سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم :)
صباحكم / مساؤكم راحة وطاعة ورضا من الله آل ليلآس
إن شاء الله تكونون دائمًا بخير
,
بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
للكاتبة : كَيــدْ !
(8)
ابتلعت ريقها فور سماعها لصوته الناطق بابتسامة وقد اتضح به التفاجئ : أسيل! ... أهلين كيفك؟
شعرت أنها بدأت بالتعرق والغرفة أصبحت حارة، وكأنها تقف في صحراءٍ خاوية والشمس تصفعها بحرارتها من كل جانب.
شاهين بابتسامةٍ لم تختفي وهو متعجبٍ من صمتها، لكنه ألحق السبب بخجلها، أليست هي المندفعة في كلامها منذ ثواني؟ : وش بغيتي مني؟
أسيل بارتباك بعد ان ازدردت ريقها : مممم الموضوع يخص الزواج
شاهين بتفهم : تبينه بهالفترة والا نأخره شوي؟ ترا ما عندي مانع أبدًا فسوي اللي يريحك
صمتت للحظات، تجتذب بعضًا من الثقة إليها، هذه فرصتها فلتتحدث، ربما لن تفوز بفرصةٍ أخرى غير هذه. تجرعت ثقةً مؤقتةً لهذه اللحظة، فقط لهذه اللحظة : ما أبي الزواج من أساسه
تقلصت ابتسامته تدريجيًا إلى أن اختفت، لم يستوعب فعليًا ما سمع، اقترب حاجباه من بعضهما وهو يحاول الفهم، لا تريد الزواج! كيف؟ ماالذي تعنيه؟ كيف لا تريده وهو قد تم.
أكملت بصوتٍ وصله باكيًا، بينما دمعةٌ سقطت من عينها اليُسرى ترثي حالها : آسفــــة ... ما أقدر، حاولت أقتنع بالفكرة بس صعب .. والله صعب
زمّ شفتيه يحاول ترجمة ما تقوله، أجنت؟ بالتأكيد جنت، فمن ذا العاقل الذي يقول ذلك بعد أن تم الزواج؟
لا ينكر أنه شعر بكرامته تسقط بعد ما قالته، وهو الذي سعد بزواجه منها ولم يرى عيبًا فيه وإن كانت أرملة أخيه، أوليس يعلم أن أخاه كان قد قابلها مراتٍ حتى في منزلهم، يختلي بها وهما في فترة ملكةٍ لا غير! فكيف يعلم نوع علاقتهما الحقيقية؟ لكنه رغم ذلك لم يتحسس من الأمر بعد أن تم، لم يرى عيبًا فهي كانت زوجة أخيه أولًا وأخيرًا بعيدًا عن كل العادات والأقوال .... زوجته شرعًا. فكيف تقول ذلك وتطيح بكرامته بعد أن وافق ولم يعبها بشيء؟ كيف تقول ذلك؟
حاول ألا يشعر بالغضب إلا أنه شعر به حقًا، لكنه كبح انفعالاته ليتصرف بحكمة، لن يتسرع حتى يعلم الدافع الحقيقي وراء كلامها.
هتف بصوتٍ هادئ بعكس غضبه : وليه ما تقدرين تقتنعين؟ مو انتِ اقتنعتي خلاص ووافقتي علنًا! وش صار الحين؟ ليه وافقتي من البداية؟
ارتعشت شفتيها لتهمس بألم : ما أقدر ... روحي للحين معلقـــة فيــه
ارتعش الهاتف جانب أذنه بارتعاش يده، بينما أغمض عينيه بقوةٍ ودون أن يدري بالسبب ارتفعت حرارة دمه، أيعقل أن ما يشعر به غيرة؟ من أخيـه؟ لكنها في النهاية أصبحت زوجته ومن الطبيعي أن يشعر بذلك، فهي أصبحت شيئًا يخصه فعذرًا يا ذاته على ما شعر به تجاهها من أخيه، عذرًا يا متعب.
همست تتابع : ما أقدر أخونـــه
وماذا كان يتوقع؟ أنها ستنساه بكل سهولةٍ بعد وفاته وستعيش معه هو فقط دون أن يحتل متعب جزءً من تفكيرها! أنها لن تبقى تتذكره وهو الذي يعلم كيف أن لمتعب شخصيةً جذابة لتقع زوجته بالتأكيد في شباك حبه.
لم يرد للحظات طالت، كيف هربت الكلمات منه بهذه الطريقة؟ يريد الرد لكن انفعالاته الداخلية قيّدت كل كلماته وأسرتها بين أغلالها الخفية.
رطبت أسيل شفتيها بخوف، وهي التي لا تعلم من أين جاءتها القوة لتقول لمن يسمى - زوجها - ما قالته. لكنها في النهاية همست لتتابع ما بدأته : آسفة شاهين ... جد آسفة، ما كنت أبي يصير كذا بس وش أسوي؟
تقوست شفتيها بعبرة لتكمل بألم وصوتها تلون بالبكاء : وش أسوي؟ حسيت إني ثقل على أهلي ويوم بغيت أريحهم وافقت عليك ... ما دريت إني سويت مصيبة بنفسي
عند هذه النقطة تحديدًا صرخ بصدمة وقد فقد عقله بما قالته، ليكسر هدوء الغرفة إلا من أنفاسه وتحركاته على الكرسي المترجمة لانفعالاته : حسيتي انك ثقل عليهم رحتي تهربين عندي انا؟؟ تورطيني بنفسيتك المريضــة!!!!!
زم شفتيه يشعر بالغضب، هل أصبح الآن منفذًا تحمي به عائلتها من ثقلها لتُعيشه هو ببؤس!. أكمل بوعيد : وفي النهاية تقولين سويتي بنفسك مصيبة! انحصرت نظرتك بأهلك وبنفسك؟ ... وأنـــا وش فكرتي بعقلك فيني!
أسيل وهي تشعر بالذنب : آسفـــ
قاطعها بغضب : لا تعتذرين لأن اعتذارك عندي فارغ، مع كل كلامك واعتذاراتك ورغبتك في فك العقد ما فكرتي غير بثلاثة، نفسك ومتعب وأهلك ..... وشاهين اللعبة اللي كنتِ تستخدمينها يروح بالطقاق!
أكمل بعد أن عض شفته بقهر : قفلي قفلي حسبي الله على ابليسك بس ... لا تخليني أغلط وأطاوعك بتفكريك الصغير ... نتفاهم بعدين
صرخت تناديه لكنه قاطعها حين أغلق، ليضع هاتفها على المكتب بعنف، ويهتف بغضب : طيب يا أسيل طيب ... شكلك ما عرفتي شاهين كويس
,
كفه تعانق الهاتف قرب أذنه, يستمع لعتابٍ وخيبة من الطرف الآخر فتنهد جازعًا ... حسنًا, هو أيضًا يرى أن إتمام هذا الزواج خطأ, فمن جهةٍ أخرى يخشى القسوة عليها أو ظلمها أكثر من مجرد ظلمها بقمع حقوقها الزوجية, لكن أيضًا هو يشفق عليها إن طلقها, ليس أول من سيطلق زوجته في فترة الملكة, لكنه أيضًا يعلم عاقبة الطلاق في مجتمعه على المرأة.
هتف بجزع : الموضوع تم وانتهى, بكرة إن شاء الله باخذها لبيتي ... ولأبوها كل الذنب, ودهم أكمل الزواج عشان بنته المسكينة اللي مالها ذنب ..... على عيني وراسي
عناد باعتراض : ما هقيت إنك بكل ذا الغباء, وش دخلها هي طيب؟ مو من الأفضل تطلقها بدل لا تنضام معك .... أنا دارسك يا سلطان, مستحيل تتأقلم مع إنسانة لها علاقة بأشخاص قتلوا أبوك
زفر الهواء بضيقٍ وبالكثير من الألم. معه حق, لن يستطيع التأقلم في العيش معها.
أردف عناد يقطع سبل أفكاره, بصوتٍ عاتب : تبي تنتقم من أبوها عن طريقها يا سلطان؟؟؟؟
جُفل, أيعقل بأنه وافق على إتمام زواجه بها لأجل الإنتقام؟ هل فكر بذلك حقًا؟ أيعقل أنه سيعاقب والدها بها؟ .. لكنه حقًا لم يفكر بذلك حين وافق على إتمام الزواج, فهل من الممكن أن عقله دفعه للموافقة لأجل ذلك ... حرك رأسه نافيًا وهو يوقف سيارته على جانب الطريق. وبعتابٍ هتف : مستحيل أفكر كذا ... معقولة تشوفني بهالشكل؟
لم يرد عليه, يعرفه جيدًا, هو لم يفكر بذلك حقًا, لكن كل الظروف ستكون معاكسةً له, لن يستطيع أبدًا التحلى بالعدل معها, فكيف له ذلك وهو يقرأ بعد اسمها - أحمد - وقبل اسمها - ابنة القاتل -
همس سلطان بعد ثوانٍ من الصمت : بكرة بتكون زوجتي وفي بيتي ... وهذا آخر قرار عندي
تأكد الآن, بما أنه مصرٌ فهو لا ينوي خيرًا, حتى إن لم يلاحظ نفسه لكنه لاينوي بها خيرًا ... لا يا سلطان لا تكن كمن رباك, كن مثل والدك, مثل والدك فقط.
كان سيأمره بما اعتلى فكره لكن سلطان أغلق الخط, لا يريد سماع المزيد والمزيد من نصائحه وعتابه الذي لا يستصيغه هذه الفترة.
,
هاهي عادت إلى الغرفة, بشيءٍ من الإشتياق وبكثيرٍ من الغربة, تتأمل أركان الغرفة وكانها قد نسيتها, بينما هي لم تنسى شبرًا ولم تغفل عن كل صغيرةٍ وكبيرةٍ فيها ... أيعقل أنها غابت كثيرًا لتفكر بهذا الشكل المُثير للشفقة؟ اقتربت من السرير ببطءْ, وما إن وصلت حتى تمددت به وهي تعانق الوسادة وتستنشق رائحته بها, آه كم له رائحةً خاصة تعيد لها الروح وتروي أوردتها العطشى. أغمضت عينيها تستنشق رائحته. وفي تلك اللحظة تحديدًا دخل ليراها على تلك الحالة, لكنه ظنها نائمة فهي كانت تديره ظهرها. تنهد بجزع, ثم اتجه إلى السرير بصمتٍ دون أن يصدر صوتًا, لن ينكر أنه قد اشتاق لتواجدها الدائم هنا, لكل مكانٍ تكون به رونقٌ خاص بتواجدها هي فقط, ولها حضورٌ خاص بالنسبة إليه. انحنى يتفقد ملامحها ثم مدّ يده ليتلمس بشرتها بأنامله, فانتفضت فزعةً لتجلس ويتراجع هو مع إصدارها لشهقةٍ دليلًا على تفاجئها, فتلبس الجمود رغم تفاجئه هو أيضًا بعدم نومها : ظنيتك نايمة
ابتلعت ريقها وهي تومئ برأسها دون معنى, فاقترب ليجلس بجانبها لكنها تراجعت فجأةً دون أن تعرف السبب لنفورها.
سيف وقد اعتلاه الغضب من حركتها تلك : شايفتني جني قدامك؟ ليه الهرب
ديما بارتباكٍ : هاه
سيف بصرخة : ديــــــــــما!!!
انتفضت وأغمضت عينيها, ليتأفأف بغضبٍ ثم دفعها دون قصدٍ من قهره لتسقط على السرير بعنف، ثم دون كلمةٍ خرج من الغرفة غاضبًا.
وضعت يدها اليُمنى على صدرها تتحسس نبضات قلبها المجنونة، وبهمس متشفي وقد شعرت بقهره إثر نفورها، فكيف لرجلٍ أن يتحمل نفور زوجته منه، تعلم جيدًا أن نفورها يصب في جرح رجولته بقسوة : تستاهل ... حس بالقهر شوي مثل ما أنا أحس فيه بكل لحظة معك
،
جلست وحاجبيها مُنعقدان إثر طلب زوجها للجلوس معها والتحدث بانفراد, من عاداته أن ينتظر إلى أن يذهبا لغرفتهما ثم يتحدث معها في المواضيع المهمة, لكن هذه المرة, من الواضح أن موضوعه أكبر من مجرد مهم.
ما إن جلس أمامها بعد أن علق شماغه وثوبه حتى هتفت بقلق : خير إن شاء الله
أبو ياسر بملامح لا تفسر : إن شاء الله خير
هالة وقد أيقنت أن الموضوع كبير : عبدالله وش فيك؟ أقلقتني
عبدالله بجدية : الموضوع يتكلم عن إلين
جفلت وهي تبتلع ريقها بارتباك, أيعقل أنه علم أو شعر بما يحدث في هذا المنزل؟ أيعقل انه لاحظ جفاءها معها؟ لا ليس الآن وهي لم تحل الموضوع بعد, سيرمي بكامل الموضوع عليها وسيتهمها بالتقصير, حتى وإن أصبح يعتبر إلين مثل ابنته لكنه سيقول أن اختيارها هي لكفالتها كان خطأً, وقد يتركها ويطردها من المنزل. ارتعبت عند هذه الفكرة, أستبتعد عنها بعد أن اعتادت على وجودها الدائم بينهم؟
أخيرًا همست بارتباكٍ واضح : وش فيها إلين؟
عبدالله : حالها ماهو بعاجبني هالأيام, صاير شيء؟
زفرت بارتياح, على الاقل لم يعلم بشيء, ستخترع أي كذبةٍ إلى أن تحل الموضوع كاملًا. هتفت بثقة : وش صاير يعني؟ أكيد صاير شيء في الجامعة وقاهرها, هذا كل شيء
عبدالله بشك : هي قالت لك؟
هالة : ايوا سألتها وهي قالت كذا
لم يقتنع لكنه أومأ برأسه, فرطبت شفتيها لتتجه إليه وتقف خلفه مُدلكةً كتفيه : لا تخاف عليها ... إلين ماشاء الله قوية وتقدر تدير شؤونها
هزّ رأسه رافضًا حديثها : الموضوع فوق ما تتخيلينه انتِ ... نادرًا ما تلاقين أيتام مثلها ما تعرف أصلها والثقة والقوة تخاويهم, إلا ما تكون تحس بالخواء!
هالة بهدوء : إلين غير
استدار إليها مُقطبًا حاجبيه : وش اللي غير واللي يعافيك؟ تظنين إن حياتها معنا تكفي عشان تنمي ثقتها وقوتها؟ ما يكفيك نظرة المجتمع لها؟
لم ترد وهي تشرد بفكرها بعيدًا. أنت لا تعرفها, لم تكتشف بعد مكرها كما اكتشفت أنا ... إلين مختلفة عن الأيتام, مختلفة بشكلٍ قذر!!
استفاقت على حديث زوجها الذي صعقها : أفكر أزوجها بياسر
بهتت وتغير لون العالم عندها لأسود .. مستحيل, ما الذي قاله للتو؟ سيزوجها لإبنه! لإبنها! مستحيل ... ازدردت ريقها ويديها تجمدتا عما كانتا تفعلان, فهتف مستفسرًا : شرايك؟ أكيد موافقة؟
حكت عنقها بارتباك : بس .. بس
عبدالله بتعجب : بس وشو؟؟.. هالة! مو هي البنت اللي حاربتي عشانها ! والحين صرتي ما تبينها زوجة لولدك!! * بعدم تصديقٍ أردف * وين اللي كانت تقول مو مهم أصلها, هي وش ذنبها باللي اقترفه غيرها!!!!
تلعثمت وهي تهتف بدفاع : لا مو كذا قصدي .. طبعًا أنا ماني رافضتها لولدي ... بس, ياسر .. وش قال؟ * وبرجاء * أنا مستحيل أغصبه
عبدالله وهو يومئ برأسها ليُطمئنها : أنا بكلمه لا تهتمين من هالناحية ... وأوعدك لو رفضها ما أجبره
لا لا ... لن يرفضها وهي متاكدة, لن يُمانع وسيوافق بكل رحبٍ وسعة, ليس حبًا لكن شفقةً بها وربما رغبةً فقط, فما رأته يومذاك جعلها تتأكد أن ياسر متورطٌ معها بعلاقةٍ فاسدة, أكبر بكثيرٍ مما توقع غيرها. يستحيل أن يتزوجها, ألا يعلم عبدالله أن زواجهما ليست فكرةً صائبة, لن تسمح لهذا الزواج أن يتم, لن تسمح.
,
تتحرك ذهابًا وإيابًا في غرفتها وربما قد حفظت عدد الخطوات اللازمة لقطع الغرفة من أولها لآخرها، قلقةٌ جدًا بعد أن حدثته على الهاتف. أيعقل أنه سيكون - ساديًّا - حتى يعاندها ويرفض تطليقها فقط لينتقم منها لأنها ستضعه في موقفٍ حرج إن هو وافق على الطلاق؟ أو ربما يكون ممن يحبون التملك وإفراض أنفسهم على الأنثى! أو ربما شعر أنها أهانته برفضها ليجبرها عليه قسرًا! ... خاطبها عقلها بالكثير والكثير، مما زاد هوسها بالإنفصال : مستحيل .. مستحيل أجلس معه بروحي دقيقة وحدة ... التفكير وهو بعيد عنه ينحرني، شلون لو كان بجنبي؟
عقلها أصر على الطلاق كما قلبها المتعلق بمتعب.
وذاك من الجهة الأخرى يضع رأسه بين كفيه وهو يشعر أن الصداع يلتهمه، من أين عساه تحمل كل تلك المصائب التي تندفع على رأسه دفعةً واحدة ... في الغد سند، واليوم أسيل .... ودائمًا متعب.
آه من كان يصدق أن كل ما يحدث معه من مشاكل وكل ما يوجعه ويقلقه ويغضبه حاليًا يجب أن يتعلق بأكثر شخصٍ تعلق به، بالشخص الذي كان معلمه وأستاذه. سند واستطاع لوي ذراعه بمتعب، وأسيل ترفضه لأجل متعب، والصداع الذي لا يترك مرافقته تولد بعد أن حلت المصائب على متعب قبل وفاته بأشهر ... يريد أن يفهم للآن كيف؟ كيف كانت الممنوعات تسري في دمه دون أن يدرك؟ كيف كان يُحقن دون أن ينتبه ... وأدهم ذاك ما علاقته، ما علاقته؟؟؟
وقف بقلة حيلة وهو يتجه لأحد أدراج التسريحة المُغلقة بمفتاحٍ لا يحمله سواه، ليفتحه ويخرج أوراقًا تخص حالة متعب المرضية وأخرى تثبت جريان المخدرات في دمه. أسماء بعض الأطباء الذين قابلهم وآخرين لهم علاقةٌ به، كلهم يعرفهم بشكل عابر، عدا أدهم ذاك الذي لا يعرف شكله أو صوته حتى، لا يعلم سوى اسمه الثلاثي ( أدهم عبدالله السامي )
عاد بالأوراق التي تحمل أسماء الأطباء الذين واجهموا متعب في حياته ليجلس على السرير ويبدأ بقراءة الأسماء اسمًا اسمًا، لعله يجد أحدهم غريبًا عليه ولم يبحث عن تفاصيله كاملة.
فالإحتمال الأكبر أنه كان يتلقى الجرعات من طبيب حتى يكون غافلًا.
،
صوت ضحكاتٍ رجولية تصدح في الأرجاء وصاحبها يضع رجلًا على أخرى يغرق في ضحكاته الساخرة، حرك كوب عصيره الفارغ في الهواء بسخرية موجهًا حديثه للواقف أمامه : اتركنا من سالفة الصلاة ... قال ما أعرف أصلي قال .... يا اخي هذا شيء بيني وبين ربي مالك دخل فيه
الآخر وهو يميل ناحيته ليصب له من عصير البرتقال الطازج، ورغمًا عنه يضحك بسخريةٍ مماثلة : خلك واقعي بوعبدالله ... ترا ماقد شفناك قدامنا تصلي ... اعترف اعترف ترا كنت أسويها قبلك وربي هداني
أدهم بسخريته المعتادة وهو يريح جسده جانبًا عبر مرفقه المُستند به على يد الأريكة : احلف ... لا بالله احلف .... ولا بعد تضحك وماخذ الموضوع مهزلة كأنه موضوع روحه للحمام ماهو بصلاة ... يا عمي ماهو بالضرورة تشوفني أصلي قدامك
رفع رفيقه حاجبه وهو بالفعل يشك في كون أدهم لا يعرف الصلاة فهو الذي لم يره يومًا يصلي معه، أو ربما هو الذي لا يحافظ على صلواته جيدًا حتى يرى الجميع مثله؟؟
أدهم بتقززٍ وضع الكوب على الطاولة أمامه بينما بعضًا من رفقائه يضحكون، دائمًا ما يحاول رفيقهم المدعو خالد إحراجه بشأن الصلاة وغيره وغيره، لكن أدهم بأسلوبه الساخر والغير مبالي دائمًا ما يعكس الطاولة ويقلب الأمور لصالحه ليجعل خالد هو المُحرج.
أدهم يكمل بتقرف واستهزاء : وبعدين يا أخ مُتدين ... أظن إن شخص مثلك مُلم بالدين لازم يعرف إن الثوب الطويل حرام و * بسخريةٍ لاغة * للنســـــاء
ارتفعت درجة حرارة دم خالد وهو ينقض عليه لتسقط الطاولة ويسقط معها الكوب حتى يتحول لشظايا. بينما وقف الباقون من المتواجدين والذي كان عددهم يزيد عن عشرةٍ ينظرون بحماسٍ لما يحصل أمامهم ... وقانونهم المتعارف ( لا أحد يتدخل بين رجلين في شجار )
ضحك أدهم بسخرية وهو يشعر بقبضة خالد الملتفة على عنقه : تبي تتحداني في نزال رجولي!! ... انت؟ لا جد انت اللي تبي تتحداني والا تمزح
خالد بغضب : لا تستفزني يا أدهم
رفع أدهم يديه في وضعية الإستسلام بعبثٍ يدركه خالد جيدًا : لا تكفى خلاص أستسلم .... بليييييز لا تخوفني
ارفعت قبضة خالد الأخرى لتسقط على وجه أدهم بقوةٍ أدارت رأسه وجعلت انفه وفمه ينزفان، فابتسم بسخرية وهو يعيد إدارة رأسه نحو خالد، وجسده لازال للآن مُستريحًا على الأريكة الجلدية بينما خالد يقف وقبضةٌ تعانق عنق أدهم وأخرى مشدودةٍ قرب وجهه.
خالد بتهديد : لا تختبر صبري يا أدهم تراك منت بقده
أدهم بخبث : لا جد تهديدك يخوف ... * ثم بجديةٍ ووعيد أكمل * بس مو علي، على حد بمستواك وأقل ... هذا إذا فيه أقل
في لحظاتٍ كان قد بصق دمه القليل في فمه بوجه خالد ثم رفع قدمه اليُسرى ليركله بقوةٍ على بطنه، فتراجع خالد مُخلصًا عنق أدهم من قبضته مُنحنيًا للأمام من الألم.
أمسكه أدهم من كتفه بقهرٍ تولد دون تحضيرٍ سابق، ليس السبب خالد ولا كلماته ولا محاولات استفزازه الغير مُجدية. قهره كان لسببٍ آخر خُفي في قلبه جعله ينهال على من أمامه بالضرب دون رحمة، دون أن يرف له جفن أو يفكر مجرد تفكير ... أنه لربما قد يقتله دون سببٍ مقنع.
,
في الثامنة صباحًا
تحرك رأسها يمينًا وشمالًا تتبع جسدها الذي كان يتحرك في الغرفة ذهابًا وإيابًا, تريد أن تناديها, تريد منها أن تنظر إليها, لكنّ لسانها كان لاينطق بينما شفتيها تتحركان, وجسدها مُقيدٌ بشدة في السرير. وتلك, تمشي بعينين ميتتين, وجسدٍ بلا ظل! لا تفعل شيئًا تحديدًا فقط تمشى دون هدف. تساقطت دموعها وهي تحاول إخراج صوتٍ لها, لكنها لم تقدر. أنظري إلي, أرجوكِ أمي أنظري إلي, إشتقتك, إشتقت النظر إلى ملامحك أفلم تشتاقي أنتِ؟ إنظري إلي, أرجوكِ أنظري إلي.
وكأنما سمعت رجاءها الداخلي لها, استدارت ببطءٍ دون أن ترفع وجهها الذي كان مُغطي بخصلاتٍ كثيفة من شعرها, فتساقطت دموعها تباعًا وتباعًا تريد أن تصرخ
“ اشتقـــت لك يُـــــــمه “
لكن الكلمات ضاعت واختفت برفض صوتها للتحرر, ضاعت من فكرها أيضًا حين ارتفع رأس تلك التي كانت أمها, لا ليست أمها! بل هي, هي ...
هذه المرة تحرر صوتها لتصرخ ذُعرًا, فانتفضت جالسةً ترتعش بخوف, ورأسها هذه المرة كان يبحث عن تلك المحروق وجهها بخوف, لكنها اختفت, وتجلت دموعها خوفأ بينما أرجوان اندفعت من سريرها إليها بخوفٍ هي أيضًا من صرخة أُختها والذعر المرتسم على ملامحها : بسم الله عليك .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بكت جيهان بخوف وهي تتمسك بأختها, بينما ليان خرجت فزعةً تُنادي والدها
جيهان بذعر : محروق ... محروق .... وجهها محروق
احتضنتها أرجوان وهي تمسح على شعرها وتلقي بعض آيات القرآن عليها, وفي لحظاتٍ كان يوسف يدخل الغرفة مذعورًا من بكاء ليان التي كانت تلقي بكلماتٍ لا تعلم هي معناها الفعلي. علم منها فقط أن جيهان كانت تصرخ وتبكي. هتف بسرعةٍ وهي يرى جيهان تبكي في حضن أختها : وش صار؟
حركت أرجوان رأسها يمينًا وشمالًا ثم هتفت : شايفة كابوس بمنامها
اقترب يوسف ليتلقف جيهان ويحتضنها هامسًا : بسم الله عليك, ربي أعوذ ابنتي بك من همزات الشيطان وأن يحضرون
بقي يقرأ عليها وأرجوان تقف ودموعها تداعب رموشها, حتى هدأت جيهان ليتحول بكاؤها لنشيجٍ خافت
همس يوسف بعد أن قرأ عليها المعوذات : خلاص اهدي ... مجرد كابوس وانتهى
بعينين ضائعتين نظرت إليه يُخالجها بعض الأسى والعتب : زوجتك صارت كابوس!
قطب جبينه لتُردف قبل أن يرد : شفتها يبه ... وجهها كان محروق, مُرعب
تعوذ من الشيطان ثمّ مسح على ملامحه ليهمس : من الشيطان يافرحة أبوك ... من الشيطان
دون كلمةٍ منها تحولت نظراتها لجزع, ثم ابتعدت عنه لتنزل عن سريرها وتتجه للحمام بصمت, و للآن لازالت تجد صعوبةً في التحدث معه, تشعر بالذنب إن تحدثت معه, ومنذ متى صار برّ الوالدين ذنب؟
بينما يوسف نظر لأرجوان ليتنهد : ارجعي نامي يبه ... أنا بطلع ولا تهتمي لتحضير الفطور, بجيب معي
وقبل أن ترد أرجوان, كان هو قد ابتعد وفي طريقه كانت ليان تقف ونظرات الإستنكار تعلو ملامحها, ليقف أمامها ثمّ انحنى يقبل وجنتها بابتسامةٍ حنونه : لا تتعبي أختك بشقائك
أومات دون كلمة فخرج هو دون كلمةٍ أيضًا, لتزفر أرجوان الهواء بارهاقٍ من هذا الحال, إلى متى سيبقى حالهم هكذا؟ المشكلة أن السبب في كل ما يحدث ليس جيهان فقط, حتى والدها, هو أيضًا تغير ولا يريد الإيضاح, لكنها ترى الحزن واليأس في عينيه وإن مثل عكس ذلك.
أفاقت على صوت جيهان التي هتفت بذبولٍ من خلفها : ممكن تساعديني ... شعري عالق بزر القميص
استدارت إليها دون تعبير, لمَ كل تلك الرسمية الآن؟ : ومن متى كان بيننا رسميات
لم ترد, فتأفأفت أرجوان وهي تقترب, في العادة جيهان ستتراجع وترفض مساعدتها بعد ان تأفأفت, هي لا تحب أن يعمل أحدٌ لها شيئًا مُقتضبًا, لكنها الآن لم تعارض, وكانها أصبحت مُتبلدةً لا تهتم لشيء!!
,
تقف أمام المرآة تتأمل ملامحها السمراء والفاتنة, عينيها العسليتين كانت ترسل نظرات ثقة وأنفها الطويل ارتفع بشموخ : يبون يقيدوني بهالزواج! اي ما عليه, أنا غزل مو حيا الله. وهذا السلطان شغله على ايدي ..... هه, قال يتزوج غزل قال
فُتح الباب لتستدير بسرعةٍ وعينين مُتسعتين على الداخل, والتي كانت أمها. صدّت عنها ثم اتجهت بصمتٍ لسريرها, بينما جلست أمها على طرف السرير لتسألها بإيجاز : جهزتي أغراضك؟
غزل بملل : جهزته الخدامة
أمها ببرود : العصر تكون كل أمورك جاهزة ... ما ودنا نتاخر عليه
لم ترد وهي تُديرها ظهرها, فأردفت أمها بغلّ : منو بشهامة الأستاذ سلطان اللي بيستر على فضيحتك
أيضًا لم ترد, ستتجاهلهم تمامًا, جميعهم. أكملت أمها بضيق : سنة تكفي ... وبعدها عادي يطلقك, زين منه يستر عليك فترة ماعليها, ومو من حقنا نقيده فترة أطول
أغمضت عينيها وتلحفت, تُخبرها بهذه الحركة أنها لا تريد سماع المزيد, فاشتعلت نيران أمها ثم بدأت بطقسها المعتاد في كل صباحٍ من بعد تلك الفضيحة, وهو ضربها دون رحمة, وهي بتبلدٍ وشموخ لا تصرخ ولا تسقط منها دمعةً واحدة.
,
بصمتٍ ارتفعت أنظاره لوالده, أيعقل أن يُفكر بالرفض؟ .. هذا ما فكرت به أمه فرحةً وهي ترى صمته الذي طال, بينما كانت قبل لحظاتٍ ترسل له نظراتٍ محذرة من الموافقة, لكنّ فرحتها ماتت قبل أن ترى النور بعد أن هدر : وأنا أقدر أرفضها؟
اتسعت ابتسامة والده, وهو صدّ بنظراته عن أمه التي كانت تنظر إليه بصدمةٍ يُخالطها الغضب. ما الذي سيقوله؟ أكانت تتوقع منه الرفض؟ هو يحمّل نفسه خطأ وقوع إلين في شكوك والدته ونظرتها الجديدة لها, كما أنه حقًا يتمنى لإلين السعادة ولا يُعيب كونها يتيمةً مجهولة الأصل, تكفي أخلاقها ليوافق دون النظر لجوانب الموضوع حتى.
بينما والده امتدت يده ليريحها على كتفه بابتسامةٍ فرحة لابنه وابنته : ألف مبروك, والله يكتب في زواجكم الخير
ابتسم له ثمّ تقدم ليُقبل رأسه : أكيد فيها الخير ... هذي تربيتك مو حيا الله
انسحبت والدته ببطءٍ من الغرفة, دون أن يلاحظاها فورًا, كانت ستتجه لغرفة إلين, ستصرخ في وجهها وتأمرها بالرفض, لكن صوت زوجها الآمر برقةٍ أوقفها : نادي إلين أبي أتكلم معها بالموضوع
أغمضت عينيها بقوةٍ وشدت على قبضتيها, الأمور تتسرب من يديها أكثر واكثر, كانت متهورةً منذ البداية, والآن هاهي تدفع ثمن تهورها. اتجهت بسرعةٍ إلى غرفتها, ثم بانفعالٍ دفعت الباب لتنتفض إلين التي كانت تُسرح شعرها, ثم نظرت إليها بارتباكٍ لتهمس : خير يمه وش فيك؟
أم ياسر بغضب : عبدالله يبي يكلمك في موضوع
وقفت بهدوءٍ وملامح مُتسائلة, فهمست هالة من بين أسنانها : يا ويلك توافقين ... يا ويلك
لم تفهمها ولم تجد فرصةً لسؤالها, فهي خرجت لتُطبق الباب بقوةٍ ويصدح صوته في غرفتها, فازدردت ريقها ثم ارتدت عباءتها ولفت الطرحة حول رأسها, لتخرج من بعدها وهي تردد الأذكار في نفسها, لا تعلم لمَ تشعر بكل هذا الخوف وأن عاصفةً ستحل عليها, ومن جهةٍ أخرى وضعت في حساباتها أن أم ياسر أعلمت زوجها بما رأته يومذاك, ومن الطبيعي أنه سيغضب وسيرى أنها المسؤولية وأنها من أرخصت نفسها لتسمح له بالتمادي معها, هي لا تعلم تحديدًا ما الذي وصل أم ياسر من حديثٍ عنها, وتُيقن انه من رانيا. واليوم تحديدًا, يجب أن تتصل بها وتعلم كل شيء, لن تستطيع السكوت عن ظنونها لوقتٍ أطول!
ما إن وصلت للغرفة التي كانوا بها ورأت ياسر حتى أخفضت رأسها بحرج, وكانها فعلت جريمة, علم أن هناك ماضٍ أسود في حياتها, بالتأكيد سيبقى يفكر ويظنّ بها سوءً.
لم تتغير نظرات الثقة التي كانت مُنبثقة من عيني ياسر بينما حاول تحاشي النظر إلى أمه قدر المُستطاع. وهي وقفت أمام عبدالله الجالس تفصل بينهما بضع خطوات : وش تبي مني يبه؟
ابتسم لها بحنانٍ وهو الذي يريد يومًا أن يمسح نظرات الإنكسار والضعف الدائمة في عينيها بيديه, يريد أن يشعرها بأنها ابنته حقًا, لكن ذلك لن يتم إلا بعد أن تتزوج ابنه وتتحرر من حرمتها عليهم جميعًا. همس لها بحنان : اجلسي يبه ودي أكلمك في موضوع يخصك انتِ وياسر
قُبض قلبها بخوف, لكن لمَ يُحدثها بكل هذا الحنان؟ لو أن ام ياسر تحدثت معه حقًا بما حصل فلن يكون بكل تلك “ الرواقة “
ابتلعت ريقها والأمور تتشابك أكثر وأكثر في عقلها لتجلس دون كلمةٍ على إحدى المقاعد المُفردة, ثمّ بدأ عبدالله بالإسترسال في الحديث : اليوم حاب اتكلم معك بموضوع من زمان يدور في بالي ... ودام إن الكل ما عنده مشكلة بقي بس كلمة الموافقة منك
توجست وكلمات أم ياسر تدور في بالها : عن أي موضوع؟
عبدالله دون مقدمات : اليوم أنا حاب أخطبك لولدي على سنة الله ورسوله
جُفلت ولم يبقى أمامها سواه, شفتيه تتحركان بكلماتٍ لم تعيها, ما الذي يقوله؟ تتزوج ياسر؟ تتزوج من أحبته سنين وسنين؟ أحقًا هي سمعت ذلك أم أن عقلها اصطنع ما سمعته لشدة شغفها به, أهي مُثيرةٌ للشفقة لهذه الدرجة حتى لنفسها التي بدأت بتوهم أمورٍ لم تحدث ولن تحدث؟
أن تتزوج ياسر! ربما ذلك ليس حتى من أحلامها، هي لم تتجرأ يومًا بالتمادي في منامها حتى ترى نفسها - هي وياسر - تحت سقفٍ واحد. هي ليست سوى أنثى - ناقصة - أحبت بعمقٍ وصدق، ولم ترد لحبها سوى الإنصاف، والإنصاف لم يكن يومًا إلا بالبعد.
أنا التي خطت النصوص وبنت القوافي فيه وحده دون سواه، أنا التي تمنيت حبه ولم تتمادى لتتمناه، وأنا التي تهدل قلبها من علاقاتٍ تداعت بسبب ذاك الحُب، فهل يحصد المرء يومًا ثمار مالم يزرعه؟ أأحصد الزواج به وأنا التي لم ترمي إليه حقيقةً؟
بقيت صامتةً وعيناها تنظران في الفراغ, بينما صمت عبدالله وهو ينتظر إجابتها والموافقة التي لا يتوقع عكسها بتاتًا. من المستحيل أن ترفض, هذا ماكان يفكر به كما ياسر الذي لم تزل نظراته الواثقة, وهل يوجد لديها مجالٌ لترفض ما كانت ترمي إليه من قبل؟ .. بينما هذه هي الفكرة التي طرأت على هالة تحديدًا .. الجميع يتوقع موافقتها, الجميع يراها مُثيرةً للشفقة لدرجة أن تزجّ بنفسها في أول زواجٍ يأتيها على طبقٍ من ذهب. للأسف لا ينكرون أنهم فكروا بذلك وإن كانت ذا مكانةٍ بينهم, لكن مكانتها في المجتمع أوجب عليهم التفكير بهذا الشكل.
أردف عبدالله بعد أن طال صمتها : وش قلتي يا إلين
وهي الآن تستفيق مما كانت به, إذن ما يحدث ليس وهمًا, ليس حُلمًا, يريدون أن يزوجوها له؟؟
ابتلعت ريقها ثم ابتدأت سحابات الدموع بالتجلي على عينيها, كل ما يحدث حقيقةً كما نظراتهم الواثقة كذلك والتي كسرتها بعنف، حطمتها لشظايا، أراقت على قلبها حممًا لتشعر بأن أسيدًا ينصب عليه, يعلمون الجواب مُسبقًا, ستوافق بالتأكيد, ستوافق
همست أخيرًا بعد أن استرقت نظراتها على الجميع وأولهم هالة, بصوتٍ مكسورٍ مُرهق : آسفة يبه .. بس ما أبي أتزوج !!!!
,
شعرت بملمسٍ خشن لأنامل رجوليةٍ تتمرر برقةٍ على وجنتها، وعلمت من هو الشخص ذو الرائحة الرجولية الخاصة، لا أحد سواه، من نام البارحة في الصالة من شدة قهره، ومن تمنت رغمًا عنها لو أنها لم تغضبه ليبتعد.
شيءٌ ما داخلها أمرها بالصمت وتصنع النوم، لمَ لا ترى بأي مشاعر سيواجهها وهي غائبة، ولطالما فعلتها مرارًا وتصنعت النوم لتستمع لمشاعره الحقيقية وقلبها يصنع أملًا يائسًا أنه لربما كان يكن لها مشاعر خاصةٌ يخفيها، لكنه دائمًا ما كان يحتفظ بصمته وهو يتأملها، أو يكتشف تمثيلتها عليه.
وهو من الجهة الأخرى يتأمل ملامحها العذبة، حقيقةً لا مجال للمقارنة بينها وبين زوجته السابقة ( بثينة ). فبثينة أجمل وأجمل بكثير، بينما هي كانت ذا ملامح ناعمةٍ جذابة ليست خارقة الجمال، لكنها تبقى ملامح أنثوية يغطيها الضعف الذي بات يحبه بها.
انحنى نحوها قليلًا وهو يشعر بالقهر مما حدث البارحة، ليهتف : ما عرفنا لكم يالحريم ... الرحمة وخلتكم تتمردون ... والشدة من صوب ثاني تحسسكم بالإهانه عشان يقوم عندكم عرق الكبرياء
غرقت في قهرها، أهذا حديثٌ يقوله رجلٌ لزوجته وهي نائمة “ معقد معقد معقد ... اليوم تأكدت إن ما عندك مشاعر و لا تعرف للغزل “
كشرت رغمًا عنها لينتبه هو لملامحها، ورغمًا عنه ابتسم بمكر، ثم رفع إصبعه بعبث ليضعها فوق جفنها حتى يسحبه للأعلى، وتلك صُدمت من حركته العابثة لتغلقها بسرعةٍ ما إن شعرت بالجفاف من الهواء
ضحك سيف : عشان تحرمين مرة ثانية تمثلين علي
جلست لتنظر إليه بغضب، بينما هو يبتسم بتشفي ومن قهرها من تلك الإبتسامة أخذت الوسادة لترميها في وجهه ثم نهضت لتتجه للحمام.
ضحك وهو يضع الوسادة جانبًا ليخرج، وهو يعلم أنها الآن ستأخذ وقتًا لتستحم، بينما قد صلت الفجر منذ زمن وفي وقت الصلاة فهو يعرف أنها توقت المنبه لتنهض وقت الصلاة وتُيقظه، لكنه كان وقتها غير نائم من قهره وقد اتجه للمسجد منذ مدة. ليعود حتى يجدها نائمة بعد أن صلت أو تتصنع النوم، وينام هو لثلاث ساعاتٍ تقريبًا في الصالة من قهره وعدم رغبته في النوم معها بعد أن قهره وجرحه نفورها.
بعد ساعة
كانت ديما تخرج من الحمام بالروب ومنشفةٌ تجفف بها شعرها، بينما لم تسمع صوتًا يدل على وجود سيف فتوقعت أنه قد خرج.
لم تهتم وهي إلى الآن تشعر بالقهر منه، لبست ملابسها التي كانت عبارةً عن ثوبٍ طويلٍ ليموني ناعم تناسب مع لون بشرتها، ثم اتجهت للمرآة لتصفف شعرها ترفعه بشكل “ شنيون “ ووضعت بعض مساحيق التجميل على وجهها بشكلٍ ناعم. ومن ثم اتجهت للسرير بعد أن تناولت مصحفها من على الرفّ المخصص للمصاحف وكُتبِ تفسير القرآن، وفي العادة يكون هذا وقت قراءتها للقرآن بما أنها غالبًا ما تعود للنوم بعد صلاة الفجر ولا يدعها النوم تقرأ للشروق.
جلست على السرير وبدأت بالقراءة، وبعد لحظاتٍ دخل سيف ليراها تقرأ بصوتٍ لم يسمعه، وهي من الجهة المقابلة استيقظ شيطانها لتنتقم فور شعورها بدخوله، وذلك برفع صوتها بقراءةِ آيةٍ هزت سكونه ( الذين يظاهرون منكم من نسائهم ماهن أمهاتهم، إن امهاتم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرًا من القول وزورًا )
لم تكن حقيقةً تقرأ في سورة المجادلة، لكنها رغبت ولو قليلًا بإشعاره بالذنب، هذا إن كان به ذرة إنسانية. بينما سيف غضب، بشدةٍ غضب. يا الله، هل أصبح القرآن يغضبه الآن؟؟ استغفر وهو يتجه إليها ليتناول المصحف من يدها ينظر إلى ما تقرأ وقد كان سورة يوسف.
نظر إليها وهو يرفع حاجبه، بينما هي تتظاهر بالبرود، ثم أغلق المصحف ليضعه جانبًا على الكومدينه ثم اقترب ليجلس بجانبها هامسًا : صرتِ تستخدمين القرآن عشان تهزيني؟؟
ديما ببراءة : ما قصدت ... بس طبيعي يهزك القرآن، إذا ماهزك كلام الله وش بيهزك؟
سيف وهو يحاول إخفاء غضبه، القرآن لطالما كان يجلب السكينة فلمَ يجعل غضبه الآن يسيطر عليه، هو أخطأ أولًا وأخيرًا لكنّ شعوره بآيةٍ نزلت في امرأة لتُنصف مع زوجها هزه، هزهُ بعنف إذ شعر أنه رجلٌ يعيش في زمن الجاهلية.
همس باضطراب : إلا كلام الله يا ديما ... لا تطلعيني بهالشكل الغاضب بسببها ... لا تحسسيني إن إيماني بكتاب الله ضعيف
لانت ملامحها لتشعر بالأسى عليه، لأول مرةٍ تراه بهذا الشكل، أيعقل أنها استطاعت هزيمته بالقرآن؟ ... لكنها في النهاية شعرت بالذنب، شعرت أنها مخلوقٌ خسيس حتى تهاجمه في إيمانه، إلا أنها لم تُظهر إنفعالاته وأفكارها لتهتف ببرودٍ ظاهري : يعني انت تشوف إيمانك كامل وانت سويت هالفعل الجاهلي؟
سيف بغضب وهذا الحديث عن ما حدث لا يروقه : ما راح نخلص من هالسالفة؟
نظرت إليه بغضبٍ مُماثل : خلص بالنسبة لك بس أنا للحين قاعد يشب نيران جواتي
تنهد ليقترب منها أكثر ثم أمسك بكتفيها بحزم : تذكري إن الآية نزلت في صحابية زوجها اللي ظاهرها صحابي ... فمن أكون أنا عشان الغلط ما يجاورني
ديما بعبرة : كان الحكم توه مانزل وهو جاهل فيه بس انت تدري وعارف معنى - الظهار -
أغمض عينيه، لا ينكر أن خطأه هذه المرة أكبر من أي مرةٍ أُخرى، أكبر حتى من كبريائه وغروره، لذا همس دون شعور : آسف
لم تستوعب، ما الذي قاله؟ هل اعتذر لها فعلًا أم أنها تتوهم؟ منذ متى وسيف يعتذر؟
تراجعت للخلف ودون شعورٍ رفعت كفيها لتطوق بهما وجهه، وبعبرةٍ غير مُصدقة : اعتـــذرت ... ولي أنـــــا!!
زمّ سيف شفتيه ليسحبها بشدةٍ حتى يُخفي رأسها في صدره : خلاص لا تصدقين روحك .... هالمرة الإعتذار عشاني تجاوزت حرمات ربي مو عشان وجهك!
ابتسمت رغمًا عنها رغم أنه لا يترك غروره وتكبره واعتزازه بكبريائه هذا : المهم انك اعتذرت .... ولي انا مَي
قالت الاسم الأخير بسخرية وتقزز، ليرفع هو حاجبه باسمًا : وعلى ذكر اسم مي ترا أمي كانت تسأل عنك من لحظات، ليه ما فطرتي معنا
ديما وهي تحاول أن تبتعد لتقابله وجهًا لوجه : سؤال غبي من واحد غبي ... كنت نايمة يا شاطر والا نسيت أو عقلك قافل
عض شفته بغضب ليُبعد رأسها عن صدره ينظر لعينيها بغضب : لا شكل الهدوء والتعامل معك بوداعة يخليك بكل بساطة تنسين نفسك .... يا مــــــــــي
ديما بعينين حارقتين من القهر : ديمــــــا
سيف وهو يرفع اصبه بأمرٍ سادي إلى فمه : اصصص ولا كلمة ... قلتها والله قلتها .. انتو يالحريم إذا ما شدينا عليكم تمردتوا
شعرت بالقهر وهي تنظر إليه يعينين دامعتين : ســــادي
ابتسم بثقة : وعشقك هالسادي
زمت شفتيها وارتبكت، ليس وقت الضعف الآن، يريد إضعافك فقط.
صدت عنه وهي تنوي المغادرة دون كلام، لكنه ما إن وقفت تنوي الإبتعاد حتى أمسك بكفها يعيدها بتشفي : على وين تونا ما خلصنا كلام .... لهالدرجة تستحين تطلقين مشاعرك الراقية تجاهي
ديما بقهر وهي تحاول جذب يدها منه : ابعد مين قال اني أحبك؟
سيف بابتسامةٍ واثقة : عيونك
انهارت لتجلس على السرير، لمَ يضعفها دائمًا بكلماتٍ بسيطة بهذا الشكل؟ أيعقل أن هذه الكلمات وحدها هي ما يضعفها؟ أم أن ثقته تشعرها بأنها لاشيء، لاشيء سوى مخلوقٍ ضعيف مُثيرٍ للشفقة.
اتسعت ابتسامته وهو يراها تجلس بجانبه تنظر لحجرها بأسى، وبمكرٍ مد يده ليلامس فكها، ثم رفع الثانية ليطوق وجهها يديرها إليه، ليضحك بشيءٍ من السخرية حين أغمضت عينيها لا تريد مواجهته.
سيف بثقة : تستحين والا ضعفك مخليك ماتقدرين تطالعيني؟
سقطت دموعها من القهر والذل، بينما هو تجمدت ابتسامته للحظات لكن سرعان ما تصرف بطبيعيةٍ وهو يمسح دموعها بابهاميه، ليصله صوتها المُنكسر : اعرف يا سيف ... اني ما أؤمن بفلسفة تقول بما معناها ( الحب الحقيقي لا يمكن يموت )
أردفت وهي تفتح عينيها المُنكسرتين لتواجه وجهه الجامد : لا تأمن على حبي لأن ساديتك ممكن يذبحه
اقترب منها ببطءٍ وجمود ملامحه لم تتغير بكلامها، ليُعانقها وشفتيه انفرجتا عن كلماتٍ هامسةٍ قرب أذنها أضعفتها أكثر : معي أنا حبك لي ما يمكن يموت ... لأني في اللحظة اللي أحس فيها ان حبل حبك لي انرخى ... أقدر بكل بساطة أشده
تعلم ما يقصد، تعلم جيدًا، قليلٌ من حنانه، وبضعَ كلماتٍ تذيبها به وفيه، والقليل من لمساته .... تعيد الروح وتجدد حبه مرارًا ومرارًا فيها. لكن إلى متى؟ إلى متى يا سيف؟
,
صمتوا مشدوهين, أيعقل أن ما سمعوه صحيح، أم أنهم من جهةٍ أخرى أصبحوا يتوهمون أيضًا. بينما وقفت هي بهدوء لتهتف، وكل تفكيرها ليس خوفًا من أمه بل لا تريد ظلمه بزواجٍ كهذا : عمري ما فكرت بالزواج .. ولا بفكر فيه .... ياسر يستحق وحدة أفضل مني، ماهي أنا .... * ثم بابتسامةٍ منكسرة أردفت * اعذروني كان خيبت ظنكم
ثمّ دون كلمةٍ أخرى انسحبت، لتجد هديل واقفةً عند الباب تستمع، وملامحها يُسدلها الراحة، بالتأكيد من عدم موافقتها، فمن ترضى على أخيها بفتاةٍ مثلها!
ابتسمت لها بفتورٍ ثم اتجهت لغرفتها، وفور وصولها أغلقت الباب بالمفتاح كي لا يفكر أحدٌ بالدخول، تريد أن تختلي بنفسها ودموعها فقط!
اندفعت للسرير لترمي بثقلها عليه، وهنا ارتفع نحيبها ... منذ لحظاتٍ كان حُبها له سيتوج بالزواج، منذ لحظاتٍ كانت السعادة ستحل على قلبها، ومنذ لحظاتٍ فقط ... كُسرت بشكلٍ أعنف لنظراتهم.
زمت شفتيها تهمس بألم : يستحق أفضل مني ... ما أستاهله، ما أستاهله
بينما خارجًا كانت هديل تقف عند الباب بتردد, تريد أن تُطرق الباب وتدخل، لكنها عدلت عن ذلك, تسمع نحيبًا خافتًا حزينًا. لا تنكر أنها لم يعجبها قرار والدها، رغمًا عنها فكرت بأفضل منه، رغمًا عنها شعرت أن ياسر كثيرٌ عليها.
ابتلعت ريقها وهي تشتم أفكارها، لمَ فكرت بهذا الشكل وهما كالأختين ومنذ فتحت عينيها على الدنيا كانت أمامها؟
بينما في الأسفل
ظهرت معالم الراحة على وجه هالة والوجوم على وجه عبدالله، بينما ياسر ظلّ ثابت النظرات التي وجهها إلى أمه, هي لم ترفض بإرادتها, بالتأكيد السبب أمه، هكذا فكر وهكذا أقنع عقله.
وقف بهدوءٍ ليهتف لوالده المستاء : حاولوا فيها أكيد مترددة
عبدالله بجزع : دامها ما تبي ماني جابرها
ياسر : حاول فيها يبه ... حاول
ثم دون كلمةٍ خرج وعيني أمه الممتعضة تتبعه، بينما عبدالله وجه كلامه لها : تكلمي معها يا هالة ... ممكن تسمع لك إنتِ
هالة ببساطة : دامها ما تبيه ليه أحاول أقنعها
عبدالله وكلامها لا يعجبه، يستشعر الرفض من قبلها ولا يريد تصديق ذلك : تحاولين فيها الحين رضيتي أو لا
وبعد أن رمى كلماته تلك خرج. ليتركها وراه تشتعل، هذا الزواج يجب أن لا يتم. وهي من ستتكلف بذلك.
,
جلست بجانب عناد بعد أن استدعاها، وكل ما تتوقعه أنه سيستفسر كما قال سابقًا عن أسماء صديقاتها، لكنها شعرت بالتوتر رغمًا عنها وهي تعلم أنه قد حذرها سابقًا ممن تسمى سارة.
عناد بحنان : كيفك الحين؟
غيداء بتوتر : كويسة
ابتسم : ليه التوتر الحين؟ خايفة مني؟
هزت رأسها بالرفض فرفع كفه ليريحه على شعرها : أبيك تحكين معي بحرية، لا تخافين مني ... مو قلت لك من قبل اني واقف معي بكل الحالات!
هزت رأسها بالإيجاب لتهمس : والله ماني خايفة منك ... بس، بس أحس بخجل لأني خالفت كلامك
استغرب ليقطب جبينه : في وشو؟
غيداء بارتباك بعد أن ابتلعت ريقها، وببراءة : انت مو قلت لي من قبل ابعد عن بنت القاضي اللي أكبر مني ... بس أنا رجعت أتكلم وياها * ثم اندفعت برجاء * آسفـة والله آسفة، عارفة إني غبية وطفلة ما أسمع الكلام بس ما كنت أقصد أعصيك
اقترب حاجباه من بعضهما بضيق، أيعقل أنها أدركت كل شيءٍ من تلك الفتاة المُتحررة؟ شعر بالتقزز منها ثم بصوتٍ خرج عاتبًا وبه القليل من الغضب : ليه ما تسمعين الكلام؟ ... قولي لي بس وش هي ترست فيه راسك؟
غيداء بحرج : خلاص أنا ماني مصدقتها
عناد بحدة : لا تلتجئين لأحد غريب ماهو محل ثقة ... تكلمي لي أنا ... فضفضي وأنا بسمعك، لا تخلين في قلبك شيء وأنا قدامك بكون الطبيب قبل الأخ
غيداء بنظراتٍ خجلة : ماعندي شيء أقوله
ابتسم بحنانٍ ليمسح على رأسها : المهم إذا حسيتي إنك تبين تتكلمين احكي لي وفضفضي، وأوعدك ما أقول شيء وأكون متفهم .... والا ماني أقرب لك من بنت القاضي؟
غيداء : لا والله أقرب وأقرب حتى من روحي
عناد بابتسامة : أجل اثبتي هالكلام ولا تخبين عني شيء مرة ثانية، إذا حسيتي بالضيق حرري شحناتك قدامي ... أو اكتبي كل اللي يضايقك في دفتر ... هذا بيساعدك كثير على تفريغ اللي داخلك
أومأت برأسها لينزل يده بابتسامة، ثم قبل جبينها بحنانٍ ليهمس : والحين ذاكري دروسك من بدري لاني بطلعك معي بعد العصر
انفرجت شفتيها عن ابتسامةٍ فرِحَة : مشكووووور يا أحلى أخ
,
جرّ خطواته لغرفته ببطء والبيت يعيش في سكونٍ موجع كما العادة، والده في الأعلى بالتأكيد نائمٌ أو ربما لم يعد للمنزل بعد. ما هذه الحال المُزرية؟ .. من ذا الذي قد يعتاد الوحدة والسكون؟ من ذا الذي قد يجرّ خطواته بأريحيةٍ وطاعةٍ مُخزية للظلام المخيم على روحه وجسده في مكانٍ موحشٍ أشبه بجُحرٍ غادره سكانه؟
زفر بضيقٍ وهو يجر جسده المُغطى بثوبٍ مُزري بعد أن تقطع وقت شجاره مع المدعو خالد، لربما لو أن رفاقه لم يتدخلوا في آخر لحظةٍ حين شعروا أنه ليس واعيًا لكان قتله من قهره الذي تولد دون أن يكون هو السبب حقيقةً.
مسح بظاهر كفه على عينيه الحادتين ثم اتجه لغرفته، وهناك في عالمه الخاص الذي تغطيه الألوان الرجولية المُعتمة والصفات التي لا تليق إلا بشخصيته هو، رمى بجسده الضخم على سريره ليهتز من انفعال سقوطه، ثم عض شفته بقوةٍ وبقهر.
أدهم بغلّ : أبي أفرغ اللي داخلــي بس كيف؟ كيف؟
صورةٌ واحدةٌ تجلت في عقله، صورة تلك الفاتنة البريئــة! متى سيحصل عليها متى؟ هي الشخص الوحيد الذي قد يفرغ بها كل الغضب الذي يجتاحه، هي الشخص الوحيد الذي قد ينتشل ضيقه حتى ينتشي بعيدًا عن الوحدة والقهر الذي يلازمه.
ضحك فجأةً بسخرية : متى بتجين؟ متى يا أختــــي!!!
.
.
.
كونوا في الحياة كطيرٍ يرفرف بجناحيه دون ملل أو كلل
حتى لا يسقـــــط وقت يصيبه التعب ويقف
انتهى
ودمتم بخير / كَيــدْ !