؟
ام فواز التي كانت تعدّل طرحتها حول وجهه وقد ارتدَت عباءتها استعدادًا قبل وصوله ، تحرّكت قبلـه كي توصـله ، صعِد الدرجات .. هذهِ الخطوات ، كـانت كخطواتٍ قديمةٍ على نفسِ المكـان ، يومها صعَد لغـرفتها ، بعدَ " النوتيلا " التي جعلتها تُحرجُ منه ، وتهرب ! ... ابتسَم بحسرةٍ على تلك الأيـام التي كان يخوضها في شدٍّ وجذب ، لذيذ!! كان كلّ ذلك لذيذًا في عينيه ، كـان بالرغمِ من استفزازها لهُ يعشـقُ اللحظـاتَ السريعـةَ بينهما ، اللحظـات التي كانت من شدّةِ فتنتها على قلبِه تُسكـره حتى وهو غاضِب ، تسكرهُ وهو في كامِل قواه العقليّة . . تحرّك وهو يئدُ بسمتهُ بزمّه لشفتيه ، كيفَ ابتسم في تلك اللحظـةِ تحديدًا لذكرى " لم تكُن واللهِ عابرة "؟ كيفَ ينسى؟ وهو الذي كان في تلك الأيـام يسرقُ اللحظـاتِ بينهما من خزانـةِ جفافها وصدّها ، حتى استفزازها لهُ كان يحبّه ، كـان استفزازها لي دائمًا ما يتعلّق باسمك يا " متعب "! كيفَ تريدني الآن أن أتغاضـى وأُكمـل معها؟ تغاضيتُ سابقًا لأنّك ميت ، والآن !! ماذا عساي أفعـل وكيفَ تريد مني أن أتقبّلها زوجةً لي وأنت حي؟
وقفَ أمام ام فواز التي فتحَت بابَ غرفتها ودخلت ، دخـل من ورائها ، حينها وجَد أسيل قد حاولَت امها حملها حتى استطاعَت وضعها على السرير، عباءتها تغلّفها بفوضويـة ، وجهها شاحِب ... و ، ودماء !!
شعر بقلبِه يعتصـر ، لا يمكن أن يذهب! هو بخير .. نعم بخير !! . . العـالمَ من حولِه باتَ مغشيًّا بالظـلام ، لم يسمـع صوتَ امّ فواز وهي تحادثـه والغرفـة أصبحَت خاويـةً من كلّ شيءٍ عداهما ، اقتربَ بخطواتِه منها ، يستغرقُ في تأمّل ملامحها ، يا الله كم اشتاقها ! ، كم اشتـاق !!
كم كـان الوقتُ في تلك اللحظـاتِ قاسِي، لم يكُن يستطِيع أن ينظُر إليها بعدَ غياب ، أن يستشعِر وطء غيابها كيفَ يكون ، لم يكن يملك الوقت! لذا نسيَ مشاعره في تلك اللحظـة ، وحمـلها بخفّةٍ ومن ثمّ اتّجه للبـابِ وهو ينظُر لوجهها الغائب عنه ، لعينيها المتلحّفتينِ بأجفانها، لأهدابِها التي يشعر أنها تناقصَت كثافة! نعم ، حتى أهدابها يعرفُ كثافتها ... كم بكيتِ حبيبتي حتى أثقلتِ بصيلاتَ أهدابك فسقطَت واحدةً تلو الأخرى، كم بكيتِ؟!
انحنى بوجهه إليها ، لم يستطِع أن يمنـع نفسه في تلك اللحظـة ، من أن يودِع لعينِها اليُمنـى قبلةً من شفتينِ ألهبتهما الأشواق ، اشتاقَت بشرتها ، اشتاقَت عيونها ، اشتاقَت أن تلامِس دفئها ويغرقَ بين خلاياها ، قبّلها متناسيًا كلّ القرارات ، عينيكِ دستور حكمٍ أقمتِه وثرتُ كشعبٍ عليه .. هذا هو الحال فقط! . . . همسَ وصوتُ خطواتِ امها التي كـانت تسيرُ خلفهُ يصِل مسامعه ، بصوتٍ كـان سرًّا بينهما ، لم يسمعه سواهما : بكون بخير ، أنا متأكد بيزين حالك .. وأكون بخير !


،


رمـى الهاتفَ على السريرِ وهو يشدُّ على أسنانه ، ماذا فعل؟ يا الله ماذا فعـل؟ .. لمَ لم يخبروه حتى الآن أنها حامـل؟!! كان ليصمت! كـان ليصمت !!! . . عضّ شفتـه بغضبٍ وهو يرفـع وجهه للأعلـى ويهتفُ بعمق : يا رب احفظها .. يا رب احفظها !!
لن يغفر لنفسِه إن حدثَ لها شيءٌ أو لجنينها ، لن يغفر أبدًا .. يا الله ليته صمت أو تركها تقول ما كانت تريد قوله ، نعم ، بالتأكيد كانت تريد أن تخبره !!
مرّر أصابعه بين خصلات شعرِه بقهرٍ ومن ثمّ تحرّك بعد أن أخذَ هاتفه ، خـرج مباشرةً من الشقّةِ متناسيًا حبيباتِ المطر، كـان قبل أن يتجاوزَ بابَ المبنى يحاول أن يتّصل بهاتِف أمه وهاتفِ أسيل إلا أنهما لم تردّا عليه ، خرجَ لتلفحـهُ بعضُ القطراتِ الخفيفة ، لم يهتمّ للتي سقطَت على خدّه مباشـرةً ببرودتِها ، كان جامدًا ، لم يبـالي بانحدارِها إلى نهايةِ فكّه على بشرتِه التي يشعُر أنّها ضحلَت بالجفاف . .
شدّ علة قبضتِه المُمسكةِ بالهاتِف في جيبِه ، إلهي احفظها ، ما الذي فعله يا الله !!! . . زفـر ، ومن ثمّ أخرج الهاتف ليُعـيدَ الاتصـال بِأمّه ويجدَ منها عدمَ الرد ، أغمـض عينيهِ والقطراتُ توقّفت عن الهطول، ماذا الآن؟ سيظلّ حبيسَ هذا القلق والتخبّطِ حتى متى؟! . . هزّ رأسه بالنفي ، ستكون بخير ، نعم ستكون بخير .. ما باله قلقٌ هكذا؟ هي ربّما فقط ظلّت صامتـةً من الصدمـة ، لكنّ ما سمـعه قبل أن تُنهي أمّه الاتصال لم يكُن يقُول ذلك!!
قرّر أن يمرّر الوقتَ قليلًا ، لن يظلّ حبيسَ قلقه . . رفـع هاتفه ليتّصل بفارِس ، إن كان أصابها شيءٌ فأمه لن ترد الآن ، وإن كـان لم يصبها شيءٌ فأمه ستتّصل بعدَ قليلٍ لتصرخ في وجههِ بغضبٍ لأنّه تسببَ لها ببكاءٍ حادٍ أو صدمـة ، نعم ، سيحدثُ الأمـر الثاني ، لذا سيخرجُ مع فارسْ حتى يمرّ الوقتُ سريعًا ومن ثمّ تتّصل هي أو يتّصل هو !!
ردّ عليهِ فارس بعدَ لحظتينِ ليلفظ : يا صباح الخير.
فواز : أهلين ، وينك فيه؟
فارس : طالع أفطر ، شرايك تجي نفطر سوا ما بعد طلبت.
ابتسمَ فواز بضيق : احسبني معك ... أي مطعم؟

من جهةٍ أخـرى ، أنهى الاتصال ليوجّه نظراتهُ لجنان التي نظرت لهُ بانزعاجٍ وعتبٍ وهي تلفظ : ليه عزمته؟
فارس بمكر : وش فيها؟
جنان : فاااااارس!!
فارس : اشش لك فترة ما شفتيه المفروض تنبسطين.
كتّفت ذراعيها بغضب : منت صاحي ، لا تخليني الحين أتركك وأرجع البيت؟
فارس يضحك : افا افا !! والله ما قصدت شيء يعني ما فكرت برفضك قلت دام ما عندي غير زوجته وش فيها لو جلس معنا؟!
أمـالت فمها بضيق ، هل يجبُ أن تراه حتى حينَ تهربُ من التفكيرِ به !! .. صدّت بوجهها وهي تسندُ ذقنها على كفّها ، ومن ثمّ مرّت الدقائِقُ الطويلة قبل أن يدخُل فوازْ وهو ينظُر لهاتفـه منتظرًا اتصالًا من امّه بعد أن أرسل لها " طمنيني عن أسيل "! ، رفـع عينيهِ بشكلٍ تلقائيٍّ يبحثُ عن فارس ، وما إن رآه حتى صُدمَ من الجهـةِ الأخـرى وهو يرى معه جنـان ، لم يكدْ يفكّر بشيءٍ أو يتدارك نظراته تلك حتى سمـع صوتَ رنينِ هاتفِه ، تأهّبَت حواسـه له ، ومن ثمّ رفعـه .... أمّه !!!


،


خرجَت من غرفـةِ أمّها وهي تتنهّد وتمسـح على خدها بأسـى ، كانت قد نامت هذهِ المـرةَ دون هذيـان باسمـه .. يا الله ما الذي حصل تحديدًا؟ لا تكـادُ تصدّق ولا تريد التصديق ! لا تريد ذلك !! لا يمكـن أن يكون سعدْ فعلها ، ربّما سوء فهم .. نعم ، سوءُ فهم !! ربّما تشاجـر معه فقط وفقدَ الوعي وهو بدورِه ظنّه مات! لكن ماذا عن الدماء!! وماذا عن استدعائهِ بتهمةِ القتـل هذه! ، إلهي !! إلهـي اكتبْ لكلّ هذا الخلاص بسلام ، أنا أثق بأنه لم يفعلـها ، سعد لم يفعلها .. نعم !!
ازدردت ريقها بعبـرة ، يتراءى أمامها أن يحاكم بالقصاص! يُبتـر رأسـه ... لا ، لا !! .. سقطَت دموعها ، ودون شعورٍ بدأ صوتُها ينتحب ، يا الله لا تكتب ذلك! لا تكتبْ أنْ يرحـل بهذهِ الطـريقة ، يا الله فليخرج من كلّ ذلك سليمًا من أيّ ذنب !
وضعَت ظاهرَ كفّها على فمها ودموعها تتساقـطُ فتشقُّ خديها كمعبـرِ نهرٍ يمدُّ الشلالاتِ المالحـة ، كيفَ يختلطُ مسمّى الملوحـةِ مع مصطلـحِ " نهر "! كيفَ قد تتلاعبُ الأبجديّات مع الحقيقة وأنت حقيقةٌ بيضـاء ، كيفَ تُدنّس؟
سمعَت في تلك اللحظـةِ صوتَ البابِ يُطـرق، انتفضـت لتندفـع إليهِ بسرعةٍ وهي تشهقُ ببكاءٍ وتمسحُ دموعها، لفظَت برعشـةٍ من ورائه : مين؟
ليصلها في تلك اللحظـةِ صوتُ عمّها المُرهـق والغاضبِ في آن : أنا عمك.
ارتعشَت شفاهها وهي تفتحُ البـاب بسرعةٍ ليدخـل ، وما إن خطى خطوتينِ حتى استقبلته بسؤالٍ يفيضُ بحرارةِ آلامها : وش صار؟
نظر لها عمها بيأس : وش بيصير يعني؟
ابتلعَت ريقها بربكـة ، وبصوتٍ مرتجفٍ لفظَت : ما يسوّيها!!
وكأنّ الضغطَ الذي كان عليه منذ البارحـة ولّد انفجارًا حارقًا الآن ، انفرجَت شفاهه بصرخةٍ غاضبةٍ منفعلـة : إلا سوّاها .. سوّاها الحمـار وطيّح وجيهنا ..
تراجعَت للخلفِ وهي تضعُ كفّها على فمِها ورأسها يتحرّك بالنفي، عادَت دموعها تسقُط أكثر ، يا الله لا يمكن ! لا يمكن !! ماذا يعنِي هذا؟ أنّه انتهـى ، وأنّه سيرحل ، أنّها لن تراه من جديد ولم يعُد في حياتها من اسمه " سعد "؟ . . أردفَ عمّها بغضب ، رغمًا عنه خفتَ صوته بالرغمِ من كونِه لم يكُن يريد أن يُهدِّئه ، خفت بحسرةٍ وأسى : ما حاول ينفِي التهمـة بالعكس أكّد إنه قتله واعترف ان السلاح كان سكين ! هو نفسه اللي كان قرب الجثّة ، اعترفْ إنه هو حتى قبل لا يرفعون البصمات عنه .. وين وصل؟ وش اللي خلاه يقتلـه؟ ما قال شيء غير إنها لحظة غضب !! ... يا الله وش هالولد الحمار الله لا يردّه .. فضحنا الله لا يردّه !!
ضغطَت على فمِها أكثر وصوتُها يرتفـع ببكاءٍ مستوجـع .. كيفَ وصـل بنا الحـال إلى هنا؟ ما معنـى هذا الاختبارِ يا الله؟ أن أفقدَ أخـي ، بأقسى طريقةٍ ممكنة !! أفقدهُ وهو مدنّسٌ بذنب !! .. كيفَ فعلها؟ كيفَ يقوى نقيٌّ مثلـه على فعلها؟

يُتبــع ...

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 07-08-16, 11:10 PM   المشاركة رقم: 878
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 



،


وقفَ أمامَ النافِذةِ وهو يتحدّث بنبرةٍ باردةٍ مع الشخصِ الذي يتواصـل معه في الهاتف : انتظـر كم يوم بس لين تتطمّن إنّ الاجراءت المتعلّقة فيك انتهت ، وبعدها تسافر سامع! لا تستعجل .. من الأسـاس مافيه خوف دامه بنفسه معترف إنّه القاتل ، بس الحذر واجب.
من الجهةِ الأخـرى : سم طال عمرك.
سالم بهدوءٍ يبتسـم بانتصـار، كان هذا هو الشخص الذي جعلـه يدخُل الوضـع كشاهِد " الذي بلّغ عن الجريمة " بالرغمِ من كونِه هو من اتّصل ، لكنّه جعل هذا الآخر في النهاية ينيبُ عنه بعدَ أن علّمه ما يقول، لم يكُن ليتهوّر ويظهـر ، يحبّ عملـه هكذا ، في الخفـاءِ ودون أن يعرفَ أحدٌ وجهه ، والآن ، من بينِ كلّ من عرفوه وجهًا لوجهٍ بقيّ سعد .. وسيموت عمّا قريبٍ بالتأكيد " في قصاص " في حينِ لن يتجرّأ ويعترفَ أنه تورّط معهم ، ومن الجهـةِ الأخـرى ... بقيَ متعب !!
استدارَ بسرعةٍ ما إن سمـع صوتَ البابِ يطرق، أخفضَ الهاتفَ بعد أن أنهى المكالمـة ، ومن ثمّ لفظَ بهدوء : ادخل.
دخـل سندْ بهدوءٍ وهو يبتسم : آسف ما قصدت أشغلك ، بس بغيت أسأل عن ابراهيم وسعد ! من أمـس طلعوا بدري واليوم ما جوا .. غريبة !!
سالم بنبرةٍ هادئةٍ لا تنبئ عن شيء، جلسَ على كرسيّه وهو يتنهّد باسترخاءٍ وراحـة : خلاص ماراح يجون مرة ثانية.
سند يعقدُ حاجبيه باستغراب : ليه؟
سالم : استغنيت عن خدماتهم.
سند يرفع حاجبيه دون تصديق : بعد كل هذا؟!!!
سالم بنبرةٍ حادة : لا تدخّل نفسك بأمور مالك فيها !! .. الحين اسمع عندي لك موضوع يهمّك وأعتقد بيعجبك.
سند بتوترٍ من بعدِ نبرتِه تلك : وشو؟
سالم يبتسم بمكر وبنبرةٍ مغريـةٍ يستميله بها أكثر : أول شغل بتكون طرف فيه .. صفقة أرباحها تتجاوز 60 ألف .. وبتكون لك منها نسبة 30% كمكافئة لو نجحت فيها.
التمعَت عينـا سند بطمـع ، وكانت ملامحـه في تلك اللحظـة مرحّبةً بما سمـع .. بكلّ سعادة!


،


دخـل للمطبخِ وهو يتثاءب ويضعُ كفّه على فمِه ، اتّجه للثلاجـةِ كي يتناولَ من الماءِ ويشرب، في تلك الأثنـاءِ كانت إلين تجلسُ على كرسيّ الطاولـةِ المستطيلة، تُمسك بينَ كفّيها كتابًا وما إن رأته حتى ارتبكَت وهي تُخفـض وجهها قليلًا . . ابتسم وهو يغلقُ بابَ الثلاجـةِ ويلفظَ برقّة : صباح الخير.
إلين تقلّب الصفحة التي كانت تقرأ فيها ببطءٍ مرتبكٍ ودون أن تنظُر تجاهه لفظَت بخفوتِ صوتِها : صباح النور.
أدهم باستنكارٍ يبتسـمُ وهو يرى الكتابَ الذي تُمسك بِه بين يديها : في المطبخ!!!
رفعَت عينيها إليه بينما أصابعها تمتدُّ لكوبِ القهوة التركية ، وبهدوءٍ ذا مغزى : طقوسي.
رفـع حاجبه الأيسر بخبث : ما ينفع في الظلام بعد؟
إلين تردُّ بسخريةٍ وأحداقها تتحرّك بينَ الكلماتِ التي تنزلقُ عن أسطرها في عينيها : هذي طقوسك أنت .. لو بتبناها بشتري كتاب مُشعّ.
أدهم : هه ما تضحك.
رفعَت رأسها إليه ، ورغمًا عنها ابتسَمت وهي تعقدُ حاجبيها بانزعاج : يا الله صباح خير ما تعرف تجامل.
أدهم بمشاكسة : أعرف إنّي جوعان.
إلين بضجرٍّ تقطّب ملامحها : يا صبر أيوب.
أدهم يكتّف ذراعيه : قولي شيء بعد ! شكلك مفطرة قبل لا أصحـى ، أصلًا وش مصحّيك وأنتِ نومك ثقيل؟
إلين وعينيها تتّسعان دون تصديق : مين اللي نومه ثقيل؟!!!
أدهم : نومي خفيف أدري عن نفسي باستثناء حالات معينة لو كنت تعبان أو لي فترة ما نمت ... بس مين اللي لو شلته وهو نايم ما حس! ولو بسته بعد ما حس ولو ظليت الصبح كامل أتأمله بعد ما حس !!!
ارتبكَت ، واشتعلتْ عيناها بصدمةٍ اختلطَت بخجلٍ جرفها في شهقةٍ صامتـةٍ من صدرِها الذي ارتفـع في نفسٍ مضطرب ، وضعَت الكتاب الذي كانت تقرأ منه على الطـاولة ، شدّت على إحدى أطرافِه بينما يدها الأخرى تنسلّ بعيدًا عن الكوبِ الساخِن والذي تسلّلت حرارته عبر جلدها وأضافت لملامحها اشتعالًا أكبـر لتهمسَ ببهوت : ما ينوثق فيك !!!
أدهم بعبثٍ يُميل فمهُ وهو يتّكئ بكتفِه على بابِ الثلاجـة : قلتِ لي مرّة لو سويت لك شيء بتحسين فيني .. نومك خفيف صح!
إلين بشفتين ترتعشـان ، ارتفـع صوتها غضبًا وانفعالًا بينما ملامحها المحمرّة تتجعّد بغضبٍ وهي لا تكادُ تصدّق جرأته : أنت اللي خبيث وحيوان !!! شلون تجرّأت ؟!!
وقفَت وهي تقبضُ كفيها بقهر ، كلمـاته الآن نسفَت الثقـة التي ولّدها ناحيتها البارحـة وبعدَ كلماتِه التي أخبرتها أنه سيصبر على نفورها ، أنه لن يرغمها على قربه أبدًا !! ... نعم ، لم يكُن يُرغمها ، لكنّه كان يستغفلها في المنـامِ ويسرقُ من الليـل لحظـاتٍ لا تدري كيفَ كان تعمّقه فيها !!
اندفعَت إليه وخطواتُها كانت كقرعِ طبولٍ جوفاءَ تضربُها هي تحديدًا ، وقفَت أمامه لتردفَ بصوتٍ حادٍ غاضب : يا كذّاب ! كلامك كلّه طلع كذب ... قولي لأي حد وصلت وأنا نايمة هاه! لأي حد!!!
أدهم يتأمّل وجهها باستمتاعٍ وهو يرى الغضبَ الذي ينقشُ فتنـةً أكبر على تضاريسِها الناعمـة ، بقيَ يتطلّع بها ببرودٍ أغاظها أكثر ، لتردفَ أخيرًا من بينِ أسنانها : أدهم يــــا ابليـــــــــــــس !!!
أدهم بابتسامةٍ باردةٍ متسلّية : أفا يا الجان؟
إلين بقهر : والله مافيه جان إلا أنت !!
أدهم : عفوًا؟ أنا ترقّيت لإبليس.
إلين بنبرةٍ تختنـق بقهرٍ من استغلالِه ساعاتِ نومها قبله : شلون؟ والله وثقت فيك !!
ارتخت ملامحـه قليلًا و " الثقـة " حينَ لفظتها شعرَ أنّها تجيء ككلمـةِ " أحبك "! . . ابتسمَ رغمًا عنه ، يا الله مسكينٌ أنا ! أيُّ شفقةٍ تجعلينني أشعر بها لشغفي لتلك الكلمـةِ حتى أستشعرها بأخرى؟ أيّ شفقةٍ تجعلينني أشعر بها تجاه نفسي؟!
رقّت ملامحـه ، ورحمَ الغضبَ الذي كان يسطَع في أحداقها، قرّر أن يريحها ويرحمَ نفسه " لأجل الثقة " ، حصوله عليها يعنِي الكثير ، كيفَ قدْ يفرّط بها بكلّ تلك البساطة؟!!
رفـع كفّه ليضعها على شعرها برقّة ، حينها انتفضَت وحاولت أن تتراجـع وهي ترمقـه بغضب، إلا أنه رفـع كفّه الأخرى ليمسك بها كتفها ويلفظَ برقّةٍ وحنان : ما سويت لك شيء تطمنـي .. هي كلها أقعد أتأمل الشمس بمخباها .. بس!
بترَ جزء القبلات ، لم يفضّل قولها لها الآن تحديدًا كي لا تنفجـر وتنفجـر معها الثقـةُ وتقتلها . . في حينِ نظرت له إلين بشكٍّ وهي تلفظُ بنبرةٍ لازالت مختنقـةٌ بينما الاحتقانُ لم يغادر ملامحها : شلون بصدقك؟
أدهم بابتسامةٍ بسيطة : مثل ما وثقتي فيني من كلامي أمس !
إلين تبتلـع ريقها بربكـة : للأسف أبي أثق فيك هالمرة بعد !
أدهم بابتسامةٍ تتّسع : يعني؟
إلين تزفـر بيأس : صدّقتك.
أدهم يمسحُ على شعرها وهو يلفظُ باستفزاز : برافو طفلتي.
تراجعَت للخلفِ وكفيها ترتفعانِ لشعرها كي تعدّله وهي تلفظُ بانزعاج : ما تتعدّل .. طس عنّي أشوف ، ووش يبي كرشك الموقر أخ أدهم؟


،


تنظُر للأعلـى بملامِح هادئـة ، لم تكُن هادئـةً في الحقيقة ، لكنّها كـانت بطريقةٍ ما ، ميّتة ! لذا كان الهدوءُ فيها قسرًا ، لم يكُن خيارًا ، ولم تكُن من ملحقـاتِ هذهِ اللحظـةِ أن تموت ! لا أحـد يختـار هذا البؤس، يأتِي قسرًا فيخلّد في النفـس ميتةً صُغـرى ... ستُخبره ! نعم .. ستُخبره وتتحمّل ما سيجيئها ، ستخبره !! ستوضّج له هذهِ المرّة بصورةٍ أكثر وضوحًا ، لن تقول ماهو ناقصٌ فيذهبَ تفكيرهُ لتلك الليلـة ... نعم ، ستخبره !!!
تجمّد جسدها فوقَ السريرِ وتصلّب باضطرابٍ ما إن سمعَت صوتَ البـابِ يُفتـح ، كـان بابُ الحمـام بعد أن خرجَ منه وهو يمسـح وجهه بمنشفةٍ صغيرةٍ وذراعـيه مبلّلتين بالمـاء .. ابتلعَت ريقها بربكـةٍ وهي تثبّت عينيها للأعلـى لا تريد أن تنظُر إليه ، كيفَ تريدُ أن تخبره وهي حتى لا تستطِيع النظـر إليه الآن؟
وضـع سلطـان المنشفـة على أقربِ أريكةٍ بهدوء ، ومن ثمّ نظـر نحوها بصمت ، بعينينِ جامدتين يدقّق النظـر في ملامحِها المتشنّجة والتي كانت توجّهها للأعلـى دون أن تبدّل وضعيتها التي تجمّدت بِها بربكـة . . تنهّد ، ومن ثمّ لفظَ بنبرةٍ حازمـةٍ وصوتٍ محذّر : ما أبي الدراما اللي أمس تتكرر ! لو تطلعين من غير شوري لا تلومين إلا نفسك ..
لم تردّ عليه ، حينها تحرّك بصمتٍ تجاه البـاب وهو يردف مكرّرًا بتحذير : لا تطلعين ولا تعقدين آمالك على أمّك .. مافيه شيء يستاهل !
ابتسمَت بحزنٍ مريرٍ وسخريةٍ لاذعـةٍ من نفسٍها بعد أن نطـق تلك الجملة ، سمعت البابَ يُفـتح، لتلفظَ مباشرةً مانعةً خروجه : ما تشوف إنّك مستصغر الموضوع بزيادة ؟
أدار رأسه إليها ببطءٍ دون كامـل جسدِه الذي كان يقابـل الباب ، وبهدوء : من حقّي أختار أرضى أو ما أرضى .. وكوني رضيت فيك فهذا يعني إنّ الموضوع صغير بعيني ! أما عن ناحيتك فلازم تتعاملين مع نفسيتك وتصغّرين الموضوع بعينك بعد!
ابتلعَت ريقها من قسوةِ كلماتِه التي لا تليقُ بكذبتها ، لو أنّه فعلًا أصابها ما كذبَت ، فهل يرى أنّ تلك الجملـة منه صحيحة؟ أم أنّه يقصد الآن هذهِ القسـوة حتى يردعها من أيّ عملٍ متهوّر !! . . لفظَت بحشرجة : بقولك عن شيء.
استدارَ هذه المرّةَ بكامل جسدِه وهو يرمقها باهتمام : وشو؟
فتحت فمها ، ستخبره ، نعم ، يجب أن تخبره وترتاح من هذا الذنب .. ماذا سيحدثُ بعدَ إخبارِه؟ أيتركها وحسب؟ أم ماذا !! .. أيتركها كورقةٍ جفّت بعدَ أن بتـر غصنها الماءَ الموصولَ إليها؟ كيفَ أكون ورقةً في اللحظـةِ التي تكونُ فيها شجرةً باذخـة ، وأنا بالنسبةِ لك لا شيء! .. موضوعةٌ في أعلى غصن، على طرفِه ، لا يصلنـي ماؤك! .. هل هذا ما سيحدثُ لي يا سلطـان؟ هل فعلًا أرحّب بهذا السقوطِ الأجوف؟ أن أسقطَ من غصنِك دون أن أستثير الوجودَ وأزلزله؟ هل هذهِ أنا؟ - لا شيء -!!
عضّت شفتها بألم، أخفضَت رأسها لتنظُر لحجرها ، ظهرها يستقيمُ على ظهرِ السرير، وروحها منكسرة! . . تنهّد سلطـان بصبر، ومن ثمّ نظر لها بحزمٍ ليلفظَ بتحذير : لا تبكين .. ولا تفكرين كثير !
غزل بنبرةٍ مكبوتة : أبي أبكي وأبي أفكر أكثر وأكثر.
سلطان : مو بهالطريقة ! أنتِ بدل لا تسندين نفسك قاعدة تكسرينها أكثر !
رفعَت عينيها إليه ، ابتسمَت بحسرة ، تلك الابتسامةُ التي تظهرُ ألمًا من مخاضِ السعادة ، من مخاضِ الحياةِ معك يا سلطان ! .. بنبرةٍ يائسةٍ لفظَت : أنت اللي علمتني أبكي !
سلطان بنبرةٍ حازمة : علّمتك تكونين قويّة ، لو البكاء بيقوّيك أبكي! .. بس إذا بيخليك ضعيفة كذا لا !!
غزل بانكسار : وش القوّة لو كنت بخسرك؟ وش الضعف لو كنت بظل جنبك طول عمري؟ .. ما يتوافقون ، ولأني قاعدة أعيش الخسارة أنا ضعيفة!
سلطان ويجدُ في حديثها ما هو أكبـر ، عقدَ حاجبيه دون رضا ليلفظَ بتساؤل : وش اللي مضعفك لهالحد؟ وش اللي مخليك تخسريني أصلًا؟
غزل تبتلعُ ريقها وهي تشتّت نظراتها عنه، وبغصّة : أنا !
سلطان بتشدِيد : اذبحي نفسك أجل.
تحرّك بعدَ جملته الساخـرةِ تلك كي يخرج، حينها ابتسمَت وهي تهتفُ بخفوت : ما تخاف أسوّيها؟
استدارَ إليها بعدَ أن التفتَ وهو يعقدُ حاجبيه باستنكار : نعم !! لهالدرجة وصلتي؟
غزل بأسى : لأني أحبك أنا ولا شيء! وش يجيب الثرى للثريا؟ إنت فوووق ... أنا ويني عنّك؟
أردفَت وهي تمسحُ على خدها دمعةً وهمية، باتت تشعُر بدموعٍ كاذبةٍ حتى ولو لم تبكي! : تعرف الجملة اللي تقول " مالي ومال النجوم دام القمر عندي؟ " .. جملة غبية .. تدري إنّي قمر بس وأنت نجم؟ القمر ولا شيء .. لأنه بس يعكس ضوء النجوم .. مو لأنها بعيدة نقول صغيرة ، يكفي إنّها رغم بعدها واضحة .. إنت كذا! بعيد عني بس واضح وأكبر مني بكثير .. أنا أيش؟ مجرّد شيء مُعتم وفارغ وماله وجود من غير ضوء نجم !
صدّت عنه أخيرًا وهي تُغمـض عينيها، بينما كانت نظراته الصامتـة تنظُر إليها دون تعبير .. ما الذي يفعله لها تحديدًا؟ لم يعُد يعلـم ، لم يعُد يفهمها ويفهم حزنها إطلاقًا !! ما الذي قلّب في عقلها قراراتها؟ هل السبب أمها وحسب؟ .. هل يمكن أن تأثّر بها إلى هذا الحد !!
ازدادَت التجعيدةُ ما بينَ حاجبيه نتوءات، تحرّكت أقدامهُ بهدوءِ خطواتِه نحوها، جلَس على طرفِ السريرِ بجانِبها لتبتلعَ ريقها وترفع ركبتيها إلى صدرها بصمتٍ ومن ثمّ تحيطهما بذراعيها دون أن تنظُر نحوه حتى .. رفـع كفّه ليضعها أخيرًا على شعرها بهدوء .. مشّط خصلاتها التي تشابكَت رغمَ نعومتها ، كنعومةِ الأهدابِ التي تشابكَت بفعلِ الاملاحِ التي تسقُط بثراءٍ من عينيها، وصلَت كفّه إلى خصرها لتسترخِي هناك ، بينما رجفةٌ أصابتْ خلاياها ، جعلتها تدفن وجهها بين ركبتيها وتلفظَ بعذاب : روح ! ما أستاهلك ... ما أستاهلك ! مع إنّ هالشيء بيحرقني ، بيقهرني ... بس اللي تستاهلك وحدة أنقى مني ... أنا ، أنا حقيرة !
عضّت شفتيها بعدَ كلمتـها الاخيرة، تلك الكلمـة التي كانت كافيةً لتُغضبـه .. شعرت بِه يُمسك بها من كتفيها ويرفعها قسرًا ، أدارها إليه لتقابله بملامحها ، فغرت فمها وهي تنظُر لوجههِ بينما ركبتيها انخفضتا لترتاحا على السريرِ بعدَ إدارته لها إليه والتي آلمتها . . لفظَ سلطان بحدةٍ وهو ينظُر في عمق عينيها مباشرة : خلصتي كلامك أستاذة غزل؟
غزل تبتلعُ ريقها ، وبرجاء : سلطان تكفى !
سلطان بحدّةٍ يقاطعها : إذا اللي تبينه موشح من الجُمـل الغبية على قولتك ... فمالي ومال النساء دام الغزال عندي؟
ارتعشَت شفاهها، وهذهِ المرّة سقطَت دمعةٌ من عينها اليُسرى .. هزّت رأسه بالنفي ، تحشرجَ صوتها ليخرجَ إليه باهتًا بذهول : يا الله !! .. ما يصير والله ما يصير !!!
سلطان بغضب : رفعتي ضغطي بهالكلمة ، وش اللي ما يصير؟!
غزل وتشعر أنها تُخرج الكلمـاتَ قسرًا : تستاهل وحدة أفضل مني .. ما يصير ، ما يصير أكون زوجتك وما يصير تتمسّك فيني !!
سلطان من بينِ أسنانه لفظَ بغضبٍ وهو يتركُ كتفيها ويبتعدُ بنفاد صبر : الله يغثّ العدو !! * استدارَ فجأةً ليردفَ بصوتٍ ارتفـع بتحذير * مو إنتِ اللي تحددين مين اللي تناسبني ومين اللي ما تناسب !! ومو إنتِ اللي تجين الحين وتقرّرين عن حياتنا بعد ما خسرتِي هالفرصـة .. ومو إنتِ .. مو إنتِ يا غزل اللي تقرّرين إنّك الثرى ! إنّك قمـر معتم على قولتك ... بالنسبة لي إنتِ شيء أكبـر ، وهذا قراري بعد ما خسرتي مثل ما قلت الفرص كلّها .... تعقّلي ترى بديت أفقد صبري منّك !


،


يقفُ أمام ملامِحها المسترخيـة ، ها هو الزمـن يُعيدُ نفسه ، ها أنا أقفُ أمامك كما وقفتُ يومًا ، في هذا الصندوق الأبيض! في أجواءٍ مشابهةٍ يا أسيل وقفتُ أمامكِ ذاتَ يوم ، جئتُ بكِ أنا إلى المشفـى في تواتُرٍ مشابهٍ في الأحداث إلا أنّ الظـروف كانت مختلفة ، يومها .. يومها كانت استثاراتٌ تفيضُ بي في شكٍّ وتلفحُ فيّ نفورًا ، والآن لم يعُد هناك شك! قتِل الشكُّ باليقين .. واليوم أنتِ فعلًا ، لستِ ملكِي أنا فقط !!
أغمـض عينيهِ بأسـى ، وتراجـع للخلفِ حتى جلـس على الكرسيّ بجانِب سريرها ، كيفَ يصفُ شوقهُ وهو باتَ يراهُ محرّمًا؟ كيفَ ينظُر لها بعينِ الشغفِ ومشاعـرهُ تفيضُ وتقتله هو ! .. تقتلهُ بلذعةِ الحقيقة ، كيفَ يجلسُ قريبًا منها، عينيهِ تطوفانِ في ملامِحها الشاحبـة ، ورغمَ ذلك .. يراها ألم! .. ألم ، ألمٌ أنتِ ، لم يجدْ بين قائمـةِ الأدويـةِ مُسكّنًا ، ألمٌ سيبقى دائمًا ، كيفَ أتجاوزكِ وأنتِ وجعٌ مزمن؟ قولي ، كيفَ أغضّ الطرفَ عن أجفانكِ الآن وأقاومُ شوقي رغمَ أنّني أدرك أنّه لن يرتوِي أبدًا . . ما الذي أفعله الآن؟ ما الذي أفعله بالنظـر إليها؟!!
عضّ شفته وهو يقفُ ويمرّر أصابعه بينَ خصلاتِ شعره، تنهّد بأسـى ، ومن ثمّ تحرّك ينوِي الذهـاب ، لن يحتمـل أن يراها أكثر ، لن يحتمل ! .. قرّر أن يخرج ، ويرحـل من المشفـى ومن ثمّ ينظُر لطريقةٍ أخـرى حتى يعودوا ما إن تستيقظ ، يتحدّث مع السائق !! .. لا لا يستطِيع أن يفعـل ذلك ، لا يليقُ أن يتركهم بعد أن وصـل إلى هنا ! يا الله !!! . . شدّ على أسنانِه بغيظ ، في تلك الأثنـاء كانت ام فواز تجلسُ في مصلّى النساءِ بعدَ أن تجاوزا صلاةَ الظهر ، في البدايـة صلّى هو في المسجدِ وبقيَت هي معها، وما إن عادَ حتى ذهبت هي للصلاة، لم يصتدموا بحوارٍ طويل، كلّ الأحاديث بينهما كانت سطحيةً وتتعلّق بحال أسيل وحسب !
وقفَ عند البـاب، وضـع يدهُ على المقبــض وترددٌ يصيبه ، لا يريد أن يذهب ! ويريد ذلك .. يريد أن ينظُر لوجهها إلى أجلٍ غيرِ معلوم .. ولا يريد ذلك ! يريد أن يبقى .. أن يبقى وحسب !! .. لا ! لا يريد ذلك!!!
أغمـض عينيه بقوّة ، كل الإراداتِ اغتالها ، البقاءُ أو عدمـه ، نسفها بقرارٍ واحد .. الهرب! الهربُ من كلّ شيء ، لذا قرّر أن يخرج، ليسَ لأنه لا يريد البقاء ، لكن لأنه يريد الهربَ من هذا التخبّط ! .. أدار المقبـض ، في اللحظـةِ ذاتِها التي وصـل إليهِ فيها صوتُ أنينٍ جـاءَ من ألمِ صدرها ، تجمّدت يدهُ على المقبضَ دون أن يجذبَ البابَ ويخرج ، شدّ على أجفانِه وصدرهُ يرتفـع بأنفاسٍ متعثّرةٍ بأساه .. بأيّ قدرةٍ استطاعَت نسفَ القرارِ الاخير؟ القرار الذي نسفَ ما قبله / القرار الذي كـان لأجل نفسِه ، ليكتشفَ الآن ، أن زوالـه ، كان لأجل نفسِه أيضًا ! .. لأجل شوقه ، لأنه إن هـرب منها ، فمعنى الهروبِ إليها !!
استدارَ ببطءٍ وملامحـه تُظهـر انفعالاتِه ، نظـر إليها، تفتـح عينيها ببطء ، تفغـر فمها بألم ، ارتفعَت كفّها برجفةٍ وضعفٍ إلى بطنها بشكلٍ تلقائي ، تأوّهت بألم ، ليندفـع مباشرةً إليها وقلبه ينقبـض لملامِح الوجَع فيها ، وقفَ بجانِب رأسها ، ومن ثمّ انحنى بوجهه إلى وجهها وهو يهمـس بوجعٍ مماثـلٍ لتغضّن ملامحها التي يعشق : سلامتك .. سلامتك يا وجعي !
حرّكت رأسها بضيـاع ، كانت تشعُر بجفافٍ حادٍ في فمها ، تفرجُ شفتيها وتتنفّس من بينهما فيتضاعفُ الجفاف أكثـر، سقطَت عيونها على ملامِحه القريبـة ، أنّت وهي تعودُ لإغمـاضِ عينيها ، بينما ارتفعَت كفّ شاهين بألمٍ تغلّب على شوقِه الملتهب، وضعَها على عينيها المُغمضتين ، ومن ثمّ همـس بعمقٍ وخشوع : اللهم ربّ الناس ، أذهب الباس ، واحفظ لي عيونها !
كـان يدرك في تلك اللحظـاتِ أنّها لم تستوعبْ ما حولِها كمـا يجب، لذا كانت ساكنـة ، متألمـة ، لم تقُل شيئًا وربّما لم تنتبه كما يجب أنّه - شاهين -!! . . . انحنى أكثر إليها ، ولم يستطِع أن يمنـع نفسه من تكرارِ قبلته ! .. قبّل جبينها ، وجنتها البارزة بعد أن رفـع كفّه عن عينيها ، قبّل المساحـةَ التي تؤمّن لهُ القليلَ من السكينةِ والطمأنينـةِ في ملامِحها ، استراحَت كفّه على شعرها .. لا يستطِيع أن يحتمـل النظـر إليها وهي في إغمائها ، فكيفَ إن فتحت عينيها ونظـر لأحداقها ، كيف إن التهبَت أشواقه أكثر بانكسارِ هدبها لوعكةٍ اغتالتها .. يا الله كم اشتاقها خلال تلك الأيـام! كم اشتاقها ، يؤلمـه أنْ يشتاق ، ويؤلمه أكثر أن يلقاها من جديدٍ فيقبّلها بملء أشواقـه ، يؤلمـه ، أن يعودَ إليها ملاذًا من وجعٍ وأن تولّد فيه وجعًا أكبـر ... لا يستطِيع أن يتوقّف عن تقبيلها والنظر إليها بتصوّر ملامح متعب ! لا يستطِيع أن يُقيّد هذا الانفجـارَ الآن بذنبِه !!
همسَ وهو يحطُّ بجبينه على جبينها كـ - شاهينٍ - حطّ على عشّه ، على موطِنه ، على الأرضِ التي تسقيه حياة : وحشتينـــــــي !! غصب عن هالوجـع ، وضِعف هالوجـع الحين .. وحشتيني !
عادَت لتفتح عينيها ، تفغـر فمها، تريد أن تقول شيئًا! تريدُ أن تتحدّث ، تريد أن تُطلـق سراحَ صوتِها الذي سُجِن خلفَ قضبانِ الجفاف ... تريد أن تسأله ! .. ماذا حلّ بابني!! .. وكأنها في هذهِ اللحظـة ، أدركَت في غمـرةِ خمولِها وضعفها، أن تواجدها هنا كـان لألمٍ ارتبطَ بطفلها ، ألمٍ كـان عنيفًا على جسدها والآن مشاعرها ...
حاولت أن تتكلـم ، واستطاعَت أخيرًا أن تعربَ عن خشيتها بنبرةٍ مبحوحةٍ جرحَت حنجرتها : ال .. الجـــ ... الجنـ ين !!
تخلخَلت أنامله خصلاتِ شعرها ، بينمـا تنهّد صدره ، وهو يقبّل وجنتها بعمـق ، بمواساة! ومن ثمّ يهمـس بأسى : معوّضة !
شعرَ بوجهها يتشنّج ، برودةٌ تسلّلت إلى جلدها ، انسحَب الدفءُ الباقِي فيها ، لم تشعُر بنفسها إلا وشهقـةُ بكاءٍ تتسلّل من بينِ شفتيها ، ارتفعَ وجهه مباشـرةً وهو ينظُر لها ببؤس ، في حين انفجرت عينيها بحدّةِ السهامِ التي غُرسَت في صدرِها الذي لم يفرح كما يجبُ بعد ، كـانت قد بدأت تهتمُّ بطريقةِ أكلـها ، لم تمرّ ثلاثةُ أيامٍ حتى منذُ عرفت عنه فكيفَ غادرها بهذا الشكل؟ يا الله ! يا الله ما هذا الألـم ، لم أفرح كما يجب، فلمَ رحـل !!!
رفعَت كفّها المرتعشـةِ لتغطّي عينيها وتبكِي بفقد ، بينما بقيَ شاهين ينظُر لها بصمت ، ماذا كانت مشاعره حينَ علِم أنّ الجنينَ فُقِد؟ كـان خوفُه عليها هي أكبـر ، لكن بالمقابـل ، لا ينكـر أنّه شعـر بأنّه فقدَ جزءً منه ! .. شعـر بحزنٍ أخفاهُ سريعًا باهتمامِه بها هي تحديدًا دون أن يبالي بأيّ شيءٍ سواها !
مرّر طرفَ لسانِه على شفتيه ، مدّ يده ليُريحها على وجنتها وهو يهمـس بحنان : أسيـــ . .
قاطعتـه بحدّةٍ حين أدارَت وجهها عنه وصدّت ، وبنبرةِ بكاءٍ من بينِ شفتيها ، بصوتٍ هجوميٍّ حـاد : أنت السبب .. أنت السبب !!!
شاهين دون فهم لفظَ مستنكرًا : خلاص بعدين نتفاهم .. الحين أنتِ بس ارتاحي.
أسيل تنظُر نحوه لتصرخ بغضبٍ في وجهه : ما أبـي أتفاهم معك ... اذلف من وجهي !! عرفت خلاص ليه تركتني بهالشكل الرخيص ! عرفت كل شيء يا شاهين !
غصّت ، واختنـق صوتُها بعذابٍ وهي تُردفُ دون تصديق ، بصوتٍ باهِتٍ خافت : شلون يطلـع عايـش بعد هالسنين؟!
أجفـل ، واتّسعت عينـاه بصدمـة ، كيفَ علِمت؟ فواز !! فواز .. لا أحد يعلمُ سواه ، لمَ أخبرها؟ نعم كـان يريده أن يخبرها هو .. لكن الآن !! أيعقل أن يكون سبب إجهاضها هو هذا!!
ارتبَك ، وتوتّر حلقه لتتحرّك تفاحـةُ آدم في انزلاقٍ متوجِّع ، ماذا يعني؟ ها هـي أصبحَت تعرفُ أن متعب حي ، زوجها هي ... حي !!
تجـاهل الوخـز الذي كـان يشعُر بِه يستحوِذ على جسده ، اقتربَ من السريرِ خطوةً لا يدري متى ابتعدها ، ومن ثمّ همسَ بنبرةٍ مختنقـة : أسيـــلـ ....
قاطعته من جديدٍ وهي تحاول أن تسحبَ جسدها بعيدًا بنفور ، ترتعش ، تنظُر لهُ بأحداقٍ تلتمـع من بلّوراتِ الدموع ، وينتفضُ صوتها في حنجرتها بقهرٍ وحقد : لا تقرب .. ما أبيك! ما أبيك تقرب مني ولا أبي أشوفك بعد اليوم !!!
تصلّب جسده ، ورغمًا عنه ، ارتدّ للخلفِ وهو يبتسـم ، يبتسـم بحسرة ، يبتسـم بخسران ، لمَ هذه الابتسامـة وهو الذي كـان يدرك منذ البداية أنّ هذهِ ستكونُ إجابتها؟ لمَ هذهِ البسمـة؟ وهو يدرك منذ البدايـة .. أنها لن تكون له بل لمتعب !!
همسَ بنبرةٍ منهزمة ، بابتسامةٍ لم يتلاشى شبحها، بملامِح استرخت ، بشكلٍ بعيدٍ كلّيًا عن معنى الاسترخاء الداخليّ : اخترتيـــــه؟!!


،


قبل ذلك بساعات ، ظهرت على ملامِحه العتمـة ، أغمـض عينيهِ بقوّةٍ وهو يستمـع لكلماتِ أمّه عبر الهاتف : بتدخل حاليًا غرفـة العمليات عشان التنظيف . . . الله يسامحك! الله يسامحك وش قايل لها؟!
اختنقَت كلماتُها بحسـرة ، لم تُضِف شيئًا ودموعها سقطَت ، كـانت فرِحَة ! ولم تكتمـل فرحتها بل بُترت من أطرافِها .. فتحَ عينيه وهو يُميل فمه بأسى ، هل هو من تسبّب بفقدِه؟ يا الله !!! .. لم يجِد ما يقوله، شعـر بقبضةٍ تعصرُ قلبـه ، لا يكـاد يصدّق أنه تسبّب في مقتلِ جسدٍ صغيرٍ قبـل أن تُنفـخ فيه الروح ! . . عضّ شفته ، واندثـر ثباتُ صوتِه في حينِ لم يجِد ما يقول سوى : آسف !
ماذا يقول؟ ليته لم يقُل لها ! ليته انتظـر حتى تتحدّث هي قبلـه !! . . أغمضَت امه عينيها بقوةٍ وأسى، وبحسرة : وش نسوّي بأسفك؟ * أردفت وكأنها تدفعُ الكلمات دفعًا * إرادة الله ... بس وش قلت لها بالضبط؟
فوازْ يُشتّت عينيه وكتفٌ اصتدمَت بكتِفه ومن ثمّ مضَت لوقوفِه في مكانٍ خاطئٍ قُربَ بابِ المطعـم ، لم يتحرّك وهو يلفظُ بخفوت : سلامتها ، اعتذري لها بالنيابة عني ... وقولي لها بتّصل عليها بعدين .. ما كنت أدري إنها حامل !
لم يعلمْ ما يقول أكثر ، لذا أغلقَ وهو يزفُر بعمقٍ ويشدُّ على أسنانِه بقهر ، حيـن جاءَ يُريد وضـع حلولٍ لضياعِها ، أضاعها أكثر! كرِه نفسـه ، سبّب لها الآن ألمًا آخر ، فقدَت الجنين بسببه ! .. بسببه !!!!
تحرّك ينوِي الخروج، نسيَ سبب قدومه ونسي أنّ فارِس ينتظـره ، خرجَ من المطعـم بضيقٍ ينبشُ سكونه ، ابتعدَ عن بابِ المطعـم خطوات، ليتوقّف فجأةً ما إن شعـر بكفٍّ على كتفِه وصوتُ فارس يأتيه مستنكرًا : فواز !
استدارَ فواز ببطءٍ إليه ، عقدَ حاجبيه باستغرابٍ إلا أنه سرعان ما ابتسـم بتشوّشٍ حين استوعبَ سبب قدومه ، وبنبرةٍ باهتـة : آآه أهلين نسيت إنّي دخلت المطعم عشان نفطر سوا.
فارس يعقدُ حاجبيه باستنكار : شفتك كنت تكلم وانقلب وجهك ! عسى ماشر؟!
فواز بضيقٍ يرفعُ يدهُ ليضغطَ على أعلى انفِه بسبابتهِ وإبهامه : الشر ما يجيك ... بس أختي أجهضت.
فارس بأسف : اووه معوضة إن شاء الله ... خيرة.
أومأ دون أن يضيفَ شيئًا، بينما ابتسمَ فارسْ محاولًا تخفيفَ جدّةِ مزاجِه وهو يحيط كتفه ويسحبه باتجاه الباب : يلا عاد تراني طالب لك أنت وخشّتك ذي ... وين تبيني أصرف اللي طلبته؟!
ابتسـم فوّاز دون تعليق ، ومن ثمّ دخـل معه للمطعـم ليتّجها للطـاولةِ مباشـرة ، جلسَ في الكرسيّ الذي كـان بجانِب فارس ، وأمامه ، كانت تجلسُ جنان التي شتّت عينيها عنه بربكة !
ابتسـم فواز بهدوءٍ ظاهري : كيفك جنان؟
جنان بخفوتٍ مضطربٍ تنظُر لكلّ ما حولها سواه : الحمدلله.
لم يُضِف شيئًا ، لم يكُن يريد أن يُطيل في الحديثِ معها فيحرجها أمام فارِس أو يوضِح مقدار عدم التوافق بينهما ، مرّت لحظـاتٌ طويلـةٌ والأحاديثُ تغرقُ في عمقها بينه وبين فارس ، يحاول أن ينسى ضيقه ، يحاول أن يغادرَ الحقيقةَ التي افتعلها ، أنّه تسبب في موتِ جنينِ أخته ! يحاول أن يستوعب أنه جعلها الآن حزينة !! . . كانت الأحاديثُ تشمله وفارس فقط، لم تكُن جنان تشارك بالكثير ، كانت صامتـة ، تشردُ في كوبِ عصيرها ، تبحثُ عن انعكاسٍ شفّافٍ لها ، تبحثُ عن شيءٍ ما .. كبسمة ! وعدمِ ضيقٍ في هذهِ اللحظـات.
انتهوا من الأكل ، وقفَ فارِس وهو يبتسم ويلفظ : يلا انتهت العزيمة يا أخ .. المرة الجاية عليك .. ما نبي نطوّل أكثر برى البيت ، هنا مفترق طُرق.
ابتسمَ فواز دون تعبير : طيب أقدر أطلب منك طلب؟
فارس يضربُ صدرهُ بقبضته : عطيتك.
فواز : هههههههههههههههه اهجد ترى الطلب أختك .. بخطفها كم ساعة.
عقدَ فارسْ حاجبيه باستغرابٍ بينما اشتعلَت حواسُ جنان التي نظرت مباشرةً إلى فواز بعينينِ تتّسعان توجّسًا ورفضًا، تجاهل فوّاز نظراتها وهو يلفظُ بهدوء ناظرًا لملامِح فارس المستغربـة : بدل ما أقضي وقتي بروحي ودي أتمشى معاها .. إلا لو عندك مانع أطلع مع زوجتي !
ارتبكَ فارس قليلًا وهو يوجّه أحداقه لجنانْ التي تكادُ تهزُّ رأسها بالرفضِ في صورةٍ صريحة ، شعـر بالحرج، لذا لفظَ بحيادية : إذا جنان ما عندها مانع !
فواز بتداركٍ قبل أن تلفظَ جنان باعتراضٍ ما : ما تفشليني صح؟
قالها وهو يوجّه نظرةً إليها مع ابتسامة ، حينها توتّرت واضطربت وهي تُخفضُ رأسها وتشدُّ على أسنانها بغيظ ، واللفظُ الصريحُ لـ " لا " وأده بأسلوبِه الماكِر هذا.
ذهبَ فارسِ وهو يودّعهم بعد أن أعلنَت جنان بصمتِها عدم الإعتراض، أسنـدَ فواز مرفقيه على الطـاوله ، ومن ثمّ وضـع كفّه على رأسه ، أغمـض عينيه وتنهّد ، ليردفَ بخفوت : جنان لو أقول لك اوثقي فيني بتثقين؟
مرّرت طرف لسانها على شفتيها بربكةٍ وهي تُخفضُ نظراتها المستغربـة عن ملامِحه المُرهقـة ، وبربكةِ صوتِها المجنون في رفضِه لهذه الخلوةِ بينهما : ليه؟
فواز يفتحُ عينيه وهو ينظُر لها بعينينِ مرهقتين ، ابتسمَ بأسـى ، تمنّى في هذهِ اللحظـةِ لو يشارك أحدًا ، من قد يشارك ، غير زوجته التي يحاول البدء معها ونسيان جيهان؟ : أختي أجهضت اليوم.
عقدَت جنانْ حاجبيها ، وبتيه لا تدري لمَ يخبرها ، ولا تدري بمَ ترد! : الله يعوّضها.
ضحكَ ضحةً خافتـةً ساخرةً من حالِه ، لتبتلع ريقها بربكة مستنكرةً ضحكته ، بينما لفظَ فواز وهو يركّز بأنظارِه على عينيها ، ويلفظَ بابتسامة : بلاش مجاملات.
جنان بحرجٍ حرّكت أحداقها للأعلى وملامحها تتشنّج بربكة، همسَت ببحّة : وش تبيني أقول يعني؟
فواز بنبرةٍ جامـدة ، لا مشاعر فيها ، لا تعبير ، ولا شيءَ يوضـح لها مقدارَ ألمه ! علمَت فقط .. أنه يتوجّع ! : تدرين إنها أجهضَت بسببي؟
ارتفَع حواجبها بتفاجئٍ لتهتف ببهوت : أنت؟ شلووون؟!!
فواز بأسى : بغبائي طبعًا ...
لم يوضِح لها أكثـر ، لكنّها في تلك اللحظـة ، ورغمَ أنّها لم تكُن راضيتةً عن جلوسهما معًا .. إلا أنها تعاطفَت معه أخيرًا لتسترخي ملامحها ، ابتسمَت بمواساةٍ لتلفظَ بهدوءٍ ورقّة : ما راح تكرهك.
ابتسم لمحاولتها الناعمة في مواساتِه ، نظـر لعينيها اللوزيتين لينطق : هي أكيد ما راح تكرهني .. بس أحس إنّي متضايق !
جنان بنعومة : خلاص هذا اللي ربي كاتبه لها ... وش بيفيد ضيقك يعني؟
امتدّت يدهُ إليها ليضعها على كفّها المستريحة على الطاولة بهدوء ، لحظَ تشنّجها وارتباكِ ملامحها ، وما إن شعر بها تحاول سحب يدها بهدوءٍ حتى شدّ عليها وهو يلفظُ بنبرةٍ متشدّدة : لو أطلب منك تثقين فيني .. بتثقين؟
جنان تبتلعُ ريقها بربكـة ، لا تدري ، لكنّها في تلك اللحظـة ومع تعاطفها تجاهه شعرت أنها تريد أن تثق : أ ... أظن أيه.
وقفَ فواز وهو يبتسـم بصفاءٍ ويدهُ مازالت تُمسك بكفّها يريد أن يستحثّها للوقوف .. بينما صوتُه ينطق بابتسامة : أجـل تعالي معي . .


يُتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 07-08-16, 11:20 PM   المشاركة رقم: 879
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




،


تقفُ عند النافذَةِ وهي تسندُ ذقنها على كفّها ، تحرّك طرفَ سبّابتها على طرفِ الكوبِ الذي يشعُّ ببياضٍ يتضاربُ مع سوادِ القهوة، تنظُر للسمـاءِ بضجـر ، دخَلت أرجوانْ وهي تطوِي وشاحًا لها حولَ ذراعيها ، وبضيق : ادخلي وإلا لفي شعرك .. شفيك طالعة كذا؟
جيهان دون مبالاة : ماني طالعة لا تبالغين محد بيشوفني .. وراي مساحة البلكونة بعد.
أرجوان باستنكار : الحين أنتِ تتأملين وشو بالضبط؟ صايرة تجلسين عند النافذة كثير.
جيهان بسخريةٍ من حالِها : أنتظر يمر وأشوفه.
اتّسعت عينا أرجوان بصدمةٍ من اعترافها الصريح : جيــهااااان !!
جيهان تحرّك كفها التي كانت تمرّ بسبابتها على الكوب في الهواء دون مبالاة، تركت الكوبَ على طرفِ النافذة، ومن ثمّ ابتسمَت باستهزاء : أمزح شفيك صدّقتي؟!
أرجوان بحدة : لا ما تمزحين !! .. يعني بتظلّين كذا تبكين على أطلاله؟!
جيهان بنبرةٍ لا مبالية : هه ، أبكي على أطلاله؟ هو اسمه بكا وإلا موت؟!!
عقدَت أرجوان حاجبيها ، لم تعتدْ هذهِ الصراحـة منها في مشاعرها بشكلٍ عميق ، غالبًا ما تتحدّث بإيجاز ، لا تتعمّق في وصفِ شوقِها ومشاعرها تجاهه . . رقّت ملامحها بعطف ، اقتربَت منها لتقفَ من خلفِها مباشـرةً وتضعَ كفّها على ظهرِها، وبرقّة : أنتِ حتى ما تحاولين تنسينه على فكرة! حاولي وارتاحي !!
جيهان بابتسامةٍ شاردة : تدرين إنّي ما أبي أحاول أصلًا !
ابتسمَت أرجوان ابتسامةً تكادُ أن لا تُرى : واضح إنّك من فئة الناس الغير صاحية .. هذول اللي يحبون يتعذّبون بالحب.
جيهان ببؤسٍ وبعض الحقد : للأسف .. بعكس الحيوان ولد عمّك ... الله ياخذها وياخذه .. الله ياخذ قلبه الكذّاب قال يبي يبدأ من جديد قال !
أردفتْ بصوتٍ احتدَّ بحقد : سراقة رجاجيل وهو بعد مشفوح ومسوي لي فيها مثنى وثلاث ورباع جعل يطقها بالثالثة.
ضحكَت أرجوان رغمًا عنها وهي تخفضُ كفّها عن ظهرها وتنطق بضحكة : يعني منتِ منقهرة لو تزوّج الثالثة بعد؟
جيهان تُدير رأسها إليها بشكلٍ هجوميٍّ واندفاع : بنقهر بس أبيها هي بعد تنقهر ... الله ياخذ بنات حوّاء أجمع إذا ما بتطيح عيونهم الا عليه ... خلّصوا الرجاجيل يعني؟!!
أرجوان : هههههههههههههه وشلون تبينه يقهرها بالثالثة وأنتِ تبينهم يموتون؟
جيهان تزمُّ شفتيها وهي تَعودُ لتنظُر للشـارعِ عبر الفراغاتِ الممكنة، وبخفوت : تراني غبيّة ، مثيرة للشفقة على فكرة !! كلّه منه الله لا يوفقه معها ..
لم تنطُق أرجوان بشيءٍ ردًا على كلمـاتِها تلك، بينما تنهّدت جيهان بضيقٍ وهي ترفعُ الكوبَ وترتشفُ منه، تنظُر للشارِع بعينينِ فارغتينِ ببرود ، ونظراتها ... كانت في تلك اللحظـةِ تصتدمُ بما كـان كافي .. ليئدَ البقيّة الباقيةَ من تعقّلها!

في الأسفـل ، فركت كفيها بعدَ أن سحبَت يمينها من يدِه ، مرّرت لسانها على شفتيها بربكةٍ وهي تبتلعُ ريقها ، ومن ثمّ وجّهت أنظارها لملامح فواز لتلفظَ برجفة : تبيني أدخل شقّتك؟
فواز بثقة : خليك واثقة مني ... لو أقولك محتاج هالوقت أحد معي بتجين؟ .. مصدّع فوق كذا ضايق خلقِي من حال الشقة محتاسة شوي وأبيك تساعديني فيها ...
كان يريد بذلك خطوةً أخرى لحالٍ أفضـل ، لا ينكر أنّه أرادَ فعلًا أن تساعده ، على استرخاءٍ بعيدًا عن التشنّجاتِ التي تصيب روحه ، لكنّه بالمقابـل كان يريد أن يخطو خطوةً للأمام بشكلٍ أقوى.
توقّفت خطواتُ جنان وشفاهها ترتعشُ باضطراب ، تراجعَت خطوةً للخلفِ وهي تهزُّ رأسها بالنفي ، لم تقتنع بعذره ، لا تستطِيع ، لا تستطِيع أن تثقَ بِه إلى هذا الحد !! .. لفظَت بنبرةٍ ترتعشُ بخوف وتردّد : لا لا أنت مجنون! شلون تبيني أدخل شقتك كذا؟ منت صاحي أكيد وراك شيء!
ابتسمَ رغمًا عنه من أفكارها : وش سوء الظن هذا تشوفيني حيوان همجي وإلا شلون؟ والله والله والله ما أبي منك غير اللي قلته مع شويّة تقدم بعلاقتنا .. هذاني حلفت ثلاث ما تبين تصدقيني؟
جنان برفضٍ حاد : وأنا ما أبي تقدّم !
فواز برقّةٍ يحاول أن يستميلها : طيب بس عشان السبب الأول ، حلفت لك ما راح أغدر فيك .. بس ساعديني بالشقة واجلسي معي شوي .. لهالدرجة ما تثقين فيني؟
فركت كفيها ببعضهما وهي تزدردُ ريقها وتلوكُ الربكـةَ في فمها بكلماتٍ مرتجفـة : محسسني إنّ لنا سنين نعرف بعض ! ترى كلها كم شهر وما تأهل عشان نثق ببعض ... ما أعرفك زين.
فواز بثقة : طيب الحين بتعرفيني !
جنان بتوجس : ما أثق فيك !
فواز يضحك : يا بنت الناس والله ما آكل لا تبالغين ... وبعدين ما يكفي إنّي حلفت؟ من حلف لكم بالله فصدّقوه ،
شتّت عينيها وهي تنفخُ من فمِها هواءً مرتجفًا ، لم يمهلها لترفـض أكثر ، أحاطَ كتفيها ومن ثمّ جذبها معه إلى بابِ المبنـى في اللحظـة التي انتبهَت لهما عيونُ جيهان ...
غير معقول ! غير معقول!!! ... كانت عينـاها تتابعـانِ المكانَ الذي كانا يقفانِ فيه إلى حيثُ اختفيا ، هي ! هي .. هيَ زوجته !! جنان !!!!
تراجعَت للخلفِ بصدمةٍ وصدرها شعرت بأنّ وخزًا أصابه، قلبها اعتصـر بكفِّ المنظـر الذي رأته الآن ، بحجمِ ما كانت تقفُ أمام النافذةِ لم ترهُ إلا مرتينِ تقريبًا ، فلمَ وقفَ معها القدر اليوم تحديدًا لتراه ، لتراه معها ! مع التي أحرقت فؤادها حين شاركتها به !! . . ابتلعَت ريقها بصعوبـة ، رفعَت كفّها لتضعَها على حنجرتها ، كـانت قطراتُ القهوةِ التركيّةِ تنسكب ، الكوبُ يحطُّ متمدّدًا على طرفِ النافذةِ وانسكبَ ما فيهِ بشكلٍ منسابٍ على الجدار ، ككحلٍ أسود! .. كعينيْ امرأةٍ بكَت حبًا وامتلأت وجناتها بالسواد ، كيفَ ترتسمُ اللوحـةُ أمامها الآن عوضًا عن وجهها؟ لم تبكِي ، لكنّ النافذةَ بكَت بدمعٍ مرّ ، بدمعٍ أسودٍ شقّ الجدرَ كشلالٍ موبوءٍ بالأحزان . . كانت تضغطُ على حنجرتها وهي تشعر بها تعتصرُ وتتمزّق ، عقدَت أرجوان حاجبيها باستغرابٍ وتوجّسٍ وهي تلفظ : شفيك؟
يا الله يضحك معها! رأته الآن يضحكُ لها ! .. هذهِ الضحكـة التي تنقصنِي الآن وسرقتها منّي ! لمَ رأيته بهذا الشكل؟ لمَ رأيته أخيرًا معها وأنا التي كانت لمجرّد التفكير تجنّ! . . حاولت أن تبتلعَ ريقها ولم تقدِر ، اختنقَت أحداقها بالتهاباتِ الحمرةِ من القهر ، شعرت بأنّ كلّ ما فيها ثقيلٌ وبـأن سوائل جسدها تغادرها ، جميلة ! جميلةٌ جدًا! حتى وإن لم يكُن يحبّها فلمجردِ النظـر لملامحها سيبتسم ! .. لقد كان يبتسم لها ، كـان يضحك ... يا الله ما هذا الوجع الذي اعتصرَ قلبي! .. تسكُن معه هنا ! أو ربّما فقط جاءت معه وستذهب ! .. وإن يكُن ، هي ، هي دخلَت نفس المكان الذي تشاركت فيه لحظـاتٍ مع فواز . . . عضّت شفتها بألم ، بينما كفّ أرجوان استراحت على كتفها بقلقٍ وهي تلفظُ بنبرةٍ حادة : جيهان وش فيييييك؟!!!
جيهان بغصّة ، صوتها اختنق ، خرجَ منفعلًا ، مرتحلًا خلفَ أكوامٍ من الجفاف ، خرجَ خافتًا، خافتًا يكادُ أن لا يُسمـع : فـ .. فواز ... معها ... يضحك معها!!!
أرجوان دون فهم : مين؟!
جيهان وصوتها انفعلَ فجأةً دون أن يرتفـع قيدَ أنملة : الحقيييييييييرة .. آآخ يا قلبي ، أحس بوجع ! معه ، كانت معه وجات لهنا ! .. آآآه يا ربي ليش شفتهم لييييش؟!!
تراجعَت أرجوانْ للخلفِ وهي تفرجُ شفتيها قليلًا وقد فهمت ، تقصد زوجـة فواز الأخرى! رأتهما !!!! . . لم تعلَم ما تقول ، إلا أنها فتحَت فمها لتلفظَ بنبرةٍ باهتة : طنشيهم ! جيهان مو معقول ما تشوفينهم مع بعض بيوم ! بتظلين تقهرين روحك كذا!
كانت كمن لم تسمعها ، شدّت على شفتِها بأسنانها بقهر، واضطربَ تنفسها لتلفظَ بحقد : حلوة ! مرررة حلوة يا أرجوان !! إذا أنا أشوفها كذا ! هو شلون يشوفها؟
أرجوان بحدة : جيهان !
جيهان تتذكر كلمات الطبيبة التي تحدّثت مرةً عن " الجمـال " في العيون ، لم تشعُر بنفسها وهي تنطُق بقهرٍ وحقدٍ اختلطَا بخيبتها : يا رب قبّحها بعيونه ... يا رب قبّحها بعيونه ، يا رب لا تكتب لهم التوفيق! يا رب ما يحبها !! شلون أصلًا يحب وحدة تناظـر برجال متزوج! حيوانة ... حيوووووااااااانة !!
تحرّكت بقهرٍ ودون هدى لا تدري أين تتّجه ، لكنّها كانت تتحرّك جيئةً وذهابًا بضياعٍ وهي تردف بنبرةٍ تختنق أكثر : هي معه الحين .. دخلت المكان اللي كنت فيه قبلها !! يا الله ما عندها كرامة هذي ما تحس على عمرها الوصخة !! ...
أرجوان بضيقٍ تقتربُ منها : بطلي تسبينها بهالشكل .. جيهان !
جيهان تنظُر إليها ليرتفعَ صوتها فجأةً بغضب : اتركيني من مثاليتك !! انقلعي من وجهي ماني رايقة لنصايحك.
أرجوان بنبرةٍ غاضبة : جيهان وبعدين؟ يعني إيش بتستفيدين يوم إنّك تسبينها وتفوز عليك يوم القيامة بأخذ حسناتك؟ هذا اللي تبينه؟
جيهان تعضُّ شفتها بقهرٍ وعيونها تحتقن، هزّت ساقها بضغطٍ يكادُ يفجّرها ، ارتفعَت كفوفها لتتخلخل بها شعرها المفتوح وتلفظَ بحشرجة : تاخذ حسناتي بعد!!! ... الله ياخذها الله ياخذها كل شيء بتاخذه مني يعني مو كفاية أخذته هو الحيوان الثاني؟!
ضحكّت أرجوانْ في لحظةٍ لم تكُن تريد فيها أن تضحك، حينها نظرت جيهان إليها بقهرٍ لتردفَ بانفعال : الله ياخذك معهم .. انقلعي من وجهي انقلعــــي !!
أرجوان تعضُّ شفتها لتكتم ضحكتها ومن ثمّ تلفظ : أنتِ سامعة نفسك بالله؟ اهدي يا بنت خليهم يطقّون فوق.
جيهان تشهقُ فجأةً كمن استوعبت أن ما يفصلُ بينهما طابقٌ واحد ، هي في الأعلى !!! .. ابتلعَت ريقها بقهرٍ ومن ثمّ لفظَت بتفكيرٍ يضيق أكثر : يطقّون فوق! الحيوانة ذي فوقي أنا !!! .. فوق ما دخلت نفس المكان اللي عشت فيه هي فوقي أنا !!! * أردفت بملامح تشتعل * ما يصير أروح لها وأنتف رموشها ما يصير؟!!!
أمسكَتها أرجوان وهي تدرك أنها قد تفعلها فعلًا ، تدرك أنها مجنونةٌ حينما يتعلّق الأمـر بفواز ، لذا جذبتها معها لتجلسَها على السرير وتلفظَ بحدّة : جنّيتي أنتِ؟!
قوّست جيهان فمها، صوتُ أنفاسها يتصاعد ، نظرتها تشوّشت بضبابِ الدموعِ التي سيطرت عليها ولم تسمـح لها بالسقوط ، هي معه ! .. نعم ، هيَ معه ! يبتسم لها ، يضحك معها ، يُمسك يديها .. كما يحيط كتفيها كما فعـل قبل قليل! ... هي معه بعد أن تركني!


،


طرقَ البابَ طرقتينِ ومن ثمّ دخـل للغرفـة بهدوء، عقدَ حاجبيه ما إن رأى عنـاد متواجدًا ، توقّف لثانيتنِ ومن ثمّ أكمـل سيره وهو يلفظُ بهدوءٍ وكأن سلمـان ليس هنا! : متى جيت؟
عناد ينظُر نحوه ويبتسم : مالي وقت ، من نص ساعة تقريبًا.
سلطان ببرود : همممم.
وقفَ بجانِب عناد دون أن ينظُر لسلمان المُتمدّدِ حتى أو يبالِي بنظراته الباردة نحوه، نظـر لهُ وهو يلفظ بنبرةِ شك : اهتمامك فيه ترى ما يعجبني !
عناد يرفـع حاجبه وهو يبتسـم دون تعليق ، لم يملك الوقتَ الكافي للردْ حتى جاءَ صوتُ سلمان يسبقه باستفزاز : مثل اهتمامك أنت؟!
سلطـان ينظُر نحو سلمان بجمود ليردُّ دون مبالاة : هذي مختلفة ... اهتمام قهري.
سلمان بمكر : قهري شلون؟
سلطان : نفس اهتمامك فيني طوال سنين وأنت قاتل أبوي وكارهه !
سلمان وفمه يميلُ للأسفـل ببرود ، لفظْ : أها الموضوع كذا .. أفهم إنّي أساسًا أهمك!
سلطان يبتسمُ ابتسامةً لا معنـى لها : لا تحاول تقنعني إنّي وقتها كنت أهمك! محدْ بيحب ولد شخص قتله.
سلمان بنبرةٍ مستفزّة : يمكن حسيت بالذنب وقررت أرضي ضميري بتربيتك.
سلطان يرفعُ حاجبيه بتعجب : ترضي ضميرك؟ عجيب والله.
سلمان وشفاههُ تمتدُّ في ابتسامـةٍ هادئة : يبه سلطان ! ترى عاجبني إنّك صاير هادي وما تنفعـل مثل قبل زي الأطفال .. فلا تخربها الحين.
كان يدرك أنّه يحاول استفزازه بكلمـة " يبه " لكنه لم يبالِي بها وهو يسحبُ الكرسيّ ويجلسَ عليه، وبهدوءٍ وهو يكتّف ذراعيه : تطمّن من هالناحية * وجّه نظراته إلى عناد الذي كان يتابعهم بصمتٍ ليُردف * متى قال الدكتور بيطلع؟
عناد بهدوء : ما حدّد للحين.
أومأ برأسه بصمت ، بينما حرّك عنادْ رأسه وهو يمسّد عنقـه المتصلّب ، تحرّكت أقدامه ليلفظَ بصوتٍ هادئ : اعذروني مضطر أمشي ... انتهت زيارتي السريعة.
خرجَ دون أن يُضيفَ شيئًا، حينها عمّ هدوءٌ غريب، مرّر سلطان طرفَ لسانِه على شفتيه ، ومن ثمّ لفظَ ببرود : شلونك اليوم؟
سلمان بهدوءٍ يريد أن يعلـم إلى أين سيصل تحديدًا : الحمدلله طيب بشوفتك.
سلطان يبتسم بسخرية : يا بختي !
سلمان بنبرةٍ خفتت فجأة : لوين بتوصل يا سلطان؟!
سلطـان يُعيدُ ظهرهُ للخلفِ ليُغمـض عينيهِ أخيرًا وهو يكتّف ذراعيه ، وبخفوتٍ لا يدري ما سيصل إليه أيضًا : أنا نفسي ما أدري.
سلمان : يعني وش أفهم من تصرفاتك الغريبة هاليومين؟ ماني متخيّل إني مو قادِر أفهمك هالمرة!
ابتسمَ بانتصار : كويّس .. فيه تطوّر بهالناحية ..
أغمـض سلمان عينيهِ وبعضُ الآلام عاودته ، عضَّ طرفَ شفته وهو يلفظُ بنبرةِ ألـمٍ خافتـة : وش قصّتك ما تجي إلا ويرجع لي الألم ، لا واضح دعواتك قويّة.
اعتدَل سلطـان وهو يفتحُ عينيهِ وينظُر نحوه بنظراتٍ حادة : للأمانة تستاهل ... إن شاء الله أردى من كِذا قريبًا.
رفـع حاجبه الأيسر وهو يلفظُ بسخرية : ليه - قريبًا - بالتحديد؟ ليه ما يكون الحين؟!
فتـح فمه كي يردَّ بكلماتٍ مستفزّة ساخـرة ، لكنّ الهاتفَ في تلك اللحظـةِ اعتلا ليقاطـع حديثهُ قبل أن يبزغ.


،


نظّمت الكُتبَ في الأدراجِ جيدًا وقد انتهَت من ترتيب المكان الذي كان يعيشُ في فوضى صارخة، وجّهت نظراتها نحوه وهي تعقدُ حاجبيها باستنكار : شقتك محتاسة مرة .. من متى ما رتّبتها؟!
حكّ فواز عنقه بحرجٍ وهو يبتسـم : مو بالعادة تكون كذا .. بس هالأيام أخلاقي زفت ومالي خلق لشيء.
جنان تبتسمُ بهدوء ، رغمًا عنها كانت قد كشفَت شعرها أمامه، لم يعُد بمقدورها أن تغطّيه أكثر بما أنها وصَلت إلى هذا الحد! لذا فتحته وهي تعتمدُ قسمـه في أن لا يتمادى معها، رتّبت لهُ جميع الغرفْ بمساعدته ماعدا غرفـة نومِه التي لم يتجرّأ هو حتى أن يطلب منها مساعدةً في ترتيبها.
عدّلت الوشـاح من حولِ كتفيها، ومن ثمّ لفظَت وهي تقاومُ رغبـةً في مطّ ذراعيها ، لم ترِد أن تصبح بكامـل بساطتها معه ، لذا دلّكت ذراعها المتصلّبةَ بيدِها الأخـرى وهي تلفظُ بهدوء : يلا خلّصنا وانتهت فترة الأجواء المسالمـة بيننا ... برجع البيت.
ابتسمَ فوّاز وهو يرتمي بجسدِه على الأريكـةِ العنابيّة : شدعوى محنا بحرب والله! خليك شوي . .
جنان تعقدُ حاجبيها بضيق، ارتفعَت كفوفها لتُمسكَ بوشاحِها الملقِي على كتفيها ومن ثمّ ترفعهُ لتغطّي بِه جزءً من شعرها البُندقي، وبوجومٍ لفظَت : خليك قد كلمتك ، كان الاتفاق أجي أساعدك بترتيب البيت بس.
فواز بنبرةٍ هادئة : وقلت أبي تتحسّن علاقتنا شوي ! .. ومتضايق !
جنان بحن : ماني مهرّج عشان أرفّه عن ضيقك.
فواز يبتسم : ومين قال إنّك مهرج!
جنان بحدة : وش تبي مني بعد!!
فواز يشير لها كي تجلس بجانبه : تعالي ما راح آكلك .. ودي نسولف شوي مو معقول بعد الشغل تبينا نطلع مباشرة!
جنان باعتراض : إذا ما فيك حيل أنا بطلع بروحي ما فيها مشكلة.
فواز يتنهّد بصبر : مو عن ما فيني حيل .. بس اجلسي شوي وبنمشي.
تحرّكت على مضضٍ لتجلسَ أخيرًا بجانِبه بينهما مساحـةٌ كافية كي لا تشعـر بحرارةِ جسده، التفتت برأسها إليه لتنطقَ بضيق : هاه جلســـــ . .
بترتْ كلمتها بشهقةٍ عميقةٍ ما إن انحنى نحوها ليضـع رأسه أخيرًا على حُجرها، تجمّد جسدها بصدمة ، لم تستطِع حتى أن تنتفضَ مبتعدةً وهي توسّع عينيها وتنظُر لوجههِ الذي كان يقابلُ ملامحها من الأسفلِ وهو يغمـض عينيهِ باسترخاءٍ ويهمسُ ببساطةٍ وكأنه لم يقُم بشيء خاطئ! نعم ، خاطئ! : مسّجي لي راسي.
بقيَت تتطلّع بِه بصدمة ، لم تستوعب جرأته ، لم تستوعبْ كيفَ تمادى واقتربَ منها بهذِه البساطة .. مرّت ثوانٍ وهي تُريح كفيها المرتخيانِ ببهوتٍ على الأريكةِ من حولها، فتـح عينيهِ بهدوء لينظُر إليها وهو يبتسمُ ويردف بصوتٍ خافت : ترى ما كفرت ..
جنان بنبرةٍ متثاقلـة ، شعرت بالغصّة من هذا القرب لتلفظَ أخيرًا بعبرة : بديت تتمادى.
فواز يعودُ ليُغمض عينيه بهدوءٍ دون أن يفقَد ابتسامته : تبالغين.
جنان بغضبٍ اشتعـل في صوتِها فجأة : ما أبــالغ ! إنت تدري إنّي ما أبي هالزواج ... فواز حرام عليك والله حرام! أنا وش ذنبي؟ يعني تبي تبدأ من جديد ابدأ مع غيري أنا ما أبيك وندمت على اللحظـة اللي وافقت فيها بعد ضغط أبوي علي بالحكي.
فواز بنبرةٍ متباسطة : مو ذنبي إنّك واقفتي تحت ضغط ! المهم وافقتي ومسألة تطلعين من حياتي بهالسهولة صعبة!
جنان بكبتٍ ينطفئ الغضبُ من صوتِها فجأةً لتلفظَ بأسى : ومو ذنبي إنّك تبي تبدأ من جديد معي ! مو ذنبي إن المحاولة تجي على راسي.
فتحَ عينيه لتسقطَ أحداقه على ذقنها الذي تمرّد عليه خطُّ استواءٍ في وادٍ عميقٍ من المنتصف فاشتعلتْ حرارةً وذابَت عنها العظـام لتظهرَ منقسمـةً نصفينِ بإغراء، وبهدوء : مشكلتك زواجي الأول؟
جنان بأسى : مشكلتي إنّي اللي خرّبته !
فواز بنبرةٍ تهدأ أكثـر وكأنه أمسى الآن في عالمٍ آخر : أتمنى أنساها !
جنان دون شعورٍ منها ارتفعَت كفّها لتستقرّ أناملها بينَ خصلاتِ شعره ، تحرّكت كسفينةٍ تائهةٍ في محيطه وهي تهمسُ بابتسامة أسى : شقد كنت تحبها؟
فواز بخفوت : أحبها من كانت طفلـة .. أتوقع هذا جواب كافي عشان يقولك مقدار حبي لها اللي ماله حد.
جنان تعضُّ شفتها ومن ثمّ تلفظُ بابتسامة : بغار منها على فكرة !
فواز بضيقٍ مفاجئ : آسف .. ما قصدت أقلل من احترامك بذكرها.
جنان بصدقٍ وابتسامتها تتّسع : لا شدعوى لا تصدّق نفسك ما راح أنقهر على فكرة أو أغار منها ! .. بغار من حبّك لها ، أتوقع كل بنت تتمنّى مثل هالحب.
فواز دون استيعابٍ لكلماتها : ما تشوفيني حقير وأنا أحكي عنها بينما إنتِ اللي زوجتي!!!
جنان تضحكُ ضحكةً قصيرةً خافتـة : زين إنّك تدري عن نفسك!
فواز بوجوم : وتقولينها بوجهي كذا!
جنان بتحدي : مثل ما تتكلّم ببساطة عن زوجتك قدامي ! وينا فيه؟!
فواز يتنهّد بنفادِ صبرٍ وحبّه لها يشعر أنّه يعذّبه حدّ أن يلامسَ الموتَ ولا يتّحد معه : ساعديني أنساها.
جنان بثقة : لا ... ومستحيل أفكّر بهالشيء ..
فواز يبتسمُ وهو يغمضُ عينيه : منتِ صاحية .. وحدة بمكانك كانت بتغار وتحاول بأي طريقة تنسّي زوجها غيرها.
جنان : عشان مين إن شاء الله؟ شخص ما أبيه!!
ضحك : أقل شيء احترميني تراني قاعد معك.
جنان " بتريقه " : طيب إنت احترمني ولا تذكرها عشاني قاعدة معك.
فواز بخفوت : نصير ربع؟ اعتبريني صديق أقل شيء .. مو زوج !
جنان بسخريةٍ مريرة : شلون أصرفها ذي؟ تبينا نلعب على بعض يا فواز ! احنا زوجين حتى لو سمّيناها صداقة .. لعبة مالها معنى !
فواز بجدّيةٍ عادَ ينظُر لوجهها : إذا محنا قادرين نتقبّل هالفكـرة ، أو نقول أنتِ تحديدًا مو راضية تتقبلين فحاولي تخلينها صداقـة ..
جنان تريد أن ترتاح ، تريد فعلًا أن ترتاحَ من هذا الشدّ والجذب ، لفظَت بأسى : بتظلْ صداقة؟ شيء مستحيل !
فواز بثقة : لوقت بس .. لين ما تعرفين أنتِ وش تبين بالضبط ، يمكن يجي يوم وتتقبلين مصطلح زوج وقتها بنبدأ من جديد.
جنان بنفورٍ من تلك الفكـرة : تفكر إنّي برتاح وأنا عارفة إنّك طلقت مرتك بسببي؟
فواز بيأس : يا الله بنرجع لهالموضوع !! كم مرة قلت لك مالك دخل فيه؟
جنان باستفزازٍ ساخر : ما تبي نخلي المصطلح أخوان أفضل؟ الصداقة بين الجنسين ما تجوز.
فواز بصبر : لا حول ولا قوّة إلا بالله !! .. أقول صدّعتي راسي الحين غصب عنّك بتمسّجين لي .... استهدفي الفروة ليه تلعبين بشعري؟ عجبك وإلا أيش؟!
احمرّ وجهها فوقَ حُمرته ، لم تكُن قد استوعبَت أنها كانت تمرّر أصابعها بين خصلاتِ شعره ، ضربته على جبينِه باحراج ، وبحنق : سامج!!
ضحكْ : خلاص معليش بس ارحميني.


،


في جهةٍ أخـرى ، كـان يقفُ قريبًا من بابِ المبنـى ، ضـاعَ بينَ الزحـام فلم يلتقطْهُ فواز بعينيهِ أو ينتبـه لهُ هو حتى ! .. يتّكئُ بكتفيه على الجدارِ بينما عينيْ بدر تنظران إليه وهو يتنهّد بيأس. لفظَ يوسف بحزم : شفيك متصل فيني بعد يا بدر؟ قد قلت لك آخر مرة في المطعـم ما أبي منك مساعدة ، أنت بس خلّك بعيد .. عندك أشغال ومدري وشو شيء ما يهمني أهم شيء لا يقرب صوبنا.
بدر بدق : ماراح يقرب منكم شيء .. تطمّن ، أنت بس اوثق فيني وبأمّن لك حماية كــ . .
قاطعها يوسف بغضب : بدر وبعدين! سبق وتفاهمنا بهالموضوع ، ما يحتاج كل هالبلبلة بس تبعِد وتبطّل تتصل وتطلب مني أقابلك وبينحل كل شيء !
بدر بانفعـال : لا ما راح ينحل ، * تذكّر تميمْ ليُردف بغضبٍ ناري * أنت تدري أصلًا وش اللي يصير من حولك ... هذاك الـ ...
قاطعه صوتٌ جاءَ مندفعًا وهو يلفظُ ببساطـة : أووووووه جوزييف !
استدارَ يوسفْ مباشرةً لصوتِ تميمْ الذي جاء إلى مسامعهم، عقدَ حاجبيهِ قليلًا ومن ثمّ ابتسمَ وهو يلفظُ بعد اقترابِه منه : قلت لك انطقها يوسف ، وليس جوزيف !
تميم بمكرٍ يبتسم وهو ينظُر لبدر : لا يهم ..
نظـر لهُ بدر بعينينِ اشتعلتا كرهًا ، بينما كـان تميمْ يقابلـه بنظراتٍ باردة ، محذّرة !! لفظَ وهو يوجّه عينيهِ إلى يوسف : من هذا؟!
يوسف دون مبالاةٍ يبتعدُ عنهما : لا يهم ... وأنت ! دائما ما أجدك حولي .. ألا ترتاح من التجوّل؟
ابتسمَ تميم بوداعـة : أعيشُ قريبًا من هنا.
أشار يوسفْ بكفّه مودعًا ليدخـل عبر بابِ المبنى، حينها وجّه تميم عينيه إلى بدر مباشرةً وهو يبتسم ، ليلفظَ بخفوت : وش كنت بتقول؟
بدر بازدراء : كنت تتسمّع؟
تميم : ما أقدر أثق فيك.
بدر : وش بتستفيد من كل هذا؟ أنت تدري إنّ ماله دخـل .. ليه تضرّه؟
أمال تميم فمه ببرود : يمكن ما أبي أضره !
بدر باحتقار : الناس ماهم لعبة عندك أنت وشايبك ..
تميم ببرود : أووووه ذكّرتني شايبي من أول يتّصل وأنا ولا معبـره ، الحين معصّب.
تحرّك كي يبتعد ، حينها ارتفـع صوتُ بدر باستخفافٍ مستفز : روح يا كلب سعود وعبده ! هذا مقامك.
ابتسمَ تميم ابتسامةً باردةً وهو يغيبُ عن عينيهِ دون أن يبـالي بما قال ، لفظَ قبل أن يذهبَ بتحذير : انتبه يا حلو .. انتبه ولا تعلّمه ، صدّقني وقتها بينتهي بسرعة !!
زفـر بدر بحنقٍ واستفزاز، ابتعد ، سيقتله! يريد أن يقتله!!، يشعُر أنه يريد أن يُشعـل هذهِ البلدةَ بعودِ ثقابٍ لا يقتـل إلا المفسدين ، أن يتخلّص من سعود ومن معه بشكلٍ غير قانونيّ إلا في دستورِه ويرتاح كلّ من يريد أذيّتهم !!
أخـرج هاتفه من جيبِه بانفعـال ، ومن ثمّ بحثَ بين الأرقـام على رقمها هي ... غادة ! يا الله كم يشتاقها هي وحسام.


،


" اخترتيه؟ "
سؤالٌ باهِت ، لم يكُن في الحقيقةِ سؤال ، كـان إقرارًا ، وكان إدراكًا !! .. كان يعلمُ أنها ستختاره ، أرادَ هو ذلك منذ البدايـة، ولم يكُن ليوافقَ على عودتها إليه ، لكنْ لمَ هذا الوجع الذي استوطَن صدره؟ لمَ هذا الاعتصـارُ الذي التوى بِه قلبه؟ لمَ هذا الاعصارُ الذي لفحَ وجههُ وطردَ أيّ معالمَ للسكُون .. لمَ هذا الألم يا الله ! لا يريدها ، لم يعُد يريدها ، ولا يريد أبدًا أن يعودَا معًا حتى وإن أحبها ، لن يحتمـل فكرة أن تكون لهُ ومتعب حي ! .. لكنْ لمَ تألّم حين قالتها له " ما أبيك "
كانت ابتسامته تنكسرُ أكثر، بينما ملامحها تصدُّ عنه بحقد، عيونها تبكي ، تذرفُ الدمـع أكثـر حسرةً من فقدِه ، فقدته ! فقدته وهي التي لم تفرح بِه كما يجب ! لم أفرح ، لم أحكِي لك قصصًا بعد وأنا على مشارِف النوم ، لمْ ألامسك بكفّي ، وأشكو إليك جهلي ! لمْ ألتزمْ بغذاءٍ صحيٍّ كما يجب ... لمَ رحلت الآن وقبل أن تُنفـح فيك الروح؟
عضّت شفتها بقهر ، بألم ، وكلمته المتسائلةُ تلك اخترقَت مسامِعها كصريرٍ تكرّر صداهُ وأزعجها ، شعرتْ بالحقدِ يكبُر أكثـر ، استدارَت إليه ببطء ، ارتفعَت أحداقها إليه ليرى في تلك اللحظـة الاشتعـال الذي نما في عينيها وكبُر ، كبُر ليعقدَ حاجبيه دون أن يفقدَ بسمةَ الخيبةَ تلك ... لم ينتظِر أن يسمـع الجواب ، فضّل أن يذهب ! لن يحتمـل أن يسمعها منها ، وربّما تدرك هي في تلك اللحظـة ، أنّ إقرارها سيقتله ! وقد تفعلها بعد أن رأى في عينها نظرة الحقدِ تلك . . تحرّكت خطواتهُ وهو يشدُّ على أسنانه ، لم يُضِف شيئًا ، بينما كانت هي من خلفٍه تحترقُ وتذوبُ بنيرانِ قهرها ، هو السبب ، هو السبب في فقدانها له ! لو أنّه منذ البدايـة أخبرها ، لو أنّه لم يتجاهلها ويتركها بهذهِ الطريقةِ المقلّلة منها ، لو أنّه أخبـر فواز عن حملها وهو بالتأكيد يدرك معرفته ! .. ما أدراها هيَ لتحذّره من القولِ في حينِ كان هو يدرك الاثنتين ... لم يفرح بِه ، نعم ، لم يفرح بِه ولم يبالي لكي يخاف ، أراد لهُ السقوطَ ومغادرة رحمـها ، ماذا رآه؟ هل احتقره؟ هل يراه ابنًا من علاقةٍ خاطئة؟ ماذا كان تفكيره؟ هل كرهه وأرادَ لهُ أن يرحـل قبل أن يأتي؟... لأن ، لأن متعب ، حي !!!
ابتلعَت ريقها ، أخفضَت رأسها وهي تشدُّ المفرشَ بقبضتيها ، هتفتْ من بينِ أسنانِها بقهر : اخترته !!!!!!
توقّف في تلك اللحظـةِ حين جاء صوتُها إليه ليمنعه من الخروج ، شدّ على المقبـض بقوّة ، واتّسعت ابتسامته ، هل تلك نبرةُ استنكار ، أم جوابٌ على تساؤلِه الذي كـان إقرارًا ! .. يا للسخريـة !!!
أغمـض عينيه ، وقرّر أن يتجاهـل آلامه ، ويخرج قبل أن تُكمـل وتوضّح !! .. لكنّ صوتها كان سابقًا لهُ قبل أن يتحرّك حتى ، لفظَت بنبرةٍ باردةٍ متحسّرة ، فيها الكثير من الحقد! : . . .


،


خرجَ من المشفـى بعدَ تلك المكـالمةِ الهاتفيّة ، اتّجه بشكلٍ مستعجلٍ لسيّارتِه ... من اتّصلَ بِه كان عمُّ سعد !!!
سعد ! .. صعدَ سيارته وهو يحرّكها وملامحه تتغضّن باستنكار ، قـال له أنه متهمٌ في جريمة قتلٍ وقُبـِض عليه البارحة ! صحيحٌ أنّه شعرَ بالعطفِ عليه، استغربَ ما فعـل ، فسعد كان يبدو مسالمًا بدرجةٍ كفيلةٍ كي لا يقتل حشرة! فكيفَ بإنسان !!
قـال له عمّه أيضًا ، أن سعد طلبَ منه أن يقابله ، أن يطلب رؤيته الآن في زيارةٍ سريعـة ... ماذا يريد منه؟!!

.

.

.

انــتــهــى

+ أعتذر من الجميلة اللي طالبتني بالآسك بأكثر من موقف لأدهم وإلين ، كنت تاركة مساحة لموقفهم بضيفه بعد ما أراجع بقية المواقف مباشرة بس لما شفت الساعة صار 11 ونص وأنا ما خلصت مراجعة كنسلته :( نعوّضكم بالجاي :$


ودمتم بخير / كَيــدْ !

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 08-08-16, 02:19 PM   المشاركة رقم: 880
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Sep 2010
العضوية: 190192
المشاركات: 613
الجنس أنثى
معدل التقييم: أبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 748

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أبها غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي

 

شكرا كيد على الجزء الرائع

فواز للأسف خبص الدنيا فوق تحت ...
أسيل .. كان الله في عونك .. أمر صعب جدا ..
فقد الجنين ..ثم صدمة عودة المفقود .😞

سعد .. هل سيتمكن من تحذير سلطان والاعتراف
بتخطيط سالم قبل أن يتمكن سالم من اغتياله ؟؟

بانتظارك باذن الله .
🍃🌸🍃

 
 

 

عرض البوم صور أبها  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 05:14 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية