كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم/مساؤكم طاعـة ورضا من الرحمـن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافيـة
المتابعين اللي مرسلين لي الاقتباسات/كتاباتهم ، أحـاول أنزل اقتباس مع كل بارت بس صعبَت عليْ مع الضغط في اللحظـات الأخيرة لذلك بحاول أجمعهم بداية كتابة البارت مو قبل التنزيل . . حاليًا مافيش حاقة للأسف بس بإذن الله مع البارتز الجـاية :( تسعدوني كثير بكتاباتكم والاقتباسات اللي أشوفها منكم ()
+ في الجزء اللي قبل الأخير ذكرت بالغلط " رقية " عوضًا عن " ام غزل " ، مافيه تشابه بالأسماء بينهم مجرد خطأ منـي وحبيت أوضحه .
بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !
لا تلهيكم عن العبـادات
(70)*3
وضعَت كوبَ العصيرَ وهي تبتسم بودٍ لهمـا، يردّانِ البسمـة وإحداهما تبتسمُ بحبٍّ كبيرٍ وشغفٍ لرغبـةٍ لم تتوّج بالتلبية! ، مدّت أرجـوان لها العصير وعينـا ام فواز تراها أجمـل أنثى تمنتها لابنها ولم يحدث، أجمـل أنثى لا يناسبُ ابنها سواها . . تنـاولت كوبَ العصير من يدها وهي تبتسمُ بأسى، لو لمْ يكُن ابنها عنيدًا حدّ أن يرفضها ويبقى دون امرأةٍ إلى أن حانت فرصته بأخذ من يحب! .. لا تكرهها، كثيرًا ما قالتها، لا تكره جيهان بل لهـا مكانةٌ في قلبها إلا أنّ هذهِ المكانـة لا تجيء شيئًا أمـام مكانةِ جيهان التي كانت ترسمها في عقلها زوجة ابنها منذ سنوات، سنواتٌ تخطط لليلـة التي ترى فيها ابنها يقف بجانب زوجتِه – أرجوان – لكنّ ابنها بتر كلّ أحلامها بالأخت . .
ارتشفَت من العصيرِ البـاردِ علّه يُطفئ نـار قهرها، ليُخرجها الله من ذاكَ المشفى سالمـة، لم تعُد تريد شيئًا وإن أرادت فهي لن تستطيع شيئًا، الآن لم يعُد يهمها سوى سعـادة ابنها الذي أفصح اليوم وأمسَ وقبله وقبله عن شوقِه لامرأتِه التي تنـام متألمـة وهذا الألم باعَدها عن عينيها، تحسّب على ألمها، تحسّب بغيظٍ وهو يلفظ من بينِ أسنانِه شاكيًا لها : " شفتِ يمه هالوجَع الحقير اللي خلاها بعيدة عنه ، حسبي الله عليه !! ".
لم تستطِع قولَ شيءٍ وهي تبتسمُ لهُ بحبٍ وتردّ بتشجيع : تحرّك وارجع قوي عشان تهزم كل شيء وتكون قربها ..
لا تملك شيئًا! كُتبَ كلّ شيء عند الله وانتهى، جيهان زوجتـه، لا يمكنها رفض ذلك ولا رفض الحب في عينيه عوضًا عن السعادة التي كـانت تُغرقهُ ليلة زفافهما التي انتهَت بتلكَ المأسـاة.
هتفت بنبرةٍ محبّةٍ لأرجوان : رحتِ لأختك اليوم؟
ابتسمَت أرجوان وهي تجلسُ بجانبِ أسيل وتلفظ : أي رحت بس ما طوّلت ، ليـان اليوم تعبانة ما تقدر تروح وياي أنا وأبوي ولا أقدر أخليها بروحها.
أسيل : يا حبيبتي هي وش فيها؟
أرجوان : تسمم غذائي ما تخلي خرابيطها وأبوي معطيها وجه.
ام فواز بابتسامة : بزرة وش يدريها هذول هم البزران.
أرجوان : أي والله . .
ام فواز : وش أخبـار دراستك خابرتك تركتيها أنتِ وأختك قبل سفركم!
أرجوان تتنهّد بقنوط : بنشوف إذا أبوي وده يستقر ببروكسيل وهذا الاحتمال الأكبر وبكمل هناك، أما لو رضى نجلس بالسعودية فبكمل بجامعتي.
أسيل : أجلتي صح؟
أرجوان : أي ، خفت أتهور وأسحب ملفي فأجلت ترم بس للحيطة.
،
استمعَت لكلماتـه الطويلةِ في قسوتِها ولم تستطِع أن تقول شيئًا سوى من نحيبٍ شاركـهُ ضجيجَ الصوت، غطّت أذنيها هذهِ المرة لا تريد الاستمـاع لكلماتِه الباقيـة، بينمـا كان هو يهزّها وهو يهتفُ بغيظ : علّميني الحين ليه ضربتيها؟
عضّت شفتها السُفلى وهي تشدّ على أجفانِها تُغمض عينيها عن ملامحه الغاضبـة والتي تضاعفَت حدّتها بصمتها وعدم الإجابـة، لذا أردف من بينِ أسنانِه بوعيد : ما أنصحك تتجاهليني ، انطقــــي يا غزل واحمي حالِك مني!
ارتعشّت شفاهها وهي تفتحُ عينيها بضعفٍ لتصتدم بعينيهِ القاسيتين وتشتتها تلقائيًا بعد أن تضاعفَت ربكتُها وذُعرها منه، تنفّست بتحشرجٍ تُحـاول الردّ والنحيبُ جرح حنجرتها فوجدَت الحديثَ موجعًا، موجعًا بعددِ المرّاتِ التي بكَت فيها معه ومنذُ علِم، بعدد المراتِ التي قسى فيها ولم تحصرها سوى بنظرةِ عيُونه التي تكفِي لتُنسيها العدّ والأرقـام ويجعلها أميّةً بالتناقـض الذي تراه ما بينَ سلطـان السابق والآن . . خسرت! خسرتْ كخسارتها في كلّ مـرة ، يا للوجع!
عـادت لتُغمض عينيها بضعفٍ وصدرُها يرتفعُ بشهقةٍ مؤلمة، وبنبرةٍ واهنـةٍ خافتـة يكاد وجودها أن يكُون عدَمْ : أ أحررقتنــي بالغلط في رجلِي .. وأنـا من غير لا أحس ضر ربتها كردة فعل . . * بحّ صوتُها أكثر بوجعٍ وهي تُردفُ منتحبة * والله ما قصدت ، ما قصدت . .
زمّ شفتيهِ وهو يخفضُ عينيه دونَ شعورٍ منهُ لقدميها العاريتين ليرى إحمرارهما الواضح والذي يثبت صدقها، زفـر بحنق، وظهـر الجزء الآخـر فيهِ تجاهها، الجـزء الذي باتَ ضوؤهُ خافتًا لا يُرى، حتى هو لا يـراه، لا يـراه أبدًا !!!
سلطان بنبرةٍ مشدودةٍ وهو يرفعُ عينيه ببطءٍ إليها : توجعك؟
ازدردّت ريقها باضطرابٍ وهي تفتحُ عينيها ببطءٍ غيرَ مستوعبةٍ لسؤالهِ الشـاذِ عن حقدهِ واحتقارهِ لها، حتى نبرته التي لا زالت جامدةً وقاسية احتوَت بعض الاهتمـام ، هتفت بفتورٍ وهي تشكّ بما قال : مو مرّة.
سلطان ببرود : طول عمرك كذّابة.
شهقَت حين وجدَت نفسها بينَ ذراعيهِ فجأة، اتّسعت عيناها بصدمةِ وهي تُحيطُ عنقهُ بذراعيها في صورةٍ تلقائيةٍ خشيـة سقوطها، بينما تحرّك هو ليخرج من المطبـخ . . . تضـاعفت وتيرة النبضـات، نسبة تنفّسها، واندفع الأدرينالين في كامل جسدها وهي ترتعشُ ورعشتها تصلُ جسده بكلّ سهولة، يخترقها بدفئه، صوتُ أنفاسـه الهادئة المشاركة لعلوّ صدرهِ وانخفاضـه ، لا تدرِي ما الخـواء الذي أصابَ جسدها في هذهِ اللحظـة وهي تشعر بهِ يصعدُ بها للأعلـى، الخـواء الذي شعرَت بهِ ينالُها من موجةِ غضبٍ والآن دفء! من الانقلاباتِ التي يُجيدها ولا يمارسُ صورةً واحـدةً أمـامها . . أدخلها غرفته بصمتٍ ليضعها على السرير وهي غَشت عينيها ضبابةٌ حتى فقدَت القدرة على النظـر لوجههِ الجامد، تحرّك ليسحب واحدة من مناشِفه ومن ثمّ دخل الحمـام ليُبللها بالماء البارد، عادَ إليها ليضعَ المنشفةَ على قدمها، ابتسمَ ابتسامةً ضيّقة وهو ينظُر لوجهها الذي كـان باهتًا وهي تنظُر نحوه، وبلا مبالاة : ماهو بارد مرة بس يمشي الحال ، عاد ما عندي وجه أقول لسالي تجيب كمادات ، بركاتك.
ازدردَت ريقها بصعوبةٍ وهي تُخفضُ رأسها بأسى وتُشتت عينيها عنه، كيفَ يكُون حنونًا وقاسيًا في ذاتِ اللحظة، كيف يملك الصفتيْنِ في آنٍ واحـد . . دفَنت رأسها في الوسـادةِ وهي تُغمضُ عينيها وتقاومُ الوهـن الذي أصابَ جسدها، بينما هتفَ هو بجمودٍ وهي يُسكن المنشفة الباردة على قدمِها : شلون أحرقتك بالضبط؟
مررت لسانها على شفتيها بضعفٍ وهي مُغمضةُ العينين لا تنظُر نحوه، وببحّة : كانت تسوي القهوة وأنا دخلت المطبخ من غير لا تحس ، لفّت شايلة المويا الحارة وأنا كنت وراها مباشرة ،فانخرشت وطاح من المويا شوي على رجلي.
عقد سلطان حاجبيهِ بحنق : الغلط منّك ومع كذا ضربتيها!
عضّت طرفَ شفتها بخزيٍ وألمٍ وهي تهتفُ بغصّة : من غير لا أحس مديت يدي ، والله ماقد ضربت أحد بحياتي!
سلطان ببرود : لسانك بروحه يكفي وزود ، تظنين إنّك مسالمة يوم إنّك ما تمدين يدينك؟
صمتت ولم تقُل شيئًا، حينها زفـر بيأسٍ وهو يستقيم لافظًا بهدوءٍ وبرود : بروح أجيب كمادات المنشفة ما تأدي الغرض.
خرجَ من الغُرفة دونَ أن ينتظر كلمةً منها، وكأنّها كـانت تختنقُ في حضورهِ ولم تستطِع التنفّس إلى الآن ، شهقَت بقوّةٍ تجتذبُ الأكسجين المنقطعَ عنها، اتّكـأت على مرفقيها لترفعَ جذعها قليلًا وتنظُر للمنشفَة التي على قدمِها، ارتعشَت شفاهها باضطرابٍ لتزمّهما وهي تمدُّ يدها لتُلامس بللها بأطرافِ أصابعها، نسيَت ألمَها من الحرقِ ونسيَت ألمَ البُكـاء وكلماتهِ القاسيـة معها لاهتمامِه، بالرغمِ من كرههِ لها وازدرائِه لازال يهتمُّ بها ، لمَ يفعل بها هذا؟
عادت لتمدّ جذعها على السرير وهي تتنهّد بألـم، رائحةُ عطرِه التصقَت بها، أنفاسهُ التحمَ دفئها ببشرتها لتبقَى تحرقها حتى الآن أضعاف الاحتراق الذي يحصلُ في قدمها ... أغمضَت عينيها بوهن، نبضـاتُ قلبها تتباطئ تارةً وتتسارعُ تارةً أخرى، أضلُع صدرها تؤلمها، وعضلات وجهها تنقبض وتتشنّج كلّما اخترقها عطرهُ أكثر، كلّما تذكّرت دفء جسده الذي اشتاقته! اشتاقت اهتمـامه ورعايته، اشتاقت حنانه، اشتاقت نبرته الهادئة والبسمة التي تعانق شفاهه .. كان جميلًا! تعترف أنّها كـان يحمل كلّ الصفـات الجميلة فيه ولا تناسبه هذه القسوة، لا تناسبه أبدًا!!
اقشعرّ جسدها فجأةً حين شعرت بهِ يجلسُ على طرفِ السرير ويُبعد المنشفة ليضع الكماداتِ عوضًا عنها، شدّت بأصابعها على المفرشِ وهي تشدُّ على عينيها أيضًا للنـار التي تبدأ من قدمها وتنتشرُ في عروقها عوضًا عن انتظـام حرارةِ جسدها لتلك الكماداتِ الثلجية، شعرَ سلطان بانكمـاش جسدها وتشنّجه، لينطق باستنكار : شفيك؟
غزل بتوتّر : اتركني بروحي . .
سلطان بجمودٍ يرفعُ إحدى حاجبيه : عن البزرنة الحين!
غزل بوجعٍ تبتلعُ ريقها بصعوبةٍ وتهتفُ بغصّة : لا تهتم فيني وبعدين تأذيني!
سلطان بحدة : متى آذيتك أنا؟
فتحَت عينيها بضعفٍ لتنظُر لهُ بعتب : كل هذا وما آذيتني؟
سلطان : لو بأذيك كنتِ بتشوفين مني تصرّفات تخليك تتمنين لو إنّك ما عرفتي شخص اسمه سلطان!
عضّت شفتها السُفلى لتهزّ رأسها نفيًا بأسى وهي تلفُظ بعتاب : تمنيتها ، تمنيتها! ليتني ما عرفتك وبقت نظرتِي للرجـاجيل نفسها . . ليه أنت قاسي وحنون؟
لم يتغيّر شيءٌ من جمودِ ملامحهِ عدا من انقباضٍ واهنٍ في وجنتِه، بقيَ ينظُر نحوها بنظراته البـاردة تلك لتتساقطَ دموعها تباعًا ، قطرةً قطرة، تحملُ في كل دمعةٍ عتبًا، ألمًا، وجعًا، أسى وهـوان! . . أردفَت بنبرةٍ خفتت وعانقَت حنجرتها لتخرجَ لهُ واهنةً تكـاد أن لا تكون : ليه علمتني أبكي وأرتاح؟ لو تدري الحين شلون أبكي وأتضايق! أضعفتني كثير ، أضعفتني يا سلطـــان . .
شهقَت بضعفٍ والكلماتُ تنحدرُ من حنجرتها دونَ دراسـة، لم تُبالِي بما تقول وبدأ صدرها يحكِي دون عقلها، بدأ شعورها بالخـواءِ هو ما يحكِي : وش الفرق بين لمّا كنت أبكي قبل لا اعرفك وبعد ما عرفتك والحين؟ المشكلة إنّ الجواب عندي! .. الفرق إنّك كنت جنبي بعد معرفتي لك وتحضنّي كل ما بكيت .. بس اختلف الوضع وصرت أنت اللي تجرحني وتأذيني .. يا قوّ قلبك شلون كنت وصرت؟ يا قوّ حضنك وش هالجفا؟!
وقفَ سلطـان وكأنّ عقربًا لدغـه وهو يتراجعُ عن السرير وينظُر لها بحدّةٍ وانفعـال، وبنبرةٍ خافتةٍ لكنّ الاستنكـار ملأها : وش أفهم من هالكلام؟
نظرَت لهُ بضعفٍ ليردف بنبرةٍ مشدودة : أسميه حب؟
اهتزّت أحداقها لتفغـر فمها بعذابٍ وقلبها انقبضَ بشدّة، هزّت رأسها بالنفيِ لتلك الفكرة التي ولّدت فيها الذعر، هزّت رأسها وهي تسترجع كلمـات والدها التي رفضتها بقوّة، أيّ حُب؟ الحُب لن يتقرن بها ، لن يقترن بها مهما كـان هو ومهما حدث، أيّ حب؟
ارتعشَت شفاهُها وهي تنظُر نحوه بنظراتٍ واهنـة، قبضَت على المفرشِ لتلفظَ باهتـزاز : سمّيه احتيـاج.
سلطان بنظراتٍ حادةٍ إليها : والاحتيـاج وشو؟ انتبهي تغلطين يا غزل لأنّي مستحيل أسامحك ، ماراح تضرّين إلا نفسك!
غزل بضعف : عـارفة ، ما راح أضـر غير نفسي .. بس أنت اللي ولّدت هالاحتيـاج فيني ، أنت السبب يا سلطان! وش تتوقّع من إنسانة ما حصّلت الاهتمام طول عمرها وفجأة لقته بشخص! أضعفتني كثيييييييير الله لا يسامحك! عوّدتني على احتياجي لك!
زمّ شفتيه لتُغمضَ عينيها في المُقابل وتصدّ بوجهها عنـه، دفنَت وجهها بالوسـادة . . أرادَت دفن ملامحها لأدنـى حفرةٍ قد تجدُها، أرادَت نفيَ وجعها في أبعدِ زاويـةٍ مظلـمة، الظـلام في وجعها ذاتِه! الظـلام الأكبر والذي لم يجد ظلامًا خارجيًا أكبـر كي تستطيعَ نفيهُ فيه . . هذا الوجع/المنفى لها! يُجيد بغطرسةٍ إضافـة البؤسِ في حلّة البُكـاء.
ارتعشَت أهدابُها بثقلُ الدمُوع التي سقطَت، جفّ وجهها من تلك الملوحة! جفّ بعد أن أصبحَت أرضًا تمتصُّ الملحَ دونَ المـاء، هذا التشقّقُ الذي يهزمُ قلبي كيف لا يقتله؟ يوجعه لكن لا يقتله، لازلت أشعر، لازال قلبي ينقبض، لازال قلبي يصرخُ كلّما وجدتُ هذا الظـلام فيّ يكبـر ، لازال يُنادي حضنكَ يا سلطان ، لازال يحتاجه!! أيّ برودةٍ خلّفها دفئُك فيّ بعد أن ابتعدت؟
ضمّت جسدها بذراعيها ورعشتها لعينيه كانت واضحـة، صوتُها حاولت قتلهُ بعضّها لشفتِها لكنّه تمرّد وأخرجَ أنينها الواهنَ مُصاحبًا للدمـوع .. لم يستطِع أن يخرج! لم يستطِع ووجد نفسه يتألّم! هـو جزءٌ من آلآمها ، هو جزء! جزءٌ رغمًا عنهُ وعنـها، يُدرك كيف يقسو، لكنّ تلك القسوة هي من خلقتها فيه نحوها . . . بهتت فجأةً حين شعرَت بهِ يجلسُ بجانبها، وتطوّر البهـوت لشهقة ، حين شعرت بهِ يُحيطها بذراعيه ويرفعها إلى صدرِه لتسقطَ الكمـادةَ من على قدمِها إلى السرير .. انتفضَت موسّعةً عينيها وهي تُحاول التحرر من ذراعيه بصدٍّ وصوتها الباكي ينتفضُ في حُنجرتها : لا تضمـنــي !!
سلطان بحدةٍ وهو يشدّها لصدره : ماهي أوجاعك تحتاجني؟ ابكي وارتاحي . .
غزل بضعفٍ تناقـضُ ما تريدُ وما تحتـاج : بتضاعف حاجتي لك ، أبي أهزمك وأرتاح من غير حضنك.
سلطان بحزم : بساعدك تتخلّين عن هالحاجة بس الحين ابكي وارتـاحي !!
غزل بوهنٍ واستسلام : شلون تساعدني وأنت تبي تنتقم مني؟
سلطان : ماودي أنتقم بمشاعرك ، ماودي يجي يوم أشوفك فيه متعلقة فيني ! .. اكرهيني يا غزل ، اكرهيني بقد ما تقدرين بس لا تحبيني وتحتاجيني! اكرهيني لأني ماراح أسامحك.
غزل بأسى وهي تدفُن وجهها في صدره : اعتقني!
سلطان يبتسم ابتسامةً ضيّقة : تعرفين إنّي مستحيل أعتقك ، مستحيل أسامحك ، ومستحيل ما أقسي عليك!
وضعَت كفّها على كتفهِ تشدّ عليه بقوّةٍ وهي تنتحبُ بأنينٍ خافت، شدّها إليه أكثر ليرتفعَ بُكاءها أكثر ، لتغيبَ في صدرهِ أكثر، لتجد دفئًا غير دفء الوسـادة، الدفء الذي تحتـاجه، الدفء الذي يُسعفُ حزنها ويحوّر البكـاء إلى راحـة . . همسَت بعذابٍ وأسى وهي تغيبُ بين أضلع صدره ونبضاتُ قلبهِ تجاور أُذنها : بتكرهني أكثر يا سلطـان . . بتكرهني !!
،
متى رأى ملامحها الصاخبـة بالفتنةِ آخر مرّة؟ لا يدري! بـات يشعُر أنّه لم يرهـا منذ أشهر، لربمـا كانت الأيـام كاذبةً في عدوِها أو أنّهم من كذبُوا حين قـالوا لم تنـم طويلًا، نهضتَ مبكرًا ونهضَتْ مبكرًا، لربّمـا دخلُوا في غيبوبةٍ ولم يخبروهم .. يشعر أنّه لم يرها منذ زمن! لم يلمـح عينيها البنيّتين منذُ زمـن، لم يُغرق أناملهُ في شعرها النـاعم، لم يـلامس بشرتها البيضاء!
اتّصـلت العيُون وعبـرت النظـرات، رأى بوضوحٍ البهُوت في عينيها ما إن رأتـه، ورأت هي الشوقَ المحموم في براكينِ عشقِه . . تـراجعَ يـاسر بعد أن ألصق كرسيّه بسريرها نظرًا لصعوبة حركةِ فواز الآن، وقبل أن يذهب انحنى إلى أذنه وهمس بعبث : اللي مرضيني فيك إنّك ماراح تقدر تتحرّك من الكُرسي أو تحركه يعني مصيرك في يديني . . قول يارب ما يرجع خالي وأنا ما جيتك.
ضحكَ بخفوتٍ ومن ثمّ ذهبَ وهو ينظُر للأسفـل ونظراته لا تقعُ على جيهان التي مدّت طرف الطرحـة لجانب وجهها بعد الاتصـال السريع بين نظراتهما، قلبها ينبضُ بقوّة، وجهها تضاعـف بهوتًا، أصابعها تشنّجت وانتشـرت برودةٌ في أوصـالها .. بينما تنهّد فواز وهو يتراجعُ بظهرهِ للخلفِ ليهمسَ بشوق : شهر والا شهرين والا سنة؟ والله الأيـام كذّابة!
أسبلَت أهدابها بضعفٍ وهي تشدّ بيدها على الطرحـة بوهن، لم تنظُر نحوه، لم تعلـم لمَ لمْ تنظُر إليـه، كـانَ الاتصـال سريعًا، لم يكن بينها وبينه! بل كان بين عينيهما، بين أحداقهمـا بنيا جسرًا سُرعـان ما تحطّم بصدّهـا ، الهـواءُ المعبّق برائحة مطهّرات المشفى أصبـح خانقًا حينَ حضـر وحين رآها، البيـاضُ هنا يكتنز ، والصدُور تتعرقلُ بالتنفس . . ابتسمَ بولعٍ وهو يتفقّد كفّها التي كانت تُمسك بها طرحتها لتُغطّيها عنه، المُغذّي الذي يتّصـل بظاهرها، الشحُوبُ في مفاصِلها ، يُريد النظر لوجهها الآن! لعشقِه، للجمـال في عينيه! . . هتفَ بعشق : شدعوى مغطّية وجهك عني؟ تراني فـواز.
فواز! هذا الاسمُ عبر على مسامعها الآن، وتسارعَ نبضُ قلبها، لمَ؟ ألازالت تُحبّه؟ ألازال عبقًا من زهورِ الأقحـوان حين يأتِي ترقصُ الأهداب طربًا في إغماضةِ جفن! تركَت الطرحـة تلقائيًا لتسقطَ وتظهـر ملامحها الشاحبـة، عينيها مُغمضتينِ وأهدابُها نقشَت الصدّ الغيـر إراديّ منهـا .. " تراني فوّاز "، يقصد أنّه زوجـي! زوجـي الخائن، كم اشتاقتـه! كم استنجـدت بهِ في تلك اللحظـة، لم تُنادي أحدًا، لم تُنادي أحدًا ليُنقذها سواه، كـانت ترتّل اسمه في أقسى لحظـات حياتِها، بينمـا هو خائن! كيف فعلهـا بها؟
تذكّرت زواجـه، تذكّرت أنّه خانها، أنّ أخـرى أصبحَت تشاركـها بِه ، وانطـفأ لهيبُ الشوق أمـام حممِ القهـر والغيرة، انطفـأت إغماضةُ الأجفـان لتفتحَ عينيها وتنظُر نحوهُ بعذاب، بغضب، بحُب! وبعتـابٍ مجروح، لمَ فعلتها؟ .. أرادَت سؤاله، أرادَت الصـراخ في وجههِ بعتـاب، ببحّةِ صوتها المُرهق، لكنّها في النهايـة لفظَت بضعفِ صوتِها، بقوّةِ الكلمـات رغم الضعف! لفظَت من بينِ أسنـانها بحقد : منت زوجي! انتهيـنا!
كـان يتأمّل ملامحها الشاحبـة، عينيها المُنطفئتآن، شفاهها الجافـة، يتأمّل كلّ جزءٍ من أرضِه، يتأمّل كل جزءٍ من وطنِه، وطنه الذي لا يُريد سُقياه، وطنه الذي استكبَر! وطنه الذي يلفظُ كلمـات المنفى ، لا أرضَ سواكِ، أنتِ الوطنُ والمنفى، عائدٌ إليكِ في رضاكِ وفي العـدم، إن رغبتُ وإن لم أرغبْ، وكيف لا أرغبْ؟
همسَ بولـه : نتفاهم بعد ما نطلع بالسلامة . . عيوني اشتاقت عيُوني.
جيهان بقهرٍ ترتعشُ كفّها وهي تصدُّ بوجهها للجهةِ الأخرى : ما يشتاق لك القُرب!
فواز بابتسامة : والبُعد ما أشتهيه ، عاندته وجيتك . . أحبك!
أغمضَت عينيها بقوّةٍ وهي تشدُّ على شفتيها بضعف، وبجـراحٍ تعمّقت في كلماتِها فنـزف منها العِتـاب : كذّاب ، اللي يحب ما يخُون!
تنهّد فواز بأسى وعجز، هل يلعنُ هذا العجز الذي يمنعهُ من مدّ يديه واحتضانها؟ يلعنُ يدهُ المكسورة؟ الجبيرة التي تقيّده والحركـة المحصورة في قدميه؟ . . هتفَ بخفوت : اتركِي هالموضوع ، خليك فينا .. زواجي أوعدك ماراح يضرك ولا بيضر مكانتك بقلبي!
فتحَت عينيها ونظرَت نحوهُ دون استيعابٍ لكلمـاته التي يقُولها، للمحـاولة الفاشلة في إرضائِها! ابتسمَت بسخريةٍ لتهتف ببحّة : ماراح يضرني؟ أنت مستوعب إنّي الحين أحترق؟ إنّ قلبي موجوووع؟ إنّ روحي مجروحة ونـار تاكلني من فكرة إنّي أكون لشخص وتشاركني فيه غيري؟ ماراح تحسْ، ما تحسون بحرقتنـا لما تسوونها فينا.
فواز بمحاولـةٍ لاستمالتها : اعتبريها ماهي موجودة وأرضي لأني مستحيل أتركك، لأني أحبك أنتِ وبس.
جيهان بسخريةٍ مريرة : وش كثر تبسّط المواضيع يا فـواز! . .
أردفت وكأنها تُريد إوجـاع ذاتها أكثـر، الحقـد عليه أكثر، تعميق رغبتها بالإنفصـالِ أكثـر : أحـلى مني صح؟
أجفـل لسؤالـها المرير، قبضَ كفّ يدهِ السليمـةِ وانعقدَ حاجبيهِ لسؤالهـا الذي دلّ على مرارةِ زواجـه، هتف ينهرها بحدة : جـــيـــــهــــااااان!
جيهان بوجَعٍ تبتسمُ وهي تنظُر لعينيه بخيبة : من بعد هذيك الليلة اللي سبقت زواجنـا وأنا أحترق! أنـاظر وجهي بالمراية وأحترق، هيّ أحلى والا أنا أحلى؟ أكيد ما عجبته عشان كذا تزوّج وحدة حلوه ترضيه، أكيد ملامحي ماهي حلوة وكان كذّاب يوم قالّي إنتِ أحلى بعيوني . . ليش كذبت؟
تمنّى لو يمدُّ يديه، أن يحتضنـها، أن يعانقها إلى قلبهِ بقوّة، يدخلـها بين أضلعهُ قسرًا، يجعلها تلتحمُ بهِ لتنتمي إليه أبدًا ولا يفقدها! . . لفظَ بأسى : أنتِ شغفي ، والشغف دايِم يكون متعدّي الجمـال .. أنتِ أجمل إنسانة بعيونك ولو حطّوا شبيهاتك جنبك تلاشوا لأن الشبـه عندك مُحــال!
سقطَت دمعةٌ وحيدةٌ من عينها اليُسرى، ببطءٍ مُهلكٍ وصَلت إلى أذنها وهي تهتفُ بعذابٍ وضعف : ليه تزوّجت عليْ؟
فواز بعجز : لا تسأليني الله يرضى عليك ، ما عندي جواب بس أعرفي إنّي ما أحب غيرك.
جيهان بانفعـال : طيب طلّقها .. طلقها لو كنت تبيني وتحبني ، وأنا أوعدك ماراح أطري الطلاق وبكون لك!
نظر لهـا بصدمةٍ لا يستوعبُ أنها استسلمَت عمّا تُريد وقايضتهُ برضائها مقابلـة طلاقـه، لكنّه لم يستطِع قول شيء يُرضيها، زمّ شفتيه ومن ثمّ لفظَ بأسى : لا تصعبينها عليْ.
جيهان وشفتيها تهتزّان ألمـًا، لفظَت بسخريةٍ من ذاتِها : أي صح، نسيت أصلًا إني سمعتك يومتها تقول مستحيل تطلّق.
فواز بأسى : الطـلاق ماهو لعبـة، مهما كانت ظروف الزواج مستحيل أفكر إن الحل الأول هو الطـلاق! .. ماني أوّل واحد ولا آخر واحد يتزوّج ثنتين يا جيهان ، لا تصعبينها عليْ وعليك لأني ماراح أطلّقك!
صدّت وجهها عن وجههِ بقهرٍ وهي تلفُظ : اطلــع ، ما أبيك ، ما أبي أشوف وجهك.
فواز : ما جيت عشان تشوفيني، ما جيت عشانك تبيني ، جيت لأنـي مشتاااااااق ..
زمّت شفتيها بوجعٍ وهي تُغمضُ عينيها بقوّة، وبغصّة : شوقك يوجعني أكثر ، اطـلع.
تجاهل حديثها وهو ينظُر نحو ساقيها التي جُبرت إحداهما : شلونها ساقِك؟
أطبقَت فمها واعتصمَت الصمتَ لهُ ردًّا، لم تُرِد الحديثَ معهُ أكثـر، لم ترِد إوجـاع ذاتِها أكثر، لم تُرد لهذا الجُرح والنقص أن يتعمّق فيها أكثر ، لمَ تزوّج؟ لمَ؟ تُريد إجـابةً تزيدُها بؤسًا، يا للتنـاقض!! لمَ تزوّج؟ .. ألأنها ليست جميلة؟ لأنّها لم تفتنهُ يومًا سوى في شعرها؟ كـاذب، كـاذبٌ حين يقول بعينيه " كلّك فتنة "، كـاذب! قِيل بأنّ لغـة العيُون هي الأصدق، وأثبت لها فوّاز أنّ هذا خطأً . . كاذب! كــاذب!!!
يُتبــع ..
|