كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
: وش صار؟ ليش الصراخ!!
رمَشت سريعًا ودونَ استيعاب وهي تنظُر لأمجد الذي وقفَ عند البابِ عاقدًا حاجبيه ونظراتهُ يُمررها من أعلاها لأسفلها ليتأكّد إذا ما كان هنـاك شيئًا، بينما ازدردَت هي ريقها بتوترٍ وشدّت شفتيها اللتين ارتعشتـا لتهمسَ بإحراجٍ وهي تشتت حدقتيها للأسفلِ متجاهلةً الألمَ في قدميها : الكوب طاح وانخرشت ، ما فيه شيء.
اشتدّت تعقيدةُ حاجبيه وتصلبَ وجههُ بينما نظراته تبدّلت لازدراءٍ وكُرهٍ لم ترهُ في حين كانت نظراتها بعيدةً عنه، ارتفعَت زاويـةَ شفتهِ العُليا في صورةِ نفورٍ منها وهو يهتف بصوتٍ لاذع : دلع بنات في النهايـة * استدارَ عنها ناويًا الخروج والابتعاد * هه، كالعادة ماورى راسك إلا المصايب.
زمّت شفتيها بألمٍ لحديثهِ والتمعَت عيناها بشعورٍ قاسٍ من النُبذِ تجاهها، لم تكُن يومًا تتألّم من حديثهِ ونظراته كما الآنَ وبعدما علِمَت السبب وراء هذا الكُره، بعدما علمَت كم أنّها دخيلةٌ بدرجةٍ تكفي لبعثِ كلِّ أنواعِ الكره والإزدراءِ في النفُوس. سمعَت صوتهُ يرتفعُ قليلًا مطمْئنًا لناصِر الذي كان هو بالتأكيد من فزعَ لصرختها وطلب منهُ الاطمئنانَ عليها، فهو بالتأكيد لن يهتم! لن يهتم لنكرةٍ مثلها.
تحرّك ينوِي المـغادرة، إلا أنه في النهايـةِ تراجعَ إليها وأدارَ رأسه نحوها دونَ أن يُديرَ جسدهُ بالكامل إليها، نظَر لهيئتها الضعيفة وهي تنظر للأسفلِ تضمُّ كفيها ببعضهما، ترتعشُ بصورةٍ غيرِ ملحوظةٍ لم يرَها، قبل أن يلفظَ بصوتٍ غليظٍ وجامد : مبروك على الزواج.
رفعَت رأسها إليهِ بسرعةٍ متفاجئـةً مما انطلقَ من شفتيه تجاهها، عيناها اتّسعتا قليلًا وشفتيها انفرجتا بذهولٍ مما جعلهُ يبتسمُ بسخريةٍ ويتحرّك مبتعدًا هذهِ المرّة تاركًا لها تتوهُ في تناقضهِ وتقلّباتِ لسانهِ التي نقشتهُ في صـورةٍ لا تفقهها.
،
فتحَ البابَ بكفّينِ تحتضنهما البرودة، دخَل شقّتهُ الخاويـة على عروشها ليزفُر بعمقِ ما تشاركهُ مع وحدتِه، أصبحَ صديقًا للجمادات، كلّما تباعدَت فطرتهُ في الحيـاةِ مع الناس وجدَ الجماداتِ تقتربُ لتصبحَ صديقته، تحتضنُ المرآة صورتهُ كلَّ يومٍ حتى يُحادثَ نفسهُ بالصبـر، فكلّ ذلك سينتهي، وإن لم يكُن بحيـاةٍ أفضل فسيكُون بممات.
أغلقَ البابَ من خلفهِ والتصلّب يشقُّ ملامحه، عينـاهُ تنطفآن بكلِّ الذكرياتِ التي سردها اليوم على فيصل، ليست كل الذكريات! فهو لم ينحلَّ بعد من حذرهِ ليُخبره عن كل شيء، اقتصَر في سردِ تلكَ الليلةِ فقط، وقليلٌ مما تبعها وجعلهُ غائبًا، ولم يُخبره عن ما تبقّى ولا عمن تبقّى.
رمَى نفسهُ بإهمـالٍ على أريكةِ الصالـة الكريمية، زفَر وهو يسندُ رأسهُ للخلفِ وصورة أدهم جاءته ممن دثّرهُم بعيدًا عن حديثِه، ممتنٌ له! كيف أنّه ساعدهُ كثيرًا في محنته، كيفَ أنّه غيّب الكثير من الصعوبـاتِ التي واجهته .. وسأبقى ما حييتُ أحتضنُ كلَّ ما فعلتهُ لي. بلل شفتيه بلسانهِ ومن ثمَّ أخرجَ هاتفهُ من جيبهِ ليتّجه لرقمهِ حتّى يتّصل به، وضعَ الهاتفَ على أذنه ليتابعَ الرنينَ بأسماعِه حتى حلّ محله صوت أدهم الباسم : حيّ الله صاحب الصوت الغائب.
ماجد يبتسم : الله يحييك.
أدهم : كيفك يا رجّـال؟ زين إنّك فكّرت تتصل ، تغلّيت وقلت بشوف إذا بيفكر فيني أو لا.
ماجد يميلُ برأسهِ قليلًا ممرغًا لهُ في الأريكةِ وصداعٌ يحشُر نفسهُ في رأسهِ قسرًا : اترك الكذب عنك دايم أتّصل عليك أنا.
أدهم : يا كذّاب! أظن لو ما أفكر فيك ما سمعت صوتك.
ضحكَ ماجد ضحكةً مبتورة وهو يُغمض عينيه : طيب ليه محسسني إني زوجتك؟
أدهم : افا عليك! الأولى والثانية والثالثة والرابعة بعد.
ماجد يشهقُ ويفتح عينيه : حرام عليك تبيني أموت؟
أدهم يرفعُ إحدى حاجبيه بغرور : والله ولك الشرف بعد ... * أردف بجديةٍ هذهِ المرّة * أقول ما عليك من هالحكِي ، كيفك أنت؟ بالفترة الأخيرة صرت متغيّر ... * بشك * صاير شيء؟
صمتَ ماجد لبعضِ الوقتِ قبل أن يتنهّد ويحرّك كفه اليُسرى باتّجاهِ مقدّمةِ عنقهِ حتى يريحها على بشرتِه وكأنّ حنجرتهُ تنتفضُ بردًا بغصةٍ وكفهُ ستدفئها، بلل شفاههُ في حينِ عقدَ أدهم حاجبيه بقلقٍ لصمته، وقبل أن يلفظَ بشيءٍ سبقهُ ماجد ببعضِ الهدوء : حصّلت أحد بيساعدني ويطلّعني من هاللي أنا محتجز فيه!
فغَر أدهم فمهُ دونَ استيعابٍ في بادئ الأمـر، قطّب جبينه للحظةٍ مرّت بسرعةٍ حتى وجدَ حاجبيه يرتفعانِ وصوتُه يتسلل من بين شفتيه مصدومًا : كييييف؟؟!
ماجد بهدوء : اللي سمعته ، واحد اسمه فيصل سلمته مصيري بعد الله وقال إنه يقدر يساعدني.
أدهم بانفعال : متأكد؟ متأكد بيساعدك!!
ماجد يُغمضُ عينيه بأمل : نقول يارب.
أدهم : واثق فيه؟
ماجد يصمتُ لبعضِ الوقت، وما كان ليحتاج أدهم سوى لثانيتين من الصمتِ حتى يصرخَ في وجهه : أنت مجنووون؟!
ماجد يتنهّد وينظر للأرضِ بفراغ : لا تحاتي ما جبت اسمك.
عضَّ أدهم شفتهُ بغضبٍ بعد ما قاله ليرتفعَ صوته صارخًا في أذنهِ بشتيمةٍ جعلته يجفل لثانيتين قبل أن يعضّ شفتهُ بغيظ : أدهم احترم نفسك!
أدهم بغضب : اللي يكون معاك ينسى الاحترام بكبره ... ما جبت اسمي؟ هذا تفكيرك فيني؟!! طيب ، خلّ هالفيصل ينفعك ولا طلع كذّاب بعدها فكر باسمي أو لا.
أغلقَ الهاتفَ بغضبٍ ليخلّف وراءه اجفالـةَ ذهولٍ على ملامحِ ماجد لانفعالهِ الذي يراهُ غيرَ مُبرّر، حاولَ الاتصال بهِ من جديدٍ لكن أدهم تجاهلهُ مما أثـارَ فيه الحنقَ ليلفظَ بقهرٍ وهو يرمي هاتفهُ بجانبه : بالطقــاق يا حرمه.
،
عبَرت البـرودةُ صدرهُ بعد الكلماتِ التي قالها، تجمّدت ملامحه وتصلّبت نظراته المتوجّهةِ للأرضِ بصمتٍ أطبقَ على حُنجرته، في حينِ وقفت " مثير للشفقة " نصبَ عينيه لتمرَّ لحظاتٌ بصمتهِ وصمتِ سلمـان من الجهةِ الأخرى وهو يُدرك جيدًا كيف ستكُون كلماتِه عليه.
ارتفعَ صدرُ سلطـان ببطءٍ في نفَسٍ متذبذب، وأغمضَ عينيه للحظـةٍ وهو يدرك قبلًا أنّ تلك الكلمة تشرحهُ حرفيًا فهوَ مهما أنكَر يبقى يمُوجُ في ضعفهِ حينمـا يستذكره، مهما حاولَ التجاهل تبقى الذكريـاتُ تمنعه، الكُره لا يكفي، الحقدُ لا يكفي، يحتـاجُ النسيان أو التبلد! يحتاجُ ما يجعلهُ يمرُّ على هذهِ الجراح ليثنر الملحَ ولا يشعر بحرقةٍ تعانقه وتنتشل كلَّ آهةٍ من صدرِه قسرًا.
بلّل شفتيهِ وأغمضَ عينـيهِ للحظـتين، كلُّ لحظةٍ ترقُص فوقَ أضلاعهِ على لحنٍ خاصٍ من الاندلاع، من النـار الداخليةِ التي تجرِي في عروقهِ بعنفٍ يتركُ لها الإصتدامَ بأقربِ ما تنولُهُ فتعزفُ لحنًا تفرّدت بهِ هيَ وصنعَت منه أغنيةً حزينة، وحُزنهُ تجاوزَ صوتَ النايِ بمراحِل، كم ظُلمَ النايُ بتعظيمِ حُزنهِ حتى آمنَ أنّ صوتهُ لا يجلبُ فرحةً عابـرة، في جسدي " موسيقار " ابتكرَ آلةً لم تُسمى ولن يُدوّنَ التاريخُ لها اسمًا، آلةً موسيقية خُلقت من ألـم، صوتُها أنينٌ وآه، تجلبُ الدموعَ ولا تزرع بسمةً مهما تاهَت في ألحانِها.
انتشَل صوتُ البـابِ هذا الصمت، فتحَ عينيه واستنشقَ الأكسجين بشهيقٍ عنيفٍ بعضَ الشيءِ بينما بقيَ سلمان من الجهةِ الأخرى يُشاركه الصمت طيلةَ ما مضى من لحظـات، يقرأ كلّ اختلاجاتِه من الحشرجةِ التي أنَّ بها صدرهُ وعرقَلت أنفاسـه. رفعَ سلطان أنظـارهُ إلى البابِ وبلل شفتيه وصوتُ غزل يأتيهِ متذمرًا : ليه سحبت على الأكـل؟ لا يكون ما عجبك وكنت تجاملني!
أنزلَ سلطان الهاتفَ إلى حجرهِ ليتنحنحَ قبل أن يعتلي بصوتهِ الجامدِ قليلًا حتى يصلها : روحي غزل ، شوي وبلحقك.
صمتت غزل من الجهةِ الأخرى وهي تقرأ الجفـافَ في صوتِه، لتتوترَ رغمًا عنها لكنّها في النهايـةِ هتفت بخفوتٍ وانصياع : طيب.
تابعَ سلطـان صوتَ خطواتها وهي تبتعدُ عن غرفتـه، حينها زفَر راسمًا عقدةً بينَ حاجبيه متجاهلًا كل الكلماتِ التي سردها سلمان على أذنيه وأيُّ استفزازٍ قد يُحاولـه، رفعَ هاتفهُ إلى أذنهِ من جديدٍ ليلفظَ بحدة : اسمع ، أنا موافق على العشـاء ، مو عشانك بس عشـان أبوي بس! وعلى قولتك ماني موقّف حياتِي عليك! إذا مو كل حياتِي فالجزء الباقي لأبوي.
لم يجبهُ سلمـان مباشرة وكلماتٌ تتصارعُ في حنجرتهِ بعيدًا عما يتحدّث بهِ سلطـان، لم يتركها حبيسةً داخلَ فمهِ بل أطلقَ لجامها ليسأله بقنوط : كيفك مع غزل؟!
سلطان يعقدُ حاجبيه مستنكرًا من الجهـةِ الأخرى، لكن سرعـان ما انفكّت تعقيدةُ حاجبيه ليرفعَ أحدهما باستفزازٍ ويلفظ بنبرةٍ مشدودة : شدخلك؟!
سلمـان بهدوء : مو شيء كثر ماني قاعد أتطمن عليها ، ترى مالها شغل فينا! لا تحاسبها على شيء.
سلطـان بغيظ : للمرة الثانية مالك دخل بحياتِي.
سلمـان دونَ اهتمـامٍ لما قال، لفظ : من طفولتها ماذاقت فرَح تام ، لا تذوّقها بالحُزن الحين.
صمتَ سلطان متفاجئًا من حديثِ سلمـان الذي يتوافقُ كثيرًا مع ما أدركهُ منذ فترةٍ تجاهها، انعقدَت الكلماتُ العنيفةُ في فمهِ وسكنَه الاستنكار لإدراكِ سلمـان لها والذي بقي هو لبعضِ الوقتِ حتى يُدركه، لفظَ بصوتٍ مستنكرٍ وهو يقطّب ملامحه : على أي أسـاس استنتجت إنها ما ذاقت الفرح؟!!
سلمان يبتسم : من كانت طفلة وأنا وفهد عارفين كل صغيرة وكبيرة عنها، تقدر تقول كنا مثل الأبوين لها خصوصًا إنها قريبة من عمرك ... ما تذكرها؟!!
ذهلَ سلطان بهذهِ المعلومةِ التي لم تمرَّ يومًا على لسانِها أو ليقُل لم تمرَّ على ذاكرتهما، لا يذكرها أبدًا! ولرُبّما هي أيضًا لا تذكر شيئًا متعلقًا بهِ حتى والدهُ وسلمـان، ماهذا التشابُك الصادم؟ والذي لم يتوقّعه ولو واحدًا بالمائة. انتشلهُ سلمان من ذهولهِ بصوتهِ الشـارد حينما أكمل بخفوت : وصلت طفولتها المؤلمة للضرب! أبوها مجنون رسمي، أو نقول سادِي! لدرجة إنه مرّة من المرات اعترف بكل وقاحة إنّ فيه أثار بجسمها من ضربه لها!
أجفَل سلطان وهو يستذكِر اللحظـة التي عاد فيها من مقرِّ الشرطـة تاركًا لنفسهِ هُنـاك بعد مقابلته لسلمـان، كيف أنّ يدهُ ارتفعَت في لحظةِ غضبٍ ودونَ شعورٍ ناويةً صفعها بعدَ شتيمتها لهُ وتقليلها من تربيته، كيفَ أنّ الذُعرَ أصابها لتصرخَ بخشيةٍ من كفّه أن تسقطَ على وجهها ... انقبضَ قلبهُ والتوَى حلقهُ بـألم، كـان يُدركُ أنّها لم تعِش حيـاةً سويّة، كان يُدركُ أنّ العالم لم ينصفها وسقطَت في براثِنِ صيّادٍ انتشلَ حقّها في الحيـاة كأيّ بشر، هي كالغزالِ البرّيِّ الذي وقعَ في مصيدةِ البؤس، فقدَت حرّيتها في الضحك، أسرَها الحُزنُ ونقشَ رماديّتهُ على بياضِ صفحتها.
سلمـانُ يردفُ بابتسامةٍ حمَلت بعضًا من السخرية : وإذا كنت طبعًا تنازلت عن قرارك بزواجك الصوري ذا أكيد ملاحظ هالآثار.
انتفضَت أطرافهُ بغيظٍ من وقاحتهِ في التدخل بشؤونِه، لذا هتفَ بنبرةٍ مشدودةٍ كالوتَر : للمرة الثالثة مالك شغل فيني.
سلمان بضحكةٍ مستفزّةٍ ووقاحة : لا تخالف فطرتك وتشكك العالم برجولتك عاد! جيب لنا ولد بسرعة عشان نناديك بو فهد.
سلطان ووجههُ اشتعلَ بغيظهِ وتحديدًا لأنّه يذكُر اسم والدهِ بسلاسةٍ وكأن الذنبَ ينسلخُ عنه، لفظَ بوقاحةٍ مماثلةٍ له : والله عاد غيرنا ما تزوّج أبد وهو اللي مشككنا برجولته!
سلمان : ههههههههههههههههه صاير وقح وقليل أدب يا ولد!
سلطان بابتسامةٍ مُغتصبَة : ومنكم نستفيد.
سلمان يبتسم ببرود : الوعد بكره.
تشنّجَ فكّه وتركَ لعقلهِ حرّية السفرِ لصورٍ من المستقبل القريب، أن يراه أمـامه، بهيئتهِ الواثقة وابتسامتهِ المتعجرفة بعد كلِّ ما خلّفهُ وراءه، وهل سيستطيعُ السيطرةَ على أعصابِه؟ كيفَ لهُ أن يسمحَ لهُ بالولوجِ لمكانٍ قتلَ فيهِ وأحرقه بعد سنين؟ كيف عساه يصبُر على رؤيتهِ ويتصنّع عكسَ الحقدِ أمـامَ العالمِ أجمع!! ... ازدردَ ريقهُ وقاومَ اختناقًا خلّفته كلماتٌ ملأت فمهُ ومنعَت الأكسجين من الولوجِ إليه، لفظَ بصوتٍ متخاذلٍ حاولَ اسكانَ الوهَن فيه : أنـا موافق ، بس بشرط!
رفعَ سلمـان إحدى حاجبيه، لكنّه لفظَ بهدوءٍ مستجيب : وأيش هو؟!
سلطان : العشاء يكُون في بيتك! ماني متحمّل أشوفك بنفس المكـان اللي حرقته.
سلمان بسخرية : يعني بيفرق؟ في النهاية بتشوف وجهي غصب عن عيُونك بعَد ، ولا تنسى إحنا تعودنا نخلي هالعشـاء بالبيت اللي كان عايش فيه فهد يعني ما يصير!
سلطان : هذا آخر اللي عندي.
تنهّد سلمان باستسلام : طيب ، لك اللي تبيه، طبعًا لأنك مثير للشفقة وحزنت عليك.
تجاهلَ سلطان كلامه بالرغم من كونِه استفزّه، لينطقَ بصوتٍ مغتاظٍ ونبرةِ كُره : إذا ما عندك شيء ثاني فـ مع السلامة.
ليُغلقَ دونَ مبالاةٍ لردّهِ ويسكُنَ للحظاتٍ ناظرًا للأرضِ والهاتفُ يقبعُ في كفِّهِ المعانقةِ لـه، في كلِّ مرةٍ يُقابلُ فيها سلمان أو يسمع صوته تشتعلُ نارٌ في صدرهِ وخليطٌ من الوجعِ والحقد، الأسى والتمنّي بأن يكون كل هذا كابوسًا امتدَّ لأشهرٍ غابَ فيها عن النهوض، لكن كل شيءٍ حقيقي! كل شيءٍ يزرعُ الأسى والحزن، كل شيءٍ كان زائفًا والآن ظهرت الحقيقة التي تمنى لو أنّه مات على نقيضها ولم يكتشفها.
زفَر بألمٍ لينهضَ ويتّجهَ للبـابِ حتى يلتحقَ بغزل التي أسكَنت فيه حُزنًا على حالها، رغبةً في ضمّها إلى صدره ومسحِ كلِّ وجعٍ شاركها طفولتها حتى الآن. لا تزالُ طفلة! وكأنّها نسيَت نفسها قبل سنين، في مكانٍ مـا، في لحظةٍ مـا، كبُرَ جسدها ونسيَت روحها المعتادةَ على النمو قبل سنينَ لتبقى طفلةً تتمنى الكثيرَ مما لم تحصل عليه في كنفِ والدٍ كمـا وصفهُ سلمان - سادي -.
يتبــع ..
|