كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية
اشتقنـا عاد لهالسطور اللي فوق :P وعشان شوقنا جارف إن شاء الله تكون نتيجة العودة مُمتعة وجميلة ، المواقف طوييييلة ، طوييييلة جدًا على غير العادة ، مدري ليه أفضل القصيرة أو المتوسطة :( بس هالمرة استمتعت أكثر بالطويل مع إنّي ما أعرف أمارس فيه الصبر، لازم أقطعه وأرجع له بعدين مدري ليه :$ بس هالمرة اختلف الوضع.
يلا ما نكثر عليكم كلام .. البارت إهداء لمتابعتي وصديقتي الغالية شهد ( رماد الشوق/طعون ) بمناسبة المولود الجديد زوج بنتي مستقبلًا لووووول .. بعَد عيب ما ترضى ببنتي الجميلة خلوكم شاهدين :P
بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !
لا تهليكم عن العبادات
يحكون في بلادنا
يحكون في شجن
عن صاحبي الذي مضى
و عاد في كفن
ما قال حين زغردت خطاه خلف الباب
لأمه : الوداع !
ما قال للأحباب... للأصحاب :
موعدنا غدا !
و لم يضع رسالة ...كعادة المسافرين
تقول إني عائد... و تسكت الظنون
و لم يخط كلمة...
تضيء ليل أمه التي...
تخاطب السماء و الأشياء ،
تقول : يا وسادة السرير!
يا حقيبة الثياب!
يا ليل ! يا نجوم ! يا إله! يا سحاب ! :
أما رأيتم شاردا... عيناه نجمتان ؟
يداه سلتان من ريحان
و صدره و سادة النجوم و القمر
و شعره أرجوحة للريح و الزهر !
أما رأيتم شاردا
مسافرا لا يحسن السفر!
راح بلا زوادة ، من يطعم الفتى
إن جاع في طريقه ؟
من يرحم الغريب ؟
قلبي عليه من غوائل الدروب !
قلبي عليك يا فتى... يا ولداه!
قولوا لها ، يا ليل ! يا نجوم !
يا دروب ! يا سحاب !
قولوا لها : لن تحملي الجواب
فالجرح فوق الدمع ...فوق الحزن و العذاب !لن تحملي... لن تصبري كثيرا
لأنه ...
لأنه مات ، و لم يزل صغيرا !
* محمود درويش
(73)*3
" متى بيرجع أبونا؟ "
ينظُر لهُ ويبتسم، بعينينِ التمعَ فيهما حُزن الإدراك بالرغم من قُصر السنواتِ بينهما، لم يكُن كبيرًا جدًا ، لكنّه كان كبيرًا على أن يحزن بأريحية، كـان كبيرًا على أن يبكِي، لأنّه الابن البكر، كـان يجبُ أن يكون أشدّ وطأةً من الحُزن، كـان حزينًا، لكنّ حُزنه بارٌّ بالثبـات.
يضعُ كفّه على كتفِه، تتّسع ابتسامتهُ بحزنٍ وهو يتابع عيني أخيـه الأصغر، ليهمسَ بأسـى وحزنٍ وهو لا يزال يحتفظُ بابتسامته : اللي ربي ياخذه ما يرجع !
اللي ربــي ياخــذه ما يـــرجــع
كان يكرّرها كثيرًا ، كثيرًا على مسامعه حتى جعلهُ يفهم صيغة الموتِ بشكل صحيح ، الموتُ حين يأخذ منّا من نحبّ لا يُعيدهم ، لذا لم يكُن يُريد أن يتعامـل مع عقل شاهين بفكرة الأمـل، أن يردّ عليه " راجع قريب " حتى يُخرس أسئلته، لم يعترفْ بهذهِ الطريقة لأنّه يدرك أنّ العقول تختلف، أن بعضها سيُصيبها الإرهـاق إن غرقَ في الأمل، لذا كـان كلّما سأله شاهين : متى بيرجع أبونا؟
يردّ عليه : اللي ربّي ياخذه ما يرجع يا شاهين !
وبالرغمِ من كونِ ملامحِ شاهين تتغضّن بانزعاجٍ من ذلك الرد، يعقدُ حاجبيه، يلوي فمهُ بغضبٍ ليهتف أخيرًا بحدة : امي قالت بيرجع يعني بيرجع! ماراح يطول بسفره.
لكنّه كان يردّ عليه بلوعـةِ الموتِ الذي يختطفُ الأرواح الغالية على الأرواح الحيّة، بلوعةِ الفقدِ والثباتِ المفروض عليهِ فرضًا : اللي ربّي ياخذه ما يرجع يا شاهين! الموت رحلـة سفر مالها إياب!
هل ضِمن تلك المعاني التي لا تعود " الصوت "؟ لم تخبرني! لم تفصّل ذلك تفصيلًا، لم تقُل لي إن كـان الصوتُ أيضًا لا يعود! قلت " اللي ربي ياخذه "، هل يأخذ الصوتَ مع الرُوح؟ ليتكَ لم تمُت قبل أن تعلّمني ما الذي يؤخذ وما الذي يبقى ممّن نحب!
" شاهين "
ظلّ الصوتُ يتكرر ، والاسمُ فوقَهُ يتكرر، شقّ الصرير الذي كـان يسمعه، الضجيج ، وارتحـل إلى قلبـه مباشـرة ، استندَ عليْه ، ولو أنّه كـان شَبَهًا لما نبضَ قلبهُ بهذا الشكـل ، قلبهُ يعرفه، قلبهُ الدليل! إلى كلّ من يُحب ، تتشابهُ الوجوه ربّمـا ، ويمرُّ عابـرٌ أمامك مستنسخًا وجهَ من تُحب، لكنّ قلبك يجمُد، يُخبرك أنّه آخـر .. تتشابهُ الوجوه، لكنّ الأصـوات تبقى محصورةً لأصحابِها فقط، الأصواتُ لا تُسرَق، لا تُستنسَخ، وتظلُّ دائمًا دليلًا، دليلًا على صاحبِها . .
رحلـة الجسدِ في هذهِ اللحظـاتِ ثارَت شمسُ سمائِها، قبضتهُ التي تشنّجت قبل سقوطِه، عينيه الغائبتين عن الرؤيـة السليمة ، ينظُر لأدهم وهو يشعُر أنّه يهوِي بصدمتِه، عقلهُ يفقد الأكسجين كما رئتيه، نبضاتُ قلبهِ تتسارعُ وهو يشعر أنّ الدُنيـا تدور، عقلهُ الميّت يريد أن يقُول أنّها لعبـة ، أنّهُ وهمٌ على الأقل! لم يكُن صوتَه، فالأمواتُ لا يعودون! الأمواتُ لا يعُودون يا قلبـي ، هوَ قـال ذلك ، لا يعودون!، لا ينادوننا ونسمعهم! الأمواتُ لا تُسمع أصواتهم .. ليسَ هو! فجسدهُ احتـرق، احترقَ وأثبتَ كُلُّ شيءٍ أنّه هوَ بعينِه، بكيتُه ، وبكتهُ امّنـا .. ليس هو، فدمُوع ذاك اليومِ حزنَت لأنّه مـات ، دموعُنا كانتْ صادقـةً في مُصابِها، فكيف قد يأتي؟ كيف قد يُسمع ويكون موتُه وهمًا؟!
استندَ على الطاولـة بثقلِ كفيه، يتشبّث بِها كي لا يسقُط جسده الذي ثقُل، غابَت عنهُ عينـا أدهم التي بهتت قليلًا وهو يرى ردّة فعلـه الغريبة ، غابَت عنهُ وهو يغرقُ في الضعفِ الذي وطأ على حُنجرتهِ فسُدّ الهواءُ عن الدخُول والخروج وليلـةُ العزاءِ تعودُ بعد أن اُستثيرت ذاكرته بذاك الصوتْ، الألـم والحسرة اللذين كـانا يقودَانِه لتكرار " أنا بكابوس وبصحى ألاقيه قُربي ، نايم ... متعب ما مات! "، كان يؤمن أنّه في كابُوس وأنّ متعب سيعُود أو قد عـاد من سفرهِ بينما كـان نائمًا، كان متعِب يُريد مفاجئته ، نعم! أراد مفاجئتي يومَ ذاك ولم يمُت، عـاد بينما كنتُ نائمًا أحلمُ بكوابيسِ احتراقـه، كنتُ أؤمنُ في حلمي أنّني سأستيقظُ فأجدهُ في المنزل، عـاد بعد أن أتمّ علاجـه السريّ، " متعب ما يموت قبلي "! ولكمْ صفعهُ الموتُ بعد أن اكتشفَ أنّه أخذهُ فعلًا.
لمَ أفكّر بذلك؟ لمَ أتذكّر حسرتِي؟ من قـال أنّ ذلك الصوتَ لمتعب؟ من قـال أنّه له؟ .. توقف يا قلبي عن النبض بهذا الشكل الجنوني ، ليسَ هو! ليس هو ولربّما أذناني المشتاقتين إليه تصنّعت صوتَه.
صوتُ الأمواتِ لا يُنسى، يبقى يعانقُ أسماعنا في ليالينا، صوتُ الأمواتِ من مقتنياتِنا التي حملها الميّت معهُ لكنّنا بدورنا حفظناها، لذا أنـا توهّمته، لأنّني فقط اشتقت، اشتقتُ إلى متعب ! إلى أخـي الذي ذهبَ قبلي.
كـان يقنعُ عقلهُ بذلك وجسدهُ الثقيل لم تستطِع أقدامهُ أن تحملهُ أكثـر، سقطَ على الأرضِ وهو يكرّر في عقله الشبهِ غائبٍ أنّه ليسَ هو ، فكيف للأمواتِ من عودة؟
وقفَ أدهم بصدمةٍ بعد أن سقطَ وهو يتحرّك دونَ استيعابٍ مبتعدًا عن مقعدِه، حملَ هاتفهُ المرميّ على الطاولة بعد أن سقطَ من يد شاهين وانحنى إليه بربكةٍ وهو يضعهُ على أذنهِ ليهتف بسرعة : بعدين بكلّمك.
متعب الذي استنكر غياب صوتِ شاهين لفترةٍ طويلة، لفظ بقلق : وش صار؟
أدهم : بعدين بعدين.
أغلق ومن ثمّ نظـر لهُ بربكةٍ ورجالٌ قد اقتربوا بعدَما لحظوا ما حدَث، كـان شاهين شبهَ واعي، يرفعُ أجفانهُ قيدَ شعرةٍ ومن ثمّ يسدلها بوهنٍ وأصواتُهم تتداخلُ في مسامِعه، يحرّك شفتيه بصعوبة، يريد أن يقُول شيئًا، يُريد أن يقول لهم بأنّه سمعَ صوتَه، بأنّه سمعَ صوتَ ميّتٍ حيٍّ في قلبـه، يُريد أن يخبر الجميع بأنّ الصوتَ الذي اشتاقهُ جـاء، لا يدري وهمًا أمْ لا ، لكنّه جـاء ! .. لم تُسعفهُ شفتاه، لم يسعفهُ لسانهُ ولا صوته، اختنقَ بالكلمات كما اختنقَ الأكسجين في حُنجرته ولم يستطِع الوصول لرئتيه.
سأل أحد الواقفين أدهم حيثُ أنّه كان الجالس معه، بظنّ أنه صديقه : مريض بشيء؟
أدهم بتشتت : لا ، ايه ، لا لا ما أدري.
رفعَ الرجُل حاجبه : أنت تعرفه؟ وش اسمه؟
أدهم : تقريبًا ، اسمه ليـ شاهين.
أبعد الرجُل عينيه عنه بعد أن رمقه باستغراب، ضرب خدّ شاهين وهو يهتفُ بصوتٍ حازم : تنفّس .. اهدأ .. خلّك هادي وتنفّس يا شاهين . .
وصَل صوتُه من بين معمعة الأصواتِ المتداخلـة، فغرَ شفاههُ الشاحبة يحاول التنفّس ودفع الأكسجينِ إلى رئتيه، بدأ يكرر في عقلهِ بأنّ ذلك لعبةً من أدهم، هنـاك خطأ، ولربّما كان يتوهّم وشعر فقط أن الصوت له!! مرّت لحظاتٌ وهو يحاول التنفّس بشكلٍ طبيعيٍّ وهو يكرر بأنّ متعب مات ، بأنّه ليسَ هو، كيف قد يعودُ وهو دُفنَ لثلاثِ سنين؟ الأمواتُ لا يعودون، ولو أنّ لهم كرّةً في الدنيـا لما بكيناهم، لما أقمنا عليهم العزاء وانتظرنا عودتهُم.
كرّر على عقله بأنّ الصوتَ ليسَ صوته، أقنـع نفسهُ بذلكَ حتى هدأت انفعالاتُ جسدهِ رويدًا رويدًا، نبضاتُ قلبهِ تباطأت، فورانُ دمهِ هدأ، شعر أن كيميائيّة جسدهِ تعود تدريجيًا، تلاشَت الغشاوةُ عن أحداقـه وظهرت الوجوهُ ومن بينِها وجهُ أدهم الملوّث بالكدمـات والذي كان يطغى عليهِ الاستغراب وذرةٌ من القلق .. شهقَ بقوّةٍ وهو يجلُس ومن ثمّ يدخُل في نوبةِ سُعالٍ حادةٍ لم يتجاوزها سريعًا وهو يسمعُ الأصوات التي تداخلَت بين " سلامتك، ما تشوف شر "، ولا يجدُ في حنجرتهِ ردًّا سوى السعـال، بينمـا وقف أدهم بجمودٍ وصمتٍ ينظُر لهُ دون أن تظهر على ملامحهِ ردّاتُ فعلٍ واضحة، ارتفعَت أحداقُ شاهين بإرهاقٍ عاطفيٍّ إليه ووجههُ محمرٌّ بينما شفتيه شاحبتـان، يرمقهُ بحقدٍ يلتحمُ بالألـم وهو يشعر أنّ تلك اللعبـة التي لا يدري كيفَ حاكهـا استنفدت قوّته ونفذَت إلى أعماقِ ضعفهِ لينقشعَ عنها جدارُها، وقفَ بصعوبةٍ بمساعدةِ أحد الواقفين وأنظـارهُ لازالت معلّقةً بأدهـم، اتّكئ بكفهِ على الطاولـة في حينِ نظر الذي حادثَ أدهم قبل قليـل لأدهم ليهتف : خذه للمستشفى ، بالسلامة.
شاهين يستندُ بكفّه الأخرى على الطاولـة وعينيه المعلقتين بأدهم لم تنحصر عنه، وببحّةٍ تحررت بها حُنجرته من غصّة صمتها : ما يحتاج أنا بخير.
جلسَ على الكرسيّ بضعفٍ مقيتٍ هزّ جسدهُ وغابَ صوتُ الرجُل عن أذنه حتى حيّاه برسميّةٍ وذهب، أفرد ذراعه على سطحِ الطاولـة ومن ثمّ وضعَ رأسه عليها وهو يتنفّس بضيق، أشـاح نظراته أخيرًا عن أدهم الذي كان جامدًا عدا من التواءةٍ ساخرةٍ من فمِه، لم يتحدّث وهو يجلسُ ببرودٍ وكأنّ شيئًا لم يكُن، غابَ صوتُه للحظـاتٍ وهو يتابعهُ بعينيه بينما شاهين يخفي وجههُ عنهُ بضعفٍ واضحٍ لم يحاول إخفاءه، انقضَت اللحظـات لتنتهي باتّسـاع ابتسامتهِ الساخرة ومن ثمّ صوته البارد الذي حمَل نبرةً مزدرئهً بشدة : هاه صرت بخير؟ نكمل؟!!
عقدَ شاهين حاجبيه، وارتفعَ رأسه ببطءٍ صامتٍ بينما النيرانُ تعانقُ جسدهُ وأحداقهُ التي صوّبها إليه بحقدٍ وكرهٍ وهو يشدّ على أسنـانه كأسدٍ يستعدُّ للانقضاض على ضبعٍ حقير! وقفَ فجأةً بحدةٍ ليتراجع الكرسيّ مصدرًا صوتًا حادًا، بقيَ ينظُر لابتسامته الساخـرة بغضبٍ ناريٍّ قبل أن يتحرك بحدةٍ ويبتعد عنهُ كي يخرجَ من المطعم قبل أن ينقضّ عليه بهذهِ الحـالة، بجسده الذي لم يكُن في أوجِ قوّته، بينما تابعهُ أدهم بابتسامةٍ مزدرئةٍ حتى اختفى من عينيه، رفـع هاتفهُ ببطءٍ كي يتّصل بمتعب الذي ردّ عليه مباشرةً بقلق : وش صـار.
أدهم بنبرةٍ بـاردة : طلع معصّب ، استفزّه الواقع!
غـادر، أفرغ الغضبَ في قيادةٍ هوجاء ويديه تنتفضان وهو يهزّ رأسه بالنفي، لا يُمكن أن يكون صوته! لا يمكن!! وهم ، خيـال ، لعبة ، كيف ذلك وقلبهُ يكادُ ينفجر بعد أن عاد للتسـارع؟ أيّ لعبةٍ حقيرةٍ يلعبها أدهم؟ أي أسلوبٍ وضيعٍ يُمارس!!!
وصَل للمنزلِ في وقتٍ زمنيٍّ قصير نظرًا لقيادتِه، ترجّل عن السيـارة وأطرافهُ تنتفضُ بينما أحداقهُ تمارسُ رعشـةَ شوقٍ مُرتبك! لوعـة فقدٍ مُتزعزِع لأنّ صوتًا بُعِث .. ربّما الشوقُ يبعثُ جزءً من روح، صوتٌ أو ضحكةٌ عابـرة، كيف ارتعشَ جسدهُ لمسمعِ صوتِه؟ هوَ صوته! أو شبيه !!! ... عـاد لنقطةِ التفكير في كونِه صوته، تعرقُلُ قلبهِ هزّ هيبـة الموتِ الذي لا يُعيد من أخـذ، أنفاسـه عادت تضيقُ وهو يُطرق بجنونٍ ويشدُّ قبضتيه ووجههُ يحمرُّ اختناقًا ، بأيّ جرأةٍ يُشابـه صوته؟ بأيّ جرأةٍ وقِحَة يلعبُون معهُ لعبةً تعودُ لأخـيه، لمتعب! .. آآآه ! . . رفعَ أحداقه للسماءِ السوداءِ وهو يتركُ لعينيه المعتمتين أن تلتمعا بحُمرةِ الملحِ ويغصَّ حزنهِ في محجرهِ دون أن يُطلَق، ارتعشَ لسانهُ والتوى بألمٍ وهو يلفظُ باختناقٍ وتعرقلٍ بنبرةٍ ميّتـة : تجرّأوا عليك وأنت عند ربّي وربّك .. شلون؟ شلون ينبعث صوت الأموات؟ شلون أسمع نبرتك وأنت تحت التراب؟ ليه قلبي ودّه يصارخ للعالـم كلّه الحين وكأنّه صدّق المهزلـة اللي صارت ... اللي ربي ياخذه ما يرجع يا متعب، قلتها لي صح؟ شلون يرجع صوتك؟ صوتك اللي مستحيل يصير له شبَه، وجهك اللي ماله تسعة وثلاثين وجود! مافيه متعب ثاني، شلون؟ ... شلون يتجرّأون؟
أخفضَ رأسهُ بهوانٍ وهو يقبضُ كفوفه المرتعشـة أكثر، يُردفُ بحزن : نحب الاموات .. بس ما يصير هالشّوق! اللي يخليني أسمعك وأنت منهم!
تحرّك بساقينِ تضبّب تكوينهما القاسي وشعر أنّهما باتا دخانًا ملتهبًا يكادُ يتبعثر، دخـل المنزل وهو يتنفّس بصعوبَة، عقلهُ اللا واعي يتمنّى عدمَ تواجدُ امّه كي لا ينهـار في أحضانها ويفضحُ حزنه وكلّ ما حدث، لم تكُن موجودة، من رحمةِ اللهِ لم تكُن في نطـاق عينيه .. اتّجه للدرجِ مباشرةً ليصعدَ وهو يُقاومُ حالـة الأغمـاء التي تريد أن تعاوده، الدوارُ هجمَ على وعيـه، ترنّح ليصتدمَ بالجدارِ قُرب غرفتهِ ليتّكئ بكتفهِ عليهِ ويغمض عينيه بقوّةٍ لتمرّ الدقائقُ تباعًا إلى خمس، إلى عشرٍ ربّما .. لا يدري كم بقيَ واقفًا وهو يُغمض عينيه بشدّةٍ وجسدهُ الفارغ يكادُ يسقُط ولا يعلمُ كيف لم يحدث ذلك حتّى الآن ... رأى متعب الميّت .. شعر أنّه يعُود ليومِ العـزاء، أو لمـا قبل بيوم! حين اتُّصِل بهِ من ميونخ ، اليومُ الذي علِم فيه أنّ الفندقَ الذي كان يقطنُ فيه أخيه احترق، اندلع حريقٌ من غرفتـهِ ليشقَّ معظم الطابـق الذي فيـه ، كان ذلك اليوم يحاول أن يتّصل بهِ كثيرًا، قلبهُ الذي كان يتألّم تلقائيًا وكأنّه يدرك أنّ متعب في خطر ، أنّ هنـاك ما سيحدثُ له، يتّصل بهِ ولم يرد ... لم يرد! لم يسمع صوتَه ، لم يسمعهُ قبل أن يموت فكيف يحدثُ ذلك بعد موتِه؟
قـالوا لهُ وجدنـا جثّة أخيك متفحّمةً في شقّتـه ، قـالوا لم نجيء قبل أن يفُوت الأوان ، قـالوا مــات .. كيفَ مات؟ وهو شغفَ بالعـودة متخلّصًا من سمُومه ولكي يجتمعَ بمن أحبّها ، يؤخر زواجـه في كلّ مرةٍ بغموضٍ ودون تفسيـرٍ لأنّه لم يُرِد أن يجتمع بأسيـل ودمهُ مريض.
قـالوا مات ، كيف مات؟ لم يصِل للأربعيـنَ حتّى ، لازال صغيرًا! .. كيفَ مات؟ وشبـابهُ لازال وليدًا، كيفَ مات؟ وحياته لم تبتدِئ بعد، لم يُصبـح أبًا بعد، لم يُصبح عمًا ، ولا جدًّا! كيفَ مـات؟ وأوراقهُ لازالت ربيعيّةً خضـراء لم تجفّ خريفًا، سماؤهُ لازال صحوةً لم تغلّفه غيومٌ ولا ضبـاب، أرضهُ لازالت خصبةً لم يمسّها قحط.
قــالوا مات .. يا الله كيف مات! ردّوا بأنه احتـرق .. هذا فقط!
عـاد ليومِ العـزاء، بعد أن ثُبِت بأنّه هو متعب ، وبكـاهُ وبكَى أخوّتهما ، بكـى علاقتهما التي غابَ نصفُ ضوئِها، بل غابَ كلّها وغابَ ضوءُ حيـاته ، حزينةٌ كانت تلك الليلـة .. ما أقساها! حزينٌ نواحُ النسـاء، امّه ، وبكـاءُ قلبـه .. حزينةٌ تلك السمـاء، يذكُر أنّ الفصلَ كان شتاءً باردًا، كـان الجوُّ باردًا، لكنّها لم تُمطر وكأنّ عينَ السمـاءِ رأت أن البكـاء لا يكفِي لشرحِ الحُزن.
تشنّج جسدهُ وهو ينحني للأمـام قليلًا ، ثقُل وهو يفغرُ شفتيه ويتنفّس بصعوبـة، الجدارُ تموّج ، شعر أنّه أصبَح مجوّفًا يكادُ أن يبتلعـه ، لكنّ الصوتَ الأنثويّ أعـاد ثبات الجدارِ وكأنّه لم يُرِد لجريمتهِ أن تُرى أمـامها : شاهين !!
لفظتها أسيل بقلقٍ وهي تقتربُ منه بخطواتٍ واسعـةٍ حتى وقفت أمامه ووضعت كفيها على كتفيه، رفعَ رأسه وهو يفتحُ عينيه بحُزن، ينظُر لها بعيونٍ حمـراءَ التهبَت بالملوحةِ المتحجّرة في محاجـره، لم يردّ على ندائها القلق بينما لم تنتظر هي منهُ كلمة وهي تلفظُ بهلع : وجهك أحمر ! شفيك تتنفّس كذا؟!
رمشَ بعينيه ببطءٍ وهو يزفُر زفرةً حـارةً متحشرجة، أمسكَت بكفّه حين وجدت منه الصمت ومن ثمّ سحبته إلى بابِ جناحهما، فتحت الباب ودخلت وهو يمشي خلفها بجسدٍ واهٍ، استدارَت ما إن دخـلا، نظرت لوجههِ بقلقٍ لتُردف : شاهـين .. وش صاير ليه وجهك مقلوب كذا؟
أشاح شاهين نظراته عنها وهو يُقرئ على نفسه الثبـات ويحث عقله على استيعـاب لعبة أدهـم الجديدة، لكنّه لم يستطع، الصوتُ الذي سمعه استثـار كل نقاطِ الشوقِ في جسده، في مشاعره، ألهبَ عينيه وصدرَه، فارَ بهِ دمُه، استفزّ الأكسجين ليهربُ عنـه ، وكتب على جسدهِ الرعشـة .. دونَ شعورٍ منـه سحبها إليه من معصمها ليعانقها بقوّةٍ كـادت تحطّم عظامـها وهو يسندُ جبينه على كتفهَا ويترك للحُزن أن يسقطَ في احتـواءٍ جـاء سريعًا منـها، لفّت ذراعيها حول خصرهِ وهي تفغرُ شفتيها دون استيعابٍ لمـا يحدثُ له، لأوّل مرةٍ تراهُ بهذهِ الحـالة، لأوّل مرةٍ ترى في عناقهِ حُزنًا مريرًا يريد منها تخفيفهُ عنـه ... لم تنطُق بشيءٍ وهي ترفعُ إحدى يديها لتتخلخل بها شعرهُ وتمسحُ عليه بصمت، بينما لفظَ صوتُه ببحّةٍ مريرةٍ وهو يشدُّ عليها أكثـر بألـم : ألا يا ليت للميت من رجُوع ! مرّة وحدة أشوف فيها عيونه وأكحـل ناظري ... مرّة وحدة بس أسمـع صوتَه، صوتَه الحقيقي ماهو الوهم! بعدها والله بطمع! بطمع يظل من عـالم الأحيـاء !! أشوفه للأبد، أسمعه للأبـد ، أحضنه للأبد ! مين ما يطمع يرجعون؟
ارتعشَت شفاهها بقوّةٍ وذراعيها ترتخي قليلًا، أحداقها بهتت بينما أكمل شاهين بأسـى : والله المُوت قاسي ، يوجع حييييييل لما يختار أغلى الناس على قلوبنا!
لم تنطُق بشيءٍ ومساماتها تتشرّب كلماتهِ لتُتخمَ بحُزنٍ يشاطـر حزنه ، لتُتخم بذكرى الذي يقصد ، لم تكُن غبية .. كانت كلّ كلمـاته واضحةً من تقصـد، نفس الشخص يشتاقانِه، نفس الشخصِ يزرع فيهما الآن حزنًا ذو معنًا واحـد ، متعب .. أتعبهما في الشوق! ميّتّ يحيـا بهيمنةٍ في صدرِهما.
عضّ شاهين شفتهُ السُفلى وهو يستدُ ذقنه على كتفها لينظُر للجدرانِ بفراغ ، قبل أن يهمسَ بنبرةٍ جفّت ومـاتت وتكفّنَت بأمنياتِه المستحيلة : عشـان هالأمنيـة، لجل يرجع ، أبيع كل شيء بعُمري ... بس حرام ! لا حول ولا قوة الا بالله ، اللهم لا اعتراض ، اللهم لا اعتراض !!
،
انسحَب الهـواءُ من هذهِ المدينةِ الموبوءةِ بالفقـد، غـاب النـاسُ عن نِطاق عينيها، وتيبّست اللحظـات ، الخطواتُ في قدميْها ، اللمعان في أحداقِها ... لم تعُد ترى سواهُ وهو يقفُ حاملًا ليـان بإحدى ذراعيه وكفّه الأخـرى تمتدُّ ليُشربها من عصِيرها وهو يضحكُ بملءِ الحيـاة في ملامحه ، كانت ترى الحيـاة بسعادتها فيه! خدعتها عيناها في تلك اللحظـة ... هو يحيـا وحياتُه لم تُنتقصْ بدُونها، يحيــا ! ما أقوَاها من كلمـة، وهي التي ماجَت بها رسـالتهُ الأخيرةُ ما بينَ بكاءِ خيبةٍ وغيرة وبكـاء شوقٍ جـرفَ الأسهم المسمومةَ لقلبـها ... خدعتها عينـاها ولم ترى في ملامحه ما فِيها ، ما يشعُر بِه ...
شعرت أنّ الأرض تكفكفُ بعضها بعضًا بالتواءاتٍ جعلتها تميلُ بترنحٍ واهٍ ولم تعُد ترى أُنـاسًا سواه، لم تعُد ترى سوى ملامحهِ التي تضحَك .. حتى ليـان غابَت عن عينيها، وبقيَت هي تتابعهُ بعيونٍ غصّ في مجحرّها الدمـع . . ارتبكَت أرجوان وهي تراها تنظُر لفواز دون أن تحيد عنه ، تنفّست بربكةٍ لا تدري ماذا تفعل ، شتت نظراتها وحرّكت رأسها بتخبّطٍ في اللحظـة التي نظر فيها فواز إليها هاتفًا بابتسامة : مو كأنّه لسانها كل ما كبرت .. طال !
تباطأت حروفهُ أخيرًا وهو يرى حركة رأسها حتى ثبتت عيناها أخيرًا على نقطةٍ مـا، عقدَ حاجبيه ووجّه أحداقهُ بسرعةٍ حيثُ تنظُر ... أجفـل الوقت، وملامحـه، وملامحُ عينيه، أجفـلت أسطُحِ برودةٍ هشّةٍ متصدّعةٍ على ملامحـه ، وتساقـط قنـاع اللامبـالاةِ على وجههِ وهو يراهـا بعد أيامٍ وأسابيع وأشهـر .. يرى ملامحها البيضاء التي احمرّت أمامـه الآن، ولأنّه يدركها أكثر مما تدرك نفسـها .. كانت على وشكِ البُكاء! وجهها يفضحها لعينيه وإن لم تُظهر ذلك سيقرأُ رعشات أحداقها وأهدابها بسهولة.
لم يتحرّك ، وبقيَ ينظُر لها بصمتٍ وتنظُر له، أصبح الجسـر اللاحمِ بينهما - نظـرات - وكلُّ اللغـات كاذبةٌ عدا لغـة العيون، أيّ نرجسيةٍ امتلكها في تلك اللحظـة وأيّ ساديةٍ تملّكته وهو يشعُر بقلبهِ يمتلئ رضـا بنظراتها - الحزينة! أيّ لؤمٍ خلقتـه فيه حتى تمكّن من شوقِه لهـا؟ لم يكُن شوقه جارفًا كامتلائِه بالرضـا، هذا الشوقُ كيفَ جعلتِهِ يمرضُ بسببك؟ كيف تمكّنتِ من تشويه حبي لك؟ كيف تمكّنتِ بكل برودٍ من إغـراقنا في أمواجِ السخطِ والغضبِ من نفسي لأنّني أرضـا بألمك! وأنا الذي لم أكُن أرضا .. أبدًا، فما الذي فعلتهِ بي حتى جعلتنِي بهذهِ الساديّة المقيتة؟
عقدَ حاجبيهِ وهو يصدُّ بضيق، وكانت تلك الحركـة كافيةً حتى تشعر بأنّ جسدها يهوي وأنّ الفـراغَ يحجزُ امتلاءها بِه . . أخفضَ فوّاز ليـان بجمودٍ ومن ثمّ مد يدهُ بالعصير لها وهو يلفظُ بهدوءٍ زائف : بشوفك مع بابا بكرا .. طيب؟
هزّت ليان رأسها بالإيجاب وهي تضعُ المصاص في فمهَا وتشرب، ابتسمَ بينما تحرّكت يدُ أرجوان بهوانٍ وقد كانت مُدركةً للنظراتِ بينهما والتعبيراتِ القاسيـة منه، أمسكَت بليان وهي تلفظُ بنبرةٍ مرتبكـة : مع السلامة فواز.
فواز بهدوءٍ ينظُر لها ويتجاهلُ وقوف جيهان على بُعدِ خطواتٍ منهما : فمان الله.
تحرّكت بتوترٍ باتّجـاه جيهان وهي تنظُر للأسفل، وقفَت أمامها بينما دسّ فواز كفيْه ووقف يتابعهم بصمت، لا يدري لمَ لم يمضي، أراد البقـاء، أراد أن يُصبّر شوقهُ وإن امتلأ بصفةِ الرضـا / المقيتة!
لفظَت أرجوان بنبرةٍ متوترةٍ متألمةٍ لأجلهـا : يلا نرجع البيت.
لم تردّ جيهان لبعض الوقت وبقيَت صامتةً دون أن تحيد بنظراتها عن عينيه التي تنظُر نحوهما مباشـرة .. عقدَت أرجوان حاجبيها بضيقٍ وهي ترفعُ نظراتها إليها لتزدردَ ريقها بعد أن أدركت أنها تنظُر نحوه، وبوجَعٍ لأجلها : جيهان خلينــ . .
قاطعتها جيهان بحدة : ماهو الحين!
صُدمت من ردّها، وبحيرة : وش قصدك؟
تحرّكت بتهورٍ لتتجاوزها ، شهقتْ أرجوان وهي تستديرُ متابعةً لها بعينيها وقد أدركت ما الجنونُ الذي تريد فعله، لفظَت بجزع : لحظة جيهــان . .
لكنّها تجاهلتها وهي تتابعُ سيرها إليه بينما بهتت ملامح فواز بصدمةٍ وهو يراه تقتربُ منه باندفاعٍ مجنون، لم يتحرّك ولم يتراجع وبالرغم من صدمتهِ لم تُغادره نظرة الثقةِ في عينيه.
وقفَت أمامهُ مباشرةً وهي تنظُر لعينيه بعينيها المحمرّتين من لذعةِ الملوحة، بوجهها المحمرّ وشفتيها المرتعشتين واللتين أصبحها لونهما قانٍ من كتمِها لبكائِها .. دائمًا ما تُصبح فاتنةً لعينيه حين تأتيها بوادرُ البُكـاء ، لا يُحبّ بكاءها، كان دائمًا لا يحب أن يراها تبكِي، لكنّه في المقابـل لا يستطِيع السيطرة على كونِه يُفتنُ بها حين تحمرّ ملامحها وشفتيها استعدادًا للبُكـاء.
لفظَت جيهان بحدةِ صوتِها المقهورِ والبحّـة تعانقهُ بشكلٍ كاد يُذيب قلبه العاشق : وش تحس فيه أنت ! تظن إنّك الوحيد اللي تقدر تقهر؟ إنّك الوحيدة اللي تقدر تكمّل حياتَك وتنساني؟ تظنّ إنّ حياتـي واقفة على بابَك؟!!
تابعها بنظراتٍ جامـدةٍ ومشاعـرهُ يسجنها خلفَ قضبان جمودهِ ولن يسمحَ بتحريرها أمامها أو السيطرةِ عليـه، لم ينطق بشيءٍ بينما أردفت هي من بين أسنانه بقهر : أقـدر أعيش من بعدك .. أقدر أكوّن لي محيط خاص ما ينتظرك عشان تقيسْ طول أحزاني فيه وتستبدلها بـفرح! منت مفتـاح سعادتي يا فواز .. منت النجمة اللي فوقها أحلامي وأحتاج أمسكها في ليل أسود ما ألاقي فيه هُدى غير نورك!
حرّكت فمها في ميلانٍ ساخرٍ للأسفلِ مع آخر كلماتها، سُخريتها كانت مغلّفةً بالألم ، مهما حـاولت جعلها ثابتةً لا مُباليةً بابتعـادهِ لا تقدِر .. هي أضعفُ منه، أضعفُ من أن تستطيع هذا الجمودَ القاتـل.
بقيَ ينظُر لها بصمتٍ بـاردٍ وكفيه لازالتا في جيبِ بنطـاله الجينز، يُتابعها بعينينِ لم تهتزّا لصوتِها، لنبرتها، لكلماتها التي أخبرته بوضوحٍ أنها ستُكمل حياتها من بعده .. أمـال رأسهُ قليلًا وهو يُميل فمهُ مثل ما فعلت بسخريةٍ كـانت أقسى، لم يكُن فيها ألـم، لم يكُن واهنًا مثلها وكأنّ فواز قد انشطـر عن الذي أمامها وجاءها آخر . . لفظَ بصوتٍ باردٍ ساخرٍ سخريةً لاذعـةً أرجفتها : أثبتِ لي .. إنّك تعنين كل كلامك اللي قلتيه تو!
ارتعشَت شفتيها وأهدابُها ثقلَت بدمعةٍ لم تتجاوزها وتسقُط، نظـرت لهُ بوهنٍ وانهيـارٍ بينما أردف ببرودٍ وهو ينظُر في عُمق عينيها بثقة : أنتظـر !
عضّت شفتها المرتعشـة، وازدردَت ريقها وهي تنظُر لعينيه بضعفٍ تشعُر أنّه يهزمهـا بثقةِ نظراتهِ بينما حبالها الصوتيّةُ هشّةٌ فكيف يكون صوتها ثابت؟ وكيف تكون كلماتها مُحاطةً بنبرةِ الثقـةِ وحُنجرتها ذاتُها تهتفُ باسمهِ في ليالٍ كثيرةٍ حتى أصبـح داءها ودواءها!
أخفضَت أحداقها باستسلام، حينها ابتسمَ بانتصـارٍ وهو يتركُ لضحكةٍ خافتةٍ أن تتسلّل من بين شفاهه، وبسخريةٍ لاذعـة : تقدرين تعيشين من بعدي؟
أغمضَت عينيها بأسـى .. ودمعتها التي توقّفت على أهدابها انزلقَت وسقطَت وهي تشدُّ قبضتيها جانبًا، وبنبرةِ ألـم : قلت لي في رسالتك الأخيـرة لو تبين تزوّجي ما عاد يهمني! تظن بنتظر إذنك؟
سمعتْ صوتَه يخرجُ من صدرهِ بوضوحٍ في تعبيرٍ ساخـرٍ " هه "، جعلتها تُدرك جيدًا أنّه لا يُبـالي، لم يعُد يبالي بها أبدًا، لم يعُد الرجُل ذاته الذي كـان يقول بأنّها ملكُه فقط، ليس ذلك الرجُل الذي حارب لأجلها!
مـال فوّاز بجزئه العلويّ نحوها للأمام وهو يبتسمُ ويلفظُ بثقةٍ عميـاء : ما أنتظرك تستأذينين أصلًا .. لأنّك بنفسك ما تقوين! أنتِ أضعف من إنك تحاولين تهزميني بهالطريقة ... أضعف من إنّك تكونين لاثنين.
فتحَت عينيها بصدمةٍ من ردّهِ لترفع رأسها إليهِ وتفغر فمها، وبذهولٍ حانق : تحرّم عليْ اللي حللته لنفسك؟
فواز يرفعُ إحدى حاجبيه : أحد حرّم عليك الزواج بغيري غير نفسك؟
جيهان بغضب : ليه واثق لهالدرجة؟
فواز بابتسامةٍ باردة : لأنّ الشوك عُمره ما تخلّى عن ورده .. بس الورد يعطي لقاحـه للي حوله .. عملية بيولوجية تشرح أقصى امكانياتك.
جيهان ببهوتٍ ووجهها يشحبُ أمامه : وأنا الشوك؟
فواز بسخرية : للأسف!
تقوّست شفاهُها بألمٍ وهي تغصّ بألمِها، التمعَت عيناها بدمعٍ كثيفٍ فوقَ ما كـان، لم تستطِع منعهُ من السقوط، لم تستطِع بعد هذا الألـم الذي ينجح في وخزِ خاصرتِها . . همسَت بغصّةٍ وكلماتها لم تستطِع منعها : متمسّك فيها أكثر من الشوك اللي هو جزء منك؟
فواز وقد أدرك جيدًا من تقصد ، كانت تقصدُ جنـان .. وصلتهُ الصورةُ واضحـة، ولم يتوانى أبدًا في محاولة إيلامها أكثر : متمسك فيها أكثر من تمسّكي فيك قبل . . النقـاء مطلب.
رفعَت كفّها لتغطّي فمها ويئنّ صدرها أمامه دون أن تستطِيع السيطرة على هذا الأنينِ المُخرسِ لسكونِها الكاذب ، وباختناق : يا قوّ قلبك!
فواز : قوّاه جراحك.
جيهان بغصّة : الشوك ما يجرح الورد!
فواز : فيه استثناءات خارجة عن المنطق .. وأنتِ منها للأسف، سويّتي الشيء اللي ظنيته مستحيل .. ما فكرت ولو للحظة إن جرحك لي ممكن يكون عن طريق امي وبهالطريقة! ولو للحظة !!
ازدردَت ريقها بألـم، لا تجدُ ردًا، لا تجدُ حجّةً لتُخرس قناعاتِه بها، قناعاتِه التي خلقتها هي في عقلـه .. بأيّ جُرأةٍ تستطِيعُ الحديثَ والردّ؟ بأيّ جرأةٍ وهي يُحيطها الخزيُ من كلّ جانِب! . . زمّت شفتيها بخزيٍ وهي تضمُّ كفيها وتفرك أصابعها حتى احمرّت .. فغَرت فمها تُريد قولَ شيءٍ مـا لم يظنّ لوهلةٍ أنّه سيسمعهُ منها، لكنّها أطبقَت فمها بضعفٍ وهي تُخفض رأسها، رمقهَا باحتقـارٍ ضجّ بخيبةٍ وألمٍ كبيرين ، ضجّ بخيبتهِ منها! وهذهِ الخيبةُ كافيةٌ حتى يصدّ وإن أراد قلبُه غيـر ذلك .. كافية!
أشاح عنها واستدارَ متحرّكًا ينوي الذهـاب، لكنّه لم يكَد يُكمل خطوتينِ حتى وصل إليه صوتُها خافتًا مترددًا : أنا آسفة!
وقفَ عاقدًا حاجبيه دون استيعابٍ وملامحهُ شرحَت تفاجئه بتصلّبها، أدار رأسهُ ببطءٍ إليها دونَ أن يُدير كامل جسده، اصتدمَ بعينيها التي تنظُر لهُ والدمُوعُ تغرسُ غيمَها فوقَ صفيحتها .. بقيَ ينظُر لها بصمتٍ للحظـات، وحين أفرجَ شفتيه وقد استطاعت قراءة السُخرية التي استكنَت في زوايا شفتيه بوضوحٍ قاطعتهُ باندفـاعٍ حـاد : ماهو عشانك .. ماهو لأنّي أبيك ترجعني! لا تهينني أكثـر .. لا تهينني!
أطبقَ شفتيه وتجمّدت ملامحه أكثـر وعينيه تُظلمان بصمتٍ قاتِل ، ارتعشَت كلماتها واهترأت نبرتها بعدَ أنْ حلّلتها البحةُ في تفاعلٍ خاسِر : لأنّي بس .. غلطت .. ما كان لازم أقول اللي قلتـه .. للحظة تخيّلت أحد يقولها لامي، كنت بذبحه وأشرب من دمه ... أنا آسفة، لأنّي ما فكرت بهالشيء من قبل.
ابتلعَت ريقها بغصّةٍ وهي تقوّس شفتيها وتلفظُ بألـم : المفروض أتجـاهل اللي صار قبـل ، في النهاية هي كُبر امي اللي ماتت .. المفروض أتجاهل حتى لو ما نسيت ، مو لازم أتقبّلها بس أتجـاهل . .
فواز بخيبةٍ يستدير بكامل جسدهِ إليها : لا تكذبين على نفسك وعلي .. أدري إنّ اللي قلتيه بهذاك اليوم كان عشان تقهريني، عشان تنتقمين مني، ما كان له علاقة باللي صار لك قبل! ما كان له علاقة بحقدك عليها . . * ابتسم بأسى * جرّبي تصدقِين مع نفسك عشان تصير الحيـاة صادقة ويّاك.
جيهانْ بحرجٍ من نفسِها : سامحنِي .. وقولّها إنّي آسفة ولازم تكون هي بعد آسفة على شكّها فيني بيوم .. لا تطالبني بالمثالية! ما أقدر أكون متسامحة بكل شيء، أبيها تكون آسفة قبل . . .
ابتسمَت بألمٍ وهي تنظُر لهُ عبر غشاوة الدمُوع، مُردفةً بخفوتٍ تشعر معهُ أنّ الدنيـا تخفُت، أنّ الدنيـا تبتلعها برملِها المتحرّك وتغرُسها في أرضِها : آسفة لأنّي خيّبت ظنّ قلبك، وآسفة لنفسي لأنّي بظلّ أحترق وأتمنى لك حياة تعيسة مع غيـري .. لا تطالب بالمثالية في الحُب بعد! لا تطالبْ قلبي يتمنى لك الخيـر وهو غزاه الوجع لأنّك ربطت اسمك بانسانة غيري !
ابتسمَ في المُقابـل ، وتشوّشت بسمتهُ المتأسية لعينيها التي تكثّفت فيها الدمُوع ونضحَت دونَ أن تهدأ عن التضاعف، لازالت تتضاعفُ حتى ملأت عينيها كلّها ، لازالت تتضاعفُ وهي تشعُر بالخواءِ يملأ صدرها حتى تعالـى صدى أنينِ قلبها ، هذه الأنات ، لا تكفِي لتُخبر جسدي عن النبضاتِ التي تسري فيهِ وتكادُ تفجّر أوردتي لأنّ عنصـر توازنهِ ارتحـل مع قافلـة امرأةٍ سواي، هذهِ الدنيا ليسَت مُنصفة، هذهِ الحيـاة لم تُنصفني حين اقتلعتكَ منّي .. نحنُ الانـاثُ لا تبرأُ أرجُلنا من السيرِ على جمرِ الرجـال/رجلٌ واحد وحين يتزحلقُ من أسفلنا نسقُط على ظهرنا وتبقى أرجُلنا ملتهبة، مشتعلةً لا يُغادرها السقَم، نحنُ الانـاث نَبرعُ في أذى أنفُسنـا بمشاعرَ رغمَ حلاوتها تقتُل ، واللهِ تقتُل وتُجيد السيـر في جنازتنا، تُجيده بكلّ إخلاصٍ لتبقَى في قلُوبنا ويرحَل الجمرُ الذي تركَ حرارتهُ في باطِن أرجُلنا.
فواز بابتسامةٍ خاسـرة ، وفي حديثها الخُسرانُ يقَع، في حديثها شعرَ أنّهما انتهيـا فعلًا، تلك الشهُور لم ينتهيا فيها ، بل في كلماتها الآن ، تلك الشهورُ كانت عقابًا، والقصـاصُ الآن. همسَ بجزع : تقدرين تنسين وأنتِ بتظلين مصاحبتني بدعوات عدم التوفيق؟
جيهان وقد انزلقَ النحيبُ من صدرِها وارتفعَ بخفوتِه وهي تضغطُ بكفّها على فمها وتهتفُ باختناق : بقول للسمـا تنسّيني، للقصائد وللكُتب وللسفر وللحيـاة، بقولهم يشغلونِي عنّك.
فواز يُمرر لسانه على شفتيه الجافتين قبل أن يلفُظ ببسمةٍ ساخرةٍ من نفسِه : مثل ما المرَة بتشغلني وأنساك؟
ضحكَت بسخريةٍ وهي تهزُّ رأسها بالنفي، وبأسـى : ما عُمرها أنثـى كانت حجّة للنسيـان .. صدّقني أفشل طريقة عشان تنسى أنثى هي أنثى ثانية .. الاناث سلاح، بس يظلّ دم الأولى ريحتهُ تغطّيه ، وبتظلْ تتذكّرني بكل ثانية.
فواز : أفهم إنّك ماراح تحاولين تنشغلين عن حبي وتنسيني برجُل؟
جيهان ببسمةٍ وهي تمسحُ دموعها : قلتها لـي .. أنا أضعف من إنّي أحـاول أنتصـر عليك بهالطريقة .. بس صدقني ماراح أخلي حياتي تتوقّف عليك ، وبعيشها بحلوها ومرّها، وأنتْ مرّها!
فواز بابتسامةٍ خافتةٍ ميّتة : بالتوفيق.
جيهان : لـي بس ... الله لا يوفقك مع غيـري.
،
تجلسُ على الأريكةِ في غُرفتهما، الجدرانُ مشبّعةٌ برائحتهِ يتمرّغ فيها الأكسجين قبل أن يدخل لرئتيها التي صـارت تعرف رائحتهُ وكلّ الروائح سواهُ عدَم. ابتسمَت للقطّة في حُجرها، مسحَت على ظهرها لتتمرّغ بدلالٍ في ملابسها، ضحكَت : مو معقولة صرتِ تتدلّعين علي من أول يوم!
ماءَت لتبتسمَ وصوتُها يخفتُ بخفوتِ قلبها الذي يهمسُ لأوردتها بكلماتِ الحُب التي كـادت وحكَى العزيزُ عن كيدِها ، المرأةُ إن عشقَت تقتلُ بكيدِها. همسَت : تدرين قوزالي .. مبسوطة لأنّك جيتي ، مررة مبسوطة فيك تدرين ليه؟
راقبتها وابتسامتُها تنكمشُ قليلًا، تتخلخلُ بأصابعها شعرها الأبيض، وتُردف : جيتيني رحمة من الله، يقولي سلطان لا تقنطي من رحمة الله ، رحيم حتى على عباده المُخطين .. أنا جالسة أتلوّث بذنبي، بس للحين ربي راحمني! مثل ما رحمني قبل بسلطان وأنا مافيني أي خير، سلطان جاء رحمة ، الحُب كان رحمة! جانِي وأنا ملوّثة بقذارة ومازلت بس بشكل أخف! ربي للحين قاعد يرحمني وجابك لي .. عشان أفضفض بس! بموت لو ما حكيت، بختنق بالحكِي مثل ما قلبي قاعد يختنق يبي يقوله - أحبك - بلحظة هو يبادلني فيها " وأنا أكثر "!! الله ما أسعدني لو قالها لي بيوم!! تتوقعين يجي هاليوم؟!!
أشاحت بأحداقها وابتسامتها تلاشَت، نظرَت للفـراغِ وسلطان تراهُ سرابٌ يجيئها في لحظةِ عطشٍ لكنّها لا تستطِيع ملامسته، رَاهَ سرابُه! كما راهَت عيناها بعد قلبِها، كيف لهُ القدرةُ على إثارة هذهِ الزوبعةِ فيها ! إثارة سعادةٍ وحُزن في آنٍ واحد ، أموتُ بحزني يا سلطان، يقتلني ، كما تعدُو بي السعادة على سلّمك دونَ أن أسقط ، لا أدري كيف لم أسقط حتى الآن ولم أصل أيضًا!! أخاف ألّا أصِل لك، أخاف ألّا أصلَ يا سلطان وأسقُط في نهايةِ المطافِ قبل أن أظفر بقلبِك.
تنهّدت وهي تُعيد نظراتها للقطّةِ التي هدأت عن حركاتِها واسترخَت في حُجرها، عـادت لتبتسمَ بأسى وعينيها فارغتان، نطقَت تُكمل حديثها للقطةِ وكأنّها تفهمها، كأنّها قد تواسيها : الحيـاة حتى لما تبتسم لي أحس ورى ابتسامتها مصايب ! * رنَت إليها وهي تهمسُ وكأنّها تخشى أن تسمعها الجُدران فتُخبر سلطان بما تقول * الحياة خدّاعة مثلي ، جالسة أكذب عليه، مثل ما كذبت على أبوي يوم العيد، أبُوي الحين يظنّني بريئة من القذارات اللي قبل، تمنيت لو إنّ كذبتي ممكن تحسّسه بالذنب ، تحنن قلبه، بس وش أرتجي من قلب عافَته الرحمة؟
تنهّدت وهي ترفعُ رأسها وتسندهُ للخلفِ ليواجهَ وجهها السقفَ المنقوشَ فوقها، اتّسعت ابتسامتها وهي تُردف بصوتٍ ارتفعَ هذهِ المرّة، تريد الآن لكلّ شيءٍ أن يسمعها، أن يشهد على كلماتِ الحُبّ في صوتِها العاشِق : مشكلة صاحبتك .. بيذبحها الهوى ، خامـرها الجوى والله! أحس إنّي أحب لأوّل مرة! أييييه لأول مرة لأنّ حبي قبل كذّاب !! كان حب ماله أساس .. الأساس سلطان وعيونه بس، الجوهر لكلّ الحيـاة !
زفـرت وهي تبتسم، لا بأس ، لمَ قد تُدخل الحُزن لقلبها؟ ربما هي لا تقُوم بشيءٍ خاطئ، ربّما خطوتُها صحيحة، في كلّ الأحوال لو أنّ ذاكَ الرجُل الذي هجمَ على منزلهم قبل أشهرٍ قد وصل لمآربهِ لمرّ الوضع كالآن، على من تضحك؟
فُتح الباب، وجّهت نظراتها إليه لتُشرق ملامحها بابتسامةِ العشقِ وتهتف قاصدةً قطّتها التي تتدللُ في حُجرها : شكلها بتنام.
جلسَ على السريرِ وهو يعقدُ حاجبهُ وينحني ليخلعَ حذاءه : وبتنام بهالغرفة إن شاء الله؟
غزل تُميل فمها بامتعاض : وين أجل؟ .. لحظة إنت ما تحب الحيوانات؟
سلطان ينظُر نحوها بهدُوء : تستفزني القطاوي .. عشان كذا لا تقرّب.
ابتسمَت بمكرٍ وهي تنهضُ وتتّجه نحوهُ في اللحظة التي عاد فيها سلطان يوجّه نظراتهُ لحذائه، لم يشعر سوى بجلوسها جانبه، رفعَ رأسه بتلقائيةٍ ونظر إليها ليقفَ مباشرةً وكأنّ عقربًا لدغه وهو يلفظ بتقزز : ابعديها !!
غزل تقفُ وهي تضحك، مدّتها إليه هاتفةً بمشاكسة : شيلها .. ما تسوي شيء لا تخاف.
سلطان يتراجع للخلف : قررررف!
غزل بامتعاض : ماهي مقرفة! نظيفة مافيها شيء!
سلطان بنبرةٍ متقززةٍ شرحتها تغضّن ملامحه : وش اللي يضمن لي !!
غرل بقهرٍ سحبتها وهي تلفظ : نظيفة ، وبتآخذني بعد لأقرب عيادة بيطرية عشان أشوف وضعها وإذا فيها فطيريات أو لا وأفحصها فحص كامل.
سلطان يرفعُ إحدى حاجبيه : من كم ثانية تقولين نظيفة !
غزل بدفاعٍ طفولي : أيه نظيفة وش عندك؟
سلطان يزفر : الله يصبرني أنا مين قالي أمشي ورى أهوائك!!
غزل تبتسم ببراءةٍ وتتلاعب بحاجبيها : حبيبي اللي كَلبه حنيّن وما تركها بخاطرِي.
ابتسمَ بهدوءٍ ولم يعلّق ككل مرةٍ تقول فيها " حبيبي " أو أحبك! ككل مرةٍ تعبّر فيها عمّا في صدرِها ولا يجدُ شيئًا في صدرِه يُسعدها بِه!
يُتبــع . .
|