كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
،
رأتْ الصدمـة في عينيه، البهُوتَ الذي أصابَ ملامحه، اشتعلَت نظراتهُ وهو يقفُ بانفعـالٍ بعد أن كان يجلسُ على الأريكةِ المشجّرة وهي بجانبه تشتكي مُصابها ببكـاء، لفظَ بصوتٍ باهتٍ يحاول استيعـاب ما قالته له ابنته : متزوج؟!!
جيهان بقهرٍ تمسحُ دموعها : أي ، لاعب علي .. تخيّل لاعب علي من فترة ماهي بسيطة وأنا اللي قاعدة أمشي وراه ومتأمّلة فيه.
صمتَ بحيرةٍ وهو يعقدُ حاجبيه، لا يِنكر أنّه أحسّ بغضبٍ تنامى في صدره، كيف يفعلها؟ ولمَ؟! ألم يكُن هو الذي كان يشرحُ بأفعاله أنّه يريد ابنته بكل جوارحه؟ فكيف يكسرها بهذهِ الطريقةِ في أوجِ فرحها؟ كيف يفعلها بها؟!!
نظَر لها عاقدًا حاجبيه بانفعال : مين بنته اللي تزوجها؟
جيهان بقهرٍ تشدُّ على أسنانها وصدرها يشتعل بغيرة الأنثى الفطرية : ما أعرف مين هي جعلها بحريقها تحرقها وتحرقه.
يُوسف لم يستطِع قول شيءٍ أمـام دُعائها، طبيعةُ الأنثى تجعلها كاللبوةِ حين يقتربُ أحدٌ من أسدها، وهو لا يلومها، لا يلومها أبدًا كما يرمي اللومَ على من خان العهد، يجبُ أن يقابله بسرعةٍ كي يفهم كل شيءٍ وكيف تجرأ على كسرها! لا يكاد يصدّق أن فواز فعل ذلك فعلًا.
رفعَ يدهُ ليمدّها نحوَ ملامحها، مسحَ وجنتيها من الدمُوع الغالية التي ذرفتها بسبب فوّاز، الشخص الذي كان يثقُ أنّه لن يُبكيها كما فعلَ هو، ولم يتخيّل للحظـةٍ أن يخذل ثقتهُ بهذهِ الطريقة. لفظَ بخفوتٍ حنونٍ يملكُ في زواياه الكثير من الغيظ : مُهرتي ما تبكي ، عيب عليها والله!
شهقَت بألمٍ لتقوّس شفتيها وعيناها تضيقَان بأسآها على حالها، حينها تأوّه بألمٍ وهو يجذبُ رأسها إليه ويقبّل عينيها برقّة، وبخفوت : أنتِ أكثر وحدة تحبين توجعيني من خواتك، أو نقول أنتِ الوحيدة اللي تسوينها فيني ، ارحمي أبوك يابوك!
تحشرجَ صدرها لترفعَ كفّها وتبدأ في مسحِ عينيها بعنفٍ وكلماتهُ هزّت أعماقها، لمَ تبكيه أصلًا؟ هل يستحقُّ دمعةً منها؟ هل يستحقُّ ذرفَ الأحزانِ إليه؟ لن أغدو علكةً يلوكها في فمهِ كما غدوتُ بسببِ خذلانهِ حطامًا أسفلَ فأسِ خيانتِه، كـاد يُنهي شظايايَ بخذلانٍ آخر يمارسهُ بجسده، كاد يغيّبُ كل مشاعري نحوه للأبـد، لكنّ مشاعري هذهِ إن لم تغِب سأغيّبها أنا ، أنـا التي لا تهتمُّ لشخصٍ يُرْديني بحزنٍ لن أطيقه، يعرفني جيدًا، يعرفني فكيف تجرّأ على تلك الخيانة؟ . . ارتعشَت وهي تُشتت نظراتها وتطوفُ بعينيها حول غرفة الجلوسِ التي خلت من أرجوان وليان بعد أن أمرهما يوسف بالصعود لغرفتيهما كي يحادثها وحده ويفهم سبب قدومها إليهم باكيـة.
لفظَ يوسف بقليلٍ من الحدةِ وهو يُخرج هاتفه من جيبه : الحين بكلّمه وأفهم منه اللي صـار . .
رطّبت شفتيها بلسانها وهي تستعدُّ لفرضِ ما تريد مستقبلًا والخوفُ دبَّ في أعماقِها من ردِّه المتوقّع، لتقاطعَ بقيّة حديثه بنبرةٍ حاولت شدّها بقوةٍ وثقة : أبي أتطلق منه.
،
هيَ لا تعشق! لم تعُد تجيد العشقَ وفنونه، تبرّأ العشق منها كبراءةِ الذئبِ من دمِ يوسف، لـذا جاء الاتّهـامُ باطلًا، فكيفَ يقُول بأنّها أحبّت وهي التي لا تصلحُ للحب؟ كيف يتّهمها بهذهِ الخطورة؟ أنـا لا أصلحُ للحب، لا أصلحُ له، وكلُّ الذي قيلَ كاذب، أبي لا يفهمني، لا يدرك شيئًا مني ويقُول " أنا أحن "!! ضحكَت بسخريةٍ وهي تتكئُ على الجدارِ الأقربَ إليها، كانَ الجميعُ قد غـادر، حتى غيداء وأمّها، وبقيَت هي في برّيتها كما أسماها سلطان، تنتظرُ عودته التي لا تدري متى ستكُون . . اشهدي يا برّيتي! كذَب، قال " أنا أحن "! أيُّ " حنيّةٍ " تلك؟ أيُّ حنانٍ يقصد؟ ابتسمَت بأسى بعد التقويسةِ التي كانت تتناسبُ مع شفتيها بشكلٍ دائم، تتقوّس كأغصـانٍ مرنـةٍ لازالت تحيا بالرغمِ من الريـاح العاتية، لكنّني سأنكسرُ يومًا بعد الجفاف الذي يمتدُّ في أطرافي، سأنكسرُ يومًا بعد أن تجفَّ عروقي من الحيـاة ويتوقّف نبضُ الدليل على هذا الوجود . . اتّسعت ابتسامتها في ضحكةٍ قصيرةٍ شامتـة، وانخفضَ جسدها إلى الأسفلِ ببطءٍ حتى جلسَت وقدماها لا تحملانها، تكادُ تبكي من جديد، بكاءً لا تدري كيف صمدَت زينتها أمامه ولم تفضح نفسها، كانت ملامحُ الزينةِ فيها قد اهترأت قليلًا وليس بشكلٍ لا يسمحُ لها بتعديله، مسحَت أثـار البكاء، دليل الانكسـار، وأكملت سيرها أمامهم ببسمةٍ والمنى أن يجيئها يومٌ ما ما يمسحُ أثـار الحُزن أبدًا.
انحدَر صوتُها خافتًا ببؤسٍ ساخرٍ على حالها اللاذع : أنت أحنْ؟ تقولها بكل بساطة؟ هه! هذا وأنت أحن شلون لو طالع لي بكامل قسوتك؟
ارتعشَت بقوّةٍ والبردُ يتسللُ إلى جسدها ككلِّ يومٍ حتى مع الدفء، ضمّت جسدها بذراعيها لتنساب دموعها بصمت، ابتدأت ليلتي بفرحةٍ كدتُ أبكي بسببها، وانتهت بحُزنٍ أبكـاني مرّتين، مرّتين يا أبي، ككل المرات التي بكيتُ فيها من خلفِك دونَ أن تراني، واليوم استمعت لنحيبي بقسوةٍ مماثلة . . يا للأسف! لم يهزّك ألمي الصارخ كما كان صمتُه.
لا تدرِي كم أمضَت وهي جالسـةٌ هنـاك في قارعةِ الانشـطار، كل ما أدركتهُ هو صوتُ خطواتٍ جاءت مندفعةً إليها، انتفضَت لترفعَ رأسها بسرعةٍ مذعورةً من أن يكُون سلطان، بالتأكيـد لا أحد سواه، وهو الذي لا يجب أن يرى بكاءها في هذهِ اللحظة!! لا يجب أن تفتحَ مجـال استنكاره وأسئلته التي لا تستطيع الرد عليها.
لكنْ لا مجـال للهرب، فهو قد رآها وانتهت!!
،
تستعدُّ للنوم، كانت قد ارتدَت بجامتها الزهرية، وضفّرت شعرها الذي أصبح يتساقطُ بشكلٍ مرعب، كما أنّه طـال بشكلٍ لا يروقها وهي التي كانت دائمًا ما تبترهُ إلى عنقها، اتّجهت نحوَ السريرِ وهي تداعبُ ضفيرتها فوقَ كتفِها، ستقصّه وتُعيدُ صبغه في أقربِ وقت، ستُعيدُ رونقها ومزاجيّة هيئتها التي لا تشِيخ . . جلسَت على السرير وهي تمسك بمرطّبها في يدها حتى تبدأ بنشرهِ على ساقيها وذراعيها قبل أن تنـام، لكنّ هاتفها في تلكَ اللحظـة صرخَ باتّصـالٍ مـا، قطّبت جبينها بانزعاجٍ وهي تنظُر للساعة المعلّقة على الحائط، من المزعج الذي يتّصل في هذا الوقت؟ وضعَت المرطّب جانبًا على الكومدينة وتناولَت هاتفها في المقابل، رفعَت إحدى حاجبيها ما إن رأت اسم " هديل " يُنير الشاشة، ومن ثمّ ابتسمَت بمكر، وبهمسٍ حانق : تتّصلين بهالوقت لأنّك عارفة نفسك مزعجة مافيك تجين لعندي ، بس هيّن . .
أهدتها " مشغول " ومن ثمّ وضعتهُ على السرير جانبًا لتعود وتأخذ المرطّب وتبدأ بتوزيعهِ على ساقيها المرمريين وذراعيها وما استطاعت، وضعته على الكومدينة ما إن انتهت، وفي تلك اللحظـة بالضبط رنّ هاتفها معلنًا وصُول رسالةٍ إليها، تأفأفت وهي تُدرك أنّها هديل ولا أحد سيزعجها بمشاكساتهِ سواها، رفعتهُ لترى جيدًا اسمها متمركزًا تنبيهات هاتفها " الآيفون "، لوَت فمها بحنقٍ وما إن كادت تقرأ أول كلمةٍ حتى انقشعَ اسمها فجأة، وحلَّ اسمٌ آخر، اسمٌ يتأصّل في لحظـاتٍ قاسيـة، اسمٌ انتفضَت حواسّها كلّها ما إن رأته يُنقشُ على هاتفها ويُشعله . .
أدهـــــــم !!!!
،
يخطُو بخطواتٍ ثقيلةٍ والضجرُ يستكينُ فوقَ ملامحِ وجهه، تكشيرةُ ملل، عقدةُ حاجبين تدلُّ على الضيق، وعيونٌ ناعسـةٌ تبحث عن النومِ في اللحظةِ التي جاءت فيها الخادمةُ وطرقت باب غرفته ليخرج صارخًا في وجهها بغضبٍ وتخبرهُ هي بذعرٍ أنّ جدّه يُريده، تابعها بغضبٍ وهو يراها تبتعدُ مهرولةً بخوفٍ بعد ما قالته .. كاد يشدُّ شعرهُ من الغيظ وهو يشتمُ نفسهُ وهذا المنزل وحظه الذي أوقعه في أناسٍ لا يتركون النائمَ يغوصُ في أحلامهِ بحريّة، تراجعَ لغرفته ليدخل للحمـام ويمسح وجههُ ومن ثمَّ يخرجُ إلى جدهِ الوقور/اللطيف/الحنون والذي يبحث عن راحةِ حفيده الغالـِي فوق كلِّ شيء.
وهاهو الآن يفتحُ الباب وابتسامـةُ الغضب تلوحُ على شفتيه، دخلَ وهو يدلّكُ كتفهُ ويلفظَ بصوتٍ فاترٍ حانقٍ وهو يراهُ يتحرّك جيئةً وذهابًا كعادته حين يقعُ في مشكلةٍ مـا : نعم جدي العزيز الغالي بغيت شيء من الكلب اللي كان ياخذ له غفوة ببيته الصغير؟!
اتّجهت نظراتُ سعود الغاضبـة إليه بقوّةٍ جعلته يقطّب جبينه أكثر ويدرك أنّ غضبه هذه المرة أكبر ولن يحتمل سخريةً أو مزاحًا منه، لكنّه نظر إليه بعدمِ مبالاةٍ وهو يعتدلُ في وقفتهِ ويردف : وش تبي مصحيني برجع لأحلامي اللي ما أمداني أحضنها.
سعود بحدّةٍ يتجاهلُ حديثه : محمّد صـار بالسعودية.
مطَّ شفتيه قليلًا وقد أدرك الآن سببَ غضبه، إذن فمحمّد أصبح في مكانٍ أكثـر أمانًا من سعود، وأشدُّ خطرًا عليه كذلك . . رفعَ زاويـةَ فمهِ في ابتسامةٍ ساخـرة وهو يكتّفُ ذراعيه ويلفظ باستفزاز : راحت عليك ، الحين صارت امكانيـة قتله صعبة عليك ، وبيستجوبونه ويطلّعون منه الكلام بكل سهولة وبعدها تروح في ستة وستين نيلة.
سعود بقهر : ولد أبوه يحكي ، والله لفصل رقبته عن جسمه.
تميم بسخرية : قلنا امكانية قتله صعبة يا هووووه ، وبعدين جديًا تو انتبه إننا نبالغ في تقديره؟ وش بيسوي يعني؟ شهادته ماراح تضرّك كثير وبتقدر تخلّص نفسك منها، إلا عاد إذا كان فيه شيء أخطر عنده ماهو عند غيره!
سعود : هذي المشكلة ، محمد له يد في بعض الصفقات اللي لو وصلت معلوماتها للناس الغلط بروح فيها.
تميم يعقدُ حاجبيه : مثل أيش؟
سعود بحدّة : مالك دخل ، * أخرجَ هاتفهُ من جيبهِ وهو يلفظُ بحدة * مالي بهالوقت أحد يخلصني من ورطتي إلا هو وسالم ، وأنت انقلع نام عساك بنومة أهل الكهف ما منك فايدة.
تميم يرفعُ إحدى حاجبيه : تبيني أساعدك؟ أبشر ما طلبت شيء ، أنت بس جيب لي هذاك الحصان الأصيل الأدهم وأنا بعتلي سرجه وأسابق فيه الريح للسعودية وأسحب لك محمد من كراعينه.
نظرَ إليه سعود بغضبٍ ونارٌ أسيرةٌ في عينيه تحرّرت لتنطلقَ نحوهُ بشرارتها : والله ، والله ، ورب العزّة يا تميم كلمة ثانية وبتشوف الجزمة بفمك
تميم يضحك : افا يا الراقي ، يا التاجر اللي ماهو بصاحي ، يا صاحب الملايين الحرام ، يا خيبة الطبقة المخملية فيك أجل ترفع الجزمة؟ ما عليه مقبولة منك نستذكر انها بكم ألف ولا يهون شرّابك بعد هههههههههههههههههههههه . .
سعود بصرخة : اذلف عن وجهي.
تحرّك وهو يضحك كعادته في معظم الحوارات التي تنتهي بطردِ سعود له بعد استفزازاتِ تميم، وبعبثٍ يرفعُ كفيه للسماءِ وهو يتوقّفُ متجهًا نحو القبلة : يا الله إنك تفكّ أسر محمد، وتقر عين سعُود بوجهه الأقشر ، والا أقول؟ يارب إنك تاخذه أخذ عزيزٍ مقتدر وتريّحنا من همه عاجلًا غير آجلًا.
شعر بشيءٍ اصتدمَ بظهره، حينها تأوّه وهو يُعيد كفه للخلفِ واضعًا لها على ظهرهِ وهو يستديرُ إليه ويضحكُ متألمًا، نظرَ للأرض ليرى منفضة السجائرِ وقد تبعثرَ رمادها والسجائرُ المنعكفة على الأرض، وبنبرةٍ متألّمةٍ إلا أنها لا تزال تحافظ على استفزازها : ههههههههههههههههههه راقي يشهد الله.
صرخَ سعود مرةً أخرى ليخرج، حينها ارتفعَت ضحكاته وهو يخرج هذهِ المرة غيرَ مستعدٍ لضربةٍ أخرى على ظهره ويكسر بها عموده الفقري كما ترك الآن ألمًا ليس بسيطًا بتلك الكتلةِ المعدنية.
،
صمتت الكلمـات على شفتيه وهو ينظُر إليها بصمتٍ بائِس بعد أن أخرسهُ حديثها الذي كان يتوقّع مجيئهُ في أيِّ لحظـة، فهو لم ينسى أبدًا حديثَ فواز في الهاتف حينَ أخبرهُ بأنّها " تبي تكنسل كل شيء "!! وهذا الجنُون بعينه، فهو يملك من البصيرةِ الكثير ليُدرك حبَّ فواز لها، يملكُ من الحكمةِ الكثير ليدرك أنّ انهـاء كل شيءٍ كان مُخططًا له في الغدِ مصيبةٌ عظمى . . وما الذي سيقنعُ يابسةَ الرأسِ هذه؟ والتي تتحدّث الآن من قهرها بالذي فعلهُ فوّاز، والذي يستنكرهُ في المقابل مع معرفتهِ بعشقهِ لها.
زفَر بقنوط، وأغمضَ عينيه لثانيتين ومن ثمَّ فتحهما ليمدَّ يده ويضعها على رأسها حتى يمسحَ على شعرها، وبحنان : تثقين بكلمتي؟
ارتعشَت أحداقها بتوجّسٍ وهي تتكهّن بما سيقُول، لذا تراجعَت للخلفِ واقفةً بحدةٍ وشفاهها تنتفضُ بانتفاضةِ الكلمات في حنجرتها : تكفى يبه ، تكفى ، ما أبيه! إذا لي خاطر عندك خلّك معي.
يُوسف يقطّب جبينه بعجز : تدرين وش يعني تكنسلين هالزواج؟ لو باقي شهر اثنين مافيه مشكلة بس بكرا !!!
جيهان تبتلعُ غصّتها وتقاومُ المزيد من الدموع : أدري ، كل شيء بيكون حسابه كلام الناس ، سمعتي ! بس أنا ما يهمني ، ما يهمني أبدًا كل اللي يقولونه الناس * أردفت بحدة * ماهو الكلام واصلنا واصلنا بسبب موت أمي؟
شتت يوسف عينيه بضيقٍ من تداخل الموضوع الآن مع منى، في حينِ أردفَت هي برجاءٍ وهي تعقدُ حاجبيها : تكفى يبه ، لا تكسرني مرة ثانية بوقوفك ضدي !
نظرَ إليها بنظرةٍ أبويـة، والأبُ حين يستشعر الخطر على أبنائه سيُبعدهُ عنهم، حتى وإن كان الحسابُ هو! حتى وإن كان الحسابُ انكسـار العلاقةِ بينهما مرةً أخـرى، لن ينصـاع لجنونٍ كهذا ولرغبتها التي يدرك أنها لا تمدُّ للمنطقِ بصلة، لم تُدرك مصلحتها أبدًا، فحتى وإن كان جُرم فواز لا يغتفر، لكنّ العقاب الذي تريده لن يؤذيه هو كما سيؤذيها هي، حبُّ فوّاز لها يشفع، وإن لم يكُن شفيعًا فالظروف ترغمهم على الانصياعِ لهذا الزواج، دائمًا ما تفكّر الأنثى بجرحها، لكن هو كرجلٍ وأبٍ قبلًا سيفكّر بمصلحتها، وليسَ جُرحها.
وقفَ بحزمٍ وهو ينظُر إليها بملامحَ أدركت الإجابـة فيها، أدركتها لتتساقطَ دموعها كانبثاقِ المـاءِ في شلالِ نهرٍ سخيّ، اقتربَ منها وشفاههُ تنفرجُ ليُهديها ردّه، لكنّها تراجعَت وهي تُغمضُ عينيها وتصرخ : تكسرني دايم ، تكسرني دايم وتكسر علاقتنا مع كسـري . . لا تلومني على قسوتِي معك ! لا تلومني على شيء وأنت دايم تكسرني وتبكّي كل جوارحي.
مسحَت على أنفها بظهرِ كفّها وهي تنظُر لهُ بقهرٍ وإصرار، وبحدةٍ تمنعهُ من الحديث : الزواج ماراح يكتمل ، ماراح يكتمل لو على موتِي وأنت أدرى إني ما أهتم لشيء.
قالت كلماتها تلك ومن ثمّ انطلقَت تركضُ إلى غرفتها ودموعها تتلألأ على وجنتيها وأحداقها، في حين زفَر يوسف بقلّةِ حيلةٍ وهو يتراجعُ للخلفِ ويجلس، وبصوتٍ حادٍ خرج من بين أسنانه بغيظٍ رغمًا عنه : منّك لله يا فواز منّك لله !!
،
اتّسعت عيناها بصدمةٍ وهي تنظُر لصاحِب الخطواتِ التي كانت تقتربُ منها، عقدَت حاجبيها من هيئتها وعقلها عمل بسرعةٍ على الفهمِ والإدراك، لكنّها بالرغم من ذلك لفظَت بنبرةِ شكٍّ اختلطَت ببحّة صوتِها البكّـاء : مين أنتِ؟
الشابـة البيضاءُ أمامها ذات الملامح الآسوية وهي ترمقُها بقلق : سالي ، أنتا مدام غزل صح؟ ليش فيه يبكي؟!
ابتسمَت بسخريةٍ وهي تُخفضُ رأسها قليلًا، هاهو أيضًا جلبَ خادمةً لها كما أرادت، كما انقضّت عليه مرةً بكلماتٍ متذمرةٍ ليخبرها بوضوحٍ أنّه سيفكر بذلك لكن حين تُصبح في - بيتها -، يا الله! ليتهُ كان قاسيًا، ليتهُ لم يكُن بهذهِ الصورةِ الملائكيةِ حتى تؤذيه دونَ أن يرفَّ لها جفن، لكنّ طهرهُ يُحرج الأذى أن يأتيه، هي لم تحبّه! والاتهـام الذي أُلقيَ عليها باطِل، لكنّها عصَت والدها امتنانًا له، لأنّه يسعدها، ولا تريد لتلك السعادة أن تؤذى! فكيف يقُول أنّها تحبه والأمـر يقترن بمصلحتها فقط؟؟ . . لكنّها الآن، ستثبت لوالدها فقط، ليس لها لأنها مؤمنةٌ بمشاعرها، ستثبت له أنّها لم تحبه، وستساعده بالرغم من رفضها لذلك، ستساعده لأن في ذلك المصلحةُ الأكبر لها.
أسندَت كفّها على الأرض لتنهض، اقتربَت سالي منها حتى تُساعدها لكنّها أبعدتها باحتقارٍ وهي تنظُر لها بترفّعٍ وتمسحُ دموعها، تراجعَت الخادمة للخلفِ بتوترٍ بعد نظرتها تلك، بينما هتفَت غزل بحدةٍ وهي تُبلل شفتيها اللتين بهتَ فيهما اللطف : لا تلمسيني !! وبالنسبة لكوني قاعدة أبكي مالك شغل ! وترى يا ويلك لو درى سلطان.
نفضَت فستانها بينما ازدردَت سالي ريقها بتوترٍ وقد توقّعت أن تكون ربّة هذا البيت لطيفةً كزوجها، وخاب أملها!!
سعلَت غزل قليلًا ومن ثمَّ تحرّكت دونَ مبالاةٍ بالواقفةِ تلك، نظرَت للمنـزل هذهِ المرّة بعينٍ فاحصـة وهي التي لم تستطِع سابقًا رؤيته كما يحب مع انشغالها بمشـاعر الفرحة الاستثنائية التي كانت تهاجمها، عقدَت حاجبيها برضًى حزين، جميل! جميلٌ جدًا وهي التي لم ترى منه سوى القليل فكيف إن استكشفتهُ كاملًا، جميلٌ بحجمِ أسآها بأنّها لن تنعمَ به، بلحظةٍ تستشعر فيها أنّها بالفعل تمتلكه، أنّه بيتها هي!!!
تحرّكت حتى تستكشف الطابق الأول أكثر، ومن خلفها تحرّكت الخادمة التي وقفَت لثوانٍ بتوترٍ لا تعلم هل تتبعها أم لا، في النهاية دفعها خوفها للخطو خلفها إن أرادت منها شيئًا، ظلّت غزل تتأمّل المنزل بنظرةٍ حزينة، فرحتها لم تكتمل، ابتسامتها انشطَرت حين اصتدمَت بشاطئِ واقعها، لطالمـا شبّهت حياتها بأنها في جزيرةٍ نائية، جزيرةٍ لم تمتلك خُضرةً وغلبَتْ عليها الصحراءُ وحرارتها، صيفيّةٌ حياتها طوال العام! تفتقرُ للأمطـار، لا زورق يُنجيها وحين اقترب - سلطان - تحطّم على بعدِ انشاتٍ من الشاطئِ وبقيَت هي في مكانها، أسيرة واقعها القاسي.
عضّت زاويـة فمها وتوقّفت عند بابِ المطبخ، استندَت على الباب وابتسمَت بأسى وهي ترى صورةً ماضيـة لسلطان ولها، تجلسُ على إحدى كراسي الطاولـة وهو كذلك، يقطّع الخضروات ليطبخ لها المعكرونة! . . تنفّست بانفعـالٍ حزينٍ وهي تتذكّر الصورة الأخرى، حين انتفضْت ذعرًا وهو يحتضنها إلى صدره ليكشفَ الجراح التي في ظهرها . . ليته ما كان بهذا اللطفِ والطهر وشعرت هي بالذنب!!
تراجعَت للخلفِ حتى تخرج، حينها اصتدمَت بالخادمة التي كانت خلفها، أغمضَت عينيها بحنقٍ دونَ أن تستدير وهي تكاد تصرخُ وتفرّغ غضبها عليها، لكنّها صمتت على مضضٍ واستدارَت إليها لتنظُر لها واقفةً خلفها بربكةٍ واضحة، تنظُر للأسفل بصمتٍ وهي تفرك كفيها ببعضهما، لفظَت بترفّع : وين غرفة بابا سلطان وغرفتي؟ أكيد معطيك العلم دامه للحين ما رجع.
رفعَت أنظارها إليها بتوتر، وبهدوء : يس مدام.
تحرّكت غزل : أجل وصليني لغرفته بالأول بشوفها.
تحرّكت سالي من خلفها وهي تكتمُ فضولها الذي انزرعَ في صدرها منذ جاءت قبل يومين، حين هداها سلطان إلى الغُرف وأراها المنزل، وكأيِّ شخصٍ كانت لتستنكر أنّه في غرفةٍ وزوجته في أخرى! لكن بالتأكيد لن تتجرّأ وتسأل وستفهم كلَّ شيءٍ في الأيـام القادمة هنـا.
صعدتا للطابقِ الثاني، وأصبحت الخادمة هذهِ المرّة تتقدّمها كي توصلها لغرفة سلطان. غزل بجمود : مفتوحة؟
هزّت كتفيها بجهلٍ لتتأفأف غزل وهي تدعو بداخلها أن تكون مفتوحة، وقفَت أمام الباب بعد أن ابتعدت الخادمة ومن ثمّ أمسكت المقبض لتديره، عبسَت بقهرٍ حين وجدته مغلقًا، ومن شدّةِ قهرها ركلته وهي تشتمُ إحدى شتائمها التي غابَت عن لسانها فترةً من الزمـن.
أجفلت سالي من خلفها بذعرٍ من غضبها، واستودعت الله نفسها وهي تدرك بأنّ حظها العاثـر رماها على امرأةٍ تبدو " مغرورةً " وبها من العنصرية ما يكفي لنظرات الاستحقار تلك.
نظرَت لها عزل بغيظٍ لتهتفَ بحدة : فيه غرف ثانية سلطان يدخلها واجد بهالبيت؟
قطّبت سالي جبينها قليلًا وهي تحاول عصر دماغها لتُجيبها إجابةً صحيحة، فلا غرفة في هذا المنزل بتلك المواصفات خصوصًا أنّ سلطان لم يمضي في هذا البيت ما يكفي بل لم تره سوى مرتين في اليومين السابقين وكانَ تواجدًا سريعًا ليخرجَ من بعدها، هتفَت بحيرة : بابا أصلًا مافي نوم هنا ، هو يجي سورعة بعدين روح.
تأفأفت بغيظ ليعلو صوتها قليلًا : حمارة ما منك فايدة ، مو لازم يكون نام هنا ، أكيد إنه معلمك بالبيت ما وضح لك هذي الغرفة لمين وهذي لمين؟
توتّرت أكثر وعيناها تزيغُ من صوتِها العالي، وبربكةِ الكلماتِ لفظَت : فيه روم قال حق أنا ما أدخل . .
قاطعتها غزل باستعجالٍ حاد : وينها؟!!
سالس : تحت.
غزل : أجل حرّكي رجلك ووصليني لها عساك باللي ماني بقايلة.
تحرّكت سالي ووجهها يتجعّدُ بضيق، ومن خلفها عادت غزل للنزول وهي تزفُر بقهرٍ من كلِّ شيء، من الفرحِ الذي ينقلبُ فجأةً إلى كسرٍ لا يُجبَر، ومن الحُزنِ الذي ينثُر الملحَ على جِراحِها . . وصلا إلى غرفةٍ ذات بابٍ خشبيٍّ من النوعِ القديم، رفعَت إحدى حاجبيها باستنكارٍ وهي تنظُر للتصبّغـات الغريبةِ في أجزاءٍ منه وكأنّ نارًا قد وصْلت إليه لكنها لم تستطِع حرقه بالكلّيةِ ووشمته كي تُثبت أنها كانتْ، أمـالت فمها قليلًا بحيرة، ما التناقضُ الغريب الذي حلَّ في هذا الجزء تحديدًا من المنزل لترى هذا الباب القديمَ في طرازه بينما المنزل بأكمله حديثٌ في هيئته؟.
أمالت فمها، ومدّت يدها بفضولٍ أشد لتُلامسَ مقبضَ الباب، وفي تلكَ اللحظـة تحديدًا كان صوتُ سلطان قد وصلَ إليهم مستنكرًا بنبرةٍ فيها الكثيرُ من الحدة : وش تسوون هِنا؟!!
انتفضَت غزل ومعها سالي ليستديرا إليه بسرعة، اصتدمَت عيناها بنظراته الحادة والتي كانت تتجهُ نحوهما بشيءٍ من الغضب الذي أرعشَ السكُون الباقي فيها، اقتربَ سلطان أكثر ليكسر المسافة بينهما ويقف أمام عزل لافظًا بنبرةٍ حاول جعلها هادئة وهو يعقدُ حاجبيه : وش وصّلكم أنتِ وياها هنا؟
غزل بتوتر وهي تشتت حدقتيها استنكارًا للحدةِ في صوتِه : عادي كنت أستكشف البيت.
ابتسمَ ابتسامةً ضيّقةً وهو يطردُ حدّة صوته التي لا دافع لها فهي تدخل المنزل لأوّل مرةٍ ولا ذنبَ لها إن اقتربَت من الغرفة التي حرّم على غيره الاقترابَ منها، لفظَ برقّة : ما عليه الغلط ماهو عليك * وجّه نظراته لسالي ليُردف باستنكار * أنا مو قايل لك هالغرفة محد يقرّب منها حتى غزل قوليلها هالشيء؟
توتّرت سالي أكثر لتبدأ بفرك كفيها وهي تهتفُ بلعثمةٍ دون أن تنظُر لغزل : أنا فيه قول حق ماما غزل بس هي قالت حق أنا تبغى تشوف رومز أنتا تدخله واجد.
اتّسعت عينا غزل بصدمةٍ وفغرَت فمها، في حين عقدَ سلطان حاجبيه باستنكارٍ وهو يوجّه نظراته إلى غزل التي بدأت تشتمها وتلعنها في سرّها وهي تُشتت عينيها بذعر، بينما لفظَ سلطان دونَ استيعاب وهو يبتسم : يا كبر فضولك شكلك داخلة غرفتي بعد.
غزل نظرت إلى وجهه بذعرٍ لتلفظَ بكلماتٍ تلعثمت في غباءٍ انصبَّ بسبب كلماته التي قالها بمزاحٍ فقط : لا لا ما دخلتها أصلًا كانت مقفّلة !!
اتّسعت عيناه بتعجّب : يعني كنتِ تبين تدخلينها جد؟!
تبدّل لونُ وجهها وتراجعَت للخلفِ بخوفٍ وأطرافها انتفضَت، وبنبرةٍ خائفة : بس ، بس كنت بشوفها ، والله بس بشوفها ما بغيت شيء ثاني!
ارتخَت ملامحه قليلًا باستنكـار للخوفِ الذي سطعَ على ملامحها، الخوفُ ذاته الذي يأتيها حين يقترب منها وكان مضاعفًا في بداياتِهما . . اقتربَ منها وهو يعقدُ حاجبيه مستنكرًا بينما كانت سالي قد انسحبَت من المكان، وضعَ كفّه على كتفِها ليلفظَ باستنكار : طيب؟ ليش هالخوف الحين أنا وش قلت؟ عادي مافيها شيء بس كنتِ انتظرتِ لين جيت ووريتك بنفسي مالها داعي شغلات الحريم ذي.
زاغَت عينيها والشفافية تفرضُ نفسها عليها حينَ ترتبطُ أفعالها بمصيبةٍ مـا، تخافُ بشكلٍ تلقائيٍّ تمامًا كخوفها حين يقتربُ منها وتدرك ما سيكتشفه وراء اقترابه، والآن خافت لأنّها لم تُرِد غرفته لمجرّد الرؤية، بل لأمرٍ آخـر وهو طاعة والدها، تفتيشها لها بالمعنى الدقيق.
،
نزلَت للمطبخِ متأخرًا وهي تكشّر بملامحها، كانت جائعةً إذ لم تأكل العشـاء اليوم بسبب نومها، دخَلت وأنارت الضوء، ومن ثمّ بدأت تبحثُ عمّا تستطيع أكلهُ في هذا الوقت، استلّت التوست ودهنتهُ بالجبن، صبّت لها من عصير البرتقال الذي وجدته في الثلّاجة وجلسَت على الكرسي لتضعَ الكوبَ أمامها وتبدأ بالأكـلِ وهي تُسافرُ بأفكـارها باتّجـاهٍ آخر، نحوهُ هو فقط! تكمنُ المشاكلُ القاسيـة حين تكون الدروبُ كلّها تنتهي بشخصٍ واحد، شخصٍ يجبلُها على الانكسـار وتبقى تتداوى به، يا للأسف! ستبقى تُكررها وتُنهي بها ثباتها " يجرحني، وترجع جراحي تلملم نفسها فيه . . يكسرني، وينجبر كسري بملمس يدينه "!!!
من جانبٍ آخر . . فتحَ الباب الذي يئنُ مع تعبِه، كان قد خرجَ منذ المغربِ بعد أن اتّصل بهِ سكرتيره ليُخبره بأنّ اختلاسًا حدثَ في حساب الشركة، خرجَ منذ ذلك الوقت وهاهو يعود الآن بعد منتصفِ الليلِ وقد هدمَ طاقتهُ التعب الذي كان على مدى ساعاتٍ طـوال، كان لا يُريد الآن سوى النوم فقط ولا شيء آخر . . تحرّك باتّجـاه الدرجِ وهو يقطّب جبينه والصداعُ يبتلعُ رأسه ويقضُمه، لكنّه توقّف فجأةً وهو يرى النور المنبعثَ من المطبخ، غريبٌ من قد يكون مستيقظًا الآن؟!
كان سيتجاهل الأمر لكن لم يستطِع، تحرّك نحوَ المطبخِ ووقف فجأةً عند الباب حين رأى ديما تنظُر لكوب العصيرِ بشرودٍ واضح، نهضَت ابتسامةٌ من أكوامِ تعبِه، واستندَ بكتفِه على إطار البابِ وهو يضوّق عينيه ويتأمّل وجهها الأسمـر المتلألِئ بنجومِ الشرود، شعرها مبعثرٌ بفوضويةٍ حول ملامحها، ترفعُ خصلاتٍ منه لتتناثرَ الأخرى بتموّجها الواهن، بلل شفتيه وأهدابها المنعكفةُ للأسفل مع انخفاضِ نظراتها تجعلُ مشاعرهُ تتراقصُ مع تراقصها، أغمضَت عينيها وهي تزفر، حينها زفَر معها ليهتفَ بخفوت : ضوّيتي الليل بعيونك لا تغمّضينها.
انتفضَت بصدمةٍ من تواجدهِ لتُدير رأسها نحوه، وبدهشة : سيف؟
سيف يبتسم بعبث : بعين غمده.
قطّبت ملامحها قليلًا وهي تضوّق عينيها، أمعنت النظرَ في ملامحِ وجهه المُرهقة، كيف يصعب عليها قراءةُ خطوطِ الإرهاقِ في وجههِ وهو - سيف -؟ . . أشاحت نظراتها عنه وهي تحاول التشاغلَ عنه وتجاهله، لن تهتم! ، كما لا يهتم بها، لن تهتم، كما هو أناني، ستكون أنانية، كما ينقشُ على الحجرِ قسوته، سأنقشُ أنا بقسوتي على الفولاذ، كلّه بثمنِه، وثلاثُ سنينَ أخذتها من عمري سأعوّضها بالهجران.
اقتربَ منها سيف وهو يرى بوضوحٍ صدّها عنه، وقفَ بجانبها لينحني أخيرًا حتى وضعَ ذقنهُ على كتفها، مطّ فمهُ وهو يغمضُ عينيه، وبخفوت : مصدّع ، راسي أحسه بينفجر، تذكرين لما أصدّع وتجلسين تحاتيني الليل وتداوين راسي بيدينك لين أنام؟
تنفّست بحشرجةٍ واقترابهُ يسحبُ الأكسجين عنها، شتت عينيها لتقوّس شفتيها قليلًا وتلفظَ بغصّة : هذا على أيّام سيف والجارية، الوضع اختلف.
سيف بعتابٍ وهو يلفُّ ذراعيه على بطنها : زوجك ، شفيها لا جلستِ تراعينه؟
ديما : إذا راعيتني أنت وقتها انتظر منّي المقابل ، تعبت أعطي وما أحصل شيء.
تنهّد ليقفَ ويبتعدَ عنها، مزاجه سيءٌ كفايـة، لا يريد لهذا السوءِ أن يتواترَ بتضاعفٍ أكبر، تراجعَ للخلفِ متجهًا للباب وهي يهتفُ بصوتٍ جامد : تصبحين على خير.
ابتعدَ صوت خطواته رويدًا رويدًا، صوتُ خطواتهِ التي تقرعُ على جرسِ الانصهـار، تنصهرُ الآن برغبتها في البُكـاء، مهما آلمها لا تحبُّ ألمه، لم تكُن تحبّ ألمه! فكيف الآن بعد أن اكتشفَت بأنّها في صدره؟ تتوسّد قلبهُ وتتلحّف بأضلاعه؟ أجرتنِي من البردِ المندفعِ إلي، لكنّك نسيت أن تُجيرني بردك، هذا البرد الذي ينبعثُ من قلبكِ وأضلعك، من وسادتي ولحافِي.
،
قلبهُ الآن كمدفعْ، إن ضربَ أعلى الأسوار سيحطّمها، سيُحيلها إلى أشـلاء، فكيف إن ارتدَّت القذيفةُ إلى صدره؟ يكـادُ يتحطّمُ والرنينُ يتهافتُ برتابةٍ في أذنيـه، كم فـاضَ في قلبه حوارهُ مع سهى وطردَ من عينيه النوم! كم فاضُ في أوردتِه الشوقُ لصوتِها، كيفَ كان يفعلها سابقًا ويتجاهلُ اتّصالاتِها الراجيـةَ به؟ كيفَ كان يفعلها سابقًا ولا - يشتاق -؟ ، هل خُلق الشوقُ في صدرِه حين أوقنَ أنّ العلاقة الآن لم تعُد خاطئة؟ لم تعُد تراها أخوّةً سخيفة؟ بالتأكيد سيكُون عبدالله أخبرها بكلِّ شيء، ستكُون بكَت، ناحَت، كرِهته كما قالت سهى! لكنّه بحجمِ كرهها لهُ سيقترب، ضعفَ الآن ضعفًا لم يكُن يومًا فيه، هو " أدهم "، كيف انهزم؟ وكيف لا ينهزمُ أمامها؟!
انقطعَ الرنين، ليسَ بتجاهلها، بل ردّت! ردّت عليه بعد أن كاد يقسم أنّها لن ترد، بعد أن انبعث في صدرِه الإصرار بأن يكرر الاتصـال مرةً واثنين، ألفًا حتى يجيئهُ صوتها!!
همسَت بربكةٍ وأنفاسها المتسارعةُ تلتحمُ مع نبرةِ صوتِها الناعمة لتجيئهُ بملمسِ وجنتيها، بقطنيّتها المُهلكة! جاءهُ صوتُها ، محملًا بألحـانٍ ومقطوعاتٍ لم تكُن يومًا ملكًا لمسامِع أحد، فقط له! لهُ وما أجمل الملكيّة حين تنحصرُ له بـ - جمــالٍ - ورقّةٍ كصوتِها، جاءهُ صوتها، بربكتهِ واستنكارهِ أيضًا : أدهم !!
عينا أدهم! اللتين يفقأها الحنين، عينا أدهم! التي اشتاقَت رؤيتك.
ابتسمَ وهو يتنفّس بانفعالٍ يتجـاوزُ انفعالها، حاولَ تثبيت صوتِه ليجيئها ككل مرة، واثقًا، معتدًا بنفسه، كان يُريد أن لا يضعف أمامها! فيظفر بها بقوّتهِ وثقته كي لا تستغلَّ ضعفهُ وتنسلَّ من بين يديه، بصوتٍ أجش : نجـــلاء . .
.
.
.
انــتــهــى ..
* جزء من البارت القادم /
: شفت مانشيت الصفحة الرئيسية بجريدة الجوهر؟ * اسم وهمي *
سلطان يعقدُ حاجبيه : لا وش فيها؟
: نزل خبر كاتبين فيه بأن جريمة قتل فهد النامي اللي قبل 15 سنة زُيّفت بحقائق كاذبة، والقاتل الحقيقي هو أخوه سلمان وهذا سبب قطع العلاقات بينه وبين ولد أخوه سلطان وسبب انفصال شغلهم عن بعض . .
،
موعدنا القادم يوم الجمعة ، قبل كان ميعادنا كل أربعة أيام، والحين زوّدته بس يوم، وجدًا فرق هاليوم معي !
بارت اليوم طويل ياويلها اللي تقولي غير كذا -_-
ودمتم بخير / كَيــدْ !
|