كاتب الموضوع :
الشجية
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: حيزبون الجحيم / بقلمي
الجحيـــم
(83)
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
فُتِحَ الباب لتضيءَ سماء الدنيا و ترنو الأرض من حولي
عرفتني الخادمة و انزاحت عن الباب فدخلتُ و سألتها و أنا أنظرُ بأرجاءِ الصالة الخالية : وينهم ؟
فأجابت و هي تضمُ يدها إلى بطنها : بابا ما في يجي , ماما في غرفة مع كاسر , ناجي في غرفة مع أزوف .
أومأتُ برأسي متوجهًا بخطواتي حيثُ تكونُ أمي و الكاسر , مبتسمًا بانتشاءٍ و حبور بكلِ خطوةٍ أخطوها
حتى صرتُ أمام الباب يدي اليُمنى فوقَ مقبضهِ و قلبي بجانبهِ الأيسر يخفقُ لفرطِ سعادته
و بضغطي على المقبض للأسفل كان يُضغط من الطرفِ الآخر فُتِحَ على مصراعيه
لأرى أخي الكاسر الذي كان يهمُ بالخروج من حجرةِ أمي
ابتسم الكاسر بسرور و قبل أن أبادر بأي ردةِ فعل نادى أمي منبهًا لها و هي تعطينا ظهرها و تخرجُ شيئًا ما من الكمودينة
التفت إليه و هي ترد : يا عيـ ... ركـــــــــــاض !!
جلست أمي على الأرض و هي تبكي تحمدُ الله تارة و تناديني إليها تارةً أخرى
قطعتُ الخطوات التي بيننا و كأنني أقطعُ ستَ سنوات من عمري عشتُها بعيدًا عنها في مجنٍ و سفور
ستُ سنواتٍ يُفترض أن تنتهي بشهادة خريج هندسة و انتهت بخريجِ سجون
ستُ سنواتٍ سلبت مني جزءًا من ركاض الذي كان فيَّ قبل السفر و أهدتني ركاض آخر
ركاض تائبٌ لربه , عائدٌ لأسرته , مقتنع بأن الحُب لا يكون إلا بعد الزواج بإطارِ الحلال
ركاض ركض بعيدًا عن شهواتهِ و نزواتهِ الدنيوية
ركاض ركضَ ليقطع السنين و يجثو حيثُ أقدام أمهِ جنتهِ في الدنيا
أُقبلُ رأسها و يديها أقدامها و هيَّ تُقبلني و تحتضني لصدرها الدافىء
هذا الحنان الذي يُغني عن كلِ حنان هذا الصدر الذي يحمل و يتجرع و لا يغلقُ أبوابه بتاتًا
تمسحُ على شعري و تشدني إليها أكثر فأكثر
سمعتُ صوتَ الباب الذي أغلق و أدركتُ أن الكاسر غادرَ الحُجرة ليتركنا براحة
فأمي أكثر من تحب في ابنائها أنا لأني الأصغر
و من المؤكد أني سأبيتُ بجوارها
و إذا لم أبيت في جنةِ الدنيا فأين لي أن أبيت ؟!
***
فتحتُ الباب و قد ظننتُه ركاض لأتفاجَىء بها
لقد حضرت لقد أتت
من أحببتُها بكلِ ما فيني و بقدرِ ما أحببتها ظلمتها
بقدرِ ما كانت تسكنُ بداخلي عذبتها
بقدرِ ما كان قلبي ينبضُ لها صرختُ بها
و بقدرِ الوجع الذي مكثَ بداخلي حينما كذبَ الطبُ عليَ جلدتها
هي الحكاية التي لم تتوج بالنهاية
هيَ ذنبي البريء و أنا المذنبُ الماجن
هيَ حبيبتي زوجتي
أمُ أطفالي لكنها ما عادت ملكي
فقد صار لها حريةَ البقاء أو الرحيل
نطقتُ بصوتٍ آسفٍ حنون : براءة دنيتي
*
قالها , قالها بعدَ انتهاءِ مُهلته , قالها بعد ظلمهِ لي سنينًا عجاف
قالها فاتحًا ذراعيهِ على وسعهما يُناديني لأحتل منزلي الذي يتربعُ صدره
حينما قلتُ لنفسي أني سأحتضنك كما احتضنتني لم أكن أقصد حضن العشق و المغفرة الذي تفتحهُ لي
ليس هذا يا معن , الحضن الذي سأحتله هوَ الحضن الواهن الذي يحتاجني
لأُساندك كما جرحتني فساندتني رغمَ أنكَ جرحي !
و أنا كذلك سأكونُ الجرح و الدواء في آنٍ واحد !
أغمضَ عينيهِ بتوتر بعدما رأى الجمودَ مني و حتى يديهِ تنتفضان انتفاضةً واضحةً للعيان
أخفضتُ بصري عنهُ إلى الأرض و مشيتُ بجانبه و دخلتُ لداخلِ المنزل
و تقدمتُ بخطواتي للأمام إلا أن عيني استرقت النظر إليه و هوَ يضمُ ذراعيهِ إلى صدره إلى حيثُ منزلي مهجورٌ يحتاجني
يستديرُ بكامل جسدهِ إليَّ في الوقت الذي أُبعدُ فيهِ عيني عنه
تقدم بخطواتهِ إليَّ و هوَ يبسطُ ذراعهُ للأمام و يُشيرُ إلى أحدِ الأبواب : حياكِ
دخلتُ إلى حيثُ يُشير و أخذتُ مقعدي المفرد
فجلسَ أمامي على الطاولة و بيننا مسافة بسطية يديهِ تستندُ على الطاولة تحاذي جانبيه
يديَ تخلعُ الخمار و عينيهِ تحفظ تفاصيلي تحكي كلَ معاني الشوقِ و الوله
أطرقتُ رأسي أرضًا حيثُ قدميه أمام أقدامي
أطرقتهُ بعدما اشتعل جسدي بالحرارة و لو أزاحَ شعري عن أذني لأدركَ خجلي منه
جاءني صوتهُ خافتًا : لازم نتكلم في وضعنا .
رفعتُ عيني إليه و بثباتٍ و صوتٍ واثق : وضعنا واضح .
لتبزغَ ابتسامةً بشفتيه تعاكسُ لمعةَ الحزنِ بعينيه ربما ابتسامةَ سخرية أو ابتسامةَ يأس ! : الفراق
حركتُ كلتا يدي : وش رايك إنت ؟
نظرَ بعينيهِ إلى سقف و تلك الابتسامة لازالت بشفتيه : معك حق , لكن القلب مو دايمًا مع الحق , القلب ما يقدر يتخلى عن سكانه .
تقدمتُ بجسدي للأمامِ قليلاً : يقدر كل بيت يسكنه ثاني , كل بيت و له بديل .
نظرَ إليَّ وقال بصوتٍ خرجَ من أعماقِ أعماقه و هو ينظرُ إلى عينيَ بتمعن : استعمرتيه , ما يقوى الهجر والله ما يقواه
رفع يدهُ إلى جانبهِ الأيسر : هنا لك مدينة لك وطن لك دنيا كاملة , هنا كل السكان أموات, هنا إنتِ و غيرك ما له و لا بيكون له وجود .
ابتسمتُ بسخرية عليه و أسى على حالي : وش فايدة المدينة و الوطن و الدنيا إن كان الجسد يرخصني بالحرام ! , وش فايدة المدينة و الوطن و الدنيا إن كانوا جحيم
وش فايدتهم يا معن ! من قوى الجراح يقوى الهجر يا معن .
تنهدَ تنهيدةً طويلة مهما بلغ طولها لن يبلغ نصف السنين الموجعة : هو كذا ما يعرف الحق أعمى يجرح و يقتل لكنه يحب بإخلاص عمره ما يستوعب أكثر من شخص
يرخص كل الجسد إلا هالعضو غالي و ما يكسنه إلا الغالي .
انتفض كامل جسدي عكس صوتي الواثق : ما أبي غلاه , جرحه قاسي ما يغفرله الإخلاص , عافيته و عافيت عيشته ياما حذرته و نصحته حاولت أبعده عن عماه لكنه عمره ما سمع لي مع إنه
يدَعي إني أسكنه لكن كنت ساكنته ميتة كلامي ما يهمه حلفاني يكسره نظرة عيني ما ترضيه , و كأنه عُطرة كانت حية و لكن حادثة وحدة موتتها ودفنتها في مدينتها .
قمتُ من على الكنبة و توجهتُ للخارج أغطي وجهي بخماري و أشعرُ بخطواته من ورائي لكني لم أنظر إليه
ترجلتُ السيارة في المقعد الخلفي و بجواري خادمتين فثالثهما الشيطان
و عينيهِ تلحقني حتى صرتُ سرابًا .
***
بدأت مراسيمُ الدعوة القضائية صباحًا و لم أرَ أصل أو أسمع عنهُ شيء ، مقيدة بالأغلال بداخلِ القضبان الحديدية بأرضِ المحكمة ، و بدأ القاضي بالتنظيم و التحدث بمقدماتٍ مملة لا تعني لي شيئًا بل حتى
هذهِ القضبان لا أهتمُ لها و لا أهتم بعقابهم أيًا كان و إن كان الموتُ شنقًا فلا شيء أعيشُ لهُ و لأجله ، فلماذا أعيش ؟! و لماذا أرغبُ بالحياة ؟! من في الدنيا يكونُ رفيقًا لي ؟! من سيهتم إن غبتُ
عن الوجود ؟! لا أحدَ يهتمُ لي و لا أنا أهتمُ لذاتي ، لكن أصل أينَ هوَ لا أريدُ دليلاً لنجاتي فأنا لم أقبل بعرضهِ هذا بل عرضتُ عليهِ أن يبحثَ عن عائلتي و لكنهُ حتى الآن لم يظهر ، هه كذب ككلِ من
كان في حياتي غدرَ كالجميع لا يختلفُ عنهم ، لا أدري لمَ وثقتُ بهِ و أعطيتهُ كل الحقائق عن العصابة على أملِ إيجاهِ لعائلتي ، عائلتي !! هل أقولُ عائلتي هل أتوجُهم
بياء الملكية ، هل أتوجُهم بها و هم من سلبوا أحقيتي بها مني ، جعلوني بلا ياءٍ و لا هوية ، جعلوا مني نكرة بين المعارف ، أقولُ تتويج و هم في الحقيقة يرونه تحقيرٌ لهم تدنيسٌ لحقهم ، يروا
مني قذارة و دناءة ، لقد أعطيتني درسًا يا أصل بكذبك و خذلانك لي ، درسًا عنوانه لا أحدَ في الحياة يُوثقُ بهِ إلا نفسكِ و فقط
و طلبَ القاضي الحديث من المحامي الذي وكلهُ أصلٌ لي ، و أخذَ القاضي سردَ تفاصيلَ قصتي موضحًا لهم أني تربيتُ في عائلة ليست بعائلتي
و أنهم هم من جعلوا مني تاجرة بالمخدرات هم من جعلوا مني جاسوسة و أن لا ذنبَ لي بما حدث فهم من زرعوا الحقدَ بداخلي لأخذِ الثأرِ المزعوم ، طالبًا منهم تخفيفَ عقوبتي مبررًا ما يقول
بمساعدتي لأصل لإيجادِ العصابة فورَ علمي بأني لا أنتمي لهم : فأطلبُ منكم تخفيف العقوبة عنها لمساعدتها في إيجاد المنظمة مع علمي أن الجنايات تم تنفيذها و هذا ما لا يتوافق مع المادة السبعة و السبعون بعد المائة
في الإعفاءِ عن العقوبة و لكن يتوافق مع المادة الثالثة و الثمانون بعد المائتين في تخفيفِ العقوبة عنها بما أن الذي يترتبُ على الجناية هو الإعدام أو السجن المؤبد فأرجو منكم القرار بالبحسِ من سنة إلى خمسِ سنين
كحدٍ أقصى و فقًا للمادة المنصوص عليها .
، و من ثمَ قال القاضي : الشاهد أصل الحكمي
فخرجَ الضابط الذي يقفُ بجانبِ الباب مناديًا بصوتٍ عال : أصل الحكمي ، أصل الحكمي ، أصل الحكمي
و كلما نادى تشبثتُ بالقضبان أكثر فأكثر و كأني سأخرجُ من بينها و الأملُ يتصاعدُ في داخلي هذا الأمل الذي أريدهُ أن يموت مادامه يتعلقُ بسراب يتعلقُ بمن لا يستحقُ الثقة ، قدومهُ يعني أنه وجدَ
عائلتي و عدم الوجود يعني أنهُ كاذب و كانت الحقيقة المره أنه كاذب لم يجيء و أُغلق الباب و أنهى القاضي حكمه " حكمت المحكمة الجنائية على الجانية مي و المجني عليه أبناء الوطنِ
و أبناء المملكة العربية السعودية بالحبس ثلاثُ سنوات وفقًا للمادة الثالثة و الثمانون بعد المائتين ، رُفِعَت الجلسة .
أسيرةَ القضبانِ الحديدية ثلاثةُ أعوام و لكن هذا لا يهم بل ما يهمني أصل الخائن الذي لم يفي بوعدهِ و يأتي بعائلةٍ تركتني للمجهول .
***
قبل أذانِ الظهر بفترة ، توضأتُ و أسبغتُ وضوئي و من ثمَ جلستُ مع فتياتي و ابني هزيم أخذَ يتوضأ حتى نذهب على أقدامنا بخطواتٍ متأنية حيثُ المسجد و نعتكفُ بهِ حتى وقتَ الصلاة ، وبينما
أتحدثُ مع فتياتي رنَ هاتفي المحمول فأخرجتُهُ من جيبِ ثوبي و فتياتي التزمن الصمت ريثما أتحدثُ مع من اتصل ، أجبتُ على المكالمة ليجئني الصوتُ من الطرفِ الآخر : السلام عليكم ، رقم
الأخ أصل الحكمي ؟
عقدتُ حاجبي و عيناي بالغرابة التي بها تمرُ على فتياتي التي تعلقت أعينهن بي بخوفٍ و ذعر ، ابتسمتُ لهن لأطمئنهن ، و من ثم ابتعدتُ ببصري عنهن : وعليك السلام و الرحمة ، ايه معك أصل .
ليُجيب برسمية بما زادَ من حيرتي أضعافَ ما كان : نتيجة تحليل الحمض النووي طلعت من فترة ، فتعال و خذها .
لقد استلمتُ النتيجة فعن أي نتيجةٍ يتحدث !! ، لكني أجبتُ بهدوء نقيضَ هبوبَ العواصفِ بداخلي : إن شاء الله بجي .
فقال بدبلوماسية : يلا في أمان الله .
أغلقتُ الهاتف و وضعتُه على الصامت و من ثمَ قمتُ من على الكنب مستأذنًا فتياتي مناديًا هزيم الذي جاءَ و هو يغطي يدهُ الغير مبتورة بالكُم الذي رفعهُ للوضوء و مشينا قاصدين المسجد و قد
وصلنا صوتُ الأذآن منه ومن مساجدَ بعيدةٍ متفرقة .
***
و اليوم صاروا خمسةَ خطوط ، أربعة بجاورِ بعض و الخامسة تغلقُ الحزمة بقيَّ يومينِ فقط ، يومين و نغادرُ الحياة
نرحلُ من الوجودِ إلى الغياب ، نصيرُ خبر كان ، لكن لا يهمني فالدعوة انتهت و الحكم نُفِذ
برشوةٍ مالية كان هاتف السجان بأيدينا و باتصالٍ واحد , صارت الورقة مزورة
خرج أحد الموظفين من حجرتِه و الذي كان يعملُ بسجلٍ ما
فدخل المرتشي فور غيابِ الموظف و خبأ الملف
أخذَ الموظف يبحثُ عن السجل و من ثم خرج مناديًا من يقفُ في الاستقبال لتسليمِ نتائجِ التحاليل يسألهُ عن السجل
فتحرك الموظف و هوَ يبحثُ مع الآخر عن الملف و انشغلا بالبحثِ عنه و قد كانت الساعة حينذاك شيرُ إلى الواحدة ظهرًا
كان يشعرُ بالارتباك و هوَ ينتظر مجيءَ أصل الذي رأى صورتهُ التي أرسلها ربيع إليه
يخافُ أن يأتي الموظف قبل مجيءَ أصل
يقفُ مكان وقوف الموظف و يرتدي رداءً كردائهِ و يغطي رأسه بقبعة و هو ينظرُ للأسفل خشيةَ أن يراهُ أحد الموظفين فيعرفُ أنهُ ليس منهم
بيده ورقة في مظهرها تُماثل الأصل ولكن في الحقيقة تحملُ معلوماتٍ خاطئة لا تتمُ للحقيقةِ بأيةِ صلة
وتواجد أصل قبل تواجدِ الموظف بدقائقَ معدودة يحمل ورقة يأس
و في الخفايا حقيقةَ أمل .
***
وصلتُ أخيرًا , و دخلتُ بخطواتٍ سريعةٍ عجولة للداخل
و ألقيتُ السلام بسرعةٍ أكبر و قبل أن أسمع رده على التحية أردفتُ قائلاً : أنا أصل الحكمي أبي نتيجة التحليل .
مادًا له هويتي ليتأكدَ من أني أنا
أخرج الورقة من احدِ الملفات ومدها لي
الورقة التي نطقت سطورها بأن مي ابنتي
صغيرتي طفلتي التي تعذبت كثيرًا
طفلتي التي لا ذنبَ لها و عُوقبت اليوم بالحبسِ ثلاثةَ أعوام
لا بدَ من الوصولِ إلى القاضي و تخفيف العقوبة إلى سنةِ واحدة وافقًا للمادة الثالثة و الثمانون بعد المائتين
و التي تنصُ على تخفيف العقوبة إن كانت إعدامًا و سجنًا مؤبدًا إلى الحبسِ من سنة إلى خمسِ سنوات
فأقلها سنة و ليس بيدي تخفيفها أكثر من ذلك يا صغيرتي
سامحيني يا طفلتي سامحيني صغيرتي
سأحجزُ أقربَ طائرةٍ لمصر و من ثمَ سأعودُ للتفكيرِ في هذهِ المكيدة ولكن لا وقتَ الآن .
***
بعد انتهائنا من الصلاة و ذهابَ أبي إلى حيثُ يريد , ترجلتُ أحدَ سياراتِ الأجرة و صرفتُ من المال الذي وفرهُ لي أبي متوجهًا إلى من هو في انتظاري بلا شك
وصلتُ إلى العنوان الذي طلبتهُ من الكاسر و ضغطتُ على الجرس فجائني صوتُ طفلٍ يسأل : ميــــــن ؟
بثباتٍ و أمرٍ لطيف : نادي أغيد
قال الطفل بصوتٍ عالٍ متضجر : أغيـــــــــــد مو في البيت
ليجيء صوتُ أغيد و هوَ يقول : ليش الكذب يلا بعد
فيجيء صوتُ الطفل : أنا رجال البيت أقول إلي أبغاه عادي أكذب
و يبدو أنه أبعدَ الطفل عن الباب لأنه أخذَ يبكي
في حين فتح أغيد الباب و هو يقول : مين يبغـ .... هزيـــــــــــــم
فتحتُ يدي اللامبتورة أناديهِ إليَّ فاحتضني احتضان الصديق الوفي و هو يحمدُ الله على إيجادي لعائلتي فإن لم أكن وجدتهم لما كنتُ هنا بل كنتُ أسيرَالأمنِ ريثما يجدوا عائلتي
ابتعدنا فأكرمني بدخول المنزل لكني فضلتُ البقاءَ في الخارج فغاب قليلاً و جاءَ بحذائه و كأننا لسنا أبناء الأمس ندهسُ و نرهسُ الأرض حُفاةً عُراة
نمشي بجوارِ بعض في كلِ الطرقات يسألني فكلما أجبت يتفاجأ أكثر
أولاً من أن الكاسر يكون ابن خالي و أني أنتمي لذلك المنزل الذي كان يمكثُ به سابقًا
يرددُ سبحان الله بين الفنيةِ و الأخرى
و يحمدُ الله تارةً أخرى على إيجادي لعائلتي
و أكملنا المسير و تابعنا الحديث
براحة و انتشاء لأولِ مرة منذُ أن عرفنا بعضنا .
***
تُمسكُ عباءتها بيدها التي ما أن تتحرك حتى تضربُ بناجرُ الذهب التي ترتديها ببعضها و تصدرُ صوتًا , عباءةً على الرأس تُغطيها من رأسها لأخمصِ أقدامها
سوى يدها التي تظهرُ مغطاةً بالذهب متقيدة بتلكَ الأيامِ الراحلة الأيام التي كنتُ أرى من سترها امرأةً عجوزٌ بشعة
نظرةَ الشزر التي كانت بعيني وقتذاك و التي استُبدِلت تمامًا بهذا اليوم
صارت شوقًا و لهفة صارت افتخارًا بها و باحتشامها و تقيدها بحاجبها مع تقدم الزمن الذي تغيرَ بهِ كل جميل
تغيرَ الناس و ألقوا باللومِو العتابِ عليكَ يا زمن ولكن لازالت أختي كما هيَ
أختي مزنة يا من تبقت لي من رائحةِ أمي و أبي
أختي مزنة يا من كانت لي أمًا في رحيلِ أمي
أختي مزنة هلمي إليَّ فإني إليكِ مشتاقُ
*
الشيبُ الذي زين وجهه , الحضور القوي , الابتسامة التي كانت في السابق سخرية ولكن في خفاياها حنان
اليومَ جليةً بالحنان و الشوق بعيدًا عن المعاني السيئة
يديهِ لحفتها التجاعيد فزادتها وقارًا تُبسط تناديني إليه
أخي هزاع يامن تبقى لي من رائحةِ أمي و أبي
أخي هزاع يا من كنتَ ابني في رحيلِ أمي
أخي هزاع سآتي إليكَ فإني إليكَ مشتاقة
...
***
حينما دخلتُ للمنزل فورَ دخولي وقعت عيناي على من تحملُ طفلاً بيديها مغطاةً بحجابها
العباءة التي كنتُ أمسكُ بأطرافِ كمها و أمشي بجوارها في حنايا القبيلة
عُشبة من كانت لي أُمًا أحببتها
ليُنتزعَ القناعُ عنها وتظهرُ بالسوء
تسلبُ مني يدي , طفولتي و أحلامي
عائلتي أبي و أخواتي
كانت تُعطيني ظهرها لم تنتبه لدخولي لأن الطفل الذي بيدها يبكي
كيف لها أن تدخلَ منزلاً أكون أنا فيه
كيفَ لها أن تختبِىء فيه و هيَ من سلبت أصلان مني و جعلت مني هزيمًا لا قوةَ له
كيف لها أن تكون على قيدِ الحياةِ حتى الآن
اقتربتُ منها بخطواتٍ سريعة و أنا لا أرى شيئًا سوى طفولتي المسلوبة
طفولتي الراحلة لاحقَ لكِ بالحياة
لا حقَ لكِ بالتنفس
سأسلبُ الحياةَ منكِ
سأكتمُ أنفاسكِ و أهديكِ للقبورِ ميْتة ...
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $
|