كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكـم طاعة ورضـا من الرحمَن
إن شاء الله تكونون بألف صحّة وعافيـة
البارت اليوم اتوقّع مليء بتوضيحات كثيرة وهالمرة تجاوزت - ما بين السطور -، يا كثر ما أرمي لكم شيء وما تلقطونه عاد اليوم أمُور كثيرة شبه واضحـة لكم فركّزوا . . :$
شكرًا لتواجدكم، شكرًا لكلماتكم الطيبة سواءً بالمتصفح أو خارجه، شكرًا للروايـة اللي جمعتنا .. إن شاء الله أكون دائمًا عند حسن ظنكم والله يكتب لي التوفيق والوصول للنهاية بسلام :$$
بسم الله نبدأ
قيود بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !
لا تلهيكم عن العبادات
* المدخل اقتبـاس من الجميلة shid|||
وينك؟
رحت ولا شبعت منك
رحت ولا طمنتي عنك!
رحت ناسي من وراك..
شخص يموت ولا يبعد
عن عينك..
وينك؟
اهلكني فراقك و ذكراك
اغراني الشجن لمسعاك!
مالي سند ، كني يتيم ..
موتك كسرني يالعضيد!
امانه طمني بس!!
انت على قيد الحياه؟
او اني على قيد المودع؟.
(74)*2
دخـل المنزل، هذا الذي أرادَ أن يبتعدَ عنهُ سنينَ ابتعـاد متعب، إن كانت هذهِ الساعاتُ الماضية لم تستطِع مداوَاةِ خذلان السنين فلن تستطيع سوى سنينٍ أُخَر، أن يغيب، ويغيبَ حتى يذُوق في الغيـابِ مرارته، يذوقهُ ويعرفَ نفوذَ سمومه ، هل تنشر أورامهُ في كلّ العرُوق؟ أمْ لا تُصيبُ بأيّ آفة؟! لا تؤثّر! فمتعب حتى بعد أن عـاد وجدَ للجفـاءِ عذرًا لن يقُول عنه سخيف ، لكنّه موجعٌ أن يخوّله لذلك! موجعٌ لأنّه فقط .. واللهِ لم يكُن يقصد!!
أقدامُه تتحرّك دونَ هُدى ، لم يكُن ينتبه أنّ خطواتهِ قد ارتحَلت لغرفـة والدتِه، وقفَ أمـام بابِها، وانعقدَ حاجباهُ وهو يبتلعُ ريقهُ بصعوبة بعد أن استوعبَ وقوفهُ هُنـا ، لم يشعُر بقلبهِ وهو يُناجيها، لم يشعُر بلسانهِ وهو يتحرّكُ دون صوت : يمّه سمعت صوته!
لم يشعُر برأسهِ الذي مـال قليلًا في زوايةِ خيبـةٍ بالفـرح، لم يستطِع الفـرح، لازالت الدُنيا ضدّه خلال هذهِ السنين، لم يستطِع أن يضحك، لم يستطِع أن يراه ، يضمّه، يقبّل رأسه كما السابق ويبتسمُ وهو يهمسُ لهُ بكلماتٍ رسميّةٍ لا تليقُ بهِ فيضربهُ متعب على بطنهِ وهو يبتسمُ لافظًا " ما يليق عليك هالاحترام "، أين رحَلت هذهِ الأيـام التي عاد يستذكرها بعد سنين؟ لا يُمكن أن ننتهي قبل أن نبدأ .. هل رأيتِ ذلك يا امي! هل علمتِ ما فعَل؟ ما قـال لي؟ هل علمتِ أنّ ابنكِ البكـر حيّ، واختـار الجفـاء لأجلِ أسيـل، لأجلـها اختـار أن ننتهي حتى قبل أن ألقـاه وأقتنع أخيرًا بأنّه حي، لازلت أريد دليلًا ملموسًا فصوتُه لا يكفي ، صوتهُ الذي أخـاف أن يكون خدعـة، أريد أن أراهُ وأضعَ كفّي على كتفهِ كي أتأكّد أنه ليسَ طيفًا، أريد أن ألقـاه يا أمّي .. أريد ذلك بشدّةٍ وأحتـاجه.
تراجـع بصمتٍ وحلقهُ يلتوي بجفافهِ الذي شعر بهِ أنّه يتصدّع، اتّجـه للدرج، هذهِ الحيـاة التي تختارُ التحدّي ، وسيقبله، هذهِ الحياة التي تختارُ التحدي .. سيفُوز عليها . . آسفٌ لحبّه ، آسفٌ لأنّه يتألـم ، آسفٌ يا أسيل لأنّي حين اخترتِ الفراقَ رفضت، آسفٌ لأنّي أحببتك! آسف، لكنّ ذلك ليس طوعَ يدي ، آسفٌ لنفسي " العشقانة "، آسفٌ لأنّي تشوّشت كفايـةً ولا أريد التفكير بشيء ، لا أريد شيئًا سوى أن نعُود سنين وأنْ لا أحبّك هذا الحُب الذي لا يريدُ الجمع بيننا ، عـارٌ علي، عـارٌ عليّ ما حدث، عارٌ عليّ أنِ التقينـا وأعتذرُ لهذا الزواج الذي تهادى بزيف، أعتـذر لك يا متعب ولكِ يا أسيـل ، اعتذر لأنّني الانسان المُخطئ والذي أحبّ اثنين عشقـا بعضهما . . .
توقّف بمرارةٍ عند نهاية الدرجِ وهو يشدُّ على " الدرابزين " بلوعـة، لا يُمكن للحيـاة أن تكُون قاسيةً بهذا الشكل! لا يُمكن لها فعل ذلكِ بنـا ، أن تُدخلنا في حلقةٍ ثُلاثيّةٍ ترفضُ أن تنفكّ في إحدى الزوايا وتُخرجنا ! . . رفعَ رأسهُ للأعلى بحركةٍ لا إراديّةٍ وهو يبتلعُ ريقه . . ستُخرج منّا اثنين .. اثنينِ فقط ، قد أكون أنا وهو ، وقد يكون أنا وأنتِ ، أو أنتِ وهو !! يا للقسـوة! يا للقســوة!!! من أين للحيـاةِ هذهِ السيكوباتية حتى تُمارسها علينا، كيف انسلخَ منها الضمير، كيفَ انسلخت من الحيـاة قناعةُ العطـاء وبقيَ فيها الأخذ الذي مركـزته على علاقاتٍ قويّةٍ كهـذه . . تحرّك مترنّحًا وهو ينظُر أمامه بفراغٍ لا يملكُ في جعبةِ نفسِه سوى اللوعـة والخسران، اتّجه لجناحِهما، فتح البابَ بآليةِ الضعف، اتّجه مبـاشرةً لغرفتيهما، وقعت عيناه عليها ما إن دخـل، كانت ترتدي روب حمامٍ أبيضَ كقلبها الذي بالتأكيد لازال يعشقُ متعب، أشـاح نظراتهُ عنها تلقائيًا وهو يبتسمُ ومعدتـه يشعر أنّها تحترق، اختـار التضحية بقلبه ، لأجـله ، لأجـل أخوّةٍ دامَت سنينَ ولا يُمكن أن تنتهي ببساطة، لا يُمكن أن تنتهي بعد أن بُعث متعب من الموتِ بمعجزةٍ مـا . .
لم يرها حين استدارت ونظرت إليه مبتسمةً برقّة، لتلفظَ بصوتٍ مُداعب : اليوم ماشاء الله نشيط أمداك تطلع وترجع وأنا تو من شوي أصحى.
أغمضَ عينيه بقوّةٍ وهو يتنفّس بتحشرج، لفظَ بصوتٍ ميّتٍ لا يملكُ فيه أيّ تعاليـمٍ للشعور : جهّزي شنطتِك والبسي عبايتك
هُنـا ننتهي، الأشهُـر، الأسابـيع، الأيـام ، لفظتها حياتنا الثلاثية! ، هُنـا ننتهي ، لأنّ البدايـة لم تُكتب لنا متّزنـة، لأنّ البدايـة كانت هشّة، لأنّ الله ربطكِ بأحدِهم، بأغـلى من أحب، هُنا ننتهي يا أسِيل ولا أريـدُ لقلبي أن يهتزّ لأنكِ لم تكوني لي قط .. في هذهِ اللحظـة لا أشعُر بالألـم بحجمِ ما ينحرنِي الحرجُ منه، لا أشعُر بالألـم بحجمِ ما أريد للأيام أن تعُود ولا أقترف هذا الارتبـاط وأؤذيه، أن لا أحبّك، أن لا أقـع في هوى عينيك .. قاسٍ واللهِ هذا الهوى لم يربُط على قلوبنا بالاتّزان ، نحنُ نبكي لوعةً حينما نُحب، نبكِي بتقويس شفاهِنا، بشحوبِ جلدنا الذي احترقَ بشمسِ الشرقِ الذي تطبّع بسمارِ رملِه على قلوبنا، نحنُ الشرقيُّون أشقيـاء ، لا أقُول ذلك رثـاء، بل أقوله حسرةً على قدرٍ جمعنـا في لحظةٍ مـا بهذا الشكلِ المُخزي.
وصل إليهِ صوتُها المُستنكر : أجهز شنطتي؟ ليه ؟!!
شاهين يشعُر أنّه يغص، ينظُر للسريرِ المُبعثرِ أمامه وهو يبتلعُ ريقهُ ويهمسُ داخلـه بمناجاة " ياربّ القوّة "، لفظَ بأسـى : لأنّك .. لأنّك .. لأنك لازم تروحين من هِنا .. لأنّك انتهيتِ وانتهيت أنا من هالحيـاة اللي جمعتنا.
أجفلَت، بقيَت تنظُر لهُ بنظراتٍ غيرِ مستوعبةٍ وهي تعقدُ حاجبيها، هنـاك خطأٌ ما في كلماته، هل يعني الفراق؟ هل يعنِي الفُراق؟ . . ارتعشَ فكّها وهي تُشيح برأسها جانبًا وتهزّه برفضٍ دون تصديقٍ لما يجري، ليسَ بخيرٍ منذُ أيـامٍ والبارحـة تضاعفَ الوبـاءُ فيه، ما الذي يحدثُ له؟
ابتلعَت ريقها بتوترٍ وهي تعُود للنظرِ إليه لتهمس ببهوت : ليش؟
أغمضَ عينيه وهو يرفعُ كفّه ليضغطَ بسبّابته وإبهامه أعلى أنفهِ، وبنبرةٍ ميّتة : لأنّ كل شيء كـان غلط ، كل شيء يا أسيل أنا آسف عليه.
أسيل دون تصديق : آسف على أيش؟
فتحَ عينيه، لم يستطِع منع أحداقهِ من الارتحـال إليها والنظر لملامحها لخمسِ ثوانٍ فقط قبل أن يبتلع ريقهُ بصعوبةٍ ويشيح بنظراته، لفظَ بخسران : على " أنا أحبّك " بعدد هالنجوم، لأنّي غلطت! النجُوم عُمرها ما كانت دايمة ، النجوم تختفي بالنهـار . . جانا النهار يا أسيل جـاء! .. أنا آسف لأنّك كنايتي عن هالحيـاة.
رفعَت كفّها لتضعهُ على رأسها وهي تُغمض عينيها وتُتمتم دون تصديق : يارب إنّي أحلم ! وش اللي قاعد يقوله !!!!
ابتسم : المنطـق ، للأسف!
فتحت عينيها لتنظر لهُ بحدةٍ وتصرخ بجنون : المنطق يقول لازم يكون فيه سبب! ليه تبينا نفترق؟!!
شاهين بابتسامتهِ المُتأسّيـة تراجع ، كلّ شيءٍ بات فوقَ طاقتِه، لا يعلـم كيف مازال حتى الآن صامدًا ولم يسقُط بثقلِ ما حدَث لهُ منذُ الصبـاح.
استدارَ حتى يخرج، توقّف لثانيتين فقط، قبل أن يشدّ قبضتيه ويلفظَ بنبرةٍ لا جدال فيها : جهزي نفسك خلال نص ساعة .. برجع ألاقيك لابسة عبايتك.
تحرّك ليخرج، لكنّ خطواتها اقتربَت منه باندفـاعٍ حتى أمسكَت ساعدهُ بقوّةٍ وهي تلفظُ بحدّة : فسّر لي كل شيء بالأول . . ماراح . . .
قاطعها شاهين حين سحبَ يدهُ بحدةٍ وصرخ وهو يدفعها للخلفِ قليلًا : لا تلمسيني!
صرخَت بغضبٍ هي الأخـرى بعد أن توازنت قبل أن تسقط : ماراح أطلع من بيتي سامع! معصب من شيء فرّغ عصبيتك بعيد عني .. مالك حق باللي تسويه لأنّي ماغلطت بشيء!
استدارَ لينظُر لها بعينين تشتعلانَ غضبًا، وألمًا! . . لفظَ بحرارةٍ وعصبية : ماهو بيتك! للأسف ما كـان بيتك ... اطلعي يا أسيل .. اطلعي مالك رجعـة لهالبيت إلا وأنتِ لغيـري . . * ابتسم بحسرة * هذا إذا مشَت الأمور بسهولة ، السهل ماله وجود للأسف! واحد منّا بيختفي من هالبيت ، بيتركه، وماراح أرضى يكون هو.
بهتت ملامحها وهي تنظُر لهُ دون استيعابٍ للكلمات الذي ينطقها، من الذي يقصدُ بـ " غيري "، الضمير المستتر في " هو "!! . . ابتلعَت ريقها وهي تلفظُ بصوتٍ شاحب : وش قاعد تخربط أنت !!!!
شاهين يمسحُ على جبينهِ بانفعالٍ وهو يزفُر أنفاسًا ساخنـة ، وبحدةٍ استدارَ نحو الباب، لم يشعُر بنفسهِ وهو يقبضُ كفّه اليُمني بقوّة، اندفعَت قبضتهُ فجأةً ليضربَ بها زاويـة الإطار ولا يُبالي بالألـم الذي نفَر بأعصابِه الحسيّة، ضربه مرّةً أخـرى، لم يكُن يضربُ الجدار بل كان يضربُ نفسه، كـان يعاقبُ نفسه ، يؤلـم جسدهُ الذي تطـاول على ملكِ أخيـه، قلبهُ الذي نقـش اسمها وهي لسواه ، لأنّه أحبّها! بأيّ حقٍ أحبّها قلبـه ، بأيّ حقٍ وهـي لسواه.
تأوّه بقهرٍ وغضبٍ وهو يرفعُ قبضتهُ الأخـرى بعد أن تخدّرت مفاصل يدهِ اليُمنى ولم يشعر بالألـم مع الضربـات، عاد يضربُ بيدهِ الأخرى بينما كانت أسيل تضعُ كفّيها على فمها وعيناها تتّسعان دون تصديقٍ لمـا يجري، لم تستطِع الاندفـاع أليهِ وإيقـافه من جنونه، بقيَت باهتةً تنظُر لهُ وقلبها يصرخُ بين أضلعها بانفعال الأدرينالين في دمها، صرخَ شاهين بغضبٍ يشتمُ نفسهُ بقهر : أنــا حيوااااان .. شلون دخلت بخاطـري وهي كانت لأخوي! شلون تجرّأت؟! شلووووون حبيتها شلووون؟!!!!!
هزّت رأسها بالنفيِ أخيرًا وهي تُدرك أخيرًا أن متعب أحد أسبـابِ حالته الآن، لم تفكّر كثيرًا، لم تبـالي كثيرًا وهي تصرخُ بانهيـارٍ وتُمسك ذراعَ يدهِ التي لازال يضربُ بها نتوء زاوية الإطـار : يكــــفـــــي خلاااااااص .. كسرت يدك يكفففففففففي . .
أمسك يدها التي تُمسك بيدهِ بقسوةٍ ومن ثمّ رماها بعيدًا ليوجّه وجههُ المُحمرّ إليها وهو يلفظُ بنبرةٍ حادةٍ رُغـم إعيائِها : لا عاد تلمسيني! قلتها لك وما أبـي أكرّرها .. لا عاد تلمسيني !!!
تراجعَت للخلفِ وصدرها يرتفعُ بأنفاسٍ مذعُورة، رفعَت يدها المُرتعشة لتضعها على صدرِها وهي تنظُر لهُ بعينٍ دامـعة، وبصوتٍ مُختنق : إذا طلعتي من هالبيت بتريّحك وتخليك توقّف هالجنون .. لك اللي تبيه.
أسدل أجفانهُ قليلًا وهو يتنفّس بانفعال، يدهُ التي تخدّرت بعد جنونِه، لم يملك ما يقُول، أُخرست الكلمـات وتبخّرت على شفتيه، نظـر للأرضِ بإرهـاقٍ صامت، ببؤس، بينما ابتعدَت أسيل للخزانةِ حتى ترتدي ملابسها ومن ثمّ تستعدُّ لتخرج كمـا يريد، ولم تستطِيع أن تصمت عن كلماتِ الحسرة والخذلان التي وجّهتها إليه بعتب : بس لا تنسـى ، ماراح أسامحك على كل ذا ، ماراح أسامحك على طردك لي من حيـاتك بدون ما ترضي عقلي ولو بنص تفسير !!
،
شدّ على أجفانِه بقوّةٍ وهو ما بين الوعيِ وفُقدانِه، حرّك يدهُ دونَ شعورٍ ليضعها على رأسهِ الثقيل، وأصواتٌ بعيدةٌ تأتيهِ من الخـارجِ مُختنقةً بترسّباتِ المنـام، أصواتُ عنـاد وسلمان التي اختلطَت ببعضها فلم يُميّزها عقله.
عقدَ حاجبيه، وارتخَى شدّهُ على أجفانِه، فتحَ عينيه ببطءٍ لينظر للسقفِ المشوّش أمامهِ دون أن يميّز حتى الألـوان! مكث لثوانٍ قبـل أن تستوعبَ عينـاه الصورة أمامه ويراها بصفائِها، همس داخلـه باستنكارٍ ثقيلٍ كجسده : ويني أنا؟!
جلسَ وهو يُحـاول استيعاب المكـان الذي هو فيه، أن يتذكّر ما حدث قبل أن ينام .. متى نام؟ وكيف نام هُنا !!!
مرّر أنامله بين خصلاتِ شعره المُبعثرة وهو يُمرّر لسانه على شفتيه الجافتين، يجعّد ملامحه حتى يتذكّر ما حدثَ وكأنّه بذلك يعصرُ ذاكرتهُ لتنزفَ بما قبل ساعات. لم يستغرق كثيرًا حتى تبدّلت ملامحهُ فجأةً وعقلهُ الذي " صحصح " تذكّر ما حدَث، حرّك رأسـه بانفعالٍ ينظُر للغرفـة التي هو فيها، شدّ على رأسـه بغضبٍ وهو يكـاد يشتمُ الحال الذي هو فيه، كيف يتجرّأ؟ كيف تجرّأ على إفقادهِ الوعي!!
سمعَ الأصواتَ تنبعثُ من جديدٍ خارجًا، عقد حاجبيه بضيقٍ وهو ينظُر للبـاب وقد كان صوتُهما لا يكفي حتى تصلهُ الكلمات، جلسَ على طرفِ السريرِ بحدّةٍ وهو يزفُر بغضب، انحنى ليتناول حذاءه بجانب السرير ويرتديه على عجلٍ ومن ثمّ نهضَ وهو يلمحُ شماغه المفروش على الأريكةِ البيضـاء المُمتدّةَ كسـرابِ ماءٍ شابـهُ سمّ أفعـى ماكرة، ابتسم بسخريةٍ وهو يتّجه إليه وقد كان سقط منهُ في الوقت الذي دفعهُ فيهِ سلمان في المجلس، وضعهُ على كتفهِ بفوضويّةٍ وبقي مُمسكًا " بعقاله " ومن ثمّ اتجه للبـاب حتى يفتحه، ما إن خـرج حتى وجد سلمان يجلسُ في الصـالة الصغيرة التابعةِ لغرفـة الضيوف، يتّكئ بمرفقهِ على ذراعِ الأريكـة بينما ذقنهُ الخشنِ على كفّه، عقدَ حاجبيه بحدةٍ وهو يرى الواقفَ أمام النـافذة، عنـاد !!!
سلطان باستنكار : عنــاااد !!!
استدار عنـاد بسرعةٍ إليه في ذاتِ اللحظـة التي نظـر فيها سلمان إليه بنظراتِه الجامدة، ابتسم عنـاد وهو يتّجه إليه : شلون تحس نفسك الحين؟
سلطان بجفـاء : ماصار لي شيء أصلًا * وجّه نظراته الحاقدة لسلمان قبل أن يردفَ بانفجـارٍ مُفاجئ * أقرفتني بعيشتي ! وشو له تحاول تنقذني أصلًا؟ مين قالك تهتم! تبيني أعيش أكثـر عشان توجعني يعني؟!! * بقهر * حسبي الله عليك .. حسبي الله عليك.
تقدّم سلمان بجسدهِ للأمـامِ قليلًا وهو يسندُ مرفقيه هذهِ المرّةَ على ركبتيه ويترك لذراعيه أن تتدلّى في الهواء، وبابتسامةٍ باردةٍ مُستفزة : هدّي أعصابك شوي يا يبه ترى ما يسوى ..
تنهّد عنـاد وأغمض عينيه بيأسٍ وهو يلتزم الصمتَ دون أن يتدخّل بالحديثِ بينهما، بينما هتف سلطان بحدة : قلتلك لا تقول يبه!
سلمان بجمود : طيب قد قلت لك أنا إنك بزر؟
سلطان بعنـادٍ ساذج : أيه قلت .. أنا بزر وعصبي وأتنرفز بسرعة وحاب هالشيء عندك اعتراض لا سمح الله؟!
ابتسمَ سلمان رغمًا عنهُ بينما وضعَ عناد كفّه على جبينهِ وهو يتنهّد مرّةً أخـرى، أعـاد سلطان كفّه لخلفِ عنقهِ وقد شعر بلصقةِ الجروحِ منذ البداية، نزعها بحدةٍ ومن ثمّ رماها على الأرض وهو يهتفُ بغضب : الله لا يسلم يدينك النجسـة هذي .... ممكن أنسـى وجودك بحياتي؟
سلمان باستفزازٍ وهو يبتسم : ممكن طيب تهدى؟
سلطان : لا تحاول تستفزني!
سلمان : ما أحاول لأنّك أصلًا مُستَفز حتى قبل لا أقول كلمـة .. وش مقوّم شياطينك أنت؟
سلطان بحقد : الشيطان الوحيد اللي كـان يحياتي كلها هو أنت .. للأسف!
اقتربَ عنـاد في تلك اللحظـة منه ومن ثمّ وضـع كفّه على كتفهِ وهو يلفظ بهدوء : يكفي سلطان .. امشى خلنا نطلع.
صفع سلطان يدهُ بانفعالٍ لينظُر لهُ بشررٍ وهو يهتف : وأنت وش جابك لهنا وليه واقف معاه وتسولف وياه بعد !!
عناد بهدوءٍ يحاول بهِ أن يمتصّ غضب سلطان، يفهم هذهِ العدوانيّة جيدًا والتي قد تجعله يؤوّل تواجده بالخيانةِ ربّما! : كنت أتّصل على جوالك ورد هو وعرفت منه اللي صـار فجيتك . .
سلطان يعقدُ حاجبيه : مين قالك تجي؟
عناد : السؤال لك .. ليه جيت عشان تتعّب نفسيتك بس؟
سلطان برفض : أتعّب نفسيتي؟ عشانه؟!!! أنصحك تراجع أفكارك.
عناد يومئ برأسه : صح ممكن أكون غلطان.
سلطان بغضبٍ يدفعهُ من كتفِه : وش قصدك؟ تعاملني مثل البزر؟ والا قاعد تشوفني مجنون بس!!
عناد يُمسك معصمَ يدهِ التي دفعته وهو يلفظُ باتّزان : تعوّذ من ابليس وخلنا نمشي.
سلطان يُمسك معصمهُ بيده الأخرى بعنف، دفعَ يدهُ عنهُ بحدةٍ ومن ثمّ هتف بعدائية : اتركني .. ما أحتاج توجيهاتك . .
تحرّك بغضبٍ ينوي الخروج، لكنّ صوتَ سلمان جاءَ ساخرًا منعهُ من إكمـال خروجِه : غبـــي !!!
توقّف لثانيتين فقط، ومن ثمّ ابتسم بغيظٍ وهو يـكمل خطواته.
سلمان ببرود : عقلك متلحف بكومـات الغضب لين ما صرت كتلة غبـاء تمشي .. شايف قد أيش العصبية والانفعـال يأثّرون في الشخص؟ المرجلة ماهي بالعصبية والانفعالات يا سلطان!
شدّ على شفتهِ السُفلى بأسنانِه وهو يبتعدُ ولا يُبـالي بكلماتِه، نصيحته التي قالها لهُ أوّل مرةٍ قبل سنين طوال وفي مكتبةِ والده . . خـرج دون أن يُبـالي بتفسيراتِ ذلك الهجوم، دون أن يخـاف من فكرةِ أن يُقتـل الآن ما إن يخرج.
بينما نظـر عناد لـِسلمان عاقدًا حاجبيه وهو يلفُظ بحدة : وقّفه ! لو صـار له شيء أنت السبب!!
تراجعَ سلمان بظهرهِ للخلفِ وهو يُغمضُ عينيه ويتنهّد ببرود، وبنبرةٍ هادئـة : ماراح يصير له شيء .. الهجوم كان قاصدني أنا ، وشكلهم أول ما شافوا ظلّه من ورى النافذة خلطوا بينه وبيني ... ماراح يصير له شيء.
عنـاد يعقدُ حاجبيه : الرازن؟!
فتحَ سلمان عينيه لينظُر لهُ بحدة، وبتحذير : عناد انقلع من وجهـي وبطّل تدخّـل نفسك بأشياء ما تخصّك!!
ابتسم عناد باستفزاز : المرجلة ماهي بالعصبية والانفعالات يا عمي.
سلمان بنظرةٍ جـامدة مدّ يدهُ بهاتف سلطان إليه : سلّمه له ، وتقدر تتفضّل الحين.
ضحكَ رغمًا عنـه وهو يتناول الهاتف ومن ثمّ يتحرّك حتى يخرج، بينما دلّك سلمان رأسه بإجهـادٍ وهو يرمي شماغهُ جانبًا.
،
عـاد للفنـدق بعد صـلاة الظهـر بدقائِق، كـان يحملُ معهُ الغـداء، معدتـهُ ملتاعـة، لا يشعُر بالرغبة في الأكـل لكن لأجلها سيولّف هذه اللا رغبـة بعيدًا.
دخـل وهو يزفُر، مُلتـاعٌ لأجلِه ، لأجلِ الحُرقة التي يراها في عينيه ويُكابـر محاولًا إطفاءها، لا يدري كيف لعائلـةٍ أن تنبذَ أحدها في ظرفِ حقد أو لا يدري ماهيّة الدافـع الذي يجعلهُ يفعلها!!
هزّ رأسه قليلًا وهو يُتمتمُ بضيق : ناس حقيرة !
مرّر عينيه في الصـالة ليجدها خاليـةً منها، مرّر لسانه على شفتيه ومن ثمّ تحرّك لأقـرب طاولةٍ ليضعَ الغداءَ على سطحِه ومن ثمّ اتّجـه لغرفـة النومِ وخطواتهُ الهادئـة لم تجعلها تنتبه له، وقفَ أمـام البابِ المفتوح، وابتسمَ تلقائيًا، هذه الابتسامة التي تلاشَى معها ضيقه، تلاشَت غيُوم المشاعر السلبيّة وانقشعَت . . كـانت منبطحةٌ على بطنِها وأمامها أوراقٌ تدرسُ منها، شعرها القصيرُ يُصدر فوضويّةً حول ملامحها الجميلـة، ترتدي قميصًا بيتيًّا طويلًا ارتفعَ إلى ركبتيها، صوتُها يُصدر من حنجرتها متذمّرًا وهي تحرّك قلم الرصاصِ على الورقِ لتنثر شخابيطَ مُستاءة : أنــا .. الين .. آخر عمري أحمل! أرسب يا ربييييييي .. حسبي الله على ابليس وعلى عقلي وعلى درامتي اللي مال أمّها داعي.
ضمّت فمها بضيقٍ وهي تُتمتم بصوتٍ لم يسمعه : كله منّه هو .. من دخـل حياتي وأنا من مأساة للثانية.
رمَت قلم الرصـاص جانبًا وهي تتأفأفُ بينما اتّسعت ابتسامتهُ هو بمكرٍ وأقدامه تتحرّك ببطءِ الأسدِ المـاكرِ إليها، صرخَت بذعرٍ ما إن شعرت بظلٍّ يعتليها ، نظرت نحوهُ لتشهقَ بقوّةٍ وتجلسَ مباشرةً وهي تُخفض قميصها المُرتفعَ وتضعُ كفِها على صدرها . .
أدهم بخيبة : ما ضبطت.
احمرّ وجهها بشدّةٍ وهي تشتّت عينيها يمينًا ويسارًا وشفتيها فاغرتينِ تجتذبُ من بينهما الهواءَ البارد، وبصوتٍ مُرتجِف : م ما ضبط أيش ! وش كنت ناوي تسوّي؟
أدهم يُميل رأسهُ وهو يبتسمُ بمكر، يرفعُ حاجبهُ الأيمن ويلفظ : كنت ناوي أخوّفك بطريقة أرقى من كِذا.
نظَرت لهُ بصدمةٍ حادة : ناوي تخوّفني!!!
أدهم ببساطة : أيه.
أرادت في هذهِ اللحظة أن تتحرّك وتصرخ بغضبٍ في وجههِ من تفكيرهِ السـاذج، لكنّه لم يسمح لها وهو يندفعُ إليها بسؤالٍ فاجئها : رسبتي؟
اتّسعت عيناها وانفرجَت شفاهُها أكثر ليقرأ على ملامحها الرفضَ الواضـح لكونِه علم، اتّسعت ابتسامتهُ وهو يجلسُ على طرفِ السرير لتنتفضَ وتتراجع للخلفِ بذعر، بينما لفظَ هو بهدوءٍ متجاهلًا حركتها : عادي ليه تناظريني بهالشكل؟ آخرتها كنت بدرِي.
صدّت وجهها عنهُ بحرجٍ وهي تزفُر بحرارة، بينما ضحكَ بخفّةٍ وهو يُردف : كسلانة !
إلين تنظُر بحدةٍ نحوه : بركاتك.
ارتفعَ حاجبيه باستغرابٍ واختفَت بسمتهُ وهو يهتف بتساؤل : بركاتي!! أنا شسويت؟
إلين بكره : طلعت لي بوقت غلط! قلبت حياتِي وأهملت كل شيء كنت أحبّه قبـل .. كرهت كل شيء أصلًا!!
تنهّد بجزعٍ وهو يُغمضُ عينيه ويصمتُ لبعض الوقتِ وأنفاسهُ اعتلت فجأةً بانفعـال، لم يلفظ بشيءٍ وترك الردّ حتى لا يجعلها تنفعلُ أكثر، بينمـا تحرّكت هي بقهرٍ وكفوفها تمتدُّ للكتاب كي تحملهُ وتبتعد، لامست الأرضيّة الباردة بقدميها الحافيتين، وابتسمَت بتحدي وهي تستديرُ نحوه، وبنبرةٍ حاقـدة : ولعلمك .. ترى مالك تأثير على مزاجِي هالكثر ، لا تظن إنّي أحـرم نفسي من الأكل عشانك .. هه! هذا اللي ناقص بعد.
استدارَت لتغيبَ عيناها عن ابتسامتِه التي توافقَت مع الوقتِ الذي فتحَ فيها عيناهُ ونظر لظهرهَا، كـان في الصبـاح يُريد استفزازها فقط حتـى تأكُل ، ويبدو أنّه قد نجح.
هتفَ بهدوءٍ وهو يراها تضعُ محاضراتِها على الطاولـة : أجل جبت ويّاي الغداء .. حضّريه لين ما أتروش . .
نظرت نحوهُ وهي ترفعُ أحد حاجبيها : وكأنّك شايل همي أكلت أو لا!
أدهم يبتسمُ بحُب : فوق ما تتصوّرين.
إلين باستفزاز : جزاك الله خير.
أدهم : جزاك الله حبـي.
بهتت ملامحهـا لتلتمعَ عيناه بمراقبتها ، شتّت أحداقها وهي تبتلعُ ريقها وتُشيح بوجهها جانبًا، تابعها باستمتـاعٍ لذيذ، تضعُ بربكتها كفّها على عُنقهَا الطويل، تعقدُ حاجبيها وتفتحُ فمها حتى تردّ لكنها تعُود لتغلقهُ وكأنّ الكلماتَ صعدَت لما بين حاجبيها وتعجّنت بين طبقاتِ الجلدِ التي استاءَت من حرجِ الصمتِ وتعانقَ سطحُها ، أرادت في هذهِ اللحظـة أن تنطُق بحدّة كلمـاتِها بـ " تحلم "، أن تجزم باستحالـة ما يريد، لكنّها صمتت، لم تستطِع أن تنطُق بشيءٍ بينما وقفَ أدهـم بابتسامةٍ وهو يهتف : جوعـان .. استعجلي علينا شوي.
يُتبــع . .
|