كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعـة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحّة وعافية
كثير بنات بهالفترة يرسلون لي كلمات حلوة عن الأبطـال ويكتبون فيهم خواطر ومعلّقات بعد :) ودي طبعًا أحتفظ فيها كلّها وتكون قدام عيونكم مثل ماهي عندي، فأي كتابة/اقتبـاس ترسلونه لي لأحد أبطـال الرواية بحطّه كمدخل للبـارت وراح يكون ترتيبه بحسب ماهو مناسب للشخصيات والمواقف الخاصة فيهم ماهو بحسب تاريخ ارسالكم له :$ . .
مدخل اليوم ارسلته لي وحدة من البنات وعجبني وقلت بحطه بما أنّه يناسب أبطالنا ( أدهم & إلين ) خصوصًا إن فيه مشاعر كبيرة تخصّهم اليوم ، استمتعوا في الكلمات مثل ما فتنتني وشوفوهم فيها مثل ما شفتهم أنا ()
بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !
لا تلهيكم عن العبادات
تجيئين حسناً ..
وتمضين حزناً ..
كما داعبَ الغيمُ جوعَ الفلاة
وأحلمُ فيكِ..
ولا ألتقيكِ..
وجفني يعَضُّ على الذكريات
وأغدو ابتهالاً..
وقلباً يتيماً ..
يفتش عن أهله في الرفات
وأهتِف ُفي الأفْقِ .. ما من مجيبٍ..
سوى رجفةِ الأضلع المرهفات
أهزُّ إليَّ جذوعَ الأماني ..
فتسقُط أوراقــها ..
يابِسَات !
رحلتِ ..
تجرَّين حبلَ الأماني ..
وزادُكِ..
أحلامُكِ الزائفات
تخيَّرتِ وهماً مديدَ الظلال ..
ودرباً جوانبُهُ موحشات
بخديكِ يجري فراتٌ صغيرٌ ..
وأين أنا من مصبِّ الفرات ؟
ولو ينبتُ الزهرَ ملحُ العيونِ ..
لأزهرتِ يوماً على الوَجَنات
سألتكِ بالله .. يا نور عيني ..
بدونيَ هل في الحياة.. حياة ؟
تعالي ..
لنسخرَ منـَّا قليلا ..
مللتُ الحديثَ عن الأمنيات
مللتُ انتظاري لحلمٍ كذوبٍ...
فلا قال "هاكَ"..
ولا قلتُ "هات" !
تعالي..
لنزعج حزنَ الصدورِ ..
برجفِ الضلوعِ من القهقهات
فـ حتام نجري إلى غير شيءٍ ..
وما العمرُ إلا "هنيئاً" و.... "مات!"
سئمتُ غيابكِ .. في القلبِ طفلٌ ..
يطارد طيفكِ في الشرفات
تعالي..
نعدُّ الدموعَ سويـَّاً..
و
ونرجع أيامنا الضاحكات
ونخطف َمن وهمِنا.. ما حُرمنا..
ونوهِمُ حِرماننَا..
بالسُبات !
أحبكِ ..
يا رحلةَ الروحِ..
أنتِ.. بذورُ الحياة..
وقشُ الممات
تغيبـين عني..
طويلاً..
طويـــلاً ..
وتأتيــــن دوماً مع الأغنيـات
* لـ سليمان الطويهر
(65)
صوتُه الأجش، وليلةٌ تُعلن انتهـاء اليوم، سكُونٌ في نبرتِه وثبـات، هذا ما تشعرُ بهِ على الأقل بينما هو يتخبّطُ فوقَ صفيحةِ الإهتزاز، بنـارِ شوقٍ محموم، بلهيبِ السنواتِ العجـاف، ولظى يشتدُّ بأوزارهِ حولَ أضلعه، يمنّي نفسه الوصول إلى عضلةِ الحيـاة التي تتربّعها - هي - فقط كملكةٍ أقـام شعبها عليها مظـاهراتٍ بمرورِ سنواتٍ ليغضَّ بطرفهِ عنها ويُلجمَ لسانه عن وصلِها ويكفّ بشرته عن الشعُور بها.
ماهذا الظلمُ الذي أجـارهُ على ذاتِه! هل تظلمُ النفسُ البشرية نفسها في غيرِ الشرْك؟ ماذا أقُول وأنتِ العقيدةُ التي ما آمنتُ بغيرها قط لكنّي أشركتُ بها حينما اتّبعتُ كبريائي وابتعدتْ؟ ماذا أقول ولا قولَ يُفنِي هذا المجدَ الصريحَ لذنبي؟ اكسري هذا الذنبَ بوصلِك، لا تقولي الآن حينَ أضعُف بأنّكِ تُبتنِي ولا تريدنني، لا تقولي الآن حينَ أمدُّنِي بكِ أنّك قطعتِ اسمكِ مني، لا تقولي الآن حينَ أركعُ لعينيكِ أنّكِ لستِ القبلةَ الساميـة، أنّكِ القدسُ التي انتهَت القبلةُ نحوها منذ قرُون.
صمتَ بعد اسمها الذي لفظْ، بعد " نجـلاء " ولا نجـلاءُ سواها، الاسم الذي غابَ عن أذنها أبدًا، لم يكُن اسمها قطْ، هذا ما تفكّر بهِ هي على الأقـل، لذا انعقدَ حاجباها باستنكارٍ للإسمِ في بادئ الأمـر، أمـالت رأسها قليلًا حتى تستوعبَ من نجـلاءُ التي يقصدها، مرَّ الصمتُ سريعًا، في موجةِ بحرٍ خطفَت الميـاه وسلّمتها للشاطئِ في ظرفِ ثوانٍ قـلال، تحشرجَ تنفّسها فجأةً كتحشرجِ الاسمِ الذي نطَق، تهدّلت أجفانُها وصدرها يرتفعُ بثورانٍ لتشدّ على أسنانها وقد استوعبَت الاسم الذي قاله وإلى أين اتّجه، يقصدها هي! هي !! . . ارتعشَت الكلماتُ في فمها بحنقٍ وتدافعَت إلى شفتيها لتنسلَّ من بينهما بحدةٍ تكفي لجرحِ شفاهِها الرقيقة، سوى أنّها كلماتٌ لا تُرى ولا تجرح سوى الآذانَ بسمعها : إلين ، اسمي إلين وبس!
ابتسمَ ونظراتُه تخفتُ والليلُ يزورُ غرفتهُ عدا من نورِ الأبجورةِ المُحمرّ، صوتُها يدغدغُ الليل ويستفزُّ صرصارهُ للصرير، الصريرُ الذي يبتلعُ كل سكُونٍ يتحلّى بهِ الليل، لوّثت الأوصافُ باستثنـاء، الليلُ ساكنٌ يشوبُه ازعاجُ الصراصير، الشتـاءُ باردٌ يُدفئهُ حضنْ! لـذا هو يُريدها قبل الشتـاءِ القـادم، لتكُون دفئه، الاستثنـاء الذي سيطردُ بردَ الريـاضِ عن قلبهِ الراجِفْ.
تنحنحَ ليُنقِّي صوتهُ من بحّةِ مشاعـره، بلل شفتيه بلسانِه والكلماتُ تستمدُّ بللها منهما ليُصيبهما جفافُ الخريف، وبهمس : صح ، افتخري باسمك ذا ، بإلين محمد فؤاد ، بدون أصل ! صدّقيني اسمك ذا يجيب الفخر أكثر من الحقيقي.
ابتسمَت بسخريةٍ متأسيّة وهي ترفعُ عينيها للأعلى وتشقُّ بهما الظـلام، لمَ اتّصل الآن؟ ليقُول اسمها الحقيقيَّ ومن ثمَّ يُخبرها أن تفتخرَ بالآخر؟ لا تدرِي لمَ ردّت عليه واستجابَت لاتّصاله كما لا تدري ما الدافعُ كي يتّصل! ربّما أرادت معرفة ذلك الدافع فقط! لا تدري سوى أنّها ردّت دونَ أن تعلمَ ما الذي يدفعها للرد!
همسَت بسخرية : صادق ، أصلي الحقيقي ما يجيب الفخر ، اللي هو نفسه أصلك.
غابَ صوتُه لوقتٍ وهو يعقدُ حاجبيه محاولًا استيعاب الذي فهمهُ من جملتها تلك! لم تعلم بعد؟ لم يخبرها عبدالله بالحقيقة؟؟ . . لفظَ باستنكارٍ ولم يستطِع كبحَ كلماته : أصلي؟!!
إلين بقهر : أي ، ماهو أنت ما تفتخر فيني كأخت لك ولا تعترف؟ واضح قصدك العكس من كلامك، قصدك أصلِك الحقيقي ما يفتحر فيك صح؟
زفَرَ بذهولٍ وهو يعيدُ ظهرهُ للخلفِ بعنفٍ ليصتدمَ بالوسائِد الناعمة، لم تعلم بعد! لم يُخبرها وهو الذي اتّصل وفي ظنّه أن صعوبة مكالمتهِ ستقتضي في جرّها إليهِ قسرًا.
شعرَ بالقهرِ يتسللُ إليه بسرعةٍ عاتيـة، شدَّ على أسنانهِ بحنقٍ من كل شيءٍ يقفُ ضدّ ما يريدهُ ويحتاجُه! يحتاجها والحاجـة لا ترتبطُ بوقتٍ ما، الحاجـةُ تُخبر بحدّةٍ أنّها يجب أن تكُون قربهُ في أسرعِ وقت، وصمتُ عبدالله لا يُساعده.
هتفَ من بين أسنانه بحدّةٍ هاجمَت صوتهُ المقهورَ فجأة : أي صح ، أصلي ما يفتخر فيك ، أنتِ تظنين إنّي مبسوط لأنّك أختي مثلًا؟ والله هذا اللي ناقص بعَد.
إلين بقهرِ الكلماتِ التي كانت تهذّبها لأيـامٍ من بعد تلك الليلة التي انسلّت فيها من زواج أسيل إلى بيته، بأفكارِها التي هذّبتها بعتـابِ عقلها الذي كان يُخبرها بأن تقتنعَ بحالٍ لن يجيء آخر أفضل منه، بكبريائِها المطعون والذي وعدَت نفسها بأنْ لا تُهدرهُ مرّةً أخرى : ببساطة أنا أختك بغيت أو لا ، غصب عنك ، ولو إني أنا اللي ما أفتخر بهالشيء ولا أبيك، بس غصب عنك لازم تقتنع بهالشيء.
أدهم بحدة يعُود بها لمكالماتِه السابقة معها والتي كان يقسُو فيها عليها وهي تبكِي حياتها، نسيَ أنّه اتّصل بشوقِه واندلعَ قهرُه لأنّه لم تدرِي بعد بالحقيقة : بالله؟ ومين اللي جات لين عندي بأنصاص الليالي تترجّاني أضفّها ببيتي؟
ارتعشَ فكّها بجرحٍ جديدٍ تضمّهُ منهُ إليها، قاومَت حرارةَ عينيها اللتينِ أخبرتاها بوضوحٍ أنّ دمعًا قادمًا إليها من محاجِرها بعد الذي قالـه، بعدَ إهانتهِ الصريحـة لها ولكبريائِها المطعُون، لن تبكِي! قالت لن تبكِي! وعدَت نفسها بعدمِ البكـاء ونقضَت وعدها حين بكَت أمـام ياسر مرّة، لكنّها أعـادت ترتيلَ هذا الوعد، لن تبكِي، لن تبكِي!
عضّت شفتها السُفلى تُقاومُ شهقةَ انكسـارٍ جديدة، من هُو حتى تبكِي من كلماتِه؟ من هوَ حتى يتعمّق جرحها بقسوتِه؟ من هوَ لتضعَ في قاموسها لهُ مكانًا شاسعًا يكفي للتأثيرِ باتّزانِ لغةِ ثباتِها، أنتَ لست أوّل من يكسرني، لستَ أوّل ولا آخر خيبةٍ اغتـالت حياتِي، وظننتُ أنّي انتهيتُ منك ومن خيباتِك، أنّك لن تجرؤ يومًا على كسرِي مرةً أخرى مهما فعلت، وسأكُون عند حسنِ ظنّي بي، لن تكسرنِي يا أدهم، لن تكسرنِي.
بينما كان هو قد عضّ لسانهُ بعد الذي قالـهُ بندم، لازال تهوّر لسانـه لم يمُت بعدُ ومن الواضح أنّه لن يموت بسهولة، انزعجَ من صمتِها الذي أخبرهُ بوضوحٍ عن تأثيرِ كلماتِه، فتحَ فمهُ يريد قولَ شيءٍ مـا يكفّر عن ما قاله لكنّه لم يستطِع وعاد ليطبقهُ بصمت، صمتٌ كان يتمنّى عكسه، في لحظـةٍ لم يُرِد فيها جرحها، لا يُريد المزيد مما سيجعلها تبتعد، من القسوةِ التي لا تليقُ في التعامـل مع رقّتها.
حكّ شفتهُ العُلويّة بأسنانِه وحدّةُ ندمهِ الآن تكادُ تجرحُها، صمتَ صمتًا مؤذيًا لهُ قبل أن يكُون لها، وحين انبثقَت الكلماتُ من حنجرتِها كـانت بعكسِ تيّارِ كلماتِه الجارحة، التمعَت عيناها بثباتٍ وقوّة، واتّزنت نبرتها الحـادةُ والمتحدّيةُ في فمها لتلفظَ بنبرةٍ ساخرةٍ منه : الحين أنت تشوف نفسك رجّال يوم تقول مثل هالكلام لبنت؟ حتى وإن كنت تشوفها غريبة عنّك، حتى لو كنت ما تعترف فيها ! ماهي رجولة منك يا أدهم.
تجمّدت الكلماتُ لتجمّدِ مخارجِ أحرفه، والتوى لسانهُ وردّها ألجمه، أشعرهُ بفداحـة قولِه، أشعره بالإحـراج منها بعدَ ندمِه، شتت عينيه وهو الذي صغرَ بعد ما قالته، بينما زفَرت هيَ بأسى لتُردف متساءلةً بهمسٍ مجروح : ليه متّصل؟!
ثبّت أنظـارهُ على المفرشِ أمـامه، يندسُّ ساقيه أسفلهُ وبالرغمِ من تكييف الغرفةِ العالي شعرَ أنّ حرارةً نبتَت فيهما، أزاحَ المفرشَ عن ساقيه، وتنفّس مجددًا هواءه، ليهتفَ بعد ذلك بهدوءٍ متوترٍ والحوارُ السابق كافٍ ليُربكه : كيفك؟
اتّسعت عيناها بذهول : لا يا شيييخ!
أدهم يبتسمُ ابتسامةً ضيّقةً دلالة ربكتِه : أول مرّة تسمعين أحد يقولك هالكلمة؟
إلين بسخرية : غيرك أنت ، لا.
شهقَ شهيقَ هواءٍ يجدّدُ بِه أنفاسهُ من جديدٍ بعد تلوّثها بربكتهِ خلال الثوانِي السابقة، مرر لسانه على شفتيه والمكالمة الآن شعر أنّها أصعب بكثير، أصعب بعد أن ظنّ أنّها تعلم كلّ شيءٍ وقد أخبـرها عبدالله، وليته الآن يستطِيع إخبارها بنفسه! هو لا يعلم متى سيخبرها ذاك، وانتظـاره يكاد يُذيبه، لكنّه لا يستطيع إخبارها! لا يستطِيع استقبال انكسـارها أكثر.
ومن بين كلِّ ذاك وذاك . . يحتاجها ملء السموات والأرض.
لفظَ بنبرةٍ خافتـةٍ وعيناهُ تضيقـان باحتياجِه : لو قلتلك تعالي عيشي وياي وهالمرة صادق بتجين؟
اتّسعت عيناها بصدمةٍ من تناقضه وهي لا تكادُ تستوعبُ كلماته، لتلفظَ دونَ تفكير : لا !!
انقبضَ قلبهُ بضيقٍ لتضيقَ عيناه أكثر، وبهمسةٍ مستوجعة : ليه؟
إلين بذهول : أنت مستوعب التناقض اللي عايشه؟ غير عن كل شيء صـار من قبل أنت توّك من ثواني مقلّل من قيمتي وقايل حكِي ما ينقال! والحين تقول تبيني؟ ماني قادرة أستوعبك!
أدهم يبتسم بأسى : ولا أنا قادر أستوعب نفسي . . أنا آسف ، نجلاء.
ضحكَت بذهولٍ من الاسم الذي لفظَه وهو يكذّب حقيقته، من تناقضهِ قبل اعتذاره : يارب! يارب بس !! أنت من أيش مخلوق؟
لفظَ متجاهلًا كلماتِها تلك وهو يفقدُ نفسه أمامها، بل يعود! يعود لنفسه - الطفل -، يعودُ لحقيقته التي تنسابُ برقّةٍ بعيدًا عن هذا الجمود الذي يغلّفه، لحقيقته التي داستها السنينُ ولوّثتها بعد أن مرّغتها بالقسوة : أنا آسف ، على كل شيء، على كل شيء ممكن يجرحك مني . .
تجمّدت الكلماتُ في حنجرتها بصدمةٍ هذهِ المرة بعيدًا عن ما غير نطـاق " اعتذاره "، عن صوتِهُ الذي تسلل إلى مسامعِها برقّة، بصدق! . . لم تملكْ ما تقُوله تلك اللحظـة وهي تشعُر أنّ ما يحدُث غير حقيقي، ما الذي قد يدفعُ أدهم للاعتذَار فجأةً بهذا الشكل؟ ما الذي قد يدفعُ أدهم للحديثِ معها بصدق؟ هل صدقهُ حقيقي؟ يا لسخـرية كل شيءٍ على حالِه! لم تكُن لتصدّقه، هو الذي كسرها مرات، هو الذي تلاعب بحاجتها لهُ سابقًا، لم يكُن سهلًا عليها أن تصدّق اعتذاره! ما الذي يؤكِّدُ لها أنّه لا يريد شيئًا من خلفِ تلك الكلمات؟ ما الذي يؤكدُ لها أنّه لا يخدعها ليصلَ إلى شيءٍ مـا؟ . . ازدردَت ريقها بصعوبةٍ وهي تتخيّل أنّه قد ينوي إيذاءها بأيّ شكلٍ من الأشكـال، أنّه يريد منها شيئًا لذا يحاول استدراجها لمصالِحه الشخصية.
غابَت ظنونُها خلفَ صمتها، ولو أنّها لفظتها لجرحتهُ جرحًا كافيـًا، هو الذي استسلمُ أخيرًا لعينيها، هذا الاستسلام الذي يعني النصر، هو الاستسلامُ لعينيكِ! هذا الاستسلام الذي رفعَ بهِ رايـةَ احتياجِه لقطرِها، هي دائرتهُ التي لا ينتهي سفرهُ فيها، يتّكئُ على قطرها مستمدًا منها كلّ الحيـاة.
في بعضِ المرّاتِ تكون الكلماتُ كجزءٍ فائضٍ عن الحاجـة، سكنُه فينا يعني ثُقلًا لا يُحتمل، وهو الذي شعر بأنّه تخلّص من ثقلٍ مـا، بأنّه ارتـاح بعد اعتذَاره، بعد - آسف - التي لم يُجِدْ يومًا قولها كمـا الآن. أردفَ مبتسمًا بشفافيّةٍ وهو يشدّ على الهاتف ويُميل برأسه قليلًا : استغربي ، عادي ، بس أنا آذيتك كفاية ، ومنتظر الوقت الكافي عشان أصلّح كل شيء!
ارتعشَت شفاهُها بضعفٍ من كلماتِه وخوفها من هذا الكذبِ الذي يختبئُ خلفَ صوتِه، من الصعبِ أن تكون طيلة عمرها بريئةً حدّ أن لا تسيء الظن فيأتِ هو ويقلب كل شيءْ، حتى صوتُه الصادق تخشـاه، تخشـاه بعد أن أهداها الأمـل مرةً وكسرها، من قال أنّها متأمّلةٌ بهِ مرّةً أخرى؟ لقد انتهَى من حياتِها! انتهَى وبقيَت فقط ذكراهُ السيئة، ذكراه التي تكرهها بعد أن انتظرت منهُ الخلاص والانتمـاء فخذلها!
زمّت شفتيها بغصّةٍ وخذلانٍ منه، شدّت على قبضتها الأخرى التي كانت تندسُّ في حُجرها، وبنبرةٍ مقهورة : تصلّح كل شيء؟ ليه هو أنت تظن إنّك بحياتي؟ خلاص يا أدهم أنا تجاوزتك من هذيك الليلة وما عاد أبي منك شيء الا إنّك تتركني بحالي بعد ما خذلتني وقت حاجتي لك!
أدهم بنبرةٍ ثابتةٍ بطيئةٍ يشدُّ بها على كلماته : ما انتهيتي منّي ، أنا اللي صرت محتاجك هالمرة وحاجتي أقوى من حاجتك!
إلين بقهرٍ وحقدٍ وكلماتهُ تستفزّها : أكرهــك ، أكره أنانيتك! أذيّتك للي حولك، وصدّقني أنت انتهيت من حياتي من زمـان.
ابتسمَ بأسى، هذهِ الكلمـة تَسحقْ! تسحقُ بجدّيةِ العشقِ فيه! العشق الذي لا يكذب، العشقُ الذي مهما كذبَت أفعاله يكُون صادقًا في القلب، هذا الحب - الأعوج -! . . لو أنّها تترك " أكرهك " بين شفتيها ولا تنطُقها له! قالتها لـهُ سهى، قالتها ولم تكذِب أبدًا، كانت بصيرتها أقوى، تكرهه! ويا الله ما أقسـاه هذا الشعور، ما أقسـاه حينَ يملك في قلبه الضد، لكن ماذا عسـاه يتوقّع غير الكُرهِ وهو الذي أوجعها كفاية؟ فكيف إذن إن عرفَت بما فعل في الماضِي؟!!!
أردفَت بحدّةٍ وهي ترفعُ كفّها عن حُجرها وتمرر أناملها بين خصلاتِ شعرها لتشدّها أخيرًا : كنت أقنع نفسي دايم إني ما أكرهك من يوم دريت إنّك أخوي، أقنعت نفسي إني ما أحمل لك أي مشاعر ، لا كره ولا حب بس مجرّد قبول لأنّي كنت أبي أحس بشعور العالم من حولي، شعورهم بالانتماء! ومالقيت هالشعور إلا عندك عشان كذا تقبّلتك، بس اكتشفت من بعد خذلانك لي إنّك كسرت حتى هاللي بقلبي، الشيء الأخير لك عندي يا أدهم، الانتمـاء لك والقبول بعد، أكـرهك.
التوت ابتسامتـه بألـم، لا حق لهُ ليلومها ويعاتب، لا حقّ لهُ عندها وهي التي كرهتْه للا شيء – في نظرِه! فكيف إن اكتشفت الحقيقة الغائبة، لم تكرههُ الآن لما حدثَ في الماضي، للاقترابِ المحرّمِ - بنظرها - فهي أدركَت إدراكًا كاذبًا بأنّه لم يكُن يعلم بأخوّتهِ لها وإن كان ذلك لا يعذره، فهو في النهاية فاسق! لكنّ ذلك وإن جعلها تبغضه في البداية إلا أنّها حـاولت وضعَ الاحتمالات بتغيّره، لا أحـد يُحمَّلُ بذنبهِ لسنوات، البشرُ يتغيّرون، الذنبُ يلحقهُ الغُفران بالتوبة، ولا حقّ لنـا لنمسّ غيرنا ونتّهمهُ بثباتِ الذنب فيه أبدًا، لم يكُن ذلك سبب كرهها له! والآن كرهتهُ على خذلانه! على اللا شيء! فكيف إن علمت بكل الحقائق! ستمتدُّ المسافاتُ أكبـر، ستزدادُ صعوبةً ومراوغـة، لن يظفُر بها بسرعةٍ كما يحتاج، ستبتعد، وسيحتضرُ بهذا البعد الذي ما عاد يقواه.
تحشرجَ صوتُه وكلماته، أغمضَ عينيه وكلّ ملامحهِ تذُوب بخيبتِه، بكرهها، بهذهِ القسوة! ، هتفَ بصوتٍ متأسّي لا يحملُ في جوفِه نبرةَ حياة : لهالدرجة عندك إمكانية تشطبين الناس من حياتِك وتتجاوزينهم بهالسرعة؟
إلين بابتسامةٍ تسطعُ في شفاهها بثقة : أي ، أقدر أتجاوز مليون شخص يعرقل علي حياتِي.
أدهم بسخريةٍ من حالِه : يا بختك!
إلين وابتسامتها تتحوّر بأسى : البخت تابني.
أدهم بإصرار : بس أنا ما تبتك.
تجاهلت كلماته التي أرعشتها وأصابت صدرها بغصّة، لا تروقها! لا تروقها وهي التي ترى أنّ لا حق لهُ في قولِ كلماتٍ كهذه : ما عدت أؤمن بالبخت يا أدهم، الصحيح إني تبته ما تابني، أنا مؤمنة في الله بس، في إنّه هو اللي للحين يمدّني بكلماته وقدَره، للحين ثابتة لأنّه أراد هالشيء، لأني آمنت فيه فكآفئني لإيماني.
علّميني أنا هذا الإيمان! علّميني هذا اليقين الذي كآفأكِ اللهُ لأجله، علميني كي أثقَ كثقتكِ بأنّكِ ستأتين، ثقتكِ التي تهتفين بها تجاوزك، ثقتكِ التي تجعلكِ واقفةً حتى الآن بثباتٍ بينما ظلّي يعوجّ باعوجاجِي أنـا، بخشيتِي من تسرّبك، بعدمِ ثقتي في أنّ دعواتِي ستُستجابُ ويرزقني اللهُ بكِ في ليلةِ بدرٍ مُنيرة، علّميني هذا الإيمان! لأفـوز بكِ والجنّة.
لم يجد ما يقُوله لها وهو يغرق بخيبتِه، بيأسِه، لو أنّه يملكُ إيمانَها هذا لمَا غرقَ في تلك الخيبةِ وذاكَ اليأس، كان ليُقابل كلامه بابتسامةٍ واثقـة، لكن حينَ يكُون إيمـان العبدِ ضعيفًا دائمًا ما تكون ثقتهُ باللهِ كذلك، حزنه أكبر، يأسه أكبر ، مهما حـاول الثبات لازال إيمانه أقل من أن يملك ثقتها هذِه!!
في حينِ كانت يدُها ترتعشُ بانفعـالِ كلماتِها، تنفّست هواءً نقيًّا وصدرها المهتزُّ بعد هذه القوّةِ التي استنفدتها وبعد أن دفنت البكاء الذي كان يشقّ طريقه إليها شعرَت أنّ روحها بدأت تضعف، لذا لفظَت ببرودٍ لتُنهي هذا الحديثَ بينهما : بغيت شيء بعد؟ بقفّـل !
زفـر باستسلامٍ وانهزام : فمان ربّك لين يكتب لصوتِك وصْل ثاني يروي هالشوق.
إلين بقرف : هذا آخر مرّة بتسمع فيها صوتي.
ابتسم : بقوّي إيماني مثلك عشان أفوز وأسمعه مرّة ثانية.
لم تستمع لكلمةٍ أخرى وهي تُغلقُ باترةً أيّ حديثٍ آخر ويدها ترتعشُ رعشةً بانفعالـها، كلماته، نبرته، الانفعـال البادي في صوته، كلّها تخبرها بوضوحٍ يزيد من قهرها بأنّه غير سوِي! بأنّه لازال حتّى الآن يحادثها كأيّ رجلٍ وامرأة! وكم أشعرها هذا بالمـزيد من القهر مختلطًا بقرفها ، لم يتغيّر، لم يتغيّر!!
ما إن انهَت الإتّصـال حتى كانت رسـالة هديل العابثـة تظهرُ لعينيها، رسالةٌ لربما لو أنّها رأتها في وقتٍ آخر لاشتعلت بنيرانِ غيظها.
( محد ختم محد ختم ، فزت عليك الينووووه يلا جهّزي هديّتي الماك * فيس يطلع لسانه * )
،
في الصبـاح، السمـاءُ ترتدِي حلّةً زرقـاء، لازال القمرُ صامدًا لم يتلاشى، ناقصًا، والشمسُ لم تهرولْ بعد إلى السمـاء كما هرولَت الصحوةُ إلى عينيها رغمًا عنها، بالرغم من كونِها لم تنَم إلا متأخرًا بعد ساعتين من منتصفِ الليل، بقيَت فيها مع سلطان الذي كـان يُريها المنزل ويُخبرها بالتغييرات التي وضعها وهذا ما جعله يتأخّر لأشهرٍ قبل أن ينتقلا، حتى غرفته رأتها، لكنّها حينَ طلبت منه رؤية تلك الغرفة رفض! استنكرت رفضه القاطـع، وأصرّت في داخلها أن تراها، مهما رفض، ستجدُ الطريقة لدخولها.
ذهبَت لغرفتها بعد ذلك وهو كذلك، كانت تريد انتظـار نومه حتى تقوم بالبحث في البيت عن هذا الكنز الذي لا تعرف لمَ يهتمُّ والدها بِه، لكنّها دونَ شعورٍ نامَت وهي تنتظر، ولم تنهض إلا قبل رُبع ساعةٍ تقريبًا لتجدَ سلطان قد نهضَ من وقتٍ وكان عائدًا من الصلاة ليوقظها.
وهاهي الآن تتقلّب على السرير وهي تتأفأفُ بضجر، تنتظرُ خروجَ سلطان، ومن ثمَّ ستذهب لتلك الخادمة الغبية والتي فضحتها أمامه البارحة لتتفاهم معها بشكلٍ يجعلها تبتلع لسانها أبدًا.
في الخـارج، جلسَ وهو يرتدي ثوبهُ الأبيضْ، شماغهُ كان قد مدده على الكرسيِّ بجانبِه، نظرَ لساندي التي كانت تُجهّزُ الشايَ على الطاولة، ليهتف : وينها غزل ما نزلت؟
رفعَت نظراتها إليهِ لتهزّ رأسها بالنفي، حينها عقد حاجبيه وهو يتناولُ التوست : ناديها تفطر.
تحرّكت الخادمة وهو تلوِي فمها لا تُريد رؤيتها والاصتدامَ بها، لكنَّ هذا كـان ليحدثَ شاءت أم أبَت، وإن لم تصتدم بها في هذهِ الدقائق ستصتدمُ بقيّة أيـام عملها هنا.
صعدَت لتتّجه لغرفتها وهي " تتحلطم "، وقفَت أمام بابِها لترفعَ يدها وتطرُق، حينها انبثقَ إليها صوتُها الذي كانت تداعبهُ خيُوط التوترِ وهي تخشى أنّه سلطان : نعم.
سالي : فطور فيه يجهز.
غابَ صوتُ غزل للحظـاتٍ دونَ أن ترد، وحين تحرّكت سالي لتذهب وقد قامت بعملها كان البابُ قد فُتح لتندفعَ غزل خارجةً إليها وتسحبها من كمِّ ملابسها باحتقار : تعاااااالي أنتِ يا المعفنة.
نظرَت إليها سالي بذعرٍ وعينيها ترمشانِ بتتابع، وبخوفٍ وهي لا تدري ما الذي فعلته : نعم ماما.
غزل بحنق : جعلك الجرب ، أنتِ شلون تجرأتي أمس وقلتِ لسلطان إني قايلتلك أبي أشوف الغرف اللي يدخلها؟!
سالي بذعر : أنا مافيه يعرف كذب.
غزل بغضب : وقطع لهاللسان ، ما تعرفين تكذبين أجل؟ . . * بتهديدٍ وهي ترفعُ اصبعها في وجهها * مرة ثانية أنا لا قلت لك شيء ووصل لسلطان بتشوفين نفسك معلّقة من لسانك بالسقف ، وهذاني قلت لك.
انتفضَت الخادمة بخوفٍ وهي تنظُر للأسفلِ وتضمُّ كفيها ببعضهما، أردفت غزل بحدة : فهمتِ والا محتاجة أعيد كلامي؟
سالي بصوتٍ خافتٍ يشرحُ خوفها منها : مفهوم.
غزل باحتقار : والحين انقلعي من وجهي وقولي لسلطان إني شوي وبنزل.
أومأت بطاعةٍ ومن ثم تحرّكت لتبتعد، شتمتها غزل في سرّها ومن ثم دخلَت حتى تُبدّل ملابسها التي كـان سلطان قد أحضرها حين جـاء ووجدها أمام تلك الغرفة مع سالِي.
،
خرجَ من المنزلِ صباحًا حتّى يتجهَ لعمله، كان يخطُو باتّجـاه سيارتِه وبجانبهِ ياسِر الذي كـان يُحادثهُ عن بعضِ أمـور المشفى والمشاكل المتعلّقةِ فيه، وهو يستمعُ إليهِ بتركيزٍ حتى أنهى كلامه، ومن ثمّ لفظْ : قايل لك لو أنّك مشتغل مع أعمامك وعيالهم بالمستشفى ماهو أفضل لك؟ بس راسك يابس وش يفهمك بالحكي.
حكَّ ياسَر رأسه وهو يعقدُ حاجبيه : يووه يبه ما خلصنا من هالسالفة؟
عبدالله بحزمٍ وهو يقف بجانبِ سيارتِه ويعبث بالمفتاح بيدِه : كنت بتحصّل قدر أكبر من الحكومي، بدل ما أنت جاي الحين تشتكي لي من سوء التعامل من اللي حولك.
ياسر بانزعاج : كنت أسولف لك، ما أشتكي.
عبدالله : اللي هو، المهم إنك متضايق من الازعاجات بالشغل!
ياسر : يبه هالشيء طبيعي بأي شغل ولازم تصير هالأمور!
فتحَ عبدالله باب سيارته : إذا تبي تشتغل مع أهلك علمني.
ياسر بضيق : وش يوديني لتبوك؟ عاجبني شغلي هنا.
عبدالله : أنا ماراح أجبرك على شيء إذا تبي بس قولي.
أومأ رأسه ليُنهي الموضوع، في حين صعدَ عبدالله سيارتهُ وتحرّك، ومن الجهةِ الأخرى اتّجه ياسِر لسيارته.
كان ينظُر للطريقِ المزدحمِ في هذا الوقتِ من الصباحِ وهو يسيرُ بسرعةٍ تقتربُ من البطء، رائحةُ الفجرِ تخترقُ النافذة المصقلةِ بالبرودة القادمةِ من الجو الذي لم يسخُن خارجًا بعد، وداخلًا من تكييفِ سيارتِه، سافَر تفكيرهُ نحوَ الموضوع الذي يشغلهُ منذ أيـام، نحوَ إلين التي تطُوف صورةُ انكسارِها في دماغِه، هو لم يخبرها بالحقيقةِ الأولى التي جاءته من أدهم، وانتظرَ إلى أن جاءت الثانية لتتراكم الصعوبةُ في اثنينِ وتقسو على نفسه.
زفَر وهو يُخرجُ هاتفهُ من جيبهِ ويدهُ الأخرى تشدُّ على المقود، يجب أن يتصرّف بشكلٍ أسرع، كي لا تمضي الأيـام أكثر ويجدَ صعوبةً أشد.
اتّصل برقمِ سكرتيرِ عملهِ الذي حصلَ عليه بسهولةٍ بعد أن صعبَ عليه الحصول على رقمهِ الشخصي . .
انتظـر لثوانٍ قصيرةٍ حتى جاءه الرد : السلام عليكم.
عبدالله : وعليكم السلام، أحمد الأمير؟
الآخر : معك سكرتيره طـال عمرك، تفضل.
عبدالله : حوّلني له إذا سمحت.
السكرتير : مين أقوله؟
يُتبــع ..
|