لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-05-16, 09:26 PM   المشاركة رقم: 796
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 



-
-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مساء الجمـال والسعادة على الجميع :$ شلونكم عساكم طيبين؟ مبارك لكل اللي نجحوا والله يسهّل على اللي مازال يكافح.. بالتوفيق يارب.
" زفــررررة طويييييلة بعد كفاح " :P :$ أخيرًا بنستقر بالإجـازة مع الرواية، البنات اللي محاتين الرواية برمضان والمنشطرين لحزبين ( حزب يبيها توقف ، وحزب يبنا نكمّل ) وأنا مع الحزب الثاني.
مع إن رمضان شهر عبادة وأحس بتأنيب الضمير لأني بنزل فيه بس مضطرة :( ما أقدر أوقف أبدًا بس الأكيد بيتقلص عدد البارتز المنزّل فيها ... أنا ماراح أوقف تنزيل بس أنتوا تقدرون تطنشونها لشهر .. ما يضر وبعد ما ترجعون بتحصلون أجزاء عديدة لكم ... الله يبلغنا إياه لا فاقدين ولا مفقودين.

بالنسبة للبارت الجاي ، ثلاث ساعات تقريبًا وإن شاء الله يكون عندكم ، بقي لي شوي ويتمْ ومع المراجعة بآخذ أكثر من ساعة :* + تفاؤل لي عودة لتعليقك، وأسماء الروايات اللي بغيتيها برسلها لك تقييم أو برسائل الزوار، حيّاك يا بعدي :$ ووردة شقى بعَد * مالها وجه * ، أنتِ أكثر وحدة مستحية منها عشاني ما رديت ، بس إن شاء الله برد عليك هنا والمعذرة منك انشغلت شوي :(

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 25-05-16, 01:02 AM   المشاركة رقم: 797
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 





سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية


اشتقنـا عاد لهالسطور اللي فوق :P وعشان شوقنا جارف إن شاء الله تكون نتيجة العودة مُمتعة وجميلة ، المواقف طوييييلة ، طوييييلة جدًا على غير العادة ، مدري ليه أفضل القصيرة أو المتوسطة :( بس هالمرة استمتعت أكثر بالطويل مع إنّي ما أعرف أمارس فيه الصبر، لازم أقطعه وأرجع له بعدين مدري ليه :$ بس هالمرة اختلف الوضع.

يلا ما نكثر عليكم كلام .. البارت إهداء لمتابعتي وصديقتي الغالية شهد ( رماد الشوق/طعون ) بمناسبة المولود الجديد زوج بنتي مستقبلًا لووووول .. بعَد عيب ما ترضى ببنتي الجميلة خلوكم شاهدين :P


بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !

لا تهليكم عن العبادات


يحكون في بلادنا
يحكون في شجن
عن صاحبي الذي مضى
و عاد في كفن
ما قال حين زغردت خطاه خلف الباب
لأمه : الوداع !
ما قال للأحباب... للأصحاب :
موعدنا غدا !
و لم يضع رسالة ...كعادة المسافرين
تقول إني عائد... و تسكت الظنون
و لم يخط كلمة...

تضيء ليل أمه التي...
تخاطب السماء و الأشياء ،
تقول : يا وسادة السرير!
يا حقيبة الثياب!
يا ليل ! يا نجوم ! يا إله! يا سحاب ! :
أما رأيتم شاردا... عيناه نجمتان ؟

يداه سلتان من ريحان
و صدره و سادة النجوم و القمر
و شعره أرجوحة للريح و الزهر !
أما رأيتم شاردا
مسافرا لا يحسن السفر!
راح بلا زوادة ، من يطعم الفتى
إن جاع في طريقه ؟
من يرحم الغريب ؟
قلبي عليه من غوائل الدروب !

قلبي عليك يا فتى... يا ولداه!
قولوا لها ، يا ليل ! يا نجوم !
يا دروب ! يا سحاب !
قولوا لها : لن تحملي الجواب
فالجرح فوق الدمع ...فوق الحزن و العذاب !لن تحملي... لن تصبري كثيرا
لأنه ...
لأنه مات ، و لم يزل صغيرا !


* محمود درويش



(73)*3




" متى بيرجع أبونا؟ "
ينظُر لهُ ويبتسم، بعينينِ التمعَ فيهما حُزن الإدراك بالرغم من قُصر السنواتِ بينهما، لم يكُن كبيرًا جدًا ، لكنّه كان كبيرًا على أن يحزن بأريحية، كـان كبيرًا على أن يبكِي، لأنّه الابن البكر، كـان يجبُ أن يكون أشدّ وطأةً من الحُزن، كـان حزينًا، لكنّ حُزنه بارٌّ بالثبـات.
يضعُ كفّه على كتفِه، تتّسع ابتسامتهُ بحزنٍ وهو يتابع عيني أخيـه الأصغر، ليهمسَ بأسـى وحزنٍ وهو لا يزال يحتفظُ بابتسامته : اللي ربي ياخذه ما يرجع !

اللي ربــي ياخــذه ما يـــرجــع

كان يكرّرها كثيرًا ، كثيرًا على مسامعه حتى جعلهُ يفهم صيغة الموتِ بشكل صحيح ، الموتُ حين يأخذ منّا من نحبّ لا يُعيدهم ، لذا لم يكُن يُريد أن يتعامـل مع عقل شاهين بفكرة الأمـل، أن يردّ عليه " راجع قريب " حتى يُخرس أسئلته، لم يعترفْ بهذهِ الطريقة لأنّه يدرك أنّ العقول تختلف، أن بعضها سيُصيبها الإرهـاق إن غرقَ في الأمل، لذا كـان كلّما سأله شاهين : متى بيرجع أبونا؟
يردّ عليه : اللي ربّي ياخذه ما يرجع يا شاهين !
وبالرغمِ من كونِ ملامحِ شاهين تتغضّن بانزعاجٍ من ذلك الرد، يعقدُ حاجبيه، يلوي فمهُ بغضبٍ ليهتف أخيرًا بحدة : امي قالت بيرجع يعني بيرجع! ماراح يطول بسفره.
لكنّه كان يردّ عليه بلوعـةِ الموتِ الذي يختطفُ الأرواح الغالية على الأرواح الحيّة، بلوعةِ الفقدِ والثباتِ المفروض عليهِ فرضًا : اللي ربّي ياخذه ما يرجع يا شاهين! الموت رحلـة سفر مالها إياب!

هل ضِمن تلك المعاني التي لا تعود " الصوت "؟ لم تخبرني! لم تفصّل ذلك تفصيلًا، لم تقُل لي إن كـان الصوتُ أيضًا لا يعود! قلت " اللي ربي ياخذه "، هل يأخذ الصوتَ مع الرُوح؟ ليتكَ لم تمُت قبل أن تعلّمني ما الذي يؤخذ وما الذي يبقى ممّن نحب!


" شاهين "
ظلّ الصوتُ يتكرر ، والاسمُ فوقَهُ يتكرر، شقّ الصرير الذي كـان يسمعه، الضجيج ، وارتحـل إلى قلبـه مباشـرة ، استندَ عليْه ، ولو أنّه كـان شَبَهًا لما نبضَ قلبهُ بهذا الشكـل ، قلبهُ يعرفه، قلبهُ الدليل! إلى كلّ من يُحب ، تتشابهُ الوجوه ربّمـا ، ويمرُّ عابـرٌ أمامك مستنسخًا وجهَ من تُحب، لكنّ قلبك يجمُد، يُخبرك أنّه آخـر .. تتشابهُ الوجوه، لكنّ الأصـوات تبقى محصورةً لأصحابِها فقط، الأصواتُ لا تُسرَق، لا تُستنسَخ، وتظلُّ دائمًا دليلًا، دليلًا على صاحبِها . .
رحلـة الجسدِ في هذهِ اللحظـاتِ ثارَت شمسُ سمائِها، قبضتهُ التي تشنّجت قبل سقوطِه، عينيه الغائبتين عن الرؤيـة السليمة ، ينظُر لأدهم وهو يشعُر أنّه يهوِي بصدمتِه، عقلهُ يفقد الأكسجين كما رئتيه، نبضاتُ قلبهِ تتسارعُ وهو يشعر أنّ الدُنيـا تدور، عقلهُ الميّت يريد أن يقُول أنّها لعبـة ، أنّهُ وهمٌ على الأقل! لم يكُن صوتَه، فالأمواتُ لا يعودون! الأمواتُ لا يعُودون يا قلبـي ، هوَ قـال ذلك ، لا يعودون!، لا ينادوننا ونسمعهم! الأمواتُ لا تُسمع أصواتهم .. ليسَ هو! فجسدهُ احتـرق، احترقَ وأثبتَ كُلُّ شيءٍ أنّه هوَ بعينِه، بكيتُه ، وبكتهُ امّنـا .. ليس هو، فدمُوع ذاك اليومِ حزنَت لأنّه مـات ، دموعُنا كانتْ صادقـةً في مُصابِها، فكيف قد يأتي؟ كيف قد يُسمع ويكون موتُه وهمًا؟!
استندَ على الطاولـة بثقلِ كفيه، يتشبّث بِها كي لا يسقُط جسده الذي ثقُل، غابَت عنهُ عينـا أدهم التي بهتت قليلًا وهو يرى ردّة فعلـه الغريبة ، غابَت عنهُ وهو يغرقُ في الضعفِ الذي وطأ على حُنجرتهِ فسُدّ الهواءُ عن الدخُول والخروج وليلـةُ العزاءِ تعودُ بعد أن اُستثيرت ذاكرته بذاك الصوتْ، الألـم والحسرة اللذين كـانا يقودَانِه لتكرار " أنا بكابوس وبصحى ألاقيه قُربي ، نايم ... متعب ما مات! "، كان يؤمن أنّه في كابُوس وأنّ متعب سيعُود أو قد عـاد من سفرهِ بينما كـان نائمًا، كان متعِب يُريد مفاجئته ، نعم! أراد مفاجئتي يومَ ذاك ولم يمُت، عـاد بينما كنتُ نائمًا أحلمُ بكوابيسِ احتراقـه، كنتُ أؤمنُ في حلمي أنّني سأستيقظُ فأجدهُ في المنزل، عـاد بعد أن أتمّ علاجـه السريّ، " متعب ما يموت قبلي "! ولكمْ صفعهُ الموتُ بعد أن اكتشفَ أنّه أخذهُ فعلًا.
لمَ أفكّر بذلك؟ لمَ أتذكّر حسرتِي؟ من قـال أنّ ذلك الصوتَ لمتعب؟ من قـال أنّه له؟ .. توقف يا قلبي عن النبض بهذا الشكل الجنوني ، ليسَ هو! ليس هو ولربّما أذناني المشتاقتين إليه تصنّعت صوتَه.
صوتُ الأمواتِ لا يُنسى، يبقى يعانقُ أسماعنا في ليالينا، صوتُ الأمواتِ من مقتنياتِنا التي حملها الميّت معهُ لكنّنا بدورنا حفظناها، لذا أنـا توهّمته، لأنّني فقط اشتقت، اشتقتُ إلى متعب ! إلى أخـي الذي ذهبَ قبلي.
كـان يقنعُ عقلهُ بذلك وجسدهُ الثقيل لم تستطِع أقدامهُ أن تحملهُ أكثـر، سقطَ على الأرضِ وهو يكرّر في عقله الشبهِ غائبٍ أنّه ليسَ هو ، فكيف للأمواتِ من عودة؟
وقفَ أدهم بصدمةٍ بعد أن سقطَ وهو يتحرّك دونَ استيعابٍ مبتعدًا عن مقعدِه، حملَ هاتفهُ المرميّ على الطاولة بعد أن سقطَ من يد شاهين وانحنى إليه بربكةٍ وهو يضعهُ على أذنهِ ليهتف بسرعة : بعدين بكلّمك.
متعب الذي استنكر غياب صوتِ شاهين لفترةٍ طويلة، لفظ بقلق : وش صار؟
أدهم : بعدين بعدين.
أغلق ومن ثمّ نظـر لهُ بربكةٍ ورجالٌ قد اقتربوا بعدَما لحظوا ما حدَث، كـان شاهين شبهَ واعي، يرفعُ أجفانهُ قيدَ شعرةٍ ومن ثمّ يسدلها بوهنٍ وأصواتُهم تتداخلُ في مسامِعه، يحرّك شفتيه بصعوبة، يريد أن يقُول شيئًا، يُريد أن يقول لهم بأنّه سمعَ صوتَه، بأنّه سمعَ صوتَ ميّتٍ حيٍّ في قلبـه، يُريد أن يخبر الجميع بأنّ الصوتَ الذي اشتاقهُ جـاء، لا يدري وهمًا أمْ لا ، لكنّه جـاء ! .. لم تُسعفهُ شفتاه، لم يسعفهُ لسانهُ ولا صوته، اختنقَ بالكلمات كما اختنقَ الأكسجين في حُنجرته ولم يستطِع الوصول لرئتيه.
سأل أحد الواقفين أدهم حيثُ أنّه كان الجالس معه، بظنّ أنه صديقه : مريض بشيء؟
أدهم بتشتت : لا ، ايه ، لا لا ما أدري.
رفعَ الرجُل حاجبه : أنت تعرفه؟ وش اسمه؟
أدهم : تقريبًا ، اسمه ليـ شاهين.
أبعد الرجُل عينيه عنه بعد أن رمقه باستغراب، ضرب خدّ شاهين وهو يهتفُ بصوتٍ حازم : تنفّس .. اهدأ .. خلّك هادي وتنفّس يا شاهين . .
وصَل صوتُه من بين معمعة الأصواتِ المتداخلـة، فغرَ شفاههُ الشاحبة يحاول التنفّس ودفع الأكسجينِ إلى رئتيه، بدأ يكرر في عقلهِ بأنّ ذلك لعبةً من أدهم، هنـاك خطأ، ولربّما كان يتوهّم وشعر فقط أن الصوت له!! مرّت لحظاتٌ وهو يحاول التنفّس بشكلٍ طبيعيٍّ وهو يكرر بأنّ متعب مات ، بأنّه ليسَ هو، كيف قد يعودُ وهو دُفنَ لثلاثِ سنين؟ الأمواتُ لا يعودون، ولو أنّ لهم كرّةً في الدنيـا لما بكيناهم، لما أقمنا عليهم العزاء وانتظرنا عودتهُم.
كرّر على عقله بأنّ الصوتَ ليسَ صوته، أقنـع نفسهُ بذلكَ حتى هدأت انفعالاتُ جسدهِ رويدًا رويدًا، نبضاتُ قلبهِ تباطأت، فورانُ دمهِ هدأ، شعر أن كيميائيّة جسدهِ تعود تدريجيًا، تلاشَت الغشاوةُ عن أحداقـه وظهرت الوجوهُ ومن بينِها وجهُ أدهم الملوّث بالكدمـات والذي كان يطغى عليهِ الاستغراب وذرةٌ من القلق .. شهقَ بقوّةٍ وهو يجلُس ومن ثمّ يدخُل في نوبةِ سُعالٍ حادةٍ لم يتجاوزها سريعًا وهو يسمعُ الأصوات التي تداخلَت بين " سلامتك، ما تشوف شر "، ولا يجدُ في حنجرتهِ ردًّا سوى السعـال، بينمـا وقف أدهم بجمودٍ وصمتٍ ينظُر لهُ دون أن تظهر على ملامحهِ ردّاتُ فعلٍ واضحة، ارتفعَت أحداقُ شاهين بإرهاقٍ عاطفيٍّ إليه ووجههُ محمرٌّ بينما شفتيه شاحبتـان، يرمقهُ بحقدٍ يلتحمُ بالألـم وهو يشعر أنّ تلك اللعبـة التي لا يدري كيفَ حاكهـا استنفدت قوّته ونفذَت إلى أعماقِ ضعفهِ لينقشعَ عنها جدارُها، وقفَ بصعوبةٍ بمساعدةِ أحد الواقفين وأنظـارهُ لازالت معلّقةً بأدهـم، اتّكئ بكفهِ على الطاولـة في حينِ نظر الذي حادثَ أدهم قبل قليـل لأدهم ليهتف : خذه للمستشفى ، بالسلامة.
شاهين يستندُ بكفّه الأخرى على الطاولـة وعينيه المعلقتين بأدهم لم تنحصر عنه، وببحّةٍ تحررت بها حُنجرته من غصّة صمتها : ما يحتاج أنا بخير.
جلسَ على الكرسيّ بضعفٍ مقيتٍ هزّ جسدهُ وغابَ صوتُ الرجُل عن أذنه حتى حيّاه برسميّةٍ وذهب، أفرد ذراعه على سطحِ الطاولـة ومن ثمّ وضعَ رأسه عليها وهو يتنفّس بضيق، أشـاح نظراته أخيرًا عن أدهم الذي كان جامدًا عدا من التواءةٍ ساخرةٍ من فمِه، لم يتحدّث وهو يجلسُ ببرودٍ وكأنّ شيئًا لم يكُن، غابَ صوتُه للحظـاتٍ وهو يتابعهُ بعينيه بينما شاهين يخفي وجههُ عنهُ بضعفٍ واضحٍ لم يحاول إخفاءه، انقضَت اللحظـات لتنتهي باتّسـاع ابتسامتهِ الساخرة ومن ثمّ صوته البارد الذي حمَل نبرةً مزدرئهً بشدة : هاه صرت بخير؟ نكمل؟!!
عقدَ شاهين حاجبيه، وارتفعَ رأسه ببطءٍ صامتٍ بينما النيرانُ تعانقُ جسدهُ وأحداقهُ التي صوّبها إليه بحقدٍ وكرهٍ وهو يشدّ على أسنـانه كأسدٍ يستعدُّ للانقضاض على ضبعٍ حقير! وقفَ فجأةً بحدةٍ ليتراجع الكرسيّ مصدرًا صوتًا حادًا، بقيَ ينظُر لابتسامته الساخـرة بغضبٍ ناريٍّ قبل أن يتحرك بحدةٍ ويبتعد عنهُ كي يخرجَ من المطعم قبل أن ينقضّ عليه بهذهِ الحـالة، بجسده الذي لم يكُن في أوجِ قوّته، بينما تابعهُ أدهم بابتسامةٍ مزدرئةٍ حتى اختفى من عينيه، رفـع هاتفهُ ببطءٍ كي يتّصل بمتعب الذي ردّ عليه مباشرةً بقلق : وش صـار.
أدهم بنبرةٍ بـاردة : طلع معصّب ، استفزّه الواقع!

غـادر، أفرغ الغضبَ في قيادةٍ هوجاء ويديه تنتفضان وهو يهزّ رأسه بالنفي، لا يُمكن أن يكون صوته! لا يمكن!! وهم ، خيـال ، لعبة ، كيف ذلك وقلبهُ يكادُ ينفجر بعد أن عاد للتسـارع؟ أيّ لعبةٍ حقيرةٍ يلعبها أدهم؟ أي أسلوبٍ وضيعٍ يُمارس!!!
وصَل للمنزلِ في وقتٍ زمنيٍّ قصير نظرًا لقيادتِه، ترجّل عن السيـارة وأطرافهُ تنتفضُ بينما أحداقهُ تمارسُ رعشـةَ شوقٍ مُرتبك! لوعـة فقدٍ مُتزعزِع لأنّ صوتًا بُعِث .. ربّما الشوقُ يبعثُ جزءً من روح، صوتٌ أو ضحكةٌ عابـرة، كيف ارتعشَ جسدهُ لمسمعِ صوتِه؟ هوَ صوته! أو شبيه !!! ... عـاد لنقطةِ التفكير في كونِه صوته، تعرقُلُ قلبهِ هزّ هيبـة الموتِ الذي لا يُعيد من أخـذ، أنفاسـه عادت تضيقُ وهو يُطرق بجنونٍ ويشدُّ قبضتيه ووجههُ يحمرُّ اختناقًا ، بأيّ جرأةٍ يُشابـه صوته؟ بأيّ جرأةٍ وقِحَة يلعبُون معهُ لعبةً تعودُ لأخـيه، لمتعب! .. آآآه ! . . رفعَ أحداقه للسماءِ السوداءِ وهو يتركُ لعينيه المعتمتين أن تلتمعا بحُمرةِ الملحِ ويغصَّ حزنهِ في محجرهِ دون أن يُطلَق، ارتعشَ لسانهُ والتوى بألمٍ وهو يلفظُ باختناقٍ وتعرقلٍ بنبرةٍ ميّتـة : تجرّأوا عليك وأنت عند ربّي وربّك .. شلون؟ شلون ينبعث صوت الأموات؟ شلون أسمع نبرتك وأنت تحت التراب؟ ليه قلبي ودّه يصارخ للعالـم كلّه الحين وكأنّه صدّق المهزلـة اللي صارت ... اللي ربي ياخذه ما يرجع يا متعب، قلتها لي صح؟ شلون يرجع صوتك؟ صوتك اللي مستحيل يصير له شبَه، وجهك اللي ماله تسعة وثلاثين وجود! مافيه متعب ثاني، شلون؟ ... شلون يتجرّأون؟
أخفضَ رأسهُ بهوانٍ وهو يقبضُ كفوفه المرتعشـة أكثر، يُردفُ بحزن : نحب الاموات .. بس ما يصير هالشّوق! اللي يخليني أسمعك وأنت منهم!
تحرّك بساقينِ تضبّب تكوينهما القاسي وشعر أنّهما باتا دخانًا ملتهبًا يكادُ يتبعثر، دخـل المنزل وهو يتنفّس بصعوبَة، عقلهُ اللا واعي يتمنّى عدمَ تواجدُ امّه كي لا ينهـار في أحضانها ويفضحُ حزنه وكلّ ما حدث، لم تكُن موجودة، من رحمةِ اللهِ لم تكُن في نطـاق عينيه .. اتّجه للدرجِ مباشرةً ليصعدَ وهو يُقاومُ حالـة الأغمـاء التي تريد أن تعاوده، الدوارُ هجمَ على وعيـه، ترنّح ليصتدمَ بالجدارِ قُرب غرفتهِ ليتّكئ بكتفهِ عليهِ ويغمض عينيه بقوّةٍ لتمرّ الدقائقُ تباعًا إلى خمس، إلى عشرٍ ربّما .. لا يدري كم بقيَ واقفًا وهو يُغمض عينيه بشدّةٍ وجسدهُ الفارغ يكادُ يسقُط ولا يعلمُ كيف لم يحدث ذلك حتّى الآن ... رأى متعب الميّت .. شعر أنّه يعُود ليومِ العـزاء، أو لمـا قبل بيوم! حين اتُّصِل بهِ من ميونخ ، اليومُ الذي علِم فيه أنّ الفندقَ الذي كان يقطنُ فيه أخيه احترق، اندلع حريقٌ من غرفتـهِ ليشقَّ معظم الطابـق الذي فيـه ، كان ذلك اليوم يحاول أن يتّصل بهِ كثيرًا، قلبهُ الذي كان يتألّم تلقائيًا وكأنّه يدرك أنّ متعب في خطر ، أنّ هنـاك ما سيحدثُ له، يتّصل بهِ ولم يرد ... لم يرد! لم يسمع صوتَه ، لم يسمعهُ قبل أن يموت فكيف يحدثُ ذلك بعد موتِه؟
قـالوا لهُ وجدنـا جثّة أخيك متفحّمةً في شقّتـه ، قـالوا لم نجيء قبل أن يفُوت الأوان ، قـالوا مــات .. كيفَ مات؟ وهو شغفَ بالعـودة متخلّصًا من سمُومه ولكي يجتمعَ بمن أحبّها ، يؤخر زواجـه في كلّ مرةٍ بغموضٍ ودون تفسيـرٍ لأنّه لم يُرِد أن يجتمع بأسيـل ودمهُ مريض.
قـالوا مات ، كيف مات؟ لم يصِل للأربعيـنَ حتّى ، لازال صغيرًا! .. كيفَ مات؟ وشبـابهُ لازال وليدًا، كيفَ مات؟ وحياته لم تبتدِئ بعد، لم يُصبـح أبًا بعد، لم يُصبح عمًا ، ولا جدًّا! كيفَ مـات؟ وأوراقهُ لازالت ربيعيّةً خضـراء لم تجفّ خريفًا، سماؤهُ لازال صحوةً لم تغلّفه غيومٌ ولا ضبـاب، أرضهُ لازالت خصبةً لم يمسّها قحط.
قــالوا مات .. يا الله كيف مات! ردّوا بأنه احتـرق .. هذا فقط!
عـاد ليومِ العـزاء، بعد أن ثُبِت بأنّه هو متعب ، وبكـاهُ وبكَى أخوّتهما ، بكـى علاقتهما التي غابَ نصفُ ضوئِها، بل غابَ كلّها وغابَ ضوءُ حيـاته ، حزينةٌ كانت تلك الليلـة .. ما أقساها! حزينٌ نواحُ النسـاء، امّه ، وبكـاءُ قلبـه .. حزينةٌ تلك السمـاء، يذكُر أنّ الفصلَ كان شتاءً باردًا، كـان الجوُّ باردًا، لكنّها لم تُمطر وكأنّ عينَ السمـاءِ رأت أن البكـاء لا يكفِي لشرحِ الحُزن.
تشنّج جسدهُ وهو ينحني للأمـام قليلًا ، ثقُل وهو يفغرُ شفتيه ويتنفّس بصعوبـة، الجدارُ تموّج ، شعر أنّه أصبَح مجوّفًا يكادُ أن يبتلعـه ، لكنّ الصوتَ الأنثويّ أعـاد ثبات الجدارِ وكأنّه لم يُرِد لجريمتهِ أن تُرى أمـامها : شاهين !!
لفظتها أسيل بقلقٍ وهي تقتربُ منه بخطواتٍ واسعـةٍ حتى وقفت أمامه ووضعت كفيها على كتفيه، رفعَ رأسه وهو يفتحُ عينيه بحُزن، ينظُر لها بعيونٍ حمـراءَ التهبَت بالملوحةِ المتحجّرة في محاجـره، لم يردّ على ندائها القلق بينما لم تنتظر هي منهُ كلمة وهي تلفظُ بهلع : وجهك أحمر ! شفيك تتنفّس كذا؟!
رمشَ بعينيه ببطءٍ وهو يزفُر زفرةً حـارةً متحشرجة، أمسكَت بكفّه حين وجدت منه الصمت ومن ثمّ سحبته إلى بابِ جناحهما، فتحت الباب ودخلت وهو يمشي خلفها بجسدٍ واهٍ، استدارَت ما إن دخـلا، نظرت لوجههِ بقلقٍ لتُردف : شاهـين .. وش صاير ليه وجهك مقلوب كذا؟
أشاح شاهين نظراته عنها وهو يُقرئ على نفسه الثبـات ويحث عقله على استيعـاب لعبة أدهـم الجديدة، لكنّه لم يستطع، الصوتُ الذي سمعه استثـار كل نقاطِ الشوقِ في جسده، في مشاعره، ألهبَ عينيه وصدرَه، فارَ بهِ دمُه، استفزّ الأكسجين ليهربُ عنـه ، وكتب على جسدهِ الرعشـة .. دونَ شعورٍ منـه سحبها إليه من معصمها ليعانقها بقوّةٍ كـادت تحطّم عظامـها وهو يسندُ جبينه على كتفهَا ويترك للحُزن أن يسقطَ في احتـواءٍ جـاء سريعًا منـها، لفّت ذراعيها حول خصرهِ وهي تفغرُ شفتيها دون استيعابٍ لمـا يحدثُ له، لأوّل مرةٍ تراهُ بهذهِ الحـالة، لأوّل مرةٍ ترى في عناقهِ حُزنًا مريرًا يريد منها تخفيفهُ عنـه ... لم تنطُق بشيءٍ وهي ترفعُ إحدى يديها لتتخلخل بها شعرهُ وتمسحُ عليه بصمت، بينما لفظَ صوتُه ببحّةٍ مريرةٍ وهو يشدُّ عليها أكثـر بألـم : ألا يا ليت للميت من رجُوع ! مرّة وحدة أشوف فيها عيونه وأكحـل ناظري ... مرّة وحدة بس أسمـع صوتَه، صوتَه الحقيقي ماهو الوهم! بعدها والله بطمع! بطمع يظل من عـالم الأحيـاء !! أشوفه للأبد، أسمعه للأبـد ، أحضنه للأبد ! مين ما يطمع يرجعون؟
ارتعشَت شفاهها بقوّةٍ وذراعيها ترتخي قليلًا، أحداقها بهتت بينما أكمل شاهين بأسـى : والله المُوت قاسي ، يوجع حييييييل لما يختار أغلى الناس على قلوبنا!
لم تنطُق بشيءٍ ومساماتها تتشرّب كلماتهِ لتُتخمَ بحُزنٍ يشاطـر حزنه ، لتُتخم بذكرى الذي يقصد ، لم تكُن غبية .. كانت كلّ كلمـاته واضحةً من تقصـد، نفس الشخص يشتاقانِه، نفس الشخصِ يزرع فيهما الآن حزنًا ذو معنًا واحـد ، متعب .. أتعبهما في الشوق! ميّتّ يحيـا بهيمنةٍ في صدرِهما.
عضّ شاهين شفتهُ السُفلى وهو يستدُ ذقنه على كتفها لينظُر للجدرانِ بفراغ ، قبل أن يهمسَ بنبرةٍ جفّت ومـاتت وتكفّنَت بأمنياتِه المستحيلة : عشـان هالأمنيـة، لجل يرجع ، أبيع كل شيء بعُمري ... بس حرام ! لا حول ولا قوة الا بالله ، اللهم لا اعتراض ، اللهم لا اعتراض !!


،


انسحَب الهـواءُ من هذهِ المدينةِ الموبوءةِ بالفقـد، غـاب النـاسُ عن نِطاق عينيها، وتيبّست اللحظـات ، الخطواتُ في قدميْها ، اللمعان في أحداقِها ... لم تعُد ترى سواهُ وهو يقفُ حاملًا ليـان بإحدى ذراعيه وكفّه الأخـرى تمتدُّ ليُشربها من عصِيرها وهو يضحكُ بملءِ الحيـاة في ملامحه ، كانت ترى الحيـاة بسعادتها فيه! خدعتها عيناها في تلك اللحظـة ... هو يحيـا وحياتُه لم تُنتقصْ بدُونها، يحيــا ! ما أقوَاها من كلمـة، وهي التي ماجَت بها رسـالتهُ الأخيرةُ ما بينَ بكاءِ خيبةٍ وغيرة وبكـاء شوقٍ جـرفَ الأسهم المسمومةَ لقلبـها ... خدعتها عينـاها ولم ترى في ملامحه ما فِيها ، ما يشعُر بِه ...
شعرت أنّ الأرض تكفكفُ بعضها بعضًا بالتواءاتٍ جعلتها تميلُ بترنحٍ واهٍ ولم تعُد ترى أُنـاسًا سواه، لم تعُد ترى سوى ملامحهِ التي تضحَك .. حتى ليـان غابَت عن عينيها، وبقيَت هي تتابعهُ بعيونٍ غصّ في مجحرّها الدمـع . . ارتبكَت أرجوان وهي تراها تنظُر لفواز دون أن تحيد عنه ، تنفّست بربكةٍ لا تدري ماذا تفعل ، شتت نظراتها وحرّكت رأسها بتخبّطٍ في اللحظـة التي نظر فيها فواز إليها هاتفًا بابتسامة : مو كأنّه لسانها كل ما كبرت .. طال !
تباطأت حروفهُ أخيرًا وهو يرى حركة رأسها حتى ثبتت عيناها أخيرًا على نقطةٍ مـا، عقدَ حاجبيه ووجّه أحداقهُ بسرعةٍ حيثُ تنظُر ... أجفـل الوقت، وملامحـه، وملامحُ عينيه، أجفـلت أسطُحِ برودةٍ هشّةٍ متصدّعةٍ على ملامحـه ، وتساقـط قنـاع اللامبـالاةِ على وجههِ وهو يراهـا بعد أيامٍ وأسابيع وأشهـر .. يرى ملامحها البيضاء التي احمرّت أمامـه الآن، ولأنّه يدركها أكثر مما تدرك نفسـها .. كانت على وشكِ البُكاء! وجهها يفضحها لعينيه وإن لم تُظهر ذلك سيقرأُ رعشات أحداقها وأهدابها بسهولة.
لم يتحرّك ، وبقيَ ينظُر لها بصمتٍ وتنظُر له، أصبح الجسـر اللاحمِ بينهما - نظـرات - وكلُّ اللغـات كاذبةٌ عدا لغـة العيون، أيّ نرجسيةٍ امتلكها في تلك اللحظـة وأيّ ساديةٍ تملّكته وهو يشعُر بقلبهِ يمتلئ رضـا بنظراتها - الحزينة! أيّ لؤمٍ خلقتـه فيه حتى تمكّن من شوقِه لهـا؟ لم يكُن شوقه جارفًا كامتلائِه بالرضـا، هذا الشوقُ كيفَ جعلتِهِ يمرضُ بسببك؟ كيف تمكّنتِ من تشويه حبي لك؟ كيف تمكّنتِ بكل برودٍ من إغـراقنا في أمواجِ السخطِ والغضبِ من نفسي لأنّني أرضـا بألمك! وأنا الذي لم أكُن أرضا .. أبدًا، فما الذي فعلتهِ بي حتى جعلتنِي بهذهِ الساديّة المقيتة؟
عقدَ حاجبيهِ وهو يصدُّ بضيق، وكانت تلك الحركـة كافيةً حتى تشعر بأنّ جسدها يهوي وأنّ الفـراغَ يحجزُ امتلاءها بِه . . أخفضَ فوّاز ليـان بجمودٍ ومن ثمّ مد يدهُ بالعصير لها وهو يلفظُ بهدوءٍ زائف : بشوفك مع بابا بكرا .. طيب؟
هزّت ليان رأسها بالإيجاب وهي تضعُ المصاص في فمهَا وتشرب، ابتسمَ بينما تحرّكت يدُ أرجوان بهوانٍ وقد كانت مُدركةً للنظراتِ بينهما والتعبيراتِ القاسيـة منه، أمسكَت بليان وهي تلفظُ بنبرةٍ مرتبكـة : مع السلامة فواز.
فواز بهدوءٍ ينظُر لها ويتجاهلُ وقوف جيهان على بُعدِ خطواتٍ منهما : فمان الله.
تحرّكت بتوترٍ باتّجـاه جيهان وهي تنظُر للأسفل، وقفَت أمامها بينما دسّ فواز كفيْه ووقف يتابعهم بصمت، لا يدري لمَ لم يمضي، أراد البقـاء، أراد أن يُصبّر شوقهُ وإن امتلأ بصفةِ الرضـا / المقيتة!
لفظَت أرجوان بنبرةٍ متوترةٍ متألمةٍ لأجلهـا : يلا نرجع البيت.
لم تردّ جيهان لبعض الوقت وبقيَت صامتةً دون أن تحيد بنظراتها عن عينيه التي تنظُر نحوهما مباشـرة .. عقدَت أرجوان حاجبيها بضيقٍ وهي ترفعُ نظراتها إليها لتزدردَ ريقها بعد أن أدركت أنها تنظُر نحوه، وبوجَعٍ لأجلها : جيهان خلينــ . .
قاطعتها جيهان بحدة : ماهو الحين!
صُدمت من ردّها، وبحيرة : وش قصدك؟
تحرّكت بتهورٍ لتتجاوزها ، شهقتْ أرجوان وهي تستديرُ متابعةً لها بعينيها وقد أدركت ما الجنونُ الذي تريد فعله، لفظَت بجزع : لحظة جيهــان . .
لكنّها تجاهلتها وهي تتابعُ سيرها إليه بينما بهتت ملامح فواز بصدمةٍ وهو يراه تقتربُ منه باندفاعٍ مجنون، لم يتحرّك ولم يتراجع وبالرغم من صدمتهِ لم تُغادره نظرة الثقةِ في عينيه.
وقفَت أمامهُ مباشرةً وهي تنظُر لعينيه بعينيها المحمرّتين من لذعةِ الملوحة، بوجهها المحمرّ وشفتيها المرتعشتين واللتين أصبحها لونهما قانٍ من كتمِها لبكائِها .. دائمًا ما تُصبح فاتنةً لعينيه حين تأتيها بوادرُ البُكـاء ، لا يُحبّ بكاءها، كان دائمًا لا يحب أن يراها تبكِي، لكنّه في المقابـل لا يستطِيع السيطرة على كونِه يُفتنُ بها حين تحمرّ ملامحها وشفتيها استعدادًا للبُكـاء.
لفظَت جيهان بحدةِ صوتِها المقهورِ والبحّـة تعانقهُ بشكلٍ كاد يُذيب قلبه العاشق : وش تحس فيه أنت ! تظن إنّك الوحيد اللي تقدر تقهر؟ إنّك الوحيدة اللي تقدر تكمّل حياتَك وتنساني؟ تظنّ إنّ حياتـي واقفة على بابَك؟!!
تابعها بنظراتٍ جامـدةٍ ومشاعـرهُ يسجنها خلفَ قضبان جمودهِ ولن يسمحَ بتحريرها أمامها أو السيطرةِ عليـه، لم ينطق بشيءٍ بينما أردفت هي من بين أسنانه بقهر : أقـدر أعيش من بعدك .. أقدر أكوّن لي محيط خاص ما ينتظرك عشان تقيسْ طول أحزاني فيه وتستبدلها بـفرح! منت مفتـاح سعادتي يا فواز .. منت النجمة اللي فوقها أحلامي وأحتاج أمسكها في ليل أسود ما ألاقي فيه هُدى غير نورك!
حرّكت فمها في ميلانٍ ساخرٍ للأسفلِ مع آخر كلماتها، سُخريتها كانت مغلّفةً بالألم ، مهما حـاولت جعلها ثابتةً لا مُباليةً بابتعـادهِ لا تقدِر .. هي أضعفُ منه، أضعفُ من أن تستطيع هذا الجمودَ القاتـل.
بقيَ ينظُر لها بصمتٍ بـاردٍ وكفيه لازالتا في جيبِ بنطـاله الجينز، يُتابعها بعينينِ لم تهتزّا لصوتِها، لنبرتها، لكلماتها التي أخبرته بوضوحٍ أنها ستُكمل حياتها من بعده .. أمـال رأسهُ قليلًا وهو يُميل فمهُ مثل ما فعلت بسخريةٍ كـانت أقسى، لم يكُن فيها ألـم، لم يكُن واهنًا مثلها وكأنّ فواز قد انشطـر عن الذي أمامها وجاءها آخر . . لفظَ بصوتٍ باردٍ ساخرٍ سخريةً لاذعـةً أرجفتها : أثبتِ لي .. إنّك تعنين كل كلامك اللي قلتيه تو!
ارتعشَت شفتيها وأهدابُها ثقلَت بدمعةٍ لم تتجاوزها وتسقُط، نظـرت لهُ بوهنٍ وانهيـارٍ بينما أردف ببرودٍ وهو ينظُر في عُمق عينيها بثقة : أنتظـر !
عضّت شفتها المرتعشـة، وازدردَت ريقها وهي تنظُر لعينيه بضعفٍ تشعُر أنّه يهزمهـا بثقةِ نظراتهِ بينما حبالها الصوتيّةُ هشّةٌ فكيف يكون صوتها ثابت؟ وكيف تكون كلماتها مُحاطةً بنبرةِ الثقـةِ وحُنجرتها ذاتُها تهتفُ باسمهِ في ليالٍ كثيرةٍ حتى أصبـح داءها ودواءها!
أخفضَت أحداقها باستسلام، حينها ابتسمَ بانتصـارٍ وهو يتركُ لضحكةٍ خافتةٍ أن تتسلّل من بين شفاهه، وبسخريةٍ لاذعـة : تقدرين تعيشين من بعدي؟
أغمضَت عينيها بأسـى .. ودمعتها التي توقّفت على أهدابها انزلقَت وسقطَت وهي تشدُّ قبضتيها جانبًا، وبنبرةِ ألـم : قلت لي في رسالتك الأخيـرة لو تبين تزوّجي ما عاد يهمني! تظن بنتظر إذنك؟
سمعتْ صوتَه يخرجُ من صدرهِ بوضوحٍ في تعبيرٍ ساخـرٍ " هه "، جعلتها تُدرك جيدًا أنّه لا يُبـالي، لم يعُد يبالي بها أبدًا، لم يعُد الرجُل ذاته الذي كـان يقول بأنّها ملكُه فقط، ليس ذلك الرجُل الذي حارب لأجلها!
مـال فوّاز بجزئه العلويّ نحوها للأمام وهو يبتسمُ ويلفظُ بثقةٍ عميـاء : ما أنتظرك تستأذينين أصلًا .. لأنّك بنفسك ما تقوين! أنتِ أضعف من إنك تحاولين تهزميني بهالطريقة ... أضعف من إنّك تكونين لاثنين.
فتحَت عينيها بصدمةٍ من ردّهِ لترفع رأسها إليهِ وتفغر فمها، وبذهولٍ حانق : تحرّم عليْ اللي حللته لنفسك؟
فواز يرفعُ إحدى حاجبيه : أحد حرّم عليك الزواج بغيري غير نفسك؟
جيهان بغضب : ليه واثق لهالدرجة؟
فواز بابتسامةٍ باردة : لأنّ الشوك عُمره ما تخلّى عن ورده .. بس الورد يعطي لقاحـه للي حوله .. عملية بيولوجية تشرح أقصى امكانياتك.
جيهان ببهوتٍ ووجهها يشحبُ أمامه : وأنا الشوك؟
فواز بسخرية : للأسف!
تقوّست شفاهُها بألمٍ وهي تغصّ بألمِها، التمعَت عيناها بدمعٍ كثيفٍ فوقَ ما كـان، لم تستطِع منعهُ من السقوط، لم تستطِع بعد هذا الألـم الذي ينجح في وخزِ خاصرتِها . . همسَت بغصّةٍ وكلماتها لم تستطِع منعها : متمسّك فيها أكثر من الشوك اللي هو جزء منك؟
فواز وقد أدرك جيدًا من تقصد ، كانت تقصدُ جنـان .. وصلتهُ الصورةُ واضحـة، ولم يتوانى أبدًا في محاولة إيلامها أكثر : متمسك فيها أكثر من تمسّكي فيك قبل . . النقـاء مطلب.
رفعَت كفّها لتغطّي فمها ويئنّ صدرها أمامه دون أن تستطِيع السيطرة على هذا الأنينِ المُخرسِ لسكونِها الكاذب ، وباختناق : يا قوّ قلبك!
فواز : قوّاه جراحك.
جيهان بغصّة : الشوك ما يجرح الورد!
فواز : فيه استثناءات خارجة عن المنطق .. وأنتِ منها للأسف، سويّتي الشيء اللي ظنيته مستحيل .. ما فكرت ولو للحظة إن جرحك لي ممكن يكون عن طريق امي وبهالطريقة! ولو للحظة !!
ازدردَت ريقها بألـم، لا تجدُ ردًا، لا تجدُ حجّةً لتُخرس قناعاتِه بها، قناعاتِه التي خلقتها هي في عقلـه .. بأيّ جُرأةٍ تستطِيعُ الحديثَ والردّ؟ بأيّ جرأةٍ وهي يُحيطها الخزيُ من كلّ جانِب! . . زمّت شفتيها بخزيٍ وهي تضمُّ كفيها وتفرك أصابعها حتى احمرّت .. فغَرت فمها تُريد قولَ شيءٍ مـا لم يظنّ لوهلةٍ أنّه سيسمعهُ منها، لكنّها أطبقَت فمها بضعفٍ وهي تُخفض رأسها، رمقهَا باحتقـارٍ ضجّ بخيبةٍ وألمٍ كبيرين ، ضجّ بخيبتهِ منها! وهذهِ الخيبةُ كافيةٌ حتى يصدّ وإن أراد قلبُه غيـر ذلك .. كافية!
أشاح عنها واستدارَ متحرّكًا ينوي الذهـاب، لكنّه لم يكَد يُكمل خطوتينِ حتى وصل إليه صوتُها خافتًا مترددًا : أنا آسفة!
وقفَ عاقدًا حاجبيه دون استيعابٍ وملامحهُ شرحَت تفاجئه بتصلّبها، أدار رأسهُ ببطءٍ إليها دونَ أن يُدير كامل جسده، اصتدمَ بعينيها التي تنظُر لهُ والدمُوعُ تغرسُ غيمَها فوقَ صفيحتها .. بقيَ ينظُر لها بصمتٍ للحظـات، وحين أفرجَ شفتيه وقد استطاعت قراءة السُخرية التي استكنَت في زوايا شفتيه بوضوحٍ قاطعتهُ باندفـاعٍ حـاد : ماهو عشانك .. ماهو لأنّي أبيك ترجعني! لا تهينني أكثـر .. لا تهينني!
أطبقَ شفتيه وتجمّدت ملامحه أكثـر وعينيه تُظلمان بصمتٍ قاتِل ، ارتعشَت كلماتها واهترأت نبرتها بعدَ أنْ حلّلتها البحةُ في تفاعلٍ خاسِر : لأنّي بس .. غلطت .. ما كان لازم أقول اللي قلتـه .. للحظة تخيّلت أحد يقولها لامي، كنت بذبحه وأشرب من دمه ... أنا آسفة، لأنّي ما فكرت بهالشيء من قبل.
ابتلعَت ريقها بغصّةٍ وهي تقوّس شفتيها وتلفظُ بألـم : المفروض أتجـاهل اللي صار قبـل ، في النهاية هي كُبر امي اللي ماتت .. المفروض أتجاهل حتى لو ما نسيت ، مو لازم أتقبّلها بس أتجـاهل . .
فواز بخيبةٍ يستدير بكامل جسدهِ إليها : لا تكذبين على نفسك وعلي .. أدري إنّ اللي قلتيه بهذاك اليوم كان عشان تقهريني، عشان تنتقمين مني، ما كان له علاقة باللي صار لك قبل! ما كان له علاقة بحقدك عليها . . * ابتسم بأسى * جرّبي تصدقِين مع نفسك عشان تصير الحيـاة صادقة ويّاك.
جيهانْ بحرجٍ من نفسِها : سامحنِي .. وقولّها إنّي آسفة ولازم تكون هي بعد آسفة على شكّها فيني بيوم .. لا تطالبني بالمثالية! ما أقدر أكون متسامحة بكل شيء، أبيها تكون آسفة قبل . . .
ابتسمَت بألمٍ وهي تنظُر لهُ عبر غشاوة الدمُوع، مُردفةً بخفوتٍ تشعر معهُ أنّ الدنيـا تخفُت، أنّ الدنيـا تبتلعها برملِها المتحرّك وتغرُسها في أرضِها : آسفة لأنّي خيّبت ظنّ قلبك، وآسفة لنفسي لأنّي بظلّ أحترق وأتمنى لك حياة تعيسة مع غيـري .. لا تطالب بالمثالية في الحُب بعد! لا تطالبْ قلبي يتمنى لك الخيـر وهو غزاه الوجع لأنّك ربطت اسمك بانسانة غيري !
ابتسمَ في المُقابـل ، وتشوّشت بسمتهُ المتأسية لعينيها التي تكثّفت فيها الدمُوع ونضحَت دونَ أن تهدأ عن التضاعف، لازالت تتضاعفُ حتى ملأت عينيها كلّها ، لازالت تتضاعفُ وهي تشعُر بالخواءِ يملأ صدرها حتى تعالـى صدى أنينِ قلبها ، هذه الأنات ، لا تكفِي لتُخبر جسدي عن النبضاتِ التي تسري فيهِ وتكادُ تفجّر أوردتي لأنّ عنصـر توازنهِ ارتحـل مع قافلـة امرأةٍ سواي، هذهِ الدنيا ليسَت مُنصفة، هذهِ الحيـاة لم تُنصفني حين اقتلعتكَ منّي .. نحنُ الانـاثُ لا تبرأُ أرجُلنا من السيرِ على جمرِ الرجـال/رجلٌ واحد وحين يتزحلقُ من أسفلنا نسقُط على ظهرنا وتبقى أرجُلنا ملتهبة، مشتعلةً لا يُغادرها السقَم، نحنُ الانـاث نَبرعُ في أذى أنفُسنـا بمشاعرَ رغمَ حلاوتها تقتُل ، واللهِ تقتُل وتُجيد السيـر في جنازتنا، تُجيده بكلّ إخلاصٍ لتبقَى في قلُوبنا ويرحَل الجمرُ الذي تركَ حرارتهُ في باطِن أرجُلنا.
فواز بابتسامةٍ خاسـرة ، وفي حديثها الخُسرانُ يقَع، في حديثها شعرَ أنّهما انتهيـا فعلًا، تلك الشهُور لم ينتهيا فيها ، بل في كلماتها الآن ، تلك الشهورُ كانت عقابًا، والقصـاصُ الآن. همسَ بجزع : تقدرين تنسين وأنتِ بتظلين مصاحبتني بدعوات عدم التوفيق؟
جيهان وقد انزلقَ النحيبُ من صدرِها وارتفعَ بخفوتِه وهي تضغطُ بكفّها على فمها وتهتفُ باختناق : بقول للسمـا تنسّيني، للقصائد وللكُتب وللسفر وللحيـاة، بقولهم يشغلونِي عنّك.
فواز يُمرر لسانه على شفتيه الجافتين قبل أن يلفُظ ببسمةٍ ساخرةٍ من نفسِه : مثل ما المرَة بتشغلني وأنساك؟
ضحكَت بسخريةٍ وهي تهزُّ رأسها بالنفي، وبأسـى : ما عُمرها أنثـى كانت حجّة للنسيـان .. صدّقني أفشل طريقة عشان تنسى أنثى هي أنثى ثانية .. الاناث سلاح، بس يظلّ دم الأولى ريحتهُ تغطّيه ، وبتظلْ تتذكّرني بكل ثانية.
فواز : أفهم إنّك ماراح تحاولين تنشغلين عن حبي وتنسيني برجُل؟
جيهان ببسمةٍ وهي تمسحُ دموعها : قلتها لـي .. أنا أضعف من إنّي أحـاول أنتصـر عليك بهالطريقة .. بس صدقني ماراح أخلي حياتي تتوقّف عليك ، وبعيشها بحلوها ومرّها، وأنتْ مرّها!
فواز بابتسامةٍ خافتةٍ ميّتة : بالتوفيق.
جيهان : لـي بس ... الله لا يوفقك مع غيـري.


،


تجلسُ على الأريكةِ في غُرفتهما، الجدرانُ مشبّعةٌ برائحتهِ يتمرّغ فيها الأكسجين قبل أن يدخل لرئتيها التي صـارت تعرف رائحتهُ وكلّ الروائح سواهُ عدَم. ابتسمَت للقطّة في حُجرها، مسحَت على ظهرها لتتمرّغ بدلالٍ في ملابسها، ضحكَت : مو معقولة صرتِ تتدلّعين علي من أول يوم!
ماءَت لتبتسمَ وصوتُها يخفتُ بخفوتِ قلبها الذي يهمسُ لأوردتها بكلماتِ الحُب التي كـادت وحكَى العزيزُ عن كيدِها ، المرأةُ إن عشقَت تقتلُ بكيدِها. همسَت : تدرين قوزالي .. مبسوطة لأنّك جيتي ، مررة مبسوطة فيك تدرين ليه؟
راقبتها وابتسامتُها تنكمشُ قليلًا، تتخلخلُ بأصابعها شعرها الأبيض، وتُردف : جيتيني رحمة من الله، يقولي سلطان لا تقنطي من رحمة الله ، رحيم حتى على عباده المُخطين .. أنا جالسة أتلوّث بذنبي، بس للحين ربي راحمني! مثل ما رحمني قبل بسلطان وأنا مافيني أي خير، سلطان جاء رحمة ، الحُب كان رحمة! جانِي وأنا ملوّثة بقذارة ومازلت بس بشكل أخف! ربي للحين قاعد يرحمني وجابك لي .. عشان أفضفض بس! بموت لو ما حكيت، بختنق بالحكِي مثل ما قلبي قاعد يختنق يبي يقوله - أحبك - بلحظة هو يبادلني فيها " وأنا أكثر "!! الله ما أسعدني لو قالها لي بيوم!! تتوقعين يجي هاليوم؟!!
أشاحت بأحداقها وابتسامتها تلاشَت، نظرَت للفـراغِ وسلطان تراهُ سرابٌ يجيئها في لحظةِ عطشٍ لكنّها لا تستطِيع ملامسته، رَاهَ سرابُه! كما راهَت عيناها بعد قلبِها، كيف لهُ القدرةُ على إثارة هذهِ الزوبعةِ فيها ! إثارة سعادةٍ وحُزن في آنٍ واحد ، أموتُ بحزني يا سلطان، يقتلني ، كما تعدُو بي السعادة على سلّمك دونَ أن أسقط ، لا أدري كيف لم أسقط حتى الآن ولم أصل أيضًا!! أخاف ألّا أصِل لك، أخاف ألّا أصلَ يا سلطان وأسقُط في نهايةِ المطافِ قبل أن أظفر بقلبِك.
تنهّدت وهي تُعيد نظراتها للقطّةِ التي هدأت عن حركاتِها واسترخَت في حُجرها، عـادت لتبتسمَ بأسى وعينيها فارغتان، نطقَت تُكمل حديثها للقطةِ وكأنّها تفهمها، كأنّها قد تواسيها : الحيـاة حتى لما تبتسم لي أحس ورى ابتسامتها مصايب ! * رنَت إليها وهي تهمسُ وكأنّها تخشى أن تسمعها الجُدران فتُخبر سلطان بما تقول * الحياة خدّاعة مثلي ، جالسة أكذب عليه، مثل ما كذبت على أبوي يوم العيد، أبُوي الحين يظنّني بريئة من القذارات اللي قبل، تمنيت لو إنّ كذبتي ممكن تحسّسه بالذنب ، تحنن قلبه، بس وش أرتجي من قلب عافَته الرحمة؟
تنهّدت وهي ترفعُ رأسها وتسندهُ للخلفِ ليواجهَ وجهها السقفَ المنقوشَ فوقها، اتّسعت ابتسامتها وهي تُردف بصوتٍ ارتفعَ هذهِ المرّة، تريد الآن لكلّ شيءٍ أن يسمعها، أن يشهد على كلماتِ الحُبّ في صوتِها العاشِق : مشكلة صاحبتك .. بيذبحها الهوى ، خامـرها الجوى والله! أحس إنّي أحب لأوّل مرة! أييييه لأول مرة لأنّ حبي قبل كذّاب !! كان حب ماله أساس .. الأساس سلطان وعيونه بس، الجوهر لكلّ الحيـاة !
زفـرت وهي تبتسم، لا بأس ، لمَ قد تُدخل الحُزن لقلبها؟ ربما هي لا تقُوم بشيءٍ خاطئ، ربّما خطوتُها صحيحة، في كلّ الأحوال لو أنّ ذاكَ الرجُل الذي هجمَ على منزلهم قبل أشهرٍ قد وصل لمآربهِ لمرّ الوضع كالآن، على من تضحك؟
فُتح الباب، وجّهت نظراتها إليه لتُشرق ملامحها بابتسامةِ العشقِ وتهتف قاصدةً قطّتها التي تتدللُ في حُجرها : شكلها بتنام.
جلسَ على السريرِ وهو يعقدُ حاجبهُ وينحني ليخلعَ حذاءه : وبتنام بهالغرفة إن شاء الله؟
غزل تُميل فمها بامتعاض : وين أجل؟ .. لحظة إنت ما تحب الحيوانات؟
سلطان ينظُر نحوها بهدُوء : تستفزني القطاوي .. عشان كذا لا تقرّب.
ابتسمَت بمكرٍ وهي تنهضُ وتتّجه نحوهُ في اللحظة التي عاد فيها سلطان يوجّه نظراتهُ لحذائه، لم يشعر سوى بجلوسها جانبه، رفعَ رأسه بتلقائيةٍ ونظر إليها ليقفَ مباشرةً وكأنّ عقربًا لدغه وهو يلفظ بتقزز : ابعديها !!
غزل تقفُ وهي تضحك، مدّتها إليه هاتفةً بمشاكسة : شيلها .. ما تسوي شيء لا تخاف.
سلطان يتراجع للخلف : قررررف!
غزل بامتعاض : ماهي مقرفة! نظيفة مافيها شيء!
سلطان بنبرةٍ متقززةٍ شرحتها تغضّن ملامحه : وش اللي يضمن لي !!
غرل بقهرٍ سحبتها وهي تلفظ : نظيفة ، وبتآخذني بعد لأقرب عيادة بيطرية عشان أشوف وضعها وإذا فيها فطيريات أو لا وأفحصها فحص كامل.
سلطان يرفعُ إحدى حاجبيه : من كم ثانية تقولين نظيفة !
غزل بدفاعٍ طفولي : أيه نظيفة وش عندك؟
سلطان يزفر : الله يصبرني أنا مين قالي أمشي ورى أهوائك!!
غزل تبتسم ببراءةٍ وتتلاعب بحاجبيها : حبيبي اللي كَلبه حنيّن وما تركها بخاطرِي.
ابتسمَ بهدوءٍ ولم يعلّق ككل مرةٍ تقول فيها " حبيبي " أو أحبك! ككل مرةٍ تعبّر فيها عمّا في صدرِها ولا يجدُ شيئًا في صدرِه يُسعدها بِه!


يُتبــع . .

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 25-05-16, 01:27 AM   المشاركة رقم: 798
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 


،


خرجَ من المطعمِ بعد وقتٍ قصيرٍ من خروجِ شاهين ومحادثتـه لمتعب لدقائق طالت كان يسردُ فيها ما حـدث، وجدَ منه صمتًا مُهلكًا حين فصّل لهُ حالـة الاغماء الغريبةِ التي انتابت شاهين ليتبعهُ بسؤال فضولي : هو مريض بشيء؟
ولم يجدْ من متعب سوى الصمت، الصمتُ الذي يعتمـل في نفسٍ بشريةٍ غُدرَت وما عـاد لها الحقُّ في الاهتمـام بمن غدرَ بها وإن كان أقرب البشـر إليه ، صمتَ صمتًا موجعًا، كـان يسترُ من خلفِه أنينًا وصيحاتِ اعتـراضٍ على مـا حدث، لكنّه فقط، فقد الحقّ في أن يقلق ويهتم !
صعدَ للسيـارة ليحرّكها ويطُوف بِها بذهنٍ يتشتت ما بين متعب وشاهين وما بينها ، بين طفلتهِ الصغيرة! لم يمضي الكثيرُ على زيارتها لهم، وبالتأكيد لن تُنهيها الآن، ولن يستطيع هو الآخر أن ينضمّ إليها . . ابتسمَ وهو يوقفُ سيارتـه أمامَ محلٍّ خاصٍ بالحلويـات، هاتفًا بنبرةٍ كئيبةٍ رغم ابتسامته : الخطة الحين أشغل وقتي ببطني أو فيلم أو بأي عفن لين يمشي الوقت . .

في جهةٍ أخـرى . .
تجلُس بهدوءٍ بجانب هديل التي كانت تلفظُ بنبرةٍ ممتعضة : والله عيب زوجك من البداية ساحب يعني وش كان بينقص من عمره لو نزل وسلّم على أبوي وياسر؟ معليش قلّة أدب والله!
قلّبت إلين عينيها بضجرٍ وهي تشدُّ على قماشِ بنطالها الطوبي الواسـع، حتى هُنـا يلاحقها بالحديثِ عنه، حين دخـلت سألت عنه هالـة، والآن هديل وبعد قليلٍ تدرك أن ياسر وعبدالله سيسألون عنه أيضًا، لمَ يلاحقها بهذهِ الطريقة! في الماضي والحاضـر كما سيكون في المستقبل أيضًا!!! . . أدارَت رأسها إلى هديل لتنظُر نحوها بعينين مُحترقتينِ كرهًا وهي تردُّ بصوتٍ حاولت نزع الحدةِ فيه : الحين أنتِ تبيني والا تبينه هو؟
فغرَت هديل فمها بصدمة، لكنّها سرعان ما غرقَت في ضحكةٍ صاخبـة وهي تهتف بشغب : تغارين؟ من بدايتها صايرة تغارين عليه!!!
إلين بقهرٍ من بين أسنانها ووجهها يحمرُّ بحنقٍ وخجلٍ في ذاتِ اللحظة : نعم نعم؟ أغـار؟!
هديل تتلاعبُ بحاجبيها ارتفاعًا ونزولًا : أيه لا تنكرين .. عاد توقعتك أثقل من كذا مو من أول يوم يجيب راسك!
إلين بحَرجٍ رغمًا عنها : استحي على وجهك بلاش هالخرابيط!
هديل : خرابيط؟ يا شيخة لا تحاولين تراني هديل ماهو بيننا هالخجل ... * التصقَت بها لتُردف بابتسامةٍ خبيثة * علميني الحين المهارات اللي عنده عشان يقدر يجيب راسك يمكن أصير ذكية مثله وأجيب راس زوجي بيوم واحد.
إلين بخجلٍ تبتعد عنها : وصخة ومعفنة وقليلة حيا!
هديل تصخُب بضحكاتٍ أنثويةٍ ماكـرة : ماقلت شيء! حرام بعد أتعلم الأسلوب اللي يصلح عشان أطيح زوجي في شباكي؟
إلين تمطّ فمها بامتعاض : صدقيني امه داعية عليه بليلة القدر.
هديل ترفعُ إحدى حاجبيها : بالله! ما عليه كنت بوريك العلم الصح بس رحمت زوجك ترجعين له من ثاني يوم وأنتِ مكفخة.
ابتسمَت ابتسامةً باهتـةً دون أن تردَّ وهي تسترجع ملامحهُ التي استقبلها بهـا ظُهرًا، تلك الملامح التي جعلتها تجزعُ أكثر، تيأس وتدرِك أنّها سقطَت في حُفرة رجلٍ أهـوج، كيف لرجلٍ أن يستقبل - زوجته - في اليوم التالي بملامح تُخبرها بوضوحٍ عن شجارٍ طفوليٍّ وعقلٍ لا يُلائم سنّه؟
تنهّدت بجزعٍ وهي لا تزال تسأل الله في صدرها أنها لازالت تحيا كابوسًا ككوابيسها القديمة التي كانت تأتيها ليلًا متخمّرةً بملامِح أدهـم، ارتعشَ جسدها والتوَت أحشاؤها لتلفّ ذراعيها حول جسدها الغضّ وهي تعبسُ بوجَع، بينما ظهر الاستنكـار على هديل التي هتفت : بردانة؟
إلين تنظُر لها باسمة، وبكذبٍ تبرّر ارتعاشـات جسدها : أيه خفضي للمكيف شوي.
وقفَت هديل بتذمر : عروس لازم نخدمك.
ابتسمَت دون تعليقٍ في اللحظة التي دخل فيها عبدالله ومن خلفهِ هالة وياسر الذي ابتسمَ ما إن رآهـا ليهتف بحنانٍ خالـص : حيّا الله عروستنا الجميلة.
وقفَت ووجهها يتلوّن بحُمرة الخجل، اقتربَ ياسر ليحضنها دونَ مقدمـاتٍ ويقبّل رأسها وهو يلفظُ بخفوت : الله يوفقك ويسعدك.
ارتبكَت تلقائيًا لتُخفض رأسها بخجلٍ وهي تهمس : آمين يارب .. عقبالك.
ياسر بابتسامةٍ ظهرت بها أسنانهُ البيضـاء : باقي ندوّر وحدة تشبهك خَلقًا وخُلقًا بس ما حصلنا.
ضحكَت بحرجٍ وملامحها تتضاعفُ حمرتها : يا كثر ما تجامل!
هديل يأتي صوتُها معترضة : أنت ما راح تحصل غير وحدة تشبه سمية * زميلةٌ لها *
ياسر يرفعُ حاجبهُ الأيسر : ومين هذي بعد؟
هديل : وحدة ثرثارة وعوبا .. تناسبك.
هالة بحدة : هديييييل وعمى لعدوينك! كم مرة نقولك لا عاد تحكين عن البنات بسوء وفوق كذا قدام أخوك وأبوك! عيب يا بنت عيييييب!
لوَت هديل فمها بانزعاجٍ بينما رمقها ياسر باحتقارٍ وصدّ ينظُر لامه، زفرت بحنقٍ لتحين منها نظرةٌ لإلين التي كانت تضعُ كفها على فمها تكتمُ ضحكتها، وبضيقٍ مقهور : خير يا عروسة وش عندك تضحكين؟
إلين بشغب : على قرادتك.
هديل بوعيد : شكلك بترجعين لزوجك مكفخة من جد!!
تجاهلتها إلين وهي تبتسمُ لعبدالله من خلفِ ياسِر، كـان ينظُر لها مبتسمًا بحنانٍ رقيقٍ بثّ في قلبهـا طمأنينةً وقشعَ ضبـاب أدهم المتكوّن حولَه، تحرّكت أقدامها إليه، وقفَت أمامهُ على أصابع قدميها حتى تصلَ شفاهُها لجبينه وتقبّله بحب، وبنبرةٍ مُطمئنة وبحبُور : كيفك يبه؟
عبدالله يضمُّ رأسها إلى كتفهِ بحنو : ما علي شر.
خفتت ابتسامتهُ تدريجيًا وهو يسألها بقلق : متضايقة؟
إلين تدفُن وجهها في كتفهِ حتى تُغيّب ملامحها الكاذبة عنه وهي تلفظ بنبرةٍ تتصنّع الراحـة : أبـد ، مرتاحة للحين.
عبدالله يعقدُ حاجبيه وهو يبتسم بأسى ويهمس بصوتٍ لم يتعدى غير أذنيها : تكذبين عليْ؟ أقدر أقرا في عيونك الضيق ، متأكّد إن اللي مخففه عنك هو جيتك هِنا بس ما اختفى للحين!
صمتت ولم ترد، حينها زفـر بحدةٍ وهو يهتف بوعيد : وش اللي مسويه عشان يضايقك؟ علميني لو ضرّك بشيء وبجيبه لك الحين مذبوح!
ابتسمَت رغمًا عنها واهتزّ صدرها بضحكةٍ أخرستها مباشرةً وهي ترفعُ رأسها وتنظُر لهُ بعينين تلتمعـانِ امتنانًا : قلت ماراح تتدخل بحياتي بعد ما أصير عنده!
عبدالله بغضبٍ لم يستطِع أن يسترهُ خلف صوتِه الخافت : إذا ضرك بذبحه وأنتِ وراه لأنك رميتي حالك لهالحيـاة الدنيئة معاه!
إلين بهدوءٍ تحاول ألّا تجعل شغلهُ الشاغـل هيَ، تريده أن يرتـاح من مسؤوليتها، تريد لهُ أن يطمئنّ عليها خلف أسوارِ أدهم ، لفظَت بثقة : لو ضايقني صدقني ماراح أسكت له تراني ماني هينة .. وإن شاء الله يتعدل على يديني.
تنهّد بقنوط : هذا زواج .. ماهو حرب ! مشكلتك ما فكّرتِ بهالنقطة قبل قرارك!
إلين : لا تحاتيني .. جديًا يا الغالـي ماراح يصير لي شيء سيء عنده ، أنا واثقة من نفسي لو كنت بخسر حالي واكتئب كان صار هالشيء من سنين! ماهو قصور منكم .. بس قصور من روحي وقناعاتي باللي كتبه ربي لي .. فوق ما كنت مؤمنة وشاكرة لله على كل شيء اكتشفت من قريب إني كنت أكفر بنعمته وأطمع بالمزيد وهو معطيني أشياء كثيرة ما حصلوها اللي بحالتي هذي! بس مع كذا ما خسرت نفسي بالكامـل ، كان ممكن أخسرها لو استسلمت أكثر بس ما صـار ولا راح يصير بإذن الله.
ابتسمَ وهو يمسحُ على شعرها : الله يكملك بعقلك.
ضحكَت بأسى : للأسف تفكيري غبـي دايم ، ما أقصد بسالفة الزواج .. بس لأني كنت أبكي ليالي كثيرة لأنّ الله ما كتب لي حياة مثل ناس كثيرة حولي ... الحمدلله على كل شيء .. الحمدلله.


،


خسِرَته .. وخسِرها . . الفتـرة الزمنيةُ بينهما انتهت ، المنتصفُ ارتحـل ، وبقيت الأقطـاب، تكون له ، أو لا تكون .. وحدثَ أن اختـارت الحياة لهما القطب الثانِي . . الفراق! لم يختارا شيئًا ، لم يكُن لهما الخيـارُ في شيء، خسرا الحقّ في الاختيار، وسيّرتهما الحيـاةُ كما تريد .. يحيا دونها ، وتحيـا دونَه . . يا لقسوةِ الفراق!
لم يستطِع العودةَ لشقّتـه ، لم يستطِع العودَة لنفس المكان الذي تعيشُ فيه يفصل بيهما طابقٌ واحـد ، نحنُ البشـر ، خُلقنَا ونحنُ نبحث عن سعادتنا، لكنّنا دائمًا ما نؤلم أنفسنا . . نحنُ البشـر ، آدميّونَ حين تكونّا التحمَت بنا أحرفٌ ثـلاث، كُنّا نُطفةً من ألِف، ثمّ علقةً من لام، ثمّ مضغطةً من ميم .. واكتسَينا أخيرًا من ألمْ! هذا تكويننا، لا نرضى بيومٍ دون ألـم .. وأنا سُيّرت بالألـمِ مُستقبلًا بعد حاضـر .. طمعتُ به ، للأسف يا جيهان طمعتُ بهِ حين سيّرتني الدنيا لتركِك.

وتلكَ منذ عادَت للشقّة بعد صدامهما .. دسّت جسدها أسفلَ اللحافِ لا تستوعب الخسـارة التي نالت منها اليوم .. بالفعل خسرته! بالفعل افترقـا . . . كانت تبكي ، كمن أفقدهُ الموت شخصًا عزيزًا من جديد ، كما أفقدها أمّها!


،


قبّلت عقـارب الساعة الرقم إحدَى عشـرَ في لدغةِ وقتٍ لا يتباطؤُ ولا يؤثّر الزمـن في تسارُعِه، يبقى كمـا هو، لا ينتظـر ، ولا يتعثّر . . نظـرت لهاتفها بوجومٍ وهو يرنّ معلنًا اتصـال أدهم بِها، زفـرت ولو أنّها كانت تجلسُ وحدها لما ردّت عليه، لكنّ العيُون ملتصقةٌ بالنظـرِ لها، لذا ردّت على مضضٍ ورفعت الهاتف لأذنها هاتفةً بضيق : ألو.
أدهم وصوتُها يدغدغُ شفاههُ ليبتسم دون شعور : أنا برا.
عقدت حاجبيها بحنقٍ وكادت تنطق " ما قلت لك تجي! " لكنّها لملمت الكلمات في حنجرتها ودثّرتها بالصمت وهي تردّ بجمود : شوي وبطلع.
أغلقت بينما كانت نظرات ياسر معلقةً بها حتى رآها تُخفض هاتفها، لفظَ بهدوء : أدهم؟
إلين ترفعُ عينيها اللتين غلّفتهما عن الضيق : أيه هو.
وقف : بسلم عليه ، ماله عذر ما يوقف هالمرة!
توسّعت أعيُن إلين باعتراضٍ وهي تتذكّر حـال وجههِ الموبوء، ارتبكَت أصابعها لتهتفَ بلعثمةٍ وكلماتٍ تراصّت بزحـام الاعتراض : لا والله إنك تجلس الحين وما تطلع له!
نظر لها ياسِر بصدمةٍ من إلقائها اسمَ الله بهذا الشكلِ كي لا تدع لهُ الفرصة كي يعترض، وباستنكار : تحلفين عليْ؟
إلين بربكةٍ تُبررُ وهي تتلاعبُ بطرفِ قميصها الأبيض : الوقت متأخـر ، وأنا ملاحظة إنك نعسان من أول .. بجي بكرا وبتقابله.
جلسَ وهو يعجّن ملامحهُ ليكوّن حالـة اللا تصديق التي ظهرت على وجههِ بوضوحٍ من تبريرها السخيف والغير مُقنع، لم يردّ عليها وهو يكتّف ذراعيه في تفكيرٍ عميقٍ خافت أن يصِل بهِ إلى إدراك حالتـهما . . وقفَ عبدالله الذي كان يقرأها بسهولةٍ ليهتف : أنا أبيه الحين بموضوع عشان كذا بطلع.
إلين تنظُر لهُ برجـاءٍ مُدركةً قراءته لها، لا تريد أن يراه بتلك الهيئة ويجزم بأنها لن ترتاح أبدًا معه وهذا ماهو واقع : مـاله داعــ . .
قاطعها عبدالله بجمود : لا تفكرين تحلفين عليْ بعد ، مالك عذر هالمرة!
هالـة باستنكارٍ لردّات فعل إلين المعترضة على مقابلتهم له : أي والله عذرك سخيف وش فيها لو طلعوا له ما راح يتعّبهم!
ابتسمت على مضض، لم تكُن ابتسامةً بحجمِ ما كان تشنجًا في شفاهها التي انحنَت دون رضـا. تحرّكت نحو عباءتها المعلقة حتى ترتديها، ودّعت هديل وهالـة كارهةً هذا الوضع، أن تذهبَ وهي تودّعهم دون أن تعُود فتنـام في غرفتهـا ، غرفتها التي صعدت لها قبل ساعاتٍ مع هديل ، تفقّدتها ، ابتسمَت لها بحسـرة، طلبت منها الغفـران على هذا الهُجران ، على ابتعـادها ، لأنّها لن تنـام فيها مرّةً أخـرى ولن تحضن وساداتها التي واستها في ليالٍ كثيرة، ولا فراشها الذي مسحَت بهِ دموعها مراتٍ عديدَة.

بينمـا كان أدهم ينتظرها في الخـارج وهو يضربُ بأصابعهِ على المقودِ ويدندنُ دُون تركيزٍ بصوتِه الذي يعبثُ بصمتِ الوقتِ وهدوئِه، ينظُر للبـاب منتظرًا انشـراعهُ عنها لتظهـر لهُ بستـارها الأسـود المُغيّب عنه أناقتها وفتنتها، لم تسمح لهُ برؤية زينتها قبل خروجهما وارتدت عباءتها ونقابها قبل أن يراها .. هي حتى لم تسمح لهُ برؤية زينة العروس فيها البارحـة !! أي كآبةٍ سيصل إليها إذ لم يرى من زوجته سوى ظهرها بليلة الزفاف!
مطّ شفتيه بامتعاضٍ وهو يُعيد رأسه للخلفِ ويلفظ بتذمّر : لا زان الوضع بيننا بخليها تعيد ليلة الزواج غصب عنها .. بلبّسها فستان أبيض وبخليها تروح نفس المشغل أهم شيء تعوضني عن أمس ! وش ذا النحاسة بس!!!
زفـر وهو يُخفض إحدى كفيه ويضرب بأصابعه على فخذهِ هذهِ المرةَ وكأنّما يُرسل لدمهِ نفاد صبرهِ باصبعهِ دونًا عن انبعاثِها عبرَ هزّ ساقيه، أعـاد نظراته نحوَ البـاب وهو يميل فمه، لكنّ ملامحه تشنِجت فجأة حين رأى عبدالله يخرجُ دونَها، تصلّب جسدهُ و " نحاسته " تجعله يضعُ احتمـال أن تكون قرّرت أن تتركه من اليوم التالي! لن يطرد هذا من احتمـالاتِ حياتِهما، فهي قرّرت فجأةً أن تقترب وصدمته بقرارها ، وقد تفعل العكس فتصعقه!
مدّ يدهُ لمقبض الباب وقد قرّر بتهورٍ أن تكون لهُ المبـادرةُ في الهجوم والدفـاع عن ملكيّته ، لكنّ خروجها في تلك اللحظـة جاءَ رحمةً من اندفـاعٍ أهوج . . هدأت انفعالاتُ أصابعه المنقبضةِ على المقبضِ وهو يُمررُ لسانه على شفتيهِ ويهمسُ بتوعيةٍ لعقله : اعقل ، اعقل ! بلاش تهوّر خلّك منضبط شوي أنت طايح من عينهم أصلًا!
" عينهم " هذهِ لم يعنِها فعلًا، فهو لم يهتم لنظرة عبدالله لهُ أبدًا بحجمِ ما يهتمّ بها هي ، فقط!
فتحَ البـاب دون ترددٍ ودون أن يفكّر للحظةٍ بأمر ملامحه التي ترسمُ خريطـة كنزٍ من العيـارِ المشتعلِ في الطيشْ، بينما أغمضت إلين عينيها بيأس، كانت تتمنى معجزةً ما تجعل ملامحهُ تتلاشى في ظـلام الليلِ الذي لم يُسعفهُ ضوءُ قمرٍ كافٍ حتى يُضيء، تمركزَت الأضـواءُ في سيارتِه، في إنـاراتِ الحيّ الهادئ في هذا الوقت.
اقتربَ منهما أدهم بخطواتٍ متزنةٍ حتى وقف أمام عبدالله الذي عبّر عن صدمتِه باجفانِه العلوية التي ارتفعَت كاشفةً أحداقهُ المصدومةَ كلها ، نظـر لملامحه شرزًا لثوانٍ ومن ثمّ وجه نظراته تلك لإلين التي نظرت لأبعدَ نقطةٍ في الشـارع، وبنبرةٍ ضيّقة : عشان كذا ما كنتِ تبين طلعتنا له!
لم تجد ردًا تستطيعهُ وصمتت، بينما أعـاد عبدالله نظراته لأدهم الذي وقف أمامه ببساطةٍ وهو يبتسم دون مبالاةٍ بحقدِه وكرههِ له : هلا يا عمي ابو مرتي .. شلونك؟
عبدالله يُدرك أن أدهم لا يُحاول سوى الاستفزاز لمَن يُعارضه، وقد نجحَ في ذلك! . . لفظَ بنبرةِ كُرهٍ صريح : وش اللي بوجهك؟
رفعَ أدهم كفهُ ليتلمسَ وجههُ وهو يبتسمُ بمتعةٍ ويوجّه أنظاره لإلين، أشـار بذقنهِ إليها وهو يهتف بعبث : كفّختني الله لا يوريك!
عبدالله بعصبية : رايح تهاوش عيال الناس من اليوم!!! أمس كان زواجك ! أمس لابو من رضَت فيك !!!
نظَرت إلين برعشـة شفتيها إلى عبدالله الذي ردّ عليه أدهم بهدوءٍ وهو يحكّ عنقه : ما هاوشت عيال النـاس ، صديقي وكنّا نمزح.
عبدالله بحدة : تمزح؟ الموضوع عندك بسيط كِذا!! ياخي أنت رجّال متزوج! * تأفأف وهو يشدُّ على قبضتيه ويهزّ رأسه نفيًا دون فائدة * غلطي إنِي سكت عن هالهزلة وما حاولت أربيك قبل تاخذها!
أمـال أدهم فمهُ دون رضـا بما يقوله، وبتجهّم : محسسني إني متكفخ معها هي! ترى آخرتها مزحة عادية بين ربع وش دخل زواجي يا شييييخ!
عبدالله بنبرةِ غضبٍ صاخبة : فارق وجهي قبل لا أكفر فيك .. نعنبو دارك ما تحس على عمرك! كم صرت بالله!
أدهم يبتسم ببرود : 34 وبصك 35 قريب .. توني ما وصلت سنّ النضج للرجُل.
انعقدَ حاجبي إلين بحدةٍ من أسلوبه الوقحِ في الرد، لم تشعر بنفسها حين انبعثَ صوتُها من بطنِ الحدةِ لافظًا باستهجان : أدهــــــم !!!
اتّجهت نظراتهما إليها لتخفتَ ابتسامة أدهم قليلًا ويغادره العبثُ والاستفزاز ، استطـاع بوضوحٍ قراءة الاحتقـار من عينيها الظاهرتين لهُ عبر فتحة النقاب، أشـاح وجههُ بصمتٍ وهو يتنهّد بغيظٍ من القيد الذي التفّ حولَ معصمِ كلماتهِ أمـام عبدالله وكأنّه خشيَ لوهلةٍ أن يتضاعف كرهها له، هذا إن لم يكُن تضاعف!
أردفت بانفعال : بطّل تحكي معه بهالطريقة الــ . .
قاطعها عبدالله بغضبٍ هو الآخر : آخر شيء أنتظره منك يا إلين تهاوشينه عشان قلّة أدبه ! أنتِ اللي اخترتيه وأنتِ اللي لازم تواجهين كل عيُوبه برضا ! افرحـي بنتائج عدم قناعتك!
لفظَ بكلماتِه تلك ومن ثمّ تحرك بخطواتٍ منفعلـةٍ مبتعدًا عنهما ، تاركًا لها خلفهُ تغصُّ بلقمةِ الجفـاء الذي تدرك أنّه سيعاودهُ بعنفٍ أشدّ بسبب ما حدثَ للتو! . . بقيَ أدهم متصلبًا في مكانـه دون أن ينطُق بشيء، تحرّك خطواتٍ متّزنة نحو سيارتهِ ليفتح بابهُ ويصعد دون أن ينظُر نحوها ، كانت في تلك اللحظـة قد تزاحمَ حُزنها وقهرها في صدرِها ، تضاعـف حقدها عليه، كرهتهُ بشكلٍ أشدّ وانقبضَت كفوفها على عباءتها تكادُ تمزّق قماشـه حتى تفرّغ الغضب الذي استهوَاها الآن بفعلِ لسانِه.
نظَرت للسيارةِ التي كـان يجلسُ فيها ببساطةٍ وكأنّه لم يفعل شيئًا، تحرّكت مرغمةً ولو أن الأمر بيدها لفجّرت سيارته وهو داخلها وابتعدَت ، لأقصـى هذهِ الأرض التي لا ترضى حملَها وإنبـاتِ خُضرةِ السعادة على محياهـا، لا ترضى بغيـر التضييق عليها بالنقصِ فقط!
فتحت الباب بحدةٍ وهي تجزمُ بأنّها كلّما حاولت أن تمتلك قناعةً ضدّ الحيـاة تفشل بخزي، ركبت لتغلق الباب بقوّةٍ كـادت تحطّمه وكأنّها تريد بذلك استفزازه حتى تصرخ في وجهه، لكنّه صمتَ ولم يقُل شيئًا، حرّك السيـارة بصمتِه ذاكَ وابتعـد عن منزِلها الذي احتضنها سنين، لم يعُد منزلها، لم يعُد دارها، أدهم الذي سرقَ منها الليـالي كثيرًا عـاد ليسرقها من المنزل الذي رعـاها واحتضنَ نقصها! .. اقشعرّ جسدها دون مقدّماتٍ لتفركَ زندها تلقائيًا بكفّها اليُمنى وهي تنظُر لموضِع قدميها ببؤس، تقوّست شفاهها في معكوسِ ابتسامةٍ تعنِي الحُزن والخُسران.
بينما أغـرقهما الصمتُ بأمواجِه العاتيـة حتى وصلا لشاطئ الضجيج، أوقف سيارتهُ أمام الفُندق، أدار رأسه إليها وهو يطبق شفاهَه، أفرجهما وهو يشعر بأن في صمتِها عاصفةً قادمـة، ولم يخطئ، فهو ما إن نطق باسمها " نجلاء " حتى استدارت إليه بعنف، تنظُر لهُ بنظراتِ حقدٍ حارقـةٍ وكأنّما كانت تنتظرُ فقط مبـادرةً منهُ حتى تنفجرَ في وجهه : إليـــن ... إلييييييييين .. اسمي إلين ماهو نجلاء!
بقيَ ينظُر لها بصمتٍ ومشاعره في تلك اللحظة لم تُظهرها ملامحهُ ولا عينـاه، حرّكت كفها بعشوائيةٍ في الهواءِ وهي تصرخُ بعصبيةٍ بالغـة : أنت وش تحس فيه؟ بأي حق تتجرّأ وتقلل من أدبك معاه؟ متأكدة مليون مرررة إنك بكل مرة كنت تقابله فيها تذوّقه من سم لسانك .. ما اكتفيت من سم أفعالك معاي رحت تجرب سموم لسانك الوصخ على غيري!
لم ينطُق بشيءٍ أيضًا، كـان صامتًا يسمحُ لها بالصراخِ والحديثِ بهذهِ الحدة وهو متصلبٌ تمامًا ينظُر لها بجمودِ ملامحه الحـادة، بينما أردفت دون شعورٍ أو مبالاةٍ بكلماتِها الفجّة : من أي بيئة طلعت ! من أي مستنقع جيت بالضبط!! أسلوب طايش وما يرتبط بالوعي أبدًا واللي المفترض يكون بعُمرك الحين صار أب ويربي عيـال ، أنت لو عندك عيال ضاعوا ! والله العظيم ضاعوا!!
لو أنّ الوضع مختلف ، لكـان ابتسم في هذهِ اللحظـة وهو يتخيّل " عيالهم "، إلا أن الهواء المشتعل بنيرانها حولهما لا يؤهـل لبسمةٍ وهدوء، بل كـان رغم جمودِ ملامحه يشتعل وقد استفزّهُ أسلوبها بالحديثِ معه ، كان يضغطُ على مخارح الأحرف التي ودّت لو تعانق نبرة الصراخ وتُخرسها، كلّما تحرك لسانه داخل فمهِ عضّه بأسنانه يمنع نفسه من جعلها تنفُر منه أكثر، يُقرئ عقله بأن يحتمل ما حصدهُ من ثمراتِ طيشِه وإوجاعِه لها.
إلين تستمرُّ بكلماتها الحـادة والمُتحسّرة دون أن تبـالي بغيظِه الذي يكتمه والذي لا يطمئنُّ لصمودِه، وكأنّها تُفرّغ أيـام القهرِ وشهور الكبت الذي كانت تعانيه : أنا شسويت بنفسي؟ المشكلة أدري لو رجع الزمن كنت بختارك ، لأنّه مافيه خيارات لي غيرك! وليتك كنت خياري الوحيد بس على سنع!
تشنّج عنقـه وملامحهُ تُظلم في حين كانت عينـاهُ تُريها معالم الظلام الذي أضـاع كلماتها فجأةً وجعلها تصمُت عن بقيّة كلماتها بتلقائية، صمتَ ضجيجُ الكلمات، لكنّ صجيجَ عينيها الحاقدتين لم يصمُت وهي توجّههما إليه دون تردد.
أدهم بصوتٍ خافتٍ كـان يُخفي وراءه الكثير من الإنفعـال والألغـام : لو كان عندك خيـار ثاني غيري كنت بتختارينه؟!
إلين دون تردد : أكييييييييد !
أدهم وزاويـة فمهِ ترتفعُ بتعبيرٍ مُظلم : لو ما كان ياسر أخوك بالرضـاع كنتِ بتتزوجينه لو بغاك!
إلين برغم صدمتها من سؤاله ، هتفت بثبات : أتوقع إني سبق وقلت لك كانوا يبون يزوجوني فيه قبل لا أدري إنه اخوي!
أدهم بجمود : كنتِ بتوافقين؟
أرادت أن تقهره ، لكن ليس على حسـابِها هي، على حسابِ احترامها لنفسها ، لذا ردّت على مضص : بكامل إرادتي لا ! ولا عاد تسأل مثل هالأسئلة المريضة مثلك!
أغمض عينيه بقوّة وهو يشدُّ على شفتهِ السُفلى بأسنانِه ويكاد أن ينفجر في أيّ لحظةٍ وإن كـان ردّها كان سيريحه لكنّه لم يفعل! لم يفعل وبقيَ استفزاز رقيّة لهُ قائمًا على صدرِه بثقلهِ ولم تُزِحه كلماتها . . التوَت معدتهُ وهو يفرج عن شفتيه لينطق بنبرةٍ ميّتة : انتهى كلامنا .. مواصل لي أكثر من يوم * فتح عينيه لينظُر لها بأسى ويُردف * تقدرين تكونين هادئة لبكرا أقل شيء! تعبان حييييييل وأحس راسي بينفجر.
أمالت رأسها بسخريةٍ لتلفظ : ماشاء الله هذا وأنت راسك بينفجر ومواصل وتعبان وفيك حيل لقلة الأدب!
رمقها بحدةٍ ونبرة صوتِها تدغدغُ ألغامـه، صمودُ أعصابـه وإلى الآن قاتِل! لم يكُن عادةً يصمتُ عند نصفِ لفظٍ مسيء إليه ويردّ في جزءٍ من الثانيـة، لكنّه حتى الآن احتمـل صراخها وكلماتها لدقائِق!
فتحَ باب السيارة بانفعالٍ ليترجّل عنها وهو يُشيح بنظراتهِ عنها كي لا يقتلها بِها، عضّت شفتها بغيظٍ لتمدّ يدها لمقبض الباب الذي تتمنّى تحطيمه، تبعتهُ بصمتٍ يشتعل . . للأسف ، أصبـح قافلتها التي تسيرُ بها، منذُ لفظَت كلمـة الموافقةِ على هذهِ المهزلة.

استلقى على ظهرهِ بملابسهِ التي لم يغيّرها، يسمعُ صوتَ خطواتِها المتعرقلـة بربكتها بوضوحٍ وهو يضعُ ذراعهُ على عينيه المُغمضتين ، كيف لرجلٍ شرقيٍّ مثله ألّا تستفزّه خطوات أنثـاه المتباعدةِ عنـه؟ أنثـاهُ التي اتّخـذت النفُور لها ملجأً من قُربِه وهو يتداعـى هُنـا، يتمناها منذُ أشهرٍ طويلـة، لكنّ الأمنيـات دائمًا لا تحب أن تصير واقعًا بسهولـة، تُحب المراوغـة ، ولكم يعشقُ الفوزَ في عراكِ المراوغـة هذا وإن استفزّه.
لمحـاتٌ من عينيه لهـا، تسلّلت أنظارهُ من أسفل ذراعهِ الخشنِ ليلمحها وهي تتحرّك بربكةٍ واضحـةٍ بعباءتها وعينيها تتّجهان كل ثانيتين إليـه، استطاع دونَ ذكاءٍ أن يُدرك أنّها لا تريد أن يراها بزينتها ... ماكرة! تُدرك كم أنّها فتنة! لا تخشى عليهِ من الوقوعِ بِها بقدرِ ما تخشى على نفسِها منه.
عند تلك الأفكـار ابتسمَ ابتسامةً خافتةً وهو يُقرر أنْ يُغمض عينيه ويترك لها مبتغـاها ، أن تَهربَ من عينيْه بلعبـةٍ سيخوضها ولن يتواني في محاولـة الفوز برؤيتها مزدانـة بإغـواءٍ لا تقصده . . سمعَ صوتَ بـاب الحمامِ يُغلق، حينها اتّسعت ابتسامتهُ حتى ملأت وجههُ بضحكةٍ خافتـةٍ وهو يشعُر بإثـارةٍ دخَلت لحياتِه الباردةِ أخيرًا ، أن يجعلها تقعُ بِه ... لا أن تتّجه لهُ بكامل رغبتها وتوازنها.

مسحَت وجهها بعد أن دخلت الحمـام وقد رمَت عباءتها عن البـاب دون مبالاة، تشعُر بالشفقةِ على نفسِها! بالخجلِ من نفسها أيضًا!! . . أغمضَت عينيها بقوةٍ وهي تفرشُ كفيها أسفلَ المـاءِ المُندفِع، لاتنظُر لملامحها عبـر المرآةِ وكم تُدرك أنّها سترى في عينيها الحقدَ معانقًا الخـزي لهربها منـه بهذا الشكـل، ماذا كانت تتوقّع مثلًا؟ لم تُبـالي في قرارها بعلاقةٍ بينهما ، علاقةٍ زوجيةٍ تامّة! والآن هي تخشاهـا، تخشى بعُمر السنينِ التي كـان فيها كابوسًا لهـا .. ليسَ بيدِها! ليس بيدها هذا النفور من شخصٍ لم يتوانى في إيذاءِ طفلـة ، فكيف قد يتأمّل منها قبولًا! . . عضّت شفتها السُفلى بوطءِ الثقلِ على غيمةٍ سوداءَ تحملُ مطرًا وتجابـه كي لا تُسقطه، ارتفعَت أجفانها لتظهر عينيها المُظلمتينِ لها عبـر المرآةِ التي عكَست صورتها بملءِ مشاعرها المتضـاربة، خوفها، حقدها، نفورها، كرهها واحتقارها لهُ متشبّعًا بالخجلِ أيضًا .. خجلًا تكادُ لا تلتفتُ لهُ ويكاد أن لا يبزغ أمـام الكُره والنفُور ... سامحني يا الله ... سامحني! لا أستطيع المبـادرة بقبُول، الأمـر يتجاوزُ شوكًا أستطِيع نزعهُ من جلدِي ونسيـان ألمه، الأمـر يتجاوزُ مقدرتِي!
ارتعشَت شفاهُها لتُكمل مسح وجهها وتعُود لتعنيفهِ كما البارحـة، تتنـاول المناديل لتمسح على ملامحها وتظهر ألوانُ مساحيقِ التجميل والتي لم تُنظّف منها وجهها جيدًا.
بللت جسدها بالمـاء البارد كي تُطفئ حرارةَ قهرها، لم تستغرق دقائق طويلةً حتى ارتدَت بيجامتها البنفسجيّة الساتـرة لمعالـم جسدها الغض.
فتحَت البـاب بترددٍ وهي تضعُ المنشفةَ على شعرها الجـاف بربكةٍ ليغطي نصفَ جبينها، نظـرت ناحيـة السرير لتجدهُ قد انقلَب على جانبِه الأيمـن ومن الواضـح أنّه استغرق بالنوم بإرهـاقٍ ظهـر في أنفاسِه المسموعة . . تحرّكت باضطرابٍ وهي لا تدري اتهرب للخـارج أم ماذا! من المستحيل أن تفكّر بالنوم جانبه!! .. اقشعرّ جسدها عند تلك الفكـرة لتتحرّك أقدامها بتلقائيةٍ كي تخرج من الغـرفة، لكنّ صوتَ رنين هاتفهِ جعلها تشهقُ فجأةً وتتجمّد مكانـها بينما فتحَ أدهم عينيه بانزعاجٍ وحاجبيه ينعقدانِ بنعاسٍ طـال رأسهُ وأوجعهُ بصداعٍ لا يرحـم.
مدّ يدهُ للهاتفِ على الكومدينة وعيونه تحرّكت بتلقائيةٍ تبحثُ عنها، توقّفت حركتها حين التحمَت بظهرها وهي تقفُ أمام البـاب، رفعَ حاجبهُ قليلًا وهو يُخفض نظراته للهاتفِ ليرى أن سهى هي من تتّصل، هتف قبل أن يفكّر بالرد بتهكم : على وين؟ الساعة صارت متأخرة ما ودك تنامين؟
استدارَت بربكةٍ إليه وهي تلفظُ بتلعثمٍ وذُعر : هاه! أنـام !!
رفعَ أحداقهُ من جديدٍ وهو يكتمُ ضحكته، وبسخرية : نوم .. يعني موتة صُغرى .. تغمضين عيُونك وتدخلين في غيبوبة كم ساعة ... تعرفينه؟
احمرّ وجهها باحراجٍ لتُشتت عينيها في زوايـا الغرفة، بينما ابتسم رغمًا عنهُ وهو يُردف بلؤمٍ كي يُحرجها أكثـر ووجهها المُحمرّ يُشعره بنشوةٍ ويفكّك أزمـة الصداع في رأسه : وعلى طاري الموتة الصُغرى .. أنا موتتي مررررة قصيرة دايم ما أموت براحتي لازم أصحى كل ساعتين وما أكمل حتى 6 ساعات نايم ... محتاج مخدّر.
وجّهت نظراتها إليه برعشـة أحداقها وهي تُفرج شفتيها قليلًا ليمرَّ الهـواءُ عبرهما مرتعشًا خارجًا إلى المحيطِ حولها فترتعشَ الجزيئاتُ كلّها بزفيرها المُتعثـر .. قرأت المكرَ في عيونه، ابتسامته الخبيثة وارتفـاع حاجبيه بجرأةٍ جعلت دماءها تتفجّر في وجهها لتتراجعَ بربكةٍ للخلفِ وقد فهمَت معنى كلماتِه الوقحـة ... لم تشعر بنفسها وهي تقذف الكلمات بتلعثمٍ وربكـةٍ واضحةٍ أرجفَت نبرتها : قليييييييل أددددددب !!!
ضحكَ رغمًا عنهُ وقد صمتَ رنينُ هاتفه، أمـال فمهُ قليلًا وهو يلفظُ متمتّعًا بربكتها اللذيذة : لا تأوّلين كلامي على كيفك .. كنت أقصد بس تنامين جنبي عشاني ما أعرف أنـام في سرير مزدوج بروحي أحس إنّي بثق فيه وبتقلّب لين ما أطيح على الأرض ... تعرفين حجمه ممكن يخدعني وأنا نايم!
إلين بغيظٍ وإحراجه لها يستفزّها : بلاش أعـذار غبية ... نام جعل روحك ما ترد!
كادت تخرج لكنّ أدهم لفظَ بسرعةٍ كي يمنع خروجها : لحظة .. أنتِ فسرتي كلامي عن المُخدر بأيش؟
تيبّست في مكانها وهي تفغر فمها بصدمةٍ من سؤاله الوقـح ، لم تجِد القدرةَ على الاستدارة إليه أو الرد وطال صمتها الفاضـح حتى صخبَ أدهم بضحكاتِه وهو يُمرر أحداقه من أعلاها لأسفلـها بنظرةِ عشقٍ لم يستطِع ستـرها بالسخرية ... هتفَ بلذّةٍ عابثـة : خليك بالغرفـة .. ما آكل أنـا ..
ابتلعَت ريقها وقد شعرت بالاستفزازِ من كلمـاته التي تثبت أنّه كشفَ خوفها منه .. تحرّكت رغمًا عنها لتجلسَ على أقربِ مقعدٍ منها ، أخفضَت رأسها للأرضِ وقد سقطَت المنشفةُ إلى كتفيها حين صرخ هاتفهُ قبلًا ، مـال شعرها القصير مع انحنـاءِ ملامحها للأرضِ ليقبّل بأطرافهِ فكيْها في صورةٍ حيّةٍ للجمـال .. رغمًا عنهُ تابعَها بافتتـانٍ قاتـل، كيف يُرتّل الجمـال البشريّ في زهـرةٍ حمـراء مهما مالَت بقيَت بجمالِها .. لستِ مجرّد زهـرةٍ فاتنـة ، فالزهُور يذبُل جمالها ، وأنتِ لا تذبلين! .. كم هو قاسٍ على رجلٍ شغوفٍ بكِ مثلي أن يراقبكِ بعينيهِ ولا يستطِيع حتى شمّ عبيـرِ حُمرتك! لا يستطِيعُ حتى ملامسـة بتلاتِ أجفانِك - أهدابك - الناعمـة ويقبّل محجركِ – بيتُ اللقـاحِ الصاخِب بمذاقِه العسليّ! .. سبحـان من خلقَ الإنـاث فسوّى الجمـال فيها، سبحـان من قدّر الفتنـة وهدَاها إليها .. مفتونٌ بِها والله، مفتونٌ قلبـي بهذهِ الأنثـى التي تُمارسُ البُعد بأقسـى حُلّته.
ارتفـع رنينُ هاتفهِ من جديدٍ ليقطـع تأمّلاتِه لصنيعِ اللهِ وبديعه، تجهّم فجأةً بينما بقيت هي تنظُر للأرضِ دون أن ترفعَ عينيها إليه، اعتدلَ في جلستِه بحنقٍ وهو يردّ على سهى ليهتف بنزقٍ ما إن وضعَ هاتفه على أذنه : نعم !! مافيه عريس يقدر ياخذ راحتـه وهو يتأمّل زوجته يعني؟
أجفلت سهى، بينما تشنّج جسدُ إلين بربكةٍ وهي تفرك كفيها وتُغمض عينيها بقوةٍ من جرأته في التصريحِ أمامـها .. انتهَى جفُول سهى بضحكةٍ صاخبةٍ متسلية وهي تلفظ : والله طحت ومحد سمّى عليك يا ولد أخوي !!
أدهم بمللٍ دون أن يبالي بكلماتها : وش تبين؟ متصلة عليْ الحين لييييه يا هادمة اللذات؟
سهى تعقدُ حاجبيه : منك لله ما تستحي أنت؟ متّصلة عليك وهذا ردّك يا قليل الأدب؟
ابتسمَ تلقائيًا حين لفظَت " قليل الأدب " التي لربما كرّرتها نجلاءته مرتين أو ثلاثًا اليوم، لكنّ ابتسامته تلك لم تمحو نبرتهُ الوقحـة عن كلماته : أحد يتّصل الساعة 12؟
سهى بحنق : 12 الا ثُلث ما بعد صارت 12.
أدهم : لا يا المُحنّكة !
سهى : غصبًا عن وجهك يا قليل الأدب يا المعفن .. الله يعين زوجتك على ما بلاها يمممممه وش هالاخلاق المعفنة !!! أنا عمتك يا كلب احترمني جعل وجهك الخايس التشويه جعل خشمَك .....
أدهم يقاطعها بذهول : اصص اصصص يكفي وش هالسب! وش هالدعـاء استغفري ربك!!! ارحمي وسامتي واللي يعافيك حرام عليك اتقي ربك!!!
سهى بحنق : أي وسامة استغفر الله ..
أدهم باستفزاز : عمتي على عيني وراسي بس بهالوقت محد يتّصل خصوصًا إني * ببطء * ع ر ي س .. عرييييييييس تعرفين يعني أيش عريس؟ عوذة حتى ما كملت 24 ساعة وهي قدامي.
سهى وقد استفزّها حتى دفعها للصراخ بغضب : الله ياخذني أنا اللي متصلة عليك عشان أعلمك إني حاجـزة لك باستراحة ومزينتها بالشرقية هدية مني دام زوجتك ما تبـي تسافر شهر عسل ... انقلع يا كللللب.
أغلقَت ليفغر فمهُ بصدمةٍ من صراخـها المُفاجئ، حكّ عنقهُ وهو يُميل برأسه بندمٍ بعض الشيء، وبخفوتٍ يتمتم بندم : أتصل عليها !! لا عـاد هي اللي غلطانة كان تقدر ترسل لي رسالة وبس!
لم يستطِع أن يستمعَ لعنـاده، عـاد ليتّصل بِها بعد دقائق قصيرة، لكنّها تجاهلت مكالمتـه وأغلقت الهاتـف، نظر للشاشةِ بحنقٍ وهو يشتم نفسه بداخلـه، رماه على الكومدينة ومن ثمّ أدار وجههُ لإلين ليجدها قد أعـادت رأسها للخلفِ واستطـال عنقها وعينيها المُغمضتين خير دليلٍ على كونِها لم تنم البارحـة مثله، ربّما نامَت بشكلٍ سيءٍ حتى تغفو دون شعورٍ منها على الأريكـة . . ابتسمَ بعطفٍ وحنـان، أخفضَ ساقيه عن السرير ليلامس بجواربِه الأرض البـاردة، تحرّك نحوها وهو يراقبُ ملامحها وغضاريفَ عنقها البارزةِ بوضوحٍ من استطالتهِ للخلف، أدرك أنها لو بقيَت بهذهِ الحال للصبـاح فقد تنهضُ وعنقها متيبّسٌ تمامًا إن لم ينكسـر لرقّتها ! . . جلسَ بجانبها بهدوءٍ وبطء، يبتسمُ لملامحها الفاتنـة، شفتيها المنفرجتين قليلًا، الوشمُ في زوايتـه والذي يرسُم علامـة الاكس ليزيد من جاذبيّتهـا .. عقدَ حاجبيه وهو يتذكّر في لحظة ما أنّها خاصمتـه غضبًا بأنّه السبب في وشمِ نفسها والوقوعِ في هذا الذنب في مرحلـة مراهقتهـا الساذجـة ، رفعَ يدهُ دون شعورٍ وهو يشعر بأنّ أعضـاءهُ تتحرّك تلقائيًا إليها، تنجذبُ نحوها وهي محورُ الانقباضـاتِ لعضلاته المرتبكـة . . لامـس الوشمَ بأنامـل باردةٍ سرعـان ما شعر بالدفء يغزُوها .. عقدَ حاجبيهِ أكثر، وتكوّر فمهُ في آهةِ أسـرٍ له، هذا الشفاهُ تقيّد القُبل بعلامة الاكسِ هذه ، قاسيـة ! على رجلٍ مثلـه كان ولازال شغوفًا بِها .. هذهِ العيُون تقيّد النظـرات الصريحة في العشقِ ولا تسمحُ لهُ بالتجـاوز، هذهِ الوجنـات التي يعشق، منذ سنواتٍ وحتى الآن وهو يتساءل ... هل لازالت كما هي بنعومتها ذاتِها وملمسها القطني؟!
لم يستطِع مقاومة رغبتـه في تفقّد ملمسها، اقتربَت شفتاهُ منها حتى لامسـها وتنهّد دون أن يقبّلها، أغمضَ عينيه وأنفاسهُ الحارة تلامس بشرتها الرقيقة وتُذيبها .. لم يفكّر بأنها قد تنهض، لم يتراجع من تلك الفكـرة وهزمهُ شغفهُ بهذه الطفـلة التي برعَت في تعذيبِه ببطءٍ ودون رحمة.
لم يقبّلها ، فقط لامسها بشفتيه كمراتٍ كثيرةٍ كان يفعلها وهو صغير ، يقبّل وجنتها كثيرًا ، لكنّه يحب أن يلامسها فقط أكثر وكأنّها تُعيد لشفتيه القاسيتين مرونتها ، تُعيد لدورتهِ الدموية نشاطِها . . ابتعَد قليلًا وعينيه تنخفضان لعنقها الذي أغـراه لتقبيله ، واستجـاب بقبلةٍ رقيقةٍ ولم يكتفي بلمسـة.
ابتعدَ ووقفَ وهو يتخلخلُ خصلات شعرهِ اللولبيةِ متنهدًا هاتفًا لنفسه بأن لا يتمـادى فتنهضَ ويتضاعفَ نفورها منه بعد أن تصدمَ باقترابِه بهذا الشكـل .. لكنّه لم يستطع أن يتركها هكذا أسيرةَ أريكةٍ واستطـالة عنق، انخفضَ إليها بترددٍ حتى يحملها وهو يدعو الله بأن لا تستيقظَ فتُفجع بحالتها قُرب صدرهِ الصارخِ بنبضاتٍ حادةٍ منفعلـة.
اقتربَ من السريـر وهو يحملها برويّة، وضعها عليه ليصلَ إلى مسامعه تنهيدةُ إرهـاقٍ جسديٍ ونفسيٍّ من صدرِها الذي أوجِع كثيرًا .. ابتسم ، ومسح على شعرها بحنانٍ قبل أن يسحب المفرش من أسفلها ويُغطيها بِه ... وكان آخر دعـواهُ أن " نوم العوافـي يا طفلتي الجميلة ".

يُتبــع . .


 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 25-05-16, 01:36 AM   المشاركة رقم: 799
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 





،


تقلّب ليلًا على فراشِه وهو يفتحُ عينيه لدقائق قليلةٍ ومن ثم يعُود لإغلاقهما لينـام نومًا سُرعان ما يغدر بهِ بعد دقائق ... تأفأف بعد أن نهض للمرةِ العاشرةِ ربّما وقد أدرك أنّ الأرق لن يتركه اليوم، وجّه عينيهِ لغـزل النائمـة بجواره، مرّر لسانه على شفتيه ومن ثمّ نهـض ليجلسَ على طرفِ السريرِ ويمدَّ يدهُ لهاتفهِ على الكومدينـة، فتحَهُ ليُضيء ظـلام الغُرفـةِ بقبسٍ من جُحرِ صـراعات، حرّك اصبعهُ على الشاشـة بين تنبيهات الرسائل النصيّة لديـه، لتجفـل ملامحه المُضيئة بالهاتفِ وهو يجدُ رسالةً من سلمان!
وقفَ وكأنّ عقربًا لدغه، لم يفتحها، ولم يتجرّأ على قراءة الكلمـات قبل أن تتحرّك خطواتُه بانفعالٍ نحو البـاب ليفتحهُ ويخرج، نسيَ أنّها نائمـة، فكـان وقعُ صوتِ البـاب حينَ فُتح كافيًا لجعلها تنهضُ من نومها .. عقدَت حاجبيها وهي تنظُر جهة البـاب المفتوحِ بأجفانٍ ناعسـة .. جلسَت رغمًا عنهـا لتلامس بأقدامها الحافية الأرض المُصقلة بالبرودة وعقلها يَنهضُ تدريجيًا حتى يستوعب أخيرًا طريقة خروجه المُنفعلة.
بينما اتّجه سلطان لغرفـة الجلوس في الطابق العلوِي المُظلم، جلس على الأرائك البيضـاء المُذهّبـة بنقوشٍ فيكتوريةٍ تتلاشَى ذهبيّتها في هذا الظـلام ولا يكفي احتراقُ عينيه كي يُلمّعها، مدّ يدهُ للأبجورةِ القريبةِ منه، فتحها ليتسلل الضوءُ قليلًا إلى الظـلام وتبزغَ ملامحهُ التي أفـل عنها سماواتُ الهدُوء، فتحَ الرسـالة أخيرًا .. لن تكُون سوى رسالةٍ مستفزّةٍ له، يُدرك ذلك، وكـان ذلك هو الواقـع .. فهو ما إن قرأ ما كُتب حتى وقفَ وهو يوسّع عيونه بصدمةٍ وشفتيه تنفرجان بينما عضلة لسانه تتحرّك دون تصديق : مرة ثانية؟ يفرضها عليْ مرة ثانية ولا يهتم لرأيي؟
شدّ على أسنانـه بقهرٍ وانفعـاله في تلك اللحظـة كاد يجعلهُ يتّصل بهِ ليصرخ بجملةٍ واحـدة، بتساؤلٍ واحـد، بنبرةِ ألـمٍ واحدة : " على أسـاس يهمّك أبوي؟ "!!!
لكنّ صوتَ غزل في تلك اللحظـة قطـع عليه جنونَ انفعالـه الذي أراد أن يتصل بهِ والسـاعةُ تعانق الثالثـة صباحًا، ولو أنّه اتصـل فسيحترق أكثـر، لم يكُن ليفرّغ غضبـه، بل سيحترق أكثر!
غزل بخفوتٍ قلِق : سلطان!
رفعَ رأسه بسرعةٍ ووجّهه نحوَ مدخـل الغرفـة ليرى هيئتها في الظلام، تقفُ مستندةً على إطـار الباب الذهبي، لم يرى في تلك اللحظـة نظرتها القلقة لكنّ نبرتها كانتْ كافيـةً ليُدركها.
وقفَ دون أن ينبسَ بشيء، بينما أردفَت غزل وهي تقتربُ منه بقلقٍ يتصـاعد : شفيك؟ خوّفتني وش مصحيك بهالوقت معصب؟
سلطان بكبتٍ يُريدها أن تبتعد ولا تواجـه موجات انفعالـه : اتركيني بروحي يا غزل.
غزل برفض : لا.
اشتعلَت أحداقُه فوق اشتعالـها، اقتربَت منه أكثـر، وانضمّت لدائـرة الضوءِ القـادم من الأبجورةِ لتظهرَ لهُ ببجامتها الناعمـة وشعرها الذي يستريح على أحد كتفيها، نظرات الإصرار في عينيها وهي تنظُر لعينين الغاضبيتين بثقةِ من لا تفكّر بأنه سيؤذيها في هذهِ اللحظـة.
سلطان بنبرةٍ مُخيفةٍ قاسيـة ووجههُ المضيءُ يرسل تصلّبه القاسي إليها : اتركيني بروحي . .
غزل تُكرر بقوّة : لا ..
سلطان بحدة : لا تخليني أعيد كلمتي .. لا تخليني أأذيك بهالوقت !
غزل بثقة : ماراح تأذيني .. وماراح أتركك .. ماهو من العدل تهتم فيني وما أهتم فيك!
سلطان بسخرية : مين قالك إني محتاج ام؟
غزل بجرأةِ عينيها العاشقتين : ومين قالك أبي أكون لك أم!
صمتّ يزمّ شفتيهِ وهو يتنهّد بكبت، لا يستطِيع الردّ عليها، على آمالـها ، لا يستطِيع ويديه مكبّلتين بذنبِه ، لا يستطِيع واسمها سيبقى مرهونًا بهِ مدى الحيـاة كما أنّه لا يستطِيع المبـادرة فيما تُريد .. في حُبّه لها ! يريد أن يعوّضها عن كل ما عانـته ، لكنّ شيئًا في نفسِه مقيّدٌ عن المبادرة ، مشاعره ليست طوعًا لشفقتهِ ولهـا . . لم يعُد يريد أن يحب ، لم يعُد يريد أن يمـارس مشاعرَ تجعلهُ يُصبح سعيدًا وقد فقد ثقته بهذهِ المشـاعر بعد أن خذلهُ أسمـاها ، الأبوّة .. البهجة التي ماتت !
تحرّك بصمتٍ كي يتجـاوزها وهو ينوي الخروج والابتعـاد عنها في كومةِ تلاطُم أمواجِ انفعالاتِه . . ابتعَد عنها خطواتٍ وهي تستديرُ معهُ كي تتابعهُ بعينيها في الظـلام . . توقّف فجأةً وهو يزفُر بكبت .. وبنبرةٍ هادئة ظاهريًا : روحي نامي يا غزل ، أقدر أهتم بروحي والموضوع ما يستاهـل .. مجرد مشاكل بالشغل.
عقدَت حاحبيها بشدّةٍ وقلبها لا يُصدقه ، خـرج واختفى من أمـام عينيها وجزءٌ منهـا يُخبرها بوضوح ... أنّ ما يمرُّ بهِ الآن بسبب عمّه ! كالمرّة التي جـاء فيها إليها منفعلًا وكاد يصفعها، كنهارِ العيد الذي انقلبَ فيها حـاله بعد أن رآه .. لا أحـد يعبثُ بمشاعرهِ وهدوئِه أكثر منه، لا أحـد يبرع في إيلامه كما يفعـل ... وكما بدأت تجيد هي أيضًا !

نزلَ سلطان وأقدامهُ تقودُه بغيرِ هُدى إلى الغرفـة التي تخصُّ والده/فهد وليس الآخر! تلك الغرفـة التي لازالت مقترنةً باسمِه ولم يتغيّر فيها شيءٌ منذ خمسَ عشـرة سنة، عوضًا عن غرفـة نومه التي تغيّر فيها الكثير ومن غيّرها سلمان! بحجّة أنه لا يريد لسلطان - الطفل أن يبقى حزينًا كلّما دخلها، لذا غيّر فيها الكثير .. لأجلِه كمـا يقُول!
فتح البابَ بمفتاحٍ كـان في بنطالِ بجامته القطنيـة، هذا المفتاحُ لا يتخلّى عنـه، لا يستطِيع أبدًا ! . . دفعَ الباب الثقيل ليدخُل ، استندَ عليه بظهرهِ ليندفعَ تلقائيًا في شبهِ إغلاقَة .. نظـر للفوضى التي يُحبّها ، مهما حدثَ في هذهِ الغرفـة لا يغيّرها .. كـان سابقًا ينظّفها فقط ، وينظّفها معهُ هو! الأخُ للمُغتـال والوالدِ لابنِه، هذهِ الغرفـة كم احتضنَت صورًا كثيرةً لهُ وهو صغيـر ، مع فهد ، ومع سلمـان أيضًا! هي الغرفـة الوحيدة التي لازالت تحتفظُ بالذكرى لثلاثتهم، لكنّها احترقَت، وكأنّ النـار غضبَت لزيفِ رجلٍ في الصُوَر ، لزيفِ المشاعِر فيها ... لوّثها ! لوّث المحبّة العائلـية الفطريّة وجـاءت نارُ ينـاير ببأسِها كي تقتلَ الزيفَ في محبّته وتؤذي الذكريـات أيضًا ... كان سابقًا ينظّفها فقط معه! الآن وبعد أن احترقَت لا يُريد المساس بشيء، يخشى أن يحمـل رمادَ ذكرى فتتلاشى بين أصابعه، يخشى من هشاشةِ ما بقيَ أن يُغـادر للأبـد مهما رقّ معها في التعامـل.
تحرّك بأقدامِه العاريـة التي تصبّغت بتربةِ الأرضِ ورمـادها، ارتفعَ صدرهُ في شهيقٍ مستوجعٍ وهو يتذكّر في زاويـةٍ مـا، الزاويـة اليُمنى البعيدةُ عنـه ... كان يقفُ فيها في يومٍ وهو في الخامسـة عشر من العُمر ربّما، يقرأ إحدى الكُتب المرصوصةِ هُنا من مؤلفـاتِ والده، حينَ دخـل سلمان وهو يحملُ كوبَ قهوةٍ في يده، بعدما بحثَ عنه في المنزلِ ولم يجده استطـاع إدراك أنّه يعيشُ بين أحرفِ والده .. تجهّمت ملامحهُ وهو ينظُر إليه في حين لم ينتبه لهُ سلطان في تلك اللحظـة .. لفظَ بنبرةٍ حازمةٍ جادة : ولــــد !!
حينها انتفضَ وهو يرفعُ ملامحهُ الفتيّة إليه ليُخفض الكتاب محاولًا دسّ اسمه عن عينيه، لكنّ سلمان لحِظَ حركةَ يديه المرتبكـة، اقتربَ منه وحين جاورَ طاولـةً وضع الكوبَ الساخن على سطحِها وأكمل خطواتهُ إليه، وقفَ أمامه بطولهِ الفارغ بالنسبة لقُصر قامة سلطان ، لم ترتفع أنظار سلطان لهُ وهو ينظُر لقدميه ويمرر لسانه على شفتيه بربكةٍ بينما يديه تشدّان على الكتـاب. مدّ سلمان يدهُ فجأةً واستلّ الكتاب بسهولةٍ من بين كفوفِه .. حينها رفع سلطان أنظارهُ وهو يفغر فمهُ بذعرٍ في اللحظةِ التي قرأ فيها سلمان موضوع الكتاب وارتفعَ حاجبه الأيسـر بحدةٍ وغضَب.
هتف سلطان بلعثمـة : كنت .. كنت ....
لكنّ سلمـان قاطعهُ بصوتٍ غاضبٍ حـاد : كم مرة قلت لك لا تقرّب كتب السياسـة؟
ابتلع سلطان ريقهُ وهو يُخفض وجهه، حينها ابتعدَ عنهُ سلمان ليتّجه نحوَ إحدى الرفوف الخاصـة بالكتبِ الممنوعةِ عنه لصغر سنّه والتي تحوِي مؤلفاتٍ لوالدهِ والأكثريّة لكتّابٍ عربٍ وآخرينَ من جنسياتٍ أجنبية، كتبٌ اختلطَت ما بين سياسةٍ وفلسفةٍ صارخةٍ عن الدين والإلحـاد والكثير ممّا لا يناسبُ سنّة.
التفتَ سلمان إليه ليُشير باصبعهِ للأرفرف الأخرى وهو يلفظُ بحزم : تبي تقرأ وتتثقّف فيه اللي يناسبك .. الكتب هذي لا تقربها وياويلك لو دخلت عليك بيوم وشفتك شايل واحد منها .. فاهم؟
رفعَ سلطان عينيه بضيقٍ وملامحه تتجعّد بحنقٍ ظهر في أحداقهِ المنفعلـة ... لم يستطِع منع لسانه من اطلاق سهامِ الاعتراضِ ككلّ مرةٍ يوبّخه على أمرٍ يرى أنّه صحيح : مين قايل لك إني صغير عشان تمنعني عن هالمواضيع؟
سلمان يبتسمُ رغمًا عنـه : أنا .. عندك اعتراض مثلًا؟
زفـر وقد استفزّه بأسلوبِ حديثه، وبغيظ : ماني بزر .. بطّل تعاملني على هالأساس!
سلمان يرفعُ إحدى حاجبيه باستفزاز : اووووه وصار عندك لسان ترد فيه؟ أشوف كبر صوتك يا ولد!
سلطان بعصبية : لا تقول ولد!
سلمان : تبيني أقولك بنت مثلًا؟
شدِ على أسنانه وتصلّب جسدهُ بغيظٍ وهو يردّ بحرارة وتشديدٍ على الكلمات : أنــا رجّــــال ...
لم يستطِع سلمان مقاومـة أسلوبِه في نطقِها وهو يشدُّ على جسدهِ وأسنانِه ، يقبضُ كفيه بقوّةٍ وهو ينظُر لهُ بعينين تقدحـان شررًا ... انفجـر في ضحكةٍ صاخبـةٍ وهو يسندُ كفيه على ركبتيه وينحني للأمـام قليلًا ، وكانت ضحكته هذهِ كافية حتى تُشعل غضب سلطان أكثـر فيصرخ بغيظ : وش اللي يضحك؟!
سلمان يعتدلُ في وقفتهِ ويقترب منهُ حتى وقف أمامه مباشـرة، وضعَ كفّه على شعرهِ النـاعم ليعبثَ بهِ وهو يلفظُ بابتسامةِ حنـان : يا حليل رجّالـي ..

*

شدّ على شفتهِ السُفلى بأسنانهِ وهو يُطلق آهةً مستوجعـة ، وأحداقهُ تبتعدُ عن تلك الزاويـة التي داعبَ شعرهُ فيها وهو يلفظُ بنبرته الحنونة " يا حليل رجّالـي "، كم مرةً كـان يقولُ لهُ " ولد " بنبرتهِ المستفزّة تلك فيصرخ غاضبًا معترضًا ويضحكَ هو ببساطةٍ فيشتعـل أكثـر .. لكنّه كان في النهايـة يحفّزه بكلماتٍ شديدةٍ وينصحـه بحزم : " بسرعة تعصّب .. بسرعة تتنرفز .. بسرعة تصارخ وتنفعل! .. الرجّال ماهو اللي تزيد أرقـام سنّه ، ولا هو الطويل والمعضّل .. الرجّال بشخصيته ماهو بشكـله .. بحكمتـه وعقله ... إذا كنت رجّال يا سلطان لا عاد تعصب على أشيـاء تافهة تقدر تتجاهلها! الحيـاة ماهي كبريت يشتعل عند أيّ احتكـاك! "
فيعقدُ حاجبيه قليلًا وهو يردّ بحيرة : وإذا غلط علي شخص!
سلمان بهدوءِ كلماتٍ رسخَت في ذهنِه سنينَ ولم تتباعـد عن ذاكرتـه : ردّ بعقلك .. ماهو بمشاعـرك .. ومو بكل مرة يكون ردّ العقل بالحكِي أو الضرابة .. مرات الرد بالسكُوت رِفعَة.

هل للسكُوت موضـعٌ بيننا؟ هل للسكوتِ منفذٌ عبرنا؟ هل للسكُوت يا " أبـي " لونٌ وأنتَ اجتذبْتَ ألوان الكـلام والمشاعـر بحبلٍ متينٍ التفّ حولَ عنقي ولم يكتفي بمشاعـري وانفعالاتِي .. هل للسكوتِ علقةً تُخلَقُ منه؟
وضعَ كفّه على صدرِه وعينيه تلتمعـان بحقد، ومن خلفَ الباب كانت غـزل تتابعهُ بعينيها المتألّمتينِ بصمتْ.


،


أشرقَت الشمس، وعينيه لم تغيبـا طيلةَ الليل، كـان يتقلّب على سريرهِ كأنّه فوقَ صفيحٍ مشتعلٍ يُذيب عظامه، كيف يستطِيع أن ينـام ويرتاح؟ .. كـان يحلُم، بأحـلام اليقظة! يسترجع الكثير مما كان يراه في الآونـة الأخيرة في منامِه وكأنّها رسالةٌ من القدر! يسترجـع الكثير ، مـلامح متعب في أحـلامه ، كلماتَه .. ( ما قد دخَلت الجنة يا خوي .. لازلت في النـار ) ...
لم يشعُر بنفسهِ في تلك اللحظـة وهو يجتذبُ الهواءَ لرئتيه المريضتينِ باختنـاقٍ بشهقةٍ قويّةٍ لم يكُن لها صوت، شهقةٍ شعر بها أن الروحَ تُنـازعـه . . جلسَ وهو يشعُر بجسدهِ ينتفضُ بردًا وصوتُ البارحـة يعود، لم يلتفت لأسيل المتمددةِ بجواره والغارقـة في نومها، لم يبـالي بالحيـاة التي ارتحـل عنها متعب .. هـاهو يعُود من جديدٍ لحالتـه ما بعد موتِ متعب .. ضيـاع .. ضيــاع ، والكثيرُ من الألم، لا لحـاف يملكهُ سوى البـرد، لا مواسِي سوى الذكـريات ، لا يجدُ سوى انتفاضاتٍ في صدرِه وأنينٌ في قلبهِ الذي يصرخُ بلوعةٍ ورئتيه الشاهقتين رغبـةً بالهـواء.
ابتعَد عن السرير وعينيه يخفتُ ضوؤها حتى أظلمَت تمامًا، الإرهـاق البادي على وجههِ رسمَ تجعيدةً بين حاحبيه ... ما الذي يحدثُ لهُ منذ البارحة؟ منذُ ما فعلـه أدهم ولعبته! ما الذي يحدُث .. عقلـه الآن يعُود ليسترجع أحلامه بمتعب ، ملامحه المتألّمـة، عينـاه التي تلتمعُ بدمعِ فقـدٍ لذاتِه قبل أن يكُون لكل من يحب! الحقد !!!
توقّف عن خطواتِه وحرارةٌ شعرَ بها تحرقُ حُنجرته، هذا الحقدُ الذي كان يراهُ في طيفِه، هذهِ النار التي قال أنّها تحرقه ولم يدخل الجنـة بعد، مـا معنى كلّ هذا! هنــاك شيءٌ ما يحدثُ من حولـه ، هنـاك شيءٌ مـا حدثَ لمتعب وأوجعه قبل أن يموت .. هنـاك شيءٌ جعلهُ يحترق بعيدًا عن الاحتراق الجسديّ الذي جعل جلدهُ يهترئُ بالسواد.
غصّ بالأفكـار في حُنجرته .. شتت عينيه المتألمتين وهو يتنفّس بسرعةٍ ويهمسُ بعذاب : يا الله !
أسدل أجفانـه مزدردًا ريقهُ وصورة متعب المُحترق تهاجمـه بعنف ، كيف يتجرأون يا الله؟ كيف يتجرأوت على استخدام صوتِه! كيف امتهنوه؟ كيف ارتدتهُ حناجرهم وهو لا يُستنسخ!!
دخـل الحمام وهو يشعر برغبـة معدته في تقيّؤ دمٍ فاسدٍ خلّفه أدهـم في لوعتـه . . أدهم ! أدهم هو من يملك المفتـاح .. لا أحد سواه! القاتـل لدمِ أخـي ، والمستثير لصوتِ الأمواتِ بوقاحة!
انحنـى على المغسلـة وعيونه تُظلم أكثر بحقدٍ وكُره .. لا أحـد يعلم بكلّ ما حـدث لهُ سـواه .. لا أحـد بالتأكيد يعلم بكلّ ما مرّ بهِ من ألمٍ إلا هـو.
رفع رأسه عن المغسلة لينظُر لوجههِ الحادِّ في المرآةِ وشفاهُه تتشنّج بانفعـال ، مرّت الدقائق سريعةً رغـم ثقلها على روحه، استحمّ وخرجَ وهو يلفّ المنشفة حول خصـره .. ارتدى ملابسه بعجلٍ وأسيـل لا تزال نائمةً لم تشعُر بضجيج صدرِه .. لم ينظُر نحوها منذ استيقظ ، متى نام أصلًا! لم ينظُر نحوها منذ نـامت وبقي يغرق في متعب فقط ، متعب فقط! ... آه يا أخــي! يا لوعـة الآه، كيف أقضمهَا دون أن تتعجّن ملامحي من مرارتها.
خـرج من الجنـاح، هرولَ متجاوزًا عتبـات الدرجِ وشعره الرطبُ يسمحُ للهواء أن يتحوّل صقيعيًا مهما كان دفئه، يسمحُ للصداعِ بأن يحتلّ رأسـه.
اتّجه لغرفـة امه بتلقائيـةٍ كعادتـه كل صبـاح، فتـح بابها بهدوءٍ ليجدَ في مقابلته الظـلام الخافت الذي تفضّله ، ابتسمَ ببهوتٍ ليُعيد إغلاق البـاب بذاتِ هدوئِه وهو يتذكّر ببعضِ الوجـع صوتها الذي احتدّ عليـه بعد منتصف الليل من يومِ العيـد، حين رأت وجههُ الذي كان كارثةً بعد مشاجرته مع أدهم صباحًا! قرّرت أنها لا تريد الحديثَ مع رجلٍ لم يكبر ولازال يعيشُ بأسلوبٍ طائـش ، لكنّه حين استيقظت ذهب إليها ليجدها تبتسم وتضحك لهُ بروحها ذاتـها .. دون " زعلْ ".
تحرّك باتّجـاه باب المنزل وهو يهتف بكرهٍ اختلط باللوعـة : تخسى ما بقى إلا أنت تخليها ما عاد تكلّمنـي .. تخسى . .
خرجَ ليتّجه نحو سيـارته مباشرة، حرّكها بملامحه الجامـدة وعينيه المظلمتين .. رفعَ هاتفه الذي كان يُمسك بهِ منذ خرج من جناحـه .. سيتّصل بأدهـم ، مهما كرههُ وتقرّف منه يجب أن يقابلـه .. ويجعل الأوراق تنقلبُ ليعرف كلّ شيءٍ فعله بأخيه !!
فتـح الهاتـف ليتفاجـئ ما إن رأى العـدد الهائل من اتّصـالاتٍ من رقمٍ لم يُسجّلـه ، كان وضْعُ هاتفه طيلة الليل صامتًا ، لكنّ الاتصـالات من هذا الرقـم الغريبِ جاءته في أوقـاتٍ متفاوتـةٍ في الليل!
توجّست ملامحـه ، اتّصل تلقائيًا بالرقـم بتوجس، من قد يصرّ على الاتصـال بهِ وفي الليل؟ بالتأكيد لن يكون لأيّ أمـر ولا من أيّ شخصٍ عابـر!
وضعَ الهاتـف في أذنـه بينما لم يستمرّ الرنين لاثنينِ حتى انقطـع مباشرةً وكأنّ صاحب الرقم كان ينتظره على جمـر الوقت، ينتظـرهُ بلهفةٍ وانفعـال، ينتظره ولم ينم الليلَ أبدًا بدليل اتصالاتِه التي تكرّرت، لفظَ بسخريةٍ مريرةٍ دونَ مقدّمـاتٍ وقلبهُ يكاد ينفجرُ فيُعبث بسير الدمـاء في جسده أو يتوقّف! : توقعتك ما تنـام الليل بعد صدمـة ظهوري لك .. اوووه نسيت إنّك نايـم بالعسل .. نايـم في الحرام !!
قالـها بلوعةْ، وهو يشعر أنّ سهامًا تُغرَس في بطنهِ فتقطّع أحشاءه، قالها وألمٌ ينتشرُ في معدتِه وحلقهُ يضيقُ بعبرةٍ متأسيّة ... قالـها والوقتُ الذي لا يتعرقلُ ولا يتباطؤ تباطَأ .. قالـها .. والدنيـا تضحكُ بانتصـارٍ بعد أن غدرت بهِ وأوجعتـه ملء ما تستطِيع ... أوجعته بأقـرب الناس إليه ... قالها والآهُ تحارب، تريد أن تخرجَ فيُخرسـها بثباتٍ كاذَب ... كيف يثبت حتى ينتقم؟ كيف ينتقمُ ممّن يحب؟ كيف يمتلك القلب ذاتـه الذي ملكـه؟ هذهِ الدنيـا ما تفعلُ بنا ، ما الذي فعلتهُ بنا! ما الذي فعلتهُ حتى تصلَ إلى الذي وصلتَ إليه وتقتلني! أنـا العضيدُ الأيمـن ، المُتّكَأُ والمتآكئ عليـه .. أنا الذي حلفتُ لليلِ إن أظـلم على عينيكَ ولم يساندك القمر في ضياءٍ سأُساندك .. أنا الذي لم يكُن لهُ في الدنيـا موطنٌ سواك أنتَ وامي قبل أن تنضمّ إليكمـا أسيل ... آه يا وجعَ صدري! كيف أستطِيع طرد التخيّلات والصورِ الفاجـرة في عقلي وأنا أعلـم أنّك نمت بجوارها ، نمتَ إليها ونامَت إليكَ وبقيَت اللوعـة تسكُن حنجرتي .. يا وجعَ هذا الحُب لكما!! كلّ حبٍ ينشطِر في ألـم ، لم يعُد الحبّ لذيذًا ، واللهِ لم يعُد سوى شوكةٍ تملأ حنحرتي بالثقوبِ ورغم تلك الثقوب أغصّ بكمـا .. أغصّ بك يا شاهين ، أغصّ بك!
نطقَ كلمـاته دون مقدّمـاتٍ تُذكـر ، دون مقدّمـاتٍ لشخصٍ جهل بالماضـي والحاضـر وظنّ متعب العكـس .. لم يسمع بعد جملتـه تلك سوى شهقةٍ عاتيـةٍ تجانسَت مع صوتِ احتكاك اطاراتِ السيـارة بالطريق المعبّد .. وقفَ متعب بصدمةٍ وهو يوسّع عينيـه بذهولٍ من الصوتِ الذي سمعَه والذي يثبت أنّ شاهيـن في سيّارته الآن وربّما . . .
ارتعشَت شفاهُه وانتفضَ صوتهُ لافظًا بحدّةٍ ينـاديه : شاهيــــــ . . .
قاطعهُ صوتٌ خافتٌ خشـع في خفوتِه المصعوقِ وهو يردّد بعذاب : يارب .. يارب .. يارب !!
تجمّدت ملامحه دون تعبير .. بينما كان شاهين يضعُ رأسه على المقودِ وعينيه تتوسّعـان ويكادُ أن يكون من غير الأحياء في تلك اللحظـة وهو يكرّر " يارب " بخفوتٍ باهتٍ وكفّه على قلبه الذي يكاد يخترق أضلعـه، أصبح ينبضُ في كامل جسدِه الذي بدأت تواتيه الرعشـاتُ وعضلاتهُ تنقبضُ لتخلّف ألمًا حارقًا في كاملِ جسده وأوّل ذلك معدته .. كـان يشدُّ على الهاتفِ بقوّةٍ وظهرهُ لا يستطِيع رفعهُ وكأنّ جبلًا يطأ عليه، يلفظُ بنبرةٍ مرتعشةٍ خافتـة تغصُّ بقنوطِ كلماته : يارب .. يارب يارب .. وش قاعد يصير؟ وش قاعد يصير لي؟ يارب ارحمني .. يارب ارحمنـي من هالعذاااااب !!!
بهتت ملامحُ متعب دون استيعـابٍ لمـا كان يقوله ولصوتِه .. صوته الذي اشتـاق .. صوته الذي غـادرهُ في مطـار الريـاض وجاءهُ في غدْر . . سمع أنفـاس شاهين تتصاعدُ بوضوحٍ وهو يشهقُ وكأنّ روحـه تكادُ تغادره ، لم يُسدل أجفانه حتى الآن ومنذُ سمعَ صوتَهُ يتحدّث ... سمع الصوتَ يتكرّر .. كيف! كيف يحدثُ ذلك! كيف؟!!
غصّ بشهقةٍ عاليـةٍ وهو يرفعُ رأسهُ فجأةً ويستدير كي يفتحَ الباب في اللحظـة التي رمى فيها هاتفهُ على المقعدِ المجاورِ وهو ينحني برأسه خارج السيـارة حتى يتقيّأ غصّةً في مسـار جهازِه الهضمي، لكنّ الشهقـات تتالت دون أن يستطِيع تقيؤ لوعـةٍ أو أخرى ، كان يشهقُ وهو يشعر أنّ قلبهُ سيخرجُ عبر بلعومِه ، لا يُخرجُ شيئًا سوى صوتِ الشهقـاتِ وألمٌ انتشـر بقوةٍ أكبـر في مُحيطِ بطنـه ، ألـمٌ يتردّد معهُ اسمُ متعبْ ، يكـاد في هذهِ اللحظة أن يمُوت ، يكـاد في هذهِ اللحظـة أن تغادرهُ روحُه وتبقى معلّقةً بصوتٍ لا يمُوت .. لا تموتُ الأصوات؟ هل هذا واقـع؟ لا تمُوت؟ وتبقـى تتّصل بكَ وتناديكَ متى أرادت؟ ربّما في حلمٍ أو يقظـه ... ربّما في ممات!!
أنا ميّت .. ميّت ... منذُ الأمس أنا ميتٌ لذلك أسمعُ صوتَك، أنا بجوارِ قبـرك الغالـي .. أنا بجوارِ لحدكَ البـارد .. أنا في بطنِ الأرضِ مثلك .. ما الذي حدثَ لي البارحـة؟ هل متُّ قبل أن أصـل للمطعمِ الذي انتظرني فيه أدهـم؟ هل حدثَ لي حادثُ سيرٍ أودى بحياتِي لأسيرَ طيفًا وأستطيعَ سماع صوتك!! لستُ أحيـا ، هذا ما أدركه فقط ، أنا ميّتٌ معك، أنا معك ، أنا قُربك .. أنا في البرزخِ وأنت!! ... لكَم اشتقتُك!
ارتفعَ وجهُه المحمرُّ وعينيه تحمرُّ بملحِ الشقـاء ، هل النـار الذي كان يعنيها في حلمِه هي الأحبـاب؟ أن يبقى مقيّدًا بهم يريدهم ، يلاحقهم .. فهو بالرغمِ من كونِه مات البارحـة رأى أسيل ، وحادثها .. ورأى أمّه نائمه . . . هذا جنوووووون!!! ما الذي يحدثُ له! ما الذي يحدثُ في هذهِ الدُنيا !!
استـدار بسرعةٍ ينظُر للهاتفِ بأنفاسٍ متسـارعة، مسحَ على فمهِ بظاهِر كفه وهو يمدّ يدهُ الأخرى برجفةٍ كي يُمسك بالهاتفِ ويرفعه .. وجدَ المكالمـة قد انتهت، أم أنه لم تكُن هناك مكالمةٌ في الأسـاس وكان ذلك محض وهم! لا .. لا ... لم يكُن وهمًا .. كان صوتًا يُشابه صوته ، أو صوته!! ما هذا الجنون؟! لا يُمكن؟ كيف يحدثُ ذلك! كيييف؟!!!
مرّت الثوانِي الطويلة لدقائق وهو جامدٌ أسفـل زرقة السمـاء الدافئة دفئًا كاذبًا لم يُسعف برودة أنسجتِه التي تموت ، يتنفّس نفسًا عاليًا صنـع الصدى في سيّارتـه ... لا يدري كيف كان عقله في تلك اللحظـة يعمل ، كيف كان يُترجم الذي يحدث، هل ترجم؟ لا يدري .. لكنّه ودون شعورٍ منـه أطبق باب السيـارة .. وحرّكها بسرعةٍ مجنونةٍ حيث يدري ... إلى سنَد !!

يُتبــع . .

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 25-05-16, 01:46 AM   المشاركة رقم: 800
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 






،


أخفضَ الهاتفَ وهو يعصرهُ بقوّةٍ ونبضـاتُ قلبهِ لازالت تتسـارع، شدّ على أجفانهِ بشدةٍ مغمضًا عينيه وصوتُ الطرقِ على الباب يصلهُ بعد أن دفعهِ ليُنهي المكالمـة وهو يسمعُ شهقاتِ صدرِ شاهين المُختنق! وقفَ وحلقهُ يتحرّك بثقلِ ريقهِ الذي تخثّر، اتّجه للباب وهو يهمسُ لصدره " ما يستاهل اهتمامك! ".
وقفَ أمام البـاب ومن ثمّ نظر من العينِ السحريةِ ليجدَ الرجُل الذي التقى بهِ بعدَ أن وصل للريـاض في المطـار، عقدَ حاجبيه ومن ثمّ مد يدهُ للقفلِ بحذرٍ ليفتحهُ ويفتح الباب من خلفهِ سامحًا لهُ بالدخُول.
ابتسمَ عبدالله * رئيسُ بدر * في وجههِ ومن ثمّ خطَى نحو الداخـل وهو يهتف بهدوء : شلون هالصبـاح؟
تنهّد متعب بضيقَ وهو يدفع الباب لينغلق، وبنبرةٍ ميّتـة : يشابه الليل بدون قمر ونجوم.
عبدالله ينظُر نحوه بهدوءٍ مبتسمٍ وهو يهتف : ما تحبّ الليل؟
متعب بعقدةِ حاجبين : كل مصايبي ابتدت منه!
عبدالله : ما يجوز تتشاءم منّه .. ولا تطيّروا!
متعب : ما تطيّرت .. ولا تشاءمت .. أنا بس كرهتَه.
عبدالله يدقّق النظر في الغرفـة وهو يهمهم بتفكير : همممم
عقد متعب حاجبيه : وش فيه؟
عبدالله ينظُر إليه بجديّةٍ وقد تلاشت ابتسامته : ممكن أعرف وش له تطلع أمس؟ مع مين كنت!
ارتبكَت ملامحُ متعب قليلًا وهو يُشيح وجهه ويشتّت عينيه دونَ رد، حينها أردفَ عبدالله بنبرتها الحازمـة ذاتها : ورقمـك ، ما عطيناك عشان تتواصـل فيها مع أحد! مين أدهم ذا اللي تكلّمه؟
توقّفت تشتيت أحداقهِ وهو يثبّتها بِه، صمتَ لبعض الوقت، سيكُون غبيًا لو أنّه فكّر منذ البداية أنّهم لا يعلمُون، كان يدرك أنّهم سيُدركون اتصاله بِه، حديثهُ معه، لكنّه لم يستطِع أن يمنع نفسِه وتهوّر . . زمّ شفتيه قليلًا قبل أن يهتفَ بدفاعٍ واهِن : لا تظن فيني شيء سيء الحين!
عبدالله بجمود : يعتمد عليك .. مين هالشخص؟ من وين تعرفه؟
متعب بدفـاعٍ حادٍ عن أدهم : شخص ما عرفته غير بباريس وبعد كل اللي صـار لي .. ماله دخـل بماضيّ ، ولا له علْم!
كـان صادقًا فيما قالـه حتى " ولا له علم "، لم يُرِد أن يحشرهُ في هذهِ المعمعةِ بعد شاهِين، حتى أنّه وللحيطةِ لم يُسهب في الأحـاديثِ معهُ في الهاتف وحاول التحفّظ قدر ما يستطِيع فهو لا يعلمُ إن كانت أحاديثه أيضًا مُراقبة! معظمُ الأحاديث والتفاصيل أسهب فيها بغيـر الهاتف، وسيحذرُ أكثر في الأيام التالية.
صمت عبدالله لبعض الوقت وهو يستشفّ الصدقَ في حديثه، رفعَ ذقنهُ قليلًا ووقفتهُ الواثقة أمامه تُربكه رغمًا عنه . . نطق : تقدر توضّح لي أكثر علاقتك فيه؟
متعب يحاول ألّا يرتبكَ وينظُر لعينيه بقوّة : بعد اللي صار لي بميونخ تركتها ورحت لبـاريس .. وهناك التقيت فيه وصار صديقي.
عبدالله : بس صديقك؟
متعب : صديقي وأخُوي في الغربة، ما كان يدري عن اللي صار لي .. عادي صرنا ربع مثل أي ناس من غير لا يعرف تفاصيل كبير الا أنّي بروحي.
عبدالله : هوّ اللي ساعدك في إصدار أوراقك المزيّفة؟
اتّسعت عينـاه بذعرٍ ليندفعَ بسرعةٍ هاتفًا بحدة : لا .. ما سوّى لي أي شيء من هالكلام ولا ساعدني في تزييف أوراقي!
ابتسم عبدالله : نلعب على بعض؟
متعب بتلفيق : كان فيه ناس أعرفهم من السفارة ولي علاقة كبيرة فيهم ساعدوني.
عبدالله : أقدر أعرف هالناس؟
متعب بجمود : أقدر أخلي الموضوع شخصي؟ ما أبي أورط ناس ساعدوني وهم ما يدرون عن شيء!
عبدالله : تدري إنّ هالشيء جريمة؟ ما يصير شخص بالسفارة ويخون شغله بهالبجاحة.
متعب بضيق : بجاحة!
ابتسمَ عبدالله وحوّر الموضوع لآخرٍ بتعمّدٍ وهو يُدرك أنّه يكذب : طيب نرجَع لأوّل يوم لك بعد ما طلعت من ميونخ .. ليه ما استعنت بالسفارة عشان يحمونك ترجع السعُودية بدل ما تزوّر أوراق كنت تقدر تتجاوزها وتسهّل على نفسك الموضوع؟
متعب بصوتٍ جامدٍ وهو يسترجع الأيـام الأولى التي عاش فيها متألّمًا لصدمتِه من شاهين ولم يفكّر بمنطقٍ حتى ضاقَت عليه الدنيـا : كنت مشوّش .. ما فكّرت بهذاك الوقت بشيء صح!
عبدالله بهدوء : أفضل خطوة سويتها إنّك تشوّشت وما فكّرت تروح وتفضح اسمك لهم!
ابتلع ريقهُ وأخفض رأسه وقد أدرك من جملته تلك أنّه يُدرك كذبَه في مسألة مساعدةِ أحد عملاء السفارة في تزوير أوراقٍ له، لم يلفظ بشيءٍ بينما ابتسمَ عبدالله وهو يُكمل : لو إنّك سويت هالشيء كنت بتفضح نفسك لهم وبيعرفون إنّك عايِش .. كنت بهالوقت عفّنت بقبرك من سنين!
نظَر لهُ بصدمةٍ وهو يفغر فمه، تجمّد للحظـةٍ قبل أن يتنفّس بعنفٍ وهو يلفظُ بانفعالٍ مختنق : ما كانوا يدرون إنّي عايش!! شلون وأنا اندفنت عند أهلي؟!!
عبدالله بهدوء : احنا اللي زوّرنـا تحاليل الجثة اللي كانت بشقّتك.
تراجَع بصدمـة .. واهتزّت أحداقُه وهو يُغمض عينيه ويبتلعُ ريقهُ بألـم، صمتَ عبدالله احترامًا لألمـه ، صمتَ وهو يُدرك أنّ انفجاراتٍ حـارَت بين أضلعِه، لم يشعُر بالثوانِي التي انقضَت وهو يُحاول ابتلاعَ الأفكارِ التي تقاذفَت على حنجرتِه بمرارتها العتيقَة، فتحَ عينيه بأسـى ، همِ السبب ، قتلُوه! قتلُوه ورمّلوا زوجتـه التي تزوّجَت بسواه وهي لازالت له! قتلُوه بحدّةِ كذبةٍ وأوراق، ببرودِ أهدافٍ فقط ربّما قد تكون لحمايتـه .. لكنّها لا تشفع! لا تولّد الغُفران في هذا الصدر الذي يحترقُ أضلعهُ ويتفتّت بحسرةِ رجلٍ يحاول طردَ التخيّلات المعذّبة عن عقلـه وهو يُدرك بأسـى ... أنّ زوجته تزوّجت أخيه!
عبدالله بعد صمتٍ طـال : اسمع . . .
قاطعهُ متعب بصوتٍ مُختنق : دفنتوني!!
عبدالله بهدوء : كان عشانك!
متعب : دفنتوني! رمّلتوا زوجتـي ... اللي تزوّجت بأخوي ولا اهتميتوا! يا كبرها عند الله .. يا كبرها عند الله!!!
تنهّد عبدالله قبل أن ينطق بهدوء : ما درينا انه تزوجها الا من قريب.
متعب بحرقة : ماهو عذر! تدرون عن اللي تبونه واللي ما يهمكم لا !!!
عبدالله : ما عندي شيء أقوله بهالخصوص ... عشان كذا نعتذر.
متعب بصدمة : بهالبساطة؟ بهالبساطة تعتذر ولا كأنّ الموضوع كبير!! منكم لله ... منكم لله!!
كاد عبدالله أن يتحدّث، لكنّ صوتَ هاتفه قاطعه، أخرجه من جيبه وهو يزفُر بينما استدار متعب بقهرٍ وهو يضعُ كفيه على خصرِه، ردّ عبدالله على المتصل ليلفظ بجمود : نعم . . . تكلم . . . * احتدّت نظراته التي وجّهها على متعب وهو يلفظ بغضب * قبل كم دقيقة؟ . . . . طيب .. شكرًا.
أغلقَ الهاتفَ وهو يرمُق متعب بحدّة نظراتـه، انفجر صوتهُ فجأةً بغضبٍ وهو يلفظ : متصل على أخوك؟
نظرَ لهُ متعب بجمودٍ ومن ثمّ أشـاح نظراته بلا مبـالاة. عبدالله بحنق : تبي تعصّب على وضعك ما نلومك .. تبي تهاوش عشان هالحبس بعد ما نلُومك ... بس تتهوّر من البداية وتتّصل على معارفك وأقاربك بالرياض؟ أنت مجنووون؟!!
متعب بغضبٍ يوجّه أحداقه إليه : أيه مجنون ... ومالك صلاح تحكر حركاتي بالريـاض وكأنّي مجرم . . لحظة! أنت وش اللي يخليك تثق إنّي واحد بريء ماهو مروّج خمور ومن أطراف هالجماعة؟
عبدالله ببرودٍ وهو يُدرك أنه يُكرّر ما كان يكرره في باريس حتى تنتهي حيـاته بطريقةٍ أو أخـرى وهو يُفصح بكل استسلامٍ أنّ هذهِ الدنيـا ما عادت تُريدهُ ويُريدها : ندري عن كل شيء ، وعارفين إنّك كنت مجبُور ومهدّد.
ضحكَ بسخرية ، قد يعلمون كلّ شيءٍ لكنّ بعض التفاصيل المُستترة بلهيبها في صدرهِ لا يدركونها، لا يدركون أنّ شاهيـن طرفٌ في من له الجرمُ في كلّ ما حدَت، وعمقٌ في مصيبته.
لم يقُل شيئًا وهو يتجاهلهُ بغضب، تحرّك عبدالله بغضبٍ هو الآخر وهو يلفظُ بتحذيرٍ حادٍ قبل أن يخرُج : لا تحدنا على معاملة مختلفة معك .. كل شيء لمصلحتك .. وياليت تتفهّم هالشيء وما تتهوّر مرة ثانية أو وقتها بنعاملك معاملة المجرمين جد.


،


فتحَت عينيها وهي تشعُرُ بثقلٍ دافئ على صدرِها، رمشَت بنعاسٍ وهي تُحاول استيعاب هذا الثقل الدافئ . . دافئ!! . . عقدَت حاجبيها وهي تُخفض عينيها لتنظُر ما مصـدر هذا الثُقل . . شهقَت بقوّةٍ ما إن رأت ذراعًا رجوليةً سمراء، ولم تجد نفسها إلا وهي تصرخُ بذعرٍ وتدفعُ الذراع التي كانت تلتفُّ حول صدرها لتستقرّ كفهُ ممسكةً بكتفِها أخيرًا. نهضَ أدهم بفزعٍ من صراخها، حملقَ فيها بعينيه المنتفختينِ من النومِ والتي اتّسعت وهو يلفظُ بلعثمةٍ وهلع : وش؟ وش فيه وش صار؟
إلين تزحفُ إلى طرفِ السريرِ وهي ترفعُ اللحاف إلى صدرها في حركـةٍ دفاعية، وبصوتٍ مرتعش : شلون .. شلون صرت نايمة هنا؟!!
صمتَ ببلاهةٍ لثوانٍ وهو يفغرُ فمه، مرّت ثوانٍ سريعةٍ وهو ينظُر لعينيها المرعوبتين حتى التمعَت عيناه أخيرًا وابتسمَ ملء الشغبِ الذي غطّى ملامحه، غمزَ لها بلؤمٍ وهو يلفظُ بحالمية : كنت نايم قبل لا أحس فيك تهزّيني وأنتِ تطلبين مني أصحى.
فغَرت فمها بصدمةٍ واتّسعت عيناها وكفّها تشدُّ دونَ شعورٍ على طرفِ المفرش، تسارعَت انفاسها ورعشتها تتضاعف .. تُحاول أن تتذكّر في هذهِ اللحظـة ما الذي حدثَ بعد أن كان يُحادث امرأةً مـا على الهاتف، ما الذي حدث بعدها؟ لا تذكُر شيئًا!! .. أخفضَت عينيها إلى السرير وهي تبتلعُ ريقها، عادت لترفعَ عينيها بربكةٍ وخوفٍ وهي تهتفُ بتعلثم : أنا صحيتك؟
أدهم يحكّ عنقهُ وهو يثاءب : آآه أيه ما أمداني أموت براحتي وجيتِ تصحيني .. يعني ماهو كفاية إنّ نومي قليل تزيدينها عليْ؟!
إلين ببحّةٍ مُرتعشة : ليه صحيتك؟
ابتسمَ أدهم بخبثٍ وهو يلفظ : متأكدة تبيني أحكي؟
اقشعرّ جسدها وهي تضمّ المفرش برجفةٍ إليها هامسةً ببهوت : وش صار؟!!
أدهم يهزّ رأسه بالنفي : لا ما يصير أحكي عيب.
صرخَت بغضب : كذاااااب.
أدهم : وش مصلحتي من الكذب؟ لو تبيني أحكي خلاص ... كنتِ تقولين ودك . . .
قاطعتهُ بغضبٍ ووجهها يحمرُّ رغمًا عنها : اسكت ، اسكت يا قليل الأدب أنت أصلًا ما تعرف شيء اسمه أدب.
ضحكَ رغمًا عنـهُ لينظُر لها بمكرٍ بعد أن انتهَت ضحكاته المستفزّة، اقتربَ منها وهو يبتسم ويهتف بوعيد : أدب؟ أدب بيني وبيك؟ تعرفين أنتِ مين بالضبط بالنسبة لي والا تبيني أشرح لك بالأفعال.
انتفضَت بذعرٍ وتحرّكت بسرعةٍ تنوي الهرب، لكنّه قبضَ على معصمها بشكلٍ أسرعَ وهو يشدّها نحوهُ ويهتفُ بخُبث : أشرح لك؟
إلين بذعرٍ وهي تُحاول أن تُخلص معصمها منه : اتركني .. اتركني يا مجنوووون والله لو تسوي فيني شيء أذبحك!
أدهم بتسلية : سويت وكنتِ . .
قاطعتهُ بصرخة : لا تقول شيء ... أصلًا أنت كذاب! كنت بحس فيك لأنّ نومي ماهو بهالثقل للمعلومية بس! عشان كذا أدري إنك كذاب.
ضحكَ وهو يتذكّر قبلتهُ لعنقها ولمساتِ شفتيه لوجنتها التي لم تشعُر بها، وبخفوتٍ يخنقُ ضحكته : أي هيّن .. نومك ماهو ثقيل أجل!
ابتلعْت ريقها وهي تسحبُ يدها بقوّةٍ وتقفزُ هاربةً من السرير وهي تلفظُ بغضب : وصخ .. والله لو تتجرّأ وتنوّمني جنبك مرة ثانية وتمسكني بهذيك الطريقة ماراح يصير خير.
تنهّد وهو يُغمض عينيهِ بحالميةٍ ويسندُ وجنته على كفّه، وبعذاب : آآه يا قلبِي .. ماقدرت أنام الليل وأنا أرسم تفاصيل وجهك بعقلي وأتأملك بنومك .. يا جمالك! ... غار منك القمر والله.
إلين بحنقٍ ووجهها يشتعل بالحُمرة : قليل أدب !!!


،


دخَلت للمطبخِ وهي ترفعُ شعرها عن عُنقها الطويل، لفّته في " كعكعة " سريعة ومن ثمّ فتحَت الثلاجة لتُخرج منها عصير البرتقـال وتصبّ لها في كوبٍ زجاجي، خرجَت من المطبخِ بهيئةٍ فوضويّةٍ جذّابـة، بنطالها القطنيّ الرياضي يتّسعُ على ساقيها برماديّتهِ وقميصها السمـاوي يشتدّ على نحالتـها، نظرت للمنـزل الصامتِ بهدوئِه بجمود، على غير العادة ام سيف لازالت نائمة والوقتُ يُداهمُ الثامنـةَ صباحًا. تحرّكت تنوي الاتجـاه للصالةِ حتى تفتح التلفاز وتضيّع وقتها، لم تحبّ أبدًا أن تبقى في الجنـاح، أرادَت النزُول والترفيه عن نفسها بغير جناحهما الخـانق، رغمَ أنّها باتت لا تهتمّ بشيءٍ لكنّها أيضًا ضجرَت من كلمات سيف المتكرّرة، المُختلفةِ عن السابق!!
زفَرت بمللٍ وهي تضعُ ساقًا على أخرى لترفع الكوب وترتشفَ منه، مضَت عدّة دقائِق وهي تقلّب بين القنواتِ حتى وصلَ إليها صوتُ سيف الذي كان يتجاوزُ عتبات الدرجِ نزولًا ويهتفُ محادثًا في هاتفهِ بجمود : شلون صار الحين؟ . . . * تأفّف بضجرٍ ليهتف * وبعدين معاك بثينة؟ عطيني أبوك بس بتفاهم معاه هو . . . . نعم!!!! .... * بغضب * تعوّذي من ابليس يا بنت الناس لا تخلينها حرب عشان زياد . . . تبين تكسرين راسي؟ صار موضوع زياد كسر راس؟
أغمضَ عينيه بصبرٍ وهو يقفُ في نهاية الدرجِ ويتّكئ على " درابزينه "، لم ينتبه لديما القريبة منه والتي كانت تراقبـه بجمودٍ وصمت، هتفَ وهو يفتحُ عينيه بحدة : أقول اخلصي عليْ شلون صار زياد الحين؟ . . . * بنفاد صبر * لا حول ولا قوّة الا بالله!!!! يعني من بين كل المرات اللي يطلع فيها معاي ما مرض بسببي الا أمس!!!
شدّ على أسنانه وهو يسمعها تصرخُ بأحاديثَ كثيرةٍ غاضبـة، لم تتوقّف عن الحديثِ ولم يكُن هو ليصبرَ على سهامِ لسانها، لذا أغلق الهاتف في وجهها وهو يلفظُ بحنق : أنا بوريك شلون تكون الحرب ... مبزرة.
رفعَ رأسه بملامحهِ الحادةِ غضبًا بعد أن ابتدأ صباحهُ بصوتِها الصارخِ وكلماتِها الفجّة، أدار رأسه يبحثُ عن طيفِ امّه، لكنّه تجمّد فجأةً حين رأى ديما تجلسُ في إحدى الأرائِك وعيناها تنظرانِ إليهِ بصمت . . بقيَ متجمّدًا في مكانهِ للحظـة، كان يدرك أنّها ستكون في الأسفل بما أنهُ لم يجدها في جناحهما بعد أن خرج من الحمـام، لكنّه ولوهلةٍ تغافل عن ذلك وبقيَ يكلّم بثينة بصوتِه المسموع هنا!!!
تنهّد بصمتٍ وأقدامهُ تتحرّك نحوها، تابعتهُ بأنظـارٍ جامدةٍ حتى التفّ حول الأريكةِ ليجلسَ أخيرًا بجانبها وهو يبرّر بهدوء : زياد مريض من أمس.
هزّت رأسها بصمتٍ باردٍ وهي تهمس : سلامته ، الله يشفيه.
عقدَ حاجبيه قليلًا : ترى تو أنتبه إنك هنا ... ما قصدت.
ديما ترفعُ حاجبيها دون فهم : ما قصدت أيش؟
تنهّد وهو يُشيح وجهه وقد أدرك أنّها لا تُبالي أبدًا إن كان حادثها أمامهُ عمدًا أم لا، وبيأس : ولا شيء انسي.
ديما دون اهتمامٍ تهمهمُ وهي تنظُر لكوبها : همممم . .
لم تشعر فجأةً سوى بكوبها يرتفعُ من بين كفيها بعد أن سرقتهُ يدُ سيف، ابتسمَ وهو يجذبهُ إليه كي يبحثَ بعينيه عن الجزءِ الذي تلطّح بأحمر شفاهِها الصباحي، شربَ من نفسِ المكانِ الذي شربَت منه، تابعتهُ بصمتٍ لا مُبالي ومن ثمّ أبعدت عينيها عنهُ لتنظُر نحو التلفازِ بضجر.
سيف بهدوءٍ مُبتسمٍ بعد أن أخفض الكوب ووضعهُ على الطاولـة أمامه : خليك جاهزة بعد العصر ، بنطـلع.
عقدَت حاجبيها ومن ثمّ وجهت نظراتها إليه وهي تلفُظ باستنكار : بعد العصر؟
سيف يقف : أيه .. زياد تعبان شوي مو مرة، بمرّه الحين أشوف وضعه وإن شاء الله خير .. لو يحتاج شيء بآخذه للمستشفى بس العصر بكون أكيد ما وراي شيء.
لم تنطُق بشيءٍ وهي تومئ برأسها، ابتسمَ وانحنى إليها حتى لامس جبينها بشفتيه وقبّلها، استقام وهو يهتف : مع إنّي جوعان بس مستعجل .. شوفي امي ماهو من عوايدها تظل نايمة لهالوقت وافطروا وإذا سألت عني اصرفيها بأي شيء .. عوافي.


،


وصـل في وقتٍ قياسي، سابقَ الزمَن بجنونِ قيادتِه، لم يُبالي إن كان في تلك اللحظـة سيمُوت في حادثِ سيرٍ بالفعـل، عقلهُ كان يُترجمُ ما حدثَ في أقلّ من يومٍ مع ما حدثَ قبل أشهـر .. حين جاءهُ سند ، وقـال بكلّ بجاحةٍ أن متعب حيّ!! .. يا الله كيفَ تأتِي تلك الكذبةُ مع كذبةٍ أخـرى كانت أكثر براعةً كونها في " صوت "!! أيعقلُ أنّ التحـام كذبتين يعني .. صدقًا!! ... جنون! جنونٌ ما تفكّر بهِ يا شاهين .. لا يعلم ما الذي يحدثُ بالضبط، لكنّ عقلهُ يخبره بأنّه سيجدُ شيئًا ما لدى سنـد، سيجدُ شيئًا مـا يجعلهُ يفهم الألاعيبَ التي تُحاكُ حوله.
وقفَ أمام بابِ نزِل سنـد، تنفّس بانفعالٍ وصدرهُ يرتفعُ لأقصـى معالمِ الغضبِ ليهبطَ لأدنـى قاعٍ من الحُزن المُمرّغِ بالذكرى، رفعَ كفّه المتشنّجـة .. وضربَ الباب الحديديّ طرقاتٍ حادةٍ لم تُزعج أسماعهُ التي لُحّفَت بصوتِه ، طرقَ الباب حتى وصَل إليه صوتُ سند الذي لفظَ بعلوٍّ ضَجِر : جاي جاي لابو هالوجـه مين يدقّ بهالوقت؟
فتحَ بحدةٍ ليظهرَ وجههُ المتجعّد بغضب، وبحدة : نعــ .....
لكنّه صمتَ بصدمةٍ واتّسعت عينـاه ما إن رأى أن الواقفَ هو . . . شاهين!!!
همسَ دون تصديق : شاهين !!!
لم يُمكّنهُ شاهين من الاستيعابِ قبـلًا .. اندفعَ إليهِ بجنونٍ غاضبٍ ليقبضَ على مقدّمـةِ قميصهِ ويجذبهُ إليهِ وهو يصرخُ بغضب : وش تعرف عن أخُوي؟ وش يعرف عقلك الزفت عنه؟!!
سند بغضبٍ أمسك كفّه يحاولُ أن يُبعدها وهو يشعُر بالاختناق، وبحدة : ابعد يدك يا مجنوووون جاي تتهجّم علي ببيتي ليه هي الدنيا سايبة كذا؟
سحبهُ بعنفٍ ومن ثمّ دفعهُ نحو الجدار ليصتدمَ ظهرهُ بقوّةٍ بهِ ويصرخَ غاضبًا بألم : حيوااان ابعد يدينك قبل لا أخليك تصير بالمكان اللي المفروض يكون فيه أخوك الـ ***
لم يشعُر سوى بلكمةٍ قويّةٍ اتّجهت لوجههِ مباشرةً بعد شتيمتهِ الوقحـة تلك، صرخَ شاهين بغضب : لا تتجرّأ .. يا ويلك تتجرّأ وتسبّه بلسانك المعفن ذا !!
ابتسمَ سند وهو يمسحُ الدمـاء التي بصقها من فمِه ولطّخت شفتيه، وبسخرية : ماهو أنت جيت بشياطينك لي بسببه؟ ... وش تبي مني يا دكتور؟
شاهين بعينين تشتعلان غضبًا : وش اللي تعرفه عن متعب؟
سند ببساطةٍ عابثـة : وش مناسبة هالسؤال؟ اوووه شكل عقلك انتبه لشيء!
شاهين بنفسٍ متسارعٍ بغضبٍ وربكـة : شيء! وش تقصد؟
سند باستفزاز : لحظة أنت تزوجت صح؟ أرملة متعب؟؟ . . لا معليش عيب نقول أرملة ... أقصد زوجة متعب؟
ابتلعَ ريقهُ بتوتر، تسارعَت أنفاسهُ أكثر وهو لا يريد تصديق الإيحاءاتِ التي تتطابقُ مع الصوتِ الذي يسمعهُ منذ البارحـة، شعر بنفَسهِ يختنقُ وهو يلفظُ بخفوتٍ واهِن : وش تقصد بهالحكِي؟
سند بابتسامةِ انتصـار، بنبرةِ تشفٍّ وحقد : أعشق هالأنواع من الانتقـام ... اللي يعذّبك سنين بس ما يقتلك!! بتظل نقطة سوداء بحياتك ، بتظل خط فاصل أو نقول حصن بينك وبين متعب ... بتظلّ عذاااااب ... عذااااااااااب لك للأبد ... لأنّك تزوّجت زوجـة أخوك ... وهو عايش !!


.

.

.

انــتــهــى

وموعدنا القادم يوم الاثنين بإذن الله ،

ودمتم بخير / كَيــدْ !

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 11:20 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية