كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
بقيَ متيبّسًا في مكانهِ وهو ينظر إليه بعينين مستنكرتين، مصدومتين على الوجهِ الصحيح! كيف نسي أنه يعيش هنا؟ للحظةٍ غفِل عن ذلك وغادرهُ الإستيعاب في خضمِ أفكَارهِ والأعاصير التي تقتلعُ كلّ ذرةِ عقلٍ في رأسه، كل قطرةِ ماءٍ في جسدهِ ليحفَّ ويترهّلَ تفكيرهُ بغضبِه.
شتّت عيناه بينما ارتفعَت نظرات يوسف إليه وعقدَ حاجبيه وهو يبتسم هامسًا بدهشةٍ مستنكرة : بدر؟!
زمَّ بدر شفتيه وهو يعقدُ حاجبيه بقوّة، ومامعنى ذلك؟ أن يراه هنا؟ يخرج من ذاتِ الشقّة المقصودة؟!! ما معنى ذلك!! ... تضاعَف اتّساعُ عينيه قليلًا وهو يُحاول الربط بينه وبين الموضوعِ برمّته، هاتفُ أخته في يده، وحقيبتها يحملها في الأخرى. كيف وصلا إليه؟ هل خُدع منه أم ماذا! هل وقعَ في فخٍ أحمقَ وكان يُجالس عدوًا لصباحاتٍ وقهوة؟! .. تشتت أفكارُه وهو يزفُر خلجاتِ صدرهِ للهواءِ المُثقلِ بأنفاسِه الصقيعية، تثبّتت نظراته عليه وهو يلمحُ الإستنكارَ في عينيه، لم يكُن يحادثهُ في شيءٍ يخصّ حياتهُ الخاصة، كان غامضًا معه! حذرًا والحذرُ يتشبّعُ فيه بشكلٍ عفويٍ مع أي شخص، لكن فكرةَ خداعهِ بطريقةٍ أو بأخرى جعلت الدمَ يفورُ في عروقه، جعلت أفكارهُ تتضاربُ في عقلهِ بغضبٍ وقهر . . تبدّلت نظراتُ الدهشةِ في عينيه لحقدٍ ويُوسف يقتربُ منهُ وهو يميل رأسها جانبًا قليلًا ببعضِ الإستغراب دونَ أن يفقدَ ابتسامته، وبهدوءٍ يُردف : شلونك بدر؟ ، وبعدين شفيك متنح كذا!
تراجعَ بدر تلقائيًا للخلفِ حين أصبح أمامه مباشرةً وهو ينظر إليه بحقدٍ واحتقـار، وبنبرةٍ باردة : متنّح فيك ، نسيت إنّك عايِش هنا
رفعَ يوسف إحدى حاجبيه باستغرابٍ من حركتِه لكنه لم يعلق، في حينِ أردفَ بدر وهو يشير بعينيه للحقيبةِ في يده : لمين ذي؟
نظَر يوسف للحقيبةِ النسائية ببعضِ الاستنكار لسؤاله - الفضولي - بطريقةٍ لا تليق، لكنهُ حمَل الموضوع ببساطةٍ وهو يرفعها ويردُّ بشفافية : بنتي أخذتها الصُبح بعد ما طاحت من بنت اصتدمت فيها
تصلّبت ملامح بدر بحقدٍ أكبر، ذاتُ الكذبةِ يتداولها الرجل وابنته - كما يزعُم -، يُدرك جيدًا بأن غادة لم تخرج اليوم، لكنّه حتى الآن عجِز عن حل لغز وصول الحقيبةِ إليهم، ولن يتهاوَن معهما في مكرِهما هذا. لفظَ بنبرةٍ مشدودة وهو يوزّع نظراته على ملامح يوسف الوقورة والتي أصبَحت كريهةً بمكرها في هذهِ اللحظة : اصتدمت فيها؟ اهـاا
عقدَ يوسف حاجبيه أكثر والمزيدُ من الغرابة تسكنهُ لحالِ بدر معه، لبرودهِ ونظراته الحاقـدة ... وجّه عيناه للواقف بجانب بدر بصمتٍ وسكُون، وباستفسارٍ هادئ : ما عرفتنا على الأخ
بدر يبتسمُ ببرودٍ وهو يرفعُ إحدى حاجبيه بسخرية : يهمك تعرفه؟
ارتفعَ حاجبي يُوسف بصدمةٍ من إجابته وسكَن عينيه قليلٌ من الحرجِ لردّه الغريب ونبرتهِ الأغرب، تنحنحَ ليُخفضَ نظراته قليلًا ويهتفَ بصوتٍ باسمٍ بالرغم من تعامل بدر الغريبِ معه والذي اعتاد منهُ الإحترام : شكلي مضايقك ، عسى ماشر
بدر دونَ أن يفقد ابتسامته الباردة : لا شـر دامك تحمل هالملامح البريئة والمسالمة وتخدع الناس بعكس جوّاتك
ضوّق يُوسف عينيه باستنكارٍ وصدمةٍ منه ومن أسلوبه في الحديثِ اليوم بعد أن اعتـاد منهُ الإحتـرام لأيـامٍ طويلةٍ ومنذ عرفه، تلاشَت ابتسامتهُ وهو يبلل شفاههُ ويتركَ لأفكارهِ المتخبّطة في رأسه أن تتشتّت عنهُ كي لا يفقِد هذهِ العلاقة التي لم تتعمّق بعد، لكنّها كانت لذيذةً بحجم جمـال شخصية بدر، لذا هو مستنكر! مستنكرٌ لكنّه لن يأخذ أسلوبه الآن وطريقتهِ في الحديثِ بمحمَل الحقيقة .. تجمّدت عيناه على عيني بدر الباردة، وشفتيه انفرجتا تهتفانِ بخفوت : وش لقيت مني عشان هالحكي؟
بَدر بحقد : أنت أدرى وأكثر مني بعَد .. * مدَّ يدهُ إليه ليُردف بأمرٍ جامد * هات الشنطة والجوّال
تراجَع يوسف للخلفِ بدهشةٍ من وقاحته : بـــدر!
بدر يُقاطعهُ بانفعال : قلت هاتها! صدقني للحين أُعتبر ماسك نفسي لا أذبحك على تجرّأك لأختي
يوسف باستنكار وعقلهُ غاصَ في غرابةِ الموقفِ وصدمته : أختك!!
بدر بصراخٍ غاضبٍ وهو ينتشل الحقيبةَ بفظاظةٍ ومن ثمّ الهاتف : حمييييير! ما عندكم أساليب غير هالأساليب الوصخة زيّكم
قالَ كلماتهِ الأخيـرةَ وهو يدفعهُ للجدارِ ويضغطَ على عنقهِ بذراعه اليُسرى بينما امتلأ وجه يُوسف بالصدمةِ والألـمِ لذلك الإصتدامِ والإختناقِ في ذاتِ الوقتِ لذراعِ بدر القاسيـة.
في جهةٍ أخرى وقبلَ دقائق
تنهّدَت أرجوان التي كانت تجلسُ على سريرِها وهي تنظُر للفراغ، ما إن أغلقت من ذلك الإتصالِ المُزعج حتى كان والدها يفتحُ بابَ الشقّة الخارجي ويدخل، لم تنتبه إليه وقتها، لكنّه لم يستغرق ثواني إلا وهو يدخلُ غرفتها المفتوحة لتنظرَ إليه متفاجئةً لكنّها سرعـان ما وقفَت لتقبّل رأسهُ حين أصبحَ أمامها مباشرةً، لفظَ بابتسامة : متضايقة؟
أرجوان تبتسم مُواريةً كلَّ ضيقها وأحزانها خلف ابتسامتها : لا
يُوسف بخفوتٍ حنون وهو يمسحُ على شعرها الأسود : لا ، متضايقة فلا تكذبين
زفَرت بقلّة حيلة وهي تنظُر للأسفَل بضيـاع، لتنحدِر كفّهُ عن شعرها إلى كتفيها ويشدّها إليه برقةٍ يحتضنها بحنان، حينها أغمضَت عينيها وعضّت شفتِها السُفلى لتزرعَ رأسها في صدرهِ الحنُون، هامسـةً بغصّةٍ في نهايَةِ الأمـرِ بعد أن قررت منذ البداية أنها ستصمت : ليان تعبت اليوم
عقدَ حاجبيهِ وهو يرفعُ رأسه بسرعةٍ وقلقٍ إلى سريرِ ليـان الذي كانت تنـامُ فوقهُ بإرهاقٍ يظهرُ في حركةِ صدرها وتنفّسها المضطرب، أبعدَ أرجوان عنهُ قليلًا لتتحرّك قدماه بسرعةٍ متّجهًا لسريرها، جلسَ على طرفِه ليضعَ كفّه على وجنتها متحسسًا الحرارة التي انخفضَت كثيرًا عن الصبـاح، وعيناهُ تُظلمانِ بأساه، شفتاهُ تتكوّرانِ في آهةٍ خافتةٍ تشرحُ صريرَ قلبهِ الملتوِي بضياعِه.
استدارَ إلى أرجوان وملامحهُ تمايلَت بحزنٍ لمدى التقصيرِ الذي يشعر أنّه يوخزُ صدرهُ بسهامه، كم باتَ يُقصِّر، كم باتَ يؤذيهنَّ ببُعده، بالمسافاتِ التي لا تنطوِي بينهُ وبين الحُزن، ذاكَ الذي كان يَستطيعُ غلبهُ كثيرًا ومواراتَهُ عنهنَّ وعن رعايته لهن، لكنّه من بعد هذا الشوقِ ومن بعدِ أن انسحبَت جذورُ جيهان منه، شعر بالضعف! بالضعف حدَّ الإبتعـاد، بالحُزنِ حدَّ التقصير، لطالمَا كان تُربتها، وكانتْ أمها الماء التي تسقيها لتنمو فيه، لكنّها من بعدِ أن اقتلعت نفسها منه أصبَح تربةً فارغَة، أصابه القحطُ ببعدِ ابنته، ذهبَت جودتُه ولازمهُ الضيقُ ليقصِّر أكثر، والأبُ إن فقدَ إحدى أميراتِه يجد نفسه يهتم بالباقياتِ بقوّةٍ حتى لا يفقدهن، لكنّ الأمـر كان عكسيًا لديه! كان عكسيًا بطريقةٍ مؤذيةٍ لهُ قبل أن تكون لهن.
بلل شفتيه وتنفّس بألم، هامسًا ببحّة : وش صار لها؟
أرجوان بشفتين ارتعشتا وهي تقرأ حُزن عينيه، كما توقّعت! كان ليحزن، لذا أرادَت الصمت، أرادتهُ بشدّةٍ حتى لا تُسكن المزيدَ من الحزن في عينيه، لكنّها باندفاعٍ أعمى أخبرته، حينَ اختطفتها الضيقَة أخبرتهُ دونَ شعورٍ وليت لسانها قصَّ قبل ذلك .. ردّت بألم : قامت وهي مصخّنة وترجّع، ما كان باين عليها كثير قبل الفطور بس من طلعت من البيت هي راحت تنام شوي وبعد نص ساعة قامت تبكي وترجّع على نفسها
نظَر للسريرِ الذي غيّرت أرجوان مفارشه، ليتنهّد بضيقٍ وحزنٍ وهو يهمس : وأيش سويتي لها؟
أرجوان تشتت عينيها وترد بكذب : جلست أحط لها كمادات لين انخفضَت حرارتها
يوسف ويقرأ نبرتها الكاذبـة استدارَ لينظر إليها بشك : والترجيع؟
أرجوان صدّت بنظراتها عنه بعد أن نظرَ لعينيها، وبتوتر : بطّل من نفسه ، بس ما أستبعد ترجّع بأي وقت
قطّب يوسف جبينه لينطقَ بهدوءٍ حازم : تكذبين على أبوك؟ للمرة الثانية من جيت طبعًا
عضّت شفتها السُفلى بإحراجٍ وعيناها لا تلتقيَانِ به، قامَ ليتّجه إليها وصوتُ خطواتهِ جعلها تتوتّر لتخفض رأسها للأرضِ وتُشبكَ كفيها ببعضهما في صمت، بينما وقفَ هو أمامها مباشرةً ليضعَ يدهُ على شعرها ويلفظَ بهدوء : ليه تكذبين؟ وش مسوّية؟
أرجوان بتوترٍ ونبرةٍ خافتة : ما سوّيت شيء
يوسف بحزم : الكذبة الثالثة!!
لوَت لسانها داخِل فمها وقطّبت جبينها بذنب، في حينِ انخفضَت يدهُ ليُمسك ذقنها بحنانٍ ويرفعَ وجهها إليه لتنظر لعينيه رغمًا عنها ، وبخفوت : تكذبين عليْ أرجواني؟ من متى!
ارتعشَت شفتاها بألمٍ واضطرابٍ وتمايلَ حاجباها بحزن، زمّت شفتيها لتُسكِن الرّعشة التي تملأ شفاهها، هامسةً ببحّةٍ وغصة : رحت الصُبح للصيدلية اللي قُربنا ، وجبت الدواء .. بس
عقدَ يوسف حاجبيه وهو يُمرر اصبعه على حاجبيها بعد أن تركَ ذقنها، وبصوتٍ حنونٍ رغمَ الضيقِ الذي يسكُن نصفَه : وليه هالتعقيدة؟ والكذب عليْ!!
صمتت من جديدٍ دونَ أن يرد، ليدرك حينها بأن موضوع كذبها عليهِ مختلف، وقتئذٍ زفَر بقلقٍ وهو يمسك كتفيها ويشدّها إليه قليلًا : احكي، وش فيك وش صار عشان هالكذب والسكوت!!
نظَرت لعينيه مليًا وهي تعضُّ باطنَ خدّها، ووجَدت نفسها تنطلقُ في إخبـارهِ بما حدث، بتلك الفتـاة وباصتدامِها وذاكَ الإتّصـال لتبترَ بعضًا من وقاحةِ حديثِ بدر معها دونَ أن تخفي بأنّه كان فظًا، بينما عضَّ يوسف شفتهُ بعد أن اعلمته بما حدث، ولفظَ أخيرًا بضيقٍ وحاجبيه بنعقدان بعتاب : وليه ما انتظرتي لوقت رجوعي وعلمتيني؟ وقتها أنا بتصرّف
أرجوان بخفوت : ما كان ودي أضايقك بتعب ليـان
يُوسف بعتاب : الحين هذا سبب * زفَر بقلّة حيلة * جيبي الشنطة وأنا بتّصل على الرجـال مرة ثانية وأتفاهم معه
شعرَت أرجوان بالضيقِ لتلك الفكرة، فهي لم تكُن تريد لوالدها أن يتصادمَ بالحديثِ مع وقحٍ مثله، لكنّها صمتت مبتلعةً رفضَها لتُعطيهِ الحقيبةَ ويخرج.
في الخـارج
كانت ذراعُ بدر تضغطُ على عنقِ يُوسف أكثر، ملامحه تتشنّج بحقدٍ وقهرٍ وغضَب، بينما يدُ يوسف تحاول إبعادهُ عنه وغضبهُ من الجهةِ الأخرى اعتلا لمـا يفعل، بالرغم من صدمتِه ودهشتهِ بما يحدث إلا أنّه لم يكُن ليسمحَ للصدمةِ أن تشلَّ سرعةَ الإستجابةِ لديهِ في وضعٍ هكذا، لذا حاوَل دفعهُ عنه إلا أن بدر بقوّة بنيتهِ ثبّته وهو يلفظ بحقد : تدري وش ودي فيه الحين؟ أقتلك ، أقتلك بكل قهر جوّاتي وعن كل جلسة وقهوة تشاركناها وكل سالفة حكينا فيها مع بعض ... خسيييييس
لفظَ تلكَ الكلمة وهو يتركهُ ويتراجعُ بعد أن سحبهُ شريكه الذي كان معه، في الوجهِ الصحيح هو من سمحَ لهُ بسحبهِ وتركهُ بملءِ إرادته ... رفعَ اصبعهُ متوعدًا وهو ينظر ليوسف المُمسك بمقدّمة عنقه بألمٍ في حين اتّجهت نظراتهُ غاضبةً إليه وعاتبة : بتركك الحين ، مو لشيء سوى إنّي محترم هذيك الجلسات بيننا وبتركك لين تستوعب كشفي لك ... راجِع لك صدّقني ولو اكتشف إنّ أختي أو أخوي ماهم في الشقة وقتها اعتبر نفسك ميّت أنت والزفتة اللي مكلمتني أوّل ... ولا تفكر مجرد تفكير تهرب، بحصّلك بكل سهولة
،
الساعة الخامسةِ والنصف مساءً
بعد أن خرجَ سلطان من عندهم جلَست غيداء بجانبِ غزل وملاصقةً لها، بينما وجهها يتجهّم بضيقٍ وصوتها الحانقُ همسَ في أذنها ببعضِ الخبث : يدافع عنك هاه؟! دواكم عندي ما أكون غيّود إذا ما رجعتك له حمرا
غزل دونَ إدراكٍ عقدَت حاجبيها تنظر إليها بعد أن اقتلعتها من عالمِها الرمـادي وصورةُ سلطان الباسِم وهو يُحادثُ أمّه تستقرُّ في عرشِ ذلك العـالم كملكٍ على تلكَ اللحظة، صورةٌ بالرغم من كونها بعثَت إليها الضيقَ إلا أنها تبعث الأمـان أيضًا. هتفَت بتساؤل : شقصدك؟
غيداء بلؤم : الحين أفهّمك وش قصدي
ولم تكَد تستوعب شيئًا حتى شعرَت بأسنانِ غيداء تعضّها في ذاتِ المكان الذي عضتها فيهِ ومن فوقِ قماشِ بلوزتها، صرَخت بألمٍ وهي تحاولُ إبعادها عنها بينما قفزَت ام عنـاد بصدمةٍ لتقتربَ منهما صارخةً بغضب : اتركيها يا الخبلة اتركيها حسبي الله على ابليسك
غزل بألمٍ وهي تضعُ كفّ يدها الأخرى على جبين غيداء محاولةً دفعها عنها ليزداد تشبّث غيداء ومنهُ ألمها، صرخت : يا حمااااااااره أنا ما عضيتك بهالقوة الله يكسّر هالسنون
ابتعدَت غيداء بعد أن ضربتها امها بغضبٍ على كتفها وهي تبتسم بانتصارٍ ووحشيةٍ غير مباليةٍ بألمِ تلك الضربة، ومن ثمَّ رفعَت كفّها اليُمنى في مشهدٍ تمثيليٍ لتمسحَ بظاهرها على أسفلَ زاوية فمها كنايةً على مسحِ الدم، حينها كشّرت غزل بغيظٍ وهي تهتف : مصاصة دماء مجنونة أعوذ بالله، ما أستبعد بيوم تجيني وأنيابك بارزة وودك تشربين دمي
ابتسمَت غيداء ببراءةً وهي تنظر لأمها التي توجّه إليها نظراتٍ قاسيةً ومتوعدة، وبعينين ترمشان : لا وش دعوى وش أبي بدمك الفاسد؟ ما نستغني عن دم ام عناد
ام عناد بغضب : دواك عندي يا قليلة الأدب
غزل بقهرٍ وهي تفرك عضدها من فوقِ البلوزة : أيه خالتي واللي يعافيك عاقبيها بغت تآكل جلدي هالمسعورة
غيداء تحرّك حاجبيها نزولًا وصعودًا باستفزاز : وبغيت بعد أرجعك لسلطان حمرا ، بس للأسف ام عناد موجودة إن شاء الله في مرات قادمة
في تلك اللحظـةِ تصاعدَ رنينٌ من هاتفٍ مـا، انتفضَت غيداء لتُديرَ رأسها ناظرةً لهاتفها بجانبها وتبدّلت ملامحُ وجهها لتحملهُ بسرعةٍ وهي ترفض المكالمة، وبنبرةٍ مرتعشة : هالرقم له فترة مزعجني بعطي عناد
ام عناد عقدَت حاجبيها وهي تجلس بجانبها، وبنبرةٍ اهتمـام : قد رديتي عليه؟!
غيداء بتوترٍ وهي تُعيد خصلات شعرها لخلف أذنها : لا
ام عناد : يمكن وحدة من صديقاتك
ازدردَت غيداء ريقها وهي التي لم تعتَد على الكذب، وبخفوت : يمكن ، بسأل صديقاتي بكره
أفرجَت أم عناد شفتيها لتلفظ بجملةٍ أخرى، لكنّ غزل قاطعت الموضوعَ وهي تشعر بأن غيداء محتاجةٌ لمن يُنقذها من هذا الموقف، فهي تقرأ بسهولةٍ اضطرابَ عينيها الآن : خالتي أقدر أروح المطبخ أجيب لي مويا؟!
ارتفعَت نظرات أم عناد إليها لتقطّب جبينها وتقف : تروحين أنتِ؟ لا والله ما تتعبين حالك أنا اللي بروح
ارتفعَت نظراتُ غيداء لامها وإدراكها البطيء والذي سافَر عنها لم يدفعها لتنهضَ بسرعةٍ وتذهبَ عوضًا عنها، قلبها فجأةً بدأ بالإضطرابِ منذ سمعَت ذاكَ الرنينِ وكأنّها تقومُ بمعصيةٍ مـا، لا تدري لمَ عند " سارة " تحديدًا تشعر بالخوفِ حدَّ أن تصمت وكأنّها قامت بجريمةٍ لمجرد أن سارة تضايقها.
استدارَت إليها غزلْ ما إن خرجَت ام عناد، عقَدتْ حاجبيها وهي تهتفُ بخفوت : وش قصّة هالرقـم اللي مزعجك؟!
بللت غيداء شفتيها لتتنحنحَ وهي تفركُ كفيها بين فخذيها وتهمس بارتباك : ما أدري شكلها وحدة من صديقاتي مثل ما قالت ماما
غزل بشك : ماهو رجّال يعني؟!
غيداء بذعر : لا لا أصلًا ما رديت
غزل تعقدُ حاجبيها وتضوّق عينيها : كذابة ، واضح رديتي أجل ليه خايفة كذا مو من رقم عاد!
غيداء بتوتر : لا والله ماهو رجّال
غزل : أجل؟!
غيداء تُدير رأسها عنها وتنظر للأرض : ما عليك السالفة ما تحتـاج
غزل بإصرار : لا بتعلميني ترى منتبهة لك من آخر مرة جيت لا يكون رجّال وتكذبين علي؟
غيداء بجزع : لا وش رجّاله تبيني أنجن؟!
ابتسمَت غزل بعطفٍ لخوفها وبراءتها ، وبرقة : طيب شالسالفة؟!
غيداء بتوترٍ تعترف : وحدة من زميلاتي
ارتفعَ حاجبي غزل بقليلٍ من الاستنكار، وبحيرة : وحدة من زميلاتك؟! طيب وين المشكلة بالضبط؟!!
غيداء بخفوت : ماهي بزينة
غزل : من أي ناحية؟!
غيداء تهزُّ كتفيها قليلًا : ما أدري بس عناد يقولي لا أقرب منها ، أساسًا أنا ما أرتاح لها
بقيَ إحدى حاجبي غزل مرتفعًا باستنكارٍ للموضوعِ برمّته والذي ترى أنه لا يستحقُّ كل هذا الاضطرابِ والخوف، لوَت فمها باستياءٍ لتُردف : وأيش تبغى منك مزعجتك؟!
غيداء بارتباكٍ تُميل رأسها جانبًا : تقول إنها تبي تكون صديقتي وعازمتني على حفلة عندها ... من الأسـاس أنا صرت أخاف منها من كثر ما تحن وبكل مرة تقول حفلة!!
زمّت غزل شفتيها قليلًا وهي تنظر ببعضِ الإحتقـار لتفكيرها، ماهذهِ المحدوديـة في الحيـاة؟! لا تنكِر أنها تلمحُ السعـادةَ في حياتِهم لكنَّ السعادة لابد من أن تُرفقَ بالحريّة التامـة، بعيدًا عن هذهِ القيود العمرية، كونها مراهقةً لا يسمحُ لهم بتحديدِ نطاقِ حريّتها!
لوَت فمها بغيظٍ وهي تبتلعُ الإحتقارَ في صوتِها لتنطق بصوتٍ يتوارى عنه الاستفزاز : أخوك ما عنده سالفة بنت بعمرك وش بتسوي بعد؟!
غيداء بصوتٍ فاتر : هي عمرها 17 ماهي بعمري
غزل بانفعال : ويعني؟! وش هالتخلف أستغفر الله أجل تحبسين نفسك ما تشوفين العالم؟!
ازدرَدت غيداء ريقها بصعوبةٍ وحديث غزل لا يروقها، هي ليست " محبوسة " بالمعنى الفعلي! بل على العكس فعائلتها لم تتّجه يومًا لقمع حرّيتها وتدرك أنّهم يهدونها الحرّية الكافيـة والتي لا تؤذيها، لذا إن قيل لها بأن - فلانة - لا تصلحُ للمصاحبـة فهي بالتأكيد لا تصلح، وذلك لا علاقة لهُ بالحرّية وقمعها.
فتَحت فمها لترد، لكنّ دخول ام عنـاد وقتذاك جعلها تصمت وتواري الموضوعَ خلف جدارِ صمتها، نظرَت إليها غزل من طرفِ عينيها وهي تتناولُ كوبَ المـاء، لو أنّها بالفعل تمتلك الحرّية التامة من عائلتها ما صمتت الآن وخافَت من أمها، لو أنّها كما ترى سعيدةً كفايـةً وتعيش بين عائلةٍ مثالية لمَا كان هذا التوترُ والخوف يصاحبها بل أخبرت أمها ببساطـة ... غريبٌ أن ترى فيها كلَّ تلك السعـادة وحياتها مُحتَكرةٌ بهذهِ الطريقة! هل تتصنع السعادة مثلها إذن؟! وعائلتها بالرغم من جمالها لم تصبح باذخة الجمـالِ حتى الآن؟! ... لكن ماذا عنها؟! لطالما كانت تمتلك الحريّة القصوى وتخرج من المنزل متى تريد وتعود متى تريد! تقوم بكلِّ ما يشتهيهِ كبتُ مشاعرها وضيقها في المنزل، لكنّ السعادة لم ترفرف على ملامحها! لم تلامسها ولو خطأً!! فهل تقترن السعادة بالحرية فعلًا!!!
يتبــع ..
|