لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-07-16, 06:48 AM   المشاركة رقم: 866
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Sep 2010
العضوية: 190192
المشاركات: 620
الجنس أنثى
معدل التقييم: أبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 748

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أبها غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي

 

شكرا كيد على الجزء الرائع ..

ابراهيم .. استغفر الله يستاهل ما جاه..انسان قذر
لكن للأسف سعد سيفقد بذلك حياته أيضا ،،
وسيتيتّم إخوته من بعده ، وما استفاد شيئاً إلا أنه اتبع
شيطانه وغضبه .. ليته أبلغ عن تلك العصابة
واستراح من شرّهم .

شاهين .. مشاعر الندم والخجل من أخيه ستلازمه
طوال عمره كلما رأى ابنه أو ابنته .
لكن أرجو أن يتجاوز متعب تلك الصدمة فعلا
ويتناسى المرحلة التي جمعته بأسيل ..
ربما بزواج وحب جديد .

شكرا مرة أخرى كيد
بانتظارك .🍃🌸🍃

 
 

 

عرض البوم صور أبها  
قديم 28-07-16, 04:22 PM   المشاركة رقم: 867
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئ مميز


البيانات
التسجيل: Jun 2010
العضوية: 174082
المشاركات: 4,029
الجنس ذكر
معدل التقييم: fadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسي
نقاط التقييم: 4492

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
fadi azar غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

فصل رائع جدا

 
 

 

عرض البوم صور fadi azar  
قديم 31-07-16, 12:47 PM   المشاركة رقم: 868
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 



سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية


شكرًا لتواجدكم، شكرًا لكلماتكم الطيبة سواءً بالمتصفح أو خارجه، شكرًا للروايـة اللي جمعتنا .. إن شاء الله أكون دائمًا عند حسن ظنكم والله يكتب لي التوفيق والوصول للنهاية بسلام ويجعل هذهِ الرواية شاهدة لي لا علي :$$ ،


بسم الله نبدأ ، قيود بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات


يا المدينه يا شوراعها الحزينه تذكرينه...؟
كان فارس خطوته كانت رزينه..
ماعرف للقصر حارس..!
يوم شالك بيدينه وأختفابك
مايفرق بين صعبه وبين لينه..
كان فارس..
يكسر بدرعه ظروفك..
يصد بحروفه حروفك..
كل همه كان شوفك..ولآ سرحتي تسرحينه..!
كان في بحرك يسافر..
مايبي يوصل مدينه
قطع شراع السفينه
مايبي يوصل للاخر
ويوم كان الجو ماطر
شاف في موته..سراحه...
كان يغرق مبتسم...يحمدالله ويسأله
مايعلمه السباحه..!
بس كان الموج شاطر..
ورجعه لك ياالمواني بلآ شراع ولآسفينه...
يا القوافي يا معانيها الحزينه تذكرينه..
كان شاعر..لوسكت حرفه يهينه..
يغتصب جرحه يمينه..
كان حالم شاف واحه..
حس بعد الهم راحه..
كل همه تظللينه..
ويقطف من العود تينه..
ويوم شاف الماء تعثر..
كان وده يشربك..
مادرى أنك تشربينه..
صار في كل القصايد هو القصيده..
صار شعره للبعيده يكتبه..
وقام من حلمه..
عرف انه غفى في مكتبه..
وفي يدينك دفتره..
بكل سهوله تشققينه..!
يا المدينه !


* لـ " صاحب الذوق الرفيع "


(78)*1



كـان ينظُر إليه، بعيونٍ اتّقدت بالصدمـة ، ما الذي فعله؟ ما الذي فعله؟ لا يمكن ! هل قتلـه الآن أم أن كل شيءٍ مجرّد حلم؟ أنا أحلـم ، انا أحلـم .. لم أفعلها ، لا لا لم أقتله !!
تراجـع للخلفِ وهو يبتلـع ريقه، ينظُر لهُ وهو يُمنّي نفسه أنّه سينهضُ لا محالة، سينهض، لقد فقدَ وعيه فقط، أو ربما لم تدخل السكين لكنّه يتصنّع العكـس، يمثّل أنه مات لكي يُصيبه بالذعر ومن ثمّ يتعقّل عن العراكـات الدائمة، كان فقط يستفزّه، يمثّل ، ونجح !
بقيَ ينتظـر، يترقّب، سينهض بعد قليـل، سينهض! . . . أنفاسُه تتسـارع، ينتظـر عودة أنفاسِ إبراهيم، يكذّب الدماء وينتظـره كي يفتح عينيه، ينتظـر، لا يمكن أن يكون قتلَ نفسًا .. قتَل نفسًا! .. لا يمكــن !!!
تأوّه أخيرًا بانهيارٍ وهو يُميل بجذعه للأسفـل ، فغر فمه، شعر بلوعةٍ من منظـر الدم الذي كان على الأرض .. الدم ، على ، على يدِه!!
لم يشعُر بنفسِه إلا وهو يستدِير بسرعةٍ عن جثّةِ إبراهيم، يتقوّس، ويضـع كفيه على بطنِه ليتقيأ أخيرًا بلوعـة ، من منظِر الـدم، ومن منظر الضيـاع، ضيـاع من؟ هو .. أم عائلته!
رفـع رأسه وهو يغمـض عينيهِ بقوّةٍ ويتأوّه كجريحِ حرب، يا الله ما الذي فعلته؟ كيف فعلتها؟ كيف انصعْتُ لاستفزازاتِه الوضيعة ودمّرت حياتِي! .. كـان لا يبالي، لا يبالِي كيفَ قد يعيش! لكن أنا! أنا لا أعيشُ لنفسي .. أعيشُ لهم ، فكيفَ فرّطتُ بِهم هكذا؟ ..
أخفضَ رأسه وهو يمسحُ على فمِه، ينظُر للأرض بتشويش، يشعر أنّه سيفقدُ وعيه في أيّ لحظـة، لكنّه قـاوم، واستدار بأمـل .. قد يكون حيًّا، قد يكون .... تحرّكت أقدامه وقلبه يتصاعدُ بوتيرةِ نبضاتِه، يكـاد أن ينفجـر، لكنّه كـان يقمـع كلّ انفعالاتِه باطنًا، إلا أنه لم يستطِع أن يسيطرَ على أنفاسِه وهو يقتـرب منه، يقتربُ من هذا الجسد الذي لُطّخت ملابسـه بلونٍ أحمـر يُثير في النفسِ الكثيرَ من التخبّطات .. اقتربَ منه، وهو يهمسُ بصوتٍ متحشرج، يهمسُ بأمل، يهمسُ بتضرّعٍ إلى الله : يا رب .. يا رب إنّي أسألك .. أسألك ....
غصّ في دعواتِه وهو يجلسُ بجانِبه باضطرابٍ لا تُسعفه الكلمـاتُ في رجائه، رفـع يده التي لم يكُن يدرك أنها تنتفضُ بقوّة، مدّها، ليضعها على جانِب عنقه، ينتظـر استشعارَ نبضةٍ تمرُّ على أطرافِ أنامله، .. يا رب! ... ابتلعَ ريقه وهو يهزُّ رأسه بالنفي، هناك نبض، هناك نبضٌ لا أستشعره، بالتأكيد هنـاك .. سحبَ يدهُ من عنقه بسرعةٍ وهو يصرخُ بآهاتٍ صاخبـة، لم يكُن يشعُر بنفسِه، كـان يصرخُ كأسدٍ وقـع في مصيدةِ الموت، يصرخُ بصخبٍ منهـار ، ويدهُ الأخرى ترتفع، يُمسك بها معصَم إبراهيم اليُمنى، ومن ثمّ بأختها يستشعرُ عروقه ، بأطرافِ أناملها نفسها ... هناك نبض، بالتأكيد هناك نبض! لمَ لا أشعـر بِه .. هناك نبض، أنا متأكدٌ بأنه حي !!
همسَ بانهيارٍ وهو يُبعد يديه عن معصمِه لتسقطَ كفّه دون روحٍ على الأرضِ المتلحّفةِ بالتربة : لا لا هو حي .. أنا متأكد ما مات .. مستحيل أكون ذبحته !!
أخفـض رأسه، يريد أن يتأكد من مواضِع النبض كلّها، يريد أن يستشعر جسدهُ كلّه، لربّما هناك نبضـة، نسيَت المرورَ على معصمـه، نسيَت عنقه، لربّما هنـاك نبضـة .. خانته!
وضـع أذنه على صدرِه ناحيـةَ قلبه، أغمـض عينيهِ وهو يتنفّس بسرعة، صدره يرتفـع ، نعم صدرُ إبراهيم يرتفعُ بأنفاسٍ هادئـة ، وهناك نبض!
لم يكُن يدرك في ذاك الوقتِ أنه دخـل في حالٍ هستيريّةٍ من الأمـل، بات يتوهّم أنه ينبـض، أنّه يتنفـس ، نعم يتنفّس! يتنفّس ولم يمُت !!!
رفـع رأسه وهو يزفـر بانفعـال، نعم يتنفّس ، سيضـع كفّه قربَ أنفه وسيشعر بِه يتنفّس .. نعم !! .. ابتسـم بيأس، يأس، في داخلـه كان يقبـع في بصيصِ أمـل، لكنّ ملامحـه، عضلاتُ وجهه، جسده ، كـانت تدرك كلّ شيء! تدرك أنّه فعلًا ... مـــات !!
وضـع كفّه قريبًا من أنفـه، أغمـض عينيهِ يستغرقُ في التركيز، وكأنّ عيونه ستمنعـه ، نظره لملامِحه المستكينة، عينيه المغمضتين ، شفتيه المنفرجتينِ قليلًا وعلى زاويةِ فمه خطُّ رقيقٌ من الـدم، كأنّ عيونه إن نظـرت لكلّ ذلك، ستجعله يتشتّت أكثر ، ليدرك أخيرًا .. في غمرةِ تشوّشه : أنّه ميّت! ولا أمــل !!!
هذهِ المرّة، لم يُسانِده الوهـم ، اتّسعت ابتسـامته ، وهو يهمـسُ برجاءٍ منكسر : مو كذا يا إبراهيم .. مو كذا! قوم نتهاوش .. بس لا تدمّرني كِذا !! ليه تستفزّني بأختي؟ ليه تتصرّف بهالحقارة؟! محد يسويها .. محد يتجرأ يوصل لهالنقطة إلا مجنون .. تهدّد أخو بأخته؟ ... قــــوووووم ، قوووووم بس لا تسوّيها فيني بهالشكل !!
كـان يناجيه ، ليسَ لشيء، سوى لأجـل نفسِه ، عائلتـه ، انهـَض ، انهـض لأمزّقك، لأقطـع لسانك الذي تجاوَز وتجرأ بكلماتٍ وقحـة ، انهـض ... لكن لا تمُت !!!

من جهةٍ أخـرى ، كـان يراقبْ، وشفتيه المبتسمتين تنفرجان ليزفـر أخيرًا هواءً حارًا ، يبتسم ، وأخيرً تمكّن مما يُريد !!
رفـع هاتفـه من جيبِه، اتّصل برقمٍ محدّد، كان ينتظـر منذُ زمنٍ أن يتّصل بِه ، انتظـر لحظـةً حتى جاءه الرد ، ومن ثمّ رفـع رأسه وملامـحه تتجمد، بينما عيناه تلتمعـان بمكر ، وصوته الواثـق ينبعثُ لأذن السامع ، لافظًا بهدوء : السلام عليكم . . . ودي أبلّغ عن جريمة قتل.


،


كان يسيرُ في رواقِ المشفـى والبيـاضُ لا يُصبـح مستفزًّا إلا حينَ يرتبـط بالمرض، الموت، لا يُصبـح مستفزًا إلا في لحظـاتٍ كهذِه. زفـر وهو يتّجه للغـرفة التي يعلم أنّه فيها ، وقفَ عند بابِها، ليعقدَ حاجبيه مباشرةً باستنكـارٍ حينَ وجدهُ مفتوحًا .. تجمّد نفسُه للحظـة ، وتوقّف لثانيتينِ مضطربتينِ فقط ، قبل أن تتحرّك أقدامـه ويقتحـم الغرفـةَ بهدوءٍ ظاهريٍّ بينما ملامحـه جامدةٌ بزيف . .
تصلّب جسدهُ فجأةً حينَ وجدَ الغرفـة خاويـةً إلا من ممرضةٍ كـانت تتحرّك فيها ولم يكُن عقله المتشوّش في تلك اللحظـة قد ميّز ما كـانت تفعله، لكنّه في النهاية لملمَ بعثـرته المضطربـة من هذا الخواءِ المفاجئ، وحين انتبهَت إليه الممرّضة سيطـر على جمودِ نظراته ليلفظَ بهدوء : Where is the patient that was here?
الممرضـة بهدوء : I don't know but I think that he has moved
أومأ دون إجابـةٍ لفظيـة، ومن ثمّ تحرّك، مبتعدًا ، قرّر أن يذهبَ للاستقبالِ كي يسأل عن غرفته الآن والأهم عن الطبيبِ الذي أشرف عن حالتِه كيْ يسأله عن حاله وماذا يعنِي أن يكُون نُقل؟ هل هو بخير الآن؟ .. أم رُبّما يكون قد نُقـل ... توقّف بصدمةٍ في مكانِه وفكرة أن يكون نُقِل لـ " ثلّاجةِ الموتى " نزعته من هدوئه الكاذب، لا لا .. لو أنه نُقِل هناك لكانوا قد اتصلوا بِه .. لكن ربّما نُقل قبل لحظـاتٍ من دخولِه ولم يجدوا الوقت حتى الآن؟ .. زمّ شفتيه وهو يتنفّس بانفعـال، قرّر أن يسأل ويتأكد قبل أن يأخذه الانفعـال بغتـة ويفضحه ، لكنّه ما إن تحرّك حتى جاءه صوتٌ قريبٌ جعله يتوقّف في مكانه : سلطان النامي صح؟
تصلّب في مكانه، لكنّه سرعـان ما تداركَ نفسه واستدارَ للصوتِ القادِم من الخلف، عقدَ حاجبيهِ وهو ينظُر للشـابِ الذي كـان يرتدِي بنطالًا من الجينز و " تيشيرت " أبيض، استغرب، في البدايـة كان يظنّ أن الصوتَ لطبيبٍ سيخبره عن حالِ سلمان أو يقول له " مات "! لكنّه شكّ قليلًا لهيئته وهو يلفظُ بهدوءٍ مستنكر : نعم! أي خدمة؟
الشاب ابتسم : يعني أنت هو سلطـان! * لاحظَ نظراته المتوجّسة ليلفظَ بتداركٍ وهو يضحك * لا تحاتِي ماني صُحفي.
سلطـان بجمودٍ مستغربٍ ضحكـته دون سببٍ وكلماته : صحفي !
الشاب : أيه يعني لا تحاتي نشبتي لك .. بس يعني كنت أبي أرضي فضولي ... هو من جد الإشاعـة اللي تقول إنّ عمك سلمان هو نفسَه قاتل أبوك؟
ارتفـع حاجبي سلطـان متفاجئًا من مباشرتِه في السؤالِ ببساطةٍ ودون تردّدٍ أقـرب للوقاحـة! لكنّه لم يصمتْ أمامه قليلًا بل بادرهُ بسؤالٍ بارد : أنت وش تظن؟
ردّ الشابُ وهو يُحرّك أحداقه للأعلـى بتفكير : مممم أتوقع إنها كذبـة.
سلطـان يُديره ظهرهُ بهدوءٍ ليتحرّك مبتعدًا وهو يجيبه بإجابةٍ مختصرةٍ باردة : توقّع العكـس.
سمـع جملـةً مصدومـةً من خلفِه بزغَت من فمِ الشابِ الذي كـان عمره يناهزُ بدايـة العشرين : يعنـي ماهي مجرّد إشاعة؟
هذهِ المرّة لم يُجبـه، بل تجاهلهُ وابتعد، هذا ما يُريده ، أن يصدّق النـاس، أن يعلـم الجميعُ بأنّ كل شيءٍ حقيقةً وليس مجرّد إشـاعة ، ربّما يعلـم ذاك الشـابُ أنّ سلمـان هنا في هذا المشفى ، وقد يستنكـر الآن قربه منه، ربّما سيحتقره، سيقول " كيفْ يهتم وهو قاتل أبوه "، نعم .. – كيف -؟!! ليحتقـره ، ليحتقره العالمُ أجمـع .. هو نفسه ، يحتقرُ ذاته .. ويسأل :كيــف؟!!
اتّجـه للاستقبـال ، سأل عن سلمـان وعن غرفته الحاليـة ، استطـاع أن يعلـم أنّه نُقـلَ بعد أن نهـض ، نهض!! .. تنفّس باضطراب، ومن ثمّ ابتعـد متّجهًا للغرفـةِ التي يقطـن فيها الآن بعد أن علِم أيضًا عن غرفة الطبيبِ المشرفِ على حالتِه .. وفي كلّ خطوةٍ كـان يُقنـع نفسه ، أنّه سيكرهه .. عمّا قريب .. سيكرهه!! . .
وصَل للغـرفة ، وضـع كفّه على بابِها، ومن ثمّ فتحـه في اللحظـةِ التي كان فيها صوتُ الطبيبِ نفسه الذي كان في الأمـس يتحدّث : أيـوا .. رجعنا نحلل من جديد ونتأكد .. آسفين صار فيه غلط.
تصلّبت كفّه، تنفّس بقوةٍ وهو يغمـض عينيه .. أي أنّ الضـربة كانت مضرّة! سيحدثُ لهُ شيء! ربّما سيُصابُ بالشلل، سلمـان سيُصبـح مُقعدًا!! وقد تكون الضربـة في رأسه وليس عنقه .. وقد .. وقد تكون أصابت مراكِز في عقله .. ارتفعَت أنفاسه عند تلك الأفكـار، لكنّه زمّ شفتيهِ وهو يُثبّط من عزيمتها، شدّ على أسنانه بغضبٍ مُفاجئ، لا تفسيرَ له – بالنسبةِ له -، ومن ثمّ تحرّكت خطواته ليدخـل هذهِ المرّة بهدوء كـاذب .. كاذِب! كلّ ردّاتِ فعلهِ اليومَ كاذبـة ، لم يعُد يجيد التمثيل حتى على نفسِه.
وجَد الطبيبَ يقفُ عندَ السرير " من جهةِ رأس سلمـان " ولم يكُن هناك أحدٌ معه في الغـرفة، عقدَ حاجبيه باستغراب، ليدرك عقله في سرعةٍ خاطفـة .. أنّه يتحدّث معه! مع سلمـان!!! انفعل صدرُه ، وبجانِب الغضبِ من المجهول غضِب الآن لمجهولٍ آخر ، لا يعلـم ، لا يعلـم ما هو ! لكنّه فقط غضب! لتتحرّك خطواتُه من جديد، ويقتربَ منهما في حينِ لم ينتبـه أحدهما لدخولِه حتى الآن.
أردف الطبيب بهدوء : انزلاق غضروفي .. إن شاء الله شيء سهل يعني لا تحاتي.
سلمـان بصوتٍ خافتٍ ورغـم الفتورِ فيه إلا أنه كان يحتفظُ بصلابته : متأكد؟ رجولي ما أقدر أحركها.
الطبيب : لا سليمة .. بس من خمول جسمك.
كـاد سلمـان أن يقول شيئًا لكنّه صمتَ متفاجئًا وهو يرى سلطـان من خلفِ الطبيب ، تجمّدت نظراتهُ على ملامِحه ، على عينيهِ التي كـان بريقها جامدًا/باشتعال! كـان ينظُر له ، بنظرةٍ باردة، وغاضبـة في ذاتِ اللحظـة ، كيفَ كانت تلك العيون تملك كل تلك التناقضات! لم يكُن نفسهُ يعلم ، وهو ينظُر نحو الطبيب الذي انتبـه إليه، ليهتفَ بتساؤلٍ جامِد : شلون الوضع؟
الطبيب : أووه أهلين زين جيت كنت بتّصل عليك بعد شوي . .
سلطـان دون اهتمام : سمعتك تقول عنده انزلاق !
الطبيب بهدوء : أيه .. بس لا تحاتي الوضع بسيط ما راح نلجأ لجراحة على الأرجح .. الحين بنعطِيه أدوية بيمشي عليها ، ولو حس بآلام زايدة بظهره بنشوف وقتها الوضع لو يحتاج شيء ثاني ، احمدوا ربكم الضربتين رغم قوّتها ما سبّبت له اللي خفناه ، رحمة من ربّ العالمين . .
أومأ سلطـان بصمت، وعينيهِ دون شعورٍ كانت تتّجه بنظراتِه الحامدةِ ذاتها إلى سلمـان الذي كان ينظُر له، رأسه يستريحُ على الوسادة، ورغمَ شحوبِ ملامِحه، إرهاقـها، إلا أن ابتسامةً مُستفزّةً كـانت ترتسمُ بصورةٍ واهنـة على شفتيه.
تجمّدت ملامحه أكثر بغيظ، يستطِيع التحكّم بمزاجـه من أبسطِ تفاصيله! يستطِيع أن يغلّفه بالغضب، بالانفعالاتِ التي تُظهِره أمامه أنّه مجرّدُ طفلٍ لا يستطيع التحكّم بنفسِه وبغضبِه !
لفظَ الطبيبُ بكلماتٍ هادئةٍ يتحمّد له لسلامته، ومن ثمّ تحرك كي يخـرج ، لتنطلـق كلماتٌ مبحوحةٌ من بينِ شفتي سلمانْ ما إن أُغلِق البـاب : مو كأنك مهتم عشان تجي؟
سلطـان بهدوءٍ ظاهريٍّ سحبَ الكُرسيّ القريبَ ومن ثمّ جلسَ بجانِب السرير، لن يُمكّنه منه، من أعصابه، من صوتِه، من ملامِحه ومن كلّ شيء! .. لن يمكّنه من استفزازه . . . لفظَ بنبرةٍ جامـدة : أيه مهتم.
سلمـان بسخريةٍ مبطّنـةٍ بنبرتِه الهادئةِ والمُرهقة : ما يصير! بعدين تندم للحظة الضعف والتهور هذي!
سلطـان بثقة : لحظة الضعف من أمس؟ صدّقني لو ما أبي أجيك كنت أقل شيء ما كررت زيارتي نفس أمس .. كنت على قولتك استوعبْت لحظـة الضعف والتهور هذي!
صمتَ سلمان للحظـة، دون أن يفقدَ بسمته المُستفـزة، ودون أن يُشيح بعيونه الباردة عنه، بِه شيءٌ غريب! وكأنّه اليوم أكثـر تحكّمًا بأعصابه .. أكثر ثباتًا وحتى إن كـان في الداخـل منفعلٍ بدرجةٍ ما إلا أنه ليسَ كالعادة يكادُ أن يشتعل !!
لفظَ سلمان بهدوءٍ بعد رحلـة صمتٍ قصيرة : عندي فضول كافي عشان أسألك وش اختلف عن قبل !
سطـان يكتّف ذراعيه وهو يُعيدُ رأسه للخلفِ ليسندهُ ويستطِيل عنقه المتيبّس من ليلةٍ كـان فيها يعيشُ صراعـه، اعترافاتِه لنفسِه، يتقلّب .. دون أن ينام! . . أغمـض عينيهِ ببرودٍ وهو يهتفُ بصوتٍ لا تعبيرَ فيه : ما اختلفْ شيء .. غير إنّي صرت صادق مع نفسي بس !
سلمـان وابتسامته تتّسع : فيه توضيح أكبر؟
فتحَ سلطـان عينيهِ لينظُر نحوهُ ويعدّل جلسته وهو يلفظُ بكلمةٍ قاطعـةٍ باردة : لا !
رفـع أحدَ حاجبيه بطريقةٍ مستفزّة : ليه جاي؟
سلطان بتشديدٍ بارد : قلت لك مانِي موضح لك.
سلمان : أها أجل تفاصيل صدقك مع نفسك له ارتباط بجيّتك لي .. واهتمامك !!
كيفَ وقـع في فخّه ! حتى وهو أصبـح أكثر سيطرةً على نفسِه إلا أنه استطـاع أن يوقعه في فخّ كلماتِه !!! ... لم ينفعـل ، فقطْ وجّه نظرةً محتقرةً لهُ ومرّرها من رأسِه إلى قدميه ، ليلفظَ بسخريةٍ مُرّة : جاء اليوم اللي تصير فيه الضعيف بيننا !
سلمان يتنهّد بإرهاقٍ وهو يُغمضُ عينيهِ ويوجّه ملامحه للأعلى، ردّ عليه دون مبالاةٍ بمحاولةِ استفزازِه له : تعترف إنّك كنت دايم الأضعف قدامي؟
سلطان يبتسمُ باحتقارٍ لذاتِه قبلًا : قررت أكون صادق مع نفسي خلاص .. أيه للأسف ، بس اليوم يختلف الوضع!
سلمان : يختلف لأنّه وضع إجباري .. ما أذكر من قبل كنت مواجهك وأنت لا حول لك ولا قوّة؟ في كل الأحوال أنا الرابح يا سلطان .. تتحداني باختلاف الأوضاع الصحية الحين؟
سلطان بتحدي : تظل مسألة قوة وضعف .. تحت أي ظرف!
سلمان يفتحُ عينيهِ وينظُر نحوهُ بعينينِ فيها من الصلابةِ ما هو بعيدٌ عن ضعفِ جسدِه الآن : تحت ظرفْ خسارتك دايم . . هذا هو الظرف الوحيد! لأنك الحين أضعف بمراحـل ، تعبي ما يعني ضعفي قدامك !
لم تهتزّ صلابتـه أمام كلمـاتِ سلمان، بل أرخى من ذراعيه المتكتّفين أمام صدره وهو يبتسمُ بسخريةٍ ناظرًا في عُمق عينيهِ لينطق : اختلاف قناعات بس !
سلمان بابتسامةٍ لا تهتزّ : تعلّم تبدّل قناعاتك هذي.
اهتزّت نبرته في آخر كلمـة، أغمـض عينيهِ بقوّةٍ وهو يشدُّ على أسنـانِه وألمٌ شعـر بِه يعبُر في ظهرِه وإلى أقدامه ، تنفّس بهدوءٍ وهو يحاول أن يُرخي جسده، ملامحهُ المتعجّنـة بألم، بينما راقبـه سلطـان بصمت، تتلاشى ابتسامته رغمًا عنه ، ويبقى في هذهِ اللحظـاتِ يتفقّد ملامحه وحسب، في لحظـةِ غيابِ أنظـار سلمان يتفقّد الألـم الذي رآه يسري على وجهه .. مرّر لسانـه على شفتيه، صدقـه مع نفسِه يعني أنّه يعترف الآن ، بأن ضعفـه لا يروقه! لا يحبّ ألمـه ، ولا يحبُّ أن تتغضّن ملامحـه الشبيهةِ بِه من وجَعٍ جسديٍّ جاءهُ غدرًا . .
وقفَ فجأة ، ومن ثمّ زفـر وهو يتحرّك مبتعدًا عنه لافظًا بنبرةٍ هادئـة : بنادي لك الدكتور . .
ضحكَ سلمـان ضحكـةً خافتـةً مُرهقـة رغمَ ألمِه ، وبسخرية : لا من جد مرة طلعت مهتم يعني ما كنت أتوهم !
سلطان بحدةٍ ساخرة : مسكين لو تحاول تستفزّني ..
سلمان دون أن يفقدَ ضحكته التي كانت تضاعفُ ألمه الجسدي : ما أحاول .. أنا بس مستغرب يا الله إنّ هالبرّ يطول . .
تجاهل سلطان كلماته التي كان يعنِي بها " أنا أبوك " وخرج دون أن يردّ عليه، بينما عادَ سلمـان ليُغمـض عينيهِ دون أن يفقدَ بسمته وهو يغرق في تفكيره ، هناك شيءٌ مختلفٌ فيه اليوم ، لم يكُن يتوهّم ذلك !


،


تنـاولَت كوبَ المـاء من يدِ أمّها علّه يُطفئ نيرانها التي تكادُ أن تحيلَ كلّ ما فيها إلى رمادٍ عدا قلبها، تقتلها، دون أن توقفَ نبضَ قلبها الذي يقتادُ على حُبّه لا الدمـاء .. جسدْ، يخلقُ جسدًا لا يملك أطرافًا، هيئةً مادّية، ملامـح ، يخلقُ فيها جسدًا مكونًا من قلبها وحبّه .. فقط!
شرِبَت الماءَ دفعـةً واحدة، ومن ثمّ زفـرت لتغصَّ فجأةً بالهواءِ الذي شعرت بِه يرتدّ، ابتلعَت ريقها، وهي تُدرك أنّ امها التي لم تشرح لها شيئًا سوى أنها قالت لها في الهاتف " ارسلي لي سواقك " تكـادُ تنفجـر الآن تريدُ تفسيرًا . . رفعَت وجهها المُحتقنِ بالحُمرةِ نحوها، حُمرةَ انفعالٍ محضة، ومن ثمّ همسَت باختناقِ نبرتِها المرتعشـةِ تنفِي ما تظنُّ أنه جـالَ في عقلها : ما طلّقني للحين.
لم تُخطئ في ظنّها، إذ عقدَت امّها حاجبها ومن ثمّ تنهّدت بقلّةِ صبرٍ وهي تتحرّك لتجلسَ أخيرًا بجانبها وتلفظَ بيأس : وليه أجل جيتي؟ هو يعني قرّر معك الطـلاق بس مو الحين؟
ابتسمَت غزل بحسرة : لو فكّر بهالطريقة مستحيل يسفهني فجأة وما يجيبني بنفسه لهنا! ..
امّها بشك : أجل جيتي وهو ما يدري؟
أومأت تُجيبها دون الكلمات، حينها أغمضَت امّها عينيها وهي تلفظ بنبرةٍ تبهت : ما وافق؟
غزل : لا ..
زفـرت زفـرةً طويلةً مُشبعـةً بالقلقِ قبل أن تفتحَ عينيها وتنظُر لها نظرةً ذات معنـى : بيجي ..
ارتعشَت كفُّ غزل وهي تُخفضُ نظراتها، تشدُّ بقبضتها على الكوبِ الزجاجيِّ ولو أنّها تملك قوّةً كافيـةً لربّما سحقته ومزقت باطِن يدِها .. تُدرك ذلك، تدرك أنّ ما فعلته سيستفزّه ، تدرك أنه لربّما سيغضب، فهو دون أن تفعل ما فعلت الآن " هربها " غاضب، فكيفَ إن عـاد للمنزلِ ولم يجدْها؟ .. ستُشعـل غضبه أكثر، تُدرك ذلك .. لكن ماذا عساها تفعل غير الهربِ قبل أن تضعفَ أمامه أكثر؟
همسَت بنبرةٍ يائسـة، تشتاقهُ منذ الآن : أدري .. بس ما عندي خيار غير هذا، أواجهه بشكل مباشره.
لم ترفـع نظرتها إليها، بينما كـانت أمّها صامتـة ، لم تردّ عليها وهي تُرجع ظهرها للخلفِ وتُغمـض عينيها تحـاول أن تجدَ حلّا يجعلها تخرجُ من حيـاةِ سلطـان دون خسائر أكثر من قلبها ، دون أن تخسر روحها أيضًا، الرغبـة النصفِ باقيةٍ للحيـاة.
طـال الصمتُ بشكلٍ مقيت، وغزل تغرقُ في أفكـارٍ عديدة، مُعظمها لو أسمعتها لأمّها لظنّت أنها جُنّت .. أفكـارٌ لا تدري من أين جاءتها، لكنّها فجأةً ومن فرطِ الذنب، الندم، الحسـرة ، جالَت بعقلها !
فتحَت أمّها عينيها، ومن ثمّ نهضَت ببؤسٍ وهي تتنهّد بعجـز، لا تملك أن تقدّم شيئًا سوى أن تنتظـر، سوى أن ترى ما سيحدُث بعدَ أن يجيء سلطـان ، وربّما غاضبًا! .. لفظَت بصوتٍ حاولَت جعله يبتسـم : أفطرتي اليوم؟
رفعَت غزل وجهها نحوها، ومن ثمّ هزّت رأسها بالنفي، لتتّسع ابتسامة أمّها البائسةِ أكثر، ومن ثمّ تردف : بخليهم يحضّرون لنا شيء خفيف قبل وقت الغداء.


،


ترتدِي عباءتها بهدوءٍ ظاهري، تلفّ طرحتها بآليّةٍ في حينِ يأتِيها صوتُه من خلفِها يتحدّث في هاتِفه بهدوء، حمَلت حقيبتها في اللحظـة التي أنهـى اتّصالـه ونظـر لها مبتسمًا بهدوء باتَ يستفزّها : مشينا؟!
ديما تصدُّ عنه وهي تحاول أن تكون لا مباليـة ، حسنًا ، لقد بدأت تستوعبـه، لذا لن تقـع في فخّ استفزازاتِه من جديد .. أومأت ببرودٍ ليسيرَ حتى وقفَ بجانبها، مدّ يده كي يمسكَ كفّها بتملّك ، ومن ثمّ نظـر لعينيها التي كانت تنظُر لكفّه المتشابكـة مع كفّه ببرودٍ ظاهريّ ، وبخفوتٍ يستفزّها : أمسك كفّك عشان ما تظل روحك بضياع.
رفعَت عينيها مباشـرةً إليه وقد انفّضّت البرودة فيها واشتعلَت باستسلامٍ أمام النرجسيّة التي يمارسها، زمّت شفتيها بحنق، لن يستفزّها، لن يستفزّها ، حـاولت أن تتحلّى ببرودتها ذاتها وهي تلفظُ بنبرةٍ أكثـر نرجسيّة : وإذا كنت الضياع وأنا الملتقـى؟
سيفْ يبتسـم بتسليةٍ وهو يخفضُ وجههُ إليها ليهمـس بخفوتٍ وعشق : أضمّك عشان تضيعين فيني وألاقي نفسي فيك.
صدّت بوجهٍ يحمرُّ غيظًا : مُراهق!
ضحكَ بعبث : أجمل مُراهقـة والله!
تأففت بضجر ومن ثمّ تحرّكت وهي تسحبُ كفّها من يدِه وتلفظ : يلا نرجع البيت ، تراني طفشت من هالمكان.
سيف بغرور : طفشتي وإلا عشقتيه؟
حرّكت كفها دون مبالاة : مو قلت لك مراهق؟ بعطيك على قد عقلك وأقول عشقته.
ضحكَ رغمًا عنه وهو يتحرّك ويمدُّ يدهُ ليُسكِن يدها من جديدٍ في كفّه ، وبرقّة : عن نفسي عشقته.


،


دخـل للمنـزل ، مُتخبّطًا ، يتقفّى آثـارِ الانتهـاء، لقدْ انتهـى ، كفّه هذِه تلطّخت بدمـاءِ بشريّ، تلطّخت بجريمةِ قتـل ، لقد انتهى هذهِ المرّة حرفيًا، كلّ ما حدثُ لهُ الآن يُثبت أنّه بالفعـل صار مجرم، تخبُّط القتل الأول، الرجفـة، الضيـاع والتشوّش الذي يعيثُ في عقله جـفاف! جفافًا حدّ أن دماغه تجعّد وتكوّم على مركز الإدراك.
ترنّحَ وهو يمشِي، لا يدري كيفَ جاء، بأيّ جنون؟ بأيّ عقلٍ ذهب؟ بأيّ إدراكٍ زالْ؟ كيفَ جاء بحالتِه هذِه! الدماء التي على يدِه غسلها من أقربِ صنبورٍ كـان هناك، كيفَ تحرّك وأدرك عقله أنه يجب عليه غسله؟ لا يدري! فقط غسلـه، ومن ثمّ ابتعَد ، ابتعَد تاركًا تلك الجثّة في موضعها ... دون أن يدري ما الذي يجب عليه فعله.
توقّف فجأةً قريبًا من البـاب، نظـر للأمـام ببعثـرة، ما الذي أفعله هنا؟ كيف ، كفَ جئت؟ كيفَ دخلت بهذِه الجرأة، بل ، بل بهذا الضيـاع؟ . . ماذا لو رأى أحدٌ الآن شكله؟ الدمـاءَ المُبعثرةِ بجفافِها على ملابسه، كيفَ تملّكت منه الصدمة حتى ضاع بهذا الشكل؟
عضّ شفته وهو ينظرُ من حولِه بتخبّط ، تراجـع للخلف، نعم الصحيح أن يتراجـع ويذهب وأن لا يعود هنا ... لا لحظة كيفَ لا يعود؟ الصحيحُ أن يذهبَ لبضعِ ساعاتٍ ويتصرّف بأمر هيأته، نعم نعم .. لكن تلك الجثة؟ هل يجبُ أن يبلّغ عنها ، ومن ثمّ يسلّم نفسه؟ ... لا لا كيفَ ذلك؟ لن يسلّم نفسه ، وأيضًا لن يبقى هكذا .. يجبُ أن يسلّم نفسه ...
" آآآآخخ " ، خرجَت من بينِ شفتيه خافتـةً وهو يواجـه بوجهه البـابَ كي يخرج .. ركّز ، ركّز يا سعد ركّز! يجبُ أن تفكّر جيدًا ، استعِد عقلك كي تفكّر جيدًا!! .. شدّ على أسنانِه بإصرارٍ وهو يفتحُ الباب، سيمضي بعض الوقتِ خارجًا كي يستعيدَ وعيه كما يجِب ومن ثمّ سيدرسُ ما فعل، وما حدث، وما سيحدث! سيدرسُ ذنبه من كلّ جوانِبه، فما حدَث قد حدَث ... هو الذي سمـح للشيطانِ أن يتغلّب عليه، لا ينكر ذلك، أنّه خطّط على أذيّته قبل أن يخرجا، وإلا ما كـان أخذ معه تلك السّكين ، خطّط لذلك، ولا يدري كيفَ فعلها فعلًا! كيفَ تحكّم بهِ الغضبُ وقتها .. ماذا يُفيد الندم؟
كـادَ يخرج، لكنّ شهقـةً جاءت من خلفِه جعلت جسدهُ يتصلّب وعينيه تتّسعان بذعر، كـانت لجينْ التي صُدمت في بادئ الأمـر لرؤيته، ففي العادة لا تجدُه في هذا الوقت، تداركَت نفسها بعدَ شهقتها تلك حين انتبهَت لهُ يكـاد أن يخرج وكأنه .. يهرب! أسرعت بخطواتها إليه وهي تلفظ : لحظة لحظة .. والله ما تروح هيييييه يا أخ يا وسيم !
أمسكَت بهِ من عضدِه بسرعةٍ قبل أن يخرج ومن ثمّ سحبته وهي تنفخُ فمها بحنق : تعال وش فيه هربان كذا؟ سعد !!!
عقدَت حاجبيها باستنكارٍ وهي تشعُر بهِ يحاولُ أن يسحبَ نفسه منها بضعف، يكادُ أن ينهار، لذا كـان ضعيفًا بشكلٍ أصابها بالذعـر ، شدّت على عضدِه دون شعور، وبدأت تمرّر أحداقها على جسدِه تلقائيًا بخشية وكأنّها تتفقّد إن كان بخيرٍ أم لا ! لم ترى ما يجلبُ الرعب، ربّما لو كـان يقابلها بجسدِه لاختلفَت رؤيتها .. ابتلعَت ريقها بربكة، ومن ثمّ ابتسمَت وهي تلفظُ باهتزاز : خوّفتني حسبي الله على ابليسك .. شفيك مو من عوايدك تجي بهالوقت؟ بتتغدى معنا؟
سألته ذاك السؤال باضطراب، وكأنها كـانت تشعر، تشعُر أنّ لصمتِه ذا سببًا ، سألتهُ بصوتٍ مرتبك، وقلبها دون سبب! كـان ينبـض بقوّة .. بقوّةٍ تعنِي أن مصيبةً ستقوم!
كان يتنفّس بسرعة، ينظُر للأسفـل، أمام البـاب المفتوح، بينما كـانت لجين تُمسك بعضدِه وتدسُّ جسدها خلف البـاب، يتنفّس بسرعة ، ومرارةٌ تتضاعف، تتضاعف، حلقهُ شعـر بكتلةٍ فيه تتضخّم ، يا الله ما الذي فعلته؟ ما الذي فعلته؟ كيفَ أضعتهم معِي؟ لم أكُن أنا وحدي المعنيّ بالأمر، فكيفُ تصرّفتُ بهذا التهوّر؟ كيف؟ كيفَ فعلت ذلك ولم أفكّر في تلك اللحظـة، قبل أن أ .. أقتله! لم أفكـر بهم !!!
أغمـض عينيه بقوّة، رغمًا عنه ، رغمًا عن الصمت، رغمًا عن الكبتِ أمامها .. سقطَت دمعة! لحيـاتِه التي ضاعت، لحياتِهم التي ضاعت قبلـه ، للذنب ، لأنه مجرم، لكـل ما حدَث ، لكلّ الجنون .. سقطَت دمعة! بعد أن ذابَت انفعالاتهُ في عينيه، ومن ثمّ شدّ على شفتِه السُفلى بأسنانِه بقهر، في اللحظــةِ ذاتها التي حملَت فيها لجينْ قوّةً غريبةً جعلتها تسحبُه بقوّةٍ وهي تلفظُ بانفعالٍ وغضبٍ مفاجِئ : ســــعـــــــــد !!!!
حركتها تلك كانت كافيـة، ليتحرّك جسدهُ قليلًا، وتظهرَ الحمرةَ التي كـانت على ملابِسه من الأمـام .. شهقَت بقوّةٍ وشعرَت بجسدِها يهوِي في الفراغِ وهي تتراجعُ للخلفِ بذعر، لكنّها ودون شعورٍ اندفعَت فجأةً لتقتربَ منه ولا تبالِي بأنها تقفُ أمام البـاب، أمسكَت كتفهُ بكفٍ ترتعدُ ومن ثمّ أدارته بقوّةٍ ليُصبـح مقابلًا لها تمامًا، بعينيهِ التي كانت منطفئة، يُغمضها، بملامِحه التي كانت معتمـة، وأسنانه لازالت تطِئ على شفتِه! .. ابتلعَت ريقها بصعوبـة، ومن ثمّ بدأت تمرّر كفيها على كتفيه، لا تدري كيفَ خرج صوتها، كيفَ استطاعَت أن تخلقَ الكلمات، كيفَ استطاعت أن تتفقّده بكفينِ مذعورتين، وتهمس : وش؟! .. وش صــااار!!!
فتـح سعدْ عينيهِ ببطء، مدّ يدهُ بتلقائيّةٍ إلى البـابٍ ومن ثمّ باستسلام .. أغلقه! .. لم يرد مباشرة، بينما أردفَت لجين بنبرةٍ مختنقةٍ شارفَت على البُكـاء : أنت بخير صح؟ بخير يا سعد صح؟
ابتسَم سعد بأسـى، ودون شعور، كـان رأسه يتحرّك بالنفي، كـان يجيبها ، بأنّه ليسَ بخير، ليسَ بخيرٍ أبدًا .. كيفَ قد يكون كذلك بعد كلّ ما حدث؟ كيف!!
شهقَت من جديد، ودموعها سقطّت فجأةً وهي تلمحُ الرطوبـة على خدّه الأيسـر من دمعةٍ وحيدة، أخفضَت نظراتها على جسدِه تريد أن تعرف من أين جاءَ الدم! من أين جـاء : وين؟ وين مجروح؟ شلون وأيش صار؟!!
سعدْ بصوتٍ ميّتٍ يُمسكُ كفيها ليبعدها عنه : مانِي مجروح!
لجين ترفـع وجهها الملطّخ بدمعِها إلى وجههِ وهي تلفظُ بلهفةٍ قلقة : طيب من وين جاء هالدم؟!
أغمـض عينيهِ من جديد، في اللحظـة التي وصلَ فيها صوتُ أمّهما المُرهـق من الداخل ببحّةٍ مهترئِة : لجين وينك؟
حرّكت لجين أحداقها نحو الصوتِ بضيـاع، بينما انخفضَ سعدْ بوجههِ ومالَ إلى جبينها وهو يفتحُ عينيه، قبّلها بحنان، ومن ثمّ همـس بصوتٍ لا يدري من أي منطقٍ جـاء، لا يدري كيفَ يصدّق كلماتِه ، كيفَ قد تكون واقعًا؟! لكن ماذا عساه؟ ماذا عساه غير التشوّشِ والاستسلام أخيرًا! : انتبهي لها .. آسف .. بس انتبهي لها ولأخوانك ..
اتّسعت عينـاها بصدمـة، تراجَعت وكأنه صفعها بتلك الكلمـاتِ التي تعنِي الكثير .. نظـر بعينيهِ لعينيها المُهتزّتين، زفـر بأسى، بينما كـانت هيَ تنظُر لهُ بصدمة، وشفتيها تتحرّكـان ، دون صوتْ، لا تملك نبـرة، لا تملكُ موجاتِ شرحٍ كافٍ عمّا تريدُ قوله، شفتيها تتحرّكان، تسألانِه بصوتٍ نُحـِر ، ليفهم جيدًا ما كـان السؤال ، ويكون ردّه السـريع .. بالصد!
كان سؤالها " وش صار؟ " .. ما الذي حدث؟ لمَ يقول لها هذِه الكلمات؟ لمَ يُرعبها؟ ما معنـى ما يقول؟ ما معنـى ما يقول غيرَ أنّه سيغيب؟ أين سيغيب؟! وكيفَ يفعل ذلك؟!!
تنفّست بسرعة، ومن ثمّ بدأت أحداقها تعودُ لتتفقّد ملابسـه، لا تريد أن تستوعِب بأنّه تورّط في عراكٍ ربّما، بكلّ الاحتمالات، لا تريد أن تفكّر في خياراتٍ عديدة، لا تريد أن تصـل لإجابةٍ ربّما تُرعبها! .. لكنّها رغمًا عنها وجدَت نفسها تعودُ لتسأل ، وصوتُ أمّها المُستنكـر غيابها يعودُ للمناداة : وش صار؟ .. سعد وش صار شفيك منت على بعضك !! .. من وين هالدم!!
عـادَ ينظُر لها بيأس، ومن ثمّ تنهّد بحسرة، وهو ينظُر لملامِحها القلقـة ، في النهايةِ سيعلمون ، سيعلمون .. يدرك أنّه منذ قتله وبعد الاستفاقةِ قد دخـل في بدايةِ الصراع، يدرك أنّه قد بدأ في هذهِ المرحلـة، ومن ثمّ ستتوالى عليه مراحـل ما بعدَ الجريمةِ هذِه ، ونظرًا لشخصيته التي لم تتخيّل يومًا أن تمارسَ شيئًا كهذا، سيتحدّث! سيسلّم نفسَه .. هذا ما سيصير، بالرغم من كونِه في هذهِ اللحظـاتِ لم يكُن يفكّر بذلك، ولم يصِل بعدُ لتلك النقطـة.
لم يشعُر بنفسِه ، وهو يقولها لها، لم يشعُر بنفسِه ، وهو ينطُق لها جريمتـه ، ويضعها في وجْهِ مدفـع الإدراك : آسف يا عمري ... ضيّعتكم ، ضيّعتكم معِي . . . * ابتلعَ ريقه، ليردفَ بصوتٍ خافتٍ مختنق * تحكّم فيني الغضب ، وبلحظـة منه ذ .. ذبحت ....
تنفّس بانفعـال، ومن ثمّ ودون شعورٍ بتحرّكاته، بكلمـاتِه .. كـان يضمّها إلى صدرِه بحنان، وكأنه بذلك يودّعها ! : ذبحت صديق قديم لي يا لجين .. بلحظة غضب .. قتلته!!!
تسللت لمسامعهِ شهقتها المصدومة، وكأنها لم تستوعبها أوّل ما نطقها " ذبحت " ، لم تستوعبها إلا الآن وبعدَ تكراره !! .. تصلّب جسدها، وعينيها المتّسعتين تنظُران لما خلفَ كتِفه بفـراغ، لا تستوعبُ ما تسمـع ، ما معنى أن يكون " قتل "؟ ما معنى ذلك؟ هل دائمًا يعنِي أنّه سينتهي؟ أنه ضـاع! أنّه .. أنّه سيموت !!! .. ما معنـى أن يكُون قتَل؟ ما معنـى أن يكون أخاها قتـل شخصًا في لحظةِ غضب !!! ... بهتت ملامحها، بل شحبَت حدّ أن الدمـاءَ غادرَت وجهها وباتت مصفرّةً لا حيـاةَ فيها، عينيها جفّتا ، فقدَت أجفانها – رفرفتها – وبقيَت مرتفعـةً عن أحداقها الموبوءةِ بجفـافٍ آلمها ، حتى أغمضَت أعيُنها دون شعور .. وبكَت فجأةً دون صوت !!!
عقلها المصدوم ، والغير مصدّق ، والذي يظنُّ أنها سمعَت خطأً، أو ربما حلمًا، أو ربما وهمًا .. كـان يدرك، تحتَ أنقاضِ مشاعرها المتخبّطة، أن القتـل في النهاية ، والذي لا يليقُ بسعد، سيُنهِي حياته كما أنهى هو من قبلـه حياةَ بشري! .. سعد لا يقتـل ، نعم ، لا يقتـل أحدًا .. سعدْ لا يقتـل ، نعم! هناك خطأ ، هناك وهمٌ ظلّلته ظلال الحقيقة، هنـاك شيءٌ خاطِئ .. فسَعد لا يقتل !!!
همسَت بأفكارها تلك بنبرةٍ مختنقـةٍ مهتزّةٍ وجسدها الذي كان متصلبًا لم يرتعـش حتى الآن من هولِ ما سمعَت : ما تسويها .. أنت أنقى من إنّك تسويها.
ابتسـم سعد وهو يشدُّ بأجفانِه على عينيه المُلتهبـة بالحمرة ، يا الله لقد خسِر ، لقد خسِر من دنيـاه ومن آخرته الكثر .. لقد خسِر ! .. لفظَ بصوتٍ باهتٍ لا تعبيرَ فيه : غلطتِي بتقدير مين أكون ... أنا قاتل! قاتل !!
بدأ جسدها بالانتفـاض فجأة، ابتدأ من كفيها ، ومن ثمّ سـرى ، إلى أن وصـل لكامـل جسدها، لكامـل خلاياها .. حتى لسانها الذي لم يستطِع الصمود بثباتٍ ليردّ على كلماتِه المؤكدة!
سعد بصوتٍ منهزم : أستاهل اللي بيصير .. أستاهل .. أنا شلون سويتها؟ شلون قتلت نفس شلون؟
كـانت تهزُّ رأسها بالنفيِ بصمت، دموعها تتساقـط بهدوءٍ صاخِب، ملامحها فاتـرة، لا تصدّق .. لم تصدّق بعد ما قـال ، لم تصدّق!!
في تلك اللحظـةِ خـرج صغيرٌ في التاسِعة من عمرهِ وهو يناديها بصوتٍ ملول ، امّها تناديها منذُ دقائق وهي لم ترد، رآهما في تلك اللحظـةِ ليعقدَ حاجبيه باستغرابٍ بادئ الأمـر ، وقبـل أن يتّجـه إليهما كـان صوتُ البـاب يعلُو بطرقٍ من الخارج . .


يُتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 31-07-16, 12:50 PM   المشاركة رقم: 869
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 





،


قبل الظهيرةِ بقليل ، أغلقَت الهاتفَ بعدَ أن أنهَت مكالمتها مع هدِيل، صعدَت نحو الأعلـى ببعضٍ من التردد، منذُ الصبـاح وهي تتحاشاه، تتهرّب منه بصورةٍ واضحـةٍ بعد أن أفصـح أنّه يريدها ، يريدها عاجلًا ام آجلًا! ولا تعلـم على الوجـه الصحيح ما حدوده في " آجلًا "!
تتقدّم خطوةً وتتراجـع خطوتين، يجبُ أن تذهبَ إليه ، يجبُ أن تحادثـه ، فهو يبدو حتى الآن لا يعلـم وتخشى أن تقول له ويرفـض، لذا قد تحتاج لأساليب تطولُ في الإقناع! زفـرت وهي تُتمتم لنفسِها بأن تمضي ، سحقًا .. سحقًا !! كانت تقول بأنها ستكون قويّةً كفايـةً بعد أن تكون قربه ، أين ذهبَت كلّ تلك القوة؟
عضّت شفتها بحنق، ومن ثمّ نفخَت صدرها بأكسجينٍ زاحمَ هواءها الموبوءَ بالربكـة ، تحرّكت وهي ترسـم على وجهها الإصرار ، وحين وقفَت أمام الغـرفة زفـرت وجدّدت هواءها من جديدٍ لتمدّ يدها للبـاب وتفتحـه ، كـان أدهم في تلك اللحظـة أمامَ حاسوبه، الغـرفة شبه مظلمةٍ عدا من نورٍ قليلٍ من أبجورةٍ بجوارِه .. عقدَت حاجبيها باستغرابٍ وهي تتحرّك نحوه، لازالت متردّدةً بعض الشيء، لكنّها تجرأت واقتربَت منه ، بينما كـان هو قد أدار رأسه إليها بعدَ أن شعر بها عن طريقِ الضوء الزائدِ عن حاجته والذي تسلّل من البـاب.
أمالت فمها باستغراب، وبتساؤلٍ هادئٍ لم تستطِع أن تمنع فضولها : تحضّر جِن؟
ابتسمَ أدهم وهو يرفعُ حاجبيه باستفزاز : ترانِي بكبري جن عاشق !
إلين تُميل فمها دون رضا بوصفِه ذاك : مارد وأنت الصادق.
أدهم يهزُّ رأسه موافقًا : صح.
إلين باستفزاز : أعوذ بكلمات الله التامات من شرّ ما خلق.
أدهم : ومن فتنتك.
أطبقَت فمها وصمتت بتشتّتٍ ليبتسـم ، كـان يتوقّع أن تبقى تتهرّب منه لأجلٍ غيرِ معلوم، لذا استغربَ مجيئها إليه! هتفَ بهدوءٍ مستفسر : كنتِ تبين شيء؟
إلين ووجهها يحمرُّ من الانفعـال ، لمَ يخلق فيها هذا الاضطرابَ ببساطـة؟ كيفَ يتجرأ أن يجعلها مرتبكـةً منذُ الصبـاح، تغفو على أسنانِ المجهول! تتوه وتتشتّت لأنه فقط أفصـح عن نواياه بما يحقّ له! . . عضّت شفتها بحنق، هذهِ هي المشكلة ، ما يحقُّ له!!
لفظَت بوجومٍ ونبرةٍ مختنقـةٍ من غيظِها : معزومين عالغداء عند اهلي اليوم .. شكيت إنّك ما تدري فقلت انبهك من بدري.
أدهـم يوجّه عينيه للحاسوبِ وهو يومئ دون مبالاة : كنت أدري من أمس.
فغـرت فمها بصدمة ، ومن ثمّ أطبقته وهي تلفظُ بريبة : تدري من أمس؟
أدهم وأصابعه تتنقّل بين مفاتيح الحاسوب : أيه .. علّمني ياسر.
كشّرت بامتعاض : وما كنت تبي تقولي يعني؟
نظر لها باستنكـار : وأنا وش يدريني إن الأخبار ما وصلتك ماهو أنتِ أربعة وعشرين ساعة متواصلة معهم !
إلين بحنق : عاد بعض السوالف تكون عند الرجاجيل قبل الحريم .. كنت قدّرت هالشيء !
أدهم وقد بدأ يضجر : ما كنت أدري بهالنقطـة .. شكرًا نبهتيني ..
إلين بقهر : أنت مريض نفسي أكيد! أصلًا مين يجلس بهالظلام غير المرضى النفسيين ..
أدهم ببرود : هذي طقوسي .. مثل ما أنتِ تحبين تذاكرين فوق السرير ... إلا أخبار امتحاناتك؟
إلين فجأةً ارتبكَت وخفتَ صوتها باهتمامٍ قلِق : خلاص الأسبوع الجاي.
أدهم باستغرابٍ أدارَ جسدهُ عن طاولـةِ المكتب ونظر إليها ليلفظَ وكأنه استوعبَ نقطةً ما : هو مافيه قبل الامتحانات محاضرات؟ ما أشوفك تداومين !
إلين : إلا بس المادتين اللي أدرسهم خلصناها برمضان فما فيه داعِي نداوم.
أدهم : همممم ..
إلين لم تستطِع ان تمنـع فضولها : وش تسوي؟!
أدهم ينظُر للحاسوب وهو يبتسـم لهذهِ الأحاديثُ العابـرة ، إلا أنها في نفسِه لا تكون كذلك ، لا تكون لأنها تنطقها من فمِها، بصوتِها الناقوسيّ الذي ينسـابُ كخريرِ نهـرٍ عذب . . لفظَ بابتسامةٍ رقيقة : بعضَ الأشغـال المعلقة .. خلاص انتهت إجازتي وبرجع أداوم لشغلي .. عاد يا كثر إجازاتِي أتوقّع بنفصل قريب.
إلين بيأس : وتقولها بكل فخر؟
أدهم ببساطة : أبد .. أساسًا بستغنِي عنّه قريب .. ببدأ بمشروع قريب لي أنا وواحد من ربعِي إذا ربّي سهّل.
إلين بفضولٍ بدأت تسأله عن مشروعهِ هذا ، لتغـرق الغرفـة الشبـه مُظلمـةٍ بأضواءِ الأحاديث الهادئـة، الدافئـة، والتي كـان نورها ينبعثُ من أطرافِ شُعلـةِ شغفٍ وفضـول ، يبتسـم ، هذهِ الشفـاه لا تبتسمُ بهذهِ الشعلـةِ إلا حين يكونُ رفيقها بتلاتٍ ناعمـة ، ذاتَ شموخٍ وكبرياء مثل الزهـرةِ التي أمامه.


،


عـادَ من بؤرةِ اللا استواء! كـان ينظُر قبـل لحظـاتٍ إلى ملامِح سلمـان المسترخيةِ في نومِه بعدَ أن هُدِّئ ألمـهُ الجسدي، الاعترافُ مثلمـا جعله يحتقر نفسه جعله أشدّ صلابـةٍ أمـامه، ربّما ضعفُه السابق يعزوه إلى تشوّشِه ! لم يكُن يعترفُ بانّه لا يكرهه، وكـان يخالفهُ قلبـه ، فلا يجدُ لنفسِه إثباتًا غير أن يغضبَ منه ويبصقَ عليه بكلماتٍ حادةٍ يُثبت فيها أنّه يكرهه! أما الآن فها هو يدرك قبل كلّ شيءٍ ما في داخلـه، يعترفُ بِه، فلا يعيشُ مصارعًا نفسه قبل أن يُصارِع سلمان.
خرجَ من المشفى والساعـة تقتربُ من الظهيرة، صلّى في المسجِد، ومن ثمّ بدأ يتنقّل من مكانٍ لآخر، يحاول أن يُضيع ساعـة الوقتِ ويُسرّع منها ، يتمنّى لو يتمكّن قبل كلّ شيءٍ أن يمضِي بالوقتِ حُقبًا حتى يتجاوزَ أزمانًا وينتهِي من كل هذا، . .
بقيَ يتجاوزُ مسافاتٍ وكيلو متراتٍ حتى صلّى العصـر أيضًا، ومن ثمّ قرّر أن يعودَ للمنـزل، استطـاع مزاجـه أن يستقرّ الآن، لذا قرّر أن يعود، وإن تحدّثت غزل عن ذاك الموضوعِ من جديد – موضوع الطلاق – سيكون أكثر هدوءً ورويّةً معها ولن ينفعـل.
وصَل للمنـزل بعد وقتٍ قصير، دخـل وهو يمرّر يدهُ على رأسه والهواءُ الذي في صدرِه يزفُرهُ متثاقلًا حارًا يُلهبُ شفتيه ويُذوّبهما ، أزاحَ شماغـه عن رأسه ومن ثمّ تحرّك مباشـرةً نحو عتبـات الدَرج، اتّجه لغرفتهما وليسَ للغرفـة التي قضـى فيها ليلته الطويلة والتي لم يستطِع فيها أن ينام! .. فتـح البـاب ودخـل وهو يمرّر أحداقه على زواياها ، لم تكُن فيها ! . . تنهّد ، ومن ثمّ اتّجـه للخـزانةِ حتى يبدّل ملابسـه، ربّما من الأفضـل أن ينـام ولو لساعتين ويترك غزل الآن .. لتوّه أدرك أنّ رأسه يكادُ أن ينفجـر من الصداع !
أخرج ملابسَه البيتية، ومن ثمّ اتّجـه للحمـام ، لكنّه ما إن فتح الباب حتى تصاعدَ في أذنِه صوتُ طرقةٍ على البـاب، عقدَ حاجبيه وتراجـع وهو يرمـى ملابسـه على طرفِ السرير ، لمَ قد تطرق الباب ولا تدخل مباشرة؟ .. اتّجه للبـاب ليفتحه، وكما توقّع لم تكُن غـزل بل كانت سالِي! أمـال فمه باستغراب، بينما ارتبكَت سالِي وهي التي كانت تريدُ أن تكلّمه منذُ رأته يدخُل لكنّها كـانت متردّدةً قبل الآن ! . . سألها بصوتٍ هادئ : وش فيه؟
سالي بربكةٍ تنظُر للأسفـل : ماما غزل يقول أعلم حق إنت ...
صمتَت ولم تُكمـل ، حينها تصلّبت ملامحـه قليلًا ، لم يكُن مخطئًا بغرابـة موقفهما الآن ! نفسُ الوضـع الذي أخبرته فيه قبل أشهرٍ عن تخطيطِ غزل من خلفِه! حينَ كانت الحدودُ وقتها كبيرة، حين كـان بشكلٍ صحيحٍ " في خضمِ اتفاقهما " وكان لها الحيّز الكافي في غرفـةٍ مستقلّة .. لذا استغربَ وقوفها الآن أمامه وكأن غزل واقعـةٌ في " تخطيطٍ ما "!!!
هتفَ بنبرةٍ حادة : دامها قالت لك تعلميني أنتِ فهي طلعت؟!!!
هزّت سالِي رأسها بارتبـاك، حينها شدّ على أسنـانه بصبرٍ وأغمـض عينيه، ما بالها مع تصرّفاتها اللا متعقلة هذهِ الأيـام؟!! .. أشـار برأسه أن تذهبَ وهو يفتحُ عينيه، ومن ثمّ تراجـع للغرفـة ، لا يحتاج تفسيراتٍ عديدة ليفهم أين ذهبَت، بالتأكيد قرّرت أن تتمرّد بما أنه لم يوافق على الطلاقِ ورحلَت بنفسِها إلى أمها ، ما الذي حدثَ لتتّجه لهذِه الخطوة بهذا الشكل المُندفـع؟! .. اتّجـه للطـاولةِ التي رمـى عليها مفتاحَ سيارته لحظـة دخوله، حمله ومن ثمّ خرج مباشرة وهدفهُ كـان غـــزل !!


،


في جهةٍ أخـرى ، ابتسَمت بحبٍّ وهي ترفـع " قوزال " إليها من على الأرض، كانت تتمرّغ برأسها على ساقيها العاريين أسفـل بنطالها القصير، تتمرّغ بدلال، وتشعُر فيها أنّها تشتمُّ من عطرِه الكثير ، تمنّت لو أنها استطاعت أخذَ كلّ التفاصيلِ التي جاءت منه، التفاصيل التي لا تراها سخيفةً أبدًا، لا تبهت، لا يتلاشى حضورها في قلبها ، الملابس التي اشتراها لها، الحقائب، والكثير من الذي لا تُجيدُ الأرقـام حصرها !
جنونٌ أن تبدأ بكلّ تلك الانتفاضاتِ من الشوق! جنون !!.. هذهِ الانتفاضات تعنِي أنّني وصلتُ لأقصى مراحِل الشوق، كيفَ ذلك وأنا لم أبتعد سوى بِضع ساعاتٍ وحسب؟ لم يمرّ يومٌ وأنا أشتاقك فكيفَ وصل بي الشوقُ لأوجِه؟! .. في تفاصيل صغيرةٍ أذكرك، في " قطّةٍ " أفضيتها إليّ يومًا، في ابتسامةٍ تأتِي شفاهي وأدرك أنها جاءت منك بعد أن خلقتها، في نظرةٍ يائسةٍ للحيـاة ، لأنّ لا حيـاة تكفلُ لي فرحـةً من بعدِك.
شعرَت بأمّها تجلُس بجوارها، ابتسمَت ببهوتٍ وهي توجّه أنظارها إليها، ابتسامتها الباهتة تعنِي أنها لم تعتدْ بعد، لم تعتدْ أن تكون امّها قربها ، لا تستطِيع أن تصدّق حتى هذهِ اللحظـة ذلك! لكنّها في هذهِ اللحظـاتِ تحيا ما يكفِي لعدمِ التفكير بهذا الآن.
ابتسمَت أمّها وهي تمدُّ يدها لتمسـح على ظهرِ القطّةِ التي تصلّب جسدها وكأنها لا تريدها ، لفظَت بخفوتٍ حنون : ليه اخترتِي لها هالاسم بالضبط؟
غزل تهزُّ كتفيها وهي توجّه انظارها للقطـة ، وبهدوءٍ تائه : ما أدري .. يمكن لأنها جميلة بزيادة !!!
امها بضحكة : هذا سبب؟
غزل بابتسامة : بس جاء ببالي وقتها.
امها بشرود، لم يُعجبها أنها تحتفظُ بهذهِ القطة وهي ذكرى من سلطـان، لكنّها لم تستطِع أن تعترض على ما تريد ابنتها : ممممم.
غزل ترفـع وجهها إليه، ملامحها غطّاها القليلُ من التردّد وهي تلفظُ بتساؤلٍ مرتبكٍ وتُشتّت عينيها : ممكن أسأل عن شيء؟
ابتسمَت امّها بحنانٍ وشغفٍ والأحاديثُ باتت تعشقها إن كانت ستطُول بينهما : اسألي حبيبتي ..
غزل بتردد : ليه طلقك؟
فترتْ ملامـح امها فجأة وأثلـج صوتُها في حنجرتها فانقطـع اتّصـال الأصوات، شعرَت غزل بجمودها بجانِبها ، حينها رفعَت رأسها بخوفٍ وهي تلفظُ بتلعثمٍ مذعور وتتداركُ ما قالت : آآ .. آسفة خلاص ... اعتبريني ، اعتبريني ما سألت . .
مرّرت أمها عينيها على ملامِح غزل، وابتسمَت بأسى ، ليسَ من السؤال بحجمِ ما كـان بسببِ ردّةِ فعلها الآن لأنها صمتت في لحظـةِ بهوتٍ من سؤالٍ باغتها .. ابتلعَت ريقها بصعوبـة، ومن ثمّ رفعَت كفّها لتضعها على كتِفها وهي تلفظُ بخفوت : ما عصّبت منك .. بس فاجئني السؤال ...
تراجعَت للخلفِ وهي تمرّر لسانها على شفتيْها، وبهدوءٍ ونبرةِ امرأةٍ قويّةٍ لم يكسِرها خذلانُ رجـل : ما تهمنـي أسبابه اللي ما ذكرها أصلًا !! فجأة وصلتني أوراق الطلاق ، وتدرين وش كان شعورِي وقتها؟ الراحة .. بس الراحة!!
قوّست غزل شفتيها للأسفـل وعينيها تُظلمانِ بحزنٍ مرير، لو أنّها مثل أمّها ، تتجاوزُ سلطـان ولا تُجـرح بنصل فراقه؟ لو أنها مثلها .. قد ، قد ترتاح؟! .. أفرَجت شفتيها بعذابٍ وهي تتنفّس من بينهما بتعرقـل، بتحشرجٍ يهوى اختناقها، يهوى أن تصـل لأوجِ الاختنـاق، ومن ثمّ يمدّها بأكسجينٍ في غضونِ ثانيتين، لينقطـع من جديد!! . . كيفَ تعقدُ مقارناتٍ بين سلطـان ورجلٌ كوالدها؟ كيفَ تُسيء لهُ بهذهِ الطريقة ولا وجـه تشابـه بينهما! لن تستطِيع، لن تستطِيع أبدًا أن تتجاوزه، هذهِ الدائرةُ التي تطوفُ في خطوطِها لذيذة! لذيذٌ أن تحبّه حتى الممات ، لذيذٌ هذا العذاب .. لا تريد أبدًا أن يزول ولا تريد أن تتجاوزه إطلاقًا !!
أردفت أمها وهي تبتسمُ بأمـل، تمسـح على خدِّ غزل برقّةٍ وتهمسُ لها بحنان : البيت هذا كان مسجّله باسمي من فترة، شكله كان مخطّط ويمكن أشفق على سنيني معه للحظة !! بس للنهايـة ، أنا ما أبي أعيش على ذكرى منه ، عشان كذا أخطط أبيعه بس بعد ما تتطلقين من سلطان، أبي نبدأ من جديد بعيد عن أي ذكريات قديمة هنا ... شرايك؟
نظـرت غزل لها بعينينِ ضائعتين، كلماتٌ كثيرةٌ تغزوها، تكاد أن تخترقَ حصنها/شفتيها وتمضِي إلى مسامع امّها التي سترفـض بالتأكيد ما يجول في عقلها .. الفكـرة المجنونة! والتي تدرك أنها خطـر ، أنها خطرٌ عليها .. لكنّ جزءً كبيرًا منها يحترق، يتألّم لصمتِها !!
هتفت امّ غزل وكأنها شعرَت بها وبرغبتها في الحديث : تبين تقولين شيء؟
نظرَت غزل لعينيها لتومئ دون شعور، حينها ابتسمت امها وهي تشدُّ بكفها على خدّها وتلفظَ بحنانٍ صافي : قولي .. لا تترددين يا عمري.
غزل بضياعٍ وهي توجّه أحداقها لزاويةٍ بعيدة، لزاويـةٍ غيرِ مرئيـة، لزاويةٍ تحشُر أحداقها فيها وتسحقها، لجزءٍ مُظلمٍ يقتـل ضوءَ الصبـاحِ في روحها : أفكّر .. أفكّر أعلمه بكل شيء ..
تسللت شهقـةٌ من أمّها ، لتبتلعَ غزل ريقها بتوترٍ ودون أن تنظُر لها أردفت بصوتٍ مرتعش، دون أن تُغـادر تلك الزاويـة ، التي تغرق فيها ، وتغرق أكثر : غلظت كثييير .. غلطت بحقه كثير ، ولو طلعت من حياته كذا بغلط بحقّه أكثر ، لازم يدرِي يا يمه ، مثل ما كذبت عليه ومثل ما خدعته .. لازم يدري ... ويكرهني !!

*

لازالت تذكـر ، ليلةً دخلَت فيها غرفتها تبكِي، هذهِ المرّة ، وفي تلك الليلـة ، كـانت قد بكَت، قبل أن تدخـل غرفتها حتى! استسلمَت للدموعِ أمام البـاب ، وسقطَت ، بينما وجنتها ملوّنـةٌ بآثارِ صفعـةِ ما قبل دقائق ، لأنها فقط ، وقفَت في وجهِ والدها ، وصرخت لأول مرةٍ أمامه " ما أبــي أتزوجه "! وكـان زواجها بِه – خلال يومينِ – فقط . . جلسَت على السريرِ وهي تضعُ كفّها على وجنتها وتبكِي بحزنٍ وانهزام ، كيفَ يريدها أن ترتبطَ بهذا الرجلِ وقلبها مرتبطٌ بآخر؟ كيف؟!!!
مدّت يدها للهاتِف الموضوعِ على الكومدينة، ابتلعَت ريقها بغصّةٍ والتهابُ وجنتها لا تشعُر بهِ الآن ، جسدها من الداخِل يحتـرق، لذا كلّ احتراقٍ خارجيٍّ كان لا يعنِي لها شيئًا أبدًا !! اتّصلت بِه هو ، لا أحـد سينقذها من كلّ هذا إلا هـو !!
ردّ عليها بعد رنّتين فقط ، ليندفـع صوتُها المبحوحُ إليه بنبرةٍ مهزومـة : لمتى؟ تأخرت كثيير عبدالعزيز تأخرت .. زواجي بعد يومين متى ودّك تتصرف؟!
عبدالعزيز بهدوءٍ جاد : توني واصـل من السفـر ، بكرا بالضبط راح ننتهي من كل هالسخافة !!
غزل بأمل : وش بتسوي؟!
عبدالعزيز : تثقين فيني؟
غزل باندفاعٍ ودون تفكير : ما أثق بغيرك حتى نفسي!
عبدالعزيز : أبيك بكرا تطلعين معي.
قطّبت ملامحها بربكةٍ مُفاجئة وهي تشتت عينيها باستغراب : بس أنا ماقد طلعت معك من قبل!
عبدالعزيز بثقة : عادي .. سبق وشفتيني من بعيد .. هالمرة تجرئي على اللي بعده .. بنتعشّى مع بعض بمطعم وبحكي معك بالموضوع أفضل!
غزل بترددٍ وخجل : ما يصير على الجوال؟
عبدالعزيز ويدرك أنها لن توافـق بسرعة ، فهو لأكثر من مرّةٍ طلبَ أن يخرجا سويّةً فترتبك وترفض، لفظَ بحدة : منتِ واثقة فيني بعد هالشهور وإلا أيش؟
غزل بخوفٍ من أن يغضب منها : لا لا .. بس يعني مترددة لأني ماقد سويتها..
عبدالعزيز : هالمرة لازم تسوينها .. عشان مصلحتنا * برقة * من متى اللبوات تخاف وتتردّد؟
ابتسمَت بحبٍ وحين يذكر " لبوة " فهو يريدها أن تكون أقـوى ، يريدها أن تكون شرسـة، لا تنكسـر ولا تخافُ شيئًا . . همسَت بنبرةِ المعميّةِ في غياهِب حبّه : طيب بفكر ..
عبدالعزيز بحزم : ردّي الحين .. تدرين أصلًا إنّي جيت قبل سفري بيوم وطلبتك من أبوك بس رفض حتى ما قال مخطوبة أصلًا؟
شهقَت بصدمةٍ وهي تضعُ كفّها على فمها : شلون؟ ما قال لي ولا انت قلت !!
عبدالعزيز : ما حبيت أتكلم وقتها .. فقرّري الحين بنتكلّم بكرا وإلا لا؟ عندي طريقة تخليه يوافق غصب .. بس بشرط تكونين قويّة وتقررين توقفين بوجهه بدون خوف ... تخافين وأنا معك؟!

" تخافين وأنا معك "؟
كـانت مفتـاح السرّ ، لتمضـي إليه بملءِ سقوطِها! .. في اليومِ التالِي وقبل يومِ عقدِ قرآنها بسلطان التقيـا حيثُ قرّر هو، دخلَت وهي ترتعشُ بخوف، لم تشعُر بالخوفِ والتردّدِ من " المرّة الأولى " إلا حين غادرَت المنـزل بعذرِ أنها ستذهبُ لإحدى الصديقاتِ القليلات والتي كانت علاقتها فيهنّ فاتـرة، باردة لأنها أقربُ من الالتزاماتِ التي وقّعت عليها لعلاقـةِ والدها بأبِ تلك ، وعلاقة أمّها بأم الأخـرى ، كانت صداقةً فاتـرة لا تعرفها جيدًا إلا في أوقاتٍ قليلةٍ كالتسوّق والتذرّعِ بها كعذرٍ للخروج وبعض الترفيهاتِ – المملّة -!
اتّجهت للطـاولة التي أخبرها قبل وصولها وحين كانت في السيارة عن رقمها، جلَسا، كانت تعلمُ أنّ طريقه كان مزدحمًا لذا سيتأخر قليلًا، وضعَت حقيبتها جانبًا، ومن ثمّ ضمّت كفيها ببعضهما البعض وهي تزفُر وتحاول أن تُهدّئ من انفعالاتِها ، اهدأي ، لا داعـي لهذا الاضطراب ، اهدأي إنّه عبدالعزيز .. عبدالعزيز الذي تثقين بِه أكثر من أيّ شخصٍ آخر في حياتِك !!
تنفّست بهدوءٍ وهي تقنـع صدرها المُضطربَ بانقباضاتِ قلبها الموبوءِ بالربكـة، مرّت دقائق قليلـةٌ قبلَ أن تشعُر بجسدِ اقترب، كانت كاذبـةً بأنها لن ترتبك، لن تخاف، إذ ما إن شعَرت باقترابِه واشتمّت رائحـةَ عطرٍ رجوليّ نفاذه حتى شهقَت وانتفضت بخوفٍ لتقفْ بجسدٍ تصلّب ! ابتسمَ عبدالعزيز وهو يجلسُ على الكرسيّ المقـابِل لها، لفظَ وهو ينظُر لوجهها الظاهـر مباشـرة : اجلسي .. مقدّر خوفك بس اهجدي حبيبتي لا تفضحينا.
ابتسمَت بارتعاشٍ وهي تجلس، تشعر أن صوتَ نبضاتِ قلبها يصِل كلّ الجالسين ، لم تكُن في يومٍ ما قريبـةً من رجلِ بهذا الشكل! حتى عبدالعزيز لم تراه سوى مرتينِ أو ثلاثٍ ومن مسافاتٍ بعيدةٍ بعدَ أشهرٍ طويلـةٍ من التواصـل بالهاتِف والرسائل، بعد أن عرفتـه عن طريقِ إحدى برامـج التواصـل الإجتماعـي ، كانت المرّة الأولـى مجرّد حوارٍ بسيط " كتابي " ، سمحَت بما هوَ أكبـر ، حتى انصاعَت أخيرًا لمشاعـر لا تدري كيفَ اغتالتها رغـم كونِها في ذاكَ الوقتِ كانت تحتقر الرجـال أجمـع ، كيفَ وقعت! لا تدري !!
هتفَ بصوتٍ ثابتٍ واثـق وهو ينظُر بجرأةٍ لعينيها العسليّتين لتشتّتهما بتوتّر، يتأمّل ملامحها دون أن يُشيح أحداقها للحظـة : شلونك؟
غزل بتوترٍ وخجلٍ دون أن تضعَ عينيها على وجهه الذي تتمنّى لو تتأمّله من هذا القربِ الآن لكنّ ربكتها وخجلها يمنعانها، تنظُر لكلّ شيءٍ حولها، الجالسينَ في الطاولات، النـادل الذي يقتربُ منهما ، مرّرت لسانها على شفتيها وهي تهمسُ بصوتٍ خافتٍ مضطرب : بخير ..
عبدالعزيز بابتسامةٍ رقيقة : ما ودّك تسأليني عن حالي؟
غزل بخجل : شلونك؟
عبدالعزيز : حتى لو ما كنت بخير أنا الحين بأتم خير !
صمتت ولم تستطِيع أن تُجيب وهي تغرقُ في خجلها وحُمرة ملامِحها، عضّ شفتهُ وملامحها ظهرت لهُ أكثـر براءةً وجاذبيةً لعينيه، كـان ينظُر لها بشغفٍ وفجُور ، بنظراتٍ لم تكُن تنتبهُ لها وهي تركّز بأحداقها على كفيهما المضطربتين فوقَ فخذيها.
وقفَ النادِل في تلك اللحظـة قريبًا منهم، استدارَ إليه عبدالعزيز بعد أن وصـل إليه صوته، التوى فمه بابتسامةٍ باردة، ومن ثمّ لفظَ بهدوءٍ وثقة وهو يرمِي إليه نظراتٍ ثاقبـة : عصير برتقال .. اثنين * أدار رأسه إلى غزل ليردف برقّة * ممنوع تقولين لا لأنك تحبينه .. أبيك تروقين قبل لا أطلب العشاء.
أومأت دون اعتـراضٍ ليبتعد النادل عنهما ، شابكت أصابعها ببعضها ليسندَ مرفقهُ على الطاولـة ومن ثمّ خده على كفّه ، يغـرق في تأمّل ملامِحها الصاخبـة بجمالها الحاد والبريء في آن واحد، لا يدري كيفَ تجتمع حدّة الملامح مع براءتها! كيفُ تُفضـى هذهِ البراءة فقط من الضيـاع الذي يشغُر أحداقها ، من ضعفها واهتزازها !
همسَ برقّة : أحب هالجمال !
رفعَت رأسها إليه بنفضةٍ وهي تفغـر فمها بضياع ، وبتشتّت : هاه !
ضحكَ بصخبٍ لتتضاعفَ حمرة ملامحها وهي لا تدري لمَ يضحك! عضّت شفتها لتُخفـض وجهها، حينها لفظَ بتسليـة : وأحبك كثر ما تبلمين !
غزل بحرجٍ : خلاص عبدالعزيز !
عبدالعزيز : أيه قلتِ شلونك؟
زمَت شفتيها بحرجٍ وهي تدركُ أن نبرته هذهِ كانت نبرةَ غزلٍ لا يقصِد بها تكرار السؤال وتفقّد أحوالها من جديد . . لفظَت بخفوتٍ مرتبكِ بالخجـل : اترك عنك هالكلام .. خلنا ندخـل بموضوعنا مباشرة.
عبدالعزيز بمكر : لهالدرجة مستعجلة؟
غزل ترفـع وجهها إليه لتتبدّل نظراته بسرعةٍ بعيدًا عن المكـر والشغف، لفظَتْ بألمٍ مفاجئٍ وغضبٍ خافت : أحر ما عندي أبرد ما عندك!! أقولك زواجي بكرا !! وأنت ولا همّك !
عبدالعزيز بجدّية : مين قال ما همّني؟ بس مو حاب أشوفك بهالشكل! روّقي كل شيء ينحل وأوعدك بكون أن بكرا الزوج مو سلطان ذا.
التمعَت عيناها بسعادةٍ وهي تُفرجُ شفتيها بلهفـة : بكرا؟!
عبدالعزيز بابتسامةٍ رقيقة : أيه .. تثقين فيني؟
غزل وتكرّرها كلّما كرّر سؤاله .. دون تردّدٍ تُجيبه : ما أثق في أحد غيرك .. حتى نفسي !
عبدالعزيز بخفوتٍ لا يُظهِر ما يُبطـن : أيه كذا .. أبيك تثقين فيني دااايم يا عمري ..
ابتسمَت غزل بغرابةٍ من نبرتِه التي جالَت على كلمتِه الاخيـرة، إلا أنها كانت لا تزال مرتبكـة، خجِلة، لذا صمتت وهي تنظُر لقدميها وابتسامتها الناعمـة لازالت ترتسمُ على ملامِحها . .
مرّت لحظتينِ قبـل أن يصـل فيها النادل بكوبي العصير ، وضـع كوبَ غزل أمامها وكذلك عبدالعزيز ومن ثمّ مضى بعد أن أشـار له بكفّه بأن يذهب ، ابتسَم وهو يلفظُ برقّةٍ ويرفـع كوبه ليرتشفَ منه : روّقي .. وراح أبدأ أعلمك وش الخطـة عشان أصير أنا العريس بكرا.
ابتسمَت لهُ بحبٍّ وهي تتناولُ كوبها وترفـعه إلى فمها لتشربَ منه، كـانت تشعُر بالسعادةِ في هذهِ اللحظـة، ثقتـه في الحديثِ جعلتها تشعُر بأملٍ أضـاءَ كلّ ظلامِها ، تشعُر أنها تشعُّ في بحرٍ من الحبُور ، فقط معه .. هذهِ السعادة فقط معه ، لا تستطِيع أن تجِد الوصفَ الكافي لها سوى أنّه باتَ الجانبَ المضيء في حياتِها ، الجانبَ الذي يكادُ يمحقُ كلّ ظـلام . .
وضعَت كوبها بعد أن شربَت منه النصف، ومن ثمّ همسَت بنعومـة متلهفـة : يلا علّمنـي وش بتسوي؟ ما اتخيل أبوي يغيّر قراراته بس أثق فيك.
عبدالعزيز وأصابعهُ تطرقُ على كوبِ عصيرِه الذي شربَ منه القليل : إذا تشوفين أبوك ما يغيّر قراراته أجل أنا مستحيل أتراجـع بشيء أبيه ! .. وأنا أبيك أنتِ!
غزل بربكةٍ تُخفضُ نظراتها المُحرَجةِ عنه، وبنبرةٍ معترضـة : خلاص اترك هالحكِي .. خلنا بالأهم ..
عبدالعزيز بخبث : يا حلو اللي تستحي !
غزل بانزعاجٍ ترفـع وجهها إليه مقطّبًا : عبدالعزيز بطّل هالأسلوب! مالك داعـي والله !
عبدالعزيز : ههههههههههههههههههه خلنا بس نتزوج بعدها نشوف إذا بتمنعيني أتغزّل فيك مثل ما أبي.
غزل وموضوع " الزواج به " بجعلها تضيعُ اكثـر وترتبك، غرقَت في خجلٍ صاخبٍ أكثر مما كانت غارقـة، ولو أنّ بعدَ قاعِ محيطِ هذا الخجلِ مساحةً لشغرتها ، لم تردّ عليه وهي تعضُّ شفتها السُفلـى بشغفٍ للحظـة التي تكون فيها زوجتـه .. بينما أردفَ عبدالعزيز بجدّيةٍ ماكـرة ما إن رآها تُرخِي عضّ شفتها السُفلى فجأةً وحاجبيها ينعقدانِ باستغرابٍ تجـاهَ أمرٍ مـا : تدرين حبيبتي .. خطّتي مثل ما قلت يبيلها وقفة منّك أنتِ بعد .. بتسوّينها من غير تردّد؟
رفعَت رأسها إلى وجههِ وهي تعقدُ حاجبيها بتشوّشٍ دون أن تفهمه، وبنبرةٍ فاتـرة : أكيد.
عبدالعزيز يبتسـم وعينـاه الجريئتانِ تعبـرانِ ملامحها ، هذهِ المرّة بوضوحٍ أمام نظراتها، دون أن يُبطنها ودون أن يتردّد حذرًا من أن تكشِف مآربـه ، هذهِ المرّة ، طالعـها برغبـةٍ عارمـة وهو يُفرجُ شفتيه ، ويفضِي إليها بخطّته .. ينطقهـا بكلّ فجور .. لتتّسع أحداقها المُرهقـة فجأة ، وتشهق ، ومن ثمّ تقف بصدمةٍ ولم يمكثْ وقوفها سوى ثانيتينِ حتى جلسَت بعجزِ ساقيها المنتفضتين ، وببهوتٍ تكذّب ما سمعت : أيش قلت؟
عبدالعزيز ببرودٍ يبتسم : اللي سمعتيه يا حلوة.
ارتعشَت شفاهها من نبرتِه الفجّة، من نبرتِه التي امتلأت برغبـةٍ جسديّةٍ بها وحسب ، نبرتـه هذه ، والتي لم تسمعها قبلًا !! .. هزّت رأسها بالنفيِ بضعف ، لتهمـس بتكذيب : ما سمعت صح انا ؟!
عبدالعزيز : إلا ..
غزل بلعثمـةٍ غيرِ مصدّقة : تبيني .. تبيني أنـا . .
لم تستطِيع أن تُكمـل الجملة وملامحها تشحُب ، تنفّست بسرعةٍ وهي تسندُ ذراعيها على الطـاولة بينما جسدها شعرَت بِه ضعيفًا ولسانها مُثقلٌ بدرجةٍ لم تجعلها ترفـع صوتها في كلماتِها المُبعثـرةِ تلك وكلماتها الآن : لا .. أنت من جدك هذا هو حلّك؟ تبينا نغلط عشان نحطه بالأمر الواقع؟
عبدالعزيز بسخرية : نغلط؟ لا حبيبتي ماهو غلط .. وبعدين وحدة مثلك وصلت لهالحد تتردّد عند هالشيء البسيط؟
صُدمت من نبرتِه ، ماذا يقصد؟ ماذا يقصد!! هل يقصد بنبرتِه تلك الاحتقار؟ يساويها بإنـاثٍ كُثر ، يقصدُ أنها رخيصةٌ حدّ أن تصـل هنا، أن تقضي جزءً كبيرًا من وقتها في محادثته، أن تجلسَ معه الآن .. فلمَ قد تتردّد في استرخاص " جسدِها " أيضًا وبيعه له؟!!
شعرت بالصدمـة تتكالبُ عليها حدّ أنها شعرَت بالغثيـان، لا تصدّق ، لا تصدّق !! لم تستطِع أن تلفظَ شيئًا وهي تقفُ ببهوت، تقفُ بانهزامٍ لا تكـادُ أن تستوعبَ معانِي كلمـاتها المحتقرةِ لها .. ماذا يعني ذلك؟ هل بالفعـل نيته الزواجُ بها؟ أن يضـع والدها أسفل هذهِ المقصلةِ ويجعله يوافق عليه رغمًا عنه ويتخلّى عن فكرة زواجها بسلطان! هل هذهِ نيته فعلًا؟ أم أنه كـان يهدف .. فقط! لنيلِ جسدِها ومن ثمّ تركها !!
لا .. لا !! عبدالعزيز لن يفعلها ، ربّما يمزح ، ربّما هي تتوهّم ذلك .. لن يقترح عليها اقتراحًا رخيصًا كهذا لأجل أن ينالها !! . . تحرّكت أقدامها دون أن تردّ عليه بشيء ، كـانت أقدامها مثقلـةً بشكلٍ غريب ، لم تكد تتحرّك خطوةً حتى شعرَت بحاجةٍ للجلوس، لكنّها عاندَت حاجتها تلك وأكملتْ سيرها في حينِ كـان هو يتابعها بمتعـة ، تريد أن تهرب ، تريدُ أن تهربَ لصدمتِها بما سمعَت حتى أنها لم تنتظِر لحظاتٍ كي تحلّل أو تسأله وهي تجلسُ أمامه ، لا تريد أن تصدّق ما قاله، تريد فقط أن تبتعد، حتى تكتشِف أنها تائهةٌ في كابُوس .. وستستيقظُ منه حين تسير!!
تسلّل الثقـل شيئًا فشيئًا من أطرافها إلى كامـل جسدِها ، ترنّحت بضعف، ورأسها أصبـح ثقيلًا، عينيها تشوّشتـا لا ترى من حولها كمـا يجِب .. شدّت على كفيْها بضعفٍ وهي تحاول أن تتماسك، لكنّها لم تستطِع ، لم تستطِع وهي تميلُ بجسدها ساقطـة ، لكنّ ذراعيه كانت أسرع، أمسكها وأسندها عليه بعد أن اندفـع إليها لحظـة إدراكه بأنها ستسقطُ الآن لا محـالة ، تأوّهت بغيـابِ وعي ، أغمضَت عينيها، ومن ثمّ فتحتهما بثقلٍ تحاول أن تقاوم .. ما الذي يحدثُ لها! ما هذا الضعفُ المفاجئ ...أنّت بضعفٍ وصوته وصلَ إليها مخضّبًا بالكثيرِ من الإزعـاج المتداخِل حولها، صوته المذعور .. أو المتصنّع لذلك! : طريق لو سمحتوا .. زوجتي تعبانة . .
لا ، لا .. ليستْ زوجته! ليسَت زوجته .. لم تصبح بعدُ زوجته .. ما الذي يقوله؟ ما الذي يفعله بالضبط !!! . . فتحَت فمها تريد أن تعترض ، تريد أن تقول " ماهو زوجي " لكنّها لم تستطِع إخراجَ صوتها بينما كـان هو يُسيّرها ويسندها إليه دون أن تشعر هي حتى بحركتها ... ما الذي يفعله؟ لمَ .. لمَ كذب وقال أنّها زوجته !!!
أنّت من جديدٍ بضعف ، وكتفها كـان في تلك اللحظـة ، يغرقُ أكثر إلى صدرِه ، لم تشعُر بشيءٍ حتى دفئه الذي اقتربَت منه بهذهِ الطريقة لأول مرّة ، لم تشعُر بشيء ... وهي تغيبُ تمامًا عن وعيِها !

بعدَ وقتٍ طويـل ، طويلٍ جدًا ! .. لا تدري كم سـاعةً مرّت ، فتحَت عينيها بثقلٍ والصداعُ يكادُ أن يسحقَ رأسها الغارقِ أسفل أطنانٍ من الجبال! هذا ما شعرت بِه من شدّةِ الضغطِ عليه ، .. حرّكت رأسها بضعفٍ وهي تتأوّه بألم ، عينيها المتشوّشتين لم تدرك بعدُ المكـان الذي كانت فيه ، أغمضَت عينيها ومن ثمّ فتحتهما مرارًا وتكرارًا حتى استطـاعت الرؤيـةَ جيدًا ، مرّرت لسانها على شفتيها الجافتين ، ومن ثمّ عقدت حاجبيها بإجهادٍ وهي ترى المكـان الغريبَ الذي كـانت فيه .. غـ .. غرفة؟!!
حرّكت رأسها بغرابـةٍ نحوَ صوتِ الهاتفِ القادمِ بجوارِها ، كان على الكومدينة !! .. رفرفت بأهدابها وهي تدرك إدراكًا جديدًا .. هي نائمةٌ على السرير! .. متى نامت في هذا المكان الغريب؟
صريرٌ كـاد أن يشقَّ رأسها نصفين ، توقّف صوتُ الرنينِ وهي تنظُر بضيـاعٍ للفـراغ/ للسقف، لا تدري ما الذي تعيشهُ بالضبط، لكنّها بالتأكيد واقعـةٌ في آثار ما بعد النوم ، عقلها نعِس، وصداعها هذا يخبرها أنها نامتْ بعدَ جهدٍ، بالتأكيد ستستوعبُ ما يحدثُ بعدَ قليل .. فقط لتسترخِي قليلًا !
لم تكَد تفكّر بذلك حتى عادَ صوتُ رنينِ الهاتِف يتصاعدُ بعد خمسِ ثوانٍ من توقّفه، عادَت توجّه نظـراتها إليه، ومن ثمّ وبثقـلٍ واستسلامٍ مدّت يدها نحوه ، من سيتّصل بها ؟ .. من غيابِ الإدراك لم يخطُر في بالها عبدالعزيزِ حتى! .. لم تفكر من قد يتّصل بها .. بل مدّت يدها بضيـاعٍ إليه، أمسكَت بِه، لكنّ يدها تجمّدت فجأةً حين سقطَت نظراتها على ذراعِها العـاري ... لحظة! كانت ترتدِي بلوزةً حمـراء ذاتَ أكمامٍ طويلةٍ قبل أن تخرج ، فمتى بدّلت ملابسها! ... تخرج !!! .. عقدَت حاجبيها أكثر، استطـاعت أن تتذكّر أنها كانت ستخرج ، إلى أين؟!
تضاعفَ صداعُ رأسها، وقبـل أن تسحَب الهاتف كانت تفكّر ، متى بدّلت ملابسها؟ . . انزلقَت نظراتها عن ذراعها لتتفقّد دون اهتمامٍ ما لبسَته بعْد تلك، فقط من بابِ محاولة التذكّر ولو قليلًا .. تشوّشها هذا غريب ، لم يحدُث أن نهضَت من نومها بهذا الشكـــ . . . شهقَت بقوّةٍ وصدمـة ، وكفها المُمسكـة بالهاتِف ارتخَت وتحرّكت فوقَ الطاولـة لتدفـع الهاتف دون تركيزٍ ويسقطَ على الأرض .. جلَست بانفعـال ، وفي سرعةٍ خاطفـةٍ كان قلبها يتصاعدُ بوتيرةِ انقباضاتِه وهي ترفعُ اللحـاف إلى صدرها ، نظـرت للأمـام بصدمـة ، تتنفّس بسرعـة ، تكـادُ تموتُ الآن وهي تسترجـع في صورةٍ خاطفـةٍ ما حدثَ قبل أن تنـام .. لا ، ما حدثَ قبل أن تفقدَ وعيها !!! .. الغرفـة الغريبـة ، وهي ... وهي !! ماذا حدّث؟؟؟ لا يمكن !! عبدالعزيز!! لا يمكن !!!
شهقَت من جديدٍ بصدمةٍ وهي تهزُّ رأسها بالنفي ، تكـادُ محاجرها أن تلفظَ عينيها .. لا يمكن! لا يمكن !! لم يفعلها بي .. لم يفعلها بي ... لم يفعلها بي يـــا الله !!!
لم تشعُر بنفسها في تلك اللحظـة وهي تبكِي ! سقطَت دموعها دون انتظـار ، وأحداقها المصدومة تنظر للأمـام غيـر مصدّقة بينما الهاتف يعود للصـراخ .. دون توقّف، لا يمكـــن .. لا يمكـــن !!
من الجهةِ الاخـرى ، شدّ على أسنانِه بغضبٍ وهو يضربُ المقودَ ويزفُر بانفعـالٍ لافظًا بحدة : هذي شفيها ما ترد؟! وججججع ما صحت للحين !
كادَ يُغلـق باستسلام، لكنّ صوتها جـاءهُ فجأة ، صوتها المكلومِ ببحّةِ ضعف ، بانهزام ، صوتها الذي كـان يغرقُ في أنينٍ غير مصدّقٍ وهي تهمـس بتساؤلٍ مجروح : ما غدرت فيني .. صح؟!
عبدالعزيز يلوِي فمه بضجرٍ وقد ملّ من التمثيلِ أخيرًا ليظهر على حقيقتهِ بعد أن حصـل عليها : يووووه فكينا من تصنّعك هذا ! .. خلاص أعرف نوعيتك عارف إنّك الحين مبسوطة بس مسوّية فيها العفيفة الطاهـرة .. خلاص ارتاحي من اليوم كسرت الحاجز اللي مخليك متردّدة ، في المرات الجايـة بتكونين واعيـة! الحين بس اطلعي من الفندق وارجعي لبيتك ، سلّمي المفتـاح للرسيبشن بينتهي موعد الحجز بعد نص ساعة.
لا تصدّق ، لا تصدّق ما تسمع !! .. لا يمكن أن يكون عبدالعزيز ، لا يمكن !! .. ابتلعَت ريقها بصعوبـةٍ وهي تهمسُ بغصّة : في .. في المـ ـرات الجاية !!
عبدالعزيز بجدّية : خلاص يا غزل تراني ملّيت من تمثيلك هذا! خلاص اعترفي لنفسك قبل لا يكون لي إنّك بغيتِي هالشيء بس اللي مخليك متردّدة هو إنك بنت.
وضعَت كفّها على جبينها لتصـرخ دون شعورٍ بانهيـار : حقييير ... حقيييييييييير .. هذا اللي كنت تبيه من البداية! لا يا ربي لااااا مو معقول شلون استغليتني !!
عبدالعزيز يتأفف بضجر : ما استغليتك! من البداية أنتِ اللي عطيتيني المجـال ، لا تتصنّعين العفة وأنتِ من جنبها !
وضعَت غزل كفها على عينيها، لا تريد أن تصدّق ، عبدالعزيز الذي أحبّته! عبدالعزيز !!! .. لم تستطِع أن تمنـع دموعها من السقوط، لم تستطِع أن تمنـع صدرها من البكـاءِ في اللحظـةِ التي كان يُردف فيها بتسلية : بكذا أبوك ماراح يزوّجك ، بس معليش كذبت عليك بسالفة أكون الزوج بكرا هههههههههههههه .. * أردف بشغفٍ ماكر * لقانا الثاني متى بيكون؟ هالمرة مثل ما قلت بكامـل وعيك . . لا تحاتين !!
لم تستطِع أن تستمـع له أكثـر ، تشعر أنّها تتمزّق ، تهوِي إلى شظايـا ، كانت تعيشُ في خدعـة! كلماتُه الآن تعنِي أنّه لم يحبّها يومًا ، نبرته الآن تعنِي أنّه لم يُرِدها هي بذاتها .. بل أراد جسدها !!
أغلقَت الهاتفَ لتصخَب في بكاءٍ منهار ، لم تبكِي يومًا كما الآن ، لم تبكِي يومًا كلحظـةٍ كهذِه انكسـرت فيها ، خُدعَت .. كان يخدعها .. كان منذ البدايـة يخدعها ليحظـى بجسدها بكلّ دنـاءة !!
لم تبالِي بالوقتِ الآن والذي تجاوزَ منتصَف الليل ، لم تهتمّ إن كـان أحدٌ سينتبه لغيابها ، لن ينتبه أحد! لذا مكثَت لوقتٍ طـال .. تبكِي ، وتعزّي نفسها ، بينمـا رسالـةٌ وصلَت إليها ، رسالـةٌ حمَلت توضيحاتٍ ناعمـةٍ منه ، حملَت كلمـاتٍ استفزّتها للبكـاءِ أكثر ( كنت محاتيك وأنتِ نايمة عشان كذا كثّرت اتصالات .. تأخرتِ بنومك وخفت ينتبهوا أهلك لغيابك مع إنّي ما أظـن .. ترانِي مهتم لتفاصيلك كلها! وما اكتفيت منّك للحين )
" يــا الله !!! " .. أغمضَت عينيها بقوّةٍ وهي تعضُّ شفتها السفلى ، يا الله! يا الله ما بعدَ هذا الكسرِ آخر! لا يُمكـن أنّها تحيا واقعًا، لا يمكن !!
أخفضَت رأسها وهي تبكِي بشدّة ، تضمُّ الهاتفَ إلى وجهها المحمرِّ وتصرخُ بآهاتٍ متتابعـة ، بآهاتٍ تخبـر عقلها أنّها انتهَت ، بآهاتٍ تئدُ الجبـال! تسلـخ جلدَ المعانِي عن المصطلحات فتتوه ولا يُجادُ تفسيرها .. لقَد انتهَت الآن بكلّ ما تعنيه الكلمـة من معنى! انتهَت !!!

كانتْ الليلـةُ التاليـة هي ليلـة عقدَ القرآن، لا تدري كيفَ عادَت للمنـزل بعد أن اتّصلَت بالسائق وكيفَ لملمَت نفسها قبلًا! .. كيفَ واجَهت امّها التي استنكَرت تأخرها وسألتها بنبرةٍ باردةٍ حين رأتها " طالعة لهالوقت؟ " ومن ثمّ زفـرت وقلّبت عينيها دون رضـا لتذهب .. دون حتّى أن تنتبه لملامحها الشاحبـة ، دون أن تنتبه لعينيها الميّتتين ، دون أن تنتبه لانكساراتها .. دون أن تنتبـه ، لأن غزل فقدَت نفسها حرفيًا !!

لا تدرِي كيفَ تمّ عقد القرآن ، تذكُر أنها فقط كانت تُسيَّرُ كآلةٍ نفدت وقودها وسيّرها من حولها ، زيّنتها أيادي ، وكانت تخضـع لكلّ التوجيهات ، وقفَت في ليلةٍ مخضبـةٍ بالضياع وأجابت على الزواج .. دون أن تشعـر " بالموافقـــــة "!!!

*

عيني امّها كانت تنظُر لها بصدمـة ، لم تكُن تعنِي ما سمعَت ! .. نعم لم تكُن تعنِي ذلك !!! . . هزّت رأسها بالنفي ، وصوتُها الباهتُ يلفظُ بجنونٍ مُرتاب : ما قصدتيها!!
غزل بانكسـارٍ تشعُر أن روحها تتمزّقُ دون أن تفقدَ شعورها بها ، دون أن تفقدَ اتّصالها الحسيّ بأجزائها ، تحترق، ليندلعَ الألـم أكثر! : قصدتها .. أيه قصدتها .. لازم يدري ، أنا وش قاعدة أسوي فيه شلون اطلـع بهالطريقة بدون عقاب؟ شلون تبيني أعيش وأنا غارقـة بهالمعصية! .. مالِي كفارة غير إني أحكِي .. ويكرهني!!!
امها بغضبٍ مفاجئ : نعم !! أنتِ مجنونة! مجنونة !! ..
لم تردّ عليها وهي تضعُ كفّها على فمها ، بينما أردفَت أمّها بجنون : أنتِ تدرين إنّك بس بتقهرينيه؟ ما تدرين شلون قهر الرجـال شين؟ مو بس كره .. بينقهر وبيطيّن عيشتك .. وممكن فوق كذا توجعينه !
زمّت شفتيها بألم ، وقبـل أن تردّ كـانت خادمـةٌ تدخُل للغـرفةِ بهدوءٍ وتلفظ : آم سوري بات زوج ماما غزل فيه اجي.
توقّف نبـض قلبها فجأة ، وقبـل أن تستوعب ، كـانت امّها تقفُ بحدةٍ وحـزم ، وتتّجـه للخـارج .. لتواجهه!!

.

.

.

انــتــهــى

أدري البارت كان منحصر على شخصيات معينة دون البقية وممكن يطلع لكم كانه " قصير " بس نفس عدد الصفحات المعتادة بالوورد ، .. أتوقع إنه دسِم ومن البارتز المنتظرة عمومًا مو؟ :$*


ودمتم بخير / كَيــدْ !

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 31-07-16, 04:47 PM   المشاركة رقم: 870
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Sep 2010
العضوية: 190192
المشاركات: 620
الجنس أنثى
معدل التقييم: أبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 748

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أبها غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

شكرا كيد على الجزء ..
رغم أنه مشبع بالحزن ..والألم .

سعد ..آلمني جدا مشاعر الصدمه
والتيه والتخبط التي حلّت به .. أجدتِ يا كيد .
الغضب لا يأتي بخير . وغالبا ما يفيق الإنسان منه
بعد فوات الأوان ..وبعد أن تصيبه الحسرة والندم على
ما قدمت يداه ..
لا شك أن سالم هو من كان يراقب الحدث ثم
أبلغ عن الحادثة ..

الحزن امتد ليشمل ذكريات غزل المؤلمة ..
ليت كل فتاة تدرك أن ما من رجل يتعرف على
امرأة لا تحل له إلا وله مآرب خبيثة
من وراء ذلك التعارف ،،، إلا من رحم الله.

شكرا مرة أخرى كيد
بانتظارك .🍃🌸🍃

 
 

 

عرض البوم صور أبها  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 07:28 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية