لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-10-15, 02:19 PM   المشاركة رقم: 506
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحّة وعافيـة


بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات


(55)




الواحدةُ ظهرًا بتوقيتِ بروكسيل
نظَر إلى الذي يجلسُ بجانبهِ بحدةٍ وقد اقتربَت سيّارته من الحيِّ الذي يقطُن فيه، عقَد حاجبيهِ وقبضتيه تشتدّان على المقودِ بينما عادت نظراته للطريق : وش قالك؟
الآخر بتوترٍ وهو يخفض هاتفهُ بعد أن انتهت المكالمـة : أولًا بخصوص الجوال فهو في المبنى السابـع .. بنفس حيّكم
عقدَ بدر حاجبيه بعنفٍ وتوتّر قلبه الذي يشتدُ يجعل من نبضاتِه تركضُ بشدةٍ في صوتٍ يحجبُ التفكير عن عقلهِ الذي ينحصرُ في خوفهِ عليهما الآن. لفظَ بنبرةٍ قاسيـة : وثانيًا؟!
الآخر بذاتِ التوتر : وبالنسبة لأهلك فبحسب المراقبَة ما انشافت أختك تطلع من الشّقة ولا أخوك
بلل شفتيه بلسانهِ ورجفةُ صوتِه الخائنة دفعتهُ للصمت، مهما تصنّعنا القوة إلا أن وقعَ الخطرِ حين يقترب ممن نحبُّ يدفعُ حنجرتنا للبحّة التي تنصِّف الثبات في الكلمـات .. لم تخرج كما توقع، فكيفَ عساهُ هاتفها أن يصلَ إليها، كيف؟!
أسكَن ارتعاشَ أناملهِ بشدِّه الأقوى على المقودِ وضاعَف من سرعةِ السيارة، بينما أردف الآخر بترددٍ أكبر : بس فيه شغلة
أدار بدر رأسه إليه بسرعةٍ ثم أعاد نظراته للطريق وهو يلفط : وش بعد؟!
الآخر : طوال الأسبوع كان فيه حرمه غريبة ماقد شفناها من قبل تطلع من نفس المبنى اللي عايشين فيه لمدة ساعة بالكثير وبعدين ترجع له وما عاد تنشاف لليوم الثاني بنفس الوقت اللي تطلع فيه كل يوم تقريبًا!
عقدَ بدر حاجبيه بشدةٍ ليظهرَ الغضبُ بينهما في تجعيدةِ كَدَر، طرأ في عقله تلك الفتـاة التي اتّصلت به منذ نصفِ ساعةٍ من هاتفِ أخته، لكن كيف ذلك؟ إن كانت تعيشُ في مبنى مجاورٍ لهم فكيف تبقى طول اليومِ في غيرِ مسكنها؟! ، توجّس، وبدأ عقلهُ يحاول جرفهُ إلى أفكارٍ ما بين المشرقِ والمغرب، متباعدةٌ وتناقضها عن الفكرةِ التي كانت في عقلهِ سببت لهُ الإرهـاق وضاعفَت توجّسه، أتكون تلك الفتـاة تزور غادة في كل يوم؟! فكرةٌ مستحيلةٌ بالتأكيد وبعيدةً عن المعقول فهو يقضي وقتًا طويلًا معهم، إذن من هي؟ كيف وصلَ هاتف غادة إليها إن لم تكُن غادة قد خرَجت في غيابِه؟! ... دوامةٌ لفّت عقلهُ ووأدَت الأفكـار المعقولة، قلبهُ بدأ في التسارع بقسوةٍ ليسترجعَ تلك الليلـةَ الظلماء، تلك الليلةَ التي غيّبت الشمسَ سنواتٍ عن حياتِه، تلك الليلةَ التي ركضَ فيها في أروقةِ المشفى بعد أن أُستدعِي لأن والداه و " هي " دخلوا المشفى لحادثٍ وقعَ بهم، أروقة المشفى طويلة! بيضاءُ لا تسرُّ الناظرين، لمَ أصبحَ البياضُ كئيبًا؟! لمَ أصبحَ البياضُ مؤلمًا يمررُ على صدرِه شفرةً امتلأت ببحةِ صوتِه اللاهث، حنجرتهُ يترغرغُ فيها الصمت، هذا الصمتُ مهلك، تلك الغصّة في صدرِي موجعةٌ تُرعِشُ شفتَاي، عينايَ لا توارِي سوءاتَ أفكـاري، تحمرُّ بملحٍ يتناثرُ على قدمـاي فيُضعفُ هذا الركضَ بثُقله.
تلك الليلةُ وصَل فيها ليُنثَر على أسماعهِ رحيلُ أمّه أولًا إلى بارئها، ووالدهُ في العناية، بينما زوجتهُ العزيزةُ تحتضر! كيف انشطرَ الوقتُ بتلك القسوة؟ كيف لم يمنحه القليلَ ليحزنَ على فاجعتهِ الأولى بأمّه لتختلط في ذاتِ الوقتِ بفاجعةِ زوجته؟! الوقتُ لا يُنصِفنا بقدر ما يُنصِّفُ الإهتزاز، نصفٌ يهتزُّ بوجع، ونصفٌ آخر يهتزُّ بخُذلان.
لا يدري ما كان يجب عليه وقتذاك، هل يحزن على أمه؟ هل يبكي؟ هل يسقطُ منهارًا لتنهارَ كل الجِنانِ بعد الرحِيلِ والوداع، آهٌ يا أمي، وألفَ آه .. لم أستطِع إنصافكِ في الحُزن، سامحي تقصيري.
كانَ عليهِ أن يكون عند زوجتِه، كلُّ مافيه يُكذِّبُ الإحتضـار، هم لا يُدركون بأن احتضارها سيكُون إن تركتها، هكَذا قالت مرة، " لا تخليني، أموت والله من دونك "، لم تقُل بأنها ستمُوت قبلي، لذا هم لا يُدركون معنى الموت، هم جهلَةٌ في الحيـاةِ والممات، هي فقط تَتَابعُ شهقاتها خارجةً من صدرها! فقط تتألم، لكنها لا تحتضر.
مسجّى كانت على سريرٍ أبيض، واللهِ إن البيـاضَ باتَ كئيبًا! ، هاهي تشهقُ بالفعلِ من فوقِه، والدمـاءُ نحرتهُ حينَ غطّت أماكنَ عديدةً في جسدها، عيناها بازغتانِ للأعلى حتى جـاء، لتُدارَ إليهِ وتنظر لملامحهِ التي اسودّت حين انسحَب بياضها وسكَن المشفى، الروحُ تغادرها رويدًا رويدًا، وروحه تتعلِق بروحها، لذا كان حريًّا بصدره أن يرتفعَ بصعوبةٍ وهو يراها، أن ينخفضَ بتحشرجٍ والكلماتُ تُدفَنُ في زوبعةِ الغصّات التي تغشَى حنجرته .. تحرّكت شفاهها الشاحبـةُ بأحرف اسمهِ دونَ صوتٍ واضحٍ يُعيد روحهُ إليه، " بدر ، بدر! " .. أما تدركين أن البدرَ أنتِ شمسُه؟ ضوئي انعكَاسك، فكَيفَ لي البزوغُ ولو في " بِضعِ أهلَّةٍ " إن غادرتني؟! ستسودُّ الدنيـا، سيذهبُ عنها النهارُ والدفء، هل قدْرُنا قليلٌ بتلك الدرجةِ لتتركينا؟ حاشانا! أليس كذلك؟ ... أرواتي!
نظرَ إليها بعينينِ تغصّان في الموت، لا يستوعب المرء الموتَ حين يجيء، يكذِّبهُ بكل استطاعةٍ وبحجمِ الصدمةِ التي اقتلعته. اقتربَ منها بهدوءٍ يُخلِّفُ من خلفهِ أعاصيرَ عديدة، يتأمّل عينيها الناظرتين إليه ودموعٌ غزيرةٌ تغطيها وتنفذُ منهما، ازدردَ ريقهُ بصعوبةٍ وهو يهمسُ بعذاب : أروى
أروى بغصّةٍ وهي تنظر إليهِ ودموعها تتساقطُ على وجهها، بكلماتٍ تتقاطعُ في ألمْ : عيونها، عيون أروى وروحها
بدرْ يُغمضُ عينيه بقوةٍ وقلبهُ تتسارعُ نبضاته وكأنها في سباقٍ مع الحيـاة، روحه ترتعش، أنامله التي ارتفعَت ليُلامس بها وجهها ترتعش، ساقهُ خانتهُ ليسقطَ أخيرًا على ركبتيه ويُريح ذراعيه على طرفِ السرير بجانبها بعد أن سحبَ يدهُ عن وجهها، ضعفٌ أشدَّ هزمه، ضعفٌ دفعهُ لدفنِ وجههِ في ذراعيهِ ليتركَ لدموعهِ حقَّ السقوطِ ومأساته تسحقُ كل كبريـاءٍ لعينيه، ليتركَ لحبيباتِ الفقدِ أن تسقطَ وهو يشعر بأن الروحَ تغادرهُ هو أيضًا، أنّ الدنيا تعتم، تعتم، تعتم ... وعيناهُ تبيضّان! عيناهُ يُغادرها النظر، وهي نظرُه! صوتهُ ماتَ وهي صوته، ابتسامتهُ قتلت وهي ابتسامته، هي الحيـاةُ بمجملها، هي الضحكاتُ التي ترقصُ في حبالِه الصوتية، لكم عزفَت عليهِ مقطوعةً من البيـانو، لكم غنّت بشفاههِ كلماتِ حبٍ لطالمـا كان يهمسُ بها كل صباح، كل ساعةٍ ووقت، فكيفَ تتركه ليبقى خاويًا على عروشه؟ كيفَ تتركهُ وتُهدَم الدنيـا وحلاوتها؟! ... اختنقَ صوتهُ ودموعه، ارتعشَت شفاههُ وكلماته، واستقرَّت كفها المرتعشةِ على رأسه بينما همسَ بصوتٍ مبحوحٍ بحُزنه : قلتيها، أنا روحِك! توجعيني لما تفكرين إني بغادرِك! كيف؟ كيف وأنا جنبك ... لا تروحين واثبتي إني روحك!
أروى تبتسمُ بألمٍ وحزن، همَست بغصةٍ وصعوبة : قول رؤى ، أحبها منك
لطالما كان يقول لها بأن " رؤى " تناسبها أكثر من " أروى "، ولطالما تذمّرت من هذا الاسم الذي تقول له بأنه قبيح، لكنّها في قرارة نفسها كانت تحبه! كانت تحب كلَّ شيءٍ منه.
رفعَ رأسهُ لينظرَ لها بشحوب، يتأمّل وجهها الشاحبَ دونَ مللٍ منه، أيعقل أن يفقد هذهِ الملامح؟! كيف؟ كيف يقوى على ذلك؟!! .. همَس دونَ حيـاة : أروى، رؤى، حبيبتي، النظر، الحيـاة! شلون تبين عمري دونك؟! أموت والله، أموت بدون ريحة عطرك على مخدتي كل صباح، بدون ريحة قهوتِك بعد ما أصحى، بدون حركتك حولي ... كم مرة لازم أقول لك إني إنسان ما يحس إنه حي إلا لما يشوف انعكاس وجهه بعيونكْ قبل لا ينام؟ يا كثر ما تضايقتي لأني ما أطفي الأبجورة، بس والله عشان ما أغيب عن نفسي بالظلام! أنتِ متخيلة إن حياتِي ما اكتملت إلا في مُجمَلك؟! مو عيب عليك تنقّصينها دونك؟! مو عيب عليك!!
إلهي ما أقسى ذاك الحزن، ما أقسى تلك اليدَ التِي تعصُر رئتاي، أريد أن أتنفس! أريد الأكسجين! كيفَ رحلتِ وأخذتِه معك؟ كيف أحيا هذهِ الحيـاة بدونكِ وأنتِ روتينيَ الذي لا أمِل؟ يالقسوتِك، يالقسوتِك، يالقسوتكِ وضعفي بدونك.
استيقظَ من ذكرياتِه المؤلمَة على صوتِ الجالس بجانبهِ وهو يلفظ بعملية : الحرمة لو تبي مواصفاتها فهي دايم تطلع محجّبه ومتلثمة، ملامحها ماقد بانت لنا
وجّه نظراتهِ الخاطفةَ والميتةَ إليه ليبلل شفاههُ ويوقفَ السيارةَ بعد أن وصلوا للمكانِ المطلوب، وبصوتٍ جامدٍ قاسي وهو يفتح باب سيارته : حسابكم عندي أسبوع وما بلغتوني!!
توترَ وهو يفتح بابهُ من الجهةِ الأخرى : ما كانت ملفتة كفاية عشان نركّز فيها
صرخَ بدر بغضبٍ وهو يغلقُ الباب بقوّة : ما كانت ملفتة كفاية؟!!! يعني أنت منتظر هالكفاية!!! ... حسابكم عندي، حسابكم عندي يا أغبيـاء
صمَت بارتباكٍ من غضبِ بدر الغير معهود، في حينِ تحرّك بدر وهو يثبّت مسدسهُ أسفلَ معطفهِ والآخر يتبعهُ بذعرٍ من أن يتهوّر ويستخدمه، فبالتأكيد ستكون مصيبةً إن استخدمه في مكانٍ كهذا دونَ أوامرَ وتصريح، فبدر لغضبهِ حكَر هذا الموضوعَ بينه وبين أشخاصٍ محددين كي يساعدوه دونَ أن يخبِر أحدًا ممن هم أعلى منه ... ماهذا الجنون!!
هروَل ليصلَ إليه بعد أن كان بدر يتحرّك بسرعةٍ ومن ثمّ دخَل للمبنى وهو يسأل الآخر بحدة : قدرتوا تحددون أي شقّة بالضبط؟
بتوتر : أيه الطابق الثاني الشقّة الأولى على اليمين
شدَّ شفتيه بانفعالٍ وهو يصعدُ عتبـاتِ الدرجِ مُتّشحًا بالسواد، يرتدي بنطالًا من الجينزِ الرمادي المُعتم ومعطفًا جلديًا بلونٍ أسود، والسوادُ لا يسكُن سوى في أحداقه، لازالت الشمسُ تغيب، الغيومُ تتكتّل، تحجبُ كلَّ دفءٍ لأدركَ أن الدفء والضوءَ أنتِ ، عينيكِ الساطعتين كنجمٍ واللهِ جميلة، لطالما أعذتُهما بربِّ الفلقِ من كلِّ فلق ، حتّى مُتِّ وأصبحتُ أعيذني من الشّرك وأهله ، أخافُ أن أحبّك حدَّ العبـادة، أخاف من ذلك كثيرًا لأجدَ نفسي أُكثر من الصلاة والقرآن والذّكـر، أخافُ هذا الحبُ أن يفرّقنا في الآخرة. لمَ جئتِ جميلةً لا أقوى على عدمِ حبّها؟ ثمّ ذهبتِ ولم أقوى على قمعِ ذكرياتِك في بؤبؤ عيني وبحّةِ نبضاتِ قلبي.
اشتدّت ملامحهُ أكثر، كانَ قد وصلَ للطابقِ الثانِي واتّجه للناحيـةِ اليُمنى، لكنّهُ توقّف فجأة وهو يعقدُ حاجبيهِ باستنكارٍ لرؤيتِه لِيوسف يخرجُ من الشّقة المقصودةِ وهو ينظر للهاتِف بين كفيه ، الهاتفُ الذي كان هاتف أخته!!


،


فُتحَ بابُ المنزَل، ووجههُ الكظيمُ يطرقهُ بإعيـاءِ عقلهِ الذي تصادمَ بأفكارِه، التصادمُ لطالما طرأ من بعدهِ حرارةُ احتكاكٍ قاسٍ، حرارةٌ تسحقُ البرودةَ والدفءَ أيضًا ليبقى الإشتعال يتصاعدُ ولا يخمد، ليبقى ذاك الدخـان يتصاعدُ ولا يسكُن .. لم يُلقي السلام كعادتِه حينَ يدخل، لذا عقدت الخادمةُ حاجبيها مستنكرةً لسكُونِه وتجهّم ملامحه، ذاكَ التجهّم الذي أصبَح كثيرًا ما يُلمَحُ على ملامحه، كثيرًا بقدرِ بزُوغِ الصدماتِ عليه وتكابلِ الإنكساراتِ في عينيه.
دخَل بصمتٍ بينما عقلهُ يصرخُ بتلك الأحاديثِ المؤلمةِ التي دارَت بينهُ وبين أدهم، بتلك الذكرى الموجعة/المُميتة، " أحمد الأمير "، يعرفه، يعرفهُ جيدًا وكيف عساهُ لا يعرفه؟! هذا الرجل ذكرهُ بين النـاسِ محمود، لا كلامَ سيئًا عنه، لكنّه في كلِ مرةٍ يراهُ ينظرُ إليهِ بعينِ الحذَر، ليس ممن يتحلّون بحسنِ النيّةِ حدّ ألا يُدركَ تصنّع ذاك الرجـل للطيبة، دائمًا ما كانت تنفرهُ نظراته، دائمًا ما كان يلمحُ الشر منه ، ولم يخب إدراكهُ كالعـادة، كإدراكهِ لأدهم والذي جعله رافضًا لفكرةِ أن تعيشَ إلين معه. ذلك الوضُيع! كيف استطاع؟ كيفَ خدَعها بتلك الطريقةِ وفكّر بتلكَ الوضاعةِ والحقـارة؟! هل هناك مخلوقاتٌ كتلك؟ كأمها؟! كوالدها! كأدهم!! لو كان القتلُ مباحًا لمن هم كأمثالهِ لعصر عنقه بين كفيهِ وقتله، عقابًا على تلك الأفكـار والخداع والرغباتِ الدونية.
اتّجهَ لعتباتِ الدرجِ مباشرةً دونَ أن ينصاعَ لأصواتِهم المُتعاليـةِ قريبًا منه، دونَ أن يُقاد لضحكتها التي ميّزها بينهم ، يا الله! هاهيَ تعودُ لضحكاتِها، لتردّداتِ الشقاء في صوتها وكل ما أخشـاه أن تختفي من جديد! كلّ ما أخشـاه أن تتساقطَ الاثنتانِ والعشرونَ بتلةً في مصيبةٍ واحدة، لازالت صغيرةً على تلكَ الصدمات! لازالت لم ترى من الدنيـا إلا الظلام والنورُ مندسٌّ في زاويةٍ بعيدة، بعيدةً جدًا، جدًا وكم أخشى من تلكَ الـ " جدًا "!!
زفَر بألمٍ وهو يصعدُ حتى وصَل إلى غرفته، دخَل ليجدها خاويةً من هالـة، حينها أغمضَ عينيهِ بهمٍ وهو يُغلق البابَ بضعفٍ ويتراجعَ للخلفِ حتى أسندَ ظهرهُ عليه والحديثُ السابقُ يقفزُ فوق كتفيهِ ويثقله، كيف عساهُ يخبرها؟ كيف عساهُ يخبرها؟!!

في الأسفَل
زمّت شفتيها بحرجٍ بعد موجةِ الضحكِ العاتيةِ التي هاجمتها، أخفضت رأسها بينما هديل تضحك بجانبها وتوكزها بمرفقها هامسةً بلؤم : استحيتي من ياسر هاه!! عادي عادي يا كثر ما تصيرين خبلة قدامه اليوم يعني خجلتي؟!
إلين بحرجٍ تهمس وهي تُخفض رأسها : انطمي يا حمارة
هديل تعلو بصوتها قليلًا : والله ما الحمار غيرك ياسر ماهو حمار
شهقَت بقوةٍ وهي ترفعُ رأسها ناظرةً لياسر الذي اتّسعت عيناه ووضعَ الشاي على الطاولةِ وهو يسعل، احمرَّ وجهها بإحراجٍ ابتلعها كاملةً لتلفظ بغصّةٍ وصوتها يغوصُ في خجلها : والله كاذبة ما قلت كذا
هديل تُمثّل الصدمة وهي تضع يدها على صدرها شاهقة : وتكذبيني بعد؟ صدق ما تستحين
إلين تجاهلتها وهي توجّه حديثها لياسر : ياسر والله ما قلت لا تسمعها هذي شيطان
هديل تهزُّ رأسها بأسى وهي تمط شفتيها : صدق إنك مارد مو بس شيطان
عضَّ ياسر زاويـة شفتهِ السُفلى ليكتم ابتسامته وهو يرفعُ إحدى حاجبيه : أنا حمار؟!
إلين بجزعٍ تعقد حاجبيها : والله ما قلت
ياسر يعلم أنّ هديل كاذبة، لكنّه قام بمجاراةِ كذبتها تلك حتى ينفض ذاك الخجل عنها ويكسر الحواجزَ بينهما، لفظْ : عاد هديل وقلنا قليلة أدب ما تحترم اللي أكبرها منها بس أبد ما توقعتها منك
إلين بقهرٍ استدارت إلى هديل وهي ترفعُ يدها وتضربها بقوةٍ في ظهرها : يا حيوااانة شوفي هاه صدّقك
ابتعدت عنها هديل وهي تغضِّن ملامحها بوجعٍ وتحكُّ ظهرها بظهرِ الأريكة، وبألم : آآح والله توجع جعلك الكسر
إلين تهمس من بين أسنانها بقهر : وجعل لسانك الكاذب القص
هديل بانزعاح : اوووف شفيك صايرة وحشية كذا؟! * وجّهت نظراتها لياسر لتُردف بدلال * يوووه ياسر شوفها ضربتني
ابتسمَ ياسر رغمًا عنهُ لـ " عبَطها " ثمّ بلل شفتيه وهو يهتف بحزم : ضربتك ما ضربتك مو شغلي، هي عليها الحين تراضيني
لوَت إلين فمها بغيظٍ وهي تنظر له : ليه أراضيك وهي كاذبة؟!
ياسر ببساطة : وش اللي يخليني أصدق إنها كاذبة؟!
إلين : يعني تتوقعني ممكن أقول عنك كذا؟
ياسر : من عاشر قومًا أربعين يومًا صار منهم ... أيه أتوقع
رفعَت هديل إحدى حاجبيها ونفخَت فمها وهي تدرك جيدًا مقصده، بينما ابتسمَت إلين بانتشاءٍ لكنَّ ابتسامتها سرعان ما تلاشت وهي تلفظُ بجزعٍ كي يُصدقها : لا تحاتي أنا ضدْ العدوى من قليلين الأدب
ياسر : زين أجل ضيفي لقليلين الأدب الحمير
اتّسعت عينا هديل وفغرَت فمها بينما ضحكَت إلين بقوةٍ دونَ أن تسيطَر على نفسها لتقفَ هديل بغضبٍ وهي تلفظُ من بين أسنانها بقهر : صدق إنك حمار وهذي معك * تُشير باصبعها لإلين *
ياسر ببرودٍ يرفعُ الشاي إلى فمه : نتيجة قلّة أدبك أجل تقولين عن أخوك الكبير حمار؟!
هديل لوت فمها بغيظ : ماقلت
ياسر يبتسم : إلين ما تكذب، ودامه افتراء فأنتِ قايلة عني حمار
ابتسمَت إلين وبودّها لو تقفزُ لهديل وتبدأ بإغاظتها أكثر بوقوف ياسر معها وتصديقها، استدارَت هديل إليها بملامح متجهمةٍ لتتّسع ابتسامة إلين بعبثٍ وهي تُخرج لسانها، حينها زفَرت هديل بغيظٍ لتتحرّك خارجةً من الغرفـة ونظرات إلين الباسمـةَ والشامتةَ تتابعها، وما إن اختفَت هديل عن الأنظار حتى استدارت إلى ياسر وخجلها يُعاود التسلل إليها رويدًا رويدًا، فهي لم تعتد حتى الآن على الجلوسِ أمامه دونَ حجاب، شعرها منطلقٌ يصلُ إلى كتفيها، ترتدي قميصًا كحليًا تصلُ أكمامهُ لمرفقيها وتنورةً سوداءَ وبالرغمِ من طولها تشعر أنها مكشوفةُ الساقينِ أمامه، مكشوفةُ الكتفينِ وهي التي لم تعتد على حالٍ كهذهِ ولو أن الأمـر بيدها ما تركت حجابها أمامـه قط.
ابتسمَ ياسر بلطفٍ تجاه ابتسامتها الخجولة، ليهتفَ بعطف : ما راضيتيني
عقَدت حاجبيها باستنكارٍ وهي تحكُّ عنقها، وببحة : بس أنت قلت مصدقني
ياسر : عشان صورتك عندي قدامها بس ، والا فعلًا وش اللي يخليني أكذبها؟!
إلين باحباط : أفا !! هذي آخرتها ... بس ماعليه تستحق أراضيك خصوصًا من بعد فزعتك لي قدامها ... وش تبي مني؟!
ياسر بابتسامةٍ رقيقةٍ إلا أن صوتهُ جاءَ حازمًا جادًا : أبي أعرف منك سالفة الإعتداء القديمة ، ما نسيتها للحين


يتبــع ..


 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 03-10-15, 02:22 PM   المشاركة رقم: 507
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 





بقيَ متيبّسًا في مكانهِ وهو ينظر إليه بعينين مستنكرتين، مصدومتين على الوجهِ الصحيح! كيف نسي أنه يعيش هنا؟ للحظةٍ غفِل عن ذلك وغادرهُ الإستيعاب في خضمِ أفكَارهِ والأعاصير التي تقتلعُ كلّ ذرةِ عقلٍ في رأسه، كل قطرةِ ماءٍ في جسدهِ ليحفَّ ويترهّلَ تفكيرهُ بغضبِه.
شتّت عيناه بينما ارتفعَت نظرات يوسف إليه وعقدَ حاجبيه وهو يبتسم هامسًا بدهشةٍ مستنكرة : بدر؟!
زمَّ بدر شفتيه وهو يعقدُ حاجبيه بقوّة، ومامعنى ذلك؟ أن يراه هنا؟ يخرج من ذاتِ الشقّة المقصودة؟!! ما معنى ذلك!! ... تضاعَف اتّساعُ عينيه قليلًا وهو يُحاول الربط بينه وبين الموضوعِ برمّته، هاتفُ أخته في يده، وحقيبتها يحملها في الأخرى. كيف وصلا إليه؟ هل خُدع منه أم ماذا! هل وقعَ في فخٍ أحمقَ وكان يُجالس عدوًا لصباحاتٍ وقهوة؟! .. تشتت أفكارُه وهو يزفُر خلجاتِ صدرهِ للهواءِ المُثقلِ بأنفاسِه الصقيعية، تثبّتت نظراته عليه وهو يلمحُ الإستنكارَ في عينيه، لم يكُن يحادثهُ في شيءٍ يخصّ حياتهُ الخاصة، كان غامضًا معه! حذرًا والحذرُ يتشبّعُ فيه بشكلٍ عفويٍ مع أي شخص، لكن فكرةَ خداعهِ بطريقةٍ أو بأخرى جعلت الدمَ يفورُ في عروقه، جعلت أفكارهُ تتضاربُ في عقلهِ بغضبٍ وقهر . . تبدّلت نظراتُ الدهشةِ في عينيه لحقدٍ ويُوسف يقتربُ منهُ وهو يميل رأسها جانبًا قليلًا ببعضِ الإستغراب دونَ أن يفقدَ ابتسامته، وبهدوءٍ يُردف : شلونك بدر؟ ، وبعدين شفيك متنح كذا!
تراجعَ بدر تلقائيًا للخلفِ حين أصبح أمامه مباشرةً وهو ينظر إليه بحقدٍ واحتقـار، وبنبرةٍ باردة : متنّح فيك ، نسيت إنّك عايِش هنا
رفعَ يوسف إحدى حاجبيه باستغرابٍ من حركتِه لكنه لم يعلق، في حينِ أردفَ بدر وهو يشير بعينيه للحقيبةِ في يده : لمين ذي؟
نظَر يوسف للحقيبةِ النسائية ببعضِ الاستنكار لسؤاله - الفضولي - بطريقةٍ لا تليق، لكنهُ حمَل الموضوع ببساطةٍ وهو يرفعها ويردُّ بشفافية : بنتي أخذتها الصُبح بعد ما طاحت من بنت اصتدمت فيها
تصلّبت ملامح بدر بحقدٍ أكبر، ذاتُ الكذبةِ يتداولها الرجل وابنته - كما يزعُم -، يُدرك جيدًا بأن غادة لم تخرج اليوم، لكنّه حتى الآن عجِز عن حل لغز وصول الحقيبةِ إليهم، ولن يتهاوَن معهما في مكرِهما هذا. لفظَ بنبرةٍ مشدودة وهو يوزّع نظراته على ملامح يوسف الوقورة والتي أصبَحت كريهةً بمكرها في هذهِ اللحظة : اصتدمت فيها؟ اهـاا
عقدَ يوسف حاجبيه أكثر والمزيدُ من الغرابة تسكنهُ لحالِ بدر معه، لبرودهِ ونظراته الحاقـدة ... وجّه عيناه للواقف بجانب بدر بصمتٍ وسكُون، وباستفسارٍ هادئ : ما عرفتنا على الأخ
بدر يبتسمُ ببرودٍ وهو يرفعُ إحدى حاجبيه بسخرية : يهمك تعرفه؟
ارتفعَ حاجبي يُوسف بصدمةٍ من إجابته وسكَن عينيه قليلٌ من الحرجِ لردّه الغريب ونبرتهِ الأغرب، تنحنحَ ليُخفضَ نظراته قليلًا ويهتفَ بصوتٍ باسمٍ بالرغم من تعامل بدر الغريبِ معه والذي اعتاد منهُ الإحترام : شكلي مضايقك ، عسى ماشر
بدر دونَ أن يفقد ابتسامته الباردة : لا شـر دامك تحمل هالملامح البريئة والمسالمة وتخدع الناس بعكس جوّاتك
ضوّق يُوسف عينيه باستنكارٍ وصدمةٍ منه ومن أسلوبه في الحديثِ اليوم بعد أن اعتـاد منهُ الإحتـرام لأيـامٍ طويلةٍ ومنذ عرفه، تلاشَت ابتسامتهُ وهو يبلل شفاههُ ويتركَ لأفكارهِ المتخبّطة في رأسه أن تتشتّت عنهُ كي لا يفقِد هذهِ العلاقة التي لم تتعمّق بعد، لكنّها كانت لذيذةً بحجم جمـال شخصية بدر، لذا هو مستنكر! مستنكرٌ لكنّه لن يأخذ أسلوبه الآن وطريقتهِ في الحديثِ بمحمَل الحقيقة .. تجمّدت عيناه على عيني بدر الباردة، وشفتيه انفرجتا تهتفانِ بخفوت : وش لقيت مني عشان هالحكي؟
بَدر بحقد : أنت أدرى وأكثر مني بعَد .. * مدَّ يدهُ إليه ليُردف بأمرٍ جامد * هات الشنطة والجوّال
تراجَع يوسف للخلفِ بدهشةٍ من وقاحته : بـــدر!
بدر يُقاطعهُ بانفعال : قلت هاتها! صدقني للحين أُعتبر ماسك نفسي لا أذبحك على تجرّأك لأختي
يوسف باستنكار وعقلهُ غاصَ في غرابةِ الموقفِ وصدمته : أختك!!
بدر بصراخٍ غاضبٍ وهو ينتشل الحقيبةَ بفظاظةٍ ومن ثمّ الهاتف : حمييييير! ما عندكم أساليب غير هالأساليب الوصخة زيّكم
قالَ كلماتهِ الأخيـرةَ وهو يدفعهُ للجدارِ ويضغطَ على عنقهِ بذراعه اليُسرى بينما امتلأ وجه يُوسف بالصدمةِ والألـمِ لذلك الإصتدامِ والإختناقِ في ذاتِ الوقتِ لذراعِ بدر القاسيـة.

في جهةٍ أخرى وقبلَ دقائق
تنهّدَت أرجوان التي كانت تجلسُ على سريرِها وهي تنظُر للفراغ، ما إن أغلقت من ذلك الإتصالِ المُزعج حتى كان والدها يفتحُ بابَ الشقّة الخارجي ويدخل، لم تنتبه إليه وقتها، لكنّه لم يستغرق ثواني إلا وهو يدخلُ غرفتها المفتوحة لتنظرَ إليه متفاجئةً لكنّها سرعـان ما وقفَت لتقبّل رأسهُ حين أصبحَ أمامها مباشرةً، لفظَ بابتسامة : متضايقة؟
أرجوان تبتسم مُواريةً كلَّ ضيقها وأحزانها خلف ابتسامتها : لا
يُوسف بخفوتٍ حنون وهو يمسحُ على شعرها الأسود : لا ، متضايقة فلا تكذبين
زفَرت بقلّة حيلة وهي تنظُر للأسفَل بضيـاع، لتنحدِر كفّهُ عن شعرها إلى كتفيها ويشدّها إليه برقةٍ يحتضنها بحنان، حينها أغمضَت عينيها وعضّت شفتِها السُفلى لتزرعَ رأسها في صدرهِ الحنُون، هامسـةً بغصّةٍ في نهايَةِ الأمـرِ بعد أن قررت منذ البداية أنها ستصمت : ليان تعبت اليوم
عقدَ حاجبيهِ وهو يرفعُ رأسه بسرعةٍ وقلقٍ إلى سريرِ ليـان الذي كانت تنـامُ فوقهُ بإرهاقٍ يظهرُ في حركةِ صدرها وتنفّسها المضطرب، أبعدَ أرجوان عنهُ قليلًا لتتحرّك قدماه بسرعةٍ متّجهًا لسريرها، جلسَ على طرفِه ليضعَ كفّه على وجنتها متحسسًا الحرارة التي انخفضَت كثيرًا عن الصبـاح، وعيناهُ تُظلمانِ بأساه، شفتاهُ تتكوّرانِ في آهةٍ خافتةٍ تشرحُ صريرَ قلبهِ الملتوِي بضياعِه.
استدارَ إلى أرجوان وملامحهُ تمايلَت بحزنٍ لمدى التقصيرِ الذي يشعر أنّه يوخزُ صدرهُ بسهامه، كم باتَ يُقصِّر، كم باتَ يؤذيهنَّ ببُعده، بالمسافاتِ التي لا تنطوِي بينهُ وبين الحُزن، ذاكَ الذي كان يَستطيعُ غلبهُ كثيرًا ومواراتَهُ عنهنَّ وعن رعايته لهن، لكنّه من بعد هذا الشوقِ ومن بعدِ أن انسحبَت جذورُ جيهان منه، شعر بالضعف! بالضعف حدَّ الإبتعـاد، بالحُزنِ حدَّ التقصير، لطالمَا كان تُربتها، وكانتْ أمها الماء التي تسقيها لتنمو فيه، لكنّها من بعدِ أن اقتلعت نفسها منه أصبَح تربةً فارغَة، أصابه القحطُ ببعدِ ابنته، ذهبَت جودتُه ولازمهُ الضيقُ ليقصِّر أكثر، والأبُ إن فقدَ إحدى أميراتِه يجد نفسه يهتم بالباقياتِ بقوّةٍ حتى لا يفقدهن، لكنّ الأمـر كان عكسيًا لديه! كان عكسيًا بطريقةٍ مؤذيةٍ لهُ قبل أن تكون لهن.
بلل شفتيه وتنفّس بألم، هامسًا ببحّة : وش صار لها؟
أرجوان بشفتين ارتعشتا وهي تقرأ حُزن عينيه، كما توقّعت! كان ليحزن، لذا أرادَت الصمت، أرادتهُ بشدّةٍ حتى لا تُسكن المزيدَ من الحزن في عينيه، لكنّها باندفاعٍ أعمى أخبرته، حينَ اختطفتها الضيقَة أخبرتهُ دونَ شعورٍ وليت لسانها قصَّ قبل ذلك .. ردّت بألم : قامت وهي مصخّنة وترجّع، ما كان باين عليها كثير قبل الفطور بس من طلعت من البيت هي راحت تنام شوي وبعد نص ساعة قامت تبكي وترجّع على نفسها
نظَر للسريرِ الذي غيّرت أرجوان مفارشه، ليتنهّد بضيقٍ وحزنٍ وهو يهمس : وأيش سويتي لها؟
أرجوان تشتت عينيها وترد بكذب : جلست أحط لها كمادات لين انخفضَت حرارتها
يوسف ويقرأ نبرتها الكاذبـة استدارَ لينظر إليها بشك : والترجيع؟
أرجوان صدّت بنظراتها عنه بعد أن نظرَ لعينيها، وبتوتر : بطّل من نفسه ، بس ما أستبعد ترجّع بأي وقت
قطّب يوسف جبينه لينطقَ بهدوءٍ حازم : تكذبين على أبوك؟ للمرة الثانية من جيت طبعًا
عضّت شفتها السُفلى بإحراجٍ وعيناها لا تلتقيَانِ به، قامَ ليتّجه إليها وصوتُ خطواتهِ جعلها تتوتّر لتخفض رأسها للأرضِ وتُشبكَ كفيها ببعضهما في صمت، بينما وقفَ هو أمامها مباشرةً ليضعَ يدهُ على شعرها ويلفظَ بهدوء : ليه تكذبين؟ وش مسوّية؟
أرجوان بتوترٍ ونبرةٍ خافتة : ما سوّيت شيء
يوسف بحزم : الكذبة الثالثة!!
لوَت لسانها داخِل فمها وقطّبت جبينها بذنب، في حينِ انخفضَت يدهُ ليُمسك ذقنها بحنانٍ ويرفعَ وجهها إليه لتنظر لعينيه رغمًا عنها ، وبخفوت : تكذبين عليْ أرجواني؟ من متى!
ارتعشَت شفتاها بألمٍ واضطرابٍ وتمايلَ حاجباها بحزن، زمّت شفتيها لتُسكِن الرّعشة التي تملأ شفاهها، هامسةً ببحّةٍ وغصة : رحت الصُبح للصيدلية اللي قُربنا ، وجبت الدواء .. بس
عقدَ يوسف حاجبيه وهو يُمرر اصبعه على حاجبيها بعد أن تركَ ذقنها، وبصوتٍ حنونٍ رغمَ الضيقِ الذي يسكُن نصفَه : وليه هالتعقيدة؟ والكذب عليْ!!
صمتت من جديدٍ دونَ أن يرد، ليدرك حينها بأن موضوع كذبها عليهِ مختلف، وقتئذٍ زفَر بقلقٍ وهو يمسك كتفيها ويشدّها إليه قليلًا : احكي، وش فيك وش صار عشان هالكذب والسكوت!!
نظَرت لعينيه مليًا وهي تعضُّ باطنَ خدّها، ووجَدت نفسها تنطلقُ في إخبـارهِ بما حدث، بتلك الفتـاة وباصتدامِها وذاكَ الإتّصـال لتبترَ بعضًا من وقاحةِ حديثِ بدر معها دونَ أن تخفي بأنّه كان فظًا، بينما عضَّ يوسف شفتهُ بعد أن اعلمته بما حدث، ولفظَ أخيرًا بضيقٍ وحاجبيه بنعقدان بعتاب : وليه ما انتظرتي لوقت رجوعي وعلمتيني؟ وقتها أنا بتصرّف
أرجوان بخفوت : ما كان ودي أضايقك بتعب ليـان
يُوسف بعتاب : الحين هذا سبب * زفَر بقلّة حيلة * جيبي الشنطة وأنا بتّصل على الرجـال مرة ثانية وأتفاهم معه
شعرَت أرجوان بالضيقِ لتلك الفكرة، فهي لم تكُن تريد لوالدها أن يتصادمَ بالحديثِ مع وقحٍ مثله، لكنّها صمتت مبتلعةً رفضَها لتُعطيهِ الحقيبةَ ويخرج.


في الخـارج
كانت ذراعُ بدر تضغطُ على عنقِ يُوسف أكثر، ملامحه تتشنّج بحقدٍ وقهرٍ وغضَب، بينما يدُ يوسف تحاول إبعادهُ عنه وغضبهُ من الجهةِ الأخرى اعتلا لمـا يفعل، بالرغم من صدمتِه ودهشتهِ بما يحدث إلا أنّه لم يكُن ليسمحَ للصدمةِ أن تشلَّ سرعةَ الإستجابةِ لديهِ في وضعٍ هكذا، لذا حاوَل دفعهُ عنه إلا أن بدر بقوّة بنيتهِ ثبّته وهو يلفظ بحقد : تدري وش ودي فيه الحين؟ أقتلك ، أقتلك بكل قهر جوّاتي وعن كل جلسة وقهوة تشاركناها وكل سالفة حكينا فيها مع بعض ... خسيييييس
لفظَ تلكَ الكلمة وهو يتركهُ ويتراجعُ بعد أن سحبهُ شريكه الذي كان معه، في الوجهِ الصحيح هو من سمحَ لهُ بسحبهِ وتركهُ بملءِ إرادته ... رفعَ اصبعهُ متوعدًا وهو ينظر ليوسف المُمسك بمقدّمة عنقه بألمٍ في حين اتّجهت نظراتهُ غاضبةً إليه وعاتبة : بتركك الحين ، مو لشيء سوى إنّي محترم هذيك الجلسات بيننا وبتركك لين تستوعب كشفي لك ... راجِع لك صدّقني ولو اكتشف إنّ أختي أو أخوي ماهم في الشقة وقتها اعتبر نفسك ميّت أنت والزفتة اللي مكلمتني أوّل ... ولا تفكر مجرد تفكير تهرب، بحصّلك بكل سهولة


،


الساعة الخامسةِ والنصف مساءً
بعد أن خرجَ سلطان من عندهم جلَست غيداء بجانبِ غزل وملاصقةً لها، بينما وجهها يتجهّم بضيقٍ وصوتها الحانقُ همسَ في أذنها ببعضِ الخبث : يدافع عنك هاه؟! دواكم عندي ما أكون غيّود إذا ما رجعتك له حمرا
غزل دونَ إدراكٍ عقدَت حاجبيها تنظر إليها بعد أن اقتلعتها من عالمِها الرمـادي وصورةُ سلطان الباسِم وهو يُحادثُ أمّه تستقرُّ في عرشِ ذلك العـالم كملكٍ على تلكَ اللحظة، صورةٌ بالرغم من كونها بعثَت إليها الضيقَ إلا أنها تبعث الأمـان أيضًا. هتفَت بتساؤل : شقصدك؟
غيداء بلؤم : الحين أفهّمك وش قصدي
ولم تكَد تستوعب شيئًا حتى شعرَت بأسنانِ غيداء تعضّها في ذاتِ المكان الذي عضتها فيهِ ومن فوقِ قماشِ بلوزتها، صرَخت بألمٍ وهي تحاولُ إبعادها عنها بينما قفزَت ام عنـاد بصدمةٍ لتقتربَ منهما صارخةً بغضب : اتركيها يا الخبلة اتركيها حسبي الله على ابليسك
غزل بألمٍ وهي تضعُ كفّ يدها الأخرى على جبين غيداء محاولةً دفعها عنها ليزداد تشبّث غيداء ومنهُ ألمها، صرخت : يا حمااااااااره أنا ما عضيتك بهالقوة الله يكسّر هالسنون
ابتعدَت غيداء بعد أن ضربتها امها بغضبٍ على كتفها وهي تبتسم بانتصارٍ ووحشيةٍ غير مباليةٍ بألمِ تلك الضربة، ومن ثمَّ رفعَت كفّها اليُمنى في مشهدٍ تمثيليٍ لتمسحَ بظاهرها على أسفلَ زاوية فمها كنايةً على مسحِ الدم، حينها كشّرت غزل بغيظٍ وهي تهتف : مصاصة دماء مجنونة أعوذ بالله، ما أستبعد بيوم تجيني وأنيابك بارزة وودك تشربين دمي
ابتسمَت غيداء ببراءةً وهي تنظر لأمها التي توجّه إليها نظراتٍ قاسيةً ومتوعدة، وبعينين ترمشان : لا وش دعوى وش أبي بدمك الفاسد؟ ما نستغني عن دم ام عناد
ام عناد بغضب : دواك عندي يا قليلة الأدب
غزل بقهرٍ وهي تفرك عضدها من فوقِ البلوزة : أيه خالتي واللي يعافيك عاقبيها بغت تآكل جلدي هالمسعورة
غيداء تحرّك حاجبيها نزولًا وصعودًا باستفزاز : وبغيت بعد أرجعك لسلطان حمرا ، بس للأسف ام عناد موجودة إن شاء الله في مرات قادمة
في تلك اللحظـةِ تصاعدَ رنينٌ من هاتفٍ مـا، انتفضَت غيداء لتُديرَ رأسها ناظرةً لهاتفها بجانبها وتبدّلت ملامحُ وجهها لتحملهُ بسرعةٍ وهي ترفض المكالمة، وبنبرةٍ مرتعشة : هالرقم له فترة مزعجني بعطي عناد
ام عناد عقدَت حاجبيها وهي تجلس بجانبها، وبنبرةٍ اهتمـام : قد رديتي عليه؟!
غيداء بتوترٍ وهي تُعيد خصلات شعرها لخلف أذنها : لا
ام عناد : يمكن وحدة من صديقاتك
ازدردَت غيداء ريقها وهي التي لم تعتَد على الكذب، وبخفوت : يمكن ، بسأل صديقاتي بكره
أفرجَت أم عناد شفتيها لتلفظ بجملةٍ أخرى، لكنّ غزل قاطعت الموضوعَ وهي تشعر بأن غيداء محتاجةٌ لمن يُنقذها من هذا الموقف، فهي تقرأ بسهولةٍ اضطرابَ عينيها الآن : خالتي أقدر أروح المطبخ أجيب لي مويا؟!
ارتفعَت نظرات أم عناد إليها لتقطّب جبينها وتقف : تروحين أنتِ؟ لا والله ما تتعبين حالك أنا اللي بروح
ارتفعَت نظراتُ غيداء لامها وإدراكها البطيء والذي سافَر عنها لم يدفعها لتنهضَ بسرعةٍ وتذهبَ عوضًا عنها، قلبها فجأةً بدأ بالإضطرابِ منذ سمعَت ذاكَ الرنينِ وكأنّها تقومُ بمعصيةٍ مـا، لا تدري لمَ عند " سارة " تحديدًا تشعر بالخوفِ حدَّ أن تصمت وكأنّها قامت بجريمةٍ لمجرد أن سارة تضايقها.
استدارَت إليها غزلْ ما إن خرجَت ام عناد، عقَدتْ حاجبيها وهي تهتفُ بخفوت : وش قصّة هالرقـم اللي مزعجك؟!
بللت غيداء شفتيها لتتنحنحَ وهي تفركُ كفيها بين فخذيها وتهمس بارتباك : ما أدري شكلها وحدة من صديقاتي مثل ما قالت ماما
غزل بشك : ماهو رجّال يعني؟!
غيداء بذعر : لا لا أصلًا ما رديت
غزل تعقدُ حاجبيها وتضوّق عينيها : كذابة ، واضح رديتي أجل ليه خايفة كذا مو من رقم عاد!
غيداء بتوتر : لا والله ماهو رجّال
غزل : أجل؟!
غيداء تُدير رأسها عنها وتنظر للأرض : ما عليك السالفة ما تحتـاج
غزل بإصرار : لا بتعلميني ترى منتبهة لك من آخر مرة جيت لا يكون رجّال وتكذبين علي؟
غيداء بجزع : لا وش رجّاله تبيني أنجن؟!
ابتسمَت غزل بعطفٍ لخوفها وبراءتها ، وبرقة : طيب شالسالفة؟!
غيداء بتوترٍ تعترف : وحدة من زميلاتي
ارتفعَ حاجبي غزل بقليلٍ من الاستنكار، وبحيرة : وحدة من زميلاتك؟! طيب وين المشكلة بالضبط؟!!
غيداء بخفوت : ماهي بزينة
غزل : من أي ناحية؟!
غيداء تهزُّ كتفيها قليلًا : ما أدري بس عناد يقولي لا أقرب منها ، أساسًا أنا ما أرتاح لها
بقيَ إحدى حاجبي غزل مرتفعًا باستنكارٍ للموضوعِ برمّته والذي ترى أنه لا يستحقُّ كل هذا الاضطرابِ والخوف، لوَت فمها باستياءٍ لتُردف : وأيش تبغى منك مزعجتك؟!
غيداء بارتباكٍ تُميل رأسها جانبًا : تقول إنها تبي تكون صديقتي وعازمتني على حفلة عندها ... من الأسـاس أنا صرت أخاف منها من كثر ما تحن وبكل مرة تقول حفلة!!
زمّت غزل شفتيها قليلًا وهي تنظر ببعضِ الإحتقـار لتفكيرها، ماهذهِ المحدوديـة في الحيـاة؟! لا تنكِر أنها تلمحُ السعـادةَ في حياتِهم لكنَّ السعادة لابد من أن تُرفقَ بالحريّة التامـة، بعيدًا عن هذهِ القيود العمرية، كونها مراهقةً لا يسمحُ لهم بتحديدِ نطاقِ حريّتها!
لوَت فمها بغيظٍ وهي تبتلعُ الإحتقارَ في صوتِها لتنطق بصوتٍ يتوارى عنه الاستفزاز : أخوك ما عنده سالفة بنت بعمرك وش بتسوي بعد؟!
غيداء بصوتٍ فاتر : هي عمرها 17 ماهي بعمري
غزل بانفعال : ويعني؟! وش هالتخلف أستغفر الله أجل تحبسين نفسك ما تشوفين العالم؟!
ازدرَدت غيداء ريقها بصعوبةٍ وحديث غزل لا يروقها، هي ليست " محبوسة " بالمعنى الفعلي! بل على العكس فعائلتها لم تتّجه يومًا لقمع حرّيتها وتدرك أنّهم يهدونها الحرّية الكافيـة والتي لا تؤذيها، لذا إن قيل لها بأن - فلانة - لا تصلحُ للمصاحبـة فهي بالتأكيد لا تصلح، وذلك لا علاقة لهُ بالحرّية وقمعها.
فتَحت فمها لترد، لكنّ دخول ام عنـاد وقتذاك جعلها تصمت وتواري الموضوعَ خلف جدارِ صمتها، نظرَت إليها غزل من طرفِ عينيها وهي تتناولُ كوبَ المـاء، لو أنّها بالفعل تمتلك الحرّية التامة من عائلتها ما صمتت الآن وخافَت من أمها، لو أنّها كما ترى سعيدةً كفايـةً وتعيش بين عائلةٍ مثالية لمَا كان هذا التوترُ والخوف يصاحبها بل أخبرت أمها ببساطـة ... غريبٌ أن ترى فيها كلَّ تلك السعـادة وحياتها مُحتَكرةٌ بهذهِ الطريقة! هل تتصنع السعادة مثلها إذن؟! وعائلتها بالرغم من جمالها لم تصبح باذخة الجمـالِ حتى الآن؟! ... لكن ماذا عنها؟! لطالما كانت تمتلك الحريّة القصوى وتخرج من المنزل متى تريد وتعود متى تريد! تقوم بكلِّ ما يشتهيهِ كبتُ مشاعرها وضيقها في المنزل، لكنّ السعادة لم ترفرف على ملامحها! لم تلامسها ولو خطأً!! فهل تقترن السعادة بالحرية فعلًا!!!


يتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 03-10-15, 02:35 PM   المشاركة رقم: 508
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 



بقيَ في سيّارتِه لساعاتٍ يجولُ شوارع الرّيـاض، يعدُّ عدد السيّاراتِ والعابرين، يمشّط الطرقـات بصدرِه - الموجوع -، بحدقتيه الواهنتينِ في سماواتِها السبع، وكم هي فقيرةٌ سماواتها، دونَ شمس، دونَ غيوم، دونَ طيورًا تحلّق فيها، اكتفَت سماواتها بها كملاكٍ أبيَض، وأنا الشمس الحـارقةُ في تلك السماوات وحناياها التائهةُ في أنينِ الماضي والحاضـر.
عضّ شفتهُ بعنفٍ حتى كادَ يدميها، أوقفَ سيّارتهُ جانبًا أمـام إحدى المقاهي التي واعده فيها المدعوَ ليث السعد، هذا الليثُ الذي كان يصرُّ على معرفته طوال الأسبوعِ المنصرم، ولا ينكر أنّه بالرغم من كونِه يرى في عينيه اللؤم إلا أنّ قلبه استلطفه! كيف؟ لا يدري، لا يعلم عنهُ شيئًا سوى اسمه، لكنّ عينـاه حين ينظر إليها يشعر بأنّها غاليتين عليه، أين رآهـا؟! لا يعلم! فقط رآها، في حلمٍ جميل، في حيـاةٍ جميلة، في لحظةٍ جميلة ربما! .. فقط هما جميلتان! يرتاح لهما رغمًا عن مكرهما، لذا وجدَ نفسهُ ينصاع لمعرفتِه، يوافقُ على المواعيدِ التي تسرقها الزمن منهما ويبتسم له، أحـاديثهُ جميلة! تمامًا كعينيه، أحاديثهُ ليست غريبةً عنه، تمامًا كعينيه! إلهي ماهذا الإنجرافُ نحوه؟ لمَ يشعر بأنّ هذا الرجلَ عزيزٌ على قلبه!
زفَر بعنفِ حيرتِه التي ضاعفَت ضيقه، أولًا نجلاء، والذي ظنَّ بأنه حين يكشف المستور عن سماواتِها سيرتاح، والآن هذا الليثُ الماكر، القريبُ منه والغريب عنه.
بللَ شفتيه وهو يعقدُ حاجبيه ويخفضُ رأسه قليلًا ليسندهُ على المقودِ بعد أن ثقلَ بأفكارهِ وخيباتِه، استمرَّ لثوانٍ طويلةٍ وهو يحاول تذكّر بعض الأذكـار القليلةِ التي يحفظها لينزاحَ هذا الضيقُ عن قلبه، ويا للأسف لم يحفظ يومًا دعاءَ الكربِ والهم بالرغم من كونِه أكثر إنسانٍ ربما يلازمه الصيقُ لأيامٍ بلياليهنّ .. يالشفقتهِ على نفسه! ويالَهذا البعد المقيتِ بينه وبين ربِّه، لن يظلَّ هكذا، لأجـلها هي على الأقـل قبل أن يكون لأجله، لأجل حبّهِ الذي سيكافحُ ليرضى الله عنهُ ويجلبها إليه بعد كلِّ أخطائِه.
وإن كانَ لا يعرف دعـاء الهم، فأول ما يعودُ للمنزل سيحفظه، وسيقرأ من بعدهِ سورةَ يوسف، فكم من حزنٍ سمعَ عنهُ وكانت قراءة سورة يوسف سببًا في انجلائـه.
رفعَ رأسهُ ليمسحَ على وجههِ بكفُّه اليمنى ومن ثم فتحَ البـاب ليترجّل عن سيارته، تحرّكت قدماه متناسيتانِ كلّ الوهنِ والضعفِ في حنجرتهِ الباكيـة، النائحةِ على ضريحِ الماضي الذي مرَّ ولم يمُت، لم يُدفَن وجَهّزَ هو ضريحهُ محاولًا دفنـه في القريب العاجل، يا الله عجِّل بهذا الدفن، عجّل بهذا الدفن.
مررّ أنامله بين خصلات شعرهِ المتجعّدة ليدخُل للمقهى ويبحثَ بعينيه عن - ليث/شاهين -، لمحهُ يلوّحُ لهُ بكفه ليبتسم ويتّجه له، وما إن وصل إليه حتى وقفَ ليُصافحهُ بينما ألقى أدهم السلام ليردَّ عليه.
شاهين : كيفك عساك طيّب؟
أدهم يبتسم بوهن : الله يقولها
شاهين : أفا! وش فيك ؟!!
جلَس أدهم ليزفُر وابتسامتهُ لا تتناثرُ مع زفراته، نطقَ بخفوت : ما عليك شويّة ضغوطات بالشغل
شاهين بشكٍ بعد أن جلس : أنت قايل تشتغل في بنك مو؟!
أدهم : أيه
ابتسمَ شاهين ابتسامةً فاترةً وهو يهتف : شكلك شكل دكتور
اتّسعت عينا أدهم بتعجبٍ وهو يضحك باستنكار : لا عاد وش دكتور؟ ما يليق علي
شاهين بصوتٍ ضيّقٍ يتوارى خلفه الحقد : ليه ما يليق؟
أدهم بابتسامةٍ يتنهد : خلّينا هالأشغال الراقيـة لأصحابها ، ماني مؤهل لها
شاهين يرفعُ إحدى حاجبيْه باستنكارٍ لكلماتِه، وبالرغم من عدمِ اهتمامـه الفعلي بهِ وبالبؤسِ الذي يُحيطه رغمًا عن محاولتهِ لسحقهِ إلا أنه هتف بفضولٍ رغمًا عنه : ليه تقول عن نفسك هالحكِي؟ واضح ما عندك دافع لطموحات عاليـة، منت واثق بنفسك؟!
أدهم : مو عن مافيه ثقة، بس رحم الله امرئٍ عرفَ قدرَ نفسه
تقطّبت ملامحُ شاهين والإستنكارُ يعلوها لسوداويّةِ تفكيره، لعينيه الصافيتين، لحدقتيه اللتين يسكُن فيها حزنٌ وطيبةٌ في ذاتِ الوقت! كلُّ المكر والشر الذي رآهُ فيها يوم التقى بهِ أول مرةٍ وثاني مرةٍ انقشَع فجأة، هل كان تمثيلًا؟ أم أنَّ التمثيل هو الآنَ في هذا الصفـاء؟! في هذهِ الشفافيـة، في هذهِ الملامح بتقاسيمها الحادة لكنَّ كل الحدة واهيةٌ يظهر من خلفها إنسانٌ ذو قلبٍ طيّبٍ مهما تراءى الشرُّ عليه ... مجرّدُ تمثيل! كلُّ ما يظهر عليه الآن مجرّد تمثيل! والا لما اقترنَ اسمهُ بأخيهِ ومأساتِه، حتى وإن لم يكُن طبيبًا فهذا لا ينفِي أن يكُون لهُ علاقة بكل شيء، لذا من الغبـاء أن يلتفتَ لتلك الشفافية في أحاديثِه ونظراته.
تنحنَح شاهين ليردفَ بهدوء : خلنا من هالموضوع واضح يضايقك ، وش تطلب؟!
ابتسمَ أدهم وهو يرفعُ إحدى حاجبيهِ لتحويرهِ للموضوع بتلك الطريقةِ وذاك العذرِ الواهي، ليسَ غبيًا كي لا يدرك تصنّعه، ولا بأس! لينظر إلى أين ستصل الأمور.
أشـاح شاهين نظراته عنه وهو يعضُّ طرف شفتهِ ليستدعي النادل، في حين أخفضَ أدهم نظراته للطاولـةِ ينظر لكفِيه المتعانقتين فوقَ سطحِها مسافرًا بذهنِهِ نحوَها من جدِيد، نحوَ البقيّة الباقيـةِ من تلكَ الذكرى التي سرَدها على عبدالله، والذي كانَ مجملها " أنها بقيَت لأسبوعينِ تقريبًا عند والدها الحقيقي والذي اضطرَّ لنسبتها إليه حينَ انتشَر الخبرُ يومذاكَ بسرعة، لكنّ الخبَر انتشرَ محرّفًا ليظهر بكونِه تزوّج من أخرى زواجًا صحيحًا وكانت تلك هي الابنةُ الناتجة من ذلك الزواج الذي لم يطُل، فاضطر وقتها لينسبها إليه وخلالِ أسبوعينِ ونيف كان قد وضعها في دورِ الأيتـامِ بحجة أنّه لا يفتخرُ بأن تكُون تلك ابنته، وضعها بخفـاءٍ وبطريقةٍ غيرِ مباشرةٍ تسمح لأحدٍ بأن يكتشفَهُ حتى ممن في الدارِ نفسه، ومن الواضح أنّه كلّف أحدًا بإيصالها أو ربما رماها عند بابِهم فقط! لا يدري كيفَ تركها هناك، ولا يهم كيف! كلُّ ما يدركه أنّه رمـاها لمجهولٍ قاسٍ، مجهولٍ مسننٍ يجرحهُ هو قبلًا في حينِ لم يعلم بذلك إلا متأخرًا، متأخرًا جدًا ... وبقيَت هي متواجدةٌ اسمًا بينَ تلك العائلةِ فارضةً نفسها في بطاقةِ العائلة، وأمّا لاختفائها الفُجائي فكان يستطيعُ بكلِّ بساطةٍ تفسيرهُ للنـاس، ربّما كانت عند امها الغيرِ معروفةٍ للناسِ مثلًا! لدى أحدِ العائلة! في مكانٍ مـا ... بينما لم يكُن ذاك المكانُ سوى ظلامٍ أنقذها اللهُ منه حين سقَطت في كنِفِ عائلة عبدالله، بطريقةٍ أو بأخرى، يُدرك أنها لم تكُن صدفة! "
زفَر بحرارةٍ وهو يعدُّ الأيـام القليلةَ التي بقيَت فيها معهم، تلك الأيـام الجميلة المُعطّرةِ برائحتها الطفولية، ويا الله من رائحتها الطفولية! كم بقيَ يدفنُ وجههُ في عنقها يشتمُّ رائحتها العذبَة، لأسبوعٍ ونصفٍ كأكبرِ تقدير، ومن بعدها غادرتهم لحيـاةٍ أخرى، يُدرك أنها ستكون قاسيةً لو لم يكُن اللهُ معها.
استفاقَ من ذكرياتِه حين سأله شاهين مرةً أخرى عمّا يُريد أن يطلبه، حينها ابتسم بفتورٍ وهو يجيبه.


،


عودةٌ لساعاتٍ ماضيـة - بروكسيل
فتحَ بابَ الشقّة بسرعةٍ وعجَل، دخَل وهو يمررُ نظراته في الصّالة، لا أحد سوَى الرِيح المُتمثل في " شيء " ... قلبهُ نبضَ بقلق، بخوفٍ وخشيةٍ من الفقدِ من جديد، من الحُزن من جديد، من سوءاتِ الحيـاةِ أسفل ظلِّ الوحدة، هو وحيدٌ بوجودهما! فكيفَ هو دونهما؟! كيف!! هو منكبٌ على وجههِ حتى وهما معه، لذا سيُكفّنُ إن فقدهما!!
ارتعشَت شفاههُ وقدماهُ تخونانِهِ برعشةٍ مُضطربةٍ خافتـة تلعنُ ثباته، ابتلعَ ريقهُ بصعوبةٍ ليفتحَ فمهُ وهو يتّجه لغرفتها هاتفًا بخوفٍ من أن تُبتر الإجابـةُ من حياتِه : غــ ــادة ، ح حُــسااام
صمتَ قليلًا ونظراتُه تنهارُ بجزع، لن يكُون هنـاك رد! هل أصابهم شيءٌ مـا! هل أصابهم سوء!! ... لم يكَد يستغرقُ في أفكارِه الحارقةِ حتى وصلَ إليه صوتٌ مرتعشٌ يُجيبه ويقترب منه : هلا بدر ، حسام نايم
وقفَت عند البابِ بهيئتها المُضطربة ليُغمِضَ عينيه بقوةٍ ويتنهّد سامحًا لكل ذرةِ توترٍ وخوفٍ كانت في صدره أن تذهب، أن تُغادره، أن تموتَ لبعضِ الوقتِ حتى يحيا هذهِ الساعات .. سقَطت الحقيبةُ التي وضعَ فيها هاتفها من يدهِ بعد ارتخائها، لتتحرّك أقدامه المتوترةِ بسرعةٍ هذهِ المرّة حتى وصَل إليه ولفَّ ذراعيهِ حولها ليحتضنها هامسًا بكبتٍ وراحة : الحمدلله إنك بخير ، الحمدلله يارب
بينما كانت هيَ قد غابَت كلّيًا عنهُ وعن كلماتِه وعيناها تتّسعانِ بحقيبتها المرميةِ أرضًا، قلبها ارتجفَ بين أضلعها وهي تفكر بخوفٍ كيف وصلت إليه؟ فقدتها قبل عودتها إلى هُنا وبعد أن ظللت من كانَ يُراقبها بشقِّ الأنفس أو لربما هم من كانوا تركوها ، بالتأكيد فقدتها أثناءَ ذعرها، لا تدري أين بالضبط، لكنها فقدتها قبل أن تجيءَ وبعد أن غادرت من الشقةِ تحملها، فكيف وصلَت إليه؟!!!
أبعدها عنهُ بدر وهو يُمسك كتفيها وينظر إليها براحةٍ وشكرٍ وامتنانٍ لله، ابتسمَ باهتزازٍ ليلفظَ بخفوت : بغى عقلي يطير من الرعب على بالي صار لكم شيء
لم تنظر إليهِ ونظراتها على حقيبتها، شفتيها ترتعشان كما حدقتيها، وكان هذا التوتّر الذي يسكن محياها وعدم نظرها إليه دافعًا لينظر ناحيـةَ الحقيبة، عقَد حاجبيه قليلًا ليُعيد نظراتهُ إليها مدققًا بنظرتها المرعوبة بشك، وبخفوت : شفيك؟!
انتفضَت بتوترٍ لتوجّه نظراتها إليه وتهتف بتلعثم : وين لقيت شنطتي؟!
بدْر بهدوءٍ وهو يعقد حاجبيه : متى ضاعت عليك؟!
غادة بتوترٍ انتفضَت : هاه! ااا تو تو كانت معي قبل نص ساعة بس فجأة ما عاد لقيتها عندي
جعّد ملامحهُ بشكٍ لتوتّرها وتلعثمها في إجابةٍ يُدرك أنها غير معقولة، شدّ بكفيه على كتفيها قليلًا ليلفظَ بنبرةٍ حازمـة : وين بتختفي يعني كانت بالكنبة وقت ما دخلت فأخذتها
شتت عينيها المرتعشتين وذهابُ إدراكها في هذهِ اللحظة جعلها تقعُ في فخّه : أيه صح حطيتها من شوي في الصالـة وشكلي نسيتها
ارتعَشت كفّاه على كتفيها ليُخفضهما ووجههُ يتجمّد بذهول، أغمضَ عينيه قليلًا قبل أن يفتحهما بحدةٍ ناظرًا لعينيها الكاذبتين، وبصوتٍ حادٍ يتمنى أن تكون كلّ شكوكِه خاطئة : طلعتي من البيت اليُوم؟
نظرت إليهِ غادة بصدمةٍ من سؤالهِ وفغرت فمها : هاه؟!
بدر بحدةٍ وغضب : طلعتي من البيت اليوم؟!!
ارتعشَت شفاهها لتعضَّ السفلى منها وتصمت مُغمضةً عينيها بخوف، حينها تراجعَ بدر بصدمةٍ وعيناه تتوسّعـان بذهول، بألم، بندم، بخجلٍ من نفسه وغضبٍ منها، انتفضَت كفّاه وذراعهُ اليُسرى التي خنقَ بها يوسف لسعته فجأة، انقبضَ قلبه وهو يُغمضُ عينيه بقوّة، يسترجعُ ما قاله له، شتمه؟ أم أن ذاكرته مشوّشة، شتمه!!! ... عضَّ شفته بقوّةٍ وخجلٌ كبيرٌ اكتسحَه وألمٌ وغضبٌ عميقين تجذّرا في قهرٍ جعله يفتحُ عينيهِ ويصرخُ بها دونَ شعور لتتساقطَ مياهُ غيمةِ قهرهِ وخذلانهِ منها عليها : سويتيها!! سويتيها وطلعتي؟ ليييييه؟
اضطربت أكثر وهي تتراجع للخلفِ بخوفٍ هاتفةً بغصّة : بدر أنـا . .
بدر بصراخٍ يقاطعها : ليييه؟ ليه تعصين كلامي ليه؟ أنتِ تدرين وش كبر خطورة اللي سويتيه؟ تدرين وش اللي تسوينه عشان تعصين!!
عضّت شفتها بعبرةٍ تخنقُ صوتها وكلماتها، تحشرجَ صدرها واختنقَت عيناها بدموعٍ حبيسةٍ خلفَ المُقَل، بينما عاد هو ليُمسك كتفيها حتى يهزّها بقهرٍ يهزُّ ذرات سكُونه معها : ما تدرين بشيء! ما تدرين بالخوف اللي ينزرع بقلبي كل ثانية أكون فيها بعيد عنكم ... ليه يا غادة تكسرين كلمتي وتستهينين بحياتِك في حياتِي؟ ليه تستهينين بخشيتي عليكم! بمكانتكم بعمري! ، يعني لازم أثبت لك إني بموت لو صابكم شيء؟ لازم!!
سقطَت دموعها أخيرًا وهي تصدُّ بوجهها عنه وعينيها النادمتين تلتمعانِ بحُزنها، بينما عضَّ هو شفتهُ بقوّةٍ حتى انتشَر لونُ الدمِ فيها لشدّةِ ضغطه، لشدّة خيبتهِ وصدمتِه بها، لثقتِه، لقلقهِ الدائِم عليهما لتستهين بذلك القلقِ والخوفِ في تهورٍ وغبـاء. نطقَ مُردفًا بصوتٍ مستوجِع : هاين عليك؟ لهالدرجة هاين عليك وأنتِ تدرين إنه ما عاد عندي وطن غيركم؟ حرام عليك يا غادة وحسبي الله على تهوّرك ، حرام عليك يا غــادة


،


أناملها تدلّكُ جانبَ عنقها المتيبّس وهي تمشي في الممرِّ المؤدي لغرفتها، فتحَت بابَ الغرفـةِ وهي تعقدُ حاجبيها بألمٍ من عنقها، لترتخِي تلكَ الإنعقادةُ عن حاجبيها وتنزلَ كفّها إلى كتفها قليلًا ما إن اصتدمَت نظراتها بزوجها الجالسِ على السريرِ وقدميهِ تتدلّيانِ على الأرضِ بينما يسندُ مرفقيه على ركبتيه ومن ثمَّ رأسهُ على كفيْه، تُحيطُ بهِ هالـةٌ من الهمِّ والضيقِ وحيرةٌ تبتلعهُ بأكملهِ في بحارٍ لا قرارَ لها، في غياهِب لا تُضيء ... أغلقَت البابَ بقلقٍ لتقتربَ منهُ وصوتها يندفعُ إليه بخشيَة : عبدالله وش صايـر؟
رفعَ عبدالله رأسهُ إليها وهو يعقدُ حاجبيْه والصداعُ يكادُ يفتكُ برأسه، نظراتهُ التائهةُ في ذلك اللقاءِ وتلك المحادثـةِ بينهُ وبين أدهم جعلت قلبَ هالـة يقلقُ أكثر، جلَست بجانبهِ لتضعَ كفها على كتفِه بمواساةٍ على ما لا تعلم، فقط كل ما تدركهُ أنّ زوجها متضايق، تائهٌ في أمرٍ عصيّ، ومن الطبيعي أن تقلقَ لضيقه، لذا نطقَت بخفوتٍ قلِق : قالت لي الخدّامة بوقت الصلاة إنّك رجعت قبل العصر، وجيت ما حصّلتك وعرفت إنك بالمسجد .. بس ليش ما علّمتني إنك جيت؟ وليش متضايق!
أغمضَ عينيه بقوّةٍ ليضغطَ على جفنيه بسبابةِ وإبهامِ يدهِ اليُمنى، لفظَ بصوتٍ مرهقٍ جامـد : اتركِيني بروحي الحين
هالـة باهتمـام : هديل قالت لي إن إلين تضايقت عشانك طلعت بدون لا تتغدى، وكانت منتظرة رجعتك عشان تغدّيك .. لو درَت إنك هنا من قبل العصر ما تركتك
تأوّه بصمتٍ واسمها ينغرسُ أحرفهُ في قلبه، كلُّ حرفٍ يزرعُ جذرهُ المُسنن في إحدى حجراتِه الأربَع، كل حرفٍ يقفُ في حنجرتهِ ليمنعَ كلَّ كلمةٍ من الخروجِ دونَ اختناقِه ببحّة ... همَس بإرهاقٍ وعذاب : ماهو هي اللي ذابحتني! ... اتركيني ام ياسر واللي يعافيك، ودي أنام شوي قبل صلاة المغـرب
شدّت كفها على كتفهِ وحاجبيها ينعقدانِ بينما قلبها انقبَض بقلقٍ أكبَر لتُدرك بكلماتِه تلك أنّ ضيقهُ الآن غير طبيعي، و " ماهو هي اللي ذابحتني " انصبّت في قلبها بحممٍ ساخنةٍ أحرقَت سكونها، هل يقصدُ إلين؟! ... لفظَت بصوتٍ قلق وخوف : ماهو من عوايدك تنام بهالوقت المكرُوه .. شفيك أرعبت قلبي؟
عبدالله بإرهاقٍ أبعدَ كفّها عن كتفِه ثمَّ انحنى ليخلعَ حذاءهُ ومن ثم جوربَه، وبأمرٍ مرهق : جيبي لي بندول ومويا ولا تحاتيني ، شويّة ضيقة وتروح
هالـة دون اقتناعٍ ابتلعَت إصرارها بالرغمِ من كونِ الخشيَة سكَنت قلبها لحالِه ولإلين، لفظَت : على أمرك * لتنهضَ وتخرج من الغرفـةِ لتجلب لهُ ما يريد *


يتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 03-10-15, 02:47 PM   المشاركة رقم: 509
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




في غرفةِ إلين
تدفُن وجهها في الوسـادةِ وصدرها يضطربُ بنبضاتِها المحتكرةِ في صوتِ ياسِر وسؤاله ذاك، في نظراتِه، في ابتسامتهِ المرفقةِ مع نبرتهِ الجـادة، نبرتهِ التي وجّهت إليها لكمةً بذكرىَ ماضيةٍ لم تمضِي مع " كَان "، التصقَت بتلك الكلمةِ دُونَ معناها الفعلي، دونَ أن تكُون ماضيًا لفظًا ومعنى .. وبالرغمِ من تلكَ الصّدمـةِ التي تحمّلت في كلماتِه، في سؤاله الذي لم تتوقعهُ ونسيَت مع الأيـامِ أنّهُ أدركَ هذا المـاضي، أدركَ تلك اللحظـة السوداءَ في حياتِها .. منذُ تلك الليلة! تلك التي رأت فيها أدهم في إحدى كوابيسها، صرَخت فيها بذعرٍ لتفتضِح أمرَ ذلك الماضـي أمامه، ومن ثمّ حدثَ ما حدثَ بعد أن دخَلت عليهم هالـة وظنّت بهما سوءً . . . عضّت شفتها بقوّةٍ وهي تدفنُ وجهها في الوسـادةِ أكثر فأكثر، لمَ لم ينسى ياسِر؟ لمَ عـادَ ليستفسر عن هذا الموضوعِ المؤلم؟ لمَ لم تنسى هي؟! مهما حاولَت التناسي إلا أن صورةَ ملامحِ أدهم في ذلك اليومِ لن تنساها، ملامحُ حاقـدة، غاضبـة، عينَان امتلأ بها شرٌ وغضبٌ صبّهُ عليها، لازالت تذكُر لمساتِه لوجهها وجسدها، تكميمهِ لفمها حتى لا تصرخ، عيناها الجاحضتانِ بذعرٍ في عينيه، لازالت تذكُر همساتِه الغامضةِ والتي لم تفهمها كليًا بينما أناملهِ تتلمّس العرقَ النابضَ في عنقها بذعر، تتحرّك صعودًا ونزولًا على جانبِ عنقها وكأنّهُ يتأكد من كونِها لم تفقد نعومَةَ الأطفـالِ بعد.
" نسيتك؟ صح!! أنـا نسيتك! وما تستاهلين اللي فيني تجاهِك "
" أبي ضرائب تضحيتي "
" أرهقت نفسي كثير فيك "
وهمساتٌ كثيرةٌ صبّها في أذنيها، كثيرةٌ توارَت خلفَ ذعرها وعدمِ إدراكها في تلكَ اللحظة، توارَت خلفَ أنفاسها التي كانت تتصاعدُ وتتصاعدُ لتغلّفَ مسامعها وتسقطَ بعدَ ثوانٍ مغشيًا عليها . . لم تتجاوز الخامسـةَ عشرةَ يومها، ولم تكُن تلك المرّةُ الأولى التي يتحرّشُ فيها بها، لكنّها كانت المرّة الأولى التي يجيء فيها تحرّشه بتلك القسوة، بتلك الملامِح الغاضبة، بذلك الصوتِ الحـاقِد، بنبرتِه التي كانت كمن يُحادثُ نفسه ويُحاول إقناعـها ، يالقسـوةِ تلك الذكرَى! يالوطأتِها القارسـة، صقيعيةٌ تلك اللمسات المُحرّمة، من أخْ! ولكم جاءت القسوةُ كلّها في تلكَ الكلمة، " أخ! ما عرِف حرمـة أخته ".
ابتسمَت بأسى وشفاهُها ترتعش، يومذاك كانت ذاهبةً لتقابِل صديقاتها في الدار، صديقاتها المشاركَاتِ لحالتها وفقدها، وكم كرِهت من بعد ذلك اليومِ الذهابَ إليهم واحتكَرت علاقتها بهِم في الإطمئنـان عليهم عن بعدٍ فقط.
تأوّهت بألمٍ وهي تسترجعِ سؤال ياسِر من جديد، إن كانت هي لم تنسى ولن تنسى فهو بالمقابِل لن ينسى رغبتهُ في المعرفـة، ليست رغبةً بقدرِ ماهو خوفٌ وخشيةٌ عليها، وتُدرِكُ ذلك.

*

ياسر : أبي أعرف منك سالفة الإعتداء القديمة ، ما نسيتها للحين
نظَرت إليه بصدمةٍ وبهوتٍ وعيناها تنفرجانِ في اتّساعٍ تائهٍ عن الإدرَاك، بينما شدَّ هو على قبضتيهِ وهو يقدِّم جسدهُ للأمـامِ قليلًا في حين كان يجلسُ في أريكةٍ مقابلةٍ لها تفصلُ بينهما مسافةٌ قليلة بينما طاولةٌ زجاجيةٌ مستطيلةٌ تقبعُ في المنتصفِ بينهما لتتكّون كحاجزٍ يفصُل انفعالهُ الذي بدأ يطفو على ملامحهِ لتوهانِ عينيها وصوتِها .. لم تتوقّع أبدًا أن يتذكّر انكشافَ الستارِ عنها في تلك الليلة، لم تتوقّع بأن يستثير ما حدثَ من جديدٍ ويتجرأ على سؤالها، لم تتوقّع بتاتًا أن يمتلك جرأةً وانفعالًا كافيين يسمحان لهُ بالرّغبةِ في معرفةِ ما حدثَ لها أو بالأحرى " الإهتمـام بها ".
بللت شفتيها ومن ثمَّ ازدردَت ريقها وكفّيها تتشنّجانِ مناصرةً لتشنّجَ لسانها، بينما زفَر هو يزفرُ انفعالاتِ صوتِه ليهتفَ بصوتٍ هادئٍ ظاهريًا : يهمني الموضوع، كثر ما تهمني هديل .. أنتِ أختي في النهايـة
تحشرَج صدرها وهي تخفض ناظريها عنه، وانقباضاتُ قلبها تشتدُّ وتقسى خلفَ أضلعها، الدمُ يُضخُّ بعنفٍ إلى شرايينها وبريقُ عينيها يخفتانِ في ليالِ حُزنٍ مريرة، في ليالِ ضعفٍ أليمة، في شفقٍ يحمرُّ بهما وتغيبُ شمسها دونَ أن يسطعَ القمرُ بدرًا ينقذها من الظـلام.
تقوّست شفتاها قليلًا وهي تشدُّ على قبضتيها، وبتحشرجٍ أطلقت صوتَها وحبالها تهتزُّ بحزنٍ واختنـاق : لا تحاتِي ، للحِين عذراء
ياسِر يعقدُ حاجبيه بألمٍ لصوتِها المشروخِ بوجعِه، بلل شفتيه ليلفظَ بحنانٍ لا يخلو من الحزم : ما سألتك عذراء أو لا .. سألتك عن السالفة بكبرها .. مين ومتى وشلون! أبي أعرف
إلين تشتت حدقتيها بضغطٍ هائلٍ يصبُّ على حبالِها الصوتيةِ وقلبها ليندفعَ دمها بجنونٍ في جسدها وترتفعَ حرارةُ الجوِّ فجأة ... هتفَت بغصّة : اسمح لي ، ما أبي أحكِي
ياسر بإصرار : لا لازم تحكين ، أنا أبي أسمع
إلين : وأنا ما أقوى! جد ما أقوى
ياسر بهدوءٍ خافتٍ وهو يحاول لمحَ عينيها في انخفاضِ ملامحها للأسفل : ليه؟!
إلين بألم : لأني ما أقوى بس! نفسي أضعف من استرجـاع هالموضوع ... يوجعني كثير!
ياسر بحزم : وعشانه يوجعك داوي هالوجَع بذِكرُه ورميه للهوا! لي إذا شفتي إنه مافيه شيء بيقدر يحمله! ... طلّعي اللي بقلبك
رفعَت إلين كفيها بوجعٍ خانقٍ وهي تسمحُ لدموعها أن تنفرَ من عينيها بذكرَى لا تنتفضُ عنها، باغتصابٍ مريرٍ لمُراهَقةٍ رمـادية، بحرارةٍ تسري في جسدها لتلك اللمسـاتِ المُحرّمة، لا زالت يدهُ تعبُر، لازالت كفّهُ اليُسرى تكمم صوتَها، تخنقُ النبراتِ في حنجرتها وتكعفُ كل كلمةٍ وأخرى أسفَل لسانها، لازالت شفاههُ تلامس أذنها في همسٍ مـا، في كلماتٍ حاقدةٍ وصوتٍ غاضب، في نبرةٍ حزينة! نبرةٍ خافتةٍ لا تُسمَعُ للملأ، ولم تكَد هي تسمعها، ينعصرُ صوتُه في حقدٍ وحزن، في غضبٍ وتمردٍ على مالا تعلم! ... لازالت تلكَ النـارُ تشتعلُ في مساماتِها لبصماتِه التي خلّفها على بشرتِها ولم تُمسَح حتى الآن.
غطّت أذناها بكفّيها وهي تشهقُ دون شعورٍ وتغصُّ بتلك الذكرى الذائبةِ في صدرِها حممًا ومخلّفاتِ غيمةٍ حمَلت الصديدَ وأسقطتهُ في قلبِها، في رئتيها، في حنجرتها لتختلطَ كل كلمةٍ مع مرارتِه وتخرجَ مستوجعةً تجهلُ التداوِي بنسيَان : ما أبي ، الله يخليك ياسر ، الله يخليك لا تجبرني أحكِي ... ما أبي!!
وقفَ مبهوتًا لبكائها المُفاجئ، والتفَّ حولهُ الصمتُ لثوانٍ طالت والألـمُ استوقفهُ عليها، لأنينها ونحيبِ الدمعِ على وجنتيها، لافتراسِ رموشها لعينيها في عناقٍ والتفافِ كل رمشٍ بآخر، في انطباقِ أجفانِها، بينما الدمعُ يتكتّلُ كلّما ارخَت أجفانها ليُعاودَ الإنحدارَ على وجنتيها كلّما شدّتهما.
بلل شفتيه وهو يشتت حدقتيه عنها بوجعٍ عليها، زفَر بتذبذبٍ ليرفعَ يدهُ ويمررها على شعره، ليلفظ أخيرًا بخفوت : آسف ، ما نويت أبكّيك .. وبترك الموضوع حاليًا مثل ما تبين ... بس سامحيني مقدر أتجاهله، وبرجع أسألك بوقت ثاني
قالَ كلماتهُ تلك لتتحرّك قدمـاه باتّجاهِ البابِ ويخرج، بينما انحدرت كفّاها إلى وجهها لتغطّيه وهي تُحاول إسكانَ هذا الدمع، عاتبةٌ على دمعها! ألم تقل أنها لن تبكِي مجددًا؟ والآن عادَت للبكَاءِ من سؤال! من ذكرَى ولمسةٍ محرّمة، عادَت لتبكي دونَ إرادةٍ لتدرك كم هي ضعيفةٌ ودموعها السِّلاح، لتدركَ كم أنَّ إراداتِها ووعودها لذاتِها كاذبـة ... قلتُ لن أبكي، فلمَ بكيتُ منذ أول استثارةٍ لآلآمي التي تجري على قلبي وأحاولُ طردها؟!


،


اقتربَ موعدُ أقـامةِ صلاةِ المغرِب، خلعا حذاءهما عند البـابِ ليدخلا بعجلةٍ حتى يحصلا على الوقتِ الكـافِي ليُصلِّيا تحيّة المسجِد، بينما صوتُ سلطان يخرحُ غاضبًا على عناد وهو يتّجهُ لذيلِ الصفِّ الثالِث : وفي الصف الثالث بعد؟! كلّه منك أخرتنا أنت ووجهك ، ساعة في الحمام ياللي ما تخاف ربّك؟ أنا أصلًا مين قالي أنتظرك!!
ضحكَ عناد ببراءةٍ وهو يقفُ ويلفظ : اصص ولا كلمة خلنا نلحق نصلي تحية المسجد
لوَى سلطان فمهُ ليستدير عنه وهو يستغفر، ومن ثمَّ رفعَ كفيه ليكبِّر ويبدأ بالصـلاة، غافلًا عن تلك العيونِ الناظرَةِ إليه منذ دَخل وصاحب العينانِ يجلسُ في الصفِّ الأولِ ورأسهُ يستدير ناحيتهما بصمت، ينظر لتقاسيمِ وجهه المسترخيةِ في صلاتِه وشفاههِ التي تتحرّك في تلاوةٍ خافتـةٍ لا تُسمع ... ابتَسم ابتسامةً خافتـةً وهو يُدير وجههُ عنه في اللحظةِ التي سلّم فيها من كان بجانبهِ ليستغفرَ ثلاثًا ومن ثمّ نظرَ إليه باسمًا : حيّ الله الشيخ سلمان راس الرجاجيل والشيوخ ، وينك يا رجّال ما عاد تنشاف
ابتسمَ سلمان بشفافيةٍ وهو ينظرُ إليهِ ليهتف بهدوء : الله يحييك ويبقيك ياجعل راسك سالم ... أبد انشغلنا بالحياة بس
الآخر : المهم إنك طيب بشّر ما تزوّجت
سلمان بابتسامة : أبد عاجبني هالحـال ولا ظنّي ببدّله
الآخر : وين عاجبك هالحال بدون ولَد يشيل اسمك ويرعاك بكبرك؟!
سلمان وابتسامتهُ لا تختفي عن شفاهه، وجّه نظرةً خاطفةً لسلطان ليُعاودَ النظر للجالسِ بجانبه وينطق بخفوت : مكتفي بواحد
الآخر : ولد فهد الله يرحمه؟ الا جد ليه ما عاد نشوفك ويّاه كثير مثل قبل
خفتت ابتسامتهُ لتلتوِي شفاههُ بسخريةٍ وهو يدركُ أن الذي يُحادثهُ وصلَ لمـا يريد، للأسئلةِ التي تشبعُ فضوله الذي تنامى لدى الكثيرِ ممن استنكر غيابَ سلطان عن صحبته المعتـادةِ قبلًا . . لذا أجابه بجمود : لازم تشوفونا لما نكون مع بعض يعني؟!
الآخر بتوترٍ يبلل شفتيهِ بلسانه : لا بس بيني وبينك سامع حكي
سلمان بسخرية : وش مكنونه؟!
الآخر : سمعت إنّكم متهاجرِين ، عاد ذا كلام النـاس وتمنيت يكون كذب
سلمان بجمود : على قولتك كلام النّاس ... كذب لا تحاتيه
الآخر بفضولٍ بعد مجاراةِ سلمان لهُ وعدم صدِّه عن التدخل في شؤونه : بس سمعت بعَد إنكم فصلتوا شغلكم عن بعض وتركت السكَن ويّاه في بيت المرحوم! عشان كذا صدّقتهم
رفعَ سلمان إحدى حاجبيه وهو ينظر في عينيه بقوّة، وبنبرةٍ جافّة : أنا اللي قايل له يفصل شركته عن شركتي ، الولد صار رجّال وأبيه يرتفع بحياته ويستقر بعيد عني ، بكره لو ربي أخذ أمانته بيظل مستند عليْ؟! * أردفَ بسخرية * وبعدين ماله داعي توضّح اهتمـامك بحالنا عشان تشبع فضولك! عيب عليك ترى رجّال طول وعرض وهذي اهتماماتك!
شعرَ الرجلُ بإحراجٍ وهو يتنحنحُ ويعتذر، بينما صدَّ عنه سلمان لتمرَّ الثواني بسرعةٍ قبلَ أن تُرفع الإقـامة، وعينيه انحدرتا رغمًا عنهُ لينظر لهما وقد كان سلطان جالسًا بجانبِ عناد متجهمًا بغضبٍ بينما عنـاد يضحك باستفزازٍ له ... فابتسم.

بعدَ صلاةِ المغرب
أنتهى من سنّة المغرب، وجلس قليلًا يذكُر أذكارهُ دونَ أن يُدير رأسه مجددًا إليهما حتى لا ينتبها إليه، بينما كان سلطان لازال " يتحلطم " لتأخّرهما ويلومُ عناد الذي نطقَ بمللٍ منه : يا شيييييخ طير بس أبثرتني ، عارف والله إنه مو قهر على التأخير كثر منت حاب تزعجني بس
سلطان بامتعاض : أنت أساسًا من كثر منت مزعج بدرجة كبيرة طال الإزعاج لنفسك يعني ما يحتاج
عناد : هه هه هه ودي أضحك والله
سلطان يبتسم : ياليت والله اشتقنا لضحكتك الجميلة
ضحكَ عناد رغمًا عنه : الله يخليك والله ماني زوجتك لا تتهور بس
سلطان : هههههههههههههههههههه الحين مين جاب هالطاري؟ * دفعَ كتفهُ بكتفِه وغمَز بلؤم * واضح فكرة الزواج لاعبة براسك عشان كذا مبثرني زوجتك وماني زوجتك ... عقدت النيّة هاه
غمزَ مرةً أخرى ليُكشّر عنـاد بنفورٍ وينطق : أعوذ بالله أعوذ بالله بسم اللي علي من الزواج تف تف تف تف
سلطان ولم يستطِع كبحَ نفسه ضحكَ بقوةٍ لفتت بعض الأنظـار : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه الله يهدي سريرتك للزواج وترضَى عن السالفة
عناد بابتسامة : والله ما هقوتي يا خوي اقتنعت إنّي أنفع للعزوبية
سلطان بابتسامةٍ ماكرِة : نشوف أول ما تتزوج صدقني بذكّرك
عناد : مافيه أمل لا تحاول، ماني مشفوح مثل بعض الناس تزوجوا وعمرهم 27
سلطان يرفعُ إحدى حاجبيه : وخير يا طير إذا 27؟
عناد يضحك : أمزح ياخي شفيك طنقرت ، قم قم بس خلنا نطلع
سلطان يقفُ وهو يشدُ ظهرهُ للخلفِ قليلًا وكفيه على خصره، حرّك عنقهُ المتيبّس يمينًا ويسارًا في حينِ نهضَ عنـاد واستعدّا للخروج. بينما كانت تلك العينـان لازالت تتابعهما بصمتٍ بعد أن تجاهلَت النظر تجاههما إلا أن ضحكةَ سلطان العاليـة جعلته ينظر إليهما من جديد، بصمتٍ من بعيد، كالعـادة.

يتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 03-10-15, 03:13 PM   المشاركة رقم: 510
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




في منزل عنـاد
جلَست بجانبِ غزل بعد أن أنهَت صلاتها للتوِ ومن قبلها غزل، كان الضيقُ يسكُن صدرها من بعد حديثِهما السابِق، من بعدِ كلمَاتِ غزل التي جاءت مخالفـةً لكلِّ قناعاتها ورؤيتِها للموضُوع برمّته، بالتأكيد هي لم تفهم بعدُ شيئًا، لذا جاء ردّها وانفعالها في الرفض.
زفَرت وهي تفركُ كفيها وتنظر للأرض، في حين طالعتها غزل بعقدةِ حاجبٍ وهي تلاحظ صمتها من بعد ذلك الحديث، لوَت فمها الممتلئ بكلماتِ احتقـارٍ كثيرةٍ ابتلعتها رغمًا عنها لتنطقَ بخفوتٍ مستغلةً كونَ ام عنـاد لم تأتِ بعد : غيّود ، للحين تفكرين بالموضوع؟
اتّجهت نظرات غيداء الضيّقةَ بأفكارها إليها لتنظر إليها لثوانٍ بصمتٍ دونَ إجابـه، وهي داخليًا تشعر بالندم لأنها أخبرتها، لكنّها في النهايـة هزّت رأسها بالإيجابِ لتزفُر غزل بقهرٍ وهي ترفعُ كفّها إليها وتضعهُ على كتِفها، وبحزم : تبين تدفنين عمرك بهالخوف المُبالغ فيه؟ وش خوف بالله هذا حكر لحياتِك .. عيشيها لا تظلّين كذا دافنة نفسك بالبيت
غيداء وشفتيها ترتعشانِ بتوترٍ طفوليٍ وإدراكٍ غيرَ كافٍ لما هو صحيح، نطقَت بغصّة : ماما وعناد وسلطان ماهم مقصرين، ماهم دافنيني بالبيت! بالعكس أطلع بس مو مع أي شخص
غزل بحنق : يا سلام وش مو مع أي شخص؟ ترى هالبنت توها مراهقة مثلك ياهوه! غيّود يا عمري جد أنا شفقانة عليك وش بيصير لا رحتي حفلة ببيتها؟ أكيد بيكون فيها تجمّع ماراح تكونين بروحك
غيداء تُشتت حدقتيها باضطرابٍ وصوتها المُتحشرج يخرُج تائهًا بين كلماتِ غزل وقناعاتها التي استمدّتها من عائلتها : م ما أدري ، ما أدري
غزل بنبرةٍ حازمةٍ مصرّة : اقبلي دعوتها ما عليك ، وإذا تبين بروح معك جرّبي تكسرين روتينك شوي
ازدردَت ريقها وهي تعضُّ طرفَ شفتها السُفلى بقوّةٍ توازي قوّة اضطرابها وتشتت تفكيرها في خضمِ إصرارِ غزل، صمتتْ ولم تردَّ لتزفُر غزل وهي تبتعدُ عنها قليلًا وتشدّ على شفتيها المكتنزتين، في حينِ عاصـر ذلكَ الصمتُ دخُول أم عنـاد ليتحوّر الموضوع رغمًا عن غزل.


،


الثامنةُ مساءً
خرجَ من الحمّامِ وهو يجفّفُ وجههُ من المـاء، كانت تجلُس على السرير تقرأ كتابًا في يدها وعيناها منشدّتانِ مع الأحرف والكلماتِ والجُمل، ابتسمَ برقّةٍ وهو يرمي المنشفةَ على طرفِ السرير لتنتبهَ إليهِ وترفع نظراتها إليه متعلقةً بعيناه، ابتسمَ لها لتبتسم رغمًا عنها، وجلَس بجانبها ليسألها برقّة : وش تقرين؟
جيهان بخفوت : رواية
فواز وعيناهُ معلّقتين بعينيها : وش اسمها
جيهان : ما عليك تقهر
ارتفعَ حاجباهُ قليلًا وصفُّ أسنانه يظهر بابتسامته، مدّ يدهُ ليختطفَ منها الكتابَ ويُديره حتى يقرأ اسمه، " أحببتك أكثر مما ينبغي "، اتّسعت ابتسامته أكثر لتتحول لضحكةٍ خافتة، رفعَ نظراته لعينيها الضيّقتين هاتفًا : قد قريتها
جيهان تلوي فمها وتهتف بعبوس : ترفع الضغط ، عزيز حمار
فواز بتسلية : وليه ما تكون جمان؟
جيهان بقهر : كلهم ، بس هو سادِي
ضحك : صدقيني حتى هي غلطانـة ، اللي تعرف قيمة نفسها ما تستهين فيها بهالطريقة
جيهان بغيظ : هو حمار وهي أكثر ، اوووف خاين
بلل شفتيه دونَ أن يفقد ابتسامته، وحين فتحَ فمهُ ليردّ سبقته بوحشية : وهي بعَد شلون تتمسّك فيه؟ يكفي إنه خاين وتزوّج بعد ... الله ياخذ الرجاجيل اللي مثله
توتّر رغمًا عنهُ وشتت عيناه بصمتٍ وابتسامته تلاشت، بينما لوَت هي فمها لتتذمّر مما قرأته ومما استفزّها وأسكَن الإضطرابَ في قلبه .. زفَر وهو يحاول طردَ توتّره، وماذا يعني كلامها؟ لاشيء، مجرّد روايةٍ قرأتها واستفزّتها ، الواقع مختلف، مختلفٌ جدًا.
زمّ شفتيه لينظرَ إليها وهو يضعُ الكتابَ جانبًا ويلفظ بصوتٍ خافتٍ طردَ التوتر عنه : جوعان
نظرَت إليه وهي تعقدُ حاجبيها : أكيد العشى بيكون الحين أو بعد شوي
فواز يبتسم : بطني ودّه يذوق أكلة من يدينك
ابتسمَت بخجلٍ وهي تُرخي انعقادةَ حاجبيها : بتذوقه إن شاء الله
فواز ضحك : أيه ابتسمي مرة ثانية بهالطريقة ، خجلك لذيذ! عاد جانا عشى مختلف
عضّت لسانها قليلًا وهي تُخفضُ نظراتها، ليُبلل شفتيه ويبتسم بينما امتدّت يدهُ إليها ليضعَ أصابعهُ أسفل ذقنها ويرفعَ وجهها إليه لتلتقي أعينهما في موجةِ عاطفةٍ تقتلع الأخضر من المشاعرِ والمُتيبّس خلفَ حاجزٍ وخجل، وبنبرةٍ خافتةٍ عاشقة : يقول هشام جخ " انا اللي كل ما أجوع، بعِنِيكِ بتصبّر "
ضحكَت جيهان ضحكةً خجولة وهي تحكّ عنقها وكلماتُ الشاعرِ المصري في " مصر " دغدغَت قلبها ومشاعرها، لفظَت بخجل : يعني أنا مصْر؟
فواز بابتسامة : عميقة بجمالك مثل نيلها
جيهان ببسمةٍ خجولةٍ والحمرة تتصاعد لوجهها الأبيض : شكرًا
فواز يرفع حاجبيه : بس!!
جيهان بحبور : ممنونة للشُكر اللي ما يوصل روعة حكيك ... بس
فواز : ما عندك تعبير ثاني؟!
جيهان : مافيه تعبير كافِي عندك ، سحبت كل التعبيرات
عضّ شفتهُ بمكرٍ وهو يقتربُ منها ليُداعبَ وجنتها بأنفهِ ويهمس : كِذا يعني تتهرّبين؟
ضحكَت بخفوتٍ وهي تتراجع : تقدِر تقول كِذا
وقفَ فواز وهو يبتسم ويمرر لسانهُ على شفتيهِ واضعًا كفيه على خصره : يبيلي أجل أعطيك درُوس في التعبير ، تمام ما يغلى عليك * مدّ يده * كل درس بخمس مئة
جيهان بعبوس : توّك تقول ما يغلى عليك
فواز : والحين أقول مافيه تعب بدون أجرة
جيهان : نصّاب ماعليك شرهة


،


على طاولـةِ العشاء، تركَت ام سيف ملعقةَ الشوربة لتحمدَ الله وتنهض، رفعَ سيف نظراتهُ إليها متسائلًا : ما أكلتي كثير!
ام سيف : اكتفيت الحمدلله
اتّجهت للمغاسِل لتتركَ ديما بدورها مافي يدها وتستعدّ للنهوض، أصبَحت شبهَ باردةٍ مع ام سيف وعقلها يُخبرها بأن لها علاقةً متينةً بمسألةِ رجوعِ طليقته ... لوَت فمها بحنقٍ واستياءٍ وهي تنهض، لينظر إليها سيف وهو يضعُ كوبَ العصير، هاتفًا : شبعتي؟
ديما دون أن تُدير رأسها إليه، ببرود : الحمدلله
سيف بنظرةٍ متأملةٍ لها وهي تُدير ظهرها : طيب خليك معاي لين أخلص تعرفيني ما أحب أجلس بروحي
رفعَت إحدى حاجبيها بحدةٍ لتستديرَ إليها واضعةً كفيها على خصرها، وبحنقٍ ونبرةٍ نافِرة : بصفتي مين أجلس؟
سيف باستفزاز : زوجتي وام ولدي
ديما بحقدٍ كشّرت : زوجتك ومغصوبين على هالكلمة من واقعنا الأليم ، أما ام ولدك فهذي بلّها واشرب مويتها ... هالولد قد قلت لك لي وبس ، تراني متجاهلة للحين بس لا تظن إني تاركتك على هواك تنبسط فيه
عضَّ طرفَ شفتِه يكتم ابتسامته وهو يلحظ سرعة استفزازهِ لها في ثوانٍ في هذهِ اللحظاتِ دونًا عن برودها السابق، لذا شعر بسعادةٍ ترفرفُ في قلبه، وبنبرةٍ متسلية : خلاص دامك ما تبين ام ولدي فبتقول ام بنتي
زمّت شفتيها بغضبٍ وهي تحرّك كفّها في الهواء بعشوائية : أنت ما تفهم؟
ضحكَ سيف وهو يستمتع بردّها عليه بعيدًا عن برودها الذي يقتلهُ ويشطرهُ نصفين : مرّات أشك انك تتوحّمين عليْ ، عاد يقولون إذا الزوجة توحّمت على زوجها فهذا دليل الحب
احمرّ وجهها بحنقٍ وهي تزفُر بغيظ، رفعَت إحدى حاجبيها بتحدٍ لتقتربَ منه حتى وقفت بجانبهِ ورأسه يتّجه ناحيتها ناظرًا إليها، رفعَت يدها لتنقرَ كتفهُ بإصبعها ونظرتها المتحدّيةِ تتحوّر بحقد : أخاف تكذّب الكذبة وتصدقها .. ما أبي أكسر قلبك
ارتفعَت يدهُ بسرعةٍ ليُمسك بإصبعها ونظراتهُ تتعلّق بعينيها في جسرٍ يرفض انكساره مهما اهترئ، مهما واجهتهُ الريحُ محاولةً نيلِ سقوطهِ وانهدامـه ...شدَّ على اصبعها التي اختفَت بين قبضتـه، و . . . .

.

.

.

انــتــهــى

البارت شبه شامل عاد والا -_- ، وبالنسبة للي مشتاقين لتميم فلا تحاتونه بيجيكم صبركم على تمرّده بس :)

* شلت هم اني نزلت البارت بوقت الصلاة، عسى بس ما يشغلكم وآخذ ذنوبكم صلاتكم أهم لاحقين على الرواية ؛ وقراءة ممتعة ()

+ امتحانات الميد راح تبدأ وأنا ما ودي أنشغل عنها بالروايـة وطبيعي راح أبدأ مذاكرة بشكل مكثّف من اليوم ، لذلك مضطرة أبدّل موعدنا ليوم واحد بالأسبوع " الخميس " وبيدوم هالموعد للثلاث الأسابيع القادمـة لوقت ما تخلص امتحاناتي ويحلّها ربي (())


ودمتم بخير / كَيــدْ !



 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 11:30 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية