كاتب الموضوع :
الشجية
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: حيزبون الجحيم / بقلمي
الجحيـــم
(82)
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
ها هوَ يرسمُ الخط الرابع على الجدار , بقيَّ ثلاثُ خطوط على يومِ الرحيلِ دون العودة
ثلاثُ خطوط ستأخذنا بحبلِ المشنقة نحوَ الضريح
هدأتهُ بصوتٍ رخيمٍ حنون : جهاد هوَ دلوقتي كمان حيران و تعبان أوي , احنا جوة و لا برا السجن , عايشين و لا ميتين في كل الحالات بهدلناه .
ضرب يدهُ على الجدار فوقَ الخطوط المستقيمة رسمًا المتعرجة في واقعٍ أعجفٍ متمردٍ على ما نريد
ألصقَ جبنيهُ على الجدار : في ايه فايزين في السجن ولا الموت , يا عمو بلاش الكلام ده , الموت بعد تلت أيام بس , و أنا ايه الي يهمني دلوقتي حياتي و لا تعب و حزن أصل
يروح في داهية ابن الكلب ما ليش فيه , المهم أنا .
قمتُ من على الأرض متوجهًا إليه ممسكًا بكتفه , أدرتُه باتجاهي و لازالت يداي تحيطُ كتفه : فيها يا جهاد فيها , دلوقتي هوا خسر الدعوة و مي هتتبهدل و تتعدب
و هوا هيتعب كتير لغاية ما يقنع القاضي إنو الدليل معاه و يطلب منو يأجل الدعوة و يمكن القاضي يوافق و يمكن ما يوافقش و كده كده احنا كسابنين
لو وافق هيعيد أصل التحليل و يتأكد من النتيجة و هيخفف العقوبة عن مي بس هيموت مليون مرة و هوا يشوفها في السجن و ما يئدرش يعمل حاجة و لو ما وافئش و طلعت النتيجة
هيتعب أصل و هوا يجري زي الكلب ورى القاضي لغاية ما يقتنع و هيتعب أكتر لأن بنتو حببتو هتبقى بالسجن في الوئت إلي هوا مش ئادر فيه يقنع القاضي
و احنا هنموت مرتاحين هنموت فايزين ليه تزعل .
هززتُ كتفه بشدة للأمام و الوراءِ على التوالي بينما هوَ بقي كالصنم الجامد بلا حركة : ليه زعلان ادحك ادحك و موت و انتا بتدحك , كل انسان في الآخر يموت و إنتا مت فايز ليه تزعل ؟!
بقيَّ ينظرُ للبعيد و بعينيه دمعة حائرة سرعان ما وجدت طريقها لتشق سبيلها في وجنتهِ , ضعيفٌ كضعفِ المرأة بل أشد
بائسٌ يآئس لا حياةَ فيه , و روحه مسلوبة القوة مضنيةً واهنة
مسحتُ وجهي متأففًا بضيقٍ من حاله
الموت هو الطريق الذي سيسلكهُ الجميعُ لا محالة فلما كل هذا البؤس
حتى أنه ما عاد يهتم بانتصارهِ على أصل بتعذيبهِ و دخولهِ للجحيم
ما صار يهتم إلا لما آلت إليهِ نفسه رغمَّ أنهُ سيموتُ مطمئن البال بعدما أخذ الثأر .
*
خطوطٌ بيضاء على جدارٍ خشن
رُسمت يومًا فيومين فثلاثة إلى الأربعة و تبقى الأقل ثلاثة تعني الحتف
تعني اللاوجود , تعني الغياب
تعني الشنق حيًا في ليلةٍ عاتية
انتفاضة تسري بالجسد من أعلاه لأسفله حينما نرى الضريح أمام العين يُلوحُ لنا هلموا إلي
حينما تناديك النهاية و أنتَ لازلت تريدُ البقاء
لم تستعد للرحيل لم تحمل أمتعتك بعد و لم تعش حتى العجز
أن يأتي الموت ليقول أنه حيٌ في كل الأزمان أنهُ قادمٌ لكلِ الأعمار
أنه لا يأبه بكونكِ صغيرًا أم كبيرًا كنت
فمتى ما أرادك ستكون له
و متى ما أراد الأعداءُ تعذبيك ستكون على منصةِ النهاية على حبلِ يُرفع لتطير أقدامك للأعلى
و تكون روحك وريفًا يُحاذي السحاب .
***
طلبتُ إعادة التحليل و انسحبتُ من المركز مترنح الخطوات إلى السيارة بطيء السير , حائر التفكير شارد الذهن
من المحال أن لا تكون ابنتي فهيَ نسخةٌ طبق الأصل من هزيم و من المحال أن يكون هنالك خطأ في نتيجة التحليل لأيٍ منهما
فالورقة تحمل الكثير من المعلومات كما أن تحليل الأبوة شديدُ الخصوصية و الاهتمام
هنالك حلقة مفقودة إذا افترضتُ مثلاً أن " مي " ابنةُ عبدالقوي فمن الصعب أن يكن الشبهُ بينها وبين هزيم إلى هذا الحد
فما يبعدُ هزيم عنها هوَ شعرها الطويل , و ما يبعدهُ عنها ذقنه الكث و كرادسيهِ الضخمة أما ما دون ذلك فلا اختلافَ فيه
هنالكَ شيءٌ لا أفهمهُ , ستبدأُ الدعوة صباحَ الغد و ستظهر النتيجة ظهرًا كما أني سأأخذُ وقتًا حتى أصلَ إلى مصر
عليَّ أن أتحدث إلى القاضي طالبًا منهُ تأجيل الدعوة إلى حينٍ آخر وكم أتمنى أن يقبلَ بهذا
فإن لم تؤجل الدعوة ستطبقُ العقوبة على " مي " سجنًا مؤبدًا بما أنها ساهمت في إيجاد المنظمة لا أعتقد أنها ستعاقب بالإعدام كربيع و جهاد
و لا أستطيع الدفاع عنها إلا بتحليل الأبوة الذي سيثبتُ أنها ليست من دمهم و ظفرهم بل كانت ضحيةَ تسعةَ عشرَ عامًا
دخلتُ من بوابةِ القصر بالسيارة و أوقفتُها تحت الظلال و بقيت يدي ممسكة " بالدركسون " و عيني تنظرُ للأمام و مئاتُ الأفكار تهوجُ و تعصِفُ فترهجنُي
انبلج ضوءُ النهار من البابِ فالتفتُ إليهِ لأرى وضح المُحيا يميلُ بجسدهِ إليَّ مبتسمًا
عانقتُ عينيهِ أقصُ لهُ حيرتي و أروي عليهِ لعجَ صدري
أناشدُه تفهمًا و إدراكُا دون نضرجةِ الكلمات , أترجاهُ موآساةً و مخرج من همٍ ٍو غمٍ مقيمِ ٍفي صدرٍي
*
وفي عينيهِ الدعجاءُ حكايات ما استطاعت قزحيتي استخلاصها
و في الحكاياتِ معاناة ما أستطاع الواقعُ إغفالها
و في الغفلةِ مكرٌ و احتيال ما استطاع العقل استيعابها
و في عدمِ الاستيعابِ خسارةٌ و انهزام
و في الهزيمة ضحيةً ظُلمت إجحافًا
جثوتُ على ركبتي أرضًا واضعًا يدي اللامبتورة على فخذهِ
مواسيًا لهُ أبثهُ بالأملِ والتفاؤل أحكي له أن الله معه و مادام الله معه فلا خوفَ و لا هم
ففي السراء شُكر و في الضراءِ صبر
*
ننظرُ من خلال النافذة المُطلة على الفناء إلى أخي الذي تقدمَ لسيارةَ أبي
و نتنفسُ بارتياح فقد أصابنا الذعر حينما استيقظنا صباحًا في حجرتهِ و لم نجد أبي
و بقينا نجولُ في الصالة دون جدوى لا يردُ على الهاتف ولا ندري أين ذهبَ من الصباحِ الباكر
خرجَ صوتُ عزوف يكسرُ صمت الأنفاسِ المرتاحة بما يغيرُ تردداتِها لاضطرابٍ نفسي : ليكون صاير لأبوي شي ليش هزيم جلس قدامه ؟!
و ما أن ختمت جملتها حتى ختمت عُطرة خطوات الصالة و صارت في الفِناء بحجابها الكامل تمشي إلى السيارة
التصقنا بزجاجِ النافذة ننظرُ لما وراءِ النافذة بترقبٍ و توجس
إلى أختي عُطرة التي مشت خطواتها باتجاه السيارة
و إلى أبي الذي خرج مبتسمًا تقفُ على جانبهِ الأيمن عُطرة و على الآخر هزيم
انجلت الراحة على أرواحنا قبل ملامحنا , اتجاهنا نحو الباب و فتحناه بانتظارِ قدومهم
*
حينما و صلتُ إليه كان يقعدُ في السيارة و هزيم جاثي على ركبته أمام الباب المفتوح
و كلاهما ملتزمٌ بالصمت و حينما وقعت عينا أبي على عيني أخرج قدمهُ من السيارة فانزاح هزيم بعيدًا عن الباب
و نزل أبي محتضنًا كلاً منا على أحد جانبيه
و قبل أن أسأل جاوبني مطمئِنًا لي : كان عندي شغلة خلصتها وجيت على طول
أومأتُ برأسي تفهمًا و سقطت عيناي على أخواتي اللاتي يقفن أمام الباب بانتظارنا
و ما أن وصلنا حتى كانت عُزوف في حجرهِ و هوازن متشبثة بذراعهِ و هزيم ينظرُ لنا مبتسمًا
و أبي يُضاحِكنا بسعادة .
***
الساعة الواحدة إلا ربع ظهرًا , و بعدَ اعترافي بالحقائقِ بأكملها و الإقرار بما فعلت
أمام كلٍ من المحقق و المحامي ثمَ أمام القاضي بوجودِ المحامي الذي أرسلهُ أصل إلي
و قد وفى أصل بوعدهِ و جلب لي محامٍ بارعٍ و ذكي , استطاع بخبرتهِ أن يستدرج القاضي لكلِ الحقائق
فنطق القاضي بحكمهِ أخيرًا , حرمانٌ من مزاولةِ العمل و البقاءُ في الزنزانة سنة إلا أربعةُ أشهر
و الحمدلله أن العقوبة أخفُ كثيرًا مما ظنت
طلبتُ من المحامي أن يُبلغ أصل برغبتي في لقاءِ أختي مزنة
فلن أنتظر انتهاء الثمانية أشهر سجنًا حتى أراها حُرًا فقد يتوفاني الله قبل بلوغي الحرية خارج القضبان الحديدية
قد ضاع من العمر الشيء الكثير و لن يضيع الأكثر
صحيحٌ أنها ستراني بعكسِ ما تتمنى و أتمنى , ستراني مجرمًا بين القضبان
و لكن ستراني حيًا لا ميتًا فالحمدلله الذي بلغني هذا اليوم
الحمدلله على كلِ شيء , فبعد الذي فعلتُه أعوامًا طويلة بأبناءِ وطني
لم يكن حتفي بقدرِ ما فعلت بل كان أقلَ كثيرًا مما اقترفت فالحمدلله على ذلك
و أحمدهُ بأني عدتُ إلى رُشدي و لم أُكمل حياتي في طريقِ الخطأ
ففقدي لذاكرتي و ضياعُ سنينٍ طوال مفقود الذاكرة أفضل من الخوض بما لا يُرضي الله عزوجل
فكلُ الخيرة فيما اختارهُ الله لنا .
***
الساعة الواحدة ظهرًا ، قمتُ بزيارةِ أبي في السجن و ها أنا ذا في انتظارِ قدومه ، و ما أن جاءَ مُقيدًا بالأغلال و بعينيهِ بؤسٌ و حزن حتى وقفتُ كالجماد انظرُ لهُ و هم يفتحون الأصفادَ عنه أترقبُ
خطواتهِ حتى جلسَ أمامي ، جلستُ فورَ أمرهِ لي : اقعد يا ناجي .
سألتهُ بخوفٍ عليه : كيف حالك يا أبوي تحس بشي .
أجابَ مبتسمًا يُخفي الكثير في خباءِ قلبه : مثل ما أنت شايفني ما فيني إلا الخير .
تنهدتُ بضيق فهذا هوَ أبي يُخفي الحقيقة ليظهرَ قويَ البأس بينما يموتُ كلَ ما فيه ، سألتُه بمحاولة لاستدراجه : يعني ما تحس بوجع .
بصوتٍ صارمٍ حاد و هو يطرقُ الطاولة بيده : ما فيني إلا العافية .
أغمضتُ عيني و فتحتها و بهدوء : وش سبب دخولك للسجن ؟
فنطقَ بما أدهشني : خالك
بتعجبٍ و استنكار : خالي أصل ؟!
حركَ رأسهُ بالموافقة تأكيدًا لما سمعت
قطبتُ حاجبي و بتساؤل : ليش ؟
وقفَ من على الكرسي مُنهيًا النقاش : اسأله .
فتقدمَ السجانُ نحوهُ مُكبلاً يديه و ابتعد عني و لم يبتعد ما قالهُ عني بتاتًا ، خالي و أبي ؟! ، ما السبب و لما ؟ و بعد كلِ هذهِ السنين !!
***
مضت الأيام و أنا بهذهِ الحجرة منذُ استيقاظي حتى نومي
طعامي أأكلهُ هُنا وحدي , أتحدثُ للجمادات فينعكسُ صوتي
ما يظطرني من الخروج من بين هذه الجدران الصماء الحاجة لقضاء حاجتي في دورةِ المياه
و لو كانت دورة المياه في الداخل لما ابتعدت عن هذهِ الجدارن لحظةً واحدة
قد شهد كل ركنٍ بهذهِ الحجرة الضيقة عن مقدارِ الوجع بداخلي
قد بكت الجدران الصماء حينما رأتني باكية
في كلِ يوم تدخلُ مزنة تعطيني الطعام و تطلبُ مني بطريقةٍ غير مباشرة أن أنضم لهن فأرفض
فكيف لي أن أجلس مع تلك البكماء التي هيَ أمي كيفَ ليَّ أن أغفر لها و لهُ ما فعلاهُ بي
ما ذنبي أنا حتى أعيش حياتي كلقيطة و ينتهي المطاف بمجامعةِ أبي على اللحاف
ما ذنبي في كلِ ما صار , و أيُ روحٍ قد تجعلني أنسى و أغفر
إنني أشمئزٌ من نفسي في كل يوم أستحم عشرات المرات و أفركُ جسدي بشدة حتى يصيرَ بلونٍ الدم
و كلما انهمر الماءُ فوقي انهمرت ذكرياتي مع أبي على الفراش
فيخرجُ كل ما في بطني على المغسلة و كلما غسلتُ قذراتي و رفعتُ عيني للمرآة رأيتُ تلك البكماء في ملامحي
فتسيلُ دموعي و تحرقُ خدي , و كلما اشتعلت وجنتي حرارة ارتفعت ضرباتُ قلبي و ضاق تنفسي
في كلِ يوم هذهِ هيَّ طقوسي لا جديدَ فيها
في كلِ حين أكرهُ حياتي أكثرَ فأكثر
و في كلِ وقت أتمنى الموت
و أرى في موتي الفرج من كلِ نائبةٍ و نازلة
فأينَ أنتَ يا ملكَ الموت عني
خُذني يا عزرائيل فإلى ربي الرُجعى
دثرَ جسدي أيها التراب و اجعلني في غياهِب القبرِ وحيدة
و اوحي ياضميرُ إليهم بالتأنيب اجعلهم يبكوني دمًا لا مجاج
اجعلهم يتجرعون و يلَ ما فعلوا بي حتى يجئيهم الموت
اجعل ما زرعوا زقومًا في بطونهم
و اجعل حصادهم أشواكًا في أجسادهم
اجعلني الذنب و أجعلهم الفاعلين !
***
الساعة الثانية و النصفَ ظهرًا ، أتناولُ طعامَ الغداء مع أخي و خالي في حجرةِ الطعام و بعدَ انتهائي حمدتُ اللهَ على ما رزقني و ابتعدتُ حيثُ المغاسل ، جففتُ يداي بعد الغسل و استأذنتُ
من خالي و أخي سأصعدُ للجناح و أحاولُ التفكيرَ في حلٍ لما حلَ في أبي و دخلتُ للجناح وصلتُ لحجرةِ النوم و قبلَ أن أفتحَ الباب سمعتُ صوتَ هوازن و إحدى بناتَ خالي و من المفترض أن
أبتعد عن الباب إلا أن أقدامي تصلبت و أذني ما عادت تسمعُ سوى صوتيهما
: يعني ايش يا هوازن ؟
: والله مدري ، لكن اليوم عرفت من الكاسر إن خالي عبدالقوي في السجن ، و خالي دخل في الوقت إلي ظهر في أبوي ، فما ادري بعد الكلام إلي حكاه لنا أبوي بديت أربط بين إلي يصير و استنتجت
إن خالي هوا إلي ضر أبوي و الحين يلاقي عقابه ، و خصوصًا إن أبوي ألح علي ما أعطي للكاسر كلمة من القصة إلي حكاها لنا .
هُنا طرقتُ الباب بقوة مناديًا : هوازن أبيك بالمجلس .
و بخطوات هوجاءَ سريعة كنتُ بداخلِ المجلس في انتظارها
*
حينما سمعتُ صوته اقشعر بدني بخوف و تشبثت عيني بعينِ عُزوف التي قالت بابتسامة : إن شاء الله ما سمع شي لا تخافي صوته عادي بس دقة الباب قوية يمكنه مستعجل .
ابتعلتُ ريقي و اومأتُ برأسي أُغادِرُ الحجرة إلى حيثُ يكون ، آملُ أنهُ لم يسمع حتى لا يغضبَ هوَ و لا يغضبَ أبي عليَ إن أفشيتُ لهُ السر ، خطوتُ للمجلس و قبل أن أدخل سحبَ يدي
و أغلق الباب فصار ظهري على الباب و صار هوَ أمامي تمامًا ، عينيهِ بنظرةٍ الثاقبة تخترقنُي لتتجمدَ أطرافي و يتنفضُ جسدي ، يديهِ تقبضُ على يدي و صوتهُ يخرجُ كنصلِ الحسامِ الصارم : وش
مسوي أبوي بأبوك ؟
توجعت يدي بين يديه فنطقتُ بصوتٍ متألم : يدي
ازدادت قبضتُ يدهِ على يدي فخرج أنيني و تفجرَ الدمعُ من عيني دون أن يسافر إلى خدي ، بيدهِ الأخرى رفع ذقني للأعلى و هوَ يمسكه و يعيدُ بصوتٍ لا مبالٍ بحالي : وش سوى أبوي بأبوك ؟
انهمرت دموعي و تحرك فكي باكيًا بين يده التي انزاحت و تراخت قبضتهُ عن يدي أبعدني عن الباب بجلافة و هوَ يردد : لا حول و لاقوة إلا بالله ، الصبر يالله .
مسحتُ دموعي و لآمستُ ذقني الذي يؤلمني و كأن أصابعهُ لازالت مغروسةً بهِ ، ثم نظرتُ إلى يداي المُحمرة و مسحتُ بعضهما في بعضٍ بلطافة و أنا أستجمعُ أنفاسي ، كنتُ ألقبك بكاسري رغمَ
انكَ لم تكسرني على الإطلاق و لكن كاسرُ العمل صار كاسري اليوم , لم أراكَ يومًا بهذهِ الوحشية و لم أتخيل أني سأراك بها لا تفعل هذا بي يا كاسري و لا تخلط معضلاتَ أبي و أبيكَ بنا ، لا تكسرني
فإني والله لا أقوى فكيفَ إن كان كاسري هوَ من كسرني !
***
بعد صلاةِ العصر ، حاولتُ الاتصال على القاضي مرارًا و تكرارًا لأطلبَ منهُ تأجيل الدعوة إلى حينٍ آخر و قد باءت جُل محاولتي بالفشل و اضطررتُ إلى الاتصال على صديقي الضابط المصري هاني
مرشود لأطلبَ منه التحدثَ إلى القاضي حتى يؤجل الدعوة و قد وافق هاني رغمَ أن صوتهُ يخالطهُ اليأس و حتى أنا غيرُ مقتنع بقبولِ القاضي للتأجيل و لكن لا حلَ آخر ، و قبل أن أتركَ هاتفي رنَ
بمكالمة من المحامي الذي وكلتُه لهزاع ، هزاع لقد نسيتُ أمره ، رددتُ على الهاتف و أخذتُ التفاصيلَ من المحامي و الحمدلله كانت خيرًا ، أبلغني المحامي برغبةِ هزاع برؤية أختهِ التي تُدعى
مزنة ، و لكن في أي بقعةٍ من الأرض تمكثُ مزنة ؟
قد تكونُ أختي ساجدة على علمٍ بهذا ، ذهبتُ إلى حيثُ تجلس أختي بحجرتها طرقتُ الباب و دخلت بعد إذنها لي بالدخول ، تركت كتاب الله و سارعت بخطواتها نحوي بسطتُ يدي أُوقفها مبتسمًا لها
مُقَبِلاً رأسها قبل أن تُقبلني ، مشيتُ إلى الأريكة و جلستُ عليها و كانت تقفُ أمامي فمسحتُ بيدي على قماشِ الأريكة أحثها على الجلوس حتى جلست حيثُ أشرت و هيَ تنظرُ لي بترقب
بادرتُ بما يدورُ في ذهني : بسألك عن وحدة اسمها مزنة إذا تعرفي عنوانها .
عقدت حاجبها بغرابة و لكن سرعان ما أجابت : ايه أعرفها و أعرف عنوان بيتها .
بهدوء : أبي العنوان .
كان التساؤل بعينيها لكنها لم تسأل : حاضر .
أمسكتُ بيدها و أنا أنظرُ لعينيها المتسائلة : بتعرفي بعدين السبب .
أومأت برأسها و أعطتني عنوان المنزل .
****
معن يبحثُ عن مقعد بأقربِ طائرة و بعد محاولاتٍ كثيرة استجاب لنصيحتي بالانتظار فلربما هناك ما أشغلَ زوجتُهُ عنه و بعدَ اطمئناني عليه عرضتُ الذهاب إلى المنزل للقاءِ أبي و أخواني لكنهُ
رفضَ رفضًا قاطعًا مخافةَ أن يُزعجَ زوجتهُ بحضورهِ رغم أنهُ ما قال هذا و لكني متأكد بأن السبب هذا لا غيره ، و ها أنا ذا أدخلُ من بوابةِ المنزل ليسَ كالغريب كما المرةُ السابقة حينما لم يعرفني
حراس المنزل فعرضتُ عليهم هويتي و دخلت هذهِ المرة دخلتُ ساكنًا بالمنزل لا ضيف هذهِ المرة دخلتُ قريبًا لا غريب ، لقد تقصدتُ المجيء ليلاً ففي الغالب يعودُ كلاً من
ناجي و الكاسر و أبي من أعمالهم بهذا الوقت هذا ما لاحظتُه حينما جئتُ لزواج من أحببتها بأبي ، آملُ أن لا أراها اليوم ليس خوفًا من أن يعودَ حُبي
و شوقي لها فهي و منذُ زيجتها بأبي ماصارت تعني لي شيئًا و هذا ما يجبُ أن يحدث أما أن يبقى حُبي لها و هيَّ زوجةُ أبي لن تحلَ لي أبدًا فهذا في غايةِ الدمامة و الشناعة ، خيانةُ لأبي و خروجٌ
عن الدين ، لا أريدُ رؤيتها خوفًا عليها من الانجرافِ لما لا يرضاهُ الله فقد فعلتها سابقًا حينما مرضت و دخلت حُجرتي قد كان الشوقُ و الأسفُ بعينيها كان الحُبُ يمكثُ تفاصيلها بالرغمِ من زيجتها
بأبي و لا أريدُ منها الضياع و خيانةَ أبي بحبها لي و تذكرِ أيامنا الراحلة ، للهِ حكمة في كلِ شيء فحُبي لها انتهى بزواجها من أبي و أكدَ لي معدنها الرديءُ المزيف ، و الجرحُ الذي رسى
في صدري جعلني جرحًا بحاجة للعلاج الذي ما كان إلا على يدِ " مي " و العلاج الذي كان على يديها قربني منها أكثر لأعرفَ أنها دنيئة كانت تسعى لإلحاقِ الضررِ بي لكنَ حبها لي كان يجعلها
تتردُ كثيرًا و ها هيَ الحياة تُعطيني درسًا بأن لا حُب في غضبِ الله أن لا حُبَ و لا علاقة قبل الزواج و أن الرابط الحلال هوَ ما يقومُ حتى الممات ، و إن كان قلبي لازال يخفقُ في ذكرى مي فسيموتُ
يومًا كما مات من ذكرى مارسة ، و يُتوج بالحلال و بما يرضاهُ الله من امرأة صالحة و علاقة شرعية ، ترجلتُ عن السيارة و خطوتُ لبابِ المنزل أصعدُ الدرجات و أضغطُ الجرس بانتظارِ
مولدي الجديد .
***
سأرى معن الذي يعذبُ ذاتهُ أقسى العذاب من أقصاهُ لأقصاه ، سأراهُ أمامي بجروحهِ و ندوبهِ و أنفهِ المعقوف بشعرهِ الأشعث و جسدهِ النحيل ، سأداويهِ و أواسيهِ بي ، سأحكي لهُ أن عذابهِ لنفسه
لا يعودَ عليَّ بالفائدة ، سأراهُ بعدَ طولِ غياب و أروي عينيَ بهِ لكني لن أخنعَ و لن أعود لن أغفر و لن أسامح ، سأكونُ كما كان هوَ يُداويني يمسحُ دمعي يروي عينيهِ مني لكنهُ لا يغفرُ لي ما لم
أقترفه سأكونُ كما كنتَ يا معن و ستتحملُ ما كنت عليهِ سابقًا لتعلم مقدارَ صبري عليك ، لتعرف كم كنتَ جلمودًا قاسيًا لا ترحم ، فها أنا طالبتكُ المجيدة أنجحُ بما بغضتهُ فيك ، أتقمصُ معن و أنا عُطرة ،
ضغطتُ على الجرس و قليلاً من الوقت حتى فُتِحَ الباب و ارتفعت عيني من أقدامهِ العارية إلى ساقيهِ النحيلين الطويلين بالبنطال المجعد الرث إلى بطشِ يديه و دواءها لعظامِ صدرهِ مرفأُ دمعي إلى
رقبتهِ التي مرغتُ وجهي بها لذقنهِ المرتب عكسَ الصور ، الذقن الذي يحوي بين شعيراتهِ ما يهواهُ قلبي لثغرهِ ذا الندبة الثغر الذي قبلني تارةً بتعذيبٍ لي و أخرى بعشقٍ و حنان إلى أنفهِ المعقوف الذي اختلف
كثيرًا عن كبريائه بالوقوف فقد كُسر بالمنتصف كانكسارِه الآن إلى لغةِ عينيه إلى ما اشتاقت عيني إليه إلى ما يخفقُ قلبي له إلى ما جعل شفتاي تُفرج و الهواء يدخلُ من بينهما ، هذهِ العينين
بتناقضِ نظراتها و لغتها ، لغةَ عشق ، لغةَ حقد ، لغةَ غضب ، لغةَ حنان لكن الآن لا أرى سوى العشق و السعادة
*
فتحتُ الباب و قد ظننتُه ركاض لأتفاجَىء بها
لقد حضرت لقد أتت
من أحببتُها بكلِ ما فيني و بقدرِ ما أحببتها ظلمتها
بقدرِ ما كانت تسكنُ بداخلي عذبتها
بقدرِ ما كان قلبي ينبضُ لها صرختُ بها
و بقدرِ الوجع الذي مكثَ بداخلي حينما كذبَ الطبُ عليَ جلدتها
هي الحكاية التي لم تتوج بالنهاية
هيَ ذنبي البريء و أنا المذنبُ الماجن
هيَ حبيبتي زوجتي
أمُ أطفالي لكنها ما عادت ملكي
فقد صار لها حريةَ البقاء أو الرحيل
نطقتُ بصوتٍ آسفٍ حنون : ...
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $
|