كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف خير وعافية
مافيه وقت للمقدمات حتى مدخل للبارت ما أمداني أدور بين اقتباساتكم من العجلـة ولأنّي تأخرت عليكم .. كل اللي بقوله قراءة ممتعة لكم وإن شاء الله يروق لكم وتشوفونه دسِم مثل ما كان بالنسبة لي :$
شكرًا لتواجدكم، شكرًا لكلماتكم الطيبة سواءً بالمتصفح أو خارجه، شكرًا للروايـة اللي جمعتنا .. إن شاء الله أكون دائمًا عند حسن ظنكم والله يكتب لي التوفيق والوصول للنهاية بسلام :$$
بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !
لا تلهيكم عن العبـادات
(73)*1
سقطَ على الأرضْ بعد عاصفـةٍ اقتلعْت ثبـاته حين لم يكُن تامًا ، عينـاه تتّسعـان بصدمةٍ في اللحظـة ذاتِها التي اعتلى فيها صـراخُ أسيل المذعُور من الجهةِ الأخـرى ، ليتبعهُ هتـاف أدهـم الحـاد والصارخ في وجههِ بنارٍ هوجـاء : حيـــواااااان ...
انحنَى في اللحظـة التي احتدّت فيها ملامحُ شاهين وكاد يتوقفُ على قدميه ويردّ لهُ تلك اللكمـة بعد أن استوعب أنّه ليس إلا هـو ، ليس إلا أدهــم !! لكنّ أدهم لم يُهدِه بعض الوقتِ وهو يُمسك بكتفيه ويوقفهُ رغمًا عنه وهو يردف بذاتِ صوتِه الغاضبِ والذي كان يعتلي أكثـر بجنون : افتــخــر .. افتـخر الحين بنفسك ... الحين تقدر تعيش مبسوط ، تعيش وهوّ ما يخرّب لحظتك.
دفعهُ عنهُ شاهين بغضبٍ دون أن يُبـالي بمعنى كلماته، اشتعـل الكره والاشمئزاز في عينيهِ وهو يردّ له اللكمـة بأخرى في اللحظة التي لم يُبالي فيها أدهم بالدفـاع، تراجـع للخلفِ وهو يبتسمُ ويمسحُ على فمهِ بقهر ، يبتسمُ ابتسامةً تنقُش في روحِه الكثيـر من القهـر المُختلطِ بألمـه ، يختلطُ بصورةِ متعب الشبيهِ بِه .. كيف لم ينتبه لهذا الشبهِ بينهما من قبـل؟ كيف لم ينتبِه؟!
شدّ شاهين على كفهِ وهو يهتف بصوتٍ حـادٍ بينما يدهُ الأخرى تدفعُ بابَ السيارة الذي كان مفتوحًا ليُغلقه، وبصوتٍ خافتٍ بالرغمِ من حدّته : أهبل؟ لا جد أهبل وما تدري عن نفسك وش اللي تسويه؟ * صرخ بحقد * وش جابك بيتي؟ طلعت على حقييييقتك هااااه؟!
كان ينتفضُ حقدًا وانفعالًا وخوفًا على أسيل وامه، وجود أدهم لا يعطي سوى تفسيرٍ واحـد، أنّه بدأ التحرك وخـرج من نطاقِ التمثيل !
اقتربَ منه ليدفعهُ من كتفيه بغضبٍ ويُردف من بين أسنانه : ما تعرفني .. غبي يوم تتحدّانـي .. لو تمس أحد من أهلي بشر صدقني بذبحك !!
أدهم يمسك كفيه اللتين دفعهُ بها لينفضها ويلفظ باحتقار : ليه هو أنت يهمك أهلك؟!
شاهين من بين أسنانه : وقــــح ... انقلع من وجهي انقلع .. اذا تبي تهاوش اتصل علي بالليل أو بأي وقت ثاني وأنا موجود ... حاليًا ماني فاضي لأشكالك عيد وما أبـي شيء يضيّق علي.
اشتطّ أدهـم ، في اللحظـة التي يفرح فيها بالعيد هنـاك من بدأ عيدهُ مكتئبًا، حزينًا، مريضًا، هنـاك من كـان يشتاقه! هنـاك من يكـاد يبكي وربّمـا بكى .. هنـاك من سيمُوت وربّما مـات ..
اقتربَ بخطواته منه والانفعالُ فيه يتنامى كلّما طرأ في عقله أن متعب الآن ميت! وباستفزازٍ لهُ يريده أن يغضب فيدخل معهُ في شجارٍ عنيفٍ يستطيع فيه تفريغ ما لديـه والانتقام لمتعب ولو في ضرباتٍ بسيطةٍ لا تعـادل غربته ، هتف باستخفاف : وش اللي صـار فجأة؟ ماهو صرنا ربع وتقرّبت مني؟ ... وش اللي صار؟ .... يا شاهين !!
هنـا اتّسعت أعيُن شاهين ما إن لفظَ باسمهِ الحقيقي، ابتسمَ أدهم ابتسامةً ملتوية وهو يتدارك نفسه هاتفًا باستفزاز : اووووه نسيت ... قصدي ليث !
انطلَقت نـارٌ من عينيه في تلك اللحظـة، واقتربَ منه أكثر وهو يهتف بصوتٍ أشبه بفحيحِ أفعى جائعـة، بصوتٍ حملَ من ورائِه وعيدًا قاتلًا : أنصحك تبعد من هنـا . .
لم تكُن نصيحةً بحجمِ ما كانت تهديدًا له، ابتسمَ أدهم بغضبٍ أكبر، لم تكُن تلك ابتسـامة، شفاهُه مشدودةٌ تُظهر أسنانه الضاغطةَ على بعضها، لم تكُن ابتسامة، كـانت محاولةً لصدّ المزيد من الغضب، لكنه لم يقدِر، لم يستطِع وهو يهتفُ برعشةِ كفيْن انفعلتا لأجلـه، لأجـل صديقهِ هُنـاك، لأجل صديقهِ المغدور ، لفظَ بنبرةٍ مستفزّة، الفكـرة في عقلهِ أنّ الأوراقَ سقطَت، شاهين يُدرك منذ زمنٍ أنّه الذي كان يُساند أخـاه، كان يحاول استدراجه بقصّته تلك، لكنّه كان جازمًا بأنٌه هو، والدليلُ أنّه بـاتَ أمامه في هذهِ اللحظـة، لم يُبالي بتهوّره، لم يبالي بالخطرِ الذي قد يحومُ حولـه بما فعل .. وابتعدَت أسنانه عن ذاك الضغطِ وهو يلفظُ بصوتٍ حـاقدٍ بينما عيناه تتّجـهان للمنزلِ تارةً وإليه تارة : صـح .. ما تبي أخد يضايقك بالعيد .. عشان كذا أخـــوك لازم يـ ....
لم يكمِل حديثهُ لكفي شاهين اللتين انقضّتا على عنقهِ والتفّتـا حولـه بغضب، صرخ وعينيه تكادُ تُرمد من نـار أحداقه المشتعلة : لاااا تتجرأ .. لا تتجرأ وتجيب طاريه على لسانك
وضعَ أدهم كفيه على يدي شاهين القابضتين على عنقه، ابتسم بسخريةٍ وهو يشعر أنّه يختنق، لكنّه لم يُبالي باختناقهِ وهو يُكمل بنبرته المستفزّة ذاتها ، بصوتٍ مُختنق : ليش؟ تبي عيدك يظل بخير؟!
لم يهتم شاهين لحديثهِ وهو يترك عنقهُ ويوجّه لكمةً حادةً لأنفهِ لتنزف بها، ردّها أدهم لهُ مباشرةً دون أن يُبالي ببشرةِ عنقه التي احمرّت، دخـلا في عراكٍ كانت تراقبه أسيل وهي تكادُ تبكي، بل أنّ دموعها سقطَت وقدميها تكادان تتمرّدانِ لتخرج من السيارة وتحاول أن توقفـهما، لكنّ تدخّل القليل من الناس اللذين كانوا قريبين جعل نبضات قلبها المتسارعـة تتباطئ قليلًا.
صرخ شاهين بقهرٍ يشتمهُ وهو يريد أن يضربهُ أكثر لكنّ جارهُ الكبير في السن كان يُمسكه ومنعهُ بجملة " بوجه الله يكفي " . . . ابتسمَ أدهم بتشفي بالرغم من أنّ كفتهما كانت متساوية، لكنّه كان يضرب لأجل متعب، ليس لأجلـه، لذا لم يهتم بالضربات التي نالها .. هتف باستفزاز : يلا الحين كمّل عيدك بوجهك الجميل ، وتذكّرني كل ما ناظرت وجهك بالمراية.
نفضَ يدهُ من الذي كـان يمسك بهِ وابتعدَ متوجّهًا إلى سيارتِه ، بينما تابعهُ شاهين بنظراتٍ حـاقدة وقد تحرّر من الأيادي التي تُمسك بِه، ابتعدَ أدهم بسيـارتِه، واعتلا صوتٌ من خلفِ شاهين لافظًا : واضح إنه هو اللي متهجم عليك جاي لبيتك .. لو مكانك ما أسكت وبخليه بعفن كم يوم بالسجن.
لوى شاهين فمهُ بغيظٍ وهو يتحرّك وبفتح باب السيـارة، وبصوتٍ حاد : مشكورين.
لم يُضِف كلمةً وهو يصعدُ ويغلق البابَ بقوّة، حرّك السيـارة بينما كانت نظراتُ أسيل تتابعهُ وعينيها تلتمعانِ بدمعِها، مدّت يدها لتُلامس وجنتهُ المحمرّةَ لتهمسَ بقلق : شاهين ....
قاطعها شاهين بنبرةٍ حادة : اتركيني الحين يا أسيل .. مالي خلق لشيء.
بينما كان أدهم من الجهةِ الأخـرى يكرّر اتصـاله بهاتفِ متعب المُغلق ، ولا يجد سوى صدى شتائمه ترتدّ في السيـارة .. ليته كان بوسعه أن يقتل شاهين ويرتاح .. ليته!!
،
" تأكدوا إن كل أجهزة المراقبة عطلانة "
لازال يجلسُ على السريرِ ورأسـه يتّجـه للأرض، الأصواتُ لم تتلاشى حولهُ لكنّ نبرتها الصارخـة تلاشت، تداخُلها ببعضها تلاشـى .. كما تلاشت القوّة الباقية في جسدهِ كيْ يبقى ثابتًا في مكانِه، كي يبقَى جالسًا !! نسيَ ألـم ظهره، ألـم كتفِه الذي كاد يُكسـر ، ولم يبقى في جسدهِ ذرّة احتمـال، لذا ترنّح للجهةِ اليُمنى ، كـاد يسقُط على جانبِه لولا الكفّ التي أسندتهُ وصوتُ صاحبها يعلُو على أحد الواقفين : اتّصل بالاسعاف يمكن منصـاب.
متعب بحدةٍ وهو لا يُبالي بما يحدثُ حولـه : أنا بخيــر .. بخيـــر ... بخيـــــر ..
كرّرها ثلاث مرّاتٍ وأنينُ صدرهِ يكذّبها، لم يعُد بخير، منذ اللحظـة التي قال لهُ فيصل أنها أصبحَت لهُ لم يعُد في لسانهِ ذرّةٌ من " أنا بخير "، كرّرها وتكرارهُ يُثبت كذبه، كرّرها وصوتُه الميّت يثبت كذبه، لم يعُد بكامل - خير - ، منذ تركهُ أخاهُ في هذهِ الدهاليـز، منذ تركهُ في هذهِ المتاهة، منذ ابتعدَ عن امه، عن زوجته، عن موطنِه، منذ باتَ في هذهِ الغربـة الحالكة يشتكِي سوادَ السماءِ وزرقتها ، والآن ، هو لم يعُد بخيرٍ وانتهى! لم يعُد بخيرٍ لأنّه أخـذ منه كلّ الحيـاة وكلّ ماقد يعيشُ لأجلـه، لم يعُد بخيـر .. لا يملك الآن شيئًا سوى شكره ، لأنّه نجحَ في قتلهِ ببطء، نجحَ في انهائِه ببطء، تركه يتعذّب، ذاقَ كل أنواعِ العـذاب، الفقد ، الغربة، سمومها، الاشتياق ، والآن خسـارة حبيبته ! ذاق كلّ أنواع العذاب ! وأتقن في طبخِ أصنافِه ، لم يعُد يملك سوى شكره، على إخلاصهِ في مُبتغاه.
أبعد اليدين المُمسكتينِ بكتفيه، وترك لنفسهِ السقوطَ على جانبِه والتنفّس برئتين مُتعبَتين، النظر للجدَار وتحاشي النافذةِ التي أصبحَت تحتضنُ امه فقط، تركَ لعقلهِ في هذهِ الثواني تخيّل الصورِ التي سيكونانِ عليها هذا العيد، احترقَ قلبه أكثـر ، وهو يتخيّل ملامحهما، تُمسك كفّه، يقفُ بجانبها، يقبّلها ، أصبجـا زوجين ! هل هذا هوَ المعنى؟ أصبحَت زوجة شاهين؟ كيف قد يفعلها وهو يُدرك أنّ أخاه لازال حيًا وهي لازالت في عصمته .. لا يُمكن ! كيف يفعلها؟ أغمضَ عينيه بقوّةٍ وهو يتنفّس بانفعال، أغمض عينيه لا يُريد رؤية المزيد من الصور التي رآى منها المزيد حتى في إغماضته لعينيه، منذ متى؟ بعد وفاته مباشرةً بالنسبةِ لهم؟ هل هذا هو سبب خيانته؟ يريدها؟ أم ماذا !! شاهين ليس فردًا منهم، يُدرك ذلك، شاهين كان يُساعدهم فقط ! هل هذا هو السبب؟ هل أرآد قتله لأنّه أرادها ؟!! ... آه ! آه يا شاهين ، آه يا أسيل ! هل تركتِ ذكراي ورحلتِ في دربِه بعيدًا عني؟ .. آه يا - نفسي - التي شغفَت بلحظـة لقاءِ عينيك ، اتفقنا أنْ لا تكونِي لسواي ، اتفقنا في لحظةٍ ما أن تكوني لي فقط ! أن لا نكون لغيرنا ! .. حلمتُ كثيرًا باللحظـة التي أحتضنُ فيها جسدك، في اللحظة التي أقبّل فيها دمعكِ وأمرر أطراف أناملي على أهدابِ حُزنك ، حلمتُ كثيرًا ، وظننتُ أنّكِ تبكِين الأعيـاد نفسِي ، لكنّكِ لم تكوني مثلي ، لم تتذكّريني في أيّ عيد ، كنتِ تضحكِين له ، لأخِ زوجك الراحـل .. وقد رحلتْ ! رحلتُ حين علمتُ أنّكِ بتِّ له .. يا قسـوة الأيـام ، يا قسوةَ السنين التي ابتعدتُ فيها عنكِ ولم تنتظري طيفي في كلّ يوم، لم تكوني لتنتظريني أبدًا فأنـا - ميّت -، لكنْ ليتك انتظرتِ الأطياف في الليالي ، ليتكِ بقيتِ زوجتي فقط ، ليتك ! .. يا خــائنَة ! يا مـن أضحيتُ نداها كلّ صبـاح ، وماءها في الليالِي ، تركتنِي ، تركتنِي واتّجهت بتلاتُك إليه.
شعر بجسدهِ ينتفض، ولم يشعُر بالدمعةِ التي سقطَت من أسفلِ جفنه، اقتربَ منه ذاك وهو يقدّر صمته، هتفَ بهدوء : معك الأمن ، صرت بحمايتنا ..
ابتسمَ متعب ابتسامةً واهنـة ماتَ طيفُها، وببحّةِ الحُزن هتف : هالمرة صدق؟ إذا لا تكفون لا تمثلون عليْ ، اقتلوني مباشرة، ما عاد أبي شيء من هالدنيـا.
بشفقة : متعب ، بترجع لأهلك ، تطمّن ماراح يصيبك أذى.
جلسَ متعب لينظُر لهُ بغضبٍ ويصرخ بأعصابٍ نفدَت، بقهر، بألم، والدمعةُ تبعتها أخـرى : ما أبي أرجع .. اتركوني أعفّن هنا .. والا بقول ، تراني مهرّب وبعترف بجريمتي ، اسجنوني ولا يدري أحد من أهلي إنّي عايش ما أبي أرجع لهم !!
هتف بجمود : ماهو وقت هالحكِي ، وبعدين هالقضية بتدخـل ضمن الـ ....
متعب بحدةٍ وجنونٍ يقاطعه وهو يفهم ما يُريد قوله : كان الموضوع بكامل إرادتـي ، ما كان تحت ضغط ولا كان ...
قاطعهُ وهو ينحني ويُمسك كتفيه كي ينهض : قوم معنا .. هالمكان صار خطير.
متعب يُبعد كفيه بحدةٍ ويلفظ باعتراض : ما أبي ، خلهم يذبحوني مالكم شغل فيني !
بحدة : عن هالمبزرة ، بتتحرّك غصب عنك الموضوع ما صـار بيدك.
لم يردّ متعب وهو يعود ليتمدّد دون مبالاةٍ به، حينها نظر الآخر نحو الواقفين ليهتف بحزم : جيبوه وراي لو بالقوّة ..
،
" الله ياخذك طالعة تهبلين " .. ضحكَت بعد جملةِ غيداء تلك وهي تعلّق عباءتها في مجلسِ النسـاء، وجّهت نظراتها إليها لتدور حول نفسها باستعراضٍ وتهتفَ بكلماتٍ متعاليـة : شرايك بذوق سلطان؟ ترى صار أحلى عليْ.
أمالَت غيداء فمها بحنقٍ ليرتفع حاجبيْ غزل باستفزازٍ وتُردف : أيه نسيت بعد إن الطول مخليه أحلـى، أصلًا اللبس الحلو يخيس على القصيرات.
قفزَت غيداء التي كانت لتوها جلسَت، اتّجهت نحوها بعينين حانقتينِ لتلفظ : انقلعي بس أنتِ من غير شيء توصلين لكتف سلطان ومسمية نفسك طويلة؟
غزل : ههههههههههههههههه أنتِ أظن بتوصلين بطنه.
غيداء : لا والله مو لهالدرجة ! بس اعترفي إنك قصيرة بعد.
غزل : شدخل سلطان تقيسين الطول عليه؟ هو رجال طبيعي يكون طويل بزيادة.
غيداء : لا تصرفين.
غزل بضحكة : بعذرك مقهورة .. وين خالتي؟
غيداء تزفُر بضيقٍ وملامحها تبدّلت فجأة ، عقدَت غزل حاجبيها حين انتبهَت لذلك، لكنّها لم تُعلّق بينما هتفَت غيداء بهدوءٍ غريب : بتجي الحين ، تلاقينها جالسة مع سلطان وعناد.
غزل باستنكار : طيب .. * ابتسمَت * جيبي لي حلاوة العيد يلا.
غيداء تقلّب عينيها وهي تستغفر : طفلـة ..
،
بروكسِيل ..
انتشـر ظـلامُ الليل، قبعَت النجومُ في صفيحةِ السمـاء بلمعتها بينما غابَ القمر ... دخـل فارس لغُرفتها يُخبرها أنّ فواز يُريد رؤيتها، ينتظرها في المجلس، كـانت ستقُول لهُ بكلّ شفافية " ما أبـي "، لكنّها تراجعَت وصمتت، ابتعدَ فارس كي لا يدعَ لها المجال في التفكير وترفضَ أمامه، بينمـا زفرت جنان بأسى وهي تَضغطُ صدغها بسبابتيها، لم تُقابله منذ آخر مرةٍ في رمضـان، لامت فارس كثيرًا لأنّه لم يُخبرها بطلاقهِ لزوجتِه، كان يعلمُ لكنّه صمتْ، وهي بدورها دخلَت في دوامةِ لومٍ جديدة ، طلّقها بسببها، وانتهت حياتهما بسببها ، كيف تستطيعُ المتابعة؟
زفـرت وهي تستغفرُ بهمسٍ تحاول طردَ توتّرها، تهزّ ساقيها دلالة ذاك التوتّر، لم يتوقف هزّها لساقيها، ولم تستطِع إيقاف توتّرها . . نهضَت ببعثرةٍ لتتناولَ معطفًا يصلُ لركبتيها، كانت ترتدي جينزًا وبلوزةً بيضاء تسترُها إلى مرفقها، لكنّها لا تعتبرُ هذا زواجًا، لا تعتبرهُ زوجًا، لذا لا تستطيع الخروجَ إليه كما تخرجُ لفارس ووالدها ! . . تناولَت حجابًا أبيضًا ولفّت بهِ رأسها، تأكّدت أمام المرآةِ بحرصٍ أنّ لا شعرةَ تظهرُ منها، مسحَت أحمر شفاهِها وكحلها بإصرارٍ مجنُون ، ومن ثمّ توجهت نحوَ البابِ لتخرج.
بينما كـان فواز ينتظرها وهو يضيعُ الدقائقَ بهاتفه، يتفقّد الرسائِل ، وعقلـه قد نسيها تمامًا ، على من يكذِب؟ وهو ما إن يضعُ رأسه على الوسـادة حتى تهاجمهُ رائحتها، يشعر بجسدها قربه، يتذكّر الأيـام التي كانت تنام فيها معهُ في شقّته هنـا ، وقعَ في مصيبةٍ كُبرى ، عانقتهُ بقيدها الذي يلسعهُ في كلّ يوم، منذُ الصغر ، وكيف يموتُ حبٌ منذ الصغر؟ هذا جنونٌ لا يُنسى، هذا ابتلاء، ولطالمـا كان الابتلاء بالحبِّ لا دواءَ له، مرضَ بها ، ولن يشفى منها .. في شقّتهِ طيفُ ذكرياتٍ بينهما ، وفي منزلِ والدتـه أيضًا ، ستحاصرهُ في كلّ مكـان، إن كان حين يدخُل المبنى الذي يعيشون فيه يشعر أنّ طيفًا يخترقُ جسده بقوّةٍ ويتجاوزه، يشعر بتواجدها حوله، فكيف لا تُشاركه الليـالي بصوتِها، برائحتها، بقُرب جسدها منـه ! كيف ينسى أنّها أغرقتـه بكلماتِ حبٍّ مراتٍ قليلـة ، أنّها اعترفَت بتمرّد كلماتها، بعينيها التي يعشق .. يالجـنونه، وابتلائِه ، لن تستطِيع جنان أن تُداويه، وكم يخشى تلك الفكـرة لأنّ دواءه هي جيهان فقط، لكنّه لن يعُود، ولن يجذبها إليه مرّةً أخرى قسرًا.
وجدَ نفسهُ دونَ شعورٍ يتّجه لمحادثتها في " الواتس أب "، بقيَ ينظُر للهاتف للحظـاتٍ ببؤس، ودون شعورٍ منه بدأ يكتب " كل عام وأنتِ بخير " ، كـادت أصابعها تتمرّد وترسلها، لكنّه أفـاق على جنونِه حين رآى أنّها " متصل "، ومسح الرسالة مباشرةً ليخرج من " الواتس أب " ويضع الهاتف جانبًا وهو يزفُر بعذابِ اشتيـاقه، الشوقُ نارٌ إن اندلعَت لا يُطفئها إلا حُضن المشتاق إليه، الشوقُ مطرٌ من " البَرَد "، يؤذي، ولا يوقفهُ الا انقشـاعُ الغيوم، لن تنقشع الغيوم يا جيهان، وسأبقى أشتـاق، لا حضنكِ سيُطفئ نارهُ ولا انقشـاع الفراقِ سيوقفُ أذى بَرَدِه، الشوقُ يا جيهان معصية، لم تجِد كفّارةً لهـا .. دعينا نغرقُ بذنبِنا وأثقلِي موازينَ المشـاعر، اشتاقي إليْ! اشتاقي كما أشتـاق، اشتاقي ومارسي هذه المعصية كما أمـارسها .. يا حُزنِي ! حُتـامَ ستبقَيْ في قلبِي الوريد؟ حُتـام سأبقى أشتاقُك ولا أجدك؟ حُتـام ستبقى هذهِ الحياة تحملني على كفوفها دونَك؟ دونكِ يا طفلتي المتمرّدة ! حُتـام سنعيش؟ ونحنُ انقطعَ عنّا السبيل للعيش، السبيل الذي ما كان إلا الحُب.
دخـل فارس وهو يهتفُ بابتسامة : بتجي الحين.
رفعَ فواز رأسه إليه وهو يبتسمُ بهدوء : شلون نفسيتها اليوم؟ * أردف بمداعبة * أخاف ترميني بأقرب شيء.
فارس : ههههههههههههههه لا جنان عاقلة حتى لو عصبت ما تسوي هالحركات، أنت بس اصبر عليها شوي.
ابتسم فواز ابتسامةً فاتـرة وجيهان لا تبتعدُ عن نطاقِ تفكِيره، التضـاد بينهما في أشيـاء عديدة، لو أنّ جيهان غاضبـة قد تقوم بأيّ شيءٍ حتى تفرّغ غضبها وتنتقم له، أيّ شيء، فهي التي قذفَت ولعنت، ولن تصعب عليها ردّة فعلٍ أخرى.
صمتَ فارس قليلًا وقد تلاشت ضحكته، نظر للأرض لثوانٍ قصيرة قبل أن يرفعَ رأسه ويهتف باستفسارٍ هادئ : فواز .. ممكن تعلمني أنت ليه ما رفضت؟
ابتسم فواز ابتسامةً كاذبـة : مشكلة عمي ناصر ما خلّى الموضوع وكأنّي المتقدم لها ، لازم يعني يعلمكم؟
فارس بجمود : ما علمنا ، كل شيء كـان واضح، أجل زواج بمستشفى وبعد عملية أبوي بكم يوم وش يكون؟
تنهّد فواز : لا تكبّرها .. مافيها شيء.
فارس : ليش ما رفضت وريحت راسك؟
فواز بابتسامةٍ صريحة : مين قالك ما رفضت؟
عقد فارس حاجبيه : يعني؟ مجبور؟!!
ضحكَ فواز : رجّال وأنجبر؟ من وين تجيب تحليلاتك؟!
فارس بضيقٍ من ضحكهِ في موضوعٍ كهذا : كل شيء جائز ، أنا مستغرب أبوي ليش ممكن يسوي مثل كذا؟
أمـال فواز رأسه وهو يبتسم ابتسامةً تمثيلية ، بالطبعِ لن يُخبره بالمحادثـة التي كانت بينهما ، بالمحادثـة التي جعلته يرضى أخيرًا بدخولِ معمعةٍ كهذه، هتفَ بنبرةٍ هادئة : لا تروح أفكارك لبعيد يا فارس ، وكون واثق إنّ أبوك ماراح يسوي شيء وهو يشوفه مؤذي لبنته ، هو يبي لها الحيـاة السعيدة.
أطبق فمهُ لثواني وهو ينظُر لفواز دون اقتنـاعٍ بحديثه، قبل أن يهتف بهدوء : بهالطريقة؟ اااخ بس خاطري أفهم بس شلون رضيت وأنت قلت بنفسك رفضت!
غمزَ لهُ فواز بتلاعب : الرجـال ما يملي عينهم الا التراب.
ابتسم رغمًا عنه : وبتتزوج على اختي؟ صدقني بذبحك!
فواز : ههههههههههههه يمكن لا تبعدها من بالك.
فارس وابتسامتهُ تميل بأسى : بتكذب عليْ وتظن إني بصدّقك؟ واضح إنّك كنت تحب زوجتك، والرجال لو حب زوجته ما يفكّر يتزوج عليها ، والحين بسبب زواجك طلقتها !
فواز بحدة : بلاش غبـاء! وش دخل زواجي هذا بطلاقي؟ ما تنلام اختك على تفكيرها دام أنت تفكر بهالطريقة.
ابتسم فارس : شكلها أكلتك هذاك اليوم.
فواز يبتسم في المقابـل : شغلت لي مناحـة ، الله يعينّي.
طُرق في تلك اللحظـة البـاب، صمتـا بينما فتحَت جنان الباب لتدخُل وهي تُلقي السلام، ردّا السـلام وفواز يعقدُ حاجبيه دونَ رضـا بالحجابِ الذي ترتديه كما كانت يوم تحدّث معها في رمضـان، نظَر لها فارس دونَ رضـا أيضًا .. وقفَ ليهتف : بترككم تآخذون راحتكم.
رفعَت جنان عينيها مباشـرةً إليه حتى توجّه نظراتِ اعتراضٍ ورجـاءٍ بأن يبقى، لكنّه تجاهل تلك النظرات وهو يقتربُ منها، وقفَ بجانبها ليهمس لأذنها بعتَب : الله يهديك كان لازم تتحجّبين؟ تراه زوجك اصحي على هالشيء!
جنان بخفوتٍ تنظُر للأسفل : وأنت تدري إني معارضة هالفكرة!
استغفرَ فارس بصمتٍ ومن ثمّ هتف قبل أن يخرج : لا تفشلينا عنده ! سلمي عليه وضيّفيه .. واتركي عنك البكا قدامه!
ابتعدَ ليخرج وهو يبتسمُ لفواز الذي ردّ له الابتسامة بهدوء، تحرّكت جنان كي تبتعد لأقصى أريكةٍ حتى لا تكُون قربه، لكنّ صوت فواز جاء معترضًا : تعالي جنـان ، ماله داعي هالهرب اعقلي شوي.
وقفَت وهي تبتلعُ ريقها بصعوبـة، وجّهت نظراتها إليه لتشعر بمرورِ تيارٍ كهربائيٍ في جسدها، شتت عينيها عنه ومن ثمّ اقتربَت خطواتها منـه، جلست على ذاتِ الأريكة التي يجلسُ عليها بعد أن خلقَت مسافةً كافيةً بينهما.
تنهّد بعجز، كيف قد يفكّر لوهلةٍ أنها قد تكون دواءهُ وهذا هو تصرّفها حين تكون معه وكأنّه معتلّ؟ وقفَ وعينيه تنظُران إليها بـ إصرار، سيكسر هذا الحـاجز، وسيبدأ من جديد ، إن كان حبّه لجيهان لن ينساه فسيتناساه أو يُعالجه بآخر، لم يؤمن يومًا بمقولة " الحب ينسيه حب ثاني " لكنّه الآن سيؤمن ويمارس ذلك، هذا الشوق الذي يحرقهُ سيحرقه هو في المقابـل، وسيعيش، لن يسمحَ لامرأةٍ لعنَت امّه أن تستحوذَ على حياتِه وإن كانت حبّ طفولةٍ وعُمر !
اتّسعت عينا جنان بذعرٍ ما إن اقتربَ منها، ولم تستطِع الاستيعاب لتنهضَ وتبتعد قبل أن يقطَع المسافة بينهما ويمسك كتفيها، شهقَت حين انحنى وقبّل جبينها برقّة، ومن ثمّ هتفَ بصوتٍ هادئ : كل عام وأنتِ بخير ، الله يعيده عليك بالطاعـة.
ارتعشَت بارتعاشِ أهدابها التي عانقَت دمعةً مالحـةً سرعـان ما سقطَت، عيناها تنظُران لهُ دون استيعاب، بنظرةٍ كأنّه اقتلـع تلك القبلة من امرأةٍ ليسَت زوجتـه، نظرت لهُ بامتهان ! وكأنّه تحرّش بها الآن.
ابتسمَ وهو يعقدُ حاحبيه : منتِ صاحيـة أبد !
جنان برعشـة : بأي حق تقرب مني كذا؟
فواز يعضّ شفتهُ كي يقتل ضحكته قبل أن تبزغ : اقتليني بعد !
جلسَ بجانبها لتنتفضَ وتحاول الابتعاد، لكنّه أمسك كفها بإصرارٍ ولفظ بحزم : جنان عن المبزرة !
جنان تحاول سحب يدها وهي تقوّس شفتيها تستعدُّ لنوبةِ بكاءٍ جديدة : فواز الله يخليك إذا ودك تعاندني بلاها .. بس اتركني!
تنهّد فواز بقنوط، تركَ يدها لتبتعدَ بسرعةٍ واقفة، اتّجهت نحوَ أريكةٍ بعيدةٍ عنه وجلسَت وهي تمسحُ دموعها بكفها المرتعشـة .. تابعها بنظراتٍ حـادة، ليهتفَ وهو يراقب كفّها المضطربة : تراني زوجك ، ماله داعي تتحجّبين عني أو تتنافضين وكأني شخص غريب!
جنان بغصّةٍ دون أن تنظر إليه : تدري إن نهايتنا الطلاق.
فواز بحدة : مين قال؟ ما أذكر إني قلت هالشيء!
جنان ترفع عينيها بتحدي : أنا قلت.
مرر لسانه على شفتيهِ محدّثًا ذاته بالصبـر ، لانَت ملامحه قليلًا، لا يلُومها، ولن يلومها على أسلوبها الهجوميّ معه . . ابتسم بأسى وهو يتخيّل لو أنها جيهان في هذهِ اللحظـة، كان هجومها عليه ليكون أشدّ حدة، مرتبطًا بشتائم وتمردْ، كانت ملامحها لتحمرّ بشدةٍ أكبـر ، وهو كـان ليغضب، ألا أنه كـان يجزم بأنّ الليلـة ستنتهي وهي قُربه، تنام بجانبهِ وتعطّر أحلامه.
هتف يطردُ صورتها : اليوم عيد.
جنان بربكةٍ حادة : العيد خلّص !
ضحكَ بخفوت : نعتذر منك عايدناك متأخّر ، إن شاء الله نقوم بالواحب بشكل صحيح في الجـاي.
جنان : مافيه جاي يا فواز .. تكفى لا عاد تحاول تقنعني لأنّ زواجنا غلط.
فواز بمداعبـة : غلط من أي ناحية؟ منت أختي ولا امي ولا عمتي ولا شخص أنا محرم له!
شعرت بالغضب من برودهِ لتلفظَ بحدّة : سامج !
فواز : هههههههههههههههههههههههه * وقف مردفًا ببسمة * أجل دامك جاهزة ومتحجبة ولابسة جاكيتك بعد بنطلع نتمشى شوي.
اتّسعت عيناها بذعر : نعم !!
فواز يكرر ببراءة : نتمشى ! قلت شيء غلط؟
جنان بغضب : أنت تستهبل والا شلون؟
فواز : والله عاد أنا عطيت ابوك واخوك علم وقالوا الضوء الأخضر لك .. ودامك جاهزة نمشي.
جنان بصوتٍ يشارف على النهيـار : منت صاحي ، منت صاحي !! أقولك ما أبيك .. أبي الطلاق يا فواز .. تكفى اترك عنّك العناد.
فواز : عناد؟ مين اللي مشبع عقلك بهالكلمة ! محنا بحرب يا جنان، هذا زواج، تظنين إن الزواجات تنتهي بس لأنّ فيه طرف ما اقتنع فيه وهو حتى ما عـاشه؟ تونا في البداية وشوله كل هالدراما؟
جنان تنظُر بقهرٍ له، بعينين تغشاهما ضبابُ الدموع : دراما؟ شلون بقنعك إنّ طريقة الزواج بروحها بتخلي الحياة بيننا مستحيلة ! بضيّق عليك يا فواز، مستحيل أقبـل بهالحيـاة ، مستحيل أقتنع فيها عشان أقبل !
وقفَ واقتربَ منها، ابتعدَت لتلتصقَ بظهرِ الأريكة بربكـةٍ في اللحظـة التي وقفَ فيها أمامها مباشرةً، نظرت لوجههِ بعينين ترتعشان اضطرابًا، بينما انحنى هو قليلًا نحوها ليهتف بنظراتٍ حازمـة : جربيني ، ماهي الحياة تجارب؟
،
تناولت إحدى محاضراتها وبدأت بمراجعتها بخشوع، مرّت ربع ساعةٍ قبل أن يُفتح باب غرفتها وتدخل هديل وهي تهتفُ بعجلة : عمتـــي . . * شهقت لتردف * حسبي الله عليك يا مهووسة يووووووم عييييييييييد .. ارحمي حالك تذاكرين يوم عيد؟
وضعت إلين محاضراتها جانبًا ومن ثمّ نظرت نحوها بلا مبالاة : وش تبين؟
لوَت هديل فمها بحنق : زين إنك ما بدلتي ولبستي بيجامتك بعَد .. عماتي تحت ويسألون عنك.
قالت ما قالته ومن ثمّ خرجت لتُغلق الباب من خلفها، بينما تجمّدت إلين للحظتينِ قبل أن تزفُر وهي تُغمض عينيها بقوّة، وجودهم يعني وجود رانيـا .. " الله يعيني "! همّست بها بضيقٍ وهي تقفُ وتتّجه نحو الباب بوجهٍ ممتعض، ليست في مزاجٍ جيد لنظراتها، لكلماتها، وآخر مرةٍ تقابلتا فيها كان في رمضان، تحاشت النظر لها قدر ما تستطيع لكنها كانت تصتدمُ بها رغمًا عنها وتجد منها الكلمات المعتـادة لتستفزها.
نزلت إليهم وهي تُجدد هواءَ رئتيها بأنفاسٍ مرتبكَة، دخلـت لمجلس النسـاء لتلقي السلام بخفوت، بدأت الطقس الروتيني، تسلّم على كلّ واحدةٍ وتهتف بـ " كل عام وأنتِ بخير " بصوتٍ طردت منه الربكة، وصلت لـ رانيا وسلّمت عليها برسمية، ابتسمّت رانيا بمكرٍ وهي تهتف بصوتٍ مسموع : وينك عروستنا؟ مو كأنك سحبتي علينا؟
ابتسمَت إلين بمجاملـة : ما كنت أدري إنكم هنا، أول ما علمتني هديل نزلت.
رانيـا بابتسامةٍ مستفزة : ما عليك معذورة زواجك بعد بكرا يحق لك ما تشوفين أحد.
ابتسمت على مضضٍ ومن ثمّ سلمت على أماني التي كانت الأخيرة ومن ثمّ جلست بجانبها ، نظرت إليها أماني ومن ثمّ أشارت لشعرها ببسمة : طالعة تتجننين على الشوكليت .. ما يناسبك الشعر الأسود لا عاد تخلينه يطول عليك.
إلين تلامس خصلات شعرها المداعبـة لعنقها، وبابتسامةٍ صادقـة لأماني : بطبعي ما أحب أخليه أسود ، بس نفسيتي كانت خايسة ومالي خلق له وللعناية فيه.
رانيا : ليه وش اللي صار لنفسيتك؟
نظرت إلين لها ببرود وهي تدرك مقصدها من رمي تلك الكلمات، تقصد أنّ نفسيتها ساءت لأنّها لم تُصبح زوجـة ياسر، إذ كانت اخته! . . رمقتها باحتقارٍ ومن ثمّ نظرت لأماني دون مبالاةٍ بها وهي تهتف باهتمام : وجهك يقول إنك تعبانة !
أماني تبتسم : يوووه ما عرف المكياج يخفي التعب!
إلين بقلق : سلامتك وش فيك؟
أماني : ما عليك انفلونزا.
إلين بمداعبـة : تعاملي مع هالشوية بسرعة ، زواجي بعد بكرا لازم تحضرينه والا بسحبك بفستاني من شعرك.
أماني : هههههههههههههههههههههه تسوينها .. لا لا ما عليك هو أنا أقدر أفوته؟
،
اقتربَت السـاعةُ من العاشـرة والنصف، كانوا في السيـارة، تسندُ غزل رأسها للخلفِ وهي تلهي نفسها بهاتفها، سلطـان لازال مزاجه سيئًا حتى الآن ولو قليلًا، بينما سالي في الخلف تتثاءبُ تارةً وأخرى بعد أن قضت يومها كلّه في منزل ام عنـاد وحتى قبل أن يذهبا هما إليه، باتا كلّما خرجا يرسلانها هناك ، لا يتركها بمفردها وهي بذاتها تخافُ من بقائها في المنزل، وبات عذره الدائم أمام امه أنه لا يريد تركها بمفردها في المنـزل ، وتلك هي الحقيقة.
نظرَت غزل نحو سلطـان بصمتٍ لتتأمّل ملامحهُ الحـادة، العقدة بين حاجبيه والتي لم تتلاشى حتى الآن .. ابتسمَت شفاهها رغمًا عنها، آخر مرةٍ رأت هذهِ العقدة في ثباتٍ متواصـلٍ قبل ثلاثةِ أشهر، حين كان لا يزال غاضبًا منها ويحتقرها، يعاملها بقسوةٍ لا تليقُ به . . عبسَت فجأةٍ وكفها ارتعشت لذكرى تلك الأيـام التي كان لا يمرّ فيها يومٌ إلا ويُبكيها، الآن إن بكَت فهو بسببِ نفسها فقط، بسببِ خداعها له، بسبب الألم الذي تزرعهُ في عينيه وجلدُه لذاتِه، بسببِ ألم ضميرها ، بينما سلطان، يحاول بكلّ ما يستطيع أن يقتل الدموعَ من عينيها.
أشاحت نظراتها عنه وملامحها تتجعّدُ بضيق، أشغلت عينيها بأضـواء الطريق البُرتقالية، بالرصيفِ الذي ملّ أنينَ العابـرين، بالطريق الذي يمتدّ أمامها بسواده المشاطرِ لسوادِ السماءِ الحالكـة، كل هذا السواد الذي يعرفُ الطريق إلى روحها المُثقلةِ بالذنوب، لازالت تغرقُ في ذنوبها، لازالت ملوّثةً بوحلِ " غزل الأمير " ولم يتغيّر فيها كل شيء، لازالت كما هي في الكثير، في الغدرِ والخداع والوضـاعة!
كم مرةً رأتْ الحُزن في عينيهِ وهو ينظُر إليها؟ كم مرةً رأت الألم في عينيهِ والذنب الذي يكاد يسحقه؟ كم مرةً رأت في تعاملهِ محاولـة غسلِ ذنبهِ والشفقةِ عليها، لم تعُد تبالي بكونها شفقة، لم تعُد تبـالي سوى بكونِها قريبةً منه حتى ألم الضمير يحتلّ المرتبةَ الثانية بعد نشوتها بقربهِ ورعايتـه التي لازالت في طورِ الأبوّة! كأنّها طفلتـه ، يحاول نثر الزهورِ في ملامحها وسحب الملوحةِ من عينيها لأنّ عينَ الأب تتألّم لألمِ ابنته.
طردَت تلك الأفكـار وهي تنظُر للطريق، بينما بقيَ ذاكَ صامتًا يغرق في أفكـارٍ جديدة، بعد أن غابَ من عينيهِ سلمان صباحًا استغرق دقائق فقط لتعاودهُ الفكرة المجنونة التي داهمته كثيرًا من بعدِ ما حدثَ لغـزل، أيكون سلمان لهُ دخل به؟ لا لا لا يمكن! سلمان من الواضحِ أنّه يهتم لأمرها ولا يريد أن يصيبها أذى ، لكن لمَ قد يصدّق وهو الذي كان يمثل حب أخيه ليقتله أخيرًا؟ هو الذي رعاهُ ليسلخَ الحيـاةَ من جلدهِ بعد سنين ، فلمَ قد يصدَق؟
هزّ رأسه بالنفي لتلك الفكرةِ المجنونة، هل يفعلها؟ هل يفعلها حقًا؟ من قد يخترقُ منزله بعد الاختراقِ الأول الذي كان يوم احترقَ وتبعهِ محاولة اغتصابِ غيداء؟ لا أحد سواه وبالتأكيد سيكون أحد رجاله فما حدثَ لم يكُن محاولـة سرقةٍ أو ما شابـه ، كان كل شيءٍ يُثبت ذلك، لا لا يعقل ، لا يعقل !! .. ماهذا الجنون؟!!
احتدّت نظراتهُ أكثر وهو يُدير مقودَ سيّارته ويبتعد عن طريقِ المنزل، عقدّت غزل حاجبيها باستنكارٍ وهي توجّه نظراتها نحوه وتهتف : وين رايحين؟ مو طريق البيت ذا!
سلطان بجمود : ما يصير ما تمرين على امك بالعيد!
اتّسعت عينـا غزل بربكـةٍ لتقبضَ كفيها دون شعورٍ وتهتف بحدةٍ واعتراض : ما أبي سلطان !
نظر لها سلطان نظرةً خاطفـة ومن ثمّ عاد ليتابع الطريق، حاول أن يُزيح الجمود وبعض الحدةَ في صوتِه ليغلّفه بالحنـان. وبنبرتهِ التي تعشق لفظْ : ما يصير يا غزل ، عيب عليك! وماهو عيب بعد حرام .. هذي امّك وهو للأسف أبوك ، لازم تصلِينهم.
غزل بجرأةٍ ودون شعور : حتى هو عمك ، وكنت تحاكيه بأسلوب قوي فلا تجبرني على اللي ما أبـي . .
سلطان بحدةٍ غاضبـة : غــــــــــــزل!!
انتفضّت بعد أن انتبهت لتماديها في الحديث، أشاحت نظراتها عنه لتنظُر لحُجرها وتحشر كفيها بين فخذيها بربكةٍ طالت صوتها الذي هتف بخفوتٍ خائف : آسفـــة، ما انتبهت لكلامي.
زفـر بغضبٍ وهو يستغفرُ في داخله، بينما عمّ الصمتُ بينهما، نظرت للنافـذةِ بتوتر وانتظـر هو لبعض الوقت حتى يُعيد اتّزان صوته الذي ثار ما إن ذكرته . . هتف بعد دقائق بنبرةٍ مشدودة : وضعنا مختلف .. لا تقارنينه مع امك وابوك.
نظرت لهُ وهي تزدردُ ريقها بألم، وبنبرةٍ باكيـة : بيأذيني على آخرة هاليوم يا سلطان!
سلطان بحدة : لو فيه مرجلة يسويها .. أنـا قربك وماراح أخليه.
شتت عينيها وصمتت لا تجدُ ما تقول أمام تلك الغصّة التي اكتنزت في حنجرتها وهي تتخيّل أن تلاقي الآن امها ووالدها بعد تلك الأشهر، بعد أن أصبحت تتجاهلهُ وجعلت سلطان يغيّر رقمها كي تسلَم من مكالماته التي ستستنكرُ بالتأكيد عدم ابتعادها عنه.
لم تردّ عليـه بينما أكمل سلطان طريقهُ بصمتٍ مُمـاثل، وصَلا بعد دقائق قصيرة، ابتلعَت ريقها بصعوبةٍ وهي تنظُر إلى منزلها القديم، المنزلُ الذي عاشَت فيه سنينَ حياتِها ولمْ تعِشْ، كانت شبهَ حيّة ، لمْ تكُن حيـاة، ومنذُ ولدت لم تتمنّى ولو لوهلةٍ أن تعُود لضريحها، لكن كيف عساها تُقنع سلطان؟
تجهّمت ملامحها في اللحظـة التي فتحَ فيها سلطان الباب وهو ينظُر لسالي ويلفظ : محنا متأخرين.
سالي بذعر : يبغى يخلي أنا بس؟!
سلطان بعقدةِ حاجبيه : يا بنت الحلال محنا متأخرين ماله داعي هالخوف.
غزل التي كانت تخشى فكرة تصادم سلطان ووالدهـا، تخشى أن تُفضح بطريقةٍ أو أخـرى .. هتفَت بعجلة : خلاص سلطان أنا بنزل بروحي.
نظر إليها باستنكار : مو توك تقولين ما تبين تكونين بروحك؟
غزل بتبريرٍ كـاذب : ما يصير تخلي سالي بروحها.
سلطان : بعد ما يصير ما أمر على امك!
غزل : امي الحين نايمة فأنا بصحيها عشان بس أسلم ومستحيل ترضى تنزل لك وهي بملابس البيت.
رفعَ حاجبيه باعتراض : وأخليك بروحك مع هالمريض النفسي؟!
غزل تفتحُ باب سيارتها : ما عليك ما بتأخر ، مو أنت تبي أمر عليهم؟
صمتَ ولم يقُل شيئًا، أغلقت الباب بعد حركاتها البطيئة التي كانت تنتظرُ منها أن يتراجع ويقول لها بأن لا تتحرك فهو قد غيّر رأيـه وسيتّجهان للمنـزل مباشرة، لكنّه لم ينطق بشيء، ووجدَت نفسها فجأةً في حديقةِ منزلـهم، وجدَت نفسها تتّجه للبـاب، وكفوفها دونَ شعورٍ بدأت ترتعشُ رعشـةً واهنـة، ترتعشُ لاحتضـانِ هذا البيتِ لها من جديد، حُضنه البـارد/اللاذع، حُضنه الذي يتخلخل العظـام ويُفكّك ثبـاته، يُفكّك صلابتـه ويجعلها هشّة، لازالت بهشاشتها حتى الآن ، هذا المنزلُ أمرضها ولن تُشفى، لازالت بمعاناتِها منـه، لم تتلاشى جراحهُ منها، ولم يتلاشَى الوشمُ الذي زرعهُ في جسدها ولن يتلاشى! أبـدًا !!!
ضربَت جرس الباب بعجزٍ وهي توجّه نظراتٍ مرتبكـة لسيّارةِ سلطان، نظراتٍ مستغيثـة، لا تريد أن تغرقَ في الموجِ القديم من جديد، لكنّها غرقَت بعد أن فتحَت لها الخادمـة ودخَلت ، شهقَت ما إن رأت غـزل التي رفعَت نظراتٍ جامدةً إليها بعد أن خلعَت نقابها وهي تلفظُ بنبرةٍ جافـة : Where is my father?
الخادمـة بتوترٍ من لقائِها بعد غيابِ أشهـر : In the living room.
غزل : And mom?
الخادمة : With him
تحرّكت غزل مبتعدةً عنها وهي تزفُر زفـرةً ساخنـة، أحرقتها، هذا القلبُ الذي يرتعشُ الآن، هذا القلبُ الذي سرَى فيه تيارُ الربكـةِ والخوف! نعمْ هيَ خائفـة، خائفةٌ من لقـاءٍ بعد ثلاثةِ أشهـر، من لقـاءٍ لن يمرّ بالتأكيد مرورَ الكرام، لن يمرَّ مرورَ الكرامِ أبدًا . . ارتعشَت شفاهُها وهي تُتمتمُ بأسـى : الله يسامحك يا سلطان .. الله يسامحك !!
اقتربَت من غرفـة المعيشةِ وكفّها تضعها على قلبها دونَ شعور، شعَرت بالشفقةِ على نفسِها من هذا الخوفِ من مكانٍ كان لابد من أن يكونَ وكـر راحتها! من مكانٍ كان الأحـرى أن يكون ملجأً لها وليسَ ملجأً للمآسـي.
وقفَت عند البَابِ وصوتُ امّها يصلُ إليها بنبرتِها الباردة كعادتِها : ودّك تزوج بنتك مرة ثانية الطريق قدامـك ، أهم شيء لا يوصلني حكي من معارفي عن هالموضوع!
عقدَت حاجبيها باستنكارٍ ودون فهمٍ لما قالتهُ امّها بينما انبعثَ صوتُ والدها الذي لطالمـا كان يُرعبها : طبعًا أهم شيء صورتك قدام الناس !
امها بسخرية : لايك يو طبعًا.
صمتَ أحمد وزوايـة فمهِ ترتفعُ بسخرية، اتّجهت عيناه بتلقائيةٍ للبـاب، حينها تجمّدت نظراتهُ وهو ينظُر للظلِّ الذي كان أسفله، احتدّت نظراتهُ وهو يشيرُ بكفّه لزوجتهِ كي تصمت ولا تضيفَ شيئًا، وبنبرةٍ صارمـة : مين واقف ورى الباب؟
تجمّدت غزل بذعرٍ من خلف الباب وعيناها نسيتا أن ترمشـا، لم تتحرّك ولم تُجِب، ونفضةُ ذعرٍ سرَت في خلايا جسدها .. كرّر أحمد بنبرةٍ أشد حدّة : مين ورى الباب؟
لتنهضَ ام غزل تلقائيًا باستنكارٍ وتتّجه للبـاب حتى تفتحهُ وتتفقّد من خلفه، شهقَت بقوّةٍ ما إن رأت غـزل، تجمّدت في مكانها كجمودِ غزل التي نظرَت للأرضِ بربكةٍ وضمّت كفيها لبعضهما، شعرَت بالخـواءِ في روحِها، بصريرٍ هاجـم مسامعها وتخلخلهُ في لحظـةٍ مـا اسمها ، تخلخلهُ " غـزل " بنبرةٍ مذهولـة ، نبرةٍ تلاقَت مع احتضـانٍ سريعٍ شعرَت معهُ أن نبضاتِ قلبها توقّفت .. لم تستوعب في تلك اللحظـة أن امها تعانقها، توقّف تنفسها وهي تغرقُ في صدرٍ غيـر صدرِ سلطان، صدرٍ رائحتـه جميلة، تراكمُ العطـر فيه لم يُخفي تلك الرائحة التي لم تشمّها طيلـة حياتِها ... وهنَت أجفانها لتُسدلها قليلًا ويديها مطوّحتين جانبًا دونَ ردّة فعـل وكأنّ ردّاتِ الفعلِ بهتت أمـام هذا الحضن الذي لا تذكر أنها قد ذاقته، لا تذكر أنّ لسـان خوائِها ذاقهُ مرّةً ! . . أبعدتها امها قليلًا وهي تُمسك كتفيها، ابتسمَت رغمًا عنها وهي تهتف بلهفة : غريبة جاية ؟!
غزل تُشتت عينيها عنها وهي تبتلعُ ريقها بضعف، وبنبرةٍ واهنـة : كان .. كان ودي .. أسلم !
عقدَت امها حاحبيها للتخبّط الواضحِ في حديثها ولم تلُمها! أفرجَت شفتيها كي ترُد، لكنّ أحمد ظهرَ فجأةً من خلفها، وقفَ خلفَ امها مباشرةً لترتبكَ أكثر وتتراجعَ خطوةً دونَ شعورٍ منـها، حينها أطبقَت امها فمها بضيقٍ وهي تُدير رأسها إلى أحمد وتهتف بجمود : أتمنى ما ينسمع صوتك!
ابتسمَ أحمد ابتسامةً باردة : عفوًا ! عندي موضوع ودي أناقشـه مع بنتي الحلوة.
تضاعفَت رعشـة كفيها وأهدابها وهي تنظُر لهُ بذعرٍ من تصريحهِ المباشر لها، بينما نطقَت ام غزل من بينِ أسنانِها بحدة : موضوع أيش؟ ممكن تكرمنا بسكوتك !!!
أحمد ببرودٍ آمر : اطلعي لغرفتك.
ام غزل تستديرُ بكامل جسدها إليه لتهتف بقوّة : اتركنا بروحنا.
أحمد بإصرارٍ بارد : ماعندك سالفة أنتِ .. أبيها بموضوع مهم.
ارتفعَ صوت ام غزل قليلًا وهي تلفظُ بقوّة : موضوع مهم؟ ودامه مهم ليه ما حكيت معها من قبل والا تذكرته تو يوم شفتها؟!!
أحمد : ممكن أفهم ليه هالأسلوب الحين؟ ما أظن كنتِ حريصة من قبل عليها بهالطريقة !! وش تبين منها؟!
ام غزل : وش أبي منها؟ هذا سؤال ينسأل لأم؟
احمد بسخريةٍ يكاد يضحك : ام؟؟ تعرفين مثل ما أعرف إن كلمة أم وأب بعيدة عنا.
تراجعَت غزل أكثر تُريد أن تهربَ من هذا النقاش الحاد الذي يكـاد ينقلبُ عليها عاجلًا كما هو محصورٌ بها، تراجعَت بخوفٍ ولم تُبـالي بمقتضَى ما يقُولانِه، لم تبالي بكلمات امها بحجمِ ما أرادت الهـرب .. ابتعدَت عنهما بخطواتٍ واسعـة، قـاربت الوصُول للبـاب وملامحها يغشَى عليها الأسـى، لكنّها توقفَت فجأةً على صوتِ والدها الحـاد الذي اخترق ظهرها مبـاشرة : غزل.
توقّفت في مكانها، كفّها شدّت على نقابها الذي كانت تُمسك به، لم تستدِر إليه في اللحظة التي اقتربَ فيها منها وهو يهتفُ بنبرةٍ جعلتها تُغمض عينيها بعذاب : وش قصّة السحبـة هذي يا بنتي العزيزة؟
مررت لسانها على شفتيها دون أن تردّ أو تنظُر نحوه، كفّها تشتدُّ أكثر على نقابها بينما أردف هو بحدّةِ صوتِه ذاتها : وش صار على رقمك؟ غيرتيه والا شلون؟!
لم تردّ عليه، حينها ابتسمَ وقد وصلَت إليهِ الإجابة .. التوى فمهُ بسخريةٍ لاذعـة وهو يهتفُ بتهكّم : ماهو كان المفروض ترجعين؟ وش اللي استجد عشان تنجنّين بهالطريقة وتظلين عنده !!
صرخَ بغضبٍ حين طال صمتُها : ردّي !!!
انتفضَت لترفعَ كفيها تلقائيًا ودون شعورٍ منها لتضمّهما إلى صدرها وتشدّ على عينيها أكثر ، وبغصّةِ الخوف الذي حُشرَ في حنجرتها : ما بغيت أرجع !!!
أحمد بغضب : وليه إن شاء الله؟
غزل باستسلامٍ للفكـرة التي طرأت على عقله قبلًا ومنذ شهور، الفكرة التي حذّرها منها وأنكرتها ! : أحبّــه !!!
اتّسعت عينـاه بشر، اندلعَت في أحداقه نارًا أنبأت بكارثـةٍ ستجيء : طحتي بالمحضور يا غزل؟!!
غزل بشفتينِ مرتعشتين استدارَت إليه دونَ شعور، نظـرت لملامحهِ بضعفٍ وهي تهمسُ بحزن : هالمحضـور كان خلاصْ من سلبيات كثيرة.
أحمد بغضبٍ يرتفع به صوتُه : نعم؟ نسيتي إنّ جلوسك معه مصيبة؟ ما تستوعبين أنتِ؟!
تشنّجت ملامحها وهي تنظُر لهُ بتحدِي لا تدري من أين جاءتها القوة لتستطِيعه، ربّما الحب هوَ ما يبعث القوّة في النظرات، في النبرات، في الكلمـات .. لفظَت بنبرةٍ ثابتةٍ رغم أن كفيها لازالتا تقبضان على النقاب بقوةٍ تُثبت اهتزاز جسدها : مصيبة؟ علمني من أي ناحية مصيبة ؟!!
اتّسعت عيناه بصدمةٍ من نظراتها القويّة، من وقاحـة كلماتها أمامه، لم يملك الوقت كي يغضب أكثـر ويصرخ في وجهها أو يصفعها، إذ جاءت كلماتها تهرول خلف الجملة السابقة بثقة : لعلمك سلطان هو زوجـي ، وأقولها لك وأنا أعني هالكلمة بكل معانِيها ، وتقدر تفهم وش أقصد بالضبط.
يُتبــع ..
|