لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-04-16, 09:01 PM   المشاركة رقم: 781
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Sep 2010
العضوية: 190192
المشاركات: 620
الجنس أنثى
معدل التقييم: أبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 748

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أبها غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

موفقة يا كيد ..

بانتظارك بإذن الله .🍃🌸🍃

 
 

 

عرض البوم صور أبها  
قديم 30-04-16, 09:36 PM   المشاركة رقم: 782
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 


-

-

السلام على العيُون الحلوة اللي تنتظرني ، هذي أنا موجودة لا تحاتون . ،
قبل لا نعلن ساعة البارت خلونا نعقد اتفاق مثل ما تشرطتوا عليْ ، من قبل بارتين أو ثلاث وأنتوا توصون " يا هند لا تبترين زواج إلين وأدهم تكفين لا تجيبين نص الزواج وتتمنذلين .. إلخ " ، والحين شايفتكم مستعجلين! تراني قاعدة حاليًا أعمل على توصيتكم وأكمل الزواج لا تخلوني أعاند وأبتره * تهدد هي ووجهها :$ * .. خلاص باقي تكّه وأخلص موقفهم مع نص موقف ما كملته من قبل يعني خلال ساعتين أو نص زيادة يكون عندكم .. وودي بصراحة يكون قبل منتصف الليل عشان الدوامات :( نشوف وش ورانا ، + لا تستعجلوني كم دقيقة زيادة ترى ما تضر على انتظاركم طول الأيــَام اللي فاتت أهم شيء النتيجة :*

وسلامة قلوبكم الطيبة ()

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 01-05-16, 01:09 AM   المشاركة رقم: 783
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم

صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن

إن شاء الله تكونون بألف خير وعافية



مافيه وقت للمقدمات حتى مدخل للبارت ما أمداني أدور بين اقتباساتكم من العجلـة ولأنّي تأخرت عليكم .. كل اللي بقوله قراءة ممتعة لكم وإن شاء الله يروق لكم وتشوفونه دسِم مثل ما كان بالنسبة لي :$

شكرًا لتواجدكم، شكرًا لكلماتكم الطيبة سواءً بالمتصفح أو خارجه، شكرًا للروايـة اللي جمعتنا .. إن شاء الله أكون دائمًا عند حسن ظنكم والله يكتب لي التوفيق والوصول للنهاية بسلام :$$



بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !


لا تلهيكم عن العبـادات



(73)*1







سقطَ على الأرضْ بعد عاصفـةٍ اقتلعْت ثبـاته حين لم يكُن تامًا ، عينـاه تتّسعـان بصدمةٍ في اللحظـة ذاتِها التي اعتلى فيها صـراخُ أسيل المذعُور من الجهةِ الأخـرى ، ليتبعهُ هتـاف أدهـم الحـاد والصارخ في وجههِ بنارٍ هوجـاء : حيـــواااااان ...

انحنَى في اللحظـة التي احتدّت فيها ملامحُ شاهين وكاد يتوقفُ على قدميه ويردّ لهُ تلك اللكمـة بعد أن استوعب أنّه ليس إلا هـو ، ليس إلا أدهــم !! لكنّ أدهم لم يُهدِه بعض الوقتِ وهو يُمسك بكتفيه ويوقفهُ رغمًا عنه وهو يردف بذاتِ صوتِه الغاضبِ والذي كان يعتلي أكثـر بجنون : افتــخــر .. افتـخر الحين بنفسك ... الحين تقدر تعيش مبسوط ، تعيش وهوّ ما يخرّب لحظتك.

دفعهُ عنهُ شاهين بغضبٍ دون أن يُبـالي بمعنى كلماته، اشتعـل الكره والاشمئزاز في عينيهِ وهو يردّ له اللكمـة بأخرى في اللحظة التي لم يُبالي فيها أدهم بالدفـاع، تراجـع للخلفِ وهو يبتسمُ ويمسحُ على فمهِ بقهر ، يبتسمُ ابتسامةً تنقُش في روحِه الكثيـر من القهـر المُختلطِ بألمـه ، يختلطُ بصورةِ متعب الشبيهِ بِه .. كيف لم ينتبه لهذا الشبهِ بينهما من قبـل؟ كيف لم ينتبِه؟!

شدّ شاهين على كفهِ وهو يهتف بصوتٍ حـادٍ بينما يدهُ الأخرى تدفعُ بابَ السيارة الذي كان مفتوحًا ليُغلقه، وبصوتٍ خافتٍ بالرغمِ من حدّته : أهبل؟ لا جد أهبل وما تدري عن نفسك وش اللي تسويه؟ * صرخ بحقد * وش جابك بيتي؟ طلعت على حقييييقتك هااااه؟!

كان ينتفضُ حقدًا وانفعالًا وخوفًا على أسيل وامه، وجود أدهم لا يعطي سوى تفسيرٍ واحـد، أنّه بدأ التحرك وخـرج من نطاقِ التمثيل !

اقتربَ منه ليدفعهُ من كتفيه بغضبٍ ويُردف من بين أسنانه : ما تعرفني .. غبي يوم تتحدّانـي .. لو تمس أحد من أهلي بشر صدقني بذبحك !!

أدهم يمسك كفيه اللتين دفعهُ بها لينفضها ويلفظ باحتقار : ليه هو أنت يهمك أهلك؟!

شاهين من بين أسنانه : وقــــح ... انقلع من وجهي انقلع .. اذا تبي تهاوش اتصل علي بالليل أو بأي وقت ثاني وأنا موجود ... حاليًا ماني فاضي لأشكالك عيد وما أبـي شيء يضيّق علي.

اشتطّ أدهـم ، في اللحظـة التي يفرح فيها بالعيد هنـاك من بدأ عيدهُ مكتئبًا، حزينًا، مريضًا، هنـاك من كـان يشتاقه! هنـاك من يكـاد يبكي وربّمـا بكى .. هنـاك من سيمُوت وربّما مـات ..

اقتربَ بخطواته منه والانفعالُ فيه يتنامى كلّما طرأ في عقله أن متعب الآن ميت! وباستفزازٍ لهُ يريده أن يغضب فيدخل معهُ في شجارٍ عنيفٍ يستطيع فيه تفريغ ما لديـه والانتقام لمتعب ولو في ضرباتٍ بسيطةٍ لا تعـادل غربته ، هتف باستخفاف : وش اللي صـار فجأة؟ ماهو صرنا ربع وتقرّبت مني؟ ... وش اللي صار؟ .... يا شاهين !!

هنـا اتّسعت أعيُن شاهين ما إن لفظَ باسمهِ الحقيقي، ابتسمَ أدهم ابتسامةً ملتوية وهو يتدارك نفسه هاتفًا باستفزاز : اووووه نسيت ... قصدي ليث !

انطلَقت نـارٌ من عينيه في تلك اللحظـة، واقتربَ منه أكثر وهو يهتف بصوتٍ أشبه بفحيحِ أفعى جائعـة، بصوتٍ حملَ من ورائِه وعيدًا قاتلًا : أنصحك تبعد من هنـا . .

لم تكُن نصيحةً بحجمِ ما كانت تهديدًا له، ابتسمَ أدهم بغضبٍ أكبر، لم تكُن تلك ابتسـامة، شفاهُه مشدودةٌ تُظهر أسنانه الضاغطةَ على بعضها، لم تكُن ابتسامة، كـانت محاولةً لصدّ المزيد من الغضب، لكنه لم يقدِر، لم يستطِع وهو يهتفُ برعشةِ كفيْن انفعلتا لأجلـه، لأجـل صديقهِ هُنـاك، لأجل صديقهِ المغدور ، لفظَ بنبرةٍ مستفزّة، الفكـرة في عقلهِ أنّ الأوراقَ سقطَت، شاهين يُدرك منذ زمنٍ أنّه الذي كان يُساند أخـاه، كان يحاول استدراجه بقصّته تلك، لكنّه كان جازمًا بأنٌه هو، والدليلُ أنّه بـاتَ أمامه في هذهِ اللحظـة، لم يُبالي بتهوّره، لم يبالي بالخطرِ الذي قد يحومُ حولـه بما فعل .. وابتعدَت أسنانه عن ذاك الضغطِ وهو يلفظُ بصوتٍ حـاقدٍ بينما عيناه تتّجـهان للمنزلِ تارةً وإليه تارة : صـح .. ما تبي أخد يضايقك بالعيد .. عشان كذا أخـــوك لازم يـ ....
لم يكمِل حديثهُ لكفي شاهين اللتين انقضّتا على عنقهِ والتفّتـا حولـه بغضب، صرخ وعينيه تكادُ تُرمد من نـار أحداقه المشتعلة : لاااا تتجرأ .. لا تتجرأ وتجيب طاريه على لسانك

وضعَ أدهم كفيه على يدي شاهين القابضتين على عنقه، ابتسم بسخريةٍ وهو يشعر أنّه يختنق، لكنّه لم يُبالي باختناقهِ وهو يُكمل بنبرته المستفزّة ذاتها ، بصوتٍ مُختنق : ليش؟ تبي عيدك يظل بخير؟!

لم يهتم شاهين لحديثهِ وهو يترك عنقهُ ويوجّه لكمةً حادةً لأنفهِ لتنزف بها، ردّها أدهم لهُ مباشرةً دون أن يُبالي ببشرةِ عنقه التي احمرّت، دخـلا في عراكٍ كانت تراقبه أسيل وهي تكادُ تبكي، بل أنّ دموعها سقطَت وقدميها تكادان تتمرّدانِ لتخرج من السيارة وتحاول أن توقفـهما، لكنّ تدخّل القليل من الناس اللذين كانوا قريبين جعل نبضات قلبها المتسارعـة تتباطئ قليلًا.

صرخ شاهين بقهرٍ يشتمهُ وهو يريد أن يضربهُ أكثر لكنّ جارهُ الكبير في السن كان يُمسكه ومنعهُ بجملة " بوجه الله يكفي " . . . ابتسمَ أدهم بتشفي بالرغم من أنّ كفتهما كانت متساوية، لكنّه كان يضرب لأجل متعب، ليس لأجلـه، لذا لم يهتم بالضربات التي نالها .. هتف باستفزاز : يلا الحين كمّل عيدك بوجهك الجميل ، وتذكّرني كل ما ناظرت وجهك بالمراية.

نفضَ يدهُ من الذي كـان يمسك بهِ وابتعدَ متوجّهًا إلى سيارتِه ، بينما تابعهُ شاهين بنظراتٍ حـاقدة وقد تحرّر من الأيادي التي تُمسك بِه، ابتعدَ أدهم بسيـارتِه، واعتلا صوتٌ من خلفِ شاهين لافظًا : واضح إنه هو اللي متهجم عليك جاي لبيتك .. لو مكانك ما أسكت وبخليه بعفن كم يوم بالسجن.

لوى شاهين فمهُ بغيظٍ وهو يتحرّك وبفتح باب السيـارة، وبصوتٍ حاد : مشكورين.

لم يُضِف كلمةً وهو يصعدُ ويغلق البابَ بقوّة، حرّك السيـارة بينما كانت نظراتُ أسيل تتابعهُ وعينيها تلتمعانِ بدمعِها، مدّت يدها لتُلامس وجنتهُ المحمرّةَ لتهمسَ بقلق : شاهين ....

قاطعها شاهين بنبرةٍ حادة : اتركيني الحين يا أسيل .. مالي خلق لشيء.



بينما كان أدهم من الجهةِ الأخـرى يكرّر اتصـاله بهاتفِ متعب المُغلق ، ولا يجد سوى صدى شتائمه ترتدّ في السيـارة .. ليته كان بوسعه أن يقتل شاهين ويرتاح .. ليته!!





،





" تأكدوا إن كل أجهزة المراقبة عطلانة "

لازال يجلسُ على السريرِ ورأسـه يتّجـه للأرض، الأصواتُ لم تتلاشى حولهُ لكنّ نبرتها الصارخـة تلاشت، تداخُلها ببعضها تلاشـى .. كما تلاشت القوّة الباقية في جسدهِ كيْ يبقى ثابتًا في مكانِه، كي يبقَى جالسًا !! نسيَ ألـم ظهره، ألـم كتفِه الذي كاد يُكسـر ، ولم يبقى في جسدهِ ذرّة احتمـال، لذا ترنّح للجهةِ اليُمنى ، كـاد يسقُط على جانبِه لولا الكفّ التي أسندتهُ وصوتُ صاحبها يعلُو على أحد الواقفين : اتّصل بالاسعاف يمكن منصـاب.

متعب بحدةٍ وهو لا يُبالي بما يحدثُ حولـه : أنا بخيــر .. بخيـــر ... بخيـــــر ..

كرّرها ثلاث مرّاتٍ وأنينُ صدرهِ يكذّبها، لم يعُد بخير، منذ اللحظـة التي قال لهُ فيصل أنها أصبحَت لهُ لم يعُد في لسانهِ ذرّةٌ من " أنا بخير "، كرّرها وتكرارهُ يُثبت كذبه، كرّرها وصوتُه الميّت يثبت كذبه، لم يعُد بكامل - خير - ، منذ تركهُ أخاهُ في هذهِ الدهاليـز، منذ تركهُ في هذهِ المتاهة، منذ ابتعدَ عن امه، عن زوجته، عن موطنِه، منذ باتَ في هذهِ الغربـة الحالكة يشتكِي سوادَ السماءِ وزرقتها ، والآن ، هو لم يعُد بخيرٍ وانتهى! لم يعُد بخيرٍ لأنّه أخـذ منه كلّ الحيـاة وكلّ ماقد يعيشُ لأجلـه، لم يعُد بخيـر .. لا يملك الآن شيئًا سوى شكره ، لأنّه نجحَ في قتلهِ ببطء، نجحَ في انهائِه ببطء، تركه يتعذّب، ذاقَ كل أنواعِ العـذاب، الفقد ، الغربة، سمومها، الاشتياق ، والآن خسـارة حبيبته ! ذاق كلّ أنواع العذاب ! وأتقن في طبخِ أصنافِه ، لم يعُد يملك سوى شكره، على إخلاصهِ في مُبتغاه.

أبعد اليدين المُمسكتينِ بكتفيه، وترك لنفسهِ السقوطَ على جانبِه والتنفّس برئتين مُتعبَتين، النظر للجدَار وتحاشي النافذةِ التي أصبحَت تحتضنُ امه فقط، تركَ لعقلهِ في هذهِ الثواني تخيّل الصورِ التي سيكونانِ عليها هذا العيد، احترقَ قلبه أكثـر ، وهو يتخيّل ملامحهما، تُمسك كفّه، يقفُ بجانبها، يقبّلها ، أصبجـا زوجين ! هل هذا هوَ المعنى؟ أصبحَت زوجة شاهين؟ كيف قد يفعلها وهو يُدرك أنّ أخاه لازال حيًا وهي لازالت في عصمته .. لا يُمكن ! كيف يفعلها؟ أغمضَ عينيه بقوّةٍ وهو يتنفّس بانفعال، أغمض عينيه لا يُريد رؤية المزيد من الصور التي رآى منها المزيد حتى في إغماضته لعينيه، منذ متى؟ بعد وفاته مباشرةً بالنسبةِ لهم؟ هل هذا هو سبب خيانته؟ يريدها؟ أم ماذا !! شاهين ليس فردًا منهم، يُدرك ذلك، شاهين كان يُساعدهم فقط ! هل هذا هو السبب؟ هل أرآد قتله لأنّه أرادها ؟!! ... آه ! آه يا شاهين ، آه يا أسيل ! هل تركتِ ذكراي ورحلتِ في دربِه بعيدًا عني؟ .. آه يا - نفسي - التي شغفَت بلحظـة لقاءِ عينيك ، اتفقنا أنْ لا تكونِي لسواي ، اتفقنا في لحظةٍ ما أن تكوني لي فقط ! أن لا نكون لغيرنا ! .. حلمتُ كثيرًا باللحظـة التي أحتضنُ فيها جسدك، في اللحظة التي أقبّل فيها دمعكِ وأمرر أطراف أناملي على أهدابِ حُزنك ، حلمتُ كثيرًا ، وظننتُ أنّكِ تبكِين الأعيـاد نفسِي ، لكنّكِ لم تكوني مثلي ، لم تتذكّريني في أيّ عيد ، كنتِ تضحكِين له ، لأخِ زوجك الراحـل .. وقد رحلتْ ! رحلتُ حين علمتُ أنّكِ بتِّ له .. يا قسـوة الأيـام ، يا قسوةَ السنين التي ابتعدتُ فيها عنكِ ولم تنتظري طيفي في كلّ يوم، لم تكوني لتنتظريني أبدًا فأنـا - ميّت -، لكنْ ليتك انتظرتِ الأطياف في الليالي ، ليتكِ بقيتِ زوجتي فقط ، ليتك ! .. يا خــائنَة ! يا مـن أضحيتُ نداها كلّ صبـاح ، وماءها في الليالِي ، تركتنِي ، تركتنِي واتّجهت بتلاتُك إليه.

شعر بجسدهِ ينتفض، ولم يشعُر بالدمعةِ التي سقطَت من أسفلِ جفنه، اقتربَ منه ذاك وهو يقدّر صمته، هتفَ بهدوء : معك الأمن ، صرت بحمايتنا ..

ابتسمَ متعب ابتسامةً واهنـة ماتَ طيفُها، وببحّةِ الحُزن هتف : هالمرة صدق؟ إذا لا تكفون لا تمثلون عليْ ، اقتلوني مباشرة، ما عاد أبي شيء من هالدنيـا.

بشفقة : متعب ، بترجع لأهلك ، تطمّن ماراح يصيبك أذى.

جلسَ متعب لينظُر لهُ بغضبٍ ويصرخ بأعصابٍ نفدَت، بقهر، بألم، والدمعةُ تبعتها أخـرى : ما أبي أرجع .. اتركوني أعفّن هنا .. والا بقول ، تراني مهرّب وبعترف بجريمتي ، اسجنوني ولا يدري أحد من أهلي إنّي عايش ما أبي أرجع لهم !!

هتف بجمود : ماهو وقت هالحكِي ، وبعدين هالقضية بتدخـل ضمن الـ ....

متعب بحدةٍ وجنونٍ يقاطعه وهو يفهم ما يُريد قوله : كان الموضوع بكامل إرادتـي ، ما كان تحت ضغط ولا كان ...

قاطعهُ وهو ينحني ويُمسك كتفيه كي ينهض : قوم معنا .. هالمكان صار خطير.

متعب يُبعد كفيه بحدةٍ ويلفظ باعتراض : ما أبي ، خلهم يذبحوني مالكم شغل فيني !

بحدة : عن هالمبزرة ، بتتحرّك غصب عنك الموضوع ما صـار بيدك.

لم يردّ متعب وهو يعود ليتمدّد دون مبالاةٍ به، حينها نظر الآخر نحو الواقفين ليهتف بحزم : جيبوه وراي لو بالقوّة ..





،





" الله ياخذك طالعة تهبلين " .. ضحكَت بعد جملةِ غيداء تلك وهي تعلّق عباءتها في مجلسِ النسـاء، وجّهت نظراتها إليها لتدور حول نفسها باستعراضٍ وتهتفَ بكلماتٍ متعاليـة : شرايك بذوق سلطان؟ ترى صار أحلى عليْ.

أمالَت غيداء فمها بحنقٍ ليرتفع حاجبيْ غزل باستفزازٍ وتُردف : أيه نسيت بعد إن الطول مخليه أحلـى، أصلًا اللبس الحلو يخيس على القصيرات.

قفزَت غيداء التي كانت لتوها جلسَت، اتّجهت نحوها بعينين حانقتينِ لتلفظ : انقلعي بس أنتِ من غير شيء توصلين لكتف سلطان ومسمية نفسك طويلة؟

غزل : ههههههههههههههههه أنتِ أظن بتوصلين بطنه.

غيداء : لا والله مو لهالدرجة ! بس اعترفي إنك قصيرة بعد.

غزل : شدخل سلطان تقيسين الطول عليه؟ هو رجال طبيعي يكون طويل بزيادة.

غيداء : لا تصرفين.

غزل بضحكة : بعذرك مقهورة .. وين خالتي؟

غيداء تزفُر بضيقٍ وملامحها تبدّلت فجأة ، عقدَت غزل حاجبيها حين انتبهَت لذلك، لكنّها لم تُعلّق بينما هتفَت غيداء بهدوءٍ غريب : بتجي الحين ، تلاقينها جالسة مع سلطان وعناد.

غزل باستنكار : طيب .. * ابتسمَت * جيبي لي حلاوة العيد يلا.

غيداء تقلّب عينيها وهي تستغفر : طفلـة ..





،





بروكسِيل ..

انتشـر ظـلامُ الليل، قبعَت النجومُ في صفيحةِ السمـاء بلمعتها بينما غابَ القمر ... دخـل فارس لغُرفتها يُخبرها أنّ فواز يُريد رؤيتها، ينتظرها في المجلس، كـانت ستقُول لهُ بكلّ شفافية " ما أبـي "، لكنّها تراجعَت وصمتت، ابتعدَ فارس كي لا يدعَ لها المجال في التفكير وترفضَ أمامه، بينمـا زفرت جنان بأسى وهي تَضغطُ صدغها بسبابتيها، لم تُقابله منذ آخر مرةٍ في رمضـان، لامت فارس كثيرًا لأنّه لم يُخبرها بطلاقهِ لزوجتِه، كان يعلمُ لكنّه صمتْ، وهي بدورها دخلَت في دوامةِ لومٍ جديدة ، طلّقها بسببها، وانتهت حياتهما بسببها ، كيف تستطيعُ المتابعة؟

زفـرت وهي تستغفرُ بهمسٍ تحاول طردَ توتّرها، تهزّ ساقيها دلالة ذاك التوتّر، لم يتوقف هزّها لساقيها، ولم تستطِع إيقاف توتّرها . . نهضَت ببعثرةٍ لتتناولَ معطفًا يصلُ لركبتيها، كانت ترتدي جينزًا وبلوزةً بيضاء تسترُها إلى مرفقها، لكنّها لا تعتبرُ هذا زواجًا، لا تعتبرهُ زوجًا، لذا لا تستطيع الخروجَ إليه كما تخرجُ لفارس ووالدها ! . . تناولَت حجابًا أبيضًا ولفّت بهِ رأسها، تأكّدت أمام المرآةِ بحرصٍ أنّ لا شعرةَ تظهرُ منها، مسحَت أحمر شفاهِها وكحلها بإصرارٍ مجنُون ، ومن ثمّ توجهت نحوَ البابِ لتخرج.

بينما كـان فواز ينتظرها وهو يضيعُ الدقائقَ بهاتفه، يتفقّد الرسائِل ، وعقلـه قد نسيها تمامًا ، على من يكذِب؟ وهو ما إن يضعُ رأسه على الوسـادة حتى تهاجمهُ رائحتها، يشعر بجسدها قربه، يتذكّر الأيـام التي كانت تنام فيها معهُ في شقّته هنـا ، وقعَ في مصيبةٍ كُبرى ، عانقتهُ بقيدها الذي يلسعهُ في كلّ يوم، منذُ الصغر ، وكيف يموتُ حبٌ منذ الصغر؟ هذا جنونٌ لا يُنسى، هذا ابتلاء، ولطالمـا كان الابتلاء بالحبِّ لا دواءَ له، مرضَ بها ، ولن يشفى منها .. في شقّتهِ طيفُ ذكرياتٍ بينهما ، وفي منزلِ والدتـه أيضًا ، ستحاصرهُ في كلّ مكـان، إن كان حين يدخُل المبنى الذي يعيشون فيه يشعر أنّ طيفًا يخترقُ جسده بقوّةٍ ويتجاوزه، يشعر بتواجدها حوله، فكيف لا تُشاركه الليـالي بصوتِها، برائحتها، بقُرب جسدها منـه ! كيف ينسى أنّها أغرقتـه بكلماتِ حبٍّ مراتٍ قليلـة ، أنّها اعترفَت بتمرّد كلماتها، بعينيها التي يعشق .. يالجـنونه، وابتلائِه ، لن تستطِيع جنان أن تُداويه، وكم يخشى تلك الفكـرة لأنّ دواءه هي جيهان فقط، لكنّه لن يعُود، ولن يجذبها إليه مرّةً أخرى قسرًا.

وجدَ نفسهُ دونَ شعورٍ يتّجه لمحادثتها في " الواتس أب "، بقيَ ينظُر للهاتف للحظـاتٍ ببؤس، ودون شعورٍ منه بدأ يكتب " كل عام وأنتِ بخير " ، كـادت أصابعها تتمرّد وترسلها، لكنّه أفـاق على جنونِه حين رآى أنّها " متصل "، ومسح الرسالة مباشرةً ليخرج من " الواتس أب " ويضع الهاتف جانبًا وهو يزفُر بعذابِ اشتيـاقه، الشوقُ نارٌ إن اندلعَت لا يُطفئها إلا حُضن المشتاق إليه، الشوقُ مطرٌ من " البَرَد "، يؤذي، ولا يوقفهُ الا انقشـاعُ الغيوم، لن تنقشع الغيوم يا جيهان، وسأبقى أشتـاق، لا حضنكِ سيُطفئ نارهُ ولا انقشـاع الفراقِ سيوقفُ أذى بَرَدِه، الشوقُ يا جيهان معصية، لم تجِد كفّارةً لهـا .. دعينا نغرقُ بذنبِنا وأثقلِي موازينَ المشـاعر، اشتاقي إليْ! اشتاقي كما أشتـاق، اشتاقي ومارسي هذه المعصية كما أمـارسها .. يا حُزنِي ! حُتـامَ ستبقَيْ في قلبِي الوريد؟ حُتـام سأبقى أشتاقُك ولا أجدك؟ حُتـام ستبقى هذهِ الحياة تحملني على كفوفها دونَك؟ دونكِ يا طفلتي المتمرّدة ! حُتـام سنعيش؟ ونحنُ انقطعَ عنّا السبيل للعيش، السبيل الذي ما كان إلا الحُب.

دخـل فارس وهو يهتفُ بابتسامة : بتجي الحين.

رفعَ فواز رأسه إليه وهو يبتسمُ بهدوء : شلون نفسيتها اليوم؟ * أردف بمداعبة * أخاف ترميني بأقرب شيء.

فارس : ههههههههههههههه لا جنان عاقلة حتى لو عصبت ما تسوي هالحركات، أنت بس اصبر عليها شوي.

ابتسم فواز ابتسامةً فاتـرة وجيهان لا تبتعدُ عن نطاقِ تفكِيره، التضـاد بينهما في أشيـاء عديدة، لو أنّ جيهان غاضبـة قد تقوم بأيّ شيءٍ حتى تفرّغ غضبها وتنتقم له، أيّ شيء، فهي التي قذفَت ولعنت، ولن تصعب عليها ردّة فعلٍ أخرى.

صمتَ فارس قليلًا وقد تلاشت ضحكته، نظر للأرض لثوانٍ قصيرة قبل أن يرفعَ رأسه ويهتف باستفسارٍ هادئ : فواز .. ممكن تعلمني أنت ليه ما رفضت؟

ابتسم فواز ابتسامةً كاذبـة : مشكلة عمي ناصر ما خلّى الموضوع وكأنّي المتقدم لها ، لازم يعني يعلمكم؟

فارس بجمود : ما علمنا ، كل شيء كـان واضح، أجل زواج بمستشفى وبعد عملية أبوي بكم يوم وش يكون؟

تنهّد فواز : لا تكبّرها .. مافيها شيء.

فارس : ليش ما رفضت وريحت راسك؟

فواز بابتسامةٍ صريحة : مين قالك ما رفضت؟

عقد فارس حاجبيه : يعني؟ مجبور؟!!

ضحكَ فواز : رجّال وأنجبر؟ من وين تجيب تحليلاتك؟!

فارس بضيقٍ من ضحكهِ في موضوعٍ كهذا : كل شيء جائز ، أنا مستغرب أبوي ليش ممكن يسوي مثل كذا؟

أمـال فواز رأسه وهو يبتسم ابتسامةً تمثيلية ، بالطبعِ لن يُخبره بالمحادثـة التي كانت بينهما ، بالمحادثـة التي جعلته يرضى أخيرًا بدخولِ معمعةٍ كهذه، هتفَ بنبرةٍ هادئة : لا تروح أفكارك لبعيد يا فارس ، وكون واثق إنّ أبوك ماراح يسوي شيء وهو يشوفه مؤذي لبنته ، هو يبي لها الحيـاة السعيدة.

أطبق فمهُ لثواني وهو ينظُر لفواز دون اقتنـاعٍ بحديثه، قبل أن يهتف بهدوء : بهالطريقة؟ اااخ بس خاطري أفهم بس شلون رضيت وأنت قلت بنفسك رفضت!

غمزَ لهُ فواز بتلاعب : الرجـال ما يملي عينهم الا التراب.

ابتسم رغمًا عنه : وبتتزوج على اختي؟ صدقني بذبحك!

فواز : ههههههههههههه يمكن لا تبعدها من بالك.

فارس وابتسامتهُ تميل بأسى : بتكذب عليْ وتظن إني بصدّقك؟ واضح إنّك كنت تحب زوجتك، والرجال لو حب زوجته ما يفكّر يتزوج عليها ، والحين بسبب زواجك طلقتها !

فواز بحدة : بلاش غبـاء! وش دخل زواجي هذا بطلاقي؟ ما تنلام اختك على تفكيرها دام أنت تفكر بهالطريقة.

ابتسم فارس : شكلها أكلتك هذاك اليوم.

فواز يبتسم في المقابـل : شغلت لي مناحـة ، الله يعينّي.

طُرق في تلك اللحظـة البـاب، صمتـا بينما فتحَت جنان الباب لتدخُل وهي تُلقي السلام، ردّا السـلام وفواز يعقدُ حاجبيه دونَ رضـا بالحجابِ الذي ترتديه كما كانت يوم تحدّث معها في رمضـان، نظَر لها فارس دونَ رضـا أيضًا .. وقفَ ليهتف : بترككم تآخذون راحتكم.

رفعَت جنان عينيها مباشـرةً إليه حتى توجّه نظراتِ اعتراضٍ ورجـاءٍ بأن يبقى، لكنّه تجاهل تلك النظرات وهو يقتربُ منها، وقفَ بجانبها ليهمس لأذنها بعتَب : الله يهديك كان لازم تتحجّبين؟ تراه زوجك اصحي على هالشيء!

جنان بخفوتٍ تنظُر للأسفل : وأنت تدري إني معارضة هالفكرة!

استغفرَ فارس بصمتٍ ومن ثمّ هتف قبل أن يخرج : لا تفشلينا عنده ! سلمي عليه وضيّفيه .. واتركي عنك البكا قدامه!

ابتعدَ ليخرج وهو يبتسمُ لفواز الذي ردّ له الابتسامة بهدوء، تحرّكت جنان كي تبتعد لأقصى أريكةٍ حتى لا تكُون قربه، لكنّ صوت فواز جاء معترضًا : تعالي جنـان ، ماله داعي هالهرب اعقلي شوي.

وقفَت وهي تبتلعُ ريقها بصعوبـة، وجّهت نظراتها إليه لتشعر بمرورِ تيارٍ كهربائيٍ في جسدها، شتت عينيها عنه ومن ثمّ اقتربَت خطواتها منـه، جلست على ذاتِ الأريكة التي يجلسُ عليها بعد أن خلقَت مسافةً كافيةً بينهما.

تنهّد بعجز، كيف قد يفكّر لوهلةٍ أنها قد تكون دواءهُ وهذا هو تصرّفها حين تكون معه وكأنّه معتلّ؟ وقفَ وعينيه تنظُران إليها بـ إصرار، سيكسر هذا الحـاجز، وسيبدأ من جديد ، إن كان حبّه لجيهان لن ينساه فسيتناساه أو يُعالجه بآخر، لم يؤمن يومًا بمقولة " الحب ينسيه حب ثاني " لكنّه الآن سيؤمن ويمارس ذلك، هذا الشوق الذي يحرقهُ سيحرقه هو في المقابـل، وسيعيش، لن يسمحَ لامرأةٍ لعنَت امّه أن تستحوذَ على حياتِه وإن كانت حبّ طفولةٍ وعُمر !

اتّسعت عينا جنان بذعرٍ ما إن اقتربَ منها، ولم تستطِع الاستيعاب لتنهضَ وتبتعد قبل أن يقطَع المسافة بينهما ويمسك كتفيها، شهقَت حين انحنى وقبّل جبينها برقّة، ومن ثمّ هتفَ بصوتٍ هادئ : كل عام وأنتِ بخير ، الله يعيده عليك بالطاعـة.

ارتعشَت بارتعاشِ أهدابها التي عانقَت دمعةً مالحـةً سرعـان ما سقطَت، عيناها تنظُران لهُ دون استيعاب، بنظرةٍ كأنّه اقتلـع تلك القبلة من امرأةٍ ليسَت زوجتـه، نظرت لهُ بامتهان ! وكأنّه تحرّش بها الآن.

ابتسمَ وهو يعقدُ حاحبيه : منتِ صاحيـة أبد !

جنان برعشـة : بأي حق تقرب مني كذا؟

فواز يعضّ شفتهُ كي يقتل ضحكته قبل أن تبزغ : اقتليني بعد !

جلسَ بجانبها لتنتفضَ وتحاول الابتعاد، لكنّه أمسك كفها بإصرارٍ ولفظ بحزم : جنان عن المبزرة !

جنان تحاول سحب يدها وهي تقوّس شفتيها تستعدُّ لنوبةِ بكاءٍ جديدة : فواز الله يخليك إذا ودك تعاندني بلاها .. بس اتركني!

تنهّد فواز بقنوط، تركَ يدها لتبتعدَ بسرعةٍ واقفة، اتّجهت نحوَ أريكةٍ بعيدةٍ عنه وجلسَت وهي تمسحُ دموعها بكفها المرتعشـة .. تابعها بنظراتٍ حـادة، ليهتفَ وهو يراقب كفّها المضطربة : تراني زوجك ، ماله داعي تتحجّبين عني أو تتنافضين وكأني شخص غريب!

جنان بغصّةٍ دون أن تنظر إليه : تدري إن نهايتنا الطلاق.

فواز بحدة : مين قال؟ ما أذكر إني قلت هالشيء!

جنان ترفع عينيها بتحدي : أنا قلت.

مرر لسانه على شفتيهِ محدّثًا ذاته بالصبـر ، لانَت ملامحه قليلًا، لا يلُومها، ولن يلومها على أسلوبها الهجوميّ معه . . ابتسم بأسى وهو يتخيّل لو أنها جيهان في هذهِ اللحظـة، كان هجومها عليه ليكون أشدّ حدة، مرتبطًا بشتائم وتمردْ، كانت ملامحها لتحمرّ بشدةٍ أكبـر ، وهو كـان ليغضب، ألا أنه كـان يجزم بأنّ الليلـة ستنتهي وهي قُربه، تنام بجانبهِ وتعطّر أحلامه.

هتف يطردُ صورتها : اليوم عيد.

جنان بربكةٍ حادة : العيد خلّص !

ضحكَ بخفوت : نعتذر منك عايدناك متأخّر ، إن شاء الله نقوم بالواحب بشكل صحيح في الجـاي.

جنان : مافيه جاي يا فواز .. تكفى لا عاد تحاول تقنعني لأنّ زواجنا غلط.

فواز بمداعبـة : غلط من أي ناحية؟ منت أختي ولا امي ولا عمتي ولا شخص أنا محرم له!

شعرت بالغضب من برودهِ لتلفظَ بحدّة : سامج !

فواز : هههههههههههههههههههههههه * وقف مردفًا ببسمة * أجل دامك جاهزة ومتحجبة ولابسة جاكيتك بعد بنطلع نتمشى شوي.

اتّسعت عيناها بذعر : نعم !!

فواز يكرر ببراءة : نتمشى ! قلت شيء غلط؟

جنان بغضب : أنت تستهبل والا شلون؟

فواز : والله عاد أنا عطيت ابوك واخوك علم وقالوا الضوء الأخضر لك .. ودامك جاهزة نمشي.

جنان بصوتٍ يشارف على النهيـار : منت صاحي ، منت صاحي !! أقولك ما أبيك .. أبي الطلاق يا فواز .. تكفى اترك عنّك العناد.

فواز : عناد؟ مين اللي مشبع عقلك بهالكلمة ! محنا بحرب يا جنان، هذا زواج، تظنين إن الزواجات تنتهي بس لأنّ فيه طرف ما اقتنع فيه وهو حتى ما عـاشه؟ تونا في البداية وشوله كل هالدراما؟

جنان تنظُر بقهرٍ له، بعينين تغشاهما ضبابُ الدموع : دراما؟ شلون بقنعك إنّ طريقة الزواج بروحها بتخلي الحياة بيننا مستحيلة ! بضيّق عليك يا فواز، مستحيل أقبـل بهالحيـاة ، مستحيل أقتنع فيها عشان أقبل !

وقفَ واقتربَ منها، ابتعدَت لتلتصقَ بظهرِ الأريكة بربكـةٍ في اللحظـة التي وقفَ فيها أمامها مباشرةً، نظرت لوجههِ بعينين ترتعشان اضطرابًا، بينما انحنى هو قليلًا نحوها ليهتف بنظراتٍ حازمـة : جربيني ، ماهي الحياة تجارب؟





،





تناولت إحدى محاضراتها وبدأت بمراجعتها بخشوع، مرّت ربع ساعةٍ قبل أن يُفتح باب غرفتها وتدخل هديل وهي تهتفُ بعجلة : عمتـــي . . * شهقت لتردف * حسبي الله عليك يا مهووسة يووووووم عييييييييييد .. ارحمي حالك تذاكرين يوم عيد؟

وضعت إلين محاضراتها جانبًا ومن ثمّ نظرت نحوها بلا مبالاة : وش تبين؟

لوَت هديل فمها بحنق : زين إنك ما بدلتي ولبستي بيجامتك بعَد .. عماتي تحت ويسألون عنك.

قالت ما قالته ومن ثمّ خرجت لتُغلق الباب من خلفها، بينما تجمّدت إلين للحظتينِ قبل أن تزفُر وهي تُغمض عينيها بقوّة، وجودهم يعني وجود رانيـا .. " الله يعيني "! همّست بها بضيقٍ وهي تقفُ وتتّجه نحو الباب بوجهٍ ممتعض، ليست في مزاجٍ جيد لنظراتها، لكلماتها، وآخر مرةٍ تقابلتا فيها كان في رمضان، تحاشت النظر لها قدر ما تستطيع لكنها كانت تصتدمُ بها رغمًا عنها وتجد منها الكلمات المعتـادة لتستفزها.

نزلت إليهم وهي تُجدد هواءَ رئتيها بأنفاسٍ مرتبكَة، دخلـت لمجلس النسـاء لتلقي السلام بخفوت، بدأت الطقس الروتيني، تسلّم على كلّ واحدةٍ وتهتف بـ " كل عام وأنتِ بخير " بصوتٍ طردت منه الربكة، وصلت لـ رانيا وسلّمت عليها برسمية، ابتسمّت رانيا بمكرٍ وهي تهتف بصوتٍ مسموع : وينك عروستنا؟ مو كأنك سحبتي علينا؟

ابتسمَت إلين بمجاملـة : ما كنت أدري إنكم هنا، أول ما علمتني هديل نزلت.

رانيـا بابتسامةٍ مستفزة : ما عليك معذورة زواجك بعد بكرا يحق لك ما تشوفين أحد.

ابتسمت على مضضٍ ومن ثمّ سلمت على أماني التي كانت الأخيرة ومن ثمّ جلست بجانبها ، نظرت إليها أماني ومن ثمّ أشارت لشعرها ببسمة : طالعة تتجننين على الشوكليت .. ما يناسبك الشعر الأسود لا عاد تخلينه يطول عليك.

إلين تلامس خصلات شعرها المداعبـة لعنقها، وبابتسامةٍ صادقـة لأماني : بطبعي ما أحب أخليه أسود ، بس نفسيتي كانت خايسة ومالي خلق له وللعناية فيه.

رانيا : ليه وش اللي صار لنفسيتك؟

نظرت إلين لها ببرود وهي تدرك مقصدها من رمي تلك الكلمات، تقصد أنّ نفسيتها ساءت لأنّها لم تُصبح زوجـة ياسر، إذ كانت اخته! . . رمقتها باحتقارٍ ومن ثمّ نظرت لأماني دون مبالاةٍ بها وهي تهتف باهتمام : وجهك يقول إنك تعبانة !

أماني تبتسم : يوووه ما عرف المكياج يخفي التعب!

إلين بقلق : سلامتك وش فيك؟

أماني : ما عليك انفلونزا.

إلين بمداعبـة : تعاملي مع هالشوية بسرعة ، زواجي بعد بكرا لازم تحضرينه والا بسحبك بفستاني من شعرك.

أماني : هههههههههههههههههههههه تسوينها .. لا لا ما عليك هو أنا أقدر أفوته؟





،





اقتربَت السـاعةُ من العاشـرة والنصف، كانوا في السيـارة، تسندُ غزل رأسها للخلفِ وهي تلهي نفسها بهاتفها، سلطـان لازال مزاجه سيئًا حتى الآن ولو قليلًا، بينما سالي في الخلف تتثاءبُ تارةً وأخرى بعد أن قضت يومها كلّه في منزل ام عنـاد وحتى قبل أن يذهبا هما إليه، باتا كلّما خرجا يرسلانها هناك ، لا يتركها بمفردها وهي بذاتها تخافُ من بقائها في المنزل، وبات عذره الدائم أمام امه أنه لا يريد تركها بمفردها في المنـزل ، وتلك هي الحقيقة.

نظرَت غزل نحو سلطـان بصمتٍ لتتأمّل ملامحهُ الحـادة، العقدة بين حاجبيه والتي لم تتلاشى حتى الآن .. ابتسمَت شفاهها رغمًا عنها، آخر مرةٍ رأت هذهِ العقدة في ثباتٍ متواصـلٍ قبل ثلاثةِ أشهر، حين كان لا يزال غاضبًا منها ويحتقرها، يعاملها بقسوةٍ لا تليقُ به . . عبسَت فجأةٍ وكفها ارتعشت لذكرى تلك الأيـام التي كان لا يمرّ فيها يومٌ إلا ويُبكيها، الآن إن بكَت فهو بسببِ نفسها فقط، بسببِ خداعها له، بسبب الألم الذي تزرعهُ في عينيه وجلدُه لذاتِه، بسببِ ألم ضميرها ، بينما سلطان، يحاول بكلّ ما يستطيع أن يقتل الدموعَ من عينيها.

أشاحت نظراتها عنه وملامحها تتجعّدُ بضيق، أشغلت عينيها بأضـواء الطريق البُرتقالية، بالرصيفِ الذي ملّ أنينَ العابـرين، بالطريق الذي يمتدّ أمامها بسواده المشاطرِ لسوادِ السماءِ الحالكـة، كل هذا السواد الذي يعرفُ الطريق إلى روحها المُثقلةِ بالذنوب، لازالت تغرقُ في ذنوبها، لازالت ملوّثةً بوحلِ " غزل الأمير " ولم يتغيّر فيها كل شيء، لازالت كما هي في الكثير، في الغدرِ والخداع والوضـاعة!

كم مرةً رأتْ الحُزن في عينيهِ وهو ينظُر إليها؟ كم مرةً رأت الألم في عينيهِ والذنب الذي يكاد يسحقه؟ كم مرةً رأت في تعاملهِ محاولـة غسلِ ذنبهِ والشفقةِ عليها، لم تعُد تبالي بكونها شفقة، لم تعُد تبـالي سوى بكونِها قريبةً منه حتى ألم الضمير يحتلّ المرتبةَ الثانية بعد نشوتها بقربهِ ورعايتـه التي لازالت في طورِ الأبوّة! كأنّها طفلتـه ، يحاول نثر الزهورِ في ملامحها وسحب الملوحةِ من عينيها لأنّ عينَ الأب تتألّم لألمِ ابنته.

طردَت تلك الأفكـار وهي تنظُر للطريق، بينما بقيَ ذاكَ صامتًا يغرق في أفكـارٍ جديدة، بعد أن غابَ من عينيهِ سلمان صباحًا استغرق دقائق فقط لتعاودهُ الفكرة المجنونة التي داهمته كثيرًا من بعدِ ما حدثَ لغـزل، أيكون سلمان لهُ دخل به؟ لا لا لا يمكن! سلمان من الواضحِ أنّه يهتم لأمرها ولا يريد أن يصيبها أذى ، لكن لمَ قد يصدّق وهو الذي كان يمثل حب أخيه ليقتله أخيرًا؟ هو الذي رعاهُ ليسلخَ الحيـاةَ من جلدهِ بعد سنين ، فلمَ قد يصدَق؟

هزّ رأسه بالنفي لتلك الفكرةِ المجنونة، هل يفعلها؟ هل يفعلها حقًا؟ من قد يخترقُ منزله بعد الاختراقِ الأول الذي كان يوم احترقَ وتبعهِ محاولة اغتصابِ غيداء؟ لا أحد سواه وبالتأكيد سيكون أحد رجاله فما حدثَ لم يكُن محاولـة سرقةٍ أو ما شابـه ، كان كل شيءٍ يُثبت ذلك، لا لا يعقل ، لا يعقل !! .. ماهذا الجنون؟!!

احتدّت نظراتهُ أكثر وهو يُدير مقودَ سيّارته ويبتعد عن طريقِ المنزل، عقدّت غزل حاجبيها باستنكارٍ وهي توجّه نظراتها نحوه وتهتف : وين رايحين؟ مو طريق البيت ذا!

سلطان بجمود : ما يصير ما تمرين على امك بالعيد!

اتّسعت عينـا غزل بربكـةٍ لتقبضَ كفيها دون شعورٍ وتهتف بحدةٍ واعتراض : ما أبي سلطان !

نظر لها سلطان نظرةً خاطفـة ومن ثمّ عاد ليتابع الطريق، حاول أن يُزيح الجمود وبعض الحدةَ في صوتِه ليغلّفه بالحنـان. وبنبرتهِ التي تعشق لفظْ : ما يصير يا غزل ، عيب عليك! وماهو عيب بعد حرام .. هذي امّك وهو للأسف أبوك ، لازم تصلِينهم.

غزل بجرأةٍ ودون شعور : حتى هو عمك ، وكنت تحاكيه بأسلوب قوي فلا تجبرني على اللي ما أبـي . .

سلطان بحدةٍ غاضبـة : غــــــــــــزل!!

انتفضّت بعد أن انتبهت لتماديها في الحديث، أشاحت نظراتها عنه لتنظُر لحُجرها وتحشر كفيها بين فخذيها بربكةٍ طالت صوتها الذي هتف بخفوتٍ خائف : آسفـــة، ما انتبهت لكلامي.

زفـر بغضبٍ وهو يستغفرُ في داخله، بينما عمّ الصمتُ بينهما، نظرت للنافـذةِ بتوتر وانتظـر هو لبعض الوقت حتى يُعيد اتّزان صوته الذي ثار ما إن ذكرته . . هتف بعد دقائق بنبرةٍ مشدودة : وضعنا مختلف .. لا تقارنينه مع امك وابوك.

نظرت لهُ وهي تزدردُ ريقها بألم، وبنبرةٍ باكيـة : بيأذيني على آخرة هاليوم يا سلطان!

سلطان بحدة : لو فيه مرجلة يسويها .. أنـا قربك وماراح أخليه.

شتت عينيها وصمتت لا تجدُ ما تقول أمام تلك الغصّة التي اكتنزت في حنجرتها وهي تتخيّل أن تلاقي الآن امها ووالدها بعد تلك الأشهر، بعد أن أصبحت تتجاهلهُ وجعلت سلطان يغيّر رقمها كي تسلَم من مكالماته التي ستستنكرُ بالتأكيد عدم ابتعادها عنه.

لم تردّ عليـه بينما أكمل سلطان طريقهُ بصمتٍ مُمـاثل، وصَلا بعد دقائق قصيرة، ابتلعَت ريقها بصعوبةٍ وهي تنظُر إلى منزلها القديم، المنزلُ الذي عاشَت فيه سنينَ حياتِها ولمْ تعِشْ، كانت شبهَ حيّة ، لمْ تكُن حيـاة، ومنذُ ولدت لم تتمنّى ولو لوهلةٍ أن تعُود لضريحها، لكن كيف عساها تُقنع سلطان؟

تجهّمت ملامحها في اللحظـة التي فتحَ فيها سلطان الباب وهو ينظُر لسالي ويلفظ : محنا متأخرين.

سالي بذعر : يبغى يخلي أنا بس؟!

سلطان بعقدةِ حاجبيه : يا بنت الحلال محنا متأخرين ماله داعي هالخوف.

غزل التي كانت تخشى فكرة تصادم سلطان ووالدهـا، تخشى أن تُفضح بطريقةٍ أو أخـرى .. هتفَت بعجلة : خلاص سلطان أنا بنزل بروحي.

نظر إليها باستنكار : مو توك تقولين ما تبين تكونين بروحك؟

غزل بتبريرٍ كـاذب : ما يصير تخلي سالي بروحها.

سلطان : بعد ما يصير ما أمر على امك!

غزل : امي الحين نايمة فأنا بصحيها عشان بس أسلم ومستحيل ترضى تنزل لك وهي بملابس البيت.

رفعَ حاجبيه باعتراض : وأخليك بروحك مع هالمريض النفسي؟!

غزل تفتحُ باب سيارتها : ما عليك ما بتأخر ، مو أنت تبي أمر عليهم؟

صمتَ ولم يقُل شيئًا، أغلقت الباب بعد حركاتها البطيئة التي كانت تنتظرُ منها أن يتراجع ويقول لها بأن لا تتحرك فهو قد غيّر رأيـه وسيتّجهان للمنـزل مباشرة، لكنّه لم ينطق بشيء، ووجدَت نفسها فجأةً في حديقةِ منزلـهم، وجدَت نفسها تتّجه للبـاب، وكفوفها دونَ شعورٍ بدأت ترتعشُ رعشـةً واهنـة، ترتعشُ لاحتضـانِ هذا البيتِ لها من جديد، حُضنه البـارد/اللاذع، حُضنه الذي يتخلخل العظـام ويُفكّك ثبـاته، يُفكّك صلابتـه ويجعلها هشّة، لازالت بهشاشتها حتى الآن ، هذا المنزلُ أمرضها ولن تُشفى، لازالت بمعاناتِها منـه، لم تتلاشى جراحهُ منها، ولم يتلاشَى الوشمُ الذي زرعهُ في جسدها ولن يتلاشى! أبـدًا !!!

ضربَت جرس الباب بعجزٍ وهي توجّه نظراتٍ مرتبكـة لسيّارةِ سلطان، نظراتٍ مستغيثـة، لا تريد أن تغرقَ في الموجِ القديم من جديد، لكنّها غرقَت بعد أن فتحَت لها الخادمـة ودخَلت ، شهقَت ما إن رأت غـزل التي رفعَت نظراتٍ جامدةً إليها بعد أن خلعَت نقابها وهي تلفظُ بنبرةٍ جافـة : Where is my father?

الخادمـة بتوترٍ من لقائِها بعد غيابِ أشهـر : In the living room.

غزل : And mom?

الخادمة : With him

تحرّكت غزل مبتعدةً عنها وهي تزفُر زفـرةً ساخنـة، أحرقتها، هذا القلبُ الذي يرتعشُ الآن، هذا القلبُ الذي سرَى فيه تيارُ الربكـةِ والخوف! نعمْ هيَ خائفـة، خائفةٌ من لقـاءٍ بعد ثلاثةِ أشهـر، من لقـاءٍ لن يمرّ بالتأكيد مرورَ الكرام، لن يمرَّ مرورَ الكرامِ أبدًا . . ارتعشَت شفاهُها وهي تُتمتمُ بأسـى : الله يسامحك يا سلطان .. الله يسامحك !!

اقتربَت من غرفـة المعيشةِ وكفّها تضعها على قلبها دونَ شعور، شعَرت بالشفقةِ على نفسِها من هذا الخوفِ من مكانٍ كان لابد من أن يكونَ وكـر راحتها! من مكانٍ كان الأحـرى أن يكون ملجأً لها وليسَ ملجأً للمآسـي.

وقفَت عند البَابِ وصوتُ امّها يصلُ إليها بنبرتِها الباردة كعادتِها : ودّك تزوج بنتك مرة ثانية الطريق قدامـك ، أهم شيء لا يوصلني حكي من معارفي عن هالموضوع!

عقدَت حاجبيها باستنكارٍ ودون فهمٍ لما قالتهُ امّها بينما انبعثَ صوتُ والدها الذي لطالمـا كان يُرعبها : طبعًا أهم شيء صورتك قدام الناس !

امها بسخرية : لايك يو طبعًا.

صمتَ أحمد وزوايـة فمهِ ترتفعُ بسخرية، اتّجهت عيناه بتلقائيةٍ للبـاب، حينها تجمّدت نظراتهُ وهو ينظُر للظلِّ الذي كان أسفله، احتدّت نظراتهُ وهو يشيرُ بكفّه لزوجتهِ كي تصمت ولا تضيفَ شيئًا، وبنبرةٍ صارمـة : مين واقف ورى الباب؟

تجمّدت غزل بذعرٍ من خلف الباب وعيناها نسيتا أن ترمشـا، لم تتحرّك ولم تُجِب، ونفضةُ ذعرٍ سرَت في خلايا جسدها .. كرّر أحمد بنبرةٍ أشد حدّة : مين ورى الباب؟

لتنهضَ ام غزل تلقائيًا باستنكارٍ وتتّجه للبـاب حتى تفتحهُ وتتفقّد من خلفه، شهقَت بقوّةٍ ما إن رأت غـزل، تجمّدت في مكانها كجمودِ غزل التي نظرَت للأرضِ بربكةٍ وضمّت كفيها لبعضهما، شعرَت بالخـواءِ في روحِها، بصريرٍ هاجـم مسامعها وتخلخلهُ في لحظـةٍ مـا اسمها ، تخلخلهُ " غـزل " بنبرةٍ مذهولـة ، نبرةٍ تلاقَت مع احتضـانٍ سريعٍ شعرَت معهُ أن نبضاتِ قلبها توقّفت .. لم تستوعب في تلك اللحظـة أن امها تعانقها، توقّف تنفسها وهي تغرقُ في صدرٍ غيـر صدرِ سلطان، صدرٍ رائحتـه جميلة، تراكمُ العطـر فيه لم يُخفي تلك الرائحة التي لم تشمّها طيلـة حياتِها ... وهنَت أجفانها لتُسدلها قليلًا ويديها مطوّحتين جانبًا دونَ ردّة فعـل وكأنّ ردّاتِ الفعلِ بهتت أمـام هذا الحضن الذي لا تذكر أنها قد ذاقته، لا تذكر أنّ لسـان خوائِها ذاقهُ مرّةً ! . . أبعدتها امها قليلًا وهي تُمسك كتفيها، ابتسمَت رغمًا عنها وهي تهتف بلهفة : غريبة جاية ؟!

غزل تُشتت عينيها عنها وهي تبتلعُ ريقها بضعف، وبنبرةٍ واهنـة : كان .. كان ودي .. أسلم !

عقدَت امها حاحبيها للتخبّط الواضحِ في حديثها ولم تلُمها! أفرجَت شفتيها كي ترُد، لكنّ أحمد ظهرَ فجأةً من خلفها، وقفَ خلفَ امها مباشرةً لترتبكَ أكثر وتتراجعَ خطوةً دونَ شعورٍ منـها، حينها أطبقَت امها فمها بضيقٍ وهي تُدير رأسها إلى أحمد وتهتف بجمود : أتمنى ما ينسمع صوتك!

ابتسمَ أحمد ابتسامةً باردة : عفوًا ! عندي موضوع ودي أناقشـه مع بنتي الحلوة.

تضاعفَت رعشـة كفيها وأهدابها وهي تنظُر لهُ بذعرٍ من تصريحهِ المباشر لها، بينما نطقَت ام غزل من بينِ أسنانِها بحدة : موضوع أيش؟ ممكن تكرمنا بسكوتك !!!

أحمد ببرودٍ آمر : اطلعي لغرفتك.

ام غزل تستديرُ بكامل جسدها إليه لتهتف بقوّة : اتركنا بروحنا.

أحمد بإصرارٍ بارد : ماعندك سالفة أنتِ .. أبيها بموضوع مهم.

ارتفعَ صوت ام غزل قليلًا وهي تلفظُ بقوّة : موضوع مهم؟ ودامه مهم ليه ما حكيت معها من قبل والا تذكرته تو يوم شفتها؟!!

أحمد : ممكن أفهم ليه هالأسلوب الحين؟ ما أظن كنتِ حريصة من قبل عليها بهالطريقة !! وش تبين منها؟!

ام غزل : وش أبي منها؟ هذا سؤال ينسأل لأم؟

احمد بسخريةٍ يكاد يضحك : ام؟؟ تعرفين مثل ما أعرف إن كلمة أم وأب بعيدة عنا.

تراجعَت غزل أكثر تُريد أن تهربَ من هذا النقاش الحاد الذي يكـاد ينقلبُ عليها عاجلًا كما هو محصورٌ بها، تراجعَت بخوفٍ ولم تُبـالي بمقتضَى ما يقُولانِه، لم تبالي بكلمات امها بحجمِ ما أرادت الهـرب .. ابتعدَت عنهما بخطواتٍ واسعـة، قـاربت الوصُول للبـاب وملامحها يغشَى عليها الأسـى، لكنّها توقفَت فجأةً على صوتِ والدها الحـاد الذي اخترق ظهرها مبـاشرة : غزل.

توقّفت في مكانها، كفّها شدّت على نقابها الذي كانت تُمسك به، لم تستدِر إليه في اللحظة التي اقتربَ فيها منها وهو يهتفُ بنبرةٍ جعلتها تُغمض عينيها بعذاب : وش قصّة السحبـة هذي يا بنتي العزيزة؟

مررت لسانها على شفتيها دون أن تردّ أو تنظُر نحوه، كفّها تشتدُّ أكثر على نقابها بينما أردف هو بحدّةِ صوتِه ذاتها : وش صار على رقمك؟ غيرتيه والا شلون؟!

لم تردّ عليه، حينها ابتسمَ وقد وصلَت إليهِ الإجابة .. التوى فمهُ بسخريةٍ لاذعـة وهو يهتفُ بتهكّم : ماهو كان المفروض ترجعين؟ وش اللي استجد عشان تنجنّين بهالطريقة وتظلين عنده !!

صرخَ بغضبٍ حين طال صمتُها : ردّي !!!

انتفضَت لترفعَ كفيها تلقائيًا ودون شعورٍ منها لتضمّهما إلى صدرها وتشدّ على عينيها أكثر ، وبغصّةِ الخوف الذي حُشرَ في حنجرتها : ما بغيت أرجع !!!

أحمد بغضب : وليه إن شاء الله؟

غزل باستسلامٍ للفكـرة التي طرأت على عقله قبلًا ومنذ شهور، الفكرة التي حذّرها منها وأنكرتها ! : أحبّــه !!!

اتّسعت عينـاه بشر، اندلعَت في أحداقه نارًا أنبأت بكارثـةٍ ستجيء : طحتي بالمحضور يا غزل؟!!

غزل بشفتينِ مرتعشتين استدارَت إليه دونَ شعور، نظـرت لملامحهِ بضعفٍ وهي تهمسُ بحزن : هالمحضـور كان خلاصْ من سلبيات كثيرة.

أحمد بغضبٍ يرتفع به صوتُه : نعم؟ نسيتي إنّ جلوسك معه مصيبة؟ ما تستوعبين أنتِ؟!

تشنّجت ملامحها وهي تنظُر لهُ بتحدِي لا تدري من أين جاءتها القوة لتستطِيعه، ربّما الحب هوَ ما يبعث القوّة في النظرات، في النبرات، في الكلمـات .. لفظَت بنبرةٍ ثابتةٍ رغم أن كفيها لازالتا تقبضان على النقاب بقوةٍ تُثبت اهتزاز جسدها : مصيبة؟ علمني من أي ناحية مصيبة ؟!!

اتّسعت عيناه بصدمةٍ من نظراتها القويّة، من وقاحـة كلماتها أمامه، لم يملك الوقت كي يغضب أكثـر ويصرخ في وجهها أو يصفعها، إذ جاءت كلماتها تهرول خلف الجملة السابقة بثقة : لعلمك سلطان هو زوجـي ، وأقولها لك وأنا أعني هالكلمة بكل معانِيها ، وتقدر تفهم وش أقصد بالضبط.





يُتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 01-05-16, 01:12 AM   المشاركة رقم: 784
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 





،





عـاد للمنـزل، وجههُ مُمتقع، عينيه أصابها حُمرة الوجَع، كـانت ملامحُه شاحبـةً بعد أن امتصّه الحُزن اليوم ولم يرحَم دمـاء الحيـاةِ في عروقه .. قابلتهُ بعد دخُوله حين هرولَت إليه ما إن سمعَت صوت البـاب، نظرت لوجههِ بذعرٍ وهي تهتفُ بقلق : وينك؟ حراااام عليك يا أدهم ما ترد على اتصالاتي ولا تريّح قلبي !! وش صار عليك ليه وجهك كذا !!

لم ينطُق بشيء، اقتربَت منهُ بخوفٍ من هيئتهِ المُشعثة، وضعَت كفها على كتفِه وقلبها ينبضُ بذعرٍ يكادُ يخترق قفصها الصدري، وبنبرةٍ تكاد أن تنهـار : أدهـــــــــــم !!!!

انتظـر فقط اسمه ، كي ينهـار باقي الثبـات فيه ، لم يشعُر بنفسهِ وهو ينحني إلى كتفِها ، يضعُ جبينهُ عليها، وذراعيه أحاطتها بـألم .. شهقَت دون استيعابٍ لحركتـه التي أخبرتها بوضوحٍ عن مدى الوجعِ الذي أنهشَ خاصـرته .. لم يحكِي ، لم يتلُو الوجعَ في صدرِه ، بل تركَ لعينيه المحمرّتين أن تفضحَ كلّ ألمـه ، سقطَت دمعةٌ من مُقلته التي التهبَت من ملوحتِها ، سقطَت تعزّي نفسـه في وفـاتِه ، في وفـاةِ ماجد/متعب .. لم يردّ عليـه ، حـاول كثيرًا ، حـاول واتّصل بهِ حتى انطفأ هاتفُه قبل أن يعود يائسًا للمنـزل يجرُّ خلفهُ أسـاه .. ماتَ صديقُ الريـاض ، ماتَ كـارهُ باريس ، ولو أنّه كان حيًا لاتّصل بهِ وطمأنـه ، لكنّه لم يتّصـل، لم يتّصل أبدًا . .

حـاولَت سُهي أن تبتعدَ قليلًا وترفعَ وجههُ كي تنظُر أليه، سقطَ قلبها في منحنَى الذعرِ وهي تشكّ بأنّه يبكِي ، لم ترَه، ولم يُخبرها صوته بأنينٍ عن ذلك ، لكنّ قلبها أخبرها ، وأرادت التأكّد . . شدّ أدهم في احتضانِه لها وهو يرفضُ رفع رأسه أو تركهـا تراه ، هتفَ بنبرةٍ واهنـةٍ فضحَت بكاءهُ لمسامعها الحساسةِ لحُزنه، بصوتٍ حزين، وعينيه الحزينتينِ تبكِي صديقه، يسقُط دمعها ليصتدمَ بكتفِها : اتركيني كذا .. اتركيني ... ولا تسألين عن شيء . .





،





شحبَت ملامحهُ من شدّةِ صدمتـه، راقبَت تقلّبـاتِ وجههِ وعينيه التي شتتها هُنا وهنـاك دُون تصديقٍ لمعنى ما قالتـه، تراجعَت للخلفِ قليلًا وهي تبتسمُ بانتصارٍ وقوّةٍ لا تدري من أين جـاءتها، لا تدري من أين مُدّت تلك القوة فيها كي تستطِيع الحديثَ بنبرتها الشديدةِ هذهِ أمامه.

لفظَ أحمد ببهوتٍ ودون تصديق : أنتِ صاحية عشان تقولين هالحكي؟

غزل بقوّة : أيه صاحية ، وما أكذب طبعًا.

أحمد بتكذيب : سلطان لو مثل ما قلتِ ....

قاطعته : بيذبحني صح؟ هذا اللي ودك تقوله!! .. علّمني يذبحني لأيش؟

أحمد بغضب : غزل عن الهبـال اصحي على اللي تقولينه ، إذا كنتِ حبيتيه هالشيء ما يخليك تخططين على حياة وياه، عارف إنك تكذبين ...

شدّت على أسنانها بقهرٍ لتهتف : أحبه ، وبعيش وياه ، وبصير ام عيـاله بعد .. مو ذنبي إنّك صدّقت كلام فيني ، مو ذنبي إن هذاك كان نذل وإنت صدقته.

أحمد : يعني؟

غزل بغضبٍ انفجرت فجأة صارخةً في وجهه : يعني إنّي بريئة من التهم اللي أطلقها علي ، ما كنت أستاهل العذاب اللي جانـي منّك ...

امتدّت يدهُ في تلك اللحظـة ليصفعها صفعةً دوَى صوتُها واحمرّت بها وجنتُها ، كـانت على مرأى عينين اتّسعتـا بصدمة، عينين سُرعـان ما ثـار فيها الغضب ليندفعَ صاحبُها إليـه .. أمسكهُ سلطان من ياقةِ ثوبه ليصرخَ في وجههِ بغضب : شلون تتجرّأ وتمد يدك عليها يا الهطف ..

صُدم أحمد حين اصتدمت عيناه بعيني سلطان الغاضبة، كذلك شهقَت غزل وتراجعَت بخوفٍ من أن يكون سمع حديثها معه، لكنّ سلطـان كان قد وصَل على صوتِ الصفعـة ولم يسمعْ شيئًا مما قِيل، قلقَ من تأخّرها وخاف عليها البقـاء وحدها مع رجلٍ أوشمَ ظهرها باختلالِ نفسِه .. دفعهُ سلطان بغضبٍ وهو يهتفُ من بين أسنانه بحدة : زوجتي محد له الجرأة يمد يده عليها ، سامع ! مين ما كان .. سواءً كنت ابوها أو امها .. غزل حاليًا زوجتي ، ولا لك كلمة عليها.

شدّ أحمد على أسنانه بغضبٍ ليهتف من بينها بحدة : اطلع من بيتي أنت ويـاها .. شيلها ولا عاد أشُوف وجهها قدامي ..

سلطان يبتسم ابتسامةً مُستفزّة : وهذا اللي بيصير ،

ابتعدَ عنه لينظُر لغزل ويلفظ بحزم : امشي .. كنت غلطان لما تركتك تدخلين هالبيت بروحك.





،





عانقَت عقـارب الساعة الثانيـة عشرةَ بتوقيتِ بروكسِيل، اقتربـا من المنزل، تضعُ كفيها في جيبيْ معطفها، تنظُر لقدميها وهي تمشي لا تريد النظر له، خرجَت معهُ مرغمـةً بعد أن هزمـها، كان خروجهما كئيبًا يطغى عليهِ الصمتُ للحظـاتٍ والحديثُ السطحيُّ في لحظاتٍ أُخَر، هزمها في خروجها معـه، لكنّه لم يستطِع في شدّها إليـه .. وقفَ عند البـابِ بينما لم تبالي بوقوفه وكانت تنوي متابعة المشي بعد أن انتهى مكوثها معه عند تلك الخطوة، اوصلها وسيعود لمنزله .. لكنّه مانع ذلك حين أمسك معصمها وشدّ يدها لتُخرجها من جيبها قسرًا وتستديرَ إليه، هتف بنبرةٍ هادئـة : من أول تاركك براحتك بس الحين محتاج إنك تطلعين يدك.

رفعَت نظراتها بجمودٍ إلى ملامحهِ وهي ترفعُ حاجبها الأيسر دون فهمٍ لمعنى جملته، ابتسمَ وهو يرفعُ الكيس الذي كان في يدهِ الأخـرى والذي اقتنـاه قبل ساعةٍ بعد أن دخـل لإحدى محلات المجوهراتِ وانتظرته هي خارجًا ، لم تكُن غبية ، لكنّها تصنّعت الغبـاء، تساءلت بنبرةٍ هادئة : شقصدك؟

فواز بابتسامة : مع إني بغيتك تدخلين ويـاي وتختارينها بس عارف إنك ماراح ترضين وبتشيلين الأرض فوق راسي ، * ترك يدها * لا تهربين عاد !

عقدت حاجبيها وصدّت عنهُ وهي تعودُ لدسّ كفها في جيبها، وبضيق : تكفى فواز مالها داعي !

فواز وهو يُخرج العلبـة الصغيرة : طلعي يدينك وبلاش عناد.

جنان تنظُر نحوه : يديني؟!!

فواز : شيلي الكيس .. هذي عشان الملكة اللي ما عطيتك فيها الشبكة .. الخاتم هدية خاصة بالعيد.

جنان باعتراض : يا الله !!

زفـرت من بينِ أسنانها وهي تنظُر جانبًا، أعادت نظراتها نحوهُ لتُردف بحدة : مالي حق فيها ، غيري أولى.

طـال الجمودُ عينيه بعد نظراته، وجِه عينيه بحدةٍ لعينيها ليهتف بنبرةٍ جامدة : كم مرة بتدخلينها بين كل كلمة والثانية؟ قلتلك حياتنا مع بعض انتهت !!

تراجعَت بخطواتها للخلفِ وهي تقوّس شفتيها بأسى ، وبنبرةٍ حزينة : أسألك بالله ما كنت تحبها؟

فواز بصدق : كانت ارتوائي بعد ضمـاي.

جنان برعشةِ شفتيها : كانت؟

فواز بأسى : كانت ، لأنها اختفت من حياتي وما عاد بقى شيء يروي هالضما!

أغمضَت عينيها بقوّةٍ وهي تبتلعُ ريقها بوجع، وبهمسٍ مستنكر : تبيني أعيش مع شخص يعترف بحبه لمرة ثانية؟

فواز : سألتيني بالله ، ما كنت بسكت ولا كنت بكذّب.

رفعَت كفّها المرتعشة لتضغطَ على فمها وهي تصدُّ بوجهها عنه، لم تفتحْ عينيها، لكنها شعرت بأنها ترى هالـة حبّه الصارخـة من خلفِ اجفانها المُسدلـة، ترى الضوءَ الساطعَ من عيُونه، ترى كلمة " أحبك " المنقوشة على جبينه، ترى أحرف اسمها التي تتراقصُ بنقاطها الأربع فوقَ أهدابِه لتُنعسَ عينيه أكثـر ، ترى حُزنه واشتيـاقه، ترى المـاء الذي انقطـع عن جلدهِ ليشحب باصفرارِه ، انقطعَ بسببها ! ترى هذا الحبّ وتحتقرُ نفسها أكثـر، تحتقرُ اسمها الذي دخـل بينهما ومهما قال أنّ افتراقهما لا علاقـةَ بهِ فيها فلن تصدّق !!

لم تتحدّث، لم تُضِف شيئًا فوقَ حسرتها، بقيَت تحاول مواراةَ أحداقها كي لا تراه، لكنّ كلّ الحب والمشاعر فيهِ تشعُّ بقوةٍ لتُعميها حتى وهي مُغمضة العيـَان ! .. انتفضَت حين شعرَت بكفّه التي أمسكَت يدها، فتحَت عينيها الدامعتيْنِ ووجّهتهما إليه مباشرة لتنظُر إليـه بحسرة، صمتَ دون أن يقول شيئًا، وهو يرفعُ كفّها ويضعُ الكيسَ فيهِ بعد أن أدخـل علبة الخاتم الذي كان يريد أن يُلبسها إيـاه بنفسه ، مضَت الثواني القليلة بسرعة قبل أن يهمس : تصبحين على خيـر ، اعذري قلبي ، أبيك دواه، بكون أنـاني، بس الطلاق كلمة ماهي سهلـة ، ودامنا بنظل مع بعض أبيك دواه .. تقدرين؟

كان السؤال لنفسهِ قبلـها، أنكـر قبلًا أنّها قد تكُون دواه، فهذا الحُب الذي مرضَ بهِ منذ الصغـر لا يموت، هو مخلّد، والنقشُ في القلبِ من الصغـر كالنقشِ في الحجـر ، لن يُمحـى ! ولازال يكذبُ على نفسهِ بهذا السؤال .. غيّب مشاعـره، اعترفَ أنّ الحُب أذى في أحيـانٍ كثيرة، كفـر ببياضِه، لكنّه أرادَ دواءً ، دواءً يمحوه ولا يجعله يقعُ فيه من جديد .. يريد أن يبدأ من جديد، حيـاةً تخلو من الحب ، حتى لا يضعف!

لم تردّ عليه جنان وهي تُخفض رأسها وتتقبّل هديته على مضض، بقيَت صامتةً دونَ رد، حينها ابتسمَ ابتسامةً باهتـة وهو يهمس : بوقف لين أتطمن إنك دخلتِ.



استقبلـته شقّتهُ بظـلامها وكآبتـها، انتهـى العيدُ دونَ بهجـةٍ كما بدأ، صوتُ امّه وأخواته صباحًا لم يستطِع بعث الكثيرِ من البهجةِ إليه، محـاولـة قضـاء الوقت بابتسامةٍ مع جنـان لم تفلح، لم يستطِع عدم التفكيرِ بحياتهِ التي بُترت زواياها ولم تُساعده جنـان بصمتها ورفضـها له . . رمـى جسدهُ على الأريكةِ في الصالة، فتح التلفـاز وهو يزفُر بضيق، لا يريد الاتجـاه لسريره، يدرك أنّه لن ينـام بسرعةٍ وسيتقلّب فوقه لساعةٍ يحترقُ بِها ، بابتلائِه ، يحترق بشوقِه لها ، يوشم جسدهُ بنارِها ، ولن ينتهي من كلّ هذا حتى ينـام دونَ شعور ، أقسـى الحب هو ما يبدأ دون موعدٍ ويرفضُ الخلاص ! أقسى الحب هو ما يستنزفُ الرجُل رويدًا رويدًا ، الرجُل إن عشقَ قبّلت الأرضُ قبرهُ واحتضنتهُ لترعـاه حتى يجيئه بسرعة، الرجُل إن عشقَ قتلهُ العشق، اقتطفَ منهُ ألوانَ الراحـة والطمأنيـنة كما يحدثُ لهُ الآن ، بينما هيَ ماذا تفعل؟ ماذا تفعلين في هذهِ اللحظـات يا جيهان؟ هل اشتقتِ؟ هل أوجعكِ الفراق؟ هل زادَ من سلاطـةِ لسانك؟ أنتِ التي حين تُوجَع يتلطّخ لسانها بالكلمـات الحادة واللامبـالية بمنبعها، فهل تضاعف ذلك؟ أم أنّني كنت محطةً عابـرة، تجاوزها قطاركِ دون مبالاة.

أعادَ رأسهُ للخلفِ ليسندهُ على طرفِ الأريكةِ ويُغمض عينيه، ضربَ بسبابتهِ على فخذِه، يشعُر بحرارةٍ تُذيبُ جلدهُ الأسمـر الذي احترقَ كفايةً منذُ عشقـها .. فتحَ عيونه ليقفَ ويخلعَ معطفهُ وهو يزفُر بحرارة بعد أن أزاح وشاحه عن عنقه، رماه جانبًا ليعُود للجلوس .. تذكّر فجأةً هاتفهُ الذي كان في جيبِ معطفه، حينها عقد حاجبيه بحنقٍ وهو يمدُّ يدهُ لهُ ويعبثُ بالجيوبِ حتى تنـاوله، وجدَ نفسه يعبثُ أخيرًا بِه، آخر مرةٍ فتحهُ كان قبل أن يدخل إليه فارس حين كاد يرسل إليها بجنُون . . فتحَ الواتس تلقائيًا ، لتُصدم عيناه باعتلاءِ اسمها بين المحادثـات ، كانت قد أرسلت لهُ رسالة ، أو هو يتخيّل ذلك ! بات يتخيّل أنها تُرسل إليه، تُحادثهُ هو! بات يتخيّل بحممِ هذا الشوقِ أنّ اسمها أزاح كلّ الأسمـاء وبزغَ من التلاشي ... لكنّ كل ذلك لم يكُن - خيالًا -، لم يكُن وهمًا .. هي أرسلت لهُ فعلًا، بعد أن تواجدَت في اللحظـة التي رأته فيها يكتبُ إليها قبل أن يمسحَ ما كتَب ، رأتـه قبل أن يتراجع، ولم تشعُر بنفسها حين أرسلت إليـه " كنت تكتب لي ... وش بغيت؟ "





،





تدفُن وجهها في وسادتها وهي تُسدل أجفانها على أحداقها، أناملها حتى هذهِ اللحظـة تحترق، تحترقُ لأنّها أذنبت في حقّ كرامتها المهدورةِ وأرسلتْ إليه، هاهوَ تجاهلها وهي التي أرسلت إليه منذ اللحظة التي رأت فيها " جاري الكتابة " تتلاشى ويخرج، منذ ساعاتٍ طويلـة، أرسلت إليه لتخرح بعد ذلك وهي تشعر أنّها قامَت بجريمـةٍ حدّها الرجفـة التي بقيَت تسري في خلاياها طويلًا، لم تدخل الواتس من جديد، لكنّها انتظرت تنبيهًا يُنبئ أنّه رد، ولم يأتِها.

شدّت بأنامـلها على المفرشِ وهي تزمّ شفتيها بأسى ، هذا العيدُ اقتلعَ منها امها ، وفواز ! بعد أن وقعَت بهِ اقتلعـه، يالخيبتها !! . . سمعَت صوتَ هاتفها ولم تُبالي بهِ في البداية، هي التي كانت تنظُر لهُ في كل لحظةٍ يضيءُ ويصرخ ولا تجد شيئًا منه، تجدها من كل العـالم إلا هو، لا تدري كيف مسحَ وجودها من قائمةِ حياتِه، كيفَ نسيها وكأنّها لم تكُن، كيف استطاع؟

رفعَت رأسها لتظهر ملامحها البائسة، مدّت يدها نحو الهاتفِ باستسلامٍ ونظـرت لشاشتِه بعد أن أضاءتها .. وفي تلك اللحظـة اتّسعت عيناها وانفرجَت شفاهُها دون شعورٍ وهي تجدُ رسالةً قصيرةً منـه، رسالةً باردَة، رسالةً لم يكُن فوّاز من أرسلها ، بل بقايـاه.

" غلطت بينك وبين محادثة ثانية يا بنت العم، معليش "!

عضّت شفتها السُفلى بانهيـارٍ لتئنّ حُنجرتها بخيبتِها، حملقَ الفـراغ في الفـراغ، لم يعُد يجدُ سواهُ في هذهِ الدنيـا، لم يعُد يجدُ ثقبـًا لعالمٍ موازي لهُ يزدحمُ بالمشـاعر الصاخبـة ، كيف تقُول له بأنّها تشتاق؟ كيف تقُول لهُ بأنّ الغيـاب جلدها بسوطِ الحنين، كيف تحكِي! هذا الفـراغ وهذا الخواء، كيفَ تحكي، عن محورِ الحزن في قلبها، والذي جذبَ حُزن الكونِ كلّه ليُجفّفها من أيّ ضحكـة.

لم تعثُر على شيءٍ في الأشهـر التي مضَت، حتى رمضـان لم يكُن ككلّ رمضـان، كان حزينًا، وهلالُه لم يواسِها، لم تعثُر سوى على بقايـا أحزانِ المـارةِ عبر النظرِ في شرفتها، تلتقطُ عيناها في كلّ يومٍ حزنًا ساقطًا على الأرض ، فينجذبُ لها رغمًا عنها ، رغمًا عنها !

وجَدت نفسها تبكِي، سقطَت دموعها دونَ شعور، بكَت كما بكَت أناملها، وتساقطَت الدموع كما تساقطَت الكلمـات عبرها ، تراقصَت فوقَ شاشـةِ هاتفها، واستسلمَت لهذهِ الخسـارةِ وهي تكتبُ إليه : ( ضمّد جروح غيابك، نزفت كثييييييير ).

راقبَ الكلمـات بعينينِ باهتتينِ وهو مُمددٌ على الأريكة، راقبها بعينينِ انطفأ فيها الكثيرَ ولم يُضيء فيها سوى الحُزن .. لكنّها الآن أضاءت بسواه .. وجدَ شفاههُ تبتسمُ بانتصار، عينيه تلتمعـان بنشوة، جُرحَت بالغيـاب، نزفَت كمـا نزف، أُرهقَت ، وتركَ فيها أثرًا لم يندمِل ... رفرفَ في قلبه الانتصـار ونشوته، شعرَ أن جزءً من خيبتهِ وحزنه يغيب ، بعد أن وجدَ أنّها حزينةٌ أيضًا.

كتبَ إليها وهو يبتسم، كلماتًا كـانت تصرخُ بشماتتها : ( ماراح يضرّك تفقدين جزء من دمّك الملوث شوي ، التجديد ممكن يجدّد لسانك بعَد .. فيه فايدة مرجوّة ).

اتسعَت عيناها بصدمةٍ من ردّه ، ارتعشَت كفوفها حتى كاد هاتفها أن يسقطَ وصدرها يشهقُ شهقةً خافتـةً تُعبّر عن خفوتِ رؤيتها في هذهِ اللحظـة، تضبّبت رؤيتُها، بينما كـان فواز ينتقم من حبهِ لهـا، من إخلاص هذا الحب لقلبه ورفضـه أن ينفكّ عنه، هذا الحُب الذي وُشمَ منذ سنينَ في جسده، كتبَ لها بقسوةٍ وجفـاء : ( عـارف إن عدتك ماقد خلصت، وكلامك اللي مرسلتـه يعني " رجعني " بطريقة ثانية .. لهالدرجة عجزتِ تعيشين حياتك دوني؟ ما توقعت إن جيهان اللي كانت ترفض تكون لي وأنا متزوج بترخص كبرياءها وتطلب مني أرجّعها بهالطريقـة .. بس بريّحك من آمآلك، المرَة اللي تلعن امي مالها مكان بحياتي، إذا بقارنك مع جنان اللي ماقد عرفتها زين المقارنـة نفسها بتزعل! خلي لسانـك ينفعك، وخلصي عدّتك وتزوجي لو بغيتي ما عاد تهميني، أنا رجال متزوج ومتمسك بزوجتي ومستحيل أشاركها بمرَة ثانية ... بالحفظ يا بنت عمي ).





،





دخـلت الغرفـة وهو يخطو خلفها، كـانت تقرأ في خطواتِه الانفعـال .. تنهّدت وهي تخلعُ عباءتها وتعلّقها في اللحظة التي أطبق فيها البابَ بقوّةٍ غاضبـة وبدأ يفتح أزرّة ثوبهِ وهو يتمتمُ بشيءٍ مـا، استدارَت إليه بقلقٍ لتهتف بخفوت : شاهين ..

شاهين بحدةٍ وهو يتّجه للحمـام : مالي خلق للكلام لو سمحتِ.

صمتتْ وهي تعقدُ حاجبيها بضيق، بينما دوى صوتُ باب الحمـام الذي أخبرها بوضوحٍ عن سوءِ مزاجـه، زفـرت بضيقٍ وهي تأخذ قميص نومها وتتّجه للحمـام الآخـر، لم تستغرق الكثيرِ قبل أن تخرجَ وهي تجفّف شعرها، استغرقَت وقتها القصيـر في التفكير بذاك الرجُل الذي تهجّم على شاهِين، في التفكير بما حدثَ صباحًا ، تركت المنشفةَ بضيقٍ لتأخذ مجفف الشعر وتُشبكه في الكهرباء حتى تجفف شعرها بطريقةٍ أسرع، عينيها نعستـا ، ورأسها بدأ يتخلخله الصداعُ من يومٍ طويلٍ برفقةِ العيد، شغّلته وشاهين لازال في الحمـام، استغربت تأخّره حتى الآن، كـان يَغتسلُ بالماءِ البـارد الذي ينساب على جسدهِ ولا يُطفئ غضبه، يُحاول أن ينسى ظهور أدهـم لهُ اليوم، ظهوره الذي يعنـي الكثير، معرفتـه له . . شدّ على أسنانهِ بقوّةٍ ليدخلَ الماءُ لفمـه .. هو الأحمق الذي عرّض نفسه لهذا بتهوّره الأخيـر، هو السبب ... يالحماقتـه!!

أغلقَ الماءَ وجذبَ المنشفـة المعلّقة، خرجَ بعد لحظاتٍ قليلة والمنشفة تلتفُّ حول خصرهِ بينما قطراتُ الماءِ تهربُ من خصلاتِ شعرهِ وتُبلّل سجّادة الأرضية، فتحَ باب الخزانة حتى يخرج ملابسَ نومه، في اللحظةِ التي جلسَت فيها أسيل بعد أن كانت ممدّدةً على السرير، انخفضَ اللحاف إلى حجرها، وتنهّدت وهي ترى انفعالهُ حتى في تعامله مع ملابسـه ، هتفت بهدوء : شاهين ترى ما يسوى تعصّب بهالشكل.

تجاهلها وهو يرتدي القميص، اقتربَ من السرير دونَ ردٍ بينما أصابعهُ تتنقّل بين الأزرارِ لتُغلقها دون أن يكون قد أهداها الردّ على حديثها، زفـرت بيأس، بينما رفعَ اللحاف حتى يتمدّد بجانبها، عبسَت لتنطقَ بضيق : ترى دايم تحرص إني ما أنـام وشعري مبلول.

شاهين بصوتٍ جافٍ وهو يُدير ظهرهُ إليها متمددًا على جانبهِ الأيمن : ترى مزاجي معفن جد يعني أحذرك لا تحاكيني .. ماهي مجرد نصيحة.ل

أسيل بامتعاض : الحين المخدة بتصير كلها مويا ، منت نايم بروحك واللي يعافيك !!

تأفأف بـ " نرفزة " ومن ثمّ قـامَ حتى يجفف شعره، ابتسمَت وهي تراقبُه، حتى شعرهُ كان يفرّغ فيهِ غضبهُ بالتجفيف، اعتدلَت على ظهرها وهي تُخفي ابتسامتـها وترفعُ اللحـاف إلى صدرها قبل أن ينتهي وينضمّ إليها.

مرّت الدقائقُ الطويلة، سـاعةٌ تليها ساعـة، العقـاربُ تسهرُ وتهرولُ فوق الأرقـام ، غابَت أعينهما منذ وقتٍ طويـل، وانبثقَ من الظـلامِ نورٌ ضئيلٌ هتفَ برنّةٍ خافتـةٍ من هاتفها الموضوعِ على الكومدينة، يُنبئُ بوصولِ رسالـةٍ مـا ، كـان مقتضاها كلمـةً واحدة

" خـــــــائنــــــــــــــة !! "





،





البيـاض في منتصفِ الليلِ يعنـي " عروس "، لكنّه كان في عينيها - كفَن - .. تبتسمُ ابتساماتٍ زائفـة، ابتساماتٍ كـان طيفُها الموتْ، كـان طيفها البُرود وهي ترى سعـادة من حولها، هديل التي كـانت ترقُص بفرحةٍ وكأنّ من تزوّجت اليوم اختها بالدم، همـا اختين، علاقتهما أقوى من الدم! هي ابنـةُ هالـة التي تسلّم على الضيوفِ بابتسامةٍ وكانّها امها التي حملتها في رحمها، هي امّها فعـلًا ، مهما كـانت قد آلمتها قبلًا، قد أوجعتها بطريقةٍ أو أخـرى .. هي امّها ، تُحبّها مهما حدَث، تجد بينهما علاقـةً روحية لا تمُوت . . اتّسعَت ابتسامتها بألمٍ لم يكُن واضحًا للعيـان سوى فرحـةِ عروس، كيف قد تتركهم اليوم؟ لا تتخيّل ، لا تتخيّل أبدًا أن تكون في منزلٍ آخر، أن تكونَ في كنفِ رجلْ ، تكرههُ حدّ الممات! لا تتخيّل أبدًا ، لحظـةً ستكون فيها نائمـةً في غيرِ غرفتها، في غير البيت الذي احتضنـها اثنتانِ وعشرون عامًا وأكثـر ، احتضنـها لدهـر، كان في عينيها كلّ الدهـر مهما بكَت فيه! مهما حزنت، مهما أُوجِعَت، كان دائمًا وجعها باذخًا، ومنذ اليومِ سيكون وجعها جافًا فقيرًا إلى مقوّمٍ للزوال.

اقتربَت منها امرأةٌ كـانت تبتسمُ بفرحـة، عرفتها مباشـرة، هي نفسها عمّة أدهم التي التقَت بها يوم ذهبَت إليهِ وعادت مكسورةَ الجنـاح. وقفَت سُهى أمامها وهي تلحظُ نظراتها البـاردة إليها، لكنّها لم تمتلك سوى أن تبتسمَ لها، تبتسمُ لفرحـة أدهم التي كان يشُوبها حُزنٌ من أوّل عيد، حزنٌ لم تعلَم سببه ولم يُخبرها بِه وبعد أن انتهَى من البُكاءِ على أطـلاله ابتعدَ إلى غرفتهِ بذاتِ الصمت، لكنّ فرحتـه اليوم كانت تكفيها لتتغاضى عن الحُزن في عينيه، فرحتـه بنجلاء التي انتظـرها كثيرًا وربما غفـل لسنواتٍ عن هذا الانتظـار أو تناسـاه.

انحنَت لتسلّم عليها وتُبـارك لها بفرحـة، ابتسمَت إلين ابتسامةً مبتورةً وهي تربطُ لسانها الذي أراد الاندفاع إليها ناطقًا " تباركين لي وأنتِ أدرى بولد أخوك؟ "

لكنّها قاومَت رغبتها بالانفجـار، قاومَت رغبتها حتى بالبكاء! وتحاول حتى الآن أن تتنـاسى فكرة أنها ستجدهُ بعد دقائق أمامها، بصفةِ أنّه زوجها ووليّ أمـرها منذ اليوم!!

وضعَت سُهى كفّها على كتفها المرمريّ وهي تبتسمُ بسعادة، وبنبرةٍ تُقرئها بتلك السعادة هتفت : بسم الله عليك ، ماشاء الله تجننين، بتذبحين ولد أخوي اليوم.

لم تردّ عليها وهي تُشيح بنظراتها عنها ورقبتها تتشنّج بضيقٍ واشمئزاز، اتّسعت ابتسامـة سهى أكثر وهي تهتف : يمكن تكونين كارهته ، ما ألومك.

وجّهت نظراتها إليها مباشرةً باستنكارٍ لتمسح سهى على كتفها بحنانٍ وتُكمل : لأنّك ما تعرفينه ما ألومك ، هو يمكن غلط، يمكن ضايقك، بس صدقيني قلبه مثل الطفل، طيب حتى لو أخفى هالشيء.

لم تُزِدها كلماتها إلا اشتعالًا في القهـر، اشتعالًا في الألـم والخسران الذي زحفَ إليها حتى بترَ منها أيّ رؤيـةٍ إيجابية للحيـاة .. هتفَت بانكسـار : وين أودي طيبته هذي وهو اللي آذآني بطريقة ما أقدر أوصفها؟!!

كانت سهى ستردّ، لكنّ اقترابِ نسـاءٍ كُنّ " قريبات أدهم " جعلها تصمُت ، سلّمن عليها، بينما عقلُ سهى ارتحـل إلى " العريس "، هذهِ المرّة اجتمـع مع أعمامه اللذين جاؤوا كي يحضروا زواجـه والأهم كي يأخذوها معهم بعد أن ينتهي ... دعَت في صدرها أن يكون الحـال لديهم هادئ، بالرغمِ من كونها لا تستطيع الجزمَ بذلك.





،





في الخـارج، يقفُ بحلّةِ العريس قُرب سيارتِه، هاتفهُ يشدّ عليه بقبضتِه المرتبكـة، ينظُر لشاشتهِ كل دقيقة، كلّما مرت ستونَ ثانيةً رفعهُ لعينيه، لازال لديـه أمل ، متعب يُدرك أن زواجـه اليوم، سيتّصل به، وسيُبـارك له، بالتأكيد سيتّصل خلال دقيتين أو خمس ، سيتّصل قبـل أن يرتحـل بها فوقَ قافلتـه ... سيتّصل ، سيتّصل .. إلا إن كـان مات بالفعل !!! " يا الله " يا متعب ! تجهّمت ملامحه وزارتـه الكآبـة كما لم تبتعد عنـه، " يا الله " يا متعب، كيف عساك تترك الدنيـا دون أن تكون قد ربحتَ شيئًا، خيطًا يوصلكَ لبسمةٍ صادقـة ، يا الله يا متعب! كيف تجعلنـي أبتئسُ في الليلـة التي ظننتُ أن لا بؤس سيعانقني ، فعلتها بِي وجعلت فرحتي ناقصـة، تكادُ لا تظهر أمـام حزني بِك ... يا الله ارحمه حيًا أو ميتًا.

شعرَ بالخواءِ وهو يلفظُ في داخلـه " ميتًا "، أغمضَ عينيه بحسـرة، يسأل الله أن يكون حيًا، بالرغم من كونِه يشكّ بذلك أمـام غيابِه الغريب حتى الآن ولو أنه كان حيًا لطمأنـه.

هتفَ صوتٌ كريهٌ بجانبه، جعله يفتح عينيه ويكشّر تلقائيًا : يا الله لمتى بيطول هالزواج لا بارك الله فيك .. خلّى سهى تطلع بنرجع ترى ما صارت.

أدار رأسه بجمودٍ إليه وهو يبعثُ إليه نظراتِ كُره، وبنبرةٍ مشدودة : تلاقيها الحين متونسـة داخل ، وأنت انقع هنا إن شاء الله يتأخرون ما يفرق معي.
محمد يرفعُ إحدى حاجبيه بسخرية : أحلف إنك محترق تبيهم يجيبون مرتك بسرعـة ، شبق !

شعر بالغضب يتصـاعد فيه للفظِ الوقحِ الذي وجّههُ إليه، وبنبرةٍ خافتـةٍ بخطرٍ حام حول عمِه : وش تقصد بهالكلمـة؟ تقذفني؟!!

محمد ببرود : أقذفك؟!!

أدهم : هذا قصدك خصوصًا إني ما سبق تزوجت.

محمد : ما سبق تزوجت؟ أظن اللي اليوم مجرد تجديد عقد !!

وجّه أدهم نظراتهُ جانبًا يخشى أن يكون هنـاك أحدٌ قريب كياسِر على سبيل المثـال فكلّ ما تمّ اليوم كان أمامه كعقدٍ جديد، لا يعلم حقيقته ... أعـاد نظراته بحدةٍ نحوَ محمد ليهتف بحنق : بمشّيها لك مع إنك تدري مثل ما درَت سهى بطبيعة زواجي بهالبنت ... يلا منّاك ماني ناقصك.

محمد ببرود : ما تهمني لا أنت ولا زواجك ، أبي هالمصخرة تخلص بس عشان اختي والا أنت ما دريت عنك.

تضايق أدهـم من فكرةِ ابتعـاد سهى، لكنّه لا يستطيع أن يرجوها بالبقـاء، يكفي أنها بقيَت لديه أشهرًا كي لا تتركهُ وحيدًا، وما إن تدخُل لحياته امرأةٌ بالتأكيـد ستعود لعائلتها ... لفظَ بمكابرة : بتطلع لا تصير بزر.





،





جلسَت على أقربِ كُرسيٍّ ووجهها يكـاد يحمرُّ من خلفِ مساحيق التجمِيل، تكادُ حمرة الوجعِ أن تبزغ فيسقطَ قنـاعُ صمودها ومكابرتها .. وضعَت رأسها بضعفٍ على الطـاولة، ومرّت ثوانٍ قليلة قبل أن تشعرَ بكفٍ تستكينُ على كتفها ومن ثمّ صوت أسيل القلِق : ديما ..

رفعَت ديما رأسها ونظرت لها بإرهاق : شفيك؟

أسيل بقلق : تعبانة صح؟ ترى ملاحظتك من أول .. اتصلي على سيف واطلعي مالها داعي جلستك لوقت ما تطلع العروس.

ديما باعتراضٍ تهزُّ رأسها بالنفي : لا لا تحاتين مجرد إرهاق بسيط ما يستاهل.

أسيل : طيب أكلتي شيء قبل لا تجين القاعة؟

ديما بوجهٍ مُمتقع : تغديت تفاحة وأشبعتني.

نهضَت بعد ما قالته لتشهقَ أسيل : على فطورك!! لا والله إن تطيحين علينا بعد شوي ... أقول اتصلي على رجلك وارجعي بيتك خلاص العروس شوي وبتطلع.

ديما : اووووف فكيني بالله مافيني الا العافية.

ابتعدَت عنها بإرهاقٍ لتزفُر أسيل بيأسٍ منها وترفع هاتفها حتى تتّصل بشاهين كي يحادث سيف ويرغمها على العودة للمنزل، فهي لا تطمئن لحالها وتخشى أن تسقط فاقدةً الوعي في أيّ لحظة.





،





انتهـت بدايـة تلك الليلـة، وانتهَت معهُ بسمتها الزائفَة، انتهَت أيضًا حياتُها - بالنسبـة لها - بينما هوَ كان يرى أنّه بدأ عُمرًا جديدًا تمنّى لو أنّه لم يلوّث في بدايتـه بفقدانْ، زفُّوهـا إليه، تحتَ أنظـارِ عيونٍ تخفّت بين النسـاء، عيونٍ كانت تتمنّى لهـا غيرَ ذلك ، عيونٍ لو أنّ عبدالله علمَ بحضورِها لانتهَت ليلـة هالـة بعاصفةِ غضَب ، هالـة التي قدّمت إليها بطاقـة دعوةٍ خاصـة ، لتتصنّع رقيّة أنّها لن تجيء، لكنّها جـاءت متخفّيةً قبل أن ينتهى هذا الكرنفـال البائِس للعروس ، ظلّت تراقبها بعينين متحسّرتين ، لكنّها كـانت لتصمتَ رغمًا عنها ، لم تعُد تملك الخيـار حتى في الصمتْ !

خرجَت إلين إليه ، صعدَت في سيارةِ أدهم التي ازدانَت بحلّة الفرحِ كمـا هو ، جلسَت في الخلفِ قبل أن ينضمّ لها أدهم، بينما كان من سيقود هو ياسر حتى يوصلهما ... وقفَ أدهم قبل أن يركبَ للسيـارة حين قبضَت على ذراعهِ كفّ سهى التي تكادُ أن تبكِي ، ابتسمَ بحبٍ وامتنـان، قبّل جبينها لتتخرطَ في ذاك الوقت في بُكـاءٍ وهي تهمسُ بغصّة : بتوحشني ، بتوحشني يا نظر عيني ... يا فديت العريس والله !!!

ضمّها أدهم بين ذراعيه وهو يهمسُ بابتسامة : يا حبيبتي !

سهى تُغرقه بتوصياتها : لا تزعلها .. كافيها اللي بقلبها منك .. حاول تخليها تسامحك.

أدهم يضحكُ ضحكةً قصيرة : لا تخافين هي بعيُوني.

سهى ببكاء : عارفتك تموت عليها .. حبيبي إنتَ وعيونك، مبروك عليك هالفرحة بتطير منها أدري فيك.

أدهم : بس لو منتِ رايحة !

سهى ترفعُ عينيها إليه، وبمزاح : تلعب على عقلي؟ خلاص كرتي طاح.

عـاد ليضمّها بقوة : ما يطييييح فديت روحك .. أنتِ غير عن الكل.

سقطَت دموعها أكثر وهي تضربهُ على كتفه بغضبٍ مُفاجئ : شوف خليتني أبكي وأخرب مكياجي .. انقلع لمرتك انقلع.

ضحكَ بقوةٍ وهو يقبّل رأسها هاتفًا بحنـان : بتوحشيني . .

كـان صوتُهما يصلُ إليها رغم خفوتِ حديثهما، إذ كانا يقفانِ عند بابِ أدهم المفتوح في الخلف، حنـان صوتِه، كلمـاتهِ الخافتـة، جعلَ جسدها يقشعرّ لترفعَ كفيها وتغطّي أذنها ، لا تريد سماعهما ، لا تريد أن ترى جانبًا مختلفًا في أدهم، لا تريد أن تراه بغير النظـرة التي تراهُ فيها دائمًا ، لا تريد سوى أن ترى الرجُل الذي تكـره ، أدهم كمـا عرفَت.

أخفضَت كفيها حين خشيَت أن ينتبه ياسر لها عن طريق المرآةِ التي أمامه، عضّت شفتها المُثقلةِ بأحمر الشفـاهِ العنـابي، بينما فتحَ ياسر نافذته ليهتف بتهكّمٍ باسم : يا رجـال اطلع وكافي موادع البنت فطست ورى.

ضحكَ أدهم وهو ينظُر إليه بينما ابتعدَت سهى بحرجٍ وهي تشعر أنّ وداعـها لهُ لا يكفيها، بل كان كافيًا كي يمزّق الكُحل حول عينيها ويجعله يتساقطُ في هيئةِ دمعٍ أسـود.

صعدَ أدهم وهو يحرّك كفه مودّعًا بابتسامةٍ حزينـةٍ وفرِحةٍ في ذاتِ الوقت، أغلقَ البـاب، لتعجّ السيـارة بثانِي أكسيد الكربُون وتختنق! انكمـش جسدها وودّت لو تفتح السيـارة وتقفز، جلوسها قُربه الآن جعل الدنيـا تضيقُ في عينيها ، لا يُمكن ، كيف ستعيشُ حياتها الباقيـة معه؟!

أغمضَت عينيها بقوّةٍ وتراجـع رأسها للخلفِ بضعفٍ مُنهـارٍ حين شعرَت بيدهِ تتسلّل ليدها، بأنامله تتخلخل أنامـلها، أشبك يديهِ في يدها، وغرقَ في نعومتها في اللحظة التي انهـار فيها ثباتها وتجمّدت وهي تشعر أنها لن تستطيعَ سحبَ يدها ، استسلمَت لكفّهِ لكنّها لم تستسلمْ لدموعها التي أرادت الانفجـار من مقلتيها .. بقيَت مغمضةً عينيها بقوّة، كلّ مافيها يرفُض لمستـه ، لكنّ يدها عبّرت عن الرفضِ بجمودِها ...

في تلك اللحظـة التي كانت هيَ تغرقُ في عذابٍ صامِت، كـان هوَ يغرقُ في عذابِ قُربها، العذابُ الذي عشقهُ في هذهِ اللحظـة ، عشقهُ حدّ الثمـالة .. كـان كمن ارتشفَ من نبيذٍ فاخـر، نبيذٍ أثقلَ معدتهُ لكنّ عواطفـهُ انبثقَت معهُ وغابَ فيه .. كان النبيذُ يدك! وكـان المتذوّق لها كفّي .. يا امتدادَ مُحيطك، غرقت، غرقتُ ولا ظنّ بي أن أخـرج منكِ حيًّا .. يا لطافة الموت، إن كـان بكِ . . هذهِ كفّي الآن تخشعُ لنعومةِ يدِك ، تتخلخلُ مساماتكِ أو أنتِ تتخلخلينها! .. دعينِي أغرقُ أكثـر ، كي أموتَ أكثـر ! دعينـي أتخلخلكِ أكثـر ، كيْ أحيـا أكثر! .. هل يُمكن للطافةٍ كلطافتـك أن تُضيء في يومٍ أسودّ بالفقد؟ بكيتُه ، بكيتهُ يا نجـلاءتي ، وجئتِ المُكفكفَ للدمع، بكيتهُ يومَ مات، وبكيتهُ البارحـة أيضًا في الخـفاء، لكنّني وعلى الأرجح لن أبكي اليوم .. ، لمَ أشكوكِ حزني؟ لا تعرفينه، لكنّكِ ومن اليوم ستكونِين ملجأي حتى ولو لم تفقهي سبب أحزاني . . . شدّ على كفّها وهو يُغمض عينيه لا يستوعب أنها اليوم بجانبه، أنه يُمسك بيدها ... جميلةٌ هي الأحلام حين تتحقّق، وجميلةٌ هي الأحـلام حين تكونُ أنتِ .. كُنتُ للدنيـا سيجارةً يا نجلاء، امتصّت كل ما فيّ وتركتنـي أتساقطُ على رصيفها في هيئة رمـاد، لم يبقى فيّ سوى ظِفرُ سيجارة ، هذا القليل الذي بين يديكِ الآن ... ازرعيه من جديد، اسقيه ، اجعليه يولدُ من جديدٍ ويكبُر ، عالجـي جراحي يا نجلاء ، عالجيني من يأسِي .... جئتني ، ولا أصدّق ذلك، لكنّني أحبك.

رفعَ يدها ليقبّلها، هذهِ اليدُ التي كانت جامدةً طيلـة الارتجـال الذي تلاه، انتفضَت الآن ، ارتعشَت حين لامستها شفاهه ... شعرَ بها الآن تريد سحبها، تريد أن تنسلّ من بينِ أنامله ، لكنّه لم يستطِع، لم يستطِع أن يتركها بعد أن ظفِر بها أخيرًا ، لم يستطع وهو يشدُّ عليها بإصرارٍ وملكيـةٍ كي تتأكّد الآن أنها في الواقـع ، لم تكُن في كابُوس.

كـان ياسِر يغنّي بمزامير السيـارة بفرح، خلفهُ بضعُ سيـارات، وكـان ضجيجهم متعةً لمسـامعِ أدهـم ، ومعدنٌ مذابٌ لمسامعها . .

وصـلوا بعد وقتٍ قصـير، التقَت أخيرًا بعبدالله الذي كـان يتبعهم بسيـارته، لم تلتقي بهِ منذ الصبـاح وكأنّه كان يتجـاهلُ رؤيتها .. ابتسمَت بألمٍ وهي ترى ملامحهُ الحادة التي كانت تكتمُ غضبها، كـان يُحادث أدهم بنبرةٍ لم تسمعها لكنّها استطاعت أن تكتشفَ من حركةِ شفاههِ قهرهُ وغضبه، كـان واضحًا لعينيها أنّه كـان يحذّره ... يا حنانه حتى في غضبهِ منها !

نظـر إليها لتخفتَ ابتسامتها قليلًا وتلتمعَ عينيها بوجَع ، اقتربَ منها بخطواتٍ قصيـرة .. لتنتهي تلك الخطواتُ منها ، لم تشعُر بنفسها وهي تندفعُ إليـه ، تكسرُ باقي الخطواتِ بينهما ، تسقُط على صدرِه وتتأوّه بانكسـار، بألـم ، بحزنٍ لأنّه كُتِب لها مُفارقتهم اليوم ، النومَ في غيـر حُضنهم.

ابتسمَ عبدالله بألمٍ وهو يمسحُ على رأسها ويهمسُ بعبرة : حاولي إنّك ما تندمين على قرارك !!

" ندمت "! ندمتُ وفرغَ منّي الندم ، لكنّ هذا الندَم لم يكُن ليغيّر من الواقِع شيئًا ، لم يكُن ليجعلني أتراجَع ... شعَرت بهِ يقبّل رأسها بحنانٍ ويُردف بصوتٍ أبويٍّ حنون : الله يحفظك ويوفقك يا بنتي . .

راقبهما أدهم بصمتٍ قبـل أن تبتعدَ عنهُ وينتهي احتضانها له، اقتربَ منها ياسر، حينها أشـاح نظراته دونَ شعورٍ منه قبل أن يقبّل رأسها بحنانٍ وتغرقَ إلين في حُمرةِ خجلها ، لم يُرِد النظر إليها ويـاسر قُربها ويعاملها بأخويّةٍ ستبقى تستفزّه .. مضَت الدقائق القصيرة قبل أن يصيرا وحدهما ، دخـلت للجنـاح المُخصّص لهما بعد أن أوصلها ياسر وعبدالله ، اقتربَ منه ياسر وهو يبتسم، وضعَ كفّه على كتفِه ليهتف بتوصيـة : انتبه لها ، ولا تضيمها ترى ماراح أسكت.

أدهم بابتسامة : بعيوني.

أغلقَ البـاب بعد خروجِهما ، وكـان صوتُ البـاب بالنسبـة لها صوتَ وقعـتِها في وحلِه ، حُبسَت أنفاسها وهي تُدير لهُ ظهرها ، بينما كان أدهم لا يزالُ يُمسك بمقبضِ البـاب، يجدّد أنفاسـه التي اضطربَت قليلًا ، هذهِ الأنفـاس التي لا تزال حتى الآن غيـر مصدّقةٍ أنها هُنا ، أن رائحـة عطرها أغرقَت المكـان بجمالها.

بينمـا كانت هيَ جامدةً بدورها ، جامدةً ظاهريًا ، إلّا أن الرعشـة تغتـال قلبها ، أنفاسها لا تفقهُ طريقها ، اختنقَت وهي تشعُر أنّ الهواءَ ينسحب ، الألوانَ تنسكبُ في السـواد ، كلّ شيءٍ باتَ في عينيها ظـلامًا غرقتْ فيه ، شهقَت بقوّةٍ واقتلعتها كفّه من ظلامها ، كفّه التي وضعها على كتفها بولـه .. لم تشعر بنفسها وهي تنتفضُ بقوّةٍ وكأنّ الصرعَ أصابها ، استدارَت إليهِ بذعرٍ وتراجعَت للخلفِ بتعثّرٍ ورجفـةٍ وهي تهمسُ برجـاء : لاااااااااااا


،





يشعُر بالغـربـة من جديد! ، ينظُر للشوارعِ بأنفاسٍ مجهدةٍ عبـر نافذةِ غُرفتـهِ في هذا الفُندق، الغرفـة التي تحتضنـه بحصانةٍ كي لا يُصيبه أذى ... هو في الريـاض، تحتضنهُ حرارتها ، هوَ في الريـاض ، اسمُ متعب أخيرًا عانقَ أسمـاء المسافرين إليها ، أو العائدين ! . .

نشوةٌ في " الريـاض " تحتضنـه ، وحُزنٌ في " متعب " تُغرقُ عينيه في مطامِع الوجَع ، يشعُر أنّ السمـاء هذهِ المرة مختلفة ، أن سمـاء الريـاضِ قسَت وهو الذي ظنّ أنها لن تقسُو عليه أبدًا .... متعب ... أسفل سماءِ الريـاض !



.



.



.



انــتــهــى ...



إن شاء الله يكون أرضاكم ، جلست أراجع فيه أكثر من ساعتين فاعتذر من اللي ظلوا صاحين لهالوقت على أساس ينزل بدري :(

موعدنا القـادم الجمعة ، آخر جزء قبل الامتحانات ...



ودمتم بخيـر / كَيــدْ !



 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 01-05-16, 08:11 PM   المشاركة رقم: 785
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,112
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 
دعوه لزيارة موضوعي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


بصراحة عرفت فعليا معنى المقولة (الصمت في حرم الجمال جمال)

ابدعتي والله..


تقبلي مروري وخالص ودي

«اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي»

 
 

 

عرض البوم صور bluemay  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 07:59 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية