لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-04-16, 01:00 AM   المشاركة رقم: 771
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعـة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بالف خير وصحة وعافية

انقسمتوا لفئتين ، فئة متقززة من غزل، وفئة متعاطفة معها .. طبعًا كلكم معذورين ، التقزز طبيعي لخدعة مثل هذي ، واللي متعاطف معها بعد طبيعي هالشيء لأني أي شخص في مكانها كان بيسوي اللي هيّ سوّته عشان يضمن يعيشْ جنب اللي يحبه .. حاليًا خلونا نعيش فترة جنونها لا تفكّرون باللي راح يصير بعدين - تهوّن عليكم - :(!

شكرًا لتواجدكم، شكرًا لكلماتكم الطيبة سواءً بالمتصفح أو خارجه، شكرًا للروايـة اللي جمعتنا .. إن شاء الله أكون دائمًا عند حسن ظنكم والله يكتب لي التوفيق والوصول للنهاية بسلام :$$

بسم الله نبدأ ،
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات


دنياي!
أنفاس الشتاء تهزني
و يضيق صدري
من سحابات الدخان
و يخيفني شبح الزمان..
فمدينة الأحزان تقتلني..
لا شيء فيها.. لا حياة.. و لا أمان
و أنا بها شيء من الأحزان
يمضي علي العمر وحدي في السكون
يوم مع الآلام يمضي في مدينتنا و آخر.. للجنون
* * *
القلب يا دنياي يقتله الجليد
لا شيء في عمري جديد
لو كنت أرجع مرة
و أشم عطر مدينتي قبل الزفاف
كانت طهارتها تشع النور في هذي الضفاف
يا ليتني يوما أراها في ثياب حيائها
لكنها.. قتلت جنين الحب في أحشائها
و مضت تعيش حياتها بين الذئاب
و على ضفائر شعرها نام العذاب
و بجلدها الفضي أنفاس و عطر.. و اغتصاب
و زوابع الصيف الحزين
تجيء حبلى بالتراب
و مدينتي الحيرى بقايا.. من شباب
* * *
و أمام دخان المدينة
صار قلبي.. يحترق
تتعثر الأنفاس في صدري..
و صوتي يختنق
و أعود أذكر قريتي
كم كان طيف الحب يملأ مهجتي..
و أنامل الأشواق كم عزفت لشدو طفولتي..
و جدائل الصفصاف كم نظرت إلينا في الخفاء
و حياؤها الفطري يمنعها
و تجذبها حكايات اللقاء
يا ليتني يوما أعود لقريتي..
الناس فيها كالطيور الراحلة
يمشون في صمت و ينسون السفر..
و يداعبون الليل و الأغصان.. في ضوء القمر
فيهم وفاء الطيبين المخلصين من البشر
أما أنا.. قد كان لي قلب
و ضاع على الطريق
و غدوت فيك مدينتي مثل الغريق..
و مضيت في الطرقات أحكي قصتي..
قد كان لي قلب يعيش الحب طفلا
مثله مثل البشر
قد كان لي وتر مع الأحزان ينسيني..
و حطمت الوتر
قد كان لي أمل تبعثر في الليالي.. و اندثر
قد كان لي عمر ككل الناس..
ثم مضى العمر
ماذا أقول؟؟!


* فاروق جويدة

(72)*2



تنظُر لوجهها في المرآة، وجهها الجـاف من أيّ مساحيقَ تجميلية، كانت قد لفّت حجابها الأبيضَ حول رأسها ، مصرّةٌ أن تقابلـه، وستقُول لفارسْ قبلًا، حينَ اتّصلت بهِ قبـل أشهرٍ جاءها الردّ من زوجته، ووجدَت منها مالا تريد أن يتكرّر، لذا ستقابله وجهًا لوجه وتتشجّع الآن ، فهي قد كانت ترفضُ مقابلته طيلة الأيـام التي زارهم فيها.
اتّجهت لبـابِ غُرفتها حتى تخرج وهي تفركُ كفيها بتوتّر، فتحَت البـاب لتُصدم بفارس الذي كـان ينوي طرق الباب والدخُول ، أجفل حين فتحت الباب، بينما ابتسمَت هي بتوترٍ وهي تنطق : حيّ الله الوسيم.
ابتسمَ لها بحنان : الوسيم يقولك لا تردّينه في اللي بيقوله الحين ، زوجك يبيك !
أفرجَت شفتيها قليلًا بصدمة، وتوتّر جسدها أكثـر لتفرك كفيها بقوّةٍ أكبـر دون شعورٍ منها حتى اشتكَى جلدها، كانوا طيلة الأيـام التي مضَت يقولون لها بأن تقابلـه، لم يكُن فوّاز من يطلبُ ذلك، تُدرك هذا الأمـر، لكنّه هذهِ المرّة طلب .. فهل سيكُون لطلاقٍ أم للمضيْ قدمًا في هذهِ العلاقة؟ . . تحرّكت وهي تدعُو الله في داخلها أن يكُون الأوّل، وهتفَت بصوتٍ هادئٍ ظاهريًا بالرغم من توتّر حبالـها الصوتيـة : أنا بعد كنت أبي أشوفه.
تجمّد مبهوتًا، لم يتوقّع أبدًا أن تقوم بهذهِ الخطـوة، الحجـاب الذي استنكرَ ارتداءهُ لهُ وصلَ إليه سببه الآن . . مرر لسـانه على شفتيه وقد أدرك جزءٌ منه أنّها تُريد أن تخطو نحوَ ما يُنهي هذا الإرتبـاط، يفقهُ أختهُ جيدًا، ويُدرك أنّها ستحاول حتى آخر لحظـة، لذا هتفَ بهدوء : لا تسوين شيء قبل لا تفكرين ! فكري قبل!
جنان بصوتٍ يتحشرج : فكّرت، من يوم وقّعت على عقد زواجنا وأنـا مدركة الخطأ اللي طحت فيه ، كنت غلطـانة يوم رضيت بطلب أبُوي ، كنت غلطانة!
فارس : صار اللي صار وانتهـى ، وش يدريك يمكن الخيرة في فواز!
جنان : يمكن ، بس بظل طول عمري أعيش بتأنيب الضمير لأني تزوجت رجّال متزوج ! ما كنت برضاها على حالِي.
صمتَ فارس ولم يعلّق، لم تكُن جنان تدرك وقتذاك أنّ فواز قد طلّق زوجتـه، لم تُدرك، وفارس لم يُخبرها لأنّه يدرك أنّها ستؤول السبب إليها وحدها.
تجاوزته جنان بربكـةٍ وهي تعضُّ شفتها السُفلى، نظرت نحوهُ تفرك أنامل كفّها اليُمنى المقبوضـة بباطِن إبهامها، وبربكـة : تعـال معي.
تنهّد وهو يتحرك : امشي.

في جهةٍ أخـرى ، كـان ينتظرها في الأسفـل، يهزّ ساقيـه وحيـاةٌ جديدةٌ قرّر أن يبـدأها ، هذه المرّة أرادَ بدايةً مختلفـة، لم يعُد يطمحُ للحب أكثر من طموحـه بالنجـاح، هذا الفشلُ أرهقـه، جعلهُ يدرك أنّ الحب ليسَ كلّ شيء ، الحب ليسَ كلّ شيء ! وياللخيبـة ! يالخيبةِ الإنسان حين يفقدُ ثقتهُ بالحب! خـرج خاسرًا في النهايـة، الخسـارة كانت مقدّرةً منذ البداية، وليته تداركَ ذلك وخسـر، خسـر دون لعنـةٍ لامه ! دونَ أن تتحطّم صورتها في عينيه، ليتـه خسرها وهي نقيّة، بيضـاء كلونها ، ليتـه خسرَ خسـارةً مختلفةً عن خسارته الممرّغة في الخيبةِ الآن، مـؤلمٌ أن تفقدَ ثقتك بالحب ! مؤلـم!
أليـس من المفترض أن يكون ألمـه بخسارتها أقلّ وطأةً لأنّ هنـاك " سبب "، لأنّ هنـاك دافـعٌ للانفصـال! هناك دافع! كـان ليجعله يطلّقها في كل الأحـول بعد انكسـارها الكافِي في عينيه، بعد أن تجـاوزت نطـاق السمـاح، بعد أن تحطّم بياضـها ، كـانت لـه كالمـلاك، كيف لا يحزن بخسرانها وهي حُب؟ هيَ عُمر، هيَ حيـاة! كيفَ لا ، وهي ارتسمَ اسمها في قلبـه منذ المراهقـة وأيام الصبـا، كيفَ لا ، وملامحـها تزرعُ في أرضِ قلبـه خُضرة، زهرًا، ثمرًا، حتى زُرعَ فيه " تبّاعُ جيهـان "! يا لخسـرانه ! بعد أن تعرّى أمامها من كلّ شيءٍ مـاتت نبتتهُ التي اختارتها قبلـة، اختـارتها شمسًا، مـاتت! وأنتِ من قتلـها يا جيهان، لـذا من حقّ نفسي عليّ الآن أنْ تتجـاوزك، مللت! مللتُ أن أكون كريمًا وأنتِ البخيلةُ بيننا، مللتُ هذا الحب الخـاسر، مللتُ وإن بقيَ طوالَ العُمرِ دهري ! وإن بقيَ طوال حياتِي آخـرتي ، وإن بقيَ طوال جحيـمي من بعدكِ جنّتي ! .. مللت ، بحجمِ شغفي بكِ مللت.
الآن من حقّه أن يعيشَ كرّةً أخـرى ، لم يعُد يثقُ بالحب، ربّما العلاقات تُفسَد بالحب ! ربّمـا !! لـذا فقلبهُ يختار الآن أن يُغلق حجراتهِ عن دمٍ قد يحملُ اسمًا آخـرًا .. لم يكُن فوّاز يؤمن بأنّ الحب يمحي الحب، لذا يُدرك أنّه لن يقعَ من جديد، لن يحبّ من بعدها كمـا لن يعُود للـوراء، لن يعُود لقبلتـه ، لأنّها اندثـرت عبْر الكلمـات وحان وقتُ قيامـةِ النجـاح بدربٍ جديد.
ارتفعَت عينـاه عن الأرضِ بهدوءٍ حين سمعَ صوتَ خطواتٍ اقتربَت، نظـر لملامحِ الداخلـة بجمود، كـان يقرأ فيها التوتّر بوضُوح، لم تنظُر نحوه وكانت نظراتها تتّجه لكلّ ما حوله سواه، تنظُر للزوايـا، للجدرانِ الكريميـة، للأرائك الزرقـاء، لم تنظُر لوجهه وحين جلست اختـارت مكانًا بعيدًا عنه.
ابتسمَ بهدوءٍ ليهتف : وعليكم السلام والرحمة.
اشتعلَ جسدها وشعرت بالدماء تغلي في أوردتها بفعلِ نـار احراجِها، أخفضَت رأسها لتفركَ كفيها بربكةٍ بينما ابتسمَ فارس وهو يجلسُ بجانبها هاتفًا : عن السماجة الحين !
فواز بنبرةٍ لازالت تحتفظُ بهدوئِها، بملامحَ يغلّفها الجمودُ بعيدًا عن مشاعـرهِ التي باتتْ بهشاشـةِ قلعةٍ رمليـة، مهما كبر حجمها ستسقطُ عند أيّ لمسـة ! : شلونك جنـان؟ ورمضـانك مبارك مؤخـرًا.
مررت لسانها على شفتيها بتوترٍ وعيناها لا تستطِيعان النظر نحوه، تشعر بالإحـراج يحرقها، تشعُر بالخجَل من نفسها، لأنّها مُجرمـة ! سارقـة، استلّتهُ من غمدِه، أخذتهُ قسرًا، ويجبُ أن يعُود إلى مكـانه الطبيعي، لا تعترفُ بالمشـاركة! كيف يكُون لسيفٍ مـا غمدين؟
همسَت بتوتّر : علينا وعليك .. الحمدلله.
نظـر فواز نحوَ فارس بصمتٍ ومن ثمّ أعـاد نظراته إلى جنان، وبنبرةٍ ثابتـة : أعتقد فيه كم موضوع يخصنا لازم نتناقش فيه.
هذهِ المرة رفعَت جنان عينيها إليه بضيـاع، اهتزّت أحداقها وهي تتّجه نحوَ فارس الذي كـانت ملامحهُ جامدة، كـانت تبحثُ عن القوّةِ منـه، تبحثُ عن أبجديّاتٍ تستمدّها حتى تعبّر عمّا تُريد.
وقفَ فارس بهدوءٍ وهو يتحاشى النظـر لعينيها، لينطق : بترككم بروحكم ... * تحرّك حتى وصلَ لجنان ليضعَ كفّه على كتفها ويردف بخفوت * قولي كلّ اللي بقلبك ، واعرفيه قبل تتسرّعين.
ابتعدَ بعد كلماتِه، خـرج وتركهـا تقعدُ وحدها معه، ارتعشَت كفوفها وهي ترفعُ رأسها إليهِ بربكـة، ملامحـه كانت بائسـة، لم يكُن يعلم، لكنّها استطـاعت قراءة ذلك بسهولة ، هنـاك انطفـاءٌ في عينيه ، توهّجٌ مـا اختفـى ، هنـاك نصفٌ من - فواز - لا تراه ! ليسَ ذات الرجُل الذي كـانَ يوم اصتدمَت بها زوجـته " جيهان "، حولـهُ هالـةٌ مُعتمـة، عيناهُ مُظلمتـان .. هناك شيءٌ ما انطفأ! هنـاك شيءٌ ما خاطئ !!
مررت لسانها بربكةٍ على شفتيها، وأسبلت أهدابها دونَ أراداةٍ منها بل كان بفعلِ التوتر، وبهمسٍ كـاد ألّا يصلـه : فيه .. وأنت أدرى وش اللي فيـه.
فواز بنبرةٍ ثابتـة : ليه ودّك بالطلاق واحنا تو ما بدينا؟
أخفضَت رأسها بأسـى، تقوّست شفاهُها بصورةٍ غيرِ واضحـة، كـانت تقويستها - مُنكسـرة -، خافتـة كثباتِها .. لفظَت : قبل لا أكون معروضـة عليك أنت متزوّج ، مو أنا اللي تقبل بزواج بهالطريقة ومو أنا اللي تصير دخيلة على مـرة !
عقدَ حاجبيْه، ينكرُ نبضـاتَ قلبٍ واهنـة، ينكرُ حزنًا حين ذُكِرَت، ينكر أسى ، فقدانًا ، وخسرانًا .. كيفَ يُمكن لحبٍّ أن ينتهي قبل أن يتوّج؟ كيف وهو الذي كـان يركض سنينًا يُريدها ! كيفَ وهي حبّ العُمر ، كيف لا يوهن قلبـه !! مهما صمت، مهما تناسى، مهما كابـر .. قلبه الآن يصرخ محتاجًا لعينيها.
رفّت أجفانهُ لجزءٍ من الثانيـة، انكسـرت أهدابهُ لوهلةٍ قبل أن تجبرَ بزيفِ ثباتِه، بزيف اللامبـالاة، لوى فمهُ وعينـاها قرأتا المزيد من الظـلالِ على ملامحه، الهالـة حولهُ تُعتم، والنبرة التي تأتيها مُعتمَة ، شقّت عنـان الصمتِ وأودَت بشهقةٍ من بينِ شفتيها للبزوغِ بعنف : طريقة الزواج وما أشوف فيها شيء ، والمرة اللي تقصدينها طلّقتها ... وش السبب اللي عندك غيرهم؟


،


يدسّ كفيهِ في جيوبِ بنطالهِ الجينز وهو ينظُر عبر النافـذة للسمـاء السوداء، يستمعُ لأحاديثَ تصدرُ من سعود الذي كـان صوته يتحمّل بنبرةٍ هادئـةٍ وهو يحادثُ في الهاتفِ عن بعضِ أعمـاله، استدارَ إليهِ في اللحظـة التي هتفَ بها بـ " مع السلامة "، ومن ثمّ أردف : لا حول ولا قوّة إلا بالله.
ابتسمَ بعبثٍ لا ينفكُّ عنه : ما يقويك ربّي على المعصية.
سعود ينظُر لهُ بحدّة : تميم !
تميم بضحكة : يا روحه ، يا قلبه ..
سعود : الله يلعـن روحك وقلبك.
تجهّم : استغفر الله صاير تلعن كثير ، أقل شيء طهّر لسانك احنا برمضان.
نظر لهُ سعود من زواية عينِه : وش فيه النبي المرسول صاير يقدّم نصايح كثيرة؟
تميم بتلاعب : بـ أهدي إلى الرُشد ..
سعود يزفُر بصبر : الله يصبّرني.
تحرّك تميم نحوهُ وهو يخرج كفيه من جيبيه : ما أدري شلون تصوم وبنفس الوقت تسوي شيء حرام !
سعود : انتظر دورك.
تميم بابتسامة : معليش أعمالي مجمّدة بهالوقت ، هذا شهر عبادة وصوم.
سعود : عن الاستهبال الحين ، تعال عندي بس.
اقتربَ منهُ تميم ليجلسَ على حافة المكتب وهو يهتف : وش فيه؟
سعود : ما ودّك بهدية للعيد؟
ارتفعَ حاجبهُ الأيمن باستنكـار : عيد ما سمعت !
سعود بغضبٍ يأخذ منفضة السجـائر التي على الطاولة يريد ضربه بها : بكسر راسك لو ما تترك استعباطك وتكذيبك لي !
ضحك تميم وهو يبتعد : مو لله وش وراك؟
سعود : انقلع انقلع جعل لساني القص لو عطيتك وجه مرة ثانية.
تميم : هههههههههههههههههه امزح ياخي تعال قولي بس وش الهدية؟
وضعَ سعود منفضة السجائر بلا مبالاة : اختـارها أنت، اللي تبيه بعطيك.
تميم : بدون تعكير؟ بدون ما تخربها علي؟!!
نظر نحوها بجمود : تبي تسافر؟
تميم : أيه أبي أبعد عن هالمكان طفشت منك .. بس ما أبيك تزهّني مثل قبل وتشغلني فيك !!
سعود : وين تبي تروح؟
تميم يبتسم : مجنون أنا أعلمك وتلحقني؟
سعود يرفع إحدى حاجبيه : تدري إني بقدر أعرف !
تميم : أدري بس لا تصير لئيم لهالدرجة عاد !
سعود : تفضل لك اللي تبيه .. احجز وسافر مكان ما تبي ووعد مني ما أخربها عليك هالمرة ... هاه رضيت؟


،


يسندُ وركيهِ على طرفِ المكتبِ وكفّه اليُمنى تستريحُ على سطحِه، كان يواجـه النافذةَ بعينيه، كفّه الأخرى تعانقُ الهاتفه الملتصقِ بأذنـه ، يلفظُ بصوتٍ جـامد : من يوم وصلتك النسخة ما عادوا مهمين لنـا، ما عاد نحتاجهم دام سلطان ماله يد بالموضوع .. أذبحهم؟
صمتَ الآخر لبعضِ الوقت، وذاكَ يُراقبُ ما يصيـرُ خارجًا، يراقبُ سنـد الذي وقفَ بين سعد وإبراهيم، تنفرجُ شفاهُه بغضبٍ لم يوصل إليه كلمـاته، كـان يقفُ في المنتصفِ مانعًا شجارًا جديدًا بعد الذي كـان البارحـة، والذي لازال حاضرًا في ملامحِ إبراهيم المغطّاةِ بالكدمـات، بالألـوان التي شوّهت مـلامحه.
أمـال الآخر شفتهُ بعد رحلـة صمتِه القصيـرة، وبهدوءٍ قاسٍ : دبّر لهم أي مصيبـة يتورطون فيها . .
سالِم بهدوءٍ وهو ينظُر لإبراهيم وسـعد بعينِ الشـر : حـاضر ..
الآخر : ومتعب؟ وش صار معاه؟!!
سـالم يبتسمُ وهو يعتدلُ في وقفته : قرب يختفي من الحياة وهالمـرة بشكل صح ، بس بالأول ودنـا نعرف مين اللي حمـاه طول هالسنين.
بحدة : عجّلـوا ، ما صـارت أكثر من سنتين وهو هارب واحنا بظنّنا ميّت بهذاك الحريق ! طلّعوا اللي كان يحميه بأي طريقة ، اللي زوّر التحاليل وأقنعنا إنّه ميت !
سالم يهزّ رأسـه بالطاعة : كل شيء بيمشي حسب اللي تبيه يا أحمـد ، تطمّن.
أحمد يصرخ بغضب : أتطمن شلون؟ وأنت قاعد تخبّص وبتجيب فينا العيد!! ماهو كـافي راح عليك المقرّ واكتشفوه؟
عقدَ سالم حاجبيه بضيق : وأنا وش دخّلني بهالسالفة؟ ماهو غلطي إنّ محمد طاح بيدهم وفضحنا ! ولو ما تكلّم جاسوسنا كانوا العناصر بيروحون فيها بعد وأنا معهم.
أحمد بحدة : أنت بتموووووووت ، بتموووت وقتها فانتبـه.
ابتسمَ ببرود : أنا ضامن نفسي أكثـر منك ، البلا بعقلك أنت ... انتبه !


،


صوّبت صخورٌ علـى ملامحـها التي جرحـها البهُوت، شعـرت بأنّ كلماتها تصبُّ في أذنيها نحاسًا ذائبـًا ، لا تفسير ، لا قولْ، لا سبب ، إلا هيَ !! هذا الحُب الذي يُنطَق الآن في عينيه كيفَ يرحل؟ كيف؟ كيف تكذبُ نبرته اللامباليـة بينما عينيه تصرخـان بحبّها؟ تصرخـان ألمًا على فقدِه !!
ارتعشَت أجفانها وشعـرت بملوحةٍ استوطنَت حنجرتها ومقلتيها، لا يُعقل أن تكون خرابًا بهذا الشكل ! لا يُعقل ! لا يُعقل أن تفسدَ بين قلبين ! أن تفسـد حبًا رأتـه حين كـانت تعبر الرصيف، رأتـه يصرخ من عينيه بشدّة ، كيف تقتلُ الاقتراب بينهما؟ كيف تكُون خرابًا؟!!
ابتلعَت ريقها بمرارة، شتت عينيها عنه وهي تشعر أنّ الغصة في حنجرتها تكـاد تخنقها، بينما كان فوّاز يراقبها بصمتٍ ينتظـر منها الحديث ، وفي لحظـةٍ خاطفـةٍ وقف متفاجئًا من انفجـارها ببكاءٍ خنقَت صوتهُ بكفّها التي غطّت فمها، شدّت على ذراعِ الاريكةِ بكفّها اليُمنى بينما الأخرى ضغطَت بها على فمها وهي تنحني للأمـام مُخفضةً رأسها بألـم، بأسى، بشعورٍ خانقٍ اكتنـز في عينيها فظهر في هيئـة دموع.
اقتربَ منها ولم يسمح لتفاجئه أن يجعله يطيلُ النظر إليها متجمّدًا، وقفَ أمامها مباشرةً ووضع كفيه على كتفيها ، أفرج شفتيه ليتكلّم لكنّها انتفضَت لتُبعد كفيهِ وهي تُرجِع الجزء العلوي من جسدها للخلفِ وتلفظ بغصّةٍ ورعشـة : لا تلمسني !
تنهّد بجمودٍ وهو يتراجع : اللي يريحك، بس وش اللي يبكيك الحين؟
نظرَت لهُ جنان بضعفٍ وهي تشدُّ بكفيها على ذراعي الأريكة، ارتعشَت شفاهُها ووجهها احمرّ لبكـائِها ، احمرارها الآن أحضـرها ، أحضـر جيهان في ملامحها ، زارته! بحُمرة ملامحها حين تبكِي، برعشـة شفاهها .. ارتجفَت أحداقهُ ليشتّتها عنها وهو يتنفّس باضطراب، لانَت ملامحـه بشوق، بشوقٍ عنيف! بشوقٍ حارقٍ غيرِ مقبولٍ الآن ، لن يشتاق! لن يشتـاق لمَن لعنت امّه ! لن يشتـاق لمن تمـادت، لن يشتـاق !!!
أعـاد نظراته لجنـان ، لجيهان !!! لازالت ملامحها هنـا ، لازال بُكاؤها هنا، لازالت حمرة ملامحها تسطَع ! هذا كثيرٌ عليه ، كثيرٌ عليـه !! ... لوَى فمهُ بقهرٍ وهو يقاومُ عضلة لسانهِ التي أرادَت شتمَ حاله، نظـر بحدةٍ لعينيْ جنان ليهتفَ بصوتٍ باردٍ يجمّد بها أشواقه : وش اللي يبكيك؟ ما أظن قلت لك شيء يزعّل !
جنـان بضعف : ليه طلّقتها ؟!
شدّ على أسنانه وهو يُشيح نظراتِه عنه، ليسَت عواطفه هي فقط من تذكُرها ، حتى لسانُها ، لمَ تريد الحديث عنها؟ لمَ تريد استثارة الأشواق في صدرِه؟ .. ردّ بحدةٍ حانقـة : ما أظن الموضوع يشغلك !
جنان بأسى : تبينا نعيش مع بعض؟ وأنت ترد علي بهالطريقة عشانها؟ لأنّك تحبها !! وأنا دخلت بينكم وخرّبت علاقتكم !!!
قطّب جبينه بضيقٍ وتنهّد، وبصوتٍ فاتـرٍ نطقْ : الطلاق صار لأنه كان لازم يصير ، سواءً كنتِ موجودة بحياتنا أو لا كان راح يصير.
جنان بتحشرج : أنا سببت مشاكل بينكم ! أكيد أنا .. أكييييد أنا.
فواز بحزم : جنان ، هالكلام غلط وما يصير ، حياتي بعيد عن نطاقك مالك دخل فيها ولا راح تأثرين عليها كوني واثقة من هالشيء.
عضّت شفتها المرتعشـة وهي تُرخي من شدّ يدها وتهتفُ بصوتٍ تضيقُ فيهِ الحيـاة : طلّقنـي !
تجمّدت ملامحُ فوّاز أكثـر ، نظر لها ببرودٍ وهو يلفظ بصوتٍ لا نبـرة فيه : أعطيني سبب مقنع يخليني أطلقك ! ما عندك طبعًا غير طريقة زواجنا وزوجتك .. معليش ما أقنعتني !
جنان بقهر : أنا مقتنعة فيها.
فواز : ما يشملني.
جنان ببكاء : صدقني فواز ماراح نعيش مع بعض زي الناس ، أنت لها مو لـي ، طول عمري بفكّر بهالشيء مستحيل أقبل في رجّال أخذتَه من مرة متزوجـة.
فواز بحدة : ليه ما كان هذا كلامك يوم الزواج؟ الحين فكّرتي بهالشيء!!
جنان بألم : أفهم إنّك تمنيت رفضي يومتها؟
فواز : لا تفسرين كلامي على كيفك !! جنـان تعوّذي من إبليس وفكّري الزين ، العلاقات ما تنتهي بهالطريقة !
جنان بعنفٍ وجسدها ينتفضُ مع كلماتها : شلون تنتهي؟ احكي لي الطريقة اللي انتهت علاقتك فيها عشان أتعلم وأمارسها !
فواز من بينِ أسنانه يحاول أن يُسكن أعصابه كي لا تثُور وهي خاملةٌ - ظاهريًا - كالبركان تنتظر عوامـل تجعلها تثُور : لا حول ولا قوّة الا بالله !!
جنان بانفجـار وبحساسيّةٍ مُفرطة تقرأ في نفسها " دخيـلةً " على علاقةٍ انتهت بسببها : لا تتحوقل! ماني مصيبة طاحت عليك .. ماني مصيبة !!
فواز بذهول : أنتِ بعقلك تفكّرين كِذا؟!
جنان وحنجرتها تُفرطُ في أنينِ البُكاء الذي اختلطَ مع كلماتها المتشرجة : طلقتها بسببي ، بسببي أنا !! لا والله أنـا مصيبة ، مصيبة طاحت عليك وعليها ... مصيبة خرّبت بيت ... لا يا ربـــــــــــي لاااااااا !!!
تراجعَ وهو يضعُ كفّه على جبينه لا يستوعبُ ماهو فيـه، لا يستوعب الصعوبة التي تأتيه من كلّ جـانب، لا يستوعب الفشل الذي يريده ويقترب منه رغمًا عنه !!! ... أغمضَ عينيه بحنقٍ وهو يتنهّد تنهيدةً عميقةً يُهدّئ بها خلجـات صدرِه المتعرقـل، فتحَ عينيه في اللحظـة التي همسَت فيها بأسى : الله يسامـح أبوي ، الله يسامحه !!!
نظـر لها بفتُورٍ ومن ثمّ هزّ رأسهُ بأسـى وهو يلفظ : فمـان الكريم ، برجع لك في وقت ثاني تكونين مفكّرة فيه زيـن ، وأقولك من الحين يا جنـان ، زواجي فيك ما أشوف فيه عيب، وطلاقي لجيهان مالك دخل فيه ، وأنا مقتنع فيك وأبي هالزواج ينجح، وياليت أشوفك أعقل من الحين في المرات الجايـة.


،


تسند كتفها على النافـذة، تُراقبُ شوارعَ بروكسيل بعينٍ مستوجعـة، بعينٍ انتفخَت أجفانها واحمرّ بياضـها، لتوّها انتهَت من رحلـة دموعٍ أخـرى وعادت لمينـاء التحسّر والتمنّي .. لمَ تنظُر عبـر النافذة؟ لمَ تُراقب الطريقَ أسفلهـا؟ يا الله ! هل تنتظرُه أمْ مـاذا؟ هل تنتظرهُ مثل البارحـة؟ مثل قبل البارحـة! مثـل معظم الأيـام ولا تجدُه، وكأنّه يهربْ، كأنّه يهرب من هذا المبنـى ولا يعُود إلّا ليلًا ربّمـا .. كيفَ تُنكر أنّها اشتاقَت ملامحه؟ يا الله كيفَ ابتعد! كيف ابتعـد وهي قبلتُه؟ كيف ابتعـد وعينيها نهايـة كل الدروبِ لديه .. ما الذي يفعلهُ الآن؟ هل هوَ عندها؟ هل زارها في هذهِ الأشهـر ... شدّت على كفّها وهي تُقاوم رعشـة أهدابها التي باتت غير إراديّةٍ في هذهِ اللحظـة ... بالتأكيد رآها، بالتأكيد حادثها، بالتأكيد جلس معها، أمسك يدها، وربّما قبّلها !! إلهـي لا تجعلهُ يفعلها بِي وأنـا حتى الآن لم أُشفَى منه ، لا تجعله يفعلها بي ، لا تجعل دروبنا تلتقِي يومًا وهو معها ، سأمُوت ، سأمُوت بقهري !!
سقطْت دمعةٌ يتيمةٌ من عينها اليُسرى مسحتها بكفّها وهي تقوّس شفتيها بألـم، أخفضَت نظراتها تبحثُ عن ظلٍّ لـه ، تركها ليُبقيها خلفهُ تبكِي ظلالَه، تبكِي آخر ملامح رأتها لـه، تبكِي آخر كلمـاته، تبكِي آخر بسمة، آخر لمسة، آخر قبلـة، آخر ليلةٍ نامت فيها قُربه على سريره قبل أن يُعيدها لمنزل والدها قسرًا حتى تتصالـح معه، تبكِي الليـالي التي تغزّل فيها بِها ، تبكِي " الدهر " الذي دعـا بأن يصيرَ زمـنًا للحظاتٍ ساحـرةٍ بينهما ، تبكِي جنُونها، جنونَها الذي جعلها تعترف بأنّ أحدهُ " هو "، ليغرق ، ليغرقَ في نظراتِ وَلـَهْ ، ويطلبَ من اللهَ سُقيـا ، بأن تتوقّف تلك اللحظـة دهرًا.
" سقى الله هاللحظـة بوقفـة دهـر "، لم تتوقّف! لم تتوقّف يا فـواز، بل عبَرتْ، عبـرت ونسيتَها بتلك، نسيتها بـ " الجمـال "، تركتني! ولم نتوقّف عند لحظـاتنا الحلوة، بترتها بخيانتِك، بعنـاقك لامرأةٍ سواي ... آه! آه يا هـواك ! كم يتألّم، كم يئنُّ كأنينِ حيتانٍ في مُحيطِ عينيك ، هل تسمعُ أنيني؟ هل تسمعُ بكـاء صدري؟ أرجُوك لا تلتقي بِي ، لا تلتقِي بي وأنتَ معها ، أنا زهـرتك، أنا أغنيتكَ القديمـة لي في الصغـر، أغنيتك التي رأيتَ أنّها بلهـاءُ بعد أن كبـرنا، نقشتها بركـاكـة البلاغة في لسـانك كما تظُن.
" وجهك ضَو، وجهك نور، وجهك سعادة ما تنتهي " ... أينَ ذهبت هذهِ الكلمـات؟ أين ذهبَ الضوءُ في ملامحي؟ أين ذهبَت سعادتكَ عنها؟ كيفَ تركتني؟!
تُحـاول أن تنسـى التفاصـيل القاتلـة، أن تنسى وقاحتها، أن تنسى أنّها السبب، أن تنسـى الكلمـات الفجّة التي قالتـها في حقّ امه، حتى في حقّه وحق جنان ، قذفها لها .. لا تصدّق أنها وصَلت لتلك المرحلـة ، لا تصدّق أنها جنّت بتلك الطريقة !!!
ارتعشَت شفاهُها، أجفانها، وهذهِ المرّة لم تُحاول أن تُوقف رعشـتها، ابتعدَت عن النافـذة بعد أن يئست من فكرة لُقيـاه، تحرّكت أقدامها نحوَ البـاب، فتحتهُ لتخرج، حينها وجدَت والدها يجلسُ وفي حضنهِ ليـان، بجانبهِ أرجوان التي كانت تصبّ له الشـاي، وهيَ! لازالت كالدخيلة، لازال يعاقبها بأقسـى ما يستطِيع، لازال يجافِيها !!
لم تستطِع أن تتراجع، عقلـها كان يقُول لها اذهبي ولا توجعِي نفسكِ أكثر، لكنّها لم تستطِع، اقتربَت منهم بحنين، رفـع يوسف رأسه بتلقائيّةٍ حيـن سمعَ خطواتها، نظـر نحوها نظرةً خاطفـةً ومن ثمّ أشـاح نظراته عنها، التقطَت فيها البُرود ، وازدادَ عُمقُ جراحـها .. لكنّها أكملت سيرها .. حتى جلسَت في المكـان الفارغِ بجانبه، جلست على يساره، بينما كانت أرجوان على يمينه وليان في أحضانه.
لم يتحرّك ولم يُظهر اهتمامًا بجلوسها، في حين امتدّت يده لتأخذ كأس الشاي من أرجوان، ارتشفَ منه وأرجوان تراقبهما بصمت، تنتظُر المبـادرة التي ستأتي من جيهان لا محـالة، ولم يطُل انتظـارها، إذ أنّ صوتَ جيهان انبعثَ في لحظـةِ بعثٍ بعدَ مماتْ، انبعثَ باهتزاز، خُلِقَ من الشوق، من الاحتيـاج .. لفظَت بصوتٍ خافتٍ مُستجدي : بو جيهان يا عيونها !
تجمّدت يدهُ التي كانت تُداعب خُصلات ليان والأخـرى تُمسك بكأسِ الشـاي، ابتسمَت أرجُوان وهي تنظُر لملامح والدها التي بالرغم من جمودها إلا أنّ تأثير جملتها كان واضحًا على عينيه.
مدّت جيهان كفيها لتدلّك كتفهُ بمحبّةٍ وهي تُردف : شلون يقوى الأب يجافي بنته؟ عاد البنت نقول ممكن تقل أدبها، تنجرف بلحظـة للخطأ .. بس شلون يقسى قلب فطرته اللين؟
انحنَت تقبّل كتفـه، أطالَت وهي تُحيط ذراعهُ وتهمسُ بغصّةٍ وتحشرج : آسفة ، بنتك قليلة حيا .. ما تستحي ، طلّعتك بصورة مشوّهة قدام ولد أخوك ، بنتك لما تعصب يصير لسانها وصخ .. آسفة ، آسفة لتربيتك اللي خذلتها ، آسفة لأنّ لساني وقح ! آسفة لعيونك اللي جافتني، آسفة لأنّي خليتك تصد وأنت أبوي !
لم يردّ عليها وهو يعُود لجمودِ عينيه، مدّ يدهُ نحو الطاولـة حتى يضعَ الكأس لتترك جيهان ذراعهُ بتلقائيـة، وضع الكأس ومن ثمّ أنـزل ليـان عن حُجره، وقفَ ليلفظَ بجمود : جيبي الشاي لغرفتي يا أرجوان.


،


أمـــاه !
قبّليني ، عانقِي في عينِي يأسِي
قبّليني ، إنّي أشتـاقُ القُبـلْ.

جبينهُ مُقذعُ الجفـاف، اشتاق شفتيها ، اشتاق كفيْها ، جـاء العيدُ يا أمّي ، جـاء عيدُ المسلمينَ وما سلمتُ من بطشِ الغيـاب، جـاء العيدُ يا أمّي وتكرّرت مأساةُ كلّ عـام ، جـاءَ ليسقطَ جسدي على هذا الفـراش ، جـاء العيدُ يا أمّي .. أينَ أنتِ؟ قولِي بربّك ، قوليها لي ، " كل عـام وأنت بكرِي وعيني، كل عام وأنتَ بخير " ، اشتقتك ! العيدُ سُلِبَ منه الفـرح، لم أعدْ أحبّه، ولا يحبّني ! في كلّ عـامٍ يجرحني . . أينَ أنتِ يا أمّي؟ أينَ أنتِ منّي ، عالجـي هذا الشوقَ فيّ ، عالجيـه بقبلة، بعينيْك .. أينَ أنتِ؟!
سخُنَت الوسـادة، مفرشـه، اشتعـل السريرُ من حرارةِ جسـده، في كلّ عيدٍ يشتعلُ جسده من شدّةِ الشوق، من وطء الغيـاب، يمرضُ تلقائيًا وكأنّ العيـد داءٌ دواءهُ همْ، وإن لم يتواجدُوا غرقَ في مرضِه، العيـدُ داءٌ دواءهُ الأحبّة ، كيف أقضي العيد دونَهم؟ . . فتحَ عينيها المشوّشتين لتصتدمَ أحداقهُ بالنافـذةِ المُغطّاةِ بقطراتِ ماءٍ تكثّف، عـادَ ليُطفئ عينيه، وعبرَ في أذنـه أصـواتُ الضحكـات خارجًا، أصواتُ الضجيج في هذا الصبـاح - الجاف -، أصواتُ الحيـاة، وهنا صمتُ الموتْ! عينيه اشتكيتـا من شروقٍ لثوانٍ قصيرة، كانتا محمرّتينِ ساخنتين، وكأنّهما قُلّبـا على صفيحٍ ساخِن . . وهُنـاك ، على مكتبِه الصغيرِ قُرب النافـذة، ورقةٌ ثُبّتتْ بقلَم، شـاخَت من فوقِها الأحـرف، كتبـها البارحـة، قبل أن يفطُر فطوره الأخيـر في رمضـان، قبل أن يفطر فطوره الأخيـر الوحيد هذا العـام، إلهي ليكُن الأخيـر ! ليكُن الأخيـر . .
أحرفٌ تبنّاهـا عن جويدَة الألـم، الفُراق، أحرفٌ اقتبسها وكانت يومَ كتبها " فاروقْ " مقتبسةً من أسـاهُ قبل أن يحلْ.
دنياي!
أنفاس الشتاء تهزني
و يضيق صدري
من سحابات الدخان
و يخيفني شبح الزمان..
فمدينة الأحزان تقتلني..
لا شيء فيها.. لا حياة.. و لا أمان
و أنا بها شيء من الأحزان
يمضي علي العمر وحدي في السكون
يوم مع الآلام يمضي في مدينتنا و آخر.. للجنون

وكأنّ فـاروق يقرأ مستقبلي! وكأنّه قرأ أثنـاء كتابتهِ " مِتعِب مُتعَب "! سيحلُّ في مستقبلـه شتـاء، ينتفضُ فيه بردًا ولا يجدُ اللحـاف، العائلـة ، وبعد مرُور الشتـاء وغيُومه، تُخيفه أشبـاح الزمـان، وتقتلهُ " باريس "، مدينة الأحـزانِ لديْه، لا شيء فيها ، لا حيـاةَ ، ولا أمـان . . وكان فيها ، " كلٌّ " من الأحـزانِ ليسَ " شيئًا "

و أعود أذكر قريتي
كم كان طيف الحب يملأ مهجتي..

يا ليتني يوما أعود لقريتي..

كم كـانت الأيـام في " مدينتي " مباركـة ! كانت مدينتي، مزدحمـة! يملأوها الضجـيج، وكـان منزلي قبسًا من - قريـة -، فيها الأمّ البسيطـة، والأخَ المـاضي، وهدوءُ - ما قبـل العزاء -.
مـاتَ ، ولم يحضُر عزاءَه ، جثّةً أو روحًا ، كـان بعيدًا . . . أمـاه! لم تبكِني ، بل بكيتي جثّةً زائفـة ، خلخلتِي الدموعَ في غيـري ، لمْ تبكِني ، لم أمُت ، أنـا هنا ، ذاكَ انتحلنـي ما رحمَ اللهُ من فعلـها ، ذاك انتحلنـي . . أمّاه! ، لم يكُن أنـا ، فأنـا هُنا ، ميّتٌ لديكـم . . لم يكُن أنـا ، كيف أقمتُم العـزاء عليّ وأنـا هنا؟ أعيشْ، وأتنفّس، هواءَ بـاريس - الزمهرير -.
ما رحـم الله من فعلـها ، ما رحـم اللهُ من فعلـها . . شاهِين ! مـا رحم الله ذنبَك ، ما رحمـك الله من دمِي ، ووحدتِي ، من جثّتِي - الزائفـة - . .
ويعُود العيد ، ليجدَ نفسهُ دون شعورٍ يدعُو عليـه ، كلّ الشهورِ لا تقوَى الدعـاء عليه، لكنّ العيـد قاسٍ ، يجعلهُ يبكِي نفسهُ حتى يدعُو عليهِ دونَ شعورٍ منـه ، بسبب ألمِه ، بسببِ حرارةِ جسده ، بسببِ مرضـه . .
فتـحَ عينيهِ من جديدٍ وهو يبتلعُ ريقهُ بصعوبـة، ينظُر للنافـذةِ من جديد، ويجدُ صورتَها قُرب صورةِ امّه ، هل تبكِيني أيضًا؟ هل تبكيني " حبيبتي "؟! أرجوكِ ابكيني ، لا تفرحي بالعيد !
مدّ يدهُ لهاتِفه، فتحهُ ليجد أمـامه رسالةً واحـدة، رسالةً تأتيه كل صبـاح عيد من أدهم ، يطمئن عليه لأنّه يدرك الوجـع الذي سيودِي بهِ للمرض أو ربما للموت ( ماجد ، أنت بخير؟ )، ابتسمَ بألـم ، بينه وبين اسم " ماجد " علاقـة ودٍ ستنتهي حينَ يعود لبلده ويكرهه، هذا الاسم الذي أهـداهُ لهُ أدهم، تعامـل مع من يستطِيع أن يُصدرها لـه وممن لا يخافُون الله في أعمالهم ، دفعـه " للرشوة "! ومـارس الحرامَ قبل أكثر من سنتين، كـان فيها أدهم لا يهتم بالوسيلة بحجمِ ما يهتمُّ للغايـة .. لازال يذكُر كيفَ التقـى بهِ هُنـا في بارِيس، استطـاع العبُور إلى فرنسـا بهويّتهِ الحقيقية التي اندثـرت بعد عبُوره، هـرب من ميونخ، وعثـر هنا على أدهـم في إحدى الأحيـاء، الفرقُ بينه وبين أدهم أنّه يكرهُ بـاريس، بينما أدهم يعشقها ، ويُسمّيها " مدينـةَ راحتـه "، وهو " مدينة الأحزان "!
التقـاؤهما الأوّل كـان كارثـة! هوَ يدفعهُ الخوفُ والحذر، بينما أدهم تدفعهُ العدوانيـة، بدآ بشجـار ، وهذا الشجار بدأهُ بنفسه من باب " خير وسيلةٍ للدفاع الهجوم "، وهاهو مرّةً أخـرى يحاول إنهاء العلاقـة بينهما بشجـارٍ آخر، لكنّ أدهم عـاد ، لم يستطِع أن ينهي العلاقة بينهما.
شعرَ بالضعفِ يتغلغله، ولم يشعر بنفسـه وهو يكتُب برعشـة أناملَ غزتها الحرارةُ والتعبُ بعيدًا عنهم ( أدهم ، هالعيد يخنقني ! أكـره العيد !! أكرهه .. سألتني أنت بخير ! وسؤالك يجرح ، كل الناس تقول اليوم " كل عام وأنت بخير " وأنا أنسِئل إذا كنت بخير أو لا !! يا قساوة العيد! )
رمَى كفّه المُمسك بها الهاتف على جبينه بعد أن أرسلها ليفغر شفتيه ويتأوّه بوجَع، يُقاومُ دموعه ، ولم يُدرك وقتها أنّها قد سقطَت .. هذا القلبُ يصرخ، هذا الجسدُ يريد أن يحترقَ ويتفحّم كما قِيل قبلًا أمام جسدٍ آخر حملَ هويّته ، ذاك الجسد أخذنِي، أخذ متعبْ يومَ دُفِن، وولدَ عوضًا عن " متعب " ماجد ! ثقلَت الدمُوع في عينيه، وسقطَ مُعظمها على وجنتيه ولم يشعُر، انقضَت دقائقُ قليلةٌ قبـل أن يصرخَ هاتفهُ برسالةٍ جديدة، فتحها ليجدَ المكتوبَ فيها ( بشوف أقرب رحلة لبـاريس وبجيك ).
عضّ متعب شفتهُ بألـم ، وأغمض عينيه بقوّةٍ وهو يتذكّر رسالـة سابقةً أرسلها لهُ أدهم بادئ رمضـان، كتب فيها ( رمضانك مُبارك ، أبشّرك بتزوّج معذّبتي ثالث أيـام العيد، مافيه مبروك؟ ).
يومها ابتسم، ضحِك، وهو يتذكّر في لحظاتٍ أن أدهـم أخبره عن " معذّبته " هذهِ ولم يسترسل كثيرًا في الحديثِ عنها وكأنّه يريد نسيانها، فرحَ لأجله لكنّه لم يردّ عليها وأكمـل رحلة مقاطعتهِ تلك . . الآن لمْ يضحَك ، بل شعر بالألـم يطعنه أكثر ، كيف يريد أن يأتي إليه وزواجـه بمعذّبته بعدَ غد؟ يا لجنونِك يا أدهم ، كيف تنسى نفسك وسعادتك؟ كيف؟!!
بلل شفتيه بلسانه وفتح عينيه ليكتب لهُ وهو يشعر أنّ الكلمـات تخونه وتخلقُ نفسها رغمًا عن اعتراضـه ( لا تنسى نفسك عشاني ، زواجك بعد بكرا ... بس أبي طلب واحد بس ، قول تم! )
وصَل إليه الردّ سريعًا : ( تم )
متعب بأسى : ( روح لهم ، تكفَى روح بيتنا ، شوفه هو باقي مثل ماهوّ بيوم العزاء ! اسأل عنه، عن امّي، شوف شاهين وحاول تعرف منه أخبار امّي بأي طريقة بدون لا يدري إنّ لك علاقة فيني )
أرسلها إليـه باستسلام، وتجمّد الوقتُ للحظـاتٍ وتأخّر الرد وكأنّ أدهمْ صُعقَ من طلبِه ، لكنّه أرسل إليه بعد لحظاتٍ طالت : ( ما أعرف أخوك وأنت أدرى ، يوم رحت بيتك عرفت إنّك ميت بالنسبة لأهلك من واحد من المُعزّين ، ما شفت أخوك ولا دخلت بيتكم )
متعب : ( حاول ، تكفى عشاني حاول ، فاقدهم يا أدهم! حتى هوّ فقدته مع إنّي قاعد أمرض وأقاوم المرض بروحي بسببه ، كرهت العيد بسببه ، بس فاقده .. هوّ أخوي في النهاية ، أخوووووي اللي كرهني بس ما كرهته ، عجزت أكرهه )


،



" هوّ أخوي في النهايـة "
هوَ أخـوه! كمْ أوجعتهُ الكلمـاتُ وهو يقرأهـا، كم أوجـعه العجز فيها، الشوق الصارخِ حتى لقاتِلـه .. الآن هوَ يتّجـه نحوَ منزلِه القديم ، باتَ قديمًا! غابَ عنهُ سنتين وسيُكمل الثالثَ بعد أشهرٍ قليلة ، هو أخـوه، وكم يقتلهُ أن يفكّر في أنّ هذا الأخَ غـدَر ، كيف يشتاقُه؟ عجز أن يفهم كيفَ يشتاقه؟ كيف يحميه؟ عجز حتى عن فهمِ ذلك ! فهمَ حين استرسـل لفيصل وأخبره بمأسـاتِه أنّه لم يُخبره بأنّ شاهِين طرفٌ فيها كما لم يخبر عن اسمه أيضًا، لم يخبر أنّه من سانـدهُ في بارِيس .. خافَ عليهما ، حتى على الذي قتله ! خـاف عليه، من فكرة أن يُدان كـمُجرم، لم يستطِع الحديثَ عنـه ، ولم يفهمهُ أبدًا ! لم يفهمْ كيفَ يحميه وذاكَ قتلـه، أقـام عليه العـزاء، ومشَى في جنازتِه وهو قاتـله.
ابتسمَ بأسى وهو يدخُل الحيّ الذي يقعُ فيه منزلُ متعب، تذكّر في لحظـةٍ سريعةٍ أنّ والدهُ كـان قاسٍ، لم يكُن كالأب ، لكنّه في النهايـةِ بكـاه، لازال يحبّه رغم كلّ شيء ، بكـاه، وهاهوَ متعب يبكِي قاتلـه، يا لخيبـة العلاقات ! العلاقاتُ مُهلكـة، تُهلك الطرف الثابتَ فيها ، وليس المتغيّر كوالده، وكـ شاهين.
وقفَ أمامَ المنـزل، نظـر لهُ ببؤس، يطرقُ بأصابعهُ دونَ شعورٍ بها على فخذِه الأيمنْ وهو يُحاصر المقودَ بكفّه اليُسرى، وجههُ يستديرُ ناحيـة المنـزل، لازال كمـا هو في يومِ العـزاء على حيْ، الفرقُ الذي كـان في أنّه اليوم يُضاءُ بألوانِ النهـار، ويومَ جاءهُ كان ليلًا، القمرُ يعانقُ أواخـر ديسمبر، لم يكُن نورهُ كافيًا ليُضيء، كان واهنًا، كالفـرح، كـان يئن، كقلبِ أمٍ وزوجـة، وقلبِ ميّتٍ حيْ، كـان المنزلُ مظلمًا/كئيبًا، ظلّه منكسِر، كـانت مشاعرُ المنزل يومذاكَ متأسّية، يظهر الأسـى في ظلّه، لم يتغيّر شكله، لازالَ كاليوم.
مرّر لسـانه على شفتيه، وتنهّد، سيعُود متعب، هذا ما فهمهُ منـه قبل أشهـر، قـال لهُ في أوآخرِ محادثاتِهما أنّه سيعُود قريبًا وبعد رمضـان ربّما ، كيف ستستقبله الريـاض؟ الرياض تخذلُ كثيرًا، لطالما خذلتـه، لذا هو يكرهها، لكنّ متعب في المقابـل يعشقها .. يتضادانِ كثيرًا، هوَ يكره الرياض ويعشقُ باريس، بينما متعب يعشق الرياض ويكره باريس! ربّما لأنّ الخـذلانَ جـاءَ ممّن كرهـا . . ابتسم . . وعلى الرغم من أنّ الخذلان يأتِي أيضًا من البشر ، لكنّه وهو لم يكرها من خذلهما .. كرها المكـان والزمـان فقط، كم يتشابهان ويتناقضـان!
حرّك عنقه المتصلّب ومن ثمّ مدّ يدهُ يريد أن يفتح البـاب بينما عقلهُ يفكّر ببؤسٍ كيف يمكنهُ معرفة المجرم الذي مـا حاول يومًا معرفتـه طيلة السنين التي مضَت، لربّما كـان ليقتلهُ تقززًا إن رآه، فتحَ البـاب وهو يركّز بأنظـاره على بابِ المنـزل، أجفـل حين فُتِح، تجمّد وهو يرَى الرجُل الذي كـان يخرجُ منـه ، وسقطَت الصاعقـة على جسده ليشعر أنّه تنـاثر لأجـزاءٍ عديدةٍ وهو يرى بوضوحٍ ملامح من خـرج . . لــيــــث !!!


،


عـاد بعد صـلاة العيد، رائحـة البخُور تتغلغلُه، العيـد فرحـة، ينسى فيهِ الكثيرون آلآمهم وإن لم يُجِد فعل ذلك في القليلِ من البشـر ، العيدُ فرحةٌ إن لمْ يرتبِط بذكـرى موجعَة، إن لمْ يرتبـط بألـم.
للعيدِ رائحـةٌ مقدّسة، رائحةُ بسمة، رائحـة ضحكة، رائحـة فرحْ! رائحـةٌ قد تدنّسهـا نفُوس البشـر .. ذاكَ دنّسها لـهُ " شاهين "، وهُنـا تُدنّس رائحتـه بـ " سلمان "، يُحاول أن ينسـاه في هذا العيد، المشكلة في هذا النسيـان أنّه العيد الأوّل الذي لا يكُون فيها حاضرًا! كيف يتماشـى النسيان مع ذلك؟ العيدُ اليومَ يصرخُ متذكّرًا له، مُستنكرًا : أين هو؟ أين قبلتـه على الجبين؟ أيـن " كل عام وأنتَ بخير " بصوتِه؟ أيـن رائحـة عطرهِ المُخصّص للعيد؟ ..... فكيف ينساه؟
هـذا النسيـانُ كاذب، لكم يُحزنهُ ذلك! مؤلـمٌ أن تحاول النسيان، في حينِ أنّ النسيـان بذاتِه قد نسـاك! أنّ العطـر يفوحُ في الجـدران، أن الكلمـات السعيدةَ السابقة تتراقص، أنّ الحُزن يشقى! ولطـالما كان حُزنِي قبلًا شقيًّا منسيًا هُنـا .. الآن بـات حاضرًا حتى في العيد ! ... حسبي عليك ! كيف تفرحُ وأنا يشوبُ حزنِي ذكراك.
دخـل مبتسمًا، يُحـاول أن يعتنقَ مفهومًا خلقـه فيه عناد البارحـة، العيد ليسَ يومَ استثنائيًا في حياة المسلمين وحسب، بل هو أربعٌ وعشرون ساعـةً ينسى فيها كلّ شيءٍ عـدا الضحكـة والفرح. والآن هو يحاول النسيان، يُحـاول كي ينعم بساعاتِ فرحٍ خاصـة.
استقبلـته رائحـة القهوةِ المصاحبـة للبخُور، وصـل إليه صوتٌ متذمّرٌ باكٍ، كـان صوتُ غزل التي تقفُ أمام مرآةٍ طويلةٍ في الممرّ وتهتفُ لسالي بغضب : لا تقربين ، قلت لك لا تقربين.
لتردّ عليها سالي بحنقٍ تحاول قتله : أنت فيه نادي أنا
غزل بحنقٍ مماثل : والحين خلاص قلتلك ما أبي منّك شيء وش ذا يعني الشخص ما يغلط وينادي؟!
سالي : طيب أول أقفل فستان إنت وبعدين فيه روح.
غزل تُبعد يدها التي امتدّت إليها وتتراجعُ للخلفِ برعشةٍ وهي تُخفي ظهرها المكشوف عنها : لا .. قلتلك ما أبي منك شيء انقلعي من وجهي لا تعصبيني الحين !
ابتعدَت سالي وهي " تتحلطم "، بينما أعادَت غزل كفيها للخلفِ لتُلامس ظهرها برعشتهما، كـانت قد نسيَت أمـره لوهلةٍ ولا تدري كيفَ نسيت!، ونزلَت تبحث عن سالي حتى تُغلق لها سحاب فستانها بعد أن عجزت عن ذلك، لكنّها تذكّرت التشوهات فيه بعد أن جـاءتها سالي حتى تُغلقـه . . تنفّست باضطرابٍ وهي تُخفض كفيها وتمسك بالسحاب تحاول إغلاقـه، ارتعشَت شفاهُها وكادَت تبكِي وهي تُغمض عينيها مقاومـةً حرق عينيها، وفجأةً انتفضَت حين شعرَت بيدٍ تُلامس كفّها تريد أن تغلقهُ عنها، ابتعدَت دون شعورٍ وهي تشهق، حينها ابتسم وهو يهتف : هذا أنا شفيك انفجعتي !! تعالي تعالي بقفّله لك.
تحرّكت غزل مع تحكّمه بجسدها عبر كفِه التي أمسكت بخصرها وأدارَت ظهرها إليه، شعـرت بالخدرِ وهو يُغلقهُ لها، بأنّ جسدها أصبـح خفيفًا كغيمةٍ بيضـاءَ في سمائِه، باتت تشعُر أنّها أخـرى ما إن يلامسـها بكفّه ، ما إن يعانقها، ما إن يتحدّث معها حتـى ! يخلقُ فيها نشوةً لم تشعُر بها قبلًا، نشوةَ اقترابِه، يكوّنهـا بدفءِ كفيه بعد أن يذوّب فيها الكثير من سلبياتِها ... عرّاهـا في الكثيـر، حتى ظهرها المشوّه تشعر أنّه يشتدّ صفاءً بعينيه.
استدارَت إليه بعد أن انتهى وقبّل رأسها هاتفًا برقّة : كل عام وأنتِ بخير.
ابتسمَت بحبٍّ وهي ترفعُ يديها وتحيط عنقهُ بذراعيها وجسدها بأكمـله يرتكز على أصابع قدميها حتى تصلَ لطولِه، تقبّل أدنـى وجنتهِ برقّةٍ لتوخز شفتيها شعيراته، وبجرأةٍ وتملّك : كل عـام وأنت قُربي.
ابتسمَ ولم يعلّق على ما قالتـه، بينما مالَت ابتسامته بشقاءٍ وهي تهتف : محلوّ اليوم زيـادة ، ممنوع تطلع أخـاف تطيح عيون البنات عليك.
سلطان بابتسامـةٍ يجاريها : حتى أنتِ اليوم صايرة جميلة بزيادة ، ممنوع تطلعين لو شافتك غيداء بتنتحر.
احمرّت وجنتيها رغمًا عنها وهي تشعر بالأدريناليـن يتدفّق في جسدها من شدّة الانفعـال الذي أصابها من غزله العفويّ والبسيط، وبخجل : غزلك مؤدّب مرّة!
ضحك : كافي إنّه خلى وجهك يصير أحمـر وتقولين مؤدب؟
غزل تبتعدُ عنه وهي تمرر طرف لسانها على شفتها السُفلى بحرج، وبربكـةٍ تفرك كفيها : من حلاوتك والله.
سلطان : حلاوتك؟ رجّال وتعبرين عنّي بهالطريقة؟
غزل بضحكة : ما يعجبك الكيوت أنت؟!!
سلطان : كيوت؟!!! مشكلتك متعلمة غير العربيـة وعجزتِ ترضيني !
عضّت طرف شفتها لتقتربَ منهُ وتهمسَ بخفوت : sen güzelsin * أنت جميل باللغة التركية *
سلطان يبتسم : وغيره؟
غزل بـوله : Je t'aime
ابتسمَ ببهُوت، وتعبرهُ هذهِ الكلمـةُ كعبُور ماءٍ جليديٍّ عبـْر مساماتِه، تعبرهُ وتُسكن بين أضلعـه الأسى، وهي، باتت تكرّرها، بكلّ لغـات العالم التي تُجيدها بعد أن قالتها بفرنسيّةٍ متغنّجـة، تُكرّر " أحبك "، بلغةٍ وأخـرى، بنبرةٍ واحدة، بإقترابٍ أكبـر، بإغماضةِ جفنيْنِ تهمسُ بهـا، تقُولها لهُ و" أحبك " حمـامةُ سلامٍ تعبُر بين لغـات العالم، حمـامةُ سلامٍ وحيـاة، " أحبّك " جنـاحيّ حمـامةٍ بيضـاء، نقيّة .. الحب فطرة، تلوّثه الأفعـال، لكنّه يبقى نقيًا.
تشعُر أنـها تطيرُ فوق أجنـحة هذا الحب، اليومَ استيقظَت قُبيل الفـجر، قرّرت أن تنسى، قرّرت تجـاهل خداعها لـه، قرّرت أن تنـسى كلمة السماحِ اليوم، قرّرت فقط أن تفرح، أن تتدلّل على " أبيها "، أن تفرحَ بأوّل عيدٍ لهـا في حياتِها، بأوّل عيدٍ بجانـبه، قـررت أن تكونـه، هي لم تكُن نفسها طيلة الأشهـر التي مضت! كوّنها هو، شكّلها بكفّيه الحانيـتين، ولئن أضـاء العـالم كلّه فإن مصدر الضوءِ أنت، ليسَ الشمس! سأكرّرها على قلبي الذي امتلأ بِك، على عقلي الذي جنّ بك ويبدو أنّني المرأة الأولى التي ستجنّ بحبها، سأكرّرها يـا " مولّعي "، طيلة الأيـام التي مضَت .. لم أكُن نفسي ، بل كُنتك! وكم يرضيني هذا التكوين، يرضيني حدّ الثمالـة بعينيك.
تُدرك الآن بأنّ الحب حين يوقعنـا يجعلنا أكثر جرأة، يجعلنا أكثـر مكرًا، يجعلنا أكثـر أنانيّة .. قبّلت جانبَ عنقه ولم تُبالي بكونِهِ يمارس في هذه الفتـرة أبوّةً يحاول صنع الحدودِ فيها وتتصنّع أنها لا تفقهُ ذلك، تتصنّع أنـها عمياء عن عينيه اللتين ترفضان اقترابها الجريء منه، عن جسده الذي يتصلّب كلما تمـادت .. لا تخجل ! لا تريد أن تخجل ، تريد أن تقترب، لا تريده أن يكون أباها وحسب! تريده كلّ شيء، أهدِني كلّ شيءٍ يا سلطـاني ، لا تكفيني هذهِ العاطفـة، لا تكفيني !
غزل بصوتٍ يكسرُ كل حواجـزه، بكفّين تسكنهما خلف عنقه : Te amo سلطـاني ، Je t'aime يا أبوي ، I love you, My life began when i found you ..
سلطان بخفوت : غـزل !
غزل تضمّه بشدة : لا تقول شيء ، أبي أحس اليوم بس بأني أعيش حيـاة كلها حب وياك، بأن الدنيا ما قست علي ، أبي أحس اليوم بس بأن الدنيـا ما كانت إلا أنت! مـا كنت أعيش قبل ، أنا ما كنت أعيش .. أنا ولدت يوم التقيتك ! أنت أبوي وأخوي وأمي وحبيبي وكل شيء! أنت الحيـاة يا سلطان، الحياة اللي ما ظلمتني .. ما ظلمتني.
لم يقُل شيئًا، لم يعترض على قبلتها الناعمـة لعينهِ اليُسرى، لم يعترض على ذراعيها اللتين التفّتا حول خصره وهي تهمسُ بحب : كل عـام وأنا أنت.


،


مرّرت الصدمـة ذاتها عليه بسرعـة، ووجدَ نفسه بتداركٍ يُغلقُ بابَ سيارتهِ ويُخفض جسده كي لا ينتبـه لهُ - ليث -، دعا الله في داخلـه أن لا يتعرّف على سيارته، وعقلهُ يحاول تفسيرَ ما يرى، ما معنى خروجه من منزلهم! ما معنـى ذلك !! ... رفعَ رأسهُ قليلًا حتى ينطُر له، وجدهُ قد وقفَ حين تصادمَ مع شخصٍ ليسلّم عليهِ ويُعايده، عضّ طرفَ شفتِه ومدّ يدهُ نحو أزرار التحكم ليفتحَ النافذة قليلًا حتى يسمعَ ما يقول، لفظَ - ليث - بابتسامة : حيّ الله بو نواف .. عيدك مبارك عساك من عواده.
بو نواف : علينا وعليك .. هاه جهّزت عيديتي؟
شاهين بمشاكسة : وش تبي أنا تحت أمرك.
بو نواف : حوّل على حسابي البنكي عشرة آلآف ريال ، ماهي كثيرة .. وإذا عندك كاش الحين ما نقول لا.
شاهين : ههههههههههههههههههه زوجتي وامي أولى بهالعيدية.
بو نواف : افا أثـاريك بخيل منت مثل أبوك ومتعب الله يرحمهم !
تصلّب أدهم حين سمعَ اسم " متعب "، وأرهفَ السمع بتوترٍ وكأنّه يقارب أن يفهم كلّ شيء! ضحكَ شاهين مرّةً أخـرى وهو يهتف : والله يفداك كل اللي تبيه.
وضعَ بو نواف كفّه على كتفه، وبابتسامة : ما تقصر يا شاهين ، لا تصير كريم على شيء كثر الصدقة عن أبوك وأخوك.
ابتسمَ ابتسامةً باهتـة : ما أحتـاج توصية، في قلبي هم حتى بعد موتهم.
بو نواف : الله يجزي امّك اللي جابتك على هالدنيـا الجنة.
شاهين ببشاشة : تفضّل تفضّل ما تمشي اليوم من غير لا نذوّقك حلاوة عيدنا.
ابتعدا وهما يضحكـان، يتّجـهان للمنـزل، بينمـا أصاب أدهـم البهُوت، صُدمَ لما سمِع، لمـا فهم، وشعر أنّه يغوص في دوامةٍ لا قرارَ لهـا .. العينـان، الراحـة التي شعر بها حين نظر لهما رغمَ كلّ شيء، احسـاسه بأنّه يعرفهُ من تلك العيُون .. العينـان ، كانتا عيني متعب ! تشبهانِهما ، هما عينـاه، هوَ أخُوه، هو ... هو شاهين ! .. هو المجرم !!! لا يُمكـــن !!
غـزى رأسهُ طنينٌ شعر أنّه سيُفجّره، رفعَ رأسـه وعيناهُ تغوصـان في الفـراغ، لم يعُد يرى أمامه سوى ضبـاب ، والكثير من التحليلاتِ تأتِي ، قصّة الطبيب التي سردها عليـه ، قـال له أنّه أوهم أخيـه بمرض، بالسكـر ، وقرّر أن يستعمل إبر السكـر ليتبيّن أنـها ما كانت إلا مخدّراتٍ آذت جسده وعـانى منها كثيرًا .. أخوه هو متعب ، وكـان يقصدهُ بتلك الحكـاية ! بينما متعب لم يسرد عليه حكـايةً كتلك !!
اشتدّ ضغطه على أسنانه، أغمض عينيه بقوّةٍ وبدأ يضربُ رأسه للخلفِ مرّتين وثلاثًا وهو يهتف من بين أسنانه بقهر : غبــي .. غبي ، غبي غبي غبي !!!
كـان يخدعـه، كـان يُريد استدراجـه، ربّما شكّ في أمـره، ربّما اكتشف أنّه الشخص الذي كـان يُساعده، هل أدرك أنّ أخـاه حيًّا !! بالتأكيــد !! وصُولهم لمتعب يُثبت ذلك ، شاهين يدرك أنّ أخـاه حي ، يدرك كلّ شيءٍ وقد شكّ فيه مُحاولًا استدراجـه بطريقةٍ مـا !!!
عضّ شفتهُ بقوّةٍ حتى كاد يجرحها، تحرّك جسدهُ بانفعالٍ للأمـام ليُمسك المقودَ ويحرّك السيـارة مبتعدًا بسرعـةٍ غاضبـة، رفعَ هاتفـه وهو يقُود، يريد أن يتحدّث لمـتعب ويخبره بما حدَث، بخداعِ شاهيـن له، يريد أن يتحدَث فقط ويصرخ غضبًا لأنّه تحدّث مع المجرم سابقًا وعديدًا ولم يكُن يدرك أنّه المجرم !
ردّ عليه متعب بعد رنّتين، ليهتفَ بقلق :هاه بشر؟
أدهم بحدة : أخوك الحيـوان الزفت الحشرة الـ ....
قاطعهُ متعب بصدمة من انفجاره : شاهين؟ وش فيك وش اللي صار؟
أدهم بقهر : اللي صــار إنّه ****
متعب بحدة : أدهم عن هالألفـاظ الشوارعية الحين !
أدهم من بين أسنانه : ليه منت راضي عليه؟ مع كل اللي سواه للحين تدافع عنه؟!!
متعب بنبرةٍ حانقة بعد أن استفزّه أدهم : لا تنسى إنّ كلمتك تمسني بعد ترى في النهاية احنا من نفس البطن وتربيتنا وحدة.
أدهم : تربيتكم وحدة؟ طيب ليه طلع هو غدّار وأنت لا؟ ممكن أفهم هالشيء !
شتت متعب عينيه بـألم، وصمتَ ولم يقُل شيئًا، في حين تنهّد أدهـم وقد استشعـر تماديـه في الحديثِ وصمتْ متعب الذي يخبره عن معاناةِ قلبـه، زفـر ليهمس : آسف.
متعب بهدوءٍ ظاهري : التقيت فيه؟ عرفت عن امي شيء؟
أدهم بسخريةٍ مقهورة : لا بس شفته من بعيد ، وأبشرك أعرفه من مدة طويلة ويعرفني بعد.
متعب بصدمة : نعــم !!!
أدهم بقهر : أيه .. سبق والتقينا من قبل ، وما أستبعد بعد يكون هو اللي دبّر الموضوع عشان نلتقي !
متعب لا يستوعب ما يسمع : لحظة لحظة .. فهمني وش الموضوع بالضبط شلون تعرفه ويعرفك !!!
أدهم : صار بيننا حادث مرتين ، مرة كان الغلط منه ومرة مني ومن بعدها صرنا ربع * قالها بسخريةٍ ليُردف * كـان يخدعني ! قال اسمه ليث ، وكذب علي بسوالف وأنا الغبي صدّقته !!
وضعَ متعب كفّه المتحررة من هاتفِه على رأسـه بصدمة، ما معنـى ذلك؟ ما معنـى ما سمعه الآن؟ أن ينتحـل اسمًا ليسَ له، أن يقترب من أدهم - الذي سانده في غربته -!! .. فغـر فمهُ بأسـى، بوهن، بتكوينٍ صـار هشًّا ! هـاهو بالفعل عرّض أدهـم للخطـر، هاهو بالفعـل جعله ينغمسُ أكثـر في مأسـاته .. عضّ شفتهُ وهو يخفضُ رأسه ويشدُّ بأنامله على خصلات شعره التي تخلخلها، وبأسـى : آسف ، آسف يا أدهـم .. ورّطتك معاي ، ورطتـك . .
انتفـض بشدّةٍ حين شعرَ بشيءٍ صلبٍ يُلامسُ مؤخـرة عنقه، تجمّد جسدهُ ولم يتحرّك، الهاتـف تثبّت في أذنـه بينمـا كـان عقله قد أدركَ بسهولةٍ ماهيّة هذا الشيء الصلب الذي لامسـه، والذي لم يكُن سوى فوّهـة مسدسٍ مـا !! .. كـان صوت أدهم ينبعثُ إليه عبـر الهاتف، صوتِه المُمتعضِ لما قـاله، صوته الذي اختلطَ بالصوتِ الآخر الذي لفظَ ببرودٍ وعرف صاحبه مباشـرة : حط الجوال على جنب.
انتفضَت يدُ متعب وفتـرت ملامحـه بصدمـة، لم يكُن الصـوت إلا لـه ، للأمـل الأخيـر، للخيطِ الذي ظنّ بأنّه متين، لمركبـة العبُور إلى أرضِه .. لم يكُن الصوتُ سوى صوتِه ، صوت فيصــل !!


،


ثبّتت شعـرها وهي تقفُ أمام المرآةِ وتتفقّد شكلها النهائيّ، ابتسمَت ابتسامةً فاتـرة ليُضاعفَ أحمر شفاهها العنّابيّ من جاذبيّة بسمتها رغم الفتُورِ فيها، رائحـةٌ تفُوح منها ولا يشمّها سواها، رائحـة الفقد في كلّ عيد، رائحـة الشوقِ للأمـوات، طيلة السنتين اللتين رحلتـا كانت تشتاقُ وتبكِي بأريحيّةٍ صبـاح كلّ عيد، تتذكّر الأعياد القليلة التي جمعتهما، هدايـاه، كلماته، معايدته التي لا تُشبه أحـد، كـان يقبّل عينيها ، يهمسُ لها برقّةٍ ومحبّة وهو يقطفُ القبلة الأولى من عينِها اليُمنى : هذا عيد الفطر * يتبعها باليُسرى * وهذا عيد الأضحـى ،
ومن ثمّ يذهبُ لشفتيها، ليهمسَ بعد أن يبتعد بشوق : وقبلـهم كنت صايم لأيـام وأيـام عن ماء حياتِي.
انتفضَت وهي تضعُ كفًا على نحرها ولسانها يستغفر بأسـى للأفكـار التي طُرِحَت في عقلها، تزدردُ ريقها وهي تُقـاومُ دمعًا كريستاليًا من السقُوط في نهـار هذا العيد ، هذا النهـار مختلف ، مختلفٌ عن نهاراتٍ أربعَة في الأعيـاد السابقة طيلة سنتين، كانت تبقى مُغرقـةً نفسها في البُكـاء، ترفضُ أن تفرح بالعيدِ وهو عيدها في شريعتِهما، كلٌّ منهما كـان عيدًا للآخـر ، ورحلَ هو ، فكيف يكُون هنالك عيد؟!
مدّت يدها برعشـةٍ كي تستلّ قنينة العطـر لتُغرق نفسها بِه ، تُحاول أن تزيلَ رائحـة الشوق، رائحة الفقد، تحاول أن تُسكِن في جسدها غيـر متعب .. أصبحَت متزوّجة .. يا الله ارحمني ! يا الله اغفرلي على أفكـاري.
فُتحَ البـابُ في تلك اللحظة لتستديرَ وتبتسم شفـاهُ شاهين لهـا، ارتعشَت شفتيها في بسمةٍ واهيـة، بينما اقتربَ منها حتى وقفَ أمامها مباشـرة، قبّل جبينها برقّةٍ وإحدى كفيه تلامسان موخـرة عنقها، فكّ عقـدها وهو يهمسُ بحب : ما حبيت أعايـدك قبل لا أجيب هديتك اللي نسيتها في السيـارة.
انتبهَت لتوّها للـكيس الذي كان يحمله، رفعَت أنظـارها لعينيه في اللحظـة التي سقطَ فيها العقدُ عن عنقها، غرقَت أحداقها في بحرِ أحداقهِ وهي تشعُر بهِ يحملُ العقد ليضعهُ على التسريحة، يُخرج القـلادة الأخـرى، لم تنظُر لها جيّدًا في ذلك الوقت، ألبسهـا وهو يعود لتقبيل جبينها قبلاتٍ ناعمـة، ابتعدَ عنها وهو يبتسـم، يتأمّل نحرها وعنقهـا بعينٍ مفتونـة، وبهمسٍ ناعـم : ما كنت مقتنع فيه مرة بس الحين صـار أكثر من جميل بسببك.
انحنَى ليقبّل التعليقةَ من فوقِ نحرها، وبخفوت : انفتنت بكارتير الحين ! كل عـام وأنتِ أغلـى من الألمـاس !
عضّت طرفَ شفتها السُفلى وحُمرةٌ تصـاعدت لوجناتِها، ابتسمَت بتوترٍ تُحاول أن تطردَ كلّ فكرةٍ لا تليقُ بهذا اليوم، كلّ حزنٍ لا يليق بشاهين، كل ذكرى، كل ألـم ، تُحاول أن تسعد لأجلـه، أن تبتسم بصدقٍ لأجلـه !!!
ارتفعَت على أصابِع قدميها وهي تبتسمُ لعينيه الحنونتين برقّة، قبلت ما بين حاجبيهِ لتهمس ببحّة : كل عام وأنت بخير.


،


ينتظرُ غـزل كي يذهبـا لمنزلِ امّه، يقفُ متّكئًا على بابِ سيارتِه وهو ينظُر نحوَ البـابِ بعينينِ باهتتين، يعُود رغمًا عنـه لتلك الليلـة التي امتهنَت فيها، يعُود ويستذكر مهما حاولَ طردها في هذا اليوم ... ويتعذّب ! عذابًا حارقًا يُذيبُ عظامه!
خطواتٌ اقتربَت منهُ بهدوء، استدارَ تلقائيًا للخلف، ولم يكدْ يستوعب الواقفَ حتى شعرَ بقبلةِ الجبينِ تأتِي ، قبلـة الجبينِ في كلّ عـيد، قبلة الجبين التي صرخ العيد مستنكرًا " أين هي؟ " ... انتفضَ وتراجعَ في ردّةِ فعلٍ تلقائيـة وهو ينظر بصدمةٍ لسلمان الذي لفظَ بنبرةٍ هادئـة وشفتيه ترسمان ابتسامةً خافتـة : كل عام وأنت بخير.


.

.

.

انــتــهــى . .

موعدنا القـادم صباح السبت بإذن الله.

عارفة بتقولون قصير وترى ماهو قصير ، تقريبًا 21 صفحة بدون تنسيق يعني 32 بتنسيقي المعتاد
البارت بيعطيكم إيحاء للقصـر عشان معظمه لمتعب هالمرة :" خلونا نعطيه حقّه بعد :D



ودمتم بخير / كَيــدْ !





.

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 19-04-16, 11:10 PM   المشاركة رقم: 772
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Apr 2016
العضوية: 314906
المشاركات: 1
الجنس أنثى
معدل التقييم: يلولا هادي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 11

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
يلولا هادي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

السلام عليكم
تسجلت بس عشان اقول ضغطي ارتفع من اللي صار مع فواز وجيهان
ليه طلقتيهم؟؟ مره زعلانه انه تركها وقرر يكمل مع جنان
وجنان الحين صارت ترفض وينها من اول ليه وافقت من البدايه!
من قرات جزئيته هو وجنان وانه ناوي يكمل معاها وقفت وما كملت البارت
قلبي وجعني بالله رجعيهم او جيبي واحد يقدر يفهم جيهان احسن من فواز

 
 

 

عرض البوم صور يلولا هادي  
قديم 20-04-16, 06:50 PM   المشاركة رقم: 773
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,112
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 
دعوه لزيارة موضوعي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

يسلمو ايديك هنودة
البارت حلو ومن حلاته ما حسيناه طويل >>> فيس ما يحارش ابد لوووول

بصراحة انا ما بتفق مع المعترضين ع طلاق فواز وجيهان..
يا جماعة اي مستقبل بنتظرهم ؟!!
جيهان انسانة انانية ومريضة ومو راضية تعترف بهالشي
شو ذنب فواز يتحملها؟! وكله كوم ولسانها اللي عن بلد كوم تاني
سب ولعن وقذف ع شو ؟!!
مو مبرر انها مجروحة من فواز انها تقول اللي قالته او تعمل اللي عملته.
ولو اني بحمل فواز جزء من الخطأ ﻷنه اتمسك فيها بإيدينه واسنانه ويستاهل العضة اللي منها اجته.

وفعلا ممكن يكون نصيبها مع واحد ما يكون بينهم ماضي احسن.

فواز معتر ﻷنه حظه مع النساء زيرو .. جنان عندها تشابه مع جيهان بشكل او بآخر
فعزائي الحار لك فواز


فيصل قلبي ما ارتحله ابدا
وشكله مع الخونة
والله يستر..


بعتذر تعليق ما بوفيك حقك .. فالسموحة يالغلاا

تقبلي مروري وخالص ودي



★☆★☆★☆★☆
بعد نهاية النقاش او الحديث مع أحد
لاتنسوا دعاء كفارة المجلس:

سُبْحَانَكَ اللهم وَبِحَمْدِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أنت أَسْتَغْفِرُكَ وأَتُوبُ إِلَيْكَ

 
 

 

عرض البوم صور bluemay  
قديم 21-04-16, 12:46 AM   المشاركة رقم: 774
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 72508
المشاركات: 273
الجنس أنثى
معدل التقييم: فتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 511

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فتاة طيبة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

أوافق بلومي في ردها واستغرب من اللي متعاطف مع جيهان شخصية مريضة نفسية أساسا ماتعرف الحب ماتعرف غير الكراهية والبغض ولو غير فواز مااستحملها يوم بس بصراحة يستحق الآن أنه يتعذب بسببها من البداية كانت أمه عارفتها وعارفة سوء أخلاقها وهو مصر عليها ومسوي فيها قيس وحتى بعد ماشاف كرهها الشديد لأمه ووضاعة أخلاقها برضه كمل ... أنا أشوف الآن يستحق كل الم يتألمه ماطاوع امه من البداية وهي اعرف الناس بمصلحته يستاهل

 
 

 

عرض البوم صور فتاة طيبة  
قديم 21-04-16, 07:23 AM   المشاركة رقم: 775
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2014
العضوية: 279084
المشاركات: 44
الجنس أنثى
معدل التقييم: ضَّيْم عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 79

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ضَّيْم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 


*غزل ما أقدر ألومها على اللي سوّته، اللي صار فرصة وجتها على طبق من ذهب
ومثل اللي بوضعها أكيد راح تاكل الطبق أكل، هي خلقه تبي ترقّع ماضيها الأسود
ومنها تتقرب من هاللي للحين ماتلحلح ولا أبدَى أي مشاعر "/
عمومًا اللي صار موضوع كبير مو سهل أبدًا القرار اللي اتخذته غزل، بس أتمنى بجد
مثل ماقالت وحده من البنات ^ إنّو إن شاء الله مايتكرر وينعاد سيناريو غضب سلطان عليها من جديد.
ماضي غزل للحين مبهم وفي انتظارك كيد تكشفينه لنا.
بالنسبة لمشاعرها الفيّاضه هاليومين، كلش مو ضدّها بس شوي شوي! يعني بعيد عن أي شي
خلِيك متوسطة بمشاعرك وهو أساسًا مو مبادلك فيها، يعني ماتحس إنها ثقيلة؟ فارضه نفسها عليه؟ يعني بجد استغرب من بعض الأشخاص اللي ينطلون نفسهم نطل على أشخاص هم عارفين إنّهم مايبادلونهم الشعور، سواء بأي علاقه كانت زواج صداقه أيّا كان. مهما كنت محتاجه هالشي بالأخير لي كرامه ما أحب أفرض نفسي غصب.
ما اتكلم عن وضع غزل ممكن حالتها مو مخلّيتها تركز، بس قلت رأيي بشكل عام ()

* ديمه ماشفناها اليوم، إن شاء الله يلقى له صرفه سيف ويطلّعها من اللي هي فيه.

* متعب وفرحته ماتمّت...
وأدهم هذا زاد الطين بلّه الله يهديه.


* بالنسبة لجنان أتمنى تصر على الطلاق وماتخضع له أبد، لأنّها تستحق واحد أفضل من فوّاز
واحد تكون هي زوجته الأولى بدون ذكريات تحصرّه بكل مكان وتعذّبها.

 
 

 

عرض البوم صور ضَّيْم  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 07:14 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية