لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (2) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-11-16, 01:36 AM   المشاركة رقم: 481
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2013
العضوية: 254562
المشاركات: 501
الجنس أنثى
معدل التقييم: الشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 867

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الشجية غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشجية المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: حيزبون الجحيم / بقلمي

 
دعوه لزيارة موضوعي














الجحيـــم


(84)


** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **













تقدمت الخطوات و تقلصت المسافات امتدت الأذرع و ضُمت الأجساد
في عناقٍ طائل , وشوقٍ حافل
في حكايةِ مزنة و هزاع
في أُخوةٍ أضناها الشوق للاجتماع
في كلماتٍ و تمتمات ما بين الحمد و اللاتصديق
تقول حلم فأقول لها ما أنا بحلمٍ يا مزنة
فتمتدُ يديها و تحتضنُ وجهي بين كفوفها و تبكي و هي تقول حقيقة
فتخرجُ دمعة بين سيل الدموع المحبوسة في المحاجر و تشق الطريقَ بيديها الجعداء
تؤكدُ لها حقيقتي فيتسعُ ثغرها و تبزغُ أسنانها في ابتسامةٍ مشرقةٍ بهية .





***



حينما دخلتُ للمنزل فورَ دخولي وقعت عيناي على من تحملُ طفلاً بيديها مغطاةً بحجابها
العباءة التي كنتُ أمسكُ بأطرافِ كمها و أمشي بجوارها في حنايا القبيلة
عُشبة من كانت لي أُمًا أحببتها
ليُنتزعَ القناعُ عنها وتظهرُ بالسوء
تسلبُ مني يدي , طفولتي و أحلامي
عائلتي أبي و أخواتي
كانت تُعطيني ظهرها لم تنتبه لدخولي لأن الطفل الذي بيدها يبكي
كيف لها أن تدخلَ منزلاً أكون أنا فيه
كيفَ لها أن تختبِىء فيه و هيَ من سلبت أصلان مني و جعلت مني هزيمًا لا قوةَ له
كيف لها أن تكون على قيدِ الحياةِ حتى الآن
اقتربتُ منها بخطواتٍ سريعة و أنا لا أرى شيئًا سوى طفولتي المسلوبة
طفولتي الراحلة لاحقَ لكِ بالحياة
لا حقَ لكِ بالتنفس
سأسلبُ الحياةَ منكِ
سأكتمُ أنفاسكِ و أهديكِ للقبورِ ميْتة
سأسافرُ بكِ للوحشة لبيتٍ ضيقٍ تخترقهُ الديدان
يضمُ في جوانبهِ الجثث الهامدة والأجسام البالية، والعظام المتناثرة والأشلاء الممزقة
و الصديدَ و الهوام و الدماءَ في الفناء
اقتربتُ و الذي نفسي بيده لا أرى أمامي سوى الحقد
و لا أريدُ شيئًا أكثر مما فعلتِ بي
و الذي نفسي بيده قد أحببتكُ يومًا قدرَ حُبي لأمي
و قد أحببتكُ أكثر مما تستحقي
و قد رأيتُ أن
في يديكِ الحنو و الحنان
و في وجهك الحسنُ و الحسان
و في ثغرك السلو و السلوان
و ما كانت يديكِ إلا سكينًا سلبت مني يدي
و ما كان و جهكِ إلا طغيانًا سرق حياتي
و ما كان ثغركِ إلا كذبًا أدعى أنهُ أمي
فسلها يالله
ماذا صنع الهوامُ بيديها
عن اللحم المتآكل
و عن عفر الوجوه و تغير المحاسن
عن كسر الفقار و تمزيق الأشلاء
قد كنتُ تحت الأرض و أنا فوقها
و أريدُ أن أجعلَ منكِ ما كنتُ عليه
وقفتُ أمامها تمامًا فتراجعت أدراجها للخلف
ولكن حينما وقعت عينيها على يدي كأن الحياةَ توقفت هنا
هنا وفقط , تذكرت انها بذاتِ يوم بترت يدي سلبت طفولتي عائلتي و جُل أحلامي
تذكرت أن الله يراها , تذكرت أنها حية تُرزق و ما أنا بحي
و خرج اسمي هزيم الساحة من ثغرها كأعجوبة نسيتها منذُ زمن لكنها لازالت بقيدِ الحياة : هـ...زيـ...م !
تقدمتُ للأمامِ خطوة فتراجعت هيَ للخلفِ خطوة : لا , أصلان ماني بهزيم أنا أصلان ولد أصل الحكمي بدمه ولحمه و يده المبتورة يوقف قدامك يا عُشبة
نسيتيه يا يمه نسيتي هزيم و لا بقي حسرة في قلبك , هان عليك أناديك يمه و تسرقي مني أصلان هان عليك تخليني هزيم
أي قلب هذا إلي بجوفك ! متأكدة إنك بشر لك احساس ! كل هذا عشان فلوس حرام ! كل إلي دخل في بطنك دموع أم ثكلى ما هي بثكلى كل إلي دخل ببطنك وجع طفل يتيم ما هو بيتيم
كل إلي شربتيه نار تحرقك و كل إلي ذقتيه زقوم ينغزك , أي فرح عشتيه بالفلوس ما كان فرح كانت حسرة في قبرك و تعاسة في آخرتك
فضلتي دنيتك على الآخرة ظنيتي إنك ملكتِ الفانية و نسيتي الباقية , الباقية بتآخذ حقي منك
يدي المسلوبة تحسبت سنين حياتي على سارقها باترها و هذاني أقولها حسبي الله و نعم الوكيل فيك ما أسامحك و لا لأهة وحدة وجعتني , تظنين إني بقتلك و إنتِ قدامي لا ما هو ولد أصل
إلي يآخذ حياةَ الغير , عيشي يا عشبة و اتذكري الله فوق .
مشت ورائي و هي تنادي بصوتٍ مستنجدٍ باكي : هـ...زيم
و تنكرُ و لآخرِ وهلة أني أصلان
هل استيقظ ضميركِ يا عشبة !
لكن هيهات لقد تأخر كثيرًا
و وجعَ هزيم حفرَ ذاتهُ في قلبِ أصلان
فصار ذنبًا لا يُغفر
خرجتُ من المنزل و تركتُها تفترشُ بدموعها الأرض المقيتة التي خبأتها عني سنينًا عجاف و شهورًا معطوبة و أسابيعَ موجوعة و أيامًا قاحلة.



*


أن نرى من تقاسمنا معهُ عجفَ السنين و عطب الشهور و وجع الأسابيع و أيامه القاحلة ثانية بثانية
أن نراهُ حقيقة بعدما كان يزونا في الكابوس ألمًا و في الحلم طيفًا
روحي التي سافرت معكَ يا هزيم حيثُ كنت و تقاسمت جُل أوجاعك بكت لبكائكِ طفلاً
لا فراشَ يغطيك , و لا منزلاً يأويك , و لا صدرًا يحنُ عليك
بكت عليك عينًا تراك في خيالها الموجع بيدٍ واحدة تحاولُ أن تغتسل تحاولُ أن تآكل من زقومِ ما تعُطى و تشربَ من صديدِ ما تروى
بكت عليك طفلاً تجترُ ثوبك الطويل المدقع الذي يبقى معك سنينًا حتى يضيق فلا يتسع
ثوبًا تجرهُ في الأرض فتشهدُ الأرض عن يومٍ رثت عينيك بهما من أعينُ البشر المشفقة
من أصواتهم القذرة من أموالهم التي يرمونها عليكَ لتبتعدَ عنهم و ترتحل
بكت عليكَ من بطشٍ يدٍ تُمسكُ بياقةِ ثوبك و ترفعك للأعلى و هي تسألك بلسانٍ نزقٍ عن مالِ الحرام
بكت عليكَ يومًا لم تستطع بهِ جمع المبلغ المطلوب
ودعت لكَ أن يرزقك الله بأُناسٍ يغدقون عليكَ المال حتى لا تصاب ببطشٍ يدٍ لا ترحم
سألت حمدان التراجع و رجت منهُ القبول فضُربت و سُلبت منها كرامتها
عن أي مالٍ تسلني يا هزيم !
عن مالٍ ما ممدتُ يدي عليه
عن طعامٍ ما ابتلعتُ منهُ قط
و قد أرغمتُ عدة مرات على ابتلاعه و لكني أخرجتهُ من جوفي
فقد كانت نارًا تحرقُ معدتي
عن أي اجحافٍ و أنانية تسلني يا هزيم !
و عن أي قسوة !
قد قاسيتُ ما قاسيتهُ يا هزيم
و عشتُ تحت الأرضِ و أنا فوقها .







***



بعدَ صلاةِ العصر , عدتُ إلى المنزل و كما اعتقدت فتياتي يجلسن بالصالة في انتظارِ قدومي
و ما أن حللتُ عليهم حتى وقفن وخطون نحوي يُقبلن يدي و رأسي و يمشين بجواري حيثُ الكنب
أما هزيم فلم يكن معهن , صغيراتي حقًا لا أدري كيف لي أن أخبركن باضطراري للرحيل
و كيف ستتحملُ قلوبكن وقعَ الخبرِ و حدتهِ و سطوتهِ عليكن
جلستُ على الكنب و جلسن من حولي عن يمني عُطرة و عن يساري كلاً من عزوف و هوازن
ابتسمتُ لهن و طلبتُ منهن : نادوا هزيم , أبيكم في موضوع لكن مع بعض
فقالت هوازن : أنا بناديه
راحت هوازن لمناداتهِ , و تساءلت عُزوف بشيءٍ من الخوف : وش فيه ؟
مسحتُ على رأسها بلطف و بابتسامةٍ حانية : خير يا عين أبوك لا تخافي
فابتسمت و وضعت رأسها على كتفي
أقبل هزيم و من ورائه هوازن جلست هوازن حيثُ كانت بينما هزيم ألقى التحية فرددتُها كاملة
و أقبل نحوي يُقَبِلُ يدي و رأسي و يجلسُ مقابلاً لي
أشرتُ إلى هزيم : هزيم سندكم و عزوتكم من بعدي , أنا مضطر يا حبيبات أبوكم أسافر لمصر عشان موضوع أختكم
أبيكم تتفهموا و تقدروا وضعي و تحطوا في بالكم إن لأختكم حق و واجب علي لازم أقوم فيه , مثل ما إنتم لكم حقوقكم و واجباتكم أختكم مسجونة في مصر و وضعها صعب
لازم أسافر و أخفف عقوبتها و أطلب لها نقل للسعودية , أوعدكم إني بإذن الله ما بطول و بأقرب فرصة بكون عندكم
دفنت عُزوف رأسها بذراعي و أخذ جسدها ينتفض و كأنها تبكي تخاف أن أغيب قدرّ الغياب الراحل الطويل
تخاف أن تضيع السنين قدرَ ما ضاعت
أما هوازن فقد تجمدت بلا أي ردةِ فعل , بينما كان لعُطرة و هزيم ذات ردةِ الفعل بالثبات و تفهم الموقف
حيثُ نطق هزيم : تروح و ترد بالسلامة يبه
و تابعت عُطرة : و معاك أختي براءة بإذن الله
احتضنتُ عُزوف بقوة و أنا أضحك : يا حبيبة أبوك لا تبكي بإذن الله برجع لكم , ترى والله دموعك غالية و عزيزة ترضين توجعين قلب أبوك عليك , يلا يا روح أبوك وقفي بكي .
رفعت رأسها إليّ و بعينيها الدامعة خوفٌ مديد , مددتُ يدي نحوَ وجنتيها و محوتُ دموعها الشفافة بحنان : اهدي اهدي بالغالية .
و نظرتً إلى هوازن الساكنة بابتسامة : و هوازن قلب أبوها وش فيك يالغالية ؟
فابتسمت لي ابتسامة تحاولُ في طياتها أن تخفي خوفها و ذعرها
قامت عُطرة من مكانها و جلست بجوار هزيم و كأنها فهمت ما أدرتُ قوله
فأشرتُ لهوازن حتى تجلس بمكان عُطرة و يتسنى لي احتضانها عن يمني و عُزوف عن شمالي
فقامت و قعدت عن يمني و غمرت رأسها في كتفي مستنشقة رائحتي تختزنها في الذاكرة قبل الأنف .



***



قالت لي أمي أن بناتَ خالي يجلسن في الصالة و أن عليَ القعود في الأعلى
فجلستُ معها و اتصلتُ على أخي ناجي و أبلغتُه بتواجدي في المنزل
و ما ردَ عليَّ إلا في الوقت الذي بين أذآن العصر و الإقامة بأنهُ سيذهب للمسجد و من ثم يعود ليُسلمَ علي
فقمتُ و توضأت و أبلغتُ أمي بأني سأذهبُ لأداءِ الصلاة في المسجد و خرجتُ من الباب الخلفي للمنزل حتى لا أُزعج بنات خالي في قعودهن
حينما دخلتُ للمسجد كانوا في الركعةِ الأولى فصليتُ معهم و حينما انتهيت بحثتُ بعيني عن أخي ناجي و قد وجدتهُ يجلسُ بأحدِ أركان المسجد و يُمسك بكتاب الله
اقتربتُ منه و وقفتُ أمامهُ مباشرة فرفع عينه و وقعت عينيه على عيني فقام على طولهِ يُسلم علي ما بين الاحتضان و السؤال و تبادل الأشواق
وضع كتاب الله في مكانه و مشينا سوية لخارجِ المسجد
مشينا في الطرقات نتبادل الأحاديث و كان أول الأحاديث سؤالي عن أخبارِ أبي
و قد أجاب بشيءٍ من التردد : الحمدلله بخير لكن فيه أشياء ما بتعجبك
قطبتُ حاجبي و توقفتُ عن المشي و أنا أنظرُ لهُ بتوجس : وش ؟
حكَ رقبتهُ بتوتر : و الله مدري من وين أبدأ
فقلتُ لهُ بعجلة و كمٍ كبيرٍ من الذعر : ابدأ من البداية
جلس على الرصيف فجلستُ بجواره
فقال و هو ينظرُ إلى الأرضِ بشرودٍ و تيه و تنهيدةٍ طويلة تحكي عن عمق الوجع الذي كابدهُ أبي : كل شي بدأ في اليوم إلي جات فيه مزنة صديقة أمي يمكن تذكرها و يمكن نسيتها
المهم جات ومعاها وحدة و صار بينها و بين أبوي حوار شديد انتهى بإنه مارسة تصير أختنا يعني بنت أبوي من الحرمة الثانية
لم أفهم ما قال و لم أستطع الاستيعاب بقيتُ أنظرُ لهُ ببلاهة مفتوح الثغر حائر العينين
بينما هوَ تابع بما هوَ أكثرُ جنونًا : و مارسة قبلها بيوم ولدت بغانم من أبوي يعني ولد حرام , قررت أنا و زوجتي نربيه , و أبوي جاته صدمة و دخل المستشفى سوينا له عملية قسطرة
بس سيرة العملية خليها بيننا أبوي ما هو حاب أحد يعرف عن العملية
مددتُ يدي إلى كتفه و أنا أهزهُ بقوة و أسناني تصكُ في بعضها البعض : إنت وش تقول ؟! جنيت يا ناجي
كيف مارسة أختنا !! مارسة من يوم عرفناها هي بنت ظانع و صايمة كيف تطلع أختنا و كيف أبوي متزوج غير أمي !! أي جنون تتكلم عنه !
و خصوصًا إن أبوي ما يحب الحريم بيتزوج حرمتين !!
أبعد يدي عن كتفه بقوة و هو ينظرُ إليَ بحدة : يعني بكذب عليك مثلاً هالكلام ما ينكذب و لا ينمزح فيه أبوك كان متزوج وحدة وجاب منها مارسة و ظن إن الحر دفنها لكن صايمة أخذتها و ربتها
و ما كانت تدري إنها بنت أبوي و ظنت زيجتهم حلال و تحليل الـ DNA أكد إنها بنت أبوي لكن للأسف كل هالحقايق ما طلعت إلا بعد ما مارسة حملت و ولدت بغانم و إلي يصير أخونا .
و ضعتُ يدي على رأسي و عيناي على الرصيف و لساني يردد : يالله .. يالله ... يالله
مارسة الفتاة التي أحببتُها سابقًا و كم من مرة نهيتُ ذاتي عنها , فلم أكن أريدُ إتيانها بالحرام كنتُ أريدها بالحلال بما يرضي الله
قد أحببتُ أختي و نهيتُ نفسي عنها والحمدلله أني نهيتها
و لكن ما حالُ أبي من جامعها بالفراش و أتى بالمولودِ منها !
يالله كم رحمتني فلم تجعلني أقع بالحرام معها مع أني لم أتردد بيوم من الخوضِ بالحرام مع أي إمرأة سواها و كأني كنتُ أشعرُ أن لا حق لي فيها
يالله ما أقسى البلاء و الامتحان الذي وضعت أبي و مارسة فيه
و الطفلُ الصغير غانم الذي لا ذنب له في كلِ الحكاية
تابع أخي بما يُدمي القلب : و أبوي جاته الشرطة في شغله و سجونه بشكوى من خالي أصل
رفعتُ عيني عن الرصيف و تأتأ لساني بالحروف : خالي أصـ....ل
أومأ برأسهِ مؤكدًا ما قال : عايش ما مات
شعرتُ أني توقفتُ عن الاستيعاب فما قال أكثر من استطاعتي
لكنهُ تابع غير مبالي بحالي : و أبوي هالحين مسجون و المشتكي خالي حاولنا نفهم من أبوي سبب الشكوى عيا يقول حاولنا نفهم من خالي برضه ما رضى يقول
حاولنا نصلح , لكن الظاهر القلوب ما هي راضية على بعض و أبوي حالته الصحية سيئة و السجن بيزيده سوء , جرب تكلم خالي أصل و تفهم منه .
أومأتُ برأسي بالإيجاب و طلبتُ منه البقاء بمفردي
حاولتُ استجماع نفسي و بعد مُضي ساعة ونصف بأكملها صلبتُ طولي وعدتُ للمنزل و قد عزمتُ أمري على الحديثِ مع خالي أصل
إلا أني علمتُ من أمي أن خالي أصل قد ودعها بعد صلاةِ العصر و انطلق إلى مصر
فسألتُها بحيرة عن سبب رحيله و هو الذي لم يلتقي بفتياتهِ منذُ سنين , فأجابت بما أصاب قلبي : له بنت تربت في مصر على يد مسيحين مسجونة بيحاول ينزلها
فسألتُ بتوجس : وش اسمها ؟
فأجابت بما صعقني : مي
مي ! مي ! قالت مي
نعم هيَ مي ذاتها , مي التي تربت على يد المسيحين
مي التي زُجت بالسجن بتهمةِ المخدرات
هي ذاتها مي التي تحملُ الملامح البدوية التي كانت وطني في الغربة
هي ذاتها مي ابنة خالي أصل
هيَ ذاتها التي كنتُ أنا أول من سلب منها عذريتها
هيَ ذاتها شرفي التي ضاجعتها بالفراش
شرفي ! ابنة خالي !
كانت في احضان الرجالِ يومًا بيوم
شرفي كانت رخيصة الثمن أمام عيني
شرفي و أنا من لعبتُ بشرف البنات
جاء اليوم الذي اكتشفتُ بهِ أني أنا ذاتي من لوثتُ شرفي
و من نظرتُ كالديوثي إلي شرفي و هي في أحضانِ الغير
و قد دار الزمان و صار ما لم يجيءَ في الخيال
نعم هذا هو عقابي المنتظر منذُ سنين
شرفي ضاع و أنا من الفاعلين الناظرين !




***



الساعة الخامسة والثلث عصرًا , ضغطتُ على آخر رقم و من ثم اتصال
رنة فرنتان و أتى صوتُ الفتاةِ المراهقة من الطرف الآخر : ايوة ألو
ألقيتُ التحية : االسلام عليكم و الرحمة , أنا عمتك مزنة
ردت عليَّ التحية و لحقتها بسؤالٍ عجول : شوفتي بابا
ابتسمتُ بحنو و كأنها ترآني : ايه لقيته , كنت بكلمه عنك بس قلت أخليها مفآجأة
هزاع اتغير ماهو هزاع الأولي , أنا مدري وش سوى بأمك و فيك لكن أطمنك هزاع الحين
غير عن أول و بيفرح بشوفتك بإذن الله .
ردت بصوتٍ ساخر : أوك , في ئرب فرصة هكون في السعودية عندكو .
قلتُ بتوضيح : لكن
لكنها أغلقت الهاتف أبعدتهُ عن أذني و نظرتُ لهُ للحظات و من ثم وضعتُه على الأرض
كنتُ أريدُ أن أوضح لها أنه في الزنزانة يُلاقي عقابه لما فعله قبل سنين طويلة
و رغم أنه تغير إلا أن القانون لا يفهمُ التغير
القانون لا يفهم سوى لغة العقاب
الحمدلله الذي جعلني أراك قبل رحيلي
الحمدلله الذي جمعني بك و سيجمعك بابنتك
صحيحٌ أن سنين الفراق و الشوق طويلة حدَ أنها زرعت اليأس بدواخلي فتيقنتُ وفاتك و أنتَ على قيدِ الحياة
إلا أنها سنينًا غيرت منك للأفضل فكان في الفراق و الغياب خيرٌ لك .



*



و على أرضِ القاهرة
رنَ هاتفها المحمول و ردت و من ثم تغيرت ملامحها جذريًا عما كانت عليه
وقفتُ من على الكنبة التي أجلسُ عليها و جلستُ بجوارها أمدُ يدي لكتفها و أسألها بحنان الأمومة : مي يا ماما فيه ايه ؟ مين ده إلي خضك كده ؟
فتركت الهاتف على الكنبة بجوارها و ارتمت بحضني و هي تطوقُ رقبتي و تخنقني بالحروف : بابا هزاع عايش يا ماما و مكانو دلوقتي معروف
شعرتُ بأن السماء انطبقت على الأرض و حاصرني الضيقُ من كلِ ناحيةٍ و درب
هزاع لازلت الكابوس الذي لآحقني في الشباب حتى الكِبر
لاحقتني حتى في غيابك , فلمَّ الوجود ؟
هل لتزيد الوجع وجعًا ؟ و تُضاعف البغض و الكراهية في داخلي اتجاهك ؟
أما اكتفيت ؟ أما شبعت ؟
متى ستتخمُ نفسك مني , أبعدَ مماتي ؟
اقتلني , ولكن لا تمس شعرةً من ابنتي
وخالقي لو أنكَ آذيت ظفرًا منها سأنسفُ الحياةَ منك
فلا شيء سيوقفني إن كان الأمر يتعلقُ بابنتي
صغيرتي و حبيبتي مي
فلا تستهين بي
لا تستهين بشكران إن كان الأمرُ يتعلق بـ مي .




***



و بينما نجلس في أحدِ المجالس بعد صلاةِ المغرب , صدرَ صوت غانم من الجهاز الذي ينقل الصوت
فوقفتُ قائمة و طلبتُ من هوازن أن تأتي معي لمساعدتي فحينما يبكي غانم بالكاد أستطيع صنع الرضاعة
كنتُ أتقدمها بالخطوات وهيَ من خلفي دخلتُ إلى المطبخ و أنا أقولُ بصوتٍ عال : هوازن روحي عنده سكتيه أنا بسويله رضاعة
وضعتُ الماء فالحليب بالمقاس المطلوب و حركتُ الرضاعة حتى يمتزج الحليب بالماء و أنا أمشي نحو الحجرة
حيثُ صوت غانم لازال يصدح بالأرجاء , و حينما دخلت وجدتُ هوازن واقفة و في يديها غانم تهزهُ يمنةً فيسرة تحاولُ إسكاته
أخذتُه منها وأنا أقولُ بصوتٍ حنون : يا حبيب ماما هاذي الرضاعة جات
أخذ يمتص الحليب من الزجاجة , فجلستُ على السرير و جلست هوازن بجواري تنظرُ ليديها بحيرة
شجعتُها : فيه كلام تبغي تقوليه ؟
رفعت عينيها عن يديها و استقرت بعيني : عن غانم
أغمضتُ عيني و تأففتُ بضيق و أنا أفتحها : هوازن الله يخليك قفلي ع الموضوع
فقالت بصوتٍ مرتجي : إنتِ إلي الله يخليك يا عزوف اسمعيني و افهميني أنا أختك و ما أبي لك إلا كل خير
ما أقصد أجرحك و لا أقصد آخذ منك غانم , كل إلي أقصده إني أرشدك للصح , صدقيني يا عُزوف الطريق إلي سلكتيه إنتِ و زوجك بيجي يوم وتندموا عليه
كل سر غلط مهما اتخبى ينكشف , الأسرة أساسها الصراحة , ما أقول لك اتركي غانم كل إلي أبيه إنه ينتسب لخالي عبدالقوي مثل ما وضح ديننا الطفل من نكاح الشبهة ينتسب لأبوه
مادام له نسب لا تخلوه يتيتم لا تخلوه بلا هوية لا تكونوا ذنبه في الحياة , عُزوف إنتِ عشتِ اليُتم و عمتي ساجدة و خالي عبدالقوي ربونا عمرك حسيتي إنهم مكان أمي و أبوي !
مستحيل دايمًا كنا نحس مكانهم فارغ مهما عوضنا و أعطونا مهما اتدللنا فما بالك هو يتيم بلا هوية يعني لا أم لا أب لا نسب و لا فصل
لكن لو عاش بهوية بيكون صح عارف هو عن أي طريق جاه لكن على الأقل له هوية له نسب له أصل و فصل في دراسته يقول أنا ولد فلان و محد يقدر يرميه بولد الزنا و ولد الحرام
لما يكبر بيأسس حياته و يتزوج مين ما يبغى ما بيضطر يتزوج وحدة فيها نقص عشان هو بلا هوية
صدقيني للدين حكمة إنتِ تجهليها الحين لكن في المستقبل بتقولي ياليت يوم كلمة ياليت ما عاد تفيد , أترك لك التفكير .
قامت من على السرير و توجهت للخارج و تركتني أشدُ غانم لصدري و أنتحبُ بشدة
ما بين الاقتناع و الخوف من الإقدام .


***


و بينما أجلسُ على الأرض و أنفثُ قذارةَ السيجارة لأُنهي ثالث علبة لليوم
رنَ الجرس وقد توقعت أنهُ ركاض , فوقفتُ من على الأرض بتكاسل و أنا أجرُ خطواتي ناحيةَ الباب
فتحتُ الباب و تسمرتُ واقفًا على أصواتِ أطفالي : بــــــــــــابــــــــــــــا


*

ضغطتُ على الجرس و بلقيس و وائل يتقافزون بسعادة , فتح معن الباب و ظهر بذاتِ المظهر الرث
الذي رأيتهُ بهِ على الهاتف الجوال ليس كالأمس بهندامٍ حسن و رائحة طيبة , اليوم هندامه مجعد
و رائحته ممتلئة بالسجائر و وجهه مملتىء بخدوشٍ جديدة
استقرت عيني عليهِ وهو ينخفض إليهم و بلقيس تمدُ يدها إلى وجههِ و تبكي بخوف و هي تقول : بابا اشبك



***


إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $





 
 

 

عرض البوم صور الشجية   رد مع اقتباس
قديم 16-11-16, 02:31 AM   المشاركة رقم: 482
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2013
العضوية: 254562
المشاركات: 501
الجنس أنثى
معدل التقييم: الشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 867

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الشجية غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشجية المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: حيزبون الجحيم / بقلمي

 
دعوه لزيارة موضوعي
















الجحيـــم


(85)


** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
















و بينما أجلسُ على الأرض و أنفثُ قذارةَ السيجارة لأُنهي ثالث علبة لليوم
رنَ الجرس وقد توقعت أنهُ ركاض , فوقفتُ من على الأرض بتكاسل و أنا أجرُ خطواتي ناحيةَ الباب
فتحتُ الباب و تسمرتُ واقفًا على أصواتِ أطفالي : بــــــــــــابــــــــــــــا


*


ضغطتُ على الجرس و بلقيس و وائل يتقافزون بسعادة , فتح معن ليظهر بذاتِ المظهر الرث
الذي رأيتهُ بهِ على الهاتف الجوال ليس كالأمس بهندامٍ حسن و رائحة طيبة , اليوم هندامه مجعد
و رائحته مملتئة بالسجائر و وجهه مملتىء بخدوشٍ جديدة
استقرت عيني عليهِ وهو ينخفض إليهم و بلقيس تمدُ يدها إلى وجههِ و تبكي بخوف و هي تقول : بابا اشبك
فوضع يده و غطى يدها الصغيرة و هو يُجيبُها بحنان : ما فيني شي يا بابا بس اندقيت في شي
احتضنتهُ بشدة و بادلها الاحتضان بذراع واحد و الأخرى فتحها ينادي وائل إليه
وائل الذي تردد قليلاً و من ثم قبع في حضنه
كان يُقبلهم في رأسهم , خدهم و على أكتافهم و يشد في احتضانهم و من ثم يتراخى ينظرُ إليهم و الندم و الحسرة في عينيه
و كل محبة الأرض تمكثُ فيه و تنهدرُ عليهم بغزارة
ما كان معن , كان رجلاً آخر , كان أبًا مسؤولاً , يهتمُ بأبنائه يخافُ عليهم , يحنُ و يعطفُ عليهم
و هل اعترفت بهم يا معن بعدما ظهرت براءتي , هل كنت في عقلك حينما تخيلت أني رخيصة أرمي ذاتي في أحضان الفجر و الدناءة
هل كنت بعقلك حينما نعتَ شرفك بالزانية خانعة الثوب
كيف تريدُ مني أن أسامحك و ذنبك لا يُغفر
و يا ليتهُ يغفر لأن روحي الحمقاء لازالت تُحبك
لأن قلبي لا يعودُ للحياة إلا برؤيتك
لأن الوجود في حضورك غياب
لأنكَ أنتَ أنتَ خلدي و الخلود
تقدمتُ للأمام و دخلتُ للمنزل بينما هم لازالوا عندَ الباب كما كانوا
خلعتُ عباءتي لكي لا يشكَ أبنائي بأمرنا رغمَ أن اليوم الذي سأنفصلُ بهِ عن والدهم سيجيءُ قريبًا
و لكن لا داعي لإشغال تفكيرهم فيما لا ينفعهم
طبقتُ عباءتي و وضعتها بجانبي على الكنبة , تناولتُ جهاز التحكم و أخذتُ أتجول بين القنوات بلا هدف
و قليلاً من الوقت حتى وصلتني أصواتهم متفاوتة و صوتَ باب المنزل الذي أُغلق
دائمًا ما يسألُ أطفالي عن والدهم و أتعذر و أؤكد لهم أنه سيعود
ولكن بما أنه عاد أخذتهم إليه , فأنا حتى و إن انفصلتُ عنهُ لن أحرمه من أبنائهِ و لن يحرمني من أبنائي
فلسنا في حرب بل في حياةٍ ماجمعتنا قط
جلسوا سوية على الكنبة المزدوجة المقابلة لي
لم أنظر إليهم بل بقيت عينيَ على التلفاز و لكن كنتُ أشعر أن زوجًا من الأزواج الثلاث يخترقني
عينيه هو , ولكن إلامَ ينظر ؟
حتى وهو يتحدث مع ابنائه لا يرفعُ عينيه عني ! ما الخطأُ بي و إلامَ ينظر ؟
نظرتُ إليهِ بفضول لأرى أين هيَ عينيه , فإذا بها على كتفي العاري
سريعًا راحت عينيَ إلى العباءة بجانبي وأخذتُ الوشاح لأغطي به كتفي
و تجاهلتُ النظر و رغم محاولة تركيزي على التلفاز لم أستطع التركيز فلازالت عينيهِ تُلاحقُني
نظرتُ إليه تارةً أخرى لأرى عينيهِ على صدري , رفعتُ " البلوزة " للأعلى و عدتُ لتجاهله
و لكن عينيه لم تتجاهلني بل زادت حرارتها التي تخترقني أضعاف مضاعفة
تأففتُ بضيق و رفعتُ حاجبي و أنا أنظرُ إليه فرأيتُ عينيه تسافرُ و تبحرُ في ساقي أخفضتُ عيني لأرى ما ينظرُ إليه
وقد كانت " التنورة " مفتوحة من الجانب من بداية الفخذ إلى نهايةِ المطاف و هو ينظرُ إلى كلِ ما كشف
وقفتُ من على الكنبة و توجهتُ إلى المطبخ فوصلني صوتهُ وهو يقولُ : فتنة والله فتنة
فسألتهُ بلقيس : ايش فتنة يا بابا ؟
فردَ عليها : يعني الفتنة أشد من القتل لا تفتنوا على بعض يا بابا ما يصير كذا عيب .
" ايوا يالفتنة أشد من القتل و إنت عيونك شوي و تآكلني حتى وقدام عيالك مراهق مهما كبر مراهق و مهما كبر عيونه طويلة "
دخلتُ إلى المطبخ و تناولتُ من الدولاب كأس , و أخرجتُ من الثلاجة ماء لأسكبه بالكأس
جلستُ على أحدِ الكراسي و ارتشفتُ الماء البارد علَّه يطفي اللهيب الذي أشعله ذلك اللعوب في جسدي و نفسي
حتى وهو في مرضه النفسي و تعبه لا يكفُ عن النظر .





***



بمنتصفِ الليل , عدتُ من عملي الذي صار جحيمًا بعد دخولِ أبي للسجن , حديث الناس و انكسار أبي في الزنزانة و محاولته لإظهار العكس بالقوة
عدتُ و لا أريدُ شيئًا سوى الذهاب في رحلةِ النوم في الغياب عن همومِ و مصائب الدنيا
و ما أن دخلت حتى وجدتُ هوازن تقفُ أمامي
و لسوءِ حظها أني أريدُ من يُحدثني حتى أرمي بغضبي و تعبي عليه و غير هذا غضبي عليها لكتمانها ما يحدث ما بين أبي و والدها عني
اقتربت مني و هي تبتسم قائلة : الكاسر اتأخرت خفت عليك


*


قلتُ ما قلت ومددتُ يدي نحو رأسهِ لأخلع عنهُ القبعة العسكرية
لكنهُ أمسك بيدي بشدة و أزاحها عن القبعة بقوةٍ أكبر فاتسعت عينيَّ بخوف
و تراجعتُ خطوةً للوراء و أنا أُحاول التماسك : حبيبي
تجاهلني و تقدم بخطواتهِ للأمام و هوَ يقول : بنام على صلاة الفجر صحيني و ما أبي أشوفك صاحية لهالوقت تنتظرني نامي ماني بزر تخافي علي .
و اختفى في داخل حجرةِ النوم , ما الذي تغير هذه أنا منذُ زيجتنا أنتظرهُ حتى عودتهِ من عمله
تقدمتُ بإصرار نحو حجرةِ النوم لأُوضح لهُ سبب اخفائي للحقيقة فهذا أبي و لا يريدُ أن أفشي بالسر
فتحتُ باب الحجرة و وقفتُ بمنتصفها و أنا أراهُ يخلع الجزء العلوي من ردائه
بثبات : الكاسر لازم تفهمني إذا على إلي بين أبوك و أبوي , فترى هذا طلب أبوي و الله لو ما طلب مننا كان قلت لك بس لازم أطيعه .
قال و هو يُعطيني ظهره و يرتدي ثوب النوم : هوازن اسكتي مو ناقصك أبي أنام .
بإلحاح : لازم تفهمني, ليش تزعل بدون سبب لازم تتفهم موقفي مو متعودة أخليك تنام و إنت زعلان مني , فلازم تسمعني و أسمعك مو تنام و إنت زعلان و أنا قلقانة عليك .
و تقدمتُ عدة خطوات للأمام حتى صرتُ خلفهُ تمامًا و هو استدار و استقرت عينيه بعيني و قال بأمر لا تراجعَ فيه : ما تبيني أزعل قولي وش إلي بين أبوي و أبوك .
بهدوء : بس يالكاسر أبوي طلب ما نقول و علي طاعته و فوق هذا كله هو ما قال لنا أي شي عن أبوك هو حكانا إلي صار بالتفصيل و طلب مننا ما نتكلم بهالكلام لكن كان تخمين مني إن لأبوك علاقة في الموضوع
و ممكن تخميني غلط .
رفع حاجبه و كتف يديهِ إلى صدره : و زوجك ما عليك طاعته !
قطبتُ حاجبي بضيق , فأنا لم أعتد أن أتحدث معه أو يتحدث معي بهذه الطفولة نحنُ أكبر من أن نتشاجر على أمرٍ كهذا : لكنه سر يا الكاسر .
أعطاني ظهره و استلقى على السرير و هو يُطفىء الأبجورة و يقول في العتمة : لا تنسي تصحيني للصلاة .
زاد الضيق في صدري لم أعتقد أني في يوم سأجعله ينام بقهره و أنامُ بضيقي
و لم أعتقد أن يومًا سيجيء هوَ لا يتفهمني بهِ
فقد كان أبي و أمي و زوجي و كل أملك طيلة السنين
فما الذي صار حتى يتغير هذا التغير العنيف !



***



عدتُ من عملي بمنتصفِ الليل , دخلتُ للجناح مهدودَ الجسد فقط أريدُ وضعَ رأسي على الوسادة
و الغياب في الموتةِ القصيرة , و بينما أسحبُ خطواتي لحجرةِ النوم استوقفني صوتُ بكائها القادم من الحجرةِ المجاورة
فغاب كل نومي و تأهبت حواسي لها , دفعتُ الباب الموارب
فرأيتُها تقعدُ القرفصاء على الأرض رأسها مدفونٌ في فخذها و شعرها المسدل يغطيها
ما بالها تبكي ! , فمنذُ فترة لم أرها باكية منذُ قدوم أبيها و حلول غانم في تفاصيلِ حياتها
ارتحل عنها الحزن و ملأت السعادة ربوعها
و اُتخم ثغرها الوضاح بابتسامةٍ مشرقة
ويح الترح لا يغيبُ عنكِ و ويح الفرح يهوى الغياب !
قعدتُ أمامها وناديتُها بصوتٍ حنونٍ عطوف : قارورتي
و لا استجابة منها , مددتُ يدي في محاولة لإبعادِ يدها عن وجهها : قارورتي
فاستجابت للمسةِ يدي و انتفضت بخوف كأنها للمرةِ الأولى تسمعُ مناداتي لها
و حينما رأتني زال الخوف إلا أن الحزن لازال يقطنُ في ملامحها الفاتنة ليزيدني فتنةً بها و يزيدها وجعًا
احتضنتُ يدها بين يديَ , و مال رأسي للجانبِ قليلاً : اشششششش اهدي اهدي
و كأن صوتي كان النار الذي أشعل رأس الفتيل
بكت بحرقة و بصوتٍ أعلى من ذي قبل , سحبتُ رأسها حتى ارتطم بصدري وضممتُها بشدة ولو كان بإمكاني
لزرعتها في داخل جسدي , لو كان بإمكاني لأخذتُ كل الأمان بداخلي و وهبتها إياه
لأعطيتُها روحي تضمها لروحها و تزيدها ثباتًا
احتضنتُها ساعة ساعتين طال بنا الوقتُ و طال ولا صوتَ يصدرُ من كلانا استمعُ لشهيقها و امتصهُ نارًا تُحرقني
لأُخرجها حرارةً و دفئًا لها , و بعدَ السكون امتدت يدها تُعانقُ عنقي و تسحبُ رأسي لصدرها و صوتها يخرجُ مبحوحًا يعانقُ ضربات قلبها : قلبي يوجعني ..
حفظت مسامعي ضربات قلبها المضطربة و احتضنتها معزوفةَ شجن و لفظَ لساني دعاءَ قلبي : ليت الوجع في قلبي ولا فيك , ليت هالصدر دوا خوفك و أحزانك , و ليت هالحزن ينتزع و ينحط فيني
والله يا قارورتي كل دقة من دقات قلبك تألمني و أحس فيها لكن ما في يدي دوا , كلها أماني أتمناها و ليتها تخفف حدة التعب فيك , ليش البكا يالغلا ؟
قالت و هيَ تدفنُ وجهها في عنقي فتدفعُ رأسي ناحيةَ صدرها أكثر فأكثر : غانم يا ناجي قلبي مآكلني عليه , أخاف ينتسب لخالي و ينساني , أخاف ينتسب و أفقده , و أخاف أحرمه من النسب و أندم و أكون ذنبه في دنياه
والله أحس بضيقة ما يعلم فيها إلا رب الوسيعة والله يا ناجي قلبي يوجعني عليه , وضميري ما بين الرضى و التراجع .
أبعدتُ رأسي عن صدرها حتى استقرت عيني بعينيها في عناقِ الذعرِ للأمآن في انهزام الخوف و هتافَ الراحة : كل هالبكي و هالدموع عشان غانم , يهون عليك ناجيك بغى يموت من الخوف عليك , يا قلب و روح و غلا ناجيك
صلي استخارة و اسمعي لقلبك بعد الصلاة وش يدلك عليه قلبك دليلك و أنا أقولك يالغالية الخير كل الخير في تعاليم الدين لكن صلي حتى ترتاحي أكثر و تختاري طريقك براحة , حتى في يوم لا صارت مشكلة
تقولي هذا الخير مو تقولي وين الخير و تحطي اللوم باختيارك تعرفي إن هالمشكلة إلي صارت خير مقابل الشر إلي ممكن يصير لو اخترتِ الخيار الثاني .
أمسكتُ بيدها و وقفتُ أحثها على الوقوف : تعالي غسلي وجهك و توضي من الحين وصلي و ريحي بالك و اختاري طريقك .
وقفت ومشت حيثُ دورةِ المياه بينما كنتُ أنظرُ لجسدها حتى غاب وراء الباب , الاستخارة وقت التردد في فعل أمرٍ مباح هل يعمله أو لا يعمله
و معزوفتي مترددة في فعلِ أمرٍ واضح في تعاليم الدين كما أوضحت لها هوازن من ذي قبل
و لكن لا شيء قد يُهدأ من روعها و يُرشدها للطريق السوي سوى الصلاة .




***



وصلتُ إلى أرضِ مصر و نمتُ لأمدَ جسدي بالطاقة و من ثم استيقظتُ من الصباح الباكر و توجهتُ إلى منزلِ القاضي
قعدتُ في السيارة أمام منزله فالساعة تُشير إلى التاسعة صباحًا , وقد يكونُ أهل المنزل نيام و من العيب طرق الباب بهذا الوقت
لذلك أنتظرهُ في السيارة حتى يخرج لعمله و أتحدثُ معهُ بشأنِ قضيةَ مي و ما معي من أدلة تساندها
و مضت نصفُ ساعة و من ثم رأيتهُ و هو يخرجُ من المنزل و يُغلق الباب
تناولتُ الورق من المقعدِ المجاور لي و خرجتُ من السيارة متوجهًا نحوه
أناديه و هو يعطيني ظهره ويتوجه لسيارته , لكنه حينما سمع صوتي إلتفت إلي و توقف في مكانه
تقدمتُ نحوهُ و سلمتُ عليه و بعد الأحاديث الرسمية تقدمتُ بطلبي : حقيقة أنا جاي اليوم بخصوص قضية مي يوسف العدل , القضية إلي كنت فيها شاهد و ما قدرت وقتها أحضر
معاي هالورق ممكن يفيد مي في قضيتها جايك بطلب إنك تعيد رفع الدعوة لأن البنت مظلومة بالحكم .
خلع النظارة الشمسية عن عينيه و قال بأسف و حديثٍ منطقي : بس الدعوة اترفعت و الحكم صدر مش هئدر أعيد الدعوة تاني لأني ما ئلتش إن الحكم محل شك و نظر و إنو الدعوة دي ممكن تترفع
تاني أنا أصدرت القرار كقرار نهائي مالوش رجوع .
مددتُ الورق إليه بإصرارٍ و إلحاح و محاولة قصوى لإقناعه بالتراجع عن قراره : طيب أقرأه وشوف أنا وش أقصد ممكن تتفهم موقفي .
اخذ الورق مني و قال : واللهي هشوفو لأنك غالي يا أصل و ساعدتنا كتير لكن والنبي لو كان حد تاني ماكنتش هشوف المكتوب خالص .
رفع الورق إلى عينيه و أخذ يقرأ بتأني و حاجبه يُقطب باستعجاب و من ثم رفع رأسه إليّ و في عينيه كل معاني التعجب و الدهشة : اي ده مي بتك ؟! طيب ليه ما جبتش الدليل يوم الدعوة ليه بعد ما خلصنا ؟
بهدوء : المفترض إن الورق يكون جاهز يوم الدعوة لكن في أحد اتلاعب بنتايج التحليل و لهالوقت ما عرفت مين و اضطريت أعيد التحليل من أول وجديد و كنت بنتظر نتايج التحليل الجديد لكن المركز اتصل علي
يبلغني بإن التحليل طلع و أنا ما استلمته يعني الورق المزور أخذته من رجال ثاني ظنيته من موظفين المركز , بالمختصر في أحد كان هدفه يأخرني عن الدعوة و ينحكم على مي بمدة سجن طويلة
و صار إلي يبيه , و أنا جايك اليوم أطلبك تتفهم موقفي و تحاول إعادة رفع الدعوة .
صمت قليلاً ومن ثم قال و هوَ يمدُ الورق إلي : أوعدك هحاول و هردلك الخبر النهارده.
أخذتُ الورق منه و أومأتُ برأسي بالموافقة راجيًا من الله أن ينجح في إعادةِ رفع الدعوة .




***



في الظهيرة , بعد اللومِ و العتب الذي قذفني بهِ هزيم , حملتُ ذاتي و خطوتُ نحوَ جحيمي مخيرة
ذهبتُ إلى مركز الشرطة مع أنه من المؤكد أنهم يبحثون عني و سيلقون القبضَ علي
لكن ما عادَ هناك ما يهم فقد كان املي أن أرى هزيم قبل مماتي و قد رأيتهُ
رأيتهُ و هوَ يظنُ بي ظن السوء , يعتقدُ أن فرطتُ بهِ بمليء إرادتي
ابني و إن لم ترآني أمك إن بعض الظنِ إثم
ابني و إن لم تعتبرني أمك لقد آلمتني كثيرًا
أوجعتني وجعًا حتى الحروف تعجزُ عن وصفه
لم تترك لي مجالاً للتعبير للشرحِ و التوضيح
كنتَ اليقين و ما أنتَ إلا الشك
طلبتُ زيارة حمدان و بالرغم من أنهم أخذوا هويتي مني إلا أنهم سمحوا لي بالزيارة !
و قد ظننتُ أن مصيري سيكون في الزنزانة و العجيب أني كنتُ أريدُ الزنزانة لأن لا منزل لي سواها
فمنزل ساجدة و إن كان بهذا الحجم العظيم لا يتسعُ لي بعد اليوم
لكن يبدو أن الزنزانة أيضًا لا تتحملُ وجودي



*


دخل السجان مناديًا " حمدان , زيارة "
مشيتُ وراء السجان و أنا أحاول تخمين الزائر لكن لا أحد يخطرُ في بالي
فرأيتُ التي تجلسُ على الكرسي في انتظاري امرأتي عُشبة , امرأتي التي وضحتُ للضبطِ العسكري أن لا ذنب لها بما اقترفت يداي
و أني كنتُ أُعذبها حتى تخضع لأمري و لأني وضعتُ كامل الجريمة علي
فوقعت الإدانة عليَّ و البراءة حفتها لذلك لم يقبضوا عليها
انتظرتُ زيارتك كثيرًا يا عُشبة حتى أعتذر و أطلب الغفران عن السنين الماضية
لكنكِ لم تجيئي و دخل اليأسُ قلبي و احتله احتلالاً
لذلك لم تكوني في التخمين , لكنكِ جئتِ يا عُشبة فشكرًا لكِ على قدومك
ألقيتُ التحية فردتها و جلستُ على المقعدِ المقابل
نشبتُ أصابعي ببعض و تقدمتُ بجسدي للأمام حتى أُقدم اعتذراي و لكن قبل أن أتفوه بأي حرف
اندفعت هيَ بالحروف السامة المؤلمة القاتلة اندفعت بلا هوادة ترثي سنينًا عجاف قد مضت
عن كبواتي زلاتي , استبدادي و حياتنا المعطوبة بالحرام
عن رجائها و ازدياد كراهيتي و تعنيفي
محاولتها لإيقاف انهيار أعمدةَ معيشتنا , سعيها لنثر الأمان في ربوع حياتنا
رجاءها لرؤيةِ هزيم و رفضي و بطشَ يدي , بكاءها و رُشدي الذي ما عاد إلا بعدما أشعل هزيم حرائق قلبها , غفلتي و مسيرتي الهادرة بالحرام
صرخت و بكت و تعالى صوتها و تباطىء
ضربت يديها على الطاولة و تراجعت بالكرسي أدراجها للخلف
تقدمت و قفت و جلست أبدت ما أبدت من انفعال , حتى شح عليها صوتها و أبى الخروج
فمسحت دمعها بيديها و راحت بعدما تركتني روحًا هالكة منهكة
روحًا في حسرتها و حدةِ ندمها و ألمها , جسدًا ينتفض و عينًا سكبت دمعة وحيدة و هي تنظرُ ليدي المبتورة الراحلة كرحيل أيدي مئاتِ الأطفال .


***




بعد صلاةِ العصر , اتصل أبي عليَّ و أبغلني بإنشغاله و عدم مقدرته على إيصال ياسر إلى نادي السباحة
و طلب مني ان أصطحبهُ إلى النادي القريب من المنزل
لصغر عمر أخي ياسر و الذي يبلغُ العاشرة يخافُ عليه أبي أن يذهب وحده و خصوصًا من الشارع الذي عليه قطعه
يخاف أن تأخذ روهُ سيارةً مسرعةً هوجاء , وافقتُ على ما قالهُ أبي و ها أنا أمشي مع ياسر أخي الصغير الذي يبغضني أشد البغض و يعتبرُ أني أخذتُ دوره في المنزل
حيثُ أنهُ كان الابن الوحيد بين ثلاثةِ أخوات فاكن يرى من نفسه الرجل بعد أبي و لكن حينما تطفلتُ على حياتهم رأى أني سرقتُ مكانه منه و خصوصًا أن كلاً من أبي و أمي يضعون كل اهتمامهم عليَ
و يشجعوني دائمًا بأني رجلُ المنزل حتى يغيب عني شعور النقص من يدي التي راحت منذُ سنين بلا عودة
وصلنا إلى النادي فدخلَ للداخل مسرعًا بينما بقيتُ أنا أنظرُ للنادي من الخارج و الفضول جعلني أتقدمُ بخطواتي للداخل
أنظرُ للأطفال و المراهقين و الشباب و هم يرمون بأنفسهم في الماء يحركون كلتا يديهم و يتضاحكون يتسابقون و يتمازحون نظرتُ إلى يدي بحسرة لكني حمدتُ الله مئةَ مرة
فكلهُ خير و إن لم ندرك أين الخير بالأمر , هو الخير هو الخير , قد سمعتُ يومًا قصةً تعليمية على لسانِ أحدِ الشيوخ في المسجد
تحكي القصة أن ملكًا لهُ وزيرٌ حكيم في يومٍ من الأيام ذهبا لصيد الحيوانات وكان الوزير كلما أصاب الملك شيئًا يقول (لعله خير) وهما في طريقهما وقع الملك في حفرة
عميقة فقال له الوزير (لعله خير) ونزف من يده دمٌ كثيف فذهبا الي الطبيب فقال يجب قطع الإصبع حتي لا يضر الجسم فغضب الملك ورفض ذلك إلا أن اصبعه لم يتوقف عن النزيف فقام بقطع
الإصبع فقال الوزير (لعله خير) فقال الملك ما الخير في ذلك فغضب الملك غضبًا شديدًا و أمر الحراس بحبس الوزير فقال الوزير (لعله خير) و مضى الوزير فترة طويلة داخل السجن وفي يومٍ من
الأيام ذهب الملك و أخذ معه الحراس للصيد فوقع الملك في يد جماعة من الناس الذين يعبدون الأصنام فأخذوه و أرادوا أن يقدموه قربانًا للأصنام ولكن عندما وجدوا أن إصبعه مقطوع
تركوه وعندما وصل القصر طلب من الحراس أن يأتوا بالوزير فروى ما حدث معه واعتذر منه وقال عندما أمرتُ الحراس أن يسجنوك قلت (لعله خيرا) فما الخير في ذلك ؟
فقال الوزير لو أنك لم تحبسني كنتُ سأكون قربانًا للأصنام بدلاً منك (فلعله خير) وتابع قائلاً إن الله عندما يأخذ من الانسان شيء فانه يكون امتحانًا للإنسان ولو أن إصبعك لم يُقطع كنت الآن تُقدم قربانًا للأصنام ففرح
الملك فرحا شديدا وقال( لعله خير) , نعم لعله خير , قد أخذَ اللهُ يدي مني امتحانًا لي و لو أنهُ لم يأخذها ربما كنتُ سأستخدمها بما لا يرضيه أو أن شرًا كان سيضرُ بي فلعله خير
و بينما أتذكرُ هذهِ القصة تعالت الأصوات فنظرتُ للوراء حيثُ المكان الذي يجيءُ منهُ الصوت
لأرى شابًا يقفُ أمام ياسر و يبوخه و من ثمَ يرفعهُ من يدهِ للأعلى و الشباب و الأطفال يتجمهرون من حوله
جريتُ باتجاههم و دخلتُ وسط الزحام حتى صرتُ وراء ياسر تمامًا , وقلتُ بصوتٍ حادٍ قوي : استهدي بالله و نزله
فنظرَ إليَّ و إلى جسدي الهزيل الصغير مقابل جسده و إلى يدي المبتورة بإزدراء و من ثم رفع عينهُ عني و عادَ بنظرهِ إلى ياسر الباكي وهو يقول : مين هذا لا يكون أخوك
مددتُ يدي و بكل قوة انتزعتُ ياسر من بين يديه فاختبىء ورائي بخوف متشبثًا بساقي الأيسر
تقدم ذلك الشاب متوسط البنية و لكن بنيتهُ المتوسطة تُضعافُ بنيتي مئات المرات
تقدم و هو ينظرُ لي بسخرية و يمدُ يدهُ نحو وجهي و لكني أمسكتُها بقوة و أبعدتُها بقوةٍ أكبر , فركلني في ساقي اليُمنى بقوة
و اقترب مني أكثر فأكثر , عاد لرفعِ يدهِ فأمسكتها و أزحتُها و لكمتهُ بقوةٍ وشدة
فوضع يدهُ موضع لكمتي و تقدم نحوي ثائرًا غاضبًا فقلتُ بصوتٍ عال : روح اتخبى يا ياسر روح لا تتعلق فيني .
فقال وهو يدفنُ رأسه في ساقي بصوتٍ باكٍ راجٍ : أغيـــد
قلتُ بحدة و أنا أتلقى الركلة الثانية في ذاتِ القدم المتألمة من الركلة الأولى : روح يا ياسر لا تخاف علي روح
فانزاح رويدًا رويدًا و ما عدتُ أشعرُ بهِ على قدمي
فانقضضتُ على الشاب بكلِ قوتي فجسدي رغم ضعفه و رغمَ أني أفتقرُ ليدي الأخرى
إلا أن تربيتُ تربيةً قاسية جعلتني أواجه سمحي بطولهِ و عرضه
فمن هذا الشاب جوار سمحي ! لا شيء فقد كان سمحي عظيم البنية و طالما تلقينا منهُ الضرب و التعنيف و واجهناهُ بكلِ شجاعة رغم معرفتنا المسبقة بأننا من الخاسرين
هؤلاء أبناءُ النعمة بينما نحنُ في شمسِ الظهيرة نتسول هم نيام
و بينما نحنُ نكابدُ العنف هم يتقلبون في الفراش
و بينما الحياةُ تعلمنا مئات الدروس في اليوم هم ينطوي يومهم دون أي درس
فلا يُستهانُ بمظهري أيها الشاب بعدما سالت الدماء منهُ و مني
حاول المدربين و المتواجدين إبعدنا عن بعضنا البعض
فابتعدنا و راح هوَ في دربهِ و أنا خرجتُ من الزحام أبحثُ بعينيَ عن ياسر حتى رأيته
تقدم ياسر الباكي نحوي , فانخفضتُ بجسدي للأرض ارتمى بحضني و هوَ يبكي فضممتهُ بشدة و أنا أسمي عليه و أمسحُ على رأسهِ بعطف
ابتعد قليلاً عن صدري و مدَ يدهُ إلى وجهي لتُطبع دمائي بيده و قال بصوتٍ طفولي دخل لأعماقِ أعماقِ قلبي : تعورك
أجبتهُ و أنا أبتسمُ لهُ و أضمهُ إليَ بشدة : تفداك يالغالي .
و مضينا حيثُ المنزل و حكى لي تفاصيل ما حدث , حيثُ أن أخ الشاب و الذي هو بعمرِ ياسر تشاجر مع ياسر مشاجرة أطفال
فتدخل الشاب و ضرب ياسر , و كم يُشعرني موقف الشاب بالحزنِ عليه , فهل يتشاجرُ مع طفل ليأخذَ حقَ أخيه
بدل أن يعلمهم تعاليم ديننا في الصلحِ و التسامح !
عجبًا لعقولٍ تافهة رغمَ تقدمِ العمر !
لعلَ يدي المفقودة أعطتني عقلاً , نادر الوجود بيومنا هذا
و لعل هذا الموقف و هذهِ الخدوش في وجهي خيرًا فقد جمعتني بأخي الذي ما كان يتحملُ رؤيتي بل و كان يعتبرني عدوًا له .



***


ضقتُ ذرعًا من هذهِ الجدران الأربعة و من نفسي و ما أنا عليهِ من حزنٍ و ألمٍ و هلاك
فارتديتُ عباءتي و خرجتُ من منزلِ مزنة لا أدري إلى أين و لكن لعلَ الهواء ينعشُ الميتَ بداخلي لعلَ نفسيتي تتغير للأفضل
مشيتُ و مشيت و حاولتُ إدخال الهواء لرئتي قدرَ ما أستطيع , هه أتكذبين على ذاتكِ يا مارسة
فهل للهواء أن يُزيحَ همًا يُضاهي الجبال شموخًا , و هل للمكان أن ينزعَ ألمًا جرى مجرى الدماءِ فيَّ
لا والله إن هذا الهم لا يزولُ و لا يُزاح لا يُنتزع و لا ينقشع قد نقشَ ذاتهُ و حفر لهُ منزلاً في روحي حتى قتلها
حتى صرتُ ميتة لأشعرُ سوى بالألم و الهوان
لا الهواء و لا المكان ولا الزمـ
و صوتُ عجلاتِ السيارة وهيِ تحتكُ بالأرض
و جسدٌ يتعالى فيسقطُ أرضًا و تنتثرُ الدماء
جسدٌ وقفَ أمامي ليحمني من الموت !
كنتُ أنا التي سأواجهُ الموت بدلاً من هذهِ المرأة
هذهِ المرأة الذي انقشع خمارها وظهر وجهها
البكماء التي ما استطاعت تحذيري فحمتني بجسدها



إنها حسناء

أمي

أمـــي

أمـــــــــــــي



***


أن نفعل من الخطايا و الذنوب مالا يعدُ و يُحصى و ننسى بكلِ برود ما اقترفناهُ من قذراة يجعلنا في يومٍ ما نرتطمُ بقاع الأرض
هذا ما حدث تمامًا حينما ذهبتُ لمقابلةِ الزائر فوجدتُ مزنة و فتاةً مراهقة ترتدي العباءة و الوشاح يغطي شعرها بإحكام بينما وجهها ناصع البياض يظهر دون أي مساحيق تجميل
قالت مزنة بابتسامة واسعة : بنتك مي


***


إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $



 
 

 

عرض البوم صور الشجية   رد مع اقتباس
قديم 19-11-16, 02:36 AM   المشاركة رقم: 483
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2013
العضوية: 254562
المشاركات: 501
الجنس أنثى
معدل التقييم: الشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 867

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الشجية غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشجية المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: حيزبون الجحيم / بقلمي

 
دعوه لزيارة موضوعي




السلامُ عليكم و رحمةُ اللهِ وبركاته () .





الجحيم 86 بينزل بكرة بإذن الله مو باقي إلا المراجعة فقط لكن ما فيني حيل أراجع الحين
فبكرة إن شاء على الظهر أو العصر بيكون عندكم
طبعًا كان اتفاقي معاكم على خمس جحيمات
نزلت اثنين و بكرة واحد
بقي اثنين للأسف الشديد ما بديت فيهم
و السبب ممكن يكون علي لأني قبل كذا فيه مرة كمان قلت بنزل خمسة خلال أسبوع و ما قدرت إلا على ثلاثة
فيمكن مقدرتي خلال أسبوع ما تسمح إلا بثلاثة فقط
أو
حقيقة يعني جاتني كمية احباط فضيعة من آخر جحيمين
يعني بعد طلبكم و ين البارت و اتأخرتِ و قلتِ السبت ووو
آخر شي في الثلاث منتديات ما لقيت إلا رد واحد بس في واحد من المنتديات
و الباقي ولا رد
حتى الرد إلي لقيته أعتقد إنه مختصر و بقوة قدام عدد الصفحات إلي كتبتها
فمعليش الانسان مثل ما يتمنى الخير لنفسه يتمناه للغير
إنتوا طالبتوني بالجحيم لشي بنفسكم و نزلت لكم جحيمين و كان عندي الاستعداد للثلاثة
لكن للأسف طلبتوا و ما اعطيتوا
فلا تنتظروا مني عطاء و أنا ما لقيت شي يحفزني أو يعطيني إلهام
عمومًا أنا ما جيت أعاتبكم و لا أطلب منكم ردود
لأنه مافي شي أجمل من إنه الرد يجي من نفس مو يجي لطلب
لكن أوضح لكم أسباب عجزي عن الخمس جحيمات

,


المهم بكرة لقاءنا مع الجحيم 86 بإذن الله تعالى
و أحب أقولكم وصلنا و الحمدلله لختامية رواية حيزبون الجحيم
لأن بعد الجحيم حق بكرة جحيمين فقط و تنتهي الرواية على خير بإذنه تعالى
أي الرواية 88 جحيم

لذلك أبغى كل وحدة فيكم وقت تتفرغ تكتب النهاية إلي تتمناها لكل بطل
طبعًا أنا بكتب باللي خططت له مو النهاية إلي انتوا حتكتبوها
بس أبغى أعرف مبدئيًا هل فعلاً نهاية حيزبون الجحيم حتكون مرضية للأغلبية
و إن شاء الله هالمرة ما تخذلوني و تسحبون علي



طابت أيامكم بِذكر الله


 
 

 

عرض البوم صور الشجية   رد مع اقتباس
قديم 19-11-16, 02:52 PM   المشاركة رقم: 484
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2013
العضوية: 254562
المشاركات: 501
الجنس أنثى
معدل التقييم: الشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عاليالشجية عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 867

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الشجية غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشجية المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: حيزبون الجحيم / بقلمي

 
دعوه لزيارة موضوعي








الجحيـــم


(86)


** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
























أن نفعل من الخطايا و الذنوب مالا يعدُ و يُحصى و ننسى بكلِ برود ما اقترفناهُ من قذراة يجعلنا في يومٍ ما نرتطمُ بقاع الأرض
هذا ما حدث تمامًا حينما ذهبتُ لمقابلةِ الزائر فوجدتُ مزنة و فتاةً مراهقة ترتدي العباءة و الوشاح يغطي شعرها بإحكام بينما وجهها ناصع البياض يظهر دون أي مساحيق تجميل
قالت مزنة بابتسامة واسعة : بنتك مي
أن نرتطم بقاعها ثم نظنُ أننا لم نسمع بشكلٍ جيد , أو أننا سمعنا ما لم يُقال , أننا نتوهم
أو أننا نتمنا ما لم نسمع , نتمنا لو أن ما سمعنا باطل
إلا أن شيئًا مما تمنينا بطلناهُ يُثبتُ أنهُ حاضرًا , بصوتهِ الذي يخرج مبحوحًا مهتزًا
ممتلئًا بالكثير من المشاعر المتناقضة و المتفاوتة ما بين الحنين و البغض
صوتًا يُعيدُ الصور و يُثبتُ أنهُ حقٌ لا باطل
صوتٌ نطق فقال : أنا مي من شكران
شكران ؟ من كانت شكران في حياتي سابقًا
راقصة ***** أأخذُ منها ما أريدُ من شهوةٍ و نزوة و أُغدقها بالمال
هذهِ رؤيتي لأمثال شكران و غاب عني حينها أني أنا لا أختلفُ كثيرًا عن هذهِ البيئة
فأنا منهم أغدقُ المال لأنال الشهوة بدمٍ بارد و روحٍ جامدة
أعتنقُ الاسلام اسمًا و لا أتقيدُ بشيءٍ منه
و خطيئتي السابقة أرادت أن تُثبت ذاتها في حاضري أن تحكي لي عن ابنة جاءت بالحرام
عن ابنة حرصتُ يومًا أن تموت قبل أن تولد فوسوستُ لشكران بما يدورُ في ذهني بأنها قد تكون ممن رميتُ بها عليه
نعم رميتُ بمن أخذتُها بعقدِ زيجةٍ باطل في أحضانِ رجلٍ غيري و نظرتُ لها كالديوثي بلا أدنى احساس
بكت حينها و ترجتني أن أتركها أن لا أجعلهُ يقتربُ منها لكني لم أرحم ضعفها و بعتُها بأرخصِ الأثمان
لكني اليوم أدركتُ أنها فتاتي و مني من هذهِ الملامح الجلية ففيها مزنة و فيها أنا و فيها وطني و في لونِ بشرتها مصر و شكران
نعم هذهِ الماضي الحاضر , هذهِ عقابي و جحيمي
مي جحيمي الذي عليَّ أن أحتويهِ و أضمهُ لي و إن كان جحيمي
عليَّ أن أحرصَ عليهِ و إن كان يُذكرني بقذراتي
عليَّ أن أدخلهُ لقلبي و إن كان يحرقني بلا رحمة
مي من أتيتُ بها بالحـ
حتى الحروف تعجز عن النطق , من أتيت بها في غفلتك و تعودُ إليكَ في يقظتك
لتكون حسرتك التي لا تنتهي لتكون الأمنية التي ما توجت بما يرضيهِ جلَ جلاله
لم أشعرُ إلا بضرباتها و هي تنتثرُ في صدري بكلِ قوة بصوتها الذي يتعالى
بشهيقها بضعفها و هوانها بروحها الممزقة
تحكي لي أن لا ذنب لها
سوى أني جلبتُها للدنيا في غفلةٍ مني
تحكي لي كم أنها مظلومة و كم ظلمتها
تحكي لي أنها نزوتي لكن الحياةَ لم تكن نزوة
كم بكت , كم تمنت أنها لم تلد
كم قذفوها و كم تحملت
: أنا بكــــــرهـ........ك بكـ.....رهـ...ك إنتا مش انسـ...ان , يالتني ما اتولـ....دت يارب خـ...دني لعندك واللهي تعبت تعبت أوي , أنا بكـ..ره كل حـ...اجة فينـ..ي
لما أبص لنفسي في المرآية أحـ...س إنـ..ي غلـ..طة في الحيـ...اة محدش بيحبـ...ها و محدش بيتمناها أحس إنـ...ي رخيصة أوي و أنا معملتش حـ...اجة بكره نفسـ...ي بكـ...رها
ايـ...ـه زنبي دايمًا بسـ..أل نفسي السؤال ده , أنا ايه إلي عملتو علشان يصير فيني كده , أنا ليه حظي وحش كده , أنا ليه و ليه , و بعدين بكل بساطة أجاوب نفسي بنفسي
لأنو بابا انسان وسخ .. لأنو بابا ماكنش عاوزني .. لأنو بابا معملش في حسابو إني هجي للحياة .. لأنو بابا ما فكرش بحاجة إلا شهتو و نفسو
ما فكرش بربو و لا دينو و لا حتى ضربية وساختو , لأنو أنا مكتـ..وب و مقـ...در ليا أكون بنت واحد مش مسؤول , مكــتـ...وب ليا أبتلي البلاء ده و لو نجحت في صبري عليه فربي بيحبني
الله بيحني علشان كده امتحني فيك و أنا لو نجحت في الامتحـ...ان ده هكون نجحت في رضى ربنا , ربـ...ك إلي و لا يوم فكرت في رضاه هتوئف في يوم ئداومو و هيسألـ..ك و هيحاسبك
بإيـ..ـه هتجاوبو ساعتـ...ها ؟!
و حملت ذاتها و راحت راحت للبعيد
و آخر ما رأيت نظرةَ الخذلان بعيني أختي مزنة
التي ظنت أن مي ابنة حلال
أختي التي رمتني بنظرة كانت كنصل السيف
الذي قضى على ما تبقى مني بعد وقعِ كلماتِ مي علي
ما تبقى لي أحد , فقد خذلتهم
و ها هم يرحلون دون الرجوع
ما تبقى لي أحد
راحوا و بقيتُ وحيدًا بلا قريبٍ و لا أنيسٍ و لا جليس
راحوا حتى دون الوداع
فحتى الوداع لا يرضى أن ينحني لي
حتى الوداع يرى أني لا أستحقه
و ها هي نار الجحيم تحفني بلا رحمة .





***



ما استطعتُ استيعاب دناءةَ اخي هزاع , حتى آتني الخبر الذي دمرَ وحطم ما تبقى بي من قوةٍ و ثبات
حسناء صديقتي التي أفتقدتُها سنينًا و ما وجدتُها إلا بعدما سرقنا العمر
مُصابة في المشفى , حادثُ سير
فورَ بلوغ الخبر لي , طلبتُ من زوجي الذي يقودُ السيارة للمنزل أن يتجه بنا إلى المشفى المقصود
و توجهنا إلى المشفى دخلتُ كالمجنونة لا أدري في أي سبيلٍ أذهب فقط أتحرك و لولا الله ثم زوجي
لطرقتُ الأبواب بابًا بابًا باحثةً عنها
تحدث إلى الاستقبال و علم منهم رقمَ الحُجرة و توجهنا مسرعين إليها و قد مضى على الحادث ساعتين ونصف
و فورَ وصولنا كان الطبيبُ يخرج من حجرتها
تقدمنا نحوهُ بخطواتٍ سريعة و بادرتُ بالسؤال بخوفٍ و هلع : شخبارها حسنا ؟
فقال بدبلوماسية و رسمية : الحمدلله بخير , لكن للأسف فقدت حركتها , جاها شلل سفلي , أبغى أحد يتفضل معاي أشرح له التفاصيل .
شلل سفلي , فقدت الحركة , يالله يا حسناء فقدتِ نعمةً أخرى
كيف لكِ أن تصبري , و كيف لي أن أشدَ من إزركِ و أنا التي أشعرُ بالضعفِ و الهوان
يالله يا حسناء كأن كل جميل بكِ يُقابلهُ نعمة مفقودة
أخلاقٌ و جمال , و نعمٌ شحيحة عليكِ
توجهتُ للحجرة بينما راح زوجي مع الطبيب
دخلتُ لأجدها تستلقي على السرير و عيناها للسقف
ابتسمت حينما رأتني و رفعت جزءها العلوي الشيء الوحيد الذي يتحركُ بها
حاولتُ ردَ الابتسامة لكن الحزن قتلها قبل مولدها
قبلتُها في رأسها و جلستُ على الكرسي المجاور بعدما سحبتهُ و وضعتُه جوارها تمامًا
حاولتُ التحدث معاها بما أعرفه من لغةِ الإشارة
لأتفآجأ أنها أكثرُ صبرًا مني و أنا التي لم يُصبها مكروه
تقول الحمدلله فقد وهبها اللهُ الحياة رغم أنها كانت قاب قوسين أو أدنى إلى الموت
تسألني عن صغيرتها مارسة و التي لا علم لي بحالها
فمن أبلغني بالحادث كانت خادمةَ و مساعدةَ حسناء على الحديث و المنزل و كل شؤونها
و قد علمتُ منها أن حسناء رمت بذاتها لتُنقذ مارسة فعيبٌ على مارسة عدم الحضور
عيبٌ عليها و إن كانت تبغضُ والدتها فعلى الأقل هي ممتنة لها و عليها الحضور
أخرجتُ هاتفي من الحقيبة لأتصل عليها لكنها اتصلت قبل اتصالي
فرفعتهُ بسرعة حتى تدخل السعادة قلب حسناء و هي ترى اسم فتاتها يُضيء الشاشة هي لا تجيدُ القراءة بما أنها في الأصلِ لا تتحدث
ولكني حاولتُ إيصال المعنى لها بالإشارة بأن فتاتها المتصلة
فابتسمت بسرور و تعلقت عيناها بي , رددتُ على الهاتف


*



هيَ ضحت بحياتها لأجلي , بينما أنا أقطعُ الشارع بذهنٍ غائب
هيَ رمت بذاتها بالجحيم , بينما أنا ركلتُها من حجرتي
هيَ قالت ابنتي , بينما أنا لم أقل أمي
هيَ جاء الإسعاف لاصطحابها إلى المشفى بينما أنا استلقيتُ على سريري
هيَ ذهبت إلى مصيرٍ مجهول حياةً أو موت
بينما أنا أستلقي بكلِ جمود بلا مشاعر و لا إنسانية كأنها ليست بأمي ليست بجنتي
هيَ حسناء البكماء التي ما استطاعت تحذيري فألقت بذاتها للجحيم
هيَ من استنقصتُها كانت الأكثر شجاعة و تضحية لأجلي
هيَ وحدها من اختارت و أرادت هذهِ النهاية
فلمَ لحقتني و أنا الحظُ السيء في الحياة
ماذا أرادت من غرابِ الشؤم ؟!
تستحقُ ما حدث فما وقعت بهِ نتيجة فضولها
نعم أنا لا ذنبَ لي , و هيَ التي أرادت أن تُضحي بذاتها لأجلِ شؤمِ الحياة ولها ما أرادت
سأتحدثُ إلى مزنة فقط لأتأكد من كونها حسناء الحمقاء فقط لهذا لا شيءٍ آخر
اتصلتُ عليها و انتظرتُ قليلاً من الوقت حتى ردت بصوتٍ باكي جعل جسمي يقشعرو أطرافي تتصلب و سمعي يذعن و عيناي تتوسع و الحروفُ تتحجر
فقالت مزنة : نعم يا مارسة , إذا بنسألي عن وميمتك فحسنا محتاجتك يا مارسة لا تقسي عليها فقيدة سمع و حركة
حركة لقد فقدت حركتها فوق فقدانها لسمعها و الكلم
ما تبقت لها سوى نعمة واحدة البصر وحسب
تابعت مزنة : جاها شلل سفلي جاها الشلل الغالية , ارحميها يا المارسة ولا تزيديها وجع هاذي وميمتك جنتك و نارك , رمت بنفسها لجلك كان ممكن تكوني بمكانها لكن هذاك بخير
و بدل ما تكوني جنبها إنتِ بعيدة يمكن لو شخص غريب ضحى بنفسه لجلك بتوقفي بجنبه لكن لأنها وميمتك ما حنيتي !
أغلقتُ الهاتف لا تُتابعي يا مزنة فهذا مبدئي ولن أتراجع من تخلى عني طفلة لا يستحقُ مني سوى القسوة و الفراق
لا تنتظري أيتُها الحمقاء شيئًا مني فهذا ما أردتِ و لكِ ما تستحقي .



*

تفآجأتُ من حجم الجمودِ الذي بداخل مارسة هذهِ والدتها و لا تشعر
و لم أستطع حقيقةً أن أُعطي الحقيقة لحسناء الصماء التي ما سمعت الحوار الذي دار
لذلك لم أستطع إلا أن أقول لها كذبًا بأن مارسة تحمدُ الله على سلامتها
سامحيني يا حسناء على كذبي
لكن لا أستطيعُ قول الحقيقة المره
و يالله كيف لي أن أصف مقدار سعادتها
فقط لأجل جملة بسيطة كأنها امتلكت الأرض بما فيها من كنوز .




***


و مضت الأيام السبعة التي كان يخافها بدقائقها و ثوانيها , يعدُها عدًا و كلما مضت دقيقة اقترب الأجلُ دقيقة
و مضت أربعة خطوط و الخامسة تُغلق الحزمة و خطين بالجوار
و صوتُ السجان مناديًا : ربيع و جهاد العدل
قمتُ واقفًا بثبات فأنا أعلمُ أن هذا يومي و لا مفر فلمَا الخوفُ و الذعر ؟
بينما جهاد لم يحرك ساكنًا , هززتُه من كتفه برفق مناديًا : جهاد يلا ئوم وائف .
و كأن لمسة يدي كانت التنبيه الذي جعلهُ يستيقظ من الغيابِ للوجود الذي سيجرهُ للغيابِ قسرًا
لم يتحرك قط إلا أن جسدهُ يهتزُ اهتزازًا واضحًا للعيان , ينتفضُ هلعًا من حتفه
هلعًا من الحبل الذي سيطير بروحهِ للبعيد
انخفضتُ بجسدي للأرض وبصوتٍ حنون : جهاد , احنا عارفين انو ده الي هيحصل , ليه الخوف ؟ , احنا فوزنا و هنموت فايزين ادحك مالوش داعي الحزن ده .
مددتُ يدي إلى كتفه لأمدهُ بالقوة و الثبات
في حين تقدم السجان للأمام و هو يقول بقلةِ صبر : يلا ما تئوم و تخلصنا مش فاضي لك .
وضعتُ يدي على ذراعهِ أحاول رفعهُ عن الأرض لكنهُ تشبث بها و كأنه صار من جذورها لا يُنتزعُ بسهولة
فتقدم السجان بسرعةٍ هوجاء و راح يسحبُ جهاد من يده إلا أن جهاد لم يتحرك قدر أنملة , فأخذ يركلهُ بقدمه
و قفتُ ما بين السجان و جهاد و دفعتُ السجان للوراء و أنا أصرخُ عليه : ملكش حق تمد ايدك عليه
ضحك بسخرية و أشار بعينهِ للسجان الذي يقفُ على الباب فتقدم هوَ الآخر و أخذ كلاً منهما يضربون بنا متجردين من معاني الإنسانية
بكل قسوة و كأننا كالحيوانات لا نشعر أنا رجلٌ في أوآخر عمري و جهاد وحدهُ لا يستطيعُ مجابهتهم و خاصةً بحالهِ هذهِ
ركلوا ما ركلوا و ضربوا ما ضربوا لكموا حتى شُوهت الوجوه و قذفونا بأقدامهم حتى عجزت الأقدام
و لفظت أفواههم من بذيء الكلماتِ ما لفظت , هذهِ بيئة السجن
البيئة التي يُعاملُ بها المجرم كالحيوان
هو معاقبٌ بالبقاءِ بالزانزانة إلى حينٍ إشعارٍ آخر , و ليس بالضرب و الإهانة
لكن و لأنهم من الأمن يظنون أن لهم أن يعثون في البشر كما أرادوا
فليس لهم رقيب و المجرم مجرم و إن كان مظلومًا
سُحبنا من ثيابنا على الأرض بين الأزقة رآنا من رآنا ولم تتحرك مشاعرُ أحدهم للنجدة
فكلهم بلا استثناء مجرمين يدعون الصلاح
هم هكذا بنو البشر ما أن يملكوا الأحقية بشيء حتى تقسوا قلوبهم و تتحجر
و انتهى بنا المطاف أمام حبلِ المشنقة بكا جهاد لفرطِ خوفه بكاءً شديدًا ولم يرحم أحدهم ضعفهُ و وهنهُ
بل زجروه و نعتوه بأسوءِ الألفاظِ و أقذرها , ضربوه حتى اختفت معالمُ وجهه
عذبوه قبل الممات و سيعذبوه على الحبل حتى تغيبَ روحه
ما وقفنا فوقهُ و سيسحبُ من أسفلنا , الحلقة التي أُدخلنا بها رؤوسنا
و أصواتهم البذيئة آخر ما نسمع
السجانان اللذان تنحا جانبًا , وقاسيا القلب من يقوما بالإعدام يقفنا من خلفنا
الروح التي تشتاقُ للحياة
الجسد الذي يشتاقُ للروح
الدمعة التي خرجت من محجري رغمَ ثباتي
و رؤيتي لجهاد و هو ينتفضُ و يبكي يتمنى لو يتغير أجله في آخرِ لحظة
و كأني أقرأُ في عينيهِ الندم قبل أن تنطقَ شفتيه : يالتني ما سمعتك , ياليتك مت ئبل ما تكلميني يالتني أنا إلي مت ئبل ما أروح برجولي للموت .
و كانت كلماتهُ السيف الحاد الذي شقَ قلبي فهدم كل ثبات
ليتنا لم نفعل
ليتنا لم نكن يومًا سببًا في قتلِ أرواحٍ بريئة بالمخدرات
سببًا في كراهية الابن لوالدته
سببًا في بيع الأخ لأخته مقابل المال الذي سيدفعهُ لما سيعجلُ من أجله
ليتنا محينا فكرة الثأر , ليتنا عشنا بصفاء
ليتنا لم نفعل حتى لا نقف ها هنا
ليتنا و ياليتنـ
و سُحب من أسفلهم ما كان يرفعهم
فأرتفعت أجسادهم و انتكست رؤسهم
و سافرت أرواحهم لباريها
يوم يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا .




***



و كان لي ما أردت بعدما قال الرحمن كن فكان , بعدما تحدثتُ مع القاضي بعدها بمدة اتصل عليَّ يُبلغني بأن الدعوة سترفع غدًا في الظهيرة
أي اليوم و بهذا الوقت , و ها أنا ذا أخطو خطواتي في أزقةِ المحكمة حتى وصلتُ إلى المكان و وقفتُ بالخارج حتى يتم استدعائي
داعيًا الله مرتجيه بأن تُخفف العقوبة على صغيرتي و يتمُ نقلها للسعودية حتى يتسنى لنا زيارتها في كلِ وقت
اللهم بقوتك وعزتك وجبروتك اللهم يا حي يا قيوم
فكّ قيد ابنتي اللهم يا مجيب الدعاء خفف عنها يا أرحم الراحمين
اللهم استجب لي يا نعم المولى ونعم النصير ,وعجل عليها بالفرج ,بجودك وكرمك,وارتفاعك في علو سمائك يا أرحم الراحمين, إنك على ماتشاء قدير
و لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين


*


ما أثار عجبي رفع الدعوة تارةً أخرى بعد صدور الحكم ! , و قد علمتُ أن أصل وراء ما حدث و قد جاء اليوم بما وعد
اليوم سأعرف من يكونوا عائلتي , اليوم سأراهم و أوبخهم اليوم سأقفُ أمامهم و أعاتبهم و أُلقي كل اللوم عليهم لأنها الحقيقة فكل اللومِ عليهم
هم من تركوني لمن لا رحمةَ لهم , لأُنسان لا إنسانية بهم ربوني أسوأ تربية
جعلوا مني قذراة و نجاسة , حان اللقاءُ و الحساب
حان اليومُ المنتظر , وبدأت مراسم الدعوة مع القاضي و المحامي إلى الشاهد
إلى اسم أصل الحكمي الاسم الذي تم نداؤه بالمرة السابقة لكنهٌ خذلني ولم يحضر
لكن اليوم خرج الضابط مناديًا : أصل الحـ
و قبل أن يُكملها كان أصل يخطو خطواته الثابتة بوقار و يقفُ على الجانب المخصص له
و وقف الجميع للقسم , فأقسم أنهُ سيقول الصدق ولديه دليل
و بدأ حديثهُ و هو ينظرُ لي نظرةً عميقة و أنا متمسكة بالقضبان بشدة
نظرة لم أعرف معناها نظرة خالطتها لمعة و كأنها دمعة تريدُ التمرد و الخروج
نظرة جعلتني أتمنى أمنية استنكرتُها بشدة جعلتني أتمنى لو أقف أمامه و أقولُ لا تبكي و أن أمنع نزولها
لكنها نزلت نزلت , و اخترقت دواخلي اخترقت مي أم أنهار لا أدري
اخترقتني بكلِ قوة حتى ارتجفت شفتاي بدايةَ بكاء لسببٍ ما لا أعرفه
لأن شخصًا في يومٍ ما كان عدوي أدمعت عيناه اشتاقت عيناي للبكاء لأجله !
بدأ حديثهُ ببحة لآمستني من الوريدِ إلى الوريد , عيناه لازالت تنظرُ لي و كأن لا أحد سوانا ها هنا : مي يوسف مصطفى العدل , مثل ماوضح المحامي تربت في أسرة ما هي أسرتها
و إلي يأكد كلامي الورق إلي معاك يا حضرة القاضي , مي بنت سعودية أخذتها العصابة و ربتها حتى يجي اليوم إلي توقف فيه مع العصابة ضد عيلتها
قال قال عائلتها عائلتها !
بلى قال عائلتها , قال عائلتها !


*


: مي بنتي و مالها ذنب بكل إلي صار , مـ...ي ......
حاولتُ التقاط أنفاسي و استجماع حروفي لكني بكيتُ أمام الحضور دمعةَ رجلٍ لا تُذرف إلا لشدة
بكيتُ و أنا أرى صغيرتي تتمسك بالقضبان تتقدم بجسدها للأمام و تعودُ للخلف وهي تبكي بكاءً مريرًا , تضربُ جبينها بالقضبان حتى صار شديد الإحمرار
بكيتُ و أنا أُطأطأُ رأسي للأسفل و أجفاني تُعانقُ عيني لتحبس الدمع شفتاي تنتفضُ بشدة
و الحروف تأبى الخروج في يومٍ جمعني بابنتي على أرضِ المحكمة هيَ من وراءِ القضبان و أنا أقفُ شاهدًا
على ذنبٍ لا هوَ ذنبي و لا ذنبها
: مـي بنتـ....ي بنتـ....ي و مثل ما قدامك بالورق أنا فقـ...دت الذاكـ...رة من قبـ...ل لا تـ...ولد للحيـ..اة و مارجعت لي إلا بعد كل هالسنيـ...ن و هذانـ...ي اليوم جيت ... جيت أخرجـ...ها من مصيبتها .
أنهيتُ حروفي و راحت عيناي تُسافر حيثُ صغيرتي من وراءِ القضبان
آهٌ يا صغيرتي لو بيدي إذابة القضبان و أخذكِ معي للبعيد إلى حياةٍ تليقُ بكِ
آهٌ يا صغيرتي و عشراتُ الآهاتِ لو تعلمي ما يشعرُ قلبي اتجاهك
لو تعلمي من تكوني أنتِ في قلبِ والدك
لو تعلمي مدى قهري عليكِ
لو تعلمي أنهُ لو بيدي محوَ كل المآسي لمحيتُها
لو بيدي محوَ الماضي و جعل البداية من اليوم الذي ستكوني بهِ خارج القضبان لبدأنا منه
لكن ليس بيدي سوى النظر لكِ عن بعد و أنتِ تنزفي ألمًا
انتقل القاضي إلى المحامي الذي طلب ما أريده : يا حضرة القاضي لو أن بالإمكان نقل الجانية مي العدل إلى السعودية حتى تكون قريبة من عائلتها بعد أن سرقت السنين منهم القرب , و ذلك لأنها وكما
كان لها اليد في أذية مصر قد آذت السعودية وللسعودية كل الحق في أسرها كما لنا من الحق , و كما نريدُ تخفيف العقوبة عنها لسبب الذي ذكره الشاهد فقد ربتها المنظمة على العداوة بقصدٍ و عمد
و الفتاة مي لم تتجاوز التاسعة عشر من عمرها أي لازالت في عمرٍ صغير و كما تتفقُ البنود أن المراهق ما دون التاسعة عشر يُخفف عنهُ العقاب لصغرِ عمره , و أنا أعلم أن مي قد تجاوزت الثامنة عشر
ولكن لم تتجاوزها سوى بسنةٍ واحدة وما هي عليهِ من تربية المنظمة لم يجعلها تراجع أفكارها لصغر عمرها فنريدُ منكم تخفيف العقوبة لسنة واحدة وفقًا للمادة الثالثة و الثمانون بعد المائتين في تخفيف العقوبات .
صمت القاضي هنيهةً من الزمن و من لفظ حكمه و عيناي تقرأ الحرف قبل خروجه " حكمت المحكمة على الجانية مي يوسف العدل بالسجن سنة واحدة وفقًا للمادة الثالثة و الثمانون بعد المائتين و نقلها إلى المملكة العربية
السعودية لإكمال عقوبتها , رُفعت الجلسة .
الحمدلله الحمدلله الحمدلله
سجدتُ للهِ شكرًا في ذاتِ مكاني على أرضِ المحكمة سجدتُ لهُ سبحانه و تعالى من قال كن فكان
الحمدلله الحمدلله الحمدلله
و ما أن رفعتُ من سجودي حتى رأيتُها أمامي تمامًا بالأغلال الحديدية على يمنيها سجانة و على يسارها أخرى
بدموعها بإحمرار وجهها بإرهاقها
فتحتُ ذراعي لها , حتى صارت في أعماقِ أعماقِ قلبي
أحتضنتُها بشدة و هي تردد :بـ...ابـ...ا ,, .بـ...ابـ........ا
قبلتُها في رأسها و استنشقتُ عبير شعرها و دموعي تُخالط خصلاتها
صغيرتي الحمدلله الذي مدَ في عمري حتى أراكِ يا صغيرتي
صغيرتي سأحاولُ أن أكون لك الأب و الأم و كل السنين الماضية
سأبدأُ بكِ طفلة فمراهقة فناضجة
سنبدأ من الصفر حتى نصل لما يريدُ كلانا
حاوطتُ بيدي خديها و دموعها تشقُ الطريق بيدي و بحنانٍ أبوي : بنبدأ من جديد , بننسى كل شي بنبدأ من أول جديد
عادت برأسها لصدري و طوقت بيديها خصري و هيَ تشدني إليها و تغمرُ رأسها بصدري أكثر فأكثر
و تبني لها في قلبِ والدها قصرًا يُجاور قصور أخواتها و أخيها .



***



بعدما عاد ناجي من عملهِ الساعة الثانية ظهرًا لتناولِ طعام الغداء كالعادة , جلسنا مقابلين لبعض أمام مائدةِ الطعام في صالةِ جناحنا الخاص
مدَ يدهُ واحتضن يدي بين يديه بحنانٍ و رفق : كيفك الحين ؟
ابتسمتُ لهُ براحة : الحمدلله و اتخذت قراري
ركزَ عينيه علي و أذعن السمع و شدَ من احتضانه ليدي و بتوجس : وش هو قرار قارورتي , معزوفتي و مهجة روحي وبهجتها ؟
اتسعت ابتسامتي و أنا أتقدمُ بجسدي للأمام : بننسبه لخالي عبدالقوي رضا ربي أهم من كل شي و إن شاء الله ربي بيرزقنا بالذرية الصالحة
طبعَ قُبلةً عميقة براحةِ يدي , و نظر لي نظرة جعلتني أطمئن و استعد لمستقبلٍ مشرق : بإذنه تعالى ربي بيرزقنا بالذرية الصالحة و تلاقي عيالنا يجرون حولنا و تطفشين منهم لدرجة تقولي
يالله كيف في يوم كنت غبية و أبغاهم .
ضحكتُ على تعبيره و معالم وجههِ و هو يتحدث و شاركني الضحك
و كأننا بهذا اليوم ولدنا من جديد أو السعادة ولدت في حياتنا اليوم
رغمَ أن لا شيء قد تحقق ولكن حسن الظن بالله كان يكفينا عن كلِ مُجاب
و حينما توقفنا عن الضحك تناولتُ كأس العصير و رشفتُ منهُ و وقعت عيني عليه و هو ينظرُ إليَ بنظرةٍ لعوب نظرة خبيثة أفهمها جيدًا
رفعَ حاجبهُ و لوى شفتيه و عينيهِ تلمعُ بخبث قبل أن ينطق : أنا أقول يعني برأيي بما إننا مستعجلين بسالفة الأطفال لو نشد حيلنا شوي يعني من سبعة لتسعة مرات في اليـ



*


و قبل أن أُكمل جملتي غصت بالعصير و أخذت تسعلُ بشدة وقفتُ خلفها بسرعة وضربتها بظهرها حتى هدأت و أخذت تجمعُ أنفاسها
فضحكتُ على حالها و خجلها و فزعها مما قلت بصخب
وقفت من على الكرسي و مشت تتجاهلني نحو حجرةِ النوم و هي تتحلطمُ قائلة : ما يشبع وسخ يارب مايشبع
مشيتُ حتى أصبحتُ و راءها تمامًا و احتضنتُ خصرها بين يدي و أنا أغمرُ رأسي برقبتها الشامخة الطويلة و اشتمُ رائحتها المحببة لقلبي
و من ثم أستديرُ بها اتجاهي و أغيبُ معها بقُبلة عميقة شاركتني عمقها و إحساسها بكلِ عطاء
وضعتُ يدي أسفل فخذيها و أنا أرفعها عن الأرض و أمشي بها لحجرةِ النوم : لابوك لابو الغدا .




***



ها نحنُ مجتمعين على مائدةِ الطعام بتمامِ الساعة الثانية و النصف ظهرًا , و كالعادة أجلسُ بالمنتصف ما بين والدتي و والدي
و على الطرفِ المقابل تجلسُ ميساء مقابلةً لي و على الطرفِ الأيمن ياسر و الأيسر ديما و بجانبها أختي التي تعاديني
قد اكتسبتُ كامل الأسرة أمي و أبي ميساء و ديما و حتى ياسر سواها هيَ
طلبتُ من أمي الليمون لبعدهِ عني
و قبل أن تمدَ أمي يدها لليمون كانت أختي لمياء قد أعطتها إياه !
و هذا فعلاً أثار عجبَ الجميع على المائدة فلمياء إن كان الأمر يتعلقُ بي لا تتدخل مطلقًا و لا تقدمُ أي مساعدة و حتى إن أمرتها أمي بذلك ترفض لأن الأمر يتعلقُ بي
أكملنا طعام الغداء على خير , و قامت أمي و ميساء برفعِ الأطباق عن المائدة بينما راحت ديما إلى حجرتها للعبِ بالدمى كعادتها
و أبي يُتابعُ الأخبار بالصالة , أما أخي ياسر فكان يستعدُ للنادي فبعد صلاةِ العصر مباشرة يبدأُ دوامه
أما أنا فقد قمتُ من على المائدة لأُشارك أبي الجلوسَ في الصالة و متابعة الأخبار
و لكن قبل وصولي للصالة استوقفتني لمياء بصوتها و لأولِ مرة بصوتٍ هادىءٍ لا هجومي : أغيد
استدرتُ بجسدي إليها و ابتسمتُ لها بالرغم من كل ما تفعل فهيَ تبقى في عمرٍ صغير
فطأطأت رأسها و احمر وجهها بخجل و نشبت أصابعها ببعض : أنا .. يعني .. أنا آسفة يا أغيد , و شكرًا لإنك ساعدت ياسر .
نعم فلمياء كانت الأقرب لياسر و كان كلاهما لا يتقبلاني مهما فعلت
اقتربتُ منها و وضعتُ يدي على كتفها احتضنها لي و قد كانت أمي تقفُ على باب المطبخ تبكي و تبتسم بآنٍ واحد .





***



قبل صلاةِ العصر بساعة , خرجتُ من المنزل ترجلتُ سيارة السائق الذي قادني حيثُ يكونُ
باتر أحلامي و طفولتي قبل يدي , قد حان يومُ الحسابِ و العتاب
هذا من بتر يدي بدمٍ جامد , بقلبٍ قاسٍ , بضميرٍ ميت , و روحٍ تعبدُ المال
ها أنا أقفُ في انتظاره و ما أن سمعتُ ضربَ الخطوات على الأرض حتى رفعتُ عيني إلى أصحابها سجانان و بالمنتصف
من ظننتُه في يومٍ ما أبي وما هوَ أبي بل هوَ ذاته سارقُ سعادتي حمدان الوغد
اتسعت عيناهُ فورَ رؤيتهِ لي لكن سرعان ما طأطأ رأسهُ أرضًا و ما أن تركاه السجانين و صار أمامي
حتى أمرتهُ بصوتٍ جهوري : ارفع راسك
قليلاً من الوقت و رفع رأسهُ
فبصقتُ في وجهه



***


إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $



 
 

 

عرض البوم صور الشجية   رد مع اقتباس
قديم 19-11-16, 05:45 PM   المشاركة رقم: 485
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2011
العضوية: 221651
المشاركات: 2
الجنس أنثى
معدل التقييم: أم فروووس عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 11

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أم فروووس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشجية المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي

 

السلام عليكم
يعطيك العافية على هالبارتين اللي كنت انتظرهم على احر من الجمر
واعذرينا على التقصير بالرد مع العلم انه كل يوم افتح اشوف نزلتي بارت والا لا

توقعاتي:
ام مارسة بتعيش وبترجع مارسة لامها وبتاخذ غانم

ما اتوقع ركاض بتزوج مي
معن وعطره بيرجعون لبعض ويستقر حياتهم
عزوف بتحمل وتنسى فكرة تبني غانم

واتمنى النهاية تكون سعيده💕
















الجحيـــم


(85)


** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
















و بينما أجلسُ على الأرض و أنفثُ قذارةَ السيجارة لأُنهي ثالث علبة لليوم
رنَ الجرس وقد توقعت أنهُ ركاض , فوقفتُ من على الأرض بتكاسل و أنا أجرُ خطواتي ناحيةَ الباب
فتحتُ الباب و تسمرتُ واقفًا على أصواتِ أطفالي : بــــــــــــابــــــــــــــا


*


ضغطتُ على الجرس و بلقيس و وائل يتقافزون بسعادة , فتح معن ليظهر بذاتِ المظهر الرث
الذي رأيتهُ بهِ على الهاتف الجوال ليس كالأمس بهندامٍ حسن و رائحة طيبة , اليوم هندامه مجعد
و رائحته مملتئة بالسجائر و وجهه مملتىء بخدوشٍ جديدة
استقرت عيني عليهِ وهو ينخفض إليهم و بلقيس تمدُ يدها إلى وجههِ و تبكي بخوف و هي تقول : بابا اشبك
فوضع يده و غطى يدها الصغيرة و هو يُجيبُها بحنان : ما فيني شي يا بابا بس اندقيت في شي
احتضنتهُ بشدة و بادلها الاحتضان بذراع واحد و الأخرى فتحها ينادي وائل إليه
وائل الذي تردد قليلاً و من ثم قبع في حضنه
كان يُقبلهم في رأسهم , خدهم و على أكتافهم و يشد في احتضانهم و من ثم يتراخى ينظرُ إليهم و الندم و الحسرة في عينيه
و كل محبة الأرض تمكثُ فيه و تنهدرُ عليهم بغزارة
ما كان معن , كان رجلاً آخر , كان أبًا مسؤولاً , يهتمُ بأبنائه يخافُ عليهم , يحنُ و يعطفُ عليهم
و هل اعترفت بهم يا معن بعدما ظهرت براءتي , هل كنت في عقلك حينما تخيلت أني رخيصة أرمي ذاتي في أحضان الفجر و الدناءة
هل كنت بعقلك حينما نعتَ شرفك بالزانية خانعة الثوب
كيف تريدُ مني أن أسامحك و ذنبك لا يُغفر
و يا ليتهُ يغفر لأن روحي الحمقاء لازالت تُحبك
لأن قلبي لا يعودُ للحياة إلا برؤيتك
لأن الوجود في حضورك غياب
لأنكَ أنتَ أنتَ خلدي و الخلود
تقدمتُ للأمام و دخلتُ للمنزل بينما هم لازالوا عندَ الباب كما كانوا
خلعتُ عباءتي لكي لا يشكَ أبنائي بأمرنا رغمَ أن اليوم الذي سأنفصلُ بهِ عن والدهم سيجيءُ قريبًا
و لكن لا داعي لإشغال تفكيرهم فيما لا ينفعهم
طبقتُ عباءتي و وضعتها بجانبي على الكنبة , تناولتُ جهاز التحكم و أخذتُ أتجول بين القنوات بلا هدف
و قليلاً من الوقت حتى وصلتني أصواتهم متفاوتة و صوتَ باب المنزل الذي أُغلق
دائمًا ما يسألُ أطفالي عن والدهم و أتعذر و أؤكد لهم أنه سيعود
ولكن بما أنه عاد أخذتهم إليه , فأنا حتى و إن انفصلتُ عنهُ لن أحرمه من أبنائهِ و لن يحرمني من أبنائي
فلسنا في حرب بل في حياةٍ ماجمعتنا قط
جلسوا سوية على الكنبة المزدوجة المقابلة لي
لم أنظر إليهم بل بقيت عينيَ على التلفاز و لكن كنتُ أشعر أن زوجًا من الأزواج الثلاث يخترقني
عينيه هو , ولكن إلامَ ينظر ؟
حتى وهو يتحدث مع ابنائه لا يرفعُ عينيه عني ! ما الخطأُ بي و إلامَ ينظر ؟
نظرتُ إليهِ بفضول لأرى أين هيَ عينيه , فإذا بها على كتفي العاري
سريعًا راحت عينيَ إلى العباءة بجانبي وأخذتُ الوشاح لأغطي به كتفي
و تجاهلتُ النظر و رغم محاولة تركيزي على التلفاز لم أستطع التركيز فلازالت عينيهِ تُلاحقُني
نظرتُ إليه تارةً أخرى لأرى عينيهِ على صدري , رفعتُ " البلوزة " للأعلى و عدتُ لتجاهله
و لكن عينيه لم تتجاهلني بل زادت حرارتها التي تخترقني أضعاف مضاعفة
تأففتُ بضيق و رفعتُ حاجبي و أنا أنظرُ إليه فرأيتُ عينيه تسافرُ و تبحرُ في ساقي أخفضتُ عيني لأرى ما ينظرُ إليه
وقد كانت " التنورة " مفتوحة من الجانب من بداية الفخذ إلى نهايةِ المطاف و هو ينظرُ إلى كلِ ما كشف
وقفتُ من على الكنبة و توجهتُ إلى المطبخ فوصلني صوتهُ وهو يقولُ : فتنة والله فتنة
فسألتهُ بلقيس : ايش فتنة يا بابا ؟
فردَ عليها : يعني الفتنة أشد من القتل لا تفتنوا على بعض يا بابا ما يصير كذا عيب .
" ايوا يالفتنة أشد من القتل و إنت عيونك شوي و تآكلني حتى وقدام عيالك مراهق مهما كبر مراهق و مهما كبر عيونه طويلة "
دخلتُ إلى المطبخ و تناولتُ من الدولاب كأس , و أخرجتُ من الثلاجة ماء لأسكبه بالكأس
جلستُ على أحدِ الكراسي و ارتشفتُ الماء البارد علَّه يطفي اللهيب الذي أشعله ذلك اللعوب في جسدي و نفسي
حتى وهو في مرضه النفسي و تعبه لا يكفُ عن النظر .





***



بمنتصفِ الليل , عدتُ من عملي الذي صار جحيمًا بعد دخولِ أبي للسجن , حديث الناس و انكسار أبي في الزنزانة و محاولته لإظهار العكس بالقوة
عدتُ و لا أريدُ شيئًا سوى الذهاب في رحلةِ النوم في الغياب عن همومِ و مصائب الدنيا
و ما أن دخلت حتى وجدتُ هوازن تقفُ أمامي
و لسوءِ حظها أني أريدُ من يُحدثني حتى أرمي بغضبي و تعبي عليه و غير هذا غضبي عليها لكتمانها ما يحدث ما بين أبي و والدها عني
اقتربت مني و هي تبتسم قائلة : الكاسر اتأخرت خفت عليك


*


قلتُ ما قلت ومددتُ يدي نحو رأسهِ لأخلع عنهُ القبعة العسكرية
لكنهُ أمسك بيدي بشدة و أزاحها عن القبعة بقوةٍ أكبر فاتسعت عينيَّ بخوف
و تراجعتُ خطوةً للوراء و أنا أُحاول التماسك : حبيبي
تجاهلني و تقدم بخطواتهِ للأمام و هوَ يقول : بنام على صلاة الفجر صحيني و ما أبي أشوفك صاحية لهالوقت تنتظرني نامي ماني بزر تخافي علي .
و اختفى في داخل حجرةِ النوم , ما الذي تغير هذه أنا منذُ زيجتنا أنتظرهُ حتى عودتهِ من عمله
تقدمتُ بإصرار نحو حجرةِ النوم لأُوضح لهُ سبب اخفائي للحقيقة فهذا أبي و لا يريدُ أن أفشي بالسر
فتحتُ باب الحجرة و وقفتُ بمنتصفها و أنا أراهُ يخلع الجزء العلوي من ردائه
بثبات : الكاسر لازم تفهمني إذا على إلي بين أبوك و أبوي , فترى هذا طلب أبوي و الله لو ما طلب مننا كان قلت لك بس لازم أطيعه .
قال و هو يُعطيني ظهره و يرتدي ثوب النوم : هوازن اسكتي مو ناقصك أبي أنام .
بإلحاح : لازم تفهمني, ليش تزعل بدون سبب لازم تتفهم موقفي مو متعودة أخليك تنام و إنت زعلان مني , فلازم تسمعني و أسمعك مو تنام و إنت زعلان و أنا قلقانة عليك .
و تقدمتُ عدة خطوات للأمام حتى صرتُ خلفهُ تمامًا و هو استدار و استقرت عينيه بعيني و قال بأمر لا تراجعَ فيه : ما تبيني أزعل قولي وش إلي بين أبوي و أبوك .
بهدوء : بس يالكاسر أبوي طلب ما نقول و علي طاعته و فوق هذا كله هو ما قال لنا أي شي عن أبوك هو حكانا إلي صار بالتفصيل و طلب مننا ما نتكلم بهالكلام لكن كان تخمين مني إن لأبوك علاقة في الموضوع
و ممكن تخميني غلط .
رفع حاجبه و كتف يديهِ إلى صدره : و زوجك ما عليك طاعته !
قطبتُ حاجبي بضيق , فأنا لم أعتد أن أتحدث معه أو يتحدث معي بهذه الطفولة نحنُ أكبر من أن نتشاجر على أمرٍ كهذا : لكنه سر يا الكاسر .
أعطاني ظهره و استلقى على السرير و هو يُطفىء الأبجورة و يقول في العتمة : لا تنسي تصحيني للصلاة .
زاد الضيق في صدري لم أعتقد أني في يوم سأجعله ينام بقهره و أنامُ بضيقي
و لم أعتقد أن يومًا سيجيء هوَ لا يتفهمني بهِ
فقد كان أبي و أمي و زوجي و كل أملك طيلة السنين
فما الذي صار حتى يتغير هذا التغير العنيف !



***



عدتُ من عملي بمنتصفِ الليل , دخلتُ للجناح مهدودَ الجسد فقط أريدُ وضعَ رأسي على الوسادة
و الغياب في الموتةِ القصيرة , و بينما أسحبُ خطواتي لحجرةِ النوم استوقفني صوتُ بكائها القادم من الحجرةِ المجاورة
فغاب كل نومي و تأهبت حواسي لها , دفعتُ الباب الموارب
فرأيتُها تقعدُ القرفصاء على الأرض رأسها مدفونٌ في فخذها و شعرها المسدل يغطيها
ما بالها تبكي ! , فمنذُ فترة لم أرها باكية منذُ قدوم أبيها و حلول غانم في تفاصيلِ حياتها
ارتحل عنها الحزن و ملأت السعادة ربوعها
و اُتخم ثغرها الوضاح بابتسامةٍ مشرقة
ويح الترح لا يغيبُ عنكِ و ويح الفرح يهوى الغياب !
قعدتُ أمامها وناديتُها بصوتٍ حنونٍ عطوف : قارورتي
و لا استجابة منها , مددتُ يدي في محاولة لإبعادِ يدها عن وجهها : قارورتي
فاستجابت للمسةِ يدي و انتفضت بخوف كأنها للمرةِ الأولى تسمعُ مناداتي لها
و حينما رأتني زال الخوف إلا أن الحزن لازال يقطنُ في ملامحها الفاتنة ليزيدني فتنةً بها و يزيدها وجعًا
احتضنتُ يدها بين يديَ , و مال رأسي للجانبِ قليلاً : اشششششش اهدي اهدي
و كأن صوتي كان النار الذي أشعل رأس الفتيل
بكت بحرقة و بصوتٍ أعلى من ذي قبل , سحبتُ رأسها حتى ارتطم بصدري وضممتُها بشدة ولو كان بإمكاني
لزرعتها في داخل جسدي , لو كان بإمكاني لأخذتُ كل الأمان بداخلي و وهبتها إياه
لأعطيتُها روحي تضمها لروحها و تزيدها ثباتًا
احتضنتُها ساعة ساعتين طال بنا الوقتُ و طال ولا صوتَ يصدرُ من كلانا استمعُ لشهيقها و امتصهُ نارًا تُحرقني
لأُخرجها حرارةً و دفئًا لها , و بعدَ السكون امتدت يدها تُعانقُ عنقي و تسحبُ رأسي لصدرها و صوتها يخرجُ مبحوحًا يعانقُ ضربات قلبها : قلبي يوجعني ..
حفظت مسامعي ضربات قلبها المضطربة و احتضنتها معزوفةَ شجن و لفظَ لساني دعاءَ قلبي : ليت الوجع في قلبي ولا فيك , ليت هالصدر دوا خوفك و أحزانك , و ليت هالحزن ينتزع و ينحط فيني
والله يا قارورتي كل دقة من دقات قلبك تألمني و أحس فيها لكن ما في يدي دوا , كلها أماني أتمناها و ليتها تخفف حدة التعب فيك , ليش البكا يالغلا ؟
قالت و هيَ تدفنُ وجهها في عنقي فتدفعُ رأسي ناحيةَ صدرها أكثر فأكثر : غانم يا ناجي قلبي مآكلني عليه , أخاف ينتسب لخالي و ينساني , أخاف ينتسب و أفقده , و أخاف أحرمه من النسب و أندم و أكون ذنبه في دنياه
والله أحس بضيقة ما يعلم فيها إلا رب الوسيعة والله يا ناجي قلبي يوجعني عليه , وضميري ما بين الرضى و التراجع .
أبعدتُ رأسي عن صدرها حتى استقرت عيني بعينيها في عناقِ الذعرِ للأمآن في انهزام الخوف و هتافَ الراحة : كل هالبكي و هالدموع عشان غانم , يهون عليك ناجيك بغى يموت من الخوف عليك , يا قلب و روح و غلا ناجيك
صلي استخارة و اسمعي لقلبك بعد الصلاة وش يدلك عليه قلبك دليلك و أنا أقولك يالغالية الخير كل الخير في تعاليم الدين لكن صلي حتى ترتاحي أكثر و تختاري طريقك براحة , حتى في يوم لا صارت مشكلة
تقولي هذا الخير مو تقولي وين الخير و تحطي اللوم باختيارك تعرفي إن هالمشكلة إلي صارت خير مقابل الشر إلي ممكن يصير لو اخترتِ الخيار الثاني .
أمسكتُ بيدها و وقفتُ أحثها على الوقوف : تعالي غسلي وجهك و توضي من الحين وصلي و ريحي بالك و اختاري طريقك .
وقفت ومشت حيثُ دورةِ المياه بينما كنتُ أنظرُ لجسدها حتى غاب وراء الباب , الاستخارة وقت التردد في فعل أمرٍ مباح هل يعمله أو لا يعمله
و معزوفتي مترددة في فعلِ أمرٍ واضح في تعاليم الدين كما أوضحت لها هوازن من ذي قبل
و لكن لا شيء قد يُهدأ من روعها و يُرشدها للطريق السوي سوى الصلاة .




***



وصلتُ إلى أرضِ مصر و نمتُ لأمدَ جسدي بالطاقة و من ثم استيقظتُ من الصباح الباكر و توجهتُ إلى منزلِ القاضي
قعدتُ في السيارة أمام منزله فالساعة تُشير إلى التاسعة صباحًا , وقد يكونُ أهل المنزل نيام و من العيب طرق الباب بهذا الوقت
لذلك أنتظرهُ في السيارة حتى يخرج لعمله و أتحدثُ معهُ بشأنِ قضيةَ مي و ما معي من أدلة تساندها
و مضت نصفُ ساعة و من ثم رأيتهُ و هو يخرجُ من المنزل و يُغلق الباب
تناولتُ الورق من المقعدِ المجاور لي و خرجتُ من السيارة متوجهًا نحوه
أناديه و هو يعطيني ظهره ويتوجه لسيارته , لكنه حينما سمع صوتي إلتفت إلي و توقف في مكانه
تقدمتُ نحوهُ و سلمتُ عليه و بعد الأحاديث الرسمية تقدمتُ بطلبي : حقيقة أنا جاي اليوم بخصوص قضية مي يوسف العدل , القضية إلي كنت فيها شاهد و ما قدرت وقتها أحضر
معاي هالورق ممكن يفيد مي في قضيتها جايك بطلب إنك تعيد رفع الدعوة لأن البنت مظلومة بالحكم .
خلع النظارة الشمسية عن عينيه و قال بأسف و حديثٍ منطقي : بس الدعوة اترفعت و الحكم صدر مش هئدر أعيد الدعوة تاني لأني ما ئلتش إن الحكم محل شك و نظر و إنو الدعوة دي ممكن تترفع
تاني أنا أصدرت القرار كقرار نهائي مالوش رجوع .
مددتُ الورق إليه بإصرارٍ و إلحاح و محاولة قصوى لإقناعه بالتراجع عن قراره : طيب أقرأه وشوف أنا وش أقصد ممكن تتفهم موقفي .
اخذ الورق مني و قال : واللهي هشوفو لأنك غالي يا أصل و ساعدتنا كتير لكن والنبي لو كان حد تاني ماكنتش هشوف المكتوب خالص .
رفع الورق إلى عينيه و أخذ يقرأ بتأني و حاجبه يُقطب باستعجاب و من ثم رفع رأسه إليّ و في عينيه كل معاني التعجب و الدهشة : اي ده مي بتك ؟! طيب ليه ما جبتش الدليل يوم الدعوة ليه بعد ما خلصنا ؟
بهدوء : المفترض إن الورق يكون جاهز يوم الدعوة لكن في أحد اتلاعب بنتايج التحليل و لهالوقت ما عرفت مين و اضطريت أعيد التحليل من أول وجديد و كنت بنتظر نتايج التحليل الجديد لكن المركز اتصل علي
يبلغني بإن التحليل طلع و أنا ما استلمته يعني الورق المزور أخذته من رجال ثاني ظنيته من موظفين المركز , بالمختصر في أحد كان هدفه يأخرني عن الدعوة و ينحكم على مي بمدة سجن طويلة
و صار إلي يبيه , و أنا جايك اليوم أطلبك تتفهم موقفي و تحاول إعادة رفع الدعوة .
صمت قليلاً ومن ثم قال و هوَ يمدُ الورق إلي : أوعدك هحاول و هردلك الخبر النهارده.
أخذتُ الورق منه و أومأتُ برأسي بالموافقة راجيًا من الله أن ينجح في إعادةِ رفع الدعوة .




***



في الظهيرة , بعد اللومِ و العتب الذي قذفني بهِ هزيم , حملتُ ذاتي و خطوتُ نحوَ جحيمي مخيرة
ذهبتُ إلى مركز الشرطة مع أنه من المؤكد أنهم يبحثون عني و سيلقون القبضَ علي
لكن ما عادَ هناك ما يهم فقد كان املي أن أرى هزيم قبل مماتي و قد رأيتهُ
رأيتهُ و هوَ يظنُ بي ظن السوء , يعتقدُ أن فرطتُ بهِ بمليء إرادتي
ابني و إن لم ترآني أمك إن بعض الظنِ إثم
ابني و إن لم تعتبرني أمك لقد آلمتني كثيرًا
أوجعتني وجعًا حتى الحروف تعجزُ عن وصفه
لم تترك لي مجالاً للتعبير للشرحِ و التوضيح
كنتَ اليقين و ما أنتَ إلا الشك
طلبتُ زيارة حمدان و بالرغم من أنهم أخذوا هويتي مني إلا أنهم سمحوا لي بالزيارة !
و قد ظننتُ أن مصيري سيكون في الزنزانة و العجيب أني كنتُ أريدُ الزنزانة لأن لا منزل لي سواها
فمنزل ساجدة و إن كان بهذا الحجم العظيم لا يتسعُ لي بعد اليوم
لكن يبدو أن الزنزانة أيضًا لا تتحملُ وجودي



*


دخل السجان مناديًا " حمدان , زيارة "
مشيتُ وراء السجان و أنا أحاول تخمين الزائر لكن لا أحد يخطرُ في بالي
فرأيتُ التي تجلسُ على الكرسي في انتظاري امرأتي عُشبة , امرأتي التي وضحتُ للضبطِ العسكري أن لا ذنب لها بما اقترفت يداي
و أني كنتُ أُعذبها حتى تخضع لأمري و لأني وضعتُ كامل الجريمة علي
فوقعت الإدانة عليَّ و البراءة حفتها لذلك لم يقبضوا عليها
انتظرتُ زيارتك كثيرًا يا عُشبة حتى أعتذر و أطلب الغفران عن السنين الماضية
لكنكِ لم تجيئي و دخل اليأسُ قلبي و احتله احتلالاً
لذلك لم تكوني في التخمين , لكنكِ جئتِ يا عُشبة فشكرًا لكِ على قدومك
ألقيتُ التحية فردتها و جلستُ على المقعدِ المقابل
نشبتُ أصابعي ببعض و تقدمتُ بجسدي للأمام حتى أُقدم اعتذراي و لكن قبل أن أتفوه بأي حرف
اندفعت هيَ بالحروف السامة المؤلمة القاتلة اندفعت بلا هوادة ترثي سنينًا عجاف قد مضت
عن كبواتي زلاتي , استبدادي و حياتنا المعطوبة بالحرام
عن رجائها و ازدياد كراهيتي و تعنيفي
محاولتها لإيقاف انهيار أعمدةَ معيشتنا , سعيها لنثر الأمان في ربوع حياتنا
رجاءها لرؤيةِ هزيم و رفضي و بطشَ يدي , بكاءها و رُشدي الذي ما عاد إلا بعدما أشعل هزيم حرائق قلبها , غفلتي و مسيرتي الهادرة بالحرام
صرخت و بكت و تعالى صوتها و تباطىء
ضربت يديها على الطاولة و تراجعت بالكرسي أدراجها للخلف
تقدمت و قفت و جلست أبدت ما أبدت من انفعال , حتى شح عليها صوتها و أبى الخروج
فمسحت دمعها بيديها و راحت بعدما تركتني روحًا هالكة منهكة
روحًا في حسرتها و حدةِ ندمها و ألمها , جسدًا ينتفض و عينًا سكبت دمعة وحيدة و هي تنظرُ ليدي المبتورة الراحلة كرحيل أيدي مئاتِ الأطفال .


***




بعد صلاةِ العصر , اتصل أبي عليَّ و أبغلني بإنشغاله و عدم مقدرته على إيصال ياسر إلى نادي السباحة
و طلب مني ان أصطحبهُ إلى النادي القريب من المنزل
لصغر عمر أخي ياسر و الذي يبلغُ العاشرة يخافُ عليه أبي أن يذهب وحده و خصوصًا من الشارع الذي عليه قطعه
يخاف أن تأخذ روهُ سيارةً مسرعةً هوجاء , وافقتُ على ما قالهُ أبي و ها أنا أمشي مع ياسر أخي الصغير الذي يبغضني أشد البغض و يعتبرُ أني أخذتُ دوره في المنزل
حيثُ أنهُ كان الابن الوحيد بين ثلاثةِ أخوات فاكن يرى من نفسه الرجل بعد أبي و لكن حينما تطفلتُ على حياتهم رأى أني سرقتُ مكانه منه و خصوصًا أن كلاً من أبي و أمي يضعون كل اهتمامهم عليَ
و يشجعوني دائمًا بأني رجلُ المنزل حتى يغيب عني شعور النقص من يدي التي راحت منذُ سنين بلا عودة
وصلنا إلى النادي فدخلَ للداخل مسرعًا بينما بقيتُ أنا أنظرُ للنادي من الخارج و الفضول جعلني أتقدمُ بخطواتي للداخل
أنظرُ للأطفال و المراهقين و الشباب و هم يرمون بأنفسهم في الماء يحركون كلتا يديهم و يتضاحكون يتسابقون و يتمازحون نظرتُ إلى يدي بحسرة لكني حمدتُ الله مئةَ مرة
فكلهُ خير و إن لم ندرك أين الخير بالأمر , هو الخير هو الخير , قد سمعتُ يومًا قصةً تعليمية على لسانِ أحدِ الشيوخ في المسجد
تحكي القصة أن ملكًا لهُ وزيرٌ حكيم في يومٍ من الأيام ذهبا لصيد الحيوانات وكان الوزير كلما أصاب الملك شيئًا يقول (لعله خير) وهما في طريقهما وقع الملك في حفرة
عميقة فقال له الوزير (لعله خير) ونزف من يده دمٌ كثيف فذهبا الي الطبيب فقال يجب قطع الإصبع حتي لا يضر الجسم فغضب الملك ورفض ذلك إلا أن اصبعه لم يتوقف عن النزيف فقام بقطع
الإصبع فقال الوزير (لعله خير) فقال الملك ما الخير في ذلك فغضب الملك غضبًا شديدًا و أمر الحراس بحبس الوزير فقال الوزير (لعله خير) و مضى الوزير فترة طويلة داخل السجن وفي يومٍ من
الأيام ذهب الملك و أخذ معه الحراس للصيد فوقع الملك في يد جماعة من الناس الذين يعبدون الأصنام فأخذوه و أرادوا أن يقدموه قربانًا للأصنام ولكن عندما وجدوا أن إصبعه مقطوع
تركوه وعندما وصل القصر طلب من الحراس أن يأتوا بالوزير فروى ما حدث معه واعتذر منه وقال عندما أمرتُ الحراس أن يسجنوك قلت (لعله خيرا) فما الخير في ذلك ؟
فقال الوزير لو أنك لم تحبسني كنتُ سأكون قربانًا للأصنام بدلاً منك (فلعله خير) وتابع قائلاً إن الله عندما يأخذ من الانسان شيء فانه يكون امتحانًا للإنسان ولو أن إصبعك لم يُقطع كنت الآن تُقدم قربانًا للأصنام ففرح
الملك فرحا شديدا وقال( لعله خير) , نعم لعله خير , قد أخذَ اللهُ يدي مني امتحانًا لي و لو أنهُ لم يأخذها ربما كنتُ سأستخدمها بما لا يرضيه أو أن شرًا كان سيضرُ بي فلعله خير
و بينما أتذكرُ هذهِ القصة تعالت الأصوات فنظرتُ للوراء حيثُ المكان الذي يجيءُ منهُ الصوت
لأرى شابًا يقفُ أمام ياسر و يبوخه و من ثمَ يرفعهُ من يدهِ للأعلى و الشباب و الأطفال يتجمهرون من حوله
جريتُ باتجاههم و دخلتُ وسط الزحام حتى صرتُ وراء ياسر تمامًا , وقلتُ بصوتٍ حادٍ قوي : استهدي بالله و نزله
فنظرَ إليَّ و إلى جسدي الهزيل الصغير مقابل جسده و إلى يدي المبتورة بإزدراء و من ثم رفع عينهُ عني و عادَ بنظرهِ إلى ياسر الباكي وهو يقول : مين هذا لا يكون أخوك
مددتُ يدي و بكل قوة انتزعتُ ياسر من بين يديه فاختبىء ورائي بخوف متشبثًا بساقي الأيسر
تقدم ذلك الشاب متوسط البنية و لكن بنيتهُ المتوسطة تُضعافُ بنيتي مئات المرات
تقدم و هو ينظرُ لي بسخرية و يمدُ يدهُ نحو وجهي و لكني أمسكتُها بقوة و أبعدتُها بقوةٍ أكبر , فركلني في ساقي اليُمنى بقوة
و اقترب مني أكثر فأكثر , عاد لرفعِ يدهِ فأمسكتها و أزحتُها و لكمتهُ بقوةٍ وشدة
فوضع يدهُ موضع لكمتي و تقدم نحوي ثائرًا غاضبًا فقلتُ بصوتٍ عال : روح اتخبى يا ياسر روح لا تتعلق فيني .
فقال وهو يدفنُ رأسه في ساقي بصوتٍ باكٍ راجٍ : أغيـــد
قلتُ بحدة و أنا أتلقى الركلة الثانية في ذاتِ القدم المتألمة من الركلة الأولى : روح يا ياسر لا تخاف علي روح
فانزاح رويدًا رويدًا و ما عدتُ أشعرُ بهِ على قدمي
فانقضضتُ على الشاب بكلِ قوتي فجسدي رغم ضعفه و رغمَ أني أفتقرُ ليدي الأخرى
إلا أن تربيتُ تربيةً قاسية جعلتني أواجه سمحي بطولهِ و عرضه
فمن هذا الشاب جوار سمحي ! لا شيء فقد كان سمحي عظيم البنية و طالما تلقينا منهُ الضرب و التعنيف و واجهناهُ بكلِ شجاعة رغم معرفتنا المسبقة بأننا من الخاسرين
هؤلاء أبناءُ النعمة بينما نحنُ في شمسِ الظهيرة نتسول هم نيام
و بينما نحنُ نكابدُ العنف هم يتقلبون في الفراش
و بينما الحياةُ تعلمنا مئات الدروس في اليوم هم ينطوي يومهم دون أي درس
فلا يُستهانُ بمظهري أيها الشاب بعدما سالت الدماء منهُ و مني
حاول المدربين و المتواجدين إبعدنا عن بعضنا البعض
فابتعدنا و راح هوَ في دربهِ و أنا خرجتُ من الزحام أبحثُ بعينيَ عن ياسر حتى رأيته
تقدم ياسر الباكي نحوي , فانخفضتُ بجسدي للأرض ارتمى بحضني و هوَ يبكي فضممتهُ بشدة و أنا أسمي عليه و أمسحُ على رأسهِ بعطف
ابتعد قليلاً عن صدري و مدَ يدهُ إلى وجهي لتُطبع دمائي بيده و قال بصوتٍ طفولي دخل لأعماقِ أعماقِ قلبي : تعورك
أجبتهُ و أنا أبتسمُ لهُ و أضمهُ إليَ بشدة : تفداك يالغالي .
و مضينا حيثُ المنزل و حكى لي تفاصيل ما حدث , حيثُ أن أخ الشاب و الذي هو بعمرِ ياسر تشاجر مع ياسر مشاجرة أطفال
فتدخل الشاب و ضرب ياسر , و كم يُشعرني موقف الشاب بالحزنِ عليه , فهل يتشاجرُ مع طفل ليأخذَ حقَ أخيه
بدل أن يعلمهم تعاليم ديننا في الصلحِ و التسامح !
عجبًا لعقولٍ تافهة رغمَ تقدمِ العمر !
لعلَ يدي المفقودة أعطتني عقلاً , نادر الوجود بيومنا هذا
و لعل هذا الموقف و هذهِ الخدوش في وجهي خيرًا فقد جمعتني بأخي الذي ما كان يتحملُ رؤيتي بل و كان يعتبرني عدوًا له .



***


ضقتُ ذرعًا من هذهِ الجدران الأربعة و من نفسي و ما أنا عليهِ من حزنٍ و ألمٍ و هلاك
فارتديتُ عباءتي و خرجتُ من منزلِ مزنة لا أدري إلى أين و لكن لعلَ الهواء ينعشُ الميتَ بداخلي لعلَ نفسيتي تتغير للأفضل
مشيتُ و مشيت و حاولتُ إدخال الهواء لرئتي قدرَ ما أستطيع , هه أتكذبين على ذاتكِ يا مارسة
فهل للهواء أن يُزيحَ همًا يُضاهي الجبال شموخًا , و هل للمكان أن ينزعَ ألمًا جرى مجرى الدماءِ فيَّ
لا والله إن هذا الهم لا يزولُ و لا يُزاح لا يُنتزع و لا ينقشع قد نقشَ ذاتهُ و حفر لهُ منزلاً في روحي حتى قتلها
حتى صرتُ ميتة لأشعرُ سوى بالألم و الهوان
لا الهواء و لا المكان ولا الزمـ
و صوتُ عجلاتِ السيارة وهيِ تحتكُ بالأرض
و جسدٌ يتعالى فيسقطُ أرضًا و تنتثرُ الدماء
جسدٌ وقفَ أمامي ليحمني من الموت !
كنتُ أنا التي سأواجهُ الموت بدلاً من هذهِ المرأة
هذهِ المرأة الذي انقشع خمارها وظهر وجهها
البكماء التي ما استطاعت تحذيري فحمتني بجسدها



إنها حسناء

أمي

أمـــي

أمـــــــــــــي



***


أن نفعل من الخطايا و الذنوب مالا يعدُ و يُحصى و ننسى بكلِ برود ما اقترفناهُ من قذراة يجعلنا في يومٍ ما نرتطمُ بقاع الأرض
هذا ما حدث تمامًا حينما ذهبتُ لمقابلةِ الزائر فوجدتُ مزنة و فتاةً مراهقة ترتدي العباءة و الوشاح يغطي شعرها بإحكام بينما وجهها ناصع البياض يظهر دون أي مساحيق تجميل
قالت مزنة بابتسامة واسعة : بنتك مي


***


إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $



[/COLOR][/SIZE][/QUOTE]

 
 

 

عرض البوم صور أم فروووس   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الجحيم, انتقام, اكشن, بوليسي, بقلمي, غموض, عجوز
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195054.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 24-04-16 12:17 PM
Untitled document This thread Refback 09-04-15 05:57 AM


الساعة الآن 11:19 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية