كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية
نرجع نقول مبروك مرة ثانية للي خلصوا امتحاناتهم أمس واللي بيخلصون بهالأسبوع عمومًا ، البارت الخفيف اليوم إهداء لكم وللجميلة " روان زايد " - ترى ثاني مرة أهديك - :* ربي يوفق الجميع ويسعدكم :$$
الجزئية الثانية من بارت اليوم متأخرة شوي بقي موقفين ما أمداني أراجعهم مع حوسة أهلي اليوم - ما تخلص العزايم - حتى نومي اليوم ما كمّل أربع ساعات :(
تفضلوا البارت على بركة الله
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !
لا تلهيكم عن العبادات
و على حين فرحة مزروعة بصدري
تذبحني
بأسن الحروف
و أكثرها وجعا ،،
يا موتا
زرع بروحي
حين كاد الورد أن يلون
حياتي ،،
* للجميلة : وردة شقى
(64)*1
رائحـةُ المكـان غريبة، أشبه برائحةٍ لم تشمّها قط! من السهولةِ معرفةُ - المجهول! لكن من الصعوبة دغدغة الذاكرة لاستخراجِ نصٍّ لرائحةٍ قديمةٍ أو صورةٍ ما، والآن هي تشمُّ رائحةً لم تذقها جيوبها الأنفية قط، رائحةٌ تجعل أنفاسها تتسارعُ وكأنّها تخنقها، رائحةٌ تجعلها تطُوف بعينيها في الفيلا والحديقة الواسعة الخضراء، الجلسات المرتّبة في إحدى بقاع الحديقة بشكلٍ أنيق، هذهِ الرائحة/الغريبة جميلة! تشعر أنها تتجاوزَ مساماتها رويدًا رويدًا لتنتشي بمشاعر لا تعرفها، بمشاعِر لم تذُقها.
مررت عينيها بالمنزل للمرّة الأخيرة قبل أن تستديرَ بكاملِ جسدها وتنظُر لسلطان المُبتسم ببهوت، كانا في تلك اللحظةِ ينتصفانِ الحديقة الخضراء، اطرافها ارتعشت بالرغمِ من دفءِ الجو، البردُ نخر عظامها في صورةِ مشاعر لم تعهدها قبلًا، هذا المنزل، هذا الانتمـاء، هذهِ الابتسامة من شفاهه، هذا الحنان في صوتِه، كلّ تلك - برّيتها -! مملكتها ! شيءٌ خاصٌ بها وكلّه " جميل "! كلّه تنتمي إليه وينتمي إليها، هذه المشاعر الآن لا تدري كيف تشرحها! أهو فرحٌ أم ماذا؟ لا تعلم! لا تعلم سوى أنّه شعورٌ جميل، أنّها تعترفُ بكل وعيِها وإرادتها أن ابتسامة شفاههِ من ضمن الأشياء الجميلة! - أشيائي الجميلة -!!
تحرّكت خطواته نحوها حتى وقف بجانبها، مدَّ يدهُ ليعتقل كفّها في قبضتِه، نظَرت إليه ببهوتِ النشوة، تفغرُ فمها دونَ كلمة، وهو بالمقابل لم يقُل شيئًا وهو ينظر للأمـام بجمودٍ صامتٍ دون ابتسامتهِ تلك، قبل أن يتحرّك ويجتذبها من خلفهِ بخفّة، لافظًا بخفوت : وقبل لا تدخلين بيتك ، فيه شيء لازم تمرّين عليه.
لم تفهم ماكان يعنيه وهي ترمشُ بفوضويةٍ كقلبها الذي يضخُّ دماءها بفوضويةٍ مماثلـة، نبضاتها تجهلُ الرتابـة، أميٌّ قلبها في هذهِ الأثنـاء وملمس بشرتِه تعاودُ دغدغتها بعد تلكَ الليلة، أميّةٌ عيونها التي تصتدمُ الآن بظهره، هل رأت رجالًا من قبل؟ هل عرفت رجلًا قبله؟ تكـاد تُبرّأُ ذاتها من كلِّ الماضي عند هذا الانشداهِ العنيفِ بهِ وكأنّها لم تقع قبلًا، تكاد تُبرّأ ذاتها من كلِّ التُهم التي ألقيت عليها من محكمةِ ضياعها وعقابها الذي كان جلدًا . . أميّةٌ أنـا، كالبليغِ الذي فقد بلاغتهُ فجأة، كالكاتب الذي ضاعت منهُ أحرفهُ وجهلَ الكتابة، كالقارئ الذي يفقدُ بصرهِ حين يصتدمُ بالكلمات وتعوجُّ في عينيه.
لاحظَت أنّه كان يدور حول المنزل بخطواتٍ متّزنةٍ تخطفُ أنفاسها المجنونة، بكفٍ تسحبُ كل برودةِ جسدها وتسكن فيها نارًا لا تريد الإنطفـاء.
شعرَت بهِ يتوقّف فجأة، وتوقّفت معه نبضاتُ قلبها لثانيتين كانتا كافيتين لتقتُلا كل أعضائها وتنتظرَ البعثْ، البعثُ الذي جاءها بعد أن بدأ يتحدّث في الهاتف فجأةً دون أن تكون قد انتبهَت للوقت الذي اتّصل فيه ورفعه إلى أذنيه! كانت كفّه لازالت تقيّد كفّها بسلسلةٍ اهترأ بها توازنها، بسلسلةٍ تحشُرها في أغلالها، بسلسلةٍ ترتسمُ على أناملها كوشمٍ يُثبت أنّه أصبحَ لاعبًا محترفًا .. في مرماها هي! لاعبًا لم يكُن يقصدُ أن يحترِفْ!
تسلل صوتُه إلى أذنيها كنسيمٍ هادئ، صيفي، وبالرغم من هدوئِه كان حارًا كالزمهرير : العروس وصلت . .
،
ساعاتُ الليلِ بطيئة، شتاءً كان أو صيفًا، ساعات الشتاء تطُول بحزنهِ أو فرحه، الليلُ الذي أردتهُ صفحتنا البيضـاء الذي نكتبُ فيه إهداءً في زاويةِ تلك الصفحةِ للأيـام القادمة، اهداءً يقول " سنكُون جسدًا واحدًا ضدّك "، لكن لم تكُن سوى صفحةً بيضاء فقط! صفحةً بيضـاء لم يُخط عليها شيء يُثبت أنّ الأيـام بيننا ستكُون حلوة، أو لن تكون من الأساس !
يكادُ يسحقها بذراعيه، فوقَ صدرِه، فوقَ نبضاتِ قلبهِ المذعورة، تندلعُ كلماتها العاتبةُ أمام طبلتِه وتُذيبها، كلماتها الباكيـة بانكسارِها، بانهزامها، بخيبتها، تهدُر النبرةَ الصافية في حنجرتها بالسقوطِ إليه ليغادرها الصفاء ولا تبقى سوى البّحة الحزينة والألم، تقاومهُ بضعفها وتحاول الابتعاد دونَ جدوى : كسرتنا ، كسرتني أنا وحبّك وبكرا،
قاومتهُ أكثر وهي تُريد النظرَ إلى ملامحه، تصديق ما سمعته، تريد استباط الخيانةِ من لمعةِ عينيه - العاشقة - كما يقُول! تُريد أن تقرأ في انحناءِ حدقتيه أحرفًا إن جمعتها كوّنت " خذلان "، تُريد رؤيـة سواد الخيانةِ يُغطّي بياضَ عيُونه . . أعادت رأسها للخلفِ حين كانت أذرعهُ أقوى منها في تكبيلها، نظرَت لوجههِ بشفاهٍ متباعدة، تقتصُّ الاكسجين من الهواءِ قسرًا، وجهها يشحُب بالكلماتِ التي تمتصُّ الحياةَ منها وتتركها صفـراءَ كالخريف، جافةً كالأغصـان : اللي فهمته صح؟ متزوج؟ دخيل حُبنا قول إنّي غلطانة وما خنت قلبَك! حياتَك، عيُونك اللي تقول إنهم أنا!!
أغمضَ عينيه بانهزامٍ وهو يزفُر ويُرخي بأسَ ذراعيه حولها، كان جوابُه هو الصمت، الصمتُ في حضرةِ الخسـارة، لن يستطيع أبدًا الكذب عليها بعد أن سمعته، لن يستطيع أبدًا أن ينفي كل ما سمعت وكل الأمرِ وقع وانتهى! انتهى بحجمِ دموعها وانكسـارها الآن، انتهى بحجمِ الفرصةِ التي كان يمتلكها ونفدَت الآن . . صرخت! انتفضَت، ارتدّت للخلفِ بعد صمتِه الذي أزعجها بـإجابته، بعد الـ - نعم - التي انسابت مع صمتِه الصارِخ، بعد إغماضةِ الأجفـان التي حاولت مواراةَ خيانتِه، بعد زفرةِ الانهزام التي جرحَت شفتيه، بعد كل حركةٍ صامتةٍ قالت - نعم -، بعد كل تلكَ البلاغة الجسدية! تخبرني بكل صمتٍ أنّك فعلتها، أنّك خذلتني، أنّ الصدقَ ماتَك حين اختلطَ بمشاعِرك، أنّك خدعتني خدعةً ستُسهبُ في شرخِي/قطعِ وصلة الاحتمـال التي تربطُ بحاتِنـا.
تراجعَت للخلفِ بقوّةٍ وهي تبكي بصراخٍ قطعَ سلسلةَ الصمتِ المُزعج وأحيا الحديثَ الذي وخز في خاصِرةِ الهدوء، دفَنت فمها أسفلَ كفّها اليُمنى التي ضغطَت فوقهُ لتُخرس صراخَ بكائها الذي نحُبَ بخذلانِه، في حين فتحَ هو عينيه لينظُر لها بعجزٍ وكل الحلولِ تسقُط من عقلهِ في هذا الوقت، آمنَ بالمشكلةِ التي لا حل لها! آمنَ بأنّ اكتشافها لهُ اليوم كانت أكبرَ معضلةٍ فجائيـةٍ له.
ارتعشَ فكّها ورموشها تثقُل بدمعها، تنظُر لهُ بضبابِ الدمعِ وصورتهُ تأتيها الآن في تكوينِ خيانةٍ تسحقُ صمتها، تدفعُ كلماتها للارتعاشِ في حنجرتها لتُرسَل إليهِ موجوعةً لا حيلةَ لديها : ليش سويتها فيني؟ ومن متى! من متى وأنت تجهّز نعشي وتقتل سنيننا الجايّة يا فوّاز؟
رفعَ كفّه ليمسحَ على وجههِ وهو يشتت أحداقهِ ويتنفّس بانفعال، كرهَ ضعفهُ في هذه الآثنـاء، لكنَّ الضعف كان لابد من أن يكُون في لحظةٍ كهذه، في لحظةٍ خاطئةٍ لم توثّق قبلها حياتُهما . . همس : قبل رجعتنا للسعودية بكم يوم.
انكسرَ صوتُها أكثر في البكاءِ وهي تشدُّ على أسنانِها وتشهق : كل شيء سويته يثبت لي الحين إنّك كذاب! كذاب يا فواز يوم كنت تقول جنونِي أنتِ! كذاب يوم كنت تقُول إنك بغيتني من سنين واللي صار قبل أكثر من سنة كانت فرصتك واستغليتها! * أردفَت وهي تعضُّ سبابتها بانهزامٍ أكبر * وصدقت لما هربَت بعد ملكتنا! صدقت لما شرحت لي بفعلتك إنّك ما بغيتني !!
فواز ينهرُ كلماتها الواهنـة وهو يقتربُ منها خطوة : غلطانة . .
قاطعتهُ بصرختها : لا ، ماني غلطانة ، ماني غلطانة
مسحَت دموعها بعنفٍ وهي تزمُّ شفتيها، الآن فهمت، الآن أدركت سبب تغيّره قبل مجيئهم هنا، الآن أدركت سبب جفائِه الذي حلَّ على حياتِهما فجأةً وتجاهله، الآن أدركت كل شيء! كل انكساراتِها وخذلانِها.
أردفَت برعشةِ شفتيها والدمعِ فوق أهدابها : عشان كذا فجأة صرت تجافيني ، صار مالي قيمة! حصّلت المرة اللي تغنيك عني، صارت جيهان مالها معنى! مالها أهميّة ، بس يوم ابتعدتْ عنها واحتجت أنثى فجأة رجعت تحتري قُربي!! يا حقـارتك يا فوّاز ! يا حقارة هالحيـاة اللي جمعتنا سوا وكسرتني بروحِي.
غضِبَ لكلماتِها التي تتّهمهُ فيها بالوضاعة، تتهمُ نفسها بأنّها لا شيء لديه سوى - أنثى -، غضبَ للمقارناتِ التي أحلّتها ووضعت نفسها في مرتبةٍ سُفلى لا تليقُ بها، لاتهاماتِها الباطلة في شريعةِ عشقهِ لها، للتفسيراتِ التي صنعتها وشرخَت بها الحقـائق التي لن تتجرّأ ذاتُه على سردها لأيٍّ كـان، لستُ أنا! لستُ أنـا من يضعكُ في تلك المرتبة، ولستُ أنا من يضعها أيضًا في ذاتِ المرتبة، أنا عاشقكِ يا جيهان، ورجلٌ في النهايـةِ لن أتجرّأ على كسرِ روحِ أخرى بتبريراتٍ لا تروقني، بتبريراتٍ تُنقصُ منها . . عضَّ شفتهُ وهو يكسرُ المسافة باقترابِه وتلملمها هي بابتعادها عنه للخلف، لفظَ ببطءٍ وهو يشدُّ على أحرفه بعنف : ما عندي أي تبرير أقدر أقوله ، بس غلطانة تفسيراتِك! غلطانة يوم تحطين نفسك بمرتبة معيّنة وأنتِ تتجاوزين كل المراتب! ... جيهان ، ما عندي شيء أقُوله بس كوني واثقة إنّك الانسانة الوحيدة اللي ما آمن قلبي بغيرها، اللي ما ينتهي الكفر بالحب إلا عند عيُونها.
هزّت رأسها بالنفي وهي تُغطي أذنيها وتغمضُ عينيها بقوّةِ انهزامها، شهقَت بانكسـار وصوتُها الملغومِ بخذلانِه أيّاها يخرجُ منفجرًا من كل معانِي الحيـاة، يخرجُ في اللحظة التي ارتفعَ فيها هاتفها صارخًا : كذّاب ، كل كلماتَك ما تنتمي للصدق بشيء! كل كلماتك الحين ماراح تغيّر شيء من معنى - انتهينا -، انتهينا يا فواز ، انتهينا بالوقت اللي هضمت فيه الصدق بيننا وجف فيك الوفا . .
،
بعد أن أنهى فواز المكالمةَ فجأةً عاود الاتصـال بهِ مستنكرًا انتهائِهِ دونَ سابق وداع، لكنّ فواز لم يرد لذا زفَر وهو يضعُ هاتفهُ في جيبِه ويدخل المنزل، لم يلتفِت لشيءٍ وهو يمشي نحو غرفتهِ باستقامَة، صعدَ عتبات الدرجِ بخطواتٍ واسعـة، يريد في هذهِ اللحظـة لو يذهب إلى جنان ويعاود إقناعها للعدولِ عمّا تريد، عن الطلاق الذي لا يتمنـاه في زواجِها الذي كان الطرف الثاني فيها هو فواز الذي يؤمن بشهامتهِ وإلا لمـا كان رفضَ ما قالهُ لهُ قبل دقائق . . زفَر بقلّة حيلةٍ وهو يفتحُ باب غرفتهِ ويدخُل، أدار يدهُ للخلفِ حتى يغلقهُ وهو يُديره ظهره، لكنّ صوتَ جنان جاءهُ في تلك اللحظـة مناديةً لهُ بعجل : فـارس
تراجع عن إغلاقِ البابِ واستدارَ إليها : سمّي.
مشَت إليه بعد أن كانت مبتعدةً خطواتًا لا بأس بها، وقفَت أمام بابهِ مباشرةً لتُبلل شفتيها بلسانها وتلفظ : حاكيت فوّاز؟ قلت بتحكي معه اليوم صح؟
فارس الذي كان يتوقّع هذا السؤال منها، زفرَ ليُردف : أيه حكيت معه.
التمعَت عيناها وهي تقتربُ منه أكثر حتى أمسكَت بالبابِ وهي تزدردُ ريقها بتوترٍ ملحوظٍ بزغَ في صوتِها : وأيش صار؟
فارس بجمود : ما رضى.
بهتت نظراتها وغادرتها اللمعةُ المتأمّلة بالخلاصْ، عضّت زاوية شفتِها السُفلى وهي تقبضُ يدها وتُخفضُ رأسها للأرض قليلًا بزفرةٍ انطلقَت من صدرِها، وبأسى : ليه طيب؟ مسوي إنه متمسك فيني ويبيني؟
فـارس بجدية : قال إنّ الزواج والطلاق مو لعبة وما عنده سبب يخليه يطلق كذا ببساطة! عندك سبب أنتِ؟
رفعَت نظراتها إليه بقوةٍ لتهتفَ بقهر : أيه عندي ، ما أبيه وهذا وحده كافي!
فارس يتنهّدُ بقلةِ حيلة : جنان ارجعي فكري بالموضوع أكثر .. عشاني طيب!
ارتعشَت شفاهها بضعفٍ لترفعَ كفّها وتضعها على وجنتها بلمسةٍ باردةٍ كبرودةِ دمائها التي تكادُ تتجمّد ولا دفء يُسعفها، وبغصّة : ما أبي أفكر لأني فكرت وخلصت ، خلاص فارس هذا آخر شيء عندي ومستحيل أصير بيوم في بيته وقوله هالكلام ، أنـــا مــا أبـــيــــــــــه . .
قالت كلماتها تلكَ ومن ثمّ تحركت لتبتعدَ عنهُ بقهرٍ وهي تقاومُ دموعها التي تحاربُ مقلتيها لتغزُو عيناها، وهو وقفَ في مكانهِ يتأفأف برفضٍ قبل أن يطبقَ البابَ ويبتعد إلى سريره، لا يريد أن يحدث طلاقٌ بهذهِ البساطة ولسببٍ يراه لا يستحق! المفترضُ أن تنسى كل شيءٍ بمجردِ أنْ تفكّر في الرجُل ذاته، بأخلاقه التي تشفعُ كونها تزوّجته بشكلٍ لم تُرِده، وفي ذاتِ اللحظـة هو لا يستطِيع إجبارها على مالا تريده مهما حدث، وسبق أن حدّث والدهُ قبل مكالمته لفواز ولمّح لهُ أنها لا تستطيع التأقلـمَ في زواجٍ كهذا، وبالرغم من كونِ ناصر رفض إلا أنه حادثهُ كي يضعهُ في الصورةِ إن رضيَ فواز بالطلاق ، " وإن شاء الله ما يرضى "!
،
وضعَ كوبَ العصيرِ على الطاولةِ بجانبِ صحنِ الباستا وهو يعقدُ حاجبيه بتركيزٍ مع كلماتِه، وبتعجّب : دكتور؟!!
رفعَ كتفيه وهو يبتسمُ ببرودٍ ويحرّك مكعباتِ الثلجَ في العصير بـ " المصاص "، ليلفظَ دونَ النظرِ إليه : يُقـال * رفعَ نظراته الساخرةَ إليه * بس بديت أعيد حساباتي في الموضوع.
تراجعَ أدهم للخلفِ ببهوتٍ مما سمعَ وهو يتّكِئُ بظهرهِ على ظهرِ المقعدِ وينظُر للأعلى دونَ استيعاب، وبنبرةٍ مذهولةٍ بها الكثير من الاحتقـار : دكتور يسوي كذا ؟
شاهين يرفعُ إحدى حاجبيه بسخرية : قلت لك مو أكيد بديت أشك إن المعلومات اللي حصلتها فيها غلط.
نظَر إليه أدهم بحدة، وباحتقـار : ولو ، سواءً كان دكتور أو لا حقارته ذي ما تمد للإنسانية بصلة! معقولة فيه أحد يعطي تشخيص خاطئ ويأذي الناس بهالشكل؟
شاهين بجرأةٍ يسردُ الموضوع وهو ينتظرُ منه الاعتراف، الاعتراف فقط أو إبداءِ ما يُثبتُ كل التهمِ الموجّهةِ إليه، وحينها لن يرحمه، لن يرحمهُ أبدًا : وأذى ماهو هيّن بعد ، المفترض يكُون علاج وبدل هالشيء كان سم يتجرعه وهو ما يدري!
أدهم بشفقة : الله يرحمه ، واضح كان يعاني.
شتت شاهين حدقتيه بكرهٍ من ثباتِه حتى هذهِ اللحظة، يستحيل أن يكون لم يستوعب حتى الآن أنّه يقصدُ شخصًا هو آذآه! يسردُ لهُ دونَ ترددٍ كل شيءٍ حدثَ دونَ الأسمـاء وهو مُتأكدٌ بأن تعابيرَ التوتّر ستبزغُ فوقَ ملامحه ويرى الحقيقة، لكن لا شيءَ ظهرَ عليه سوى الصدمة/الاحتقـار، هل يمثّل؟ أم يفهم من كل ذلك أنّ لا دخل له؟ لا لا! كيف يأتِ اسمهُ إليه بهذهِ البساطة إن كان لا دخل له، بالتأكيد سيجده في إحدى زوايا المأسـاة، سيجدُه متلحفًا بالذنبِ ويتصنّع ما دونَ ذلك.
نظرَ إليهِ بحقد اشتعلَ من عينيه بوضوح، بقوّةٍ اخترقَت عيني أدهم الذي رفعَ حاجبيه بتعجبٍ لتلك النظـرة، لكنّه ألحقها للموضُوع الذي سرده له، إلا أن ذلك لم يجعلهُ يرى غير الكره تجاهه، الكره الذي لا يعلمُ كيف يجيء نحوه بينما يتحدث إليه الآن بحديثٍ لا يُلقَى لأيّ أحدٍ كان، هنـاك سرٌ خلفَ نظرتِه واقترابهِ منه، خلفَ كرهه له وبالرغم من هذا الكُره يُحادثه بكل أريحية.
ابتسمَ بهدوءٍ متجاهلًا كلَّ ما يُفكّر به، وبثقة : تعرف اسم الشخص اللي تسبب له بكل هالشيء؟
لوَى شاهين فمهُ في ابتسامةِ سخريةٍ لاذعة، وبنبرةٍ حاقدة : أي ، اسمه نفس اسمك !!
تحوّرت نظراته إليه بصدمةٍ وهو يفغرُ فمه، راقبَ ابتسامةَ شاهين الساخرةَ بصمتِ صدمتهِ وهو يحاول فهمَ المعنى من كلامه، ما معنى هذا؟ ما معنى توافق الاسم معه والنظرةِ التي على عينيه؟ هل يقصدُه هو؟ لم يكد يغرق في أفكـاره تلك وشكُوكه حتى قاطعه شاهين بضحكةٍ صاخبـةٍ وهو يغطّي عينيه بكفّه، وبنبرةٍ عابثةٍ بضحكهِ وهو يضغطُ فوق عينيه : هههههههههههههههههه شفيه وجهك تغيّر لونه؟ * أنزل كفهُ وهو يردف بضحكة * بسم الله عليك خفت والا كيف؟ تراه تشابه أسماء بس!
قطّب جبينه بضيقٍ وهو يبتسم بانزعاجٍ واضـح، ليس تشابه أسماء، ليس تشابه أسماء! نظرته تلك جعلته يدرك مالم يدركه قبلًا، جعلته يفتحُ عينيه على ظلامٍ دامسٍ لا ينقشعُ ببساطة، جعلتهُ يستوعبُ النظرات التي كان يراها في عيني شاهين/ليث وحاول تجاهلها، نظرتهُ تلك تثبت له أنّه لم يقترب منه إلا وهو يظنّه السيء الذي آذى أخوه، تثبت كذبَ كلماته الأخيـرة . . وقفَ فجأةً وهو يمرر لسانه على شفتيه ويلفظَ بتخبّطٍ خافت : اعذرني يا ليث ، تذكرت إن وراي شغلة ما سويتها.
ابتسمَ شاهين بعبثٍ وهو يتّكئُ بمرفقيه على الطاولة ويهتف : روح يا رجّال عسى ربي يرزقك على قد نيتك.
عضّ باطن خدِّه وهو يتحرّك دونَ أن يرد بينما ضحكة شاهين الساخـرة تسللت إليه بخفوتها وقصرها كوداعيةٍ جعلتهُ يفهم سبب النظرات الغريبة التي كان يراها ومازال منذ قال له اسمه، منذ بدأ يقتربُ منه بشكلٍ غريبٍ نحى عنه سوء ظنّه أو تجاهله بالأحرى وهو يطمئنُّ له بعينيه تلك التي وإن ظهر منهما الحقد إلا أنّه كان يطمئن لهما فقط بعيدًا عن النظرة! دون أن يدري كان يطمئن!!
ما الذي يحدُث بالضبط؟ هنـاك أمرّ ما خطير تورّط بهِ دون درايةٍ منه وإدراكٍ يجعله يدافع عن نفسه، أمرٌ تعدى الخطورة بمراحـل كثيـرة ولن يمرَّ مرور الكرام.
،
عروس؟ هل يقُول عروس أم أنّ أذناها تتوهمـان؟ . . بهتت أنظارها وغابَ عنها الاستيعـاب تمامًا وهي تحاول فقط سماعه، سماع ما يقوله، والذي كان لا شيء بعد تلكَ الكلمتين! أنهى اتّصـاله وبقيَ واقفًا لا ينظُر إليها وكأنّ لا شيء حدث، كأنّه لم يكُن يعنيها أصلًا؟
شدّت شفتيها قليلًا وهي تتنفّس بربكةٍ وتنظُر لملامحه الصامتة والتي لم تكُن تواجهها، كان يلعب بالهاتف ويتشاغل بهِ عنها بتجاهلٍ واضح، واستفزّها ذلك لذا هتفت بتساؤلٍ حادٍ بعض الشيء : سلطان وش قاعد يصير؟
أنزل هاتفه وهو يستديرُ إليها ليبتسم ببساطة : لا تستعجلين على رزقك!
غزل تعقدُ حاجبيها باستنكارٍ وفضولٍ أكبر : رزقي؟
سلطان وابتسامته تتّسع وهو يوجّه نظراته للأمـام : جــاك.
أدارَت نظراتها بسرعةٍ للأمام مع حركتهِ ونظراته المُبتسمة، حينئذٍ فغرت فمها قليلًا وهي ترى ام عنـاد تقترب منهما، متلحفةٌ كانت بفستانٍ ناعمٍ ووجهها يتزيّن بمكياجٍ وتنتهي بأناقةٍ عند شعرها لتُدرك أنّ هنـاك أمرًا غريبًا يحدُث هنا.
استدارَت إلى سلطان وهي تسحبُ يدها من كفهِ تمامًا وتتنفّس بارتبـاك : وش قاعد يصير هنا يا سلطان؟
وقفَت أم عناد أمامهما لتبتسمَ وسلطان يقبّل رأسها بحب، وبمداعبة : لا عاد تقُول عروس ، خلاص راحت عليكم . .
سلطان يضحك : ما راحت علينا مرتي ماهي أقل من باقي البنات ما تفرح بحفلة خاصة فيها.
ام عناد بعتبٍ غلفته خلف كلماتها الباسمة : محد قالك تستعجل وتضيّع عليك وعليها ليلة العمر ، أنا بس ودي أقتنع بهالظروف اللي خلتك تستعجل كذا!
سلطان يحوّر الموضوع عن استفساراتها التي يرى فيها العتب مهما حاولت اخفاءه : خذي غزل بس وخليها تجهز.
نظرت إليه غزل وعيناها متّسعتان بضيـاعٍ بين معمعةِ كلماتهما اللاتي يتراشقانها بينهما ولم تفهم شيئًا! كل ما أدركته فقط أنها جزءٌ من الموضوع المُبهمِ هذا، عقدَت حاجبيها وهي ترفعُ يدها بعد أن اغتاظت لعدم فهمها لهم ومن ثم خلعت نقابها ليظهر وجهها المُمتعض وهي تهتفُ متساءلةً للمرةِ الثالثة : وش قاعد يصير هنا؟
ام عناد بابتسامة : اعذرينا يا بنتي زوجك بغاها مفاجئة لك ، قال دامها حفلة بسيطة بنخليها مفاجئة.
غزل باستنكار : حفلـة؟!!
ام عناد : أي ، مدري شصار على عقله وراح يستشير غويّد ام افكار هندية . .
غزل : يستشيرها؟ يوووه يا ربي وش اللي يصير بأيش بالضبط يستشيرها ترى راسي بدأ يصدع.
ضحكَ سلطان بتسليةٍ وهو يتراجعُ هربًا من التوضيح ورغبةٌ فيه جعلته يترك التوضيح لامه فقط ولا يُريح غزل بآخر سريع، رغبةٌ أقل ما يقال عنها " لعانـة "!
لفظَ بنبرةٍ مستعجلة : أنا بروح شوي عندي شغل.
قطّبت غزل جبينها وهي تتابعه وتتنفّس بقهرٍ من هربه، أعادت نظراتها لام عناد لتردف : خالتي الله يخليك علميني وش اللي يصير ترى جد جد بديت أصدع.
أمسكَت ام عناد يدها لتجرّها معها باتّجاهِ باب المطبخِ الذي كان قريبًا منهم، وبتوضيح : اللي صاير إن سلطان كان وده يطلّعك من الضيق اللي أنتِ فيه ، عاد راح الخبل يستشير اخته غيداء وقال لها إن غزل تتضايق كثير من بعد زواجنا عشانها بعيدة عن أهلها ويبي يسعدك بشيء ، قامت الخبلة الثانية تقول ليه ما تسوي لها حفلة ببيتكم دامها ماقد سكنت فيه وتكُون حفلة بسيطة واعلان عن زواجكم مرة وحدة بما أنكم ما احتفلتوا زي العالم والنـاس.
كانت طيلةَ حديثِ ام عنـاد فاغرةً فمها بصدمةٍ مما تقُول، لأجلها!! كل ذلك لأجلــها!! شعرَت بتكوّم غصّةٍ في حلقها، لم تظنَّ لوهلةٍ أن سلطان قد يفكّر بهذا العُمق لأجلها، أنّه سيتحاوزُ واجباتهُ في مالٍ ومسكن، أنّه سيحاولُ إسعادها إلى هذهِ النقطـة!! . . رفرفَ قلبها بنبضاتٍ تسارعَت، في حين كان صوتُ ام عناد يصلها متذبذبًا ضاحكًا وهي تغوصُ في مشاعرَ لا تستطِيع شرحها : عاد انصدمَت يوم قالي سلطان انه يبي مساعدتي ، ههههههههههههه أثاريه رومانسي الأخ! قلتله لو مطلعها استراحة هي وأهلها أو مسفّرها مكان أفضل لك بس هو معيي إلا يسوي شيء مختلف يقول قد شبعت طلعات وسفر.
ابتسمَت باهتزازٍ ودموعٌ بدأت تنطلقُ من مقلتيها، شيءٌ مختلف! بالفعلِ شيءٌ مختلفٌ ببساطتـه، هل سبقَ أن استلهمَت حفلةً كانت لها خصيصًا؟ لطالما سافرت، لطالما حضرت حفلاتًا كثيرةً وراقية، لكنّها لم تكُن يومًا سوى مجاملاتٍ ليسَ إلّا، مجاملاتٍ لم تسعد بها ولم تشعر يومًا بانتمائِها لها . . والآن! هذا شيءٌ مختلف، شيءٌ بحثَ عنه سلطان ووجدهُ في بساطةٍ لم تتوقّع يومًا أن يخلق دمعاتِ فرحٍ في عينيها.
يا الله يا سلطان! أخبرني فقط كيف لكل تلك الصفات الحسنةِ أن تجتمعَ في رجُل؟ أخبرني كيف لابتسامتِك أن يصنعها رجُل؟ كيفَ لنظراتك أن يتدفق منها الحنان والرقّة ولا تتدفّق من عيني رجلٍ آخر سواك، كيف لك أن تكون - ملاك -! كيف لك أن تكون بهذا الجمال المُفرط؟!!
أغمضَت عينيها بقوّةٍ تمنع دموعها من السقوطِ وكل خشيتها الماضيـة منه تحوّلت إلى خشيةٍ منها، أصبحَت تخاف فعليًا أن تقعَ في جماله، أن تقعَ في رقّته، أن تقعَ في اختلافه عن كل البشـر.
تنفّست بصعوبةٍ وهي تفتحُ عينيها قليلًا وتفتحُ فمها متأوّهةً بصمت، في حينِ استرسلت ام عناد تشرحُ لها ما عليها وما ستفعل الآن وكم عدد الناس المتنظرينَ في الخارج، غفلت عن النظرِ للمنزلِ وام عناد تقودها معها وتهتف : الميك أب آرتست تنتظرك في غرفة الضيوف ، فستانك على ذوق غيداء عاد هي اللي سرقت مقاسك من سوالفكم مع بعض مثل ما تقول إن شاء الله يطلع صح بس . . أيه نسيت ...
توقّفت لتتوقف معها غزل، نظرَت إليها وهي تُردف بأسى : كان ودنا نعزم امك ونتعرف عليها مرة وحدة بس طلعت مسافرة برى السعودية
يُتبــع ..
|