الجحيـــم
(79)
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
استيقظتُ من النوم مفزوعة خائفة مذعورة هذهِ الكوابيس التي لآزمتني منذُ اللية التي علمتُ بها أن زوجي هوَّ أبي و حبيبي أخي !
ازداد هلعي من اليد التي تمسحُ على شعري و ما أن فُتحت عيناي بأكملها و أستوعبتُ من أرى حتى انتزعتُ يدها بقوة ناظرةً لها بشزر
و بصوتٍ غاضب و كأنها تسمعُ ما أقول : كيف تجرأتي بأي حق تلمسيني ؟!
نزلتُ من فوق السرير و تراجعتُ أدراجي للوراء و عيناي مثبتة على عينيها المندهشة و الحزينة الحائرة المترجية , عينيها التي تحملُ كثيرًا من الكلمات و الجمل
لم تستطع أن تنطق بها , رفعتُ سبابتي للأعلى مهددةً لها : والله إن شفتك مرة ثانية ما يحصلك طيب لا تتعدي حدودك و لا تظني إن خروجي منك يعني إنك أمي
لا أمي الوحيدة صايمة إلي ربتني , لا تتأملي في يوم أجيكِ و ارتمي بحضنك إنتِ و عبدالقوي غلطوا أكبر غلط في حقي لا تنتظروا مني أغفر و أسامح و أقبل بوضعي
شوفي آخرة أفعالكم متزوجة من أبوي و جايبة ولد زنا و حرام .
وضعتُ يدي على قلبي و مع انفعالِ الغضب انهمرت دموعي و اختل صوتي مضطربًا : محـ...د يقدر يستوعب كمية الوجع إلي تسكني , محد يقدر يستوعب كمية الدموع إلي أذرفها بالثانية الوحدة
محد يقدر يستوعبني و لا أحد بيقدر .
وقفت من على السرير و تحركت عدة خطوات و بعينيها الدمع و وجها طغت عليهِ الحُمرة
استوقفتُها بيدي عن الحركة : وقفي ويلك تقربي وقفي .
توقفت عن الحركة بعدما فهمت إشارة يدي
بينما أنا قطعتُ الخطوات و كسرتها حتى صرتُ أمامها
انفرج فاهها بشبحِ ابتسامة سرعان ما غابت و هجرت شفتيها حينما قبضت يدي على يدها بقسوة , أظافري تنغرسُ بقوة لتطبع أثارها على يدها البيضاء
أجرها نحو الباب فتمشي مسيرة و قد ازداد دمعها مع أناتٍ لا تجيدُ سواها
غابت ملامحها في بحرِ الدموع و الوجع ما وصلنا إلى الباب حتى دفعتها فسقطت تستندُ على الأرض بيديها و عظام الركبة ينسدلُ شعرها و تزدادُ آهاتها تعطيني ظهرها فلا أرى وجع ملامحها
أوصدتُ الباب بقوة و استندتُ عليهِ بظهري , و شيئًا فشيئًا حتى خارت أقدامي فجلستُ على الأرضِ كالقرفصاءِ أبكي و يصلني صوتُ بكاءها
لا تطلبي مني شيئًا فأنا لن أعطي أي شيء
أنا لستُ لأحد بل أنا لذاتي
أصبحتُ صحراءً قاحلةً خاوية لا حياةَ بها فما تريدون مني ؟!
اتركوني و شأني فليسَّ لي حولٌ ولا قوة .
***
تمَّ إرسال بلاغ من الجهات الأمنية السعودية بالقبضِ عليَّ في كندا و بعدما تمَّ تقييدي بالأغلال نُقلتُ أمنيًا إلى جدة و ها أنا ذا في حجرةِ التحقيق في صباحِ اليومِ الجديد
أجلسُ على الكرسي و أمامي الضابط بعدما كنتُ قبل
تسعةَ عشرَ عامًا أقعدُ كضابط رغمَّ أني جاسوسٌ مجرم ، صرتُ أجلسُ كجاجوسٍ مجرم مع أني ساعدتهم في إيجادِ المجرمين ! هل كلما وثقتُ بأحدهم أخطأتُ العنوان فلا يكون محلَ الثقة ، وثقتُ
بالمنظمة و عملتُ معهم ضدَّ الجهاتِ الأمنية في مرحلةِ الشباب و حينما نكثوا العهد الذي بيننا فقدتُ ذاكرتي و عادت إليَّ في سنِ العجز لأقفَ ضدهم مع من وقفتُ ضدهُ في شبابي مع الجهات
الأمنية و أصل الحكمي و لكن ها هم يقيدوني بالأغلال و يحاسبوني على ما تغير بتقدمِ الزمان
و أصل الحكمي لم أرهُ بعدَ آخرِ لقاءٍ في كندا هل انطويتُ من حياتهِ كما تنطوي الأوراق و تُلقى في سلةِ المهملات لم أطلب منهُ مساعدتي و لكن أطلبُ منهَ مساندتي و شدَّ إزري إعطائي جرعاتٍ
من أمل و كؤوسٍ من التفاؤل و لكني لم أجد سوى الخذلان كما اعتدتُ من الصغر ، فتيقنتُ اليوم أن لا أحدَ يستحقُ الثقة و الخير ، خيرُ الإنسان لنفسهِ و كفى
ركزتُ سمعي مع الضابط الذي بدأَ بالحديث : هزاع جاسوس لمصلحة المنظمة إلي نبحث عنها من عام ألف و تسعمية و تسع و ثمانين كان بيتم اتخاذ عقوبة قاسية عليك لكن بحسب معلومات
وصلتنا بتنخفض عقوبتك بشكل كبير جدًا ، لكن بالأول لازم نحقق معاك و تكون صادق أي كذبة بتكون ضدك ما هي معاك لأنه كل حرف بتنطقه نحنا بنطابقه بالمعلومات إلي وصلتنا إن كان التطابق
ناجح بتنخفض العقوبة إن ما تطابقت المعلومات بتكون عقوبتك قاسية ، ما بسألك بس بقولك ابدأ سرد حكايتك من البداية و أدق تفصيلة تراها مهمة .
بدأتُ سردَ حكايتي من دخولي للمنظمة باليوم الذي لاحظتُ بهِ أحد السجانين يتعامل بخفاء مع أحدِ أفرادِ العصابة الذي ألقينا عليه القبض و حينما رأيتُه توعدتُ لهَ شرًا و أني
سأبلغُ عليهِ لا محالة ، حينها مدَّ إلي بالهاتف و عينيهِ مليئتين بالخوف تناولتُ الهاتف من يده فجاءني صوتُ رجلٍ مصري أجهلهُ و لكني فيما بعد عرفتُ أنهُ الأخُ الأكبر لربيع الذي عرضَ عليَّ
مبلغًا ماليًا كبيرًا في مقابل أن لا أفشي سرهم و لكن طال صمتي حتى أني أغلقتُ الهاتف دون أن أعطيهم ردًا يريحهم ، المبلغ الذي عرضه عليَّ كبيرٌ للغاية سيجعلني غنيًا و لكن كان بداخلي شتاتٌ
لا ينتهي ما بين القبولِ و الرفض مابين حُب المال و حُب الوطن ما بين الأنانية و الضمير أصواتٌ أرهقتني حتى أنتهى عملي بذلكَ اليوم و ترجلتُ سيارتي متجهًا من جدة إلى القبيلة و بينما أمشي
بسيارتي وجدتُ رجلاً عاجز في الطريق يقفُ أمام سيارته التي يبدو أنها قد تعطلت ، أوقفتُ سيارتي خلفَ سيارته و توجهتُ إليه لأرى ما به و بينما أتكلمُ معه شعرتُ بمسدس يوضع خلف رأسي
فتصلبت أقدامي و تعرقَ جبيني و قد أدركتُ أنهُ فخٌ من المنظمة ، قاموا بتهديدي إما أن أُغلق ملفَ الشحنة ضدَ المجهول أو يقتلوني مما اضطرني للموافقة مُقابل حياتي و باليوم الثاني توجهتُ للمركز
و قدمتُ ملفًا يُثبت أن من في السجن لا يملك أي معلومة و أُغلق الملف ضدَ المجهول ، حينها ظننتُ أنها النهاية و أني بعد الآن سأعملُ كضابط و ليس لي أيُ علاقة بهم ، ليتمَ تهديدي بالملف
المجهول حيثُ اتضح لي أن هذهِ الشحنة لا تعنيهم و أن الملف حتى لو لم يُغلق ضد المجهول لم نكن نستطيع القبضَ عليهم فكان تهديدهم إما أن يقدموا بلاغًا بأني جاسوس ضدَ الجهات الأمنية
السعودية و يتم معاقبتي قانونيًا ، أو أن أقف معهم في المرةِ القادمة وقفتُ معهم من باب الخوفِ على ذاتي و حينما أغلقتَ الملف أيضًا ضدَّ المجهول تم إرسال مبلغَ مالي كبير إلي ، فدنف قلبي
من فتنةِ المال و صرتُ منهم كلما أوشكَ أصل و سهيل للوصول للنهاية أغلقتُ الملف ضدَ المجهول و تابعتُ حكايتي إلى فقداني لذاكرتي و عودتها و مساعدتي لأصل في استعادة جزء من ذاكرتهِ
و إيجاد العصابة و أني قد ندمتُ على ما فات و أنتهى التحقيق و بقيَّ القرار ، لكن مما جاءت المعلومات هل يعقل أنها من أصل ؟ و ممن ستكونُ يا هزاع من المؤكد أنها من أصل فمن سواهُ
قد يساعدني ، لقد ظلمتُكَ للمرةِ الثانية يا أصل ، أحمدُ الله أن وهبني صديقًا مثلك في أوآخرِ عمري .
***
كلَ شيءٍ بدأ بذلكَ اليوم الذي كان بهِ صديقُ عمري يلفظُ أنفاسهُ الأخيرة : خيتي حسنا يا عبدالقوي ما لها حد من بعدي ، بموت مرتاح بزيجتك إبها ، ما لها حس ما بتتعبك إن شاء الله .
أمسكتُ بيدهِ بقوة لأبثَ لهُ ذات القوة : لا تذكر الموت بتعيش إن شاء الله و ترعاها بنفسك .
و لكن قدرَ الله و توفى و آخر ما لفظ بهِ الشهادة يتبعها باسم اختهِ : حسنـ
لكنه قبل إكماله رحلت روحهُ لباريها
و بعد إكمال أيام الحداد الثلاثة تزوجتُ بها تطبيقًا لوصيته و كنتُ أردد أنها بكماءُ لا تتكلم صماءُ لا تسمع سآتي بمن تهتمُ بها و أوفرُ حاجتها و كأنها ليست في حياتي لكنها دخلت حياتي عنوة فهيَّ
صماءُ بكماء لكنها حسناء ، هيَّ ناقصةَ الحواس لكنها كاملة الجمال ، منذُ الوهلةِ الأولى بعثرت ضربات قلبي و منذُ القُبلةِ الأولى عشقتُها أحببتُها تعلقتُ بها حاولتُ إنكار الحقيقة بيني و بينَ ذاتي
لكني لم أستطع اعترفتُ لنفسي أني أُحِبها و متيمٌ بها ، خرجتُ من زوبعةِ أفكاري حينما وصلتني أصواتٌ متفاوتة من الخارج ، عقدتُ حاجبي و رفعتُ السماعة مناديًا السكرتير
الذي سرعان ما دخل قائلاً : الشرطة يا أستاذ عبدالقوي .
تعالت ضرباتُ قلبي و انشدت ذراعي وضعتُ يدي اليمنى موضع الألم بذراعي اليسرى ، هل فعلها هل فعلتها يا أصل هل فعلتها ، و قبل أن أستوعبَ ما يحدث اقتحم الضُباطُ مكتبي كانوا ثلاثة ضباط
تحدث أحدهم بصوتٍ جهوريٍ ثابت : شخص قدم عليك بلاغ ، بتجي معانا .
هوَّ نعم هوَّ من عادَ بعد تسعةَ عشر عامًا ليزُجَّ بي في السجن و يُعاقبني على ما اقترفت يداي ، و قفتُ من على الكرسي و تقدمَ ضابطين باتجاهي قيدوني بالأغلال و وقف كلٌ منهما على جانبٍ مني
أحدهم في شمالي و الآخر عن يمني و الثالثُ يمشي من وراءنا , السكرتير يحدقُ بنا في دهشة و خرجنا من المكتب ليتجمهر الموظفين أمشي في المنتصف و عن يمني و شمالي من ينظرُ لي أحدهم
بدهشة و آخرٌ بسخرية و ثالثٌ بشفقة و أكثرَ ما تبغضُ نفسي الشفقة تفاقم الألمُ بذراعي و لكني حاولتُ الثباتَ و الصمود تجاهلتُ النظرَ إليهم و بقيتُ مرفوعَ الرأس أنظرُ للأمام و أحاول تجاهل
الأصوات و المضي قدمًا للأمام .
*
في سيارتي أنظرُ إليه و هوَّ يمشي بثبات و بجانبيه الضُباط لكني أعلمُ جيدًا ما وراء الثبات أعلمُ أنهُ قناع سينقشعُ لتنجلي ملامحُ الوهن و موظفي الشركة و الحراس ينظرون لهُ و منهم من يرفعُ
هاتفهُ و يصور حتى دخل لسيارةِ الشرطة التي تعالت صوتُ دورياتها ومضت حيثُ المركز ، لقد بَلغتُ عليه في محاولتهِ لقتلي قبل سنين و محاولتهِ لقتلي في هذهِ السنة ، فلن أصمت و لن
أغفر و لن أقول هوَّ من عائلتي و سأستر عليه , فما فعلهُ بي في محاولتهِ لقتلي و جعلَ فتياتي يتيمات بلا سند و إن كان " هزيم " ابني و مي ابنتي فهوَّ السببُ الأول و الأساسي لشتاتهم و ضياعهم فلو أني لم
أسقط في البحر و أفقدُ ذاكرتي لعشتُ لأكونَ سندًا لفتياتي لتكون " مي " مسلمة شريفة و طاهرة ليكون " هزيم " متعلمًا غير فاقدٍ ليده هو كان بدايةَ الحطام ، أنتَ من قتلَ الصيف ليحيا الخريف المميتُ
للشجر لتعصف رياحه فتحمل الأوراق الذهبية و تشتتها بعيدًا عن موطنها ، أنتَ الذي الذي أوهمتني أنكَ لن تخونَ عهد الصداقة و مواثيقها فخنتني و نكثت بها ، فمن أنا غيرُ إنسي إن نُكت
السواد في قلبهِ تشعبت لتملأهُ سودًا هذا أنا قلبي قد صار أسودًا و أقسمَ ثغري أنهُ لن يغفر ، فلا تنتظر مني غفرانًا سيطولُ انتظارك و لن ينتهي إلا بانتهاءِ عقوبتك ، سأبدأ من جديد منذُ ذلكَ اليوم
الذي مات فيهِ أصل الحكمي و وُلِدَ بهِ جلالُ الفاني ها قد فنى جلال و عاد أصلُ للحياة ليمحي أثآر جلال و ينقشُ أثآر أصل .
***
الساعة الثانية ظهرًا , اجتمعنا أنا و أخواتي في أحدِ المجالس , فقد طال الغياب و اشتقنا للجلوسِ سوية
بالرغمِ من أننا حينما كنا أمام بعضنا البعض كنا نقعدُ سوية و الأفكارُ بعيدة عن مكانِ جلوسنا
لكن الغياب أعطانا درسًا عنوانه " التكاتف "
ضَحكاتنا و مزاحنا , الضَحكات التي شقت طريقها بشفاهنا بعد الشهور المضنية
توقفت ضَحكاتنا حينما وصلنا صوتُ غانم قمتُ من على الكنبة متجهة نحو الباب لأرى خالتي عُشبة تحملُ غانم بين يديها
أخذتُهُ منها مبتسمة و هيَّ ابتسمت لي في المقابل , أعطتني ظهرها تعودُ من حيثُ أتت إلا أني استوقفتُها : تعالي يا خالة و اقعدي معانا .
أدارت ظهرها و نظرت لي مبتسمة : بقعد مع ساجدة و إن كانها تبي تنزل ننزل مع بعض .
أومأتُ برأسي و دخلتُ للحجرة , جلستُ حيثُ كنت بجوارِ هوازن و هززتُ الطفل الباكي في يدي
فمدت هوازن يدها إليَّ تطلبُ الطفل : عطيني ياه
مددتُهُ إليها فأخذت تحركهُ في يدها بهدوء حتى بدأ صوتُه بالانخفاض و راح في سباتٍ عميق
نظرت لي و هي تعقدُ حاجبيها متسائلة : ولد مين ؟
نظرتُ لها ثم نظرتُ لعُطرة بحيرة فأومأت برأسها تُشجعني
تلعثم لساني و صار ثقيلاً بالكادِ خرجت الحروف : غانم ولـ...د خالي عبدالقوي و يعني ..
ابتسمت هوازن بسعادة و هي تنظرُ إليه : ما شاء الله , الله يحفظه بعينه .
نظرتُ لعُطرة استجديها , فقالت عُطرة بثبات و قوة و كأنها تتحدثُ عن أمرٍ هينٍ بسيط : و مارسة بنت خالي عبدالقوي .
رفعت هوازن عينيها عن غانم إلى عُطرة و من ثمَّ إلي و مني إلى غانم حتى استقرت على عُطرة و هي تسأل : ايــــــش ؟
عادت عُطرة تقول بحروفٍ وسيعةٍ ممدودةٍ ثقيلة تؤكد لهوازن الحقيقة التي لا يستوعبها العقل : مارســــــة بنــــــــت خالي عبــــــــــدالقوي يعني غانــم ولد حــــــرام .
نظرتُ لعُطرة بعتاب و قد نسيتُ هوازن و لم يتبقى بتفكيري سوىَّ اللفظة التي رمت بها غانم الطفل الصغير الذي لا ذنبَ لهُ
بينما عُطرة أبعدت عينيها عني و نظرت لهوازن فنظرتُ أنا أيضًا إلى هوازن التي اكفهر وجهها و شفتيها تلحنُ همهمة لا تنتمي لأي لغة
و من ثمَّ أخذت تستغفر الله و أردفت بعد مدة : و كيف صار هالشي ؟ و و ينها مارسة ؟
رفعتُ كتفي : مدري لنا كم يوم مو شايفينها , و كيف صار حكاية طويلة
استقرت عينيها على غانم متسائلة : و غانم ؟
كنتُ سأجيب لكن عُطرة أجابت نيابةً عني : بتربيه عُزوف و بيتسمى مثل الأيتام المكفولين .
ما أن ختمت عُطرة جملتها حتى تساءلت هوازن تساؤلاً مستنكرًا لا يحتاجُ لجواب : ايـــــــــــش ؟! ما يصير هالكلام من قالكم تسوون كذا ؟
أجبتُ مستنكرة استنكارها لفعلتنا : وش تبينا نسميه غانم عبدالقوي و لا كبر و عرف إنه ولد حرام وش بيكون موقفه وقتها !
نظرت هوازن إلى عُطرة بعتاب بحكمِ أنها الأخت الكُبرى فدائمًا ما تكون أخطاءنا على عاتقها , بينما عُطرة أجابت بثبات غير مبالية بنظرةِ العتابِ واللوم : عشان عُزوف , عُزوف تبي غانم
إلي أساسًا للحين محد استوعب وضعه ما في إلا عُزوف إلي رحبت فيه كان هذا أفضل حل منصف لعزوف إلي بتكرس حياتها له و منصف له هو حتى لا يتحمل ذنب غيره نظرة المجتمع ما بترحمه .
عادت هوازن تستغفرُ الله ثم أدرفت بهدوء : هذا نكاح شبهة , نكاح الشبهة هوَّ الزواج الفاسد إلي يعقتد الزوجين إنه حلال و يتضح إنه حرام في هالحال ينتسب الولد لأبوه .
استشاط صدري بالغضب حينما شعرتُ أن غانم لن يكون لي : ايــــه و وقت يكبر و يسأل و ينها أمي نقوله أمك مارسة أختك !! إنتِ بس تتكلمي من الناحية الشرعية و مانتِ حاسة بكبر الموضوع
مانتِ حاسة فيه و لا بتعرفي كيف بتكون معانآته .
أجابت هوازن بصوتٍ مرتفع على غير عادتها : لا إنتِ إلي عارفة يا عُزوف عايشة معآناته ما شاء الله عليك
ثم استغفرت و أردفت بصوتٍ تحاولُ أن تجعلهُ في ميدان الهدوء بعيدًا عن براثن الغضب : يا عُزوف افهمي علي , الأحكام الدينية ما انوضعت إلا لأنها خير سبيل , صدقيني لو بتمشي على حكم
عقلك و قناعتك بيجي يوم و تندمي ندم شديد و تقولي ليتني و ليتني , غانم يتسمى على خالي عبدالقوي
و هذا ما يمنع إنك إنتِ إلي تربيه لمن وقت بلوغه يعني تقريبًا من دخوله للصف المتوسط وقتها أساسًا إنتِ ما تحلين له بتقولي وش هالكلام يا هوازن أنا أكبر منه بثلاثين سنة بقولك ايه نعم
لكن وقتها بيصير عمرك خمس و أربعين
أو ست و أربعين و إنتِ بنت عز الحمدلله و ربي منعم عليك و مهتمة بنفسك و أنيقة يعني مانتِ عجوز ما تفتن لا إنتِ تفتني حتى لو ما كان عقلك مستوعب , إلي بيصير إنه ناجي بيحس بالغيرة مهما كان هو عارف
إن غانم بالأساس أخوه و بيبعدك عن غانم غصبًا عنك وقتها جد وش إلي بتقوليه لغانم كيف بتفسرون له ؟! هو صحيح بيكون منسوب لاسم عام و عارف إنه مو ولدكم لكنه بيتعلق فيك كثير و يعتبرك أمه
و لو ربي رزقك إنت و ناجي بطفل بيكون نصيب غانم من الحنان و الدلال أقل من طفلكم خصوصًا إنكم متشوقين للطفل من سنين فبيكون كل اهتمامكم منصب عليه و غانم وقتها بيتحسس كثير
و يعيش شعور اليتيم وهو في بيت أبوه عبدالقوي ! , ليش تحرموه من نسبه و أصله ! حتى ما يعرف إنه ولد حرام !! , ترى حتى الأيتام المكفولين حتى و إن كانوا عايشين حياة سعيدة
مع كافلينهم دايمًا العبارة إلي تتردد حولهم " مكفول أكيد أهله تركوه لأنه ولد حرام "
و هالمكفول اليتيم دايمًا بيحس إنه ولد حرام مع إنه ممكن أهله تركوه لسبب ثاني بعيد عن هالمنطق , يعني حلك ما هو حل و لا ينتمي للحلول لكـ
قاطعتُها بعد أن استفزتني : لا الكلام إلي حضرتك تقوليه كله منطق أجل ينتسب لأبوه و يعرف إن أمه هي أخته , أي منطق هذا !
قالت عُطرة متدخلة بما زاد من غضبي : حقيقة يا عُزوف كلام هوازن سليم , إنتِ بهالوقت تشوفي الموضوع من منظور إنه ربي ما رزقك بطفل وقلبك تعلق في غانم .
تصاعدت الحُمرة في وجهي وشعرتُ بالحرارة كلهيبٍ يُحرقني وقفتُ من على الكنبة و حركتُ يدي في الهواء بانفعالٍ و غضبٍ جامح : تعايروني عشان ربي ما رزقني بأطفال , عشانكم ما عشتوا
وجعي و ألمي تعايروني تظنون إنه في احد بيهتم لغانم أكثر مني ما في أحد بيهتم له و يحبه كثري , و نصايحكم خلوها لكم آخرتكم تضحكوا علي زيكم زي مجتمعكم عقيم الأفكار .
أخذتُ غانم من على الكنبة دون النظرِ لهن و خرجتُ من الحُجرة مهرولة و الدموعُ تشقُ طريقها بوجنتي تحفرُ وجع اثناعشر سنة الذي ظننتُ أنه اضمحل بوجود غانم
لكن هوازن نفخت في وجعي ليعودَ حيًا بعد موتهِ عدةَ أيامٍ فقط , أيامٍ مقابل سنين
يالله لِمِّ كُتِبَّ ليَّ النصب و الوصب , الشقاءُ و العناء
يالله كلما أصبر و أرددُ الحمدلله
تقول لي نفسي لِمَّ أنتِ من بين البشر ؟
ليس بيدي يالله شيءٌ ما بداخلي يسخط و آخر يزجرهُ على سخطه و يعودُ لكَّ مستغفرًا حامدًا
موقنًا أن في صبرهِ الفرج , موقنًا أن هنالك من يعآني أكثرُ منه .
*
وقفتُ من على الكنبة متوجهة سريعًا نحوَّ الباب لألحق بها , فأنا لم أقصد ازعاجها بتاتًا و سأُوضحُ لها ما أرادت عُطرة قوله لكنها لم تجيد التعبير عنه
لكن عُطرة نادتني مستوقفةً لي : هوازن اقعدي , الحين هي محتاجة تقعد بينها وبين نفسها و ترتب أفكارها بعد ساعة أطلعي لها و فهميها بطريقتك
الظاهر إنه ما عندي أسلوب مناسب و هي متحسسة من سالفة العيال كثير و أقل كلمة بتضايقها , ففهميها بأسلوب لطيف و هي إن شاء الله بتدرك معنى كلامنا .
نظرتُ حيث رحلت عُزوف بخيبةِ أمل فلم يكن هذا مقصودي , لا أحبُ أن أكون سببًا في ضيقِ الغير
جلستُ بجانبِ عُطرة واضعةً رأسي بكتفها , مدت ذراعها خلف رقبتي و ضمتني لجانبها و هي تهمسُ بحنان : لا تخافي بترضى إن شاء الله , مسألة وقت بس .
***
ركنتُ السيارة في المواقف و أخذتُ العينات من المقعدِ المجاور نزلتُ من السيارة و من أول درجة لاحظتُ الكاسر الذي يقفُ بالأعلى بجوارِ الباب و ينظرُ إلى أقدامهِ بسرحان ، تقدمتُ نحوهُ حتى
صرتُ أمامه و حينما رأى حذائي رفع عينيهِ فرآني و تبسم بحبٍ و مودة يُقَبِلُ رأسي و يدي باحترام : كيفك يا خال ؟
أومأتُ برأسي بلطف : الحمدلله و إنت يا ولدي عساك طيب ؟
هزَّ رأسهُ بالموافقة : الحمدلله بخير يا خال ، ندخل ؟
أجبتَ و أنا أنظرُ للعينتين التي بيدي : ندخل .
دخلنا للداخل و توجهنا حيثُ نريد ، بدأتُ بالحديث مُلقيًا تحيةَ الإسلام : السلام عليكم و رحمةُ اللهِ و بركاته .
فردَّ التحية كاملة و أردف : بايش أخدمك يا عم ؟
وضعتُ العينات على الطاولة أمامه و شرحتُ له : ابي تحليل الأبوة لهالعينتين ، الـ a لي و الـ m لبنيتي .
فقال بدبلوماسية : تستلم النتيجة بعد أسبوعين .
نظرتُ إلى الكاسر الذي أخرجَ بطاقتُه العسكرية و مدها و هوَّ يقول : نحتاج النتيجة خلال أيام .
أجاب بتفهم : إن شاء الله بكرة تطلع النتيجة .
ومضينا للخارج الكاسر يحكي لي عن ابنتي و اشتياقها لي بينما أنا أغيبُ بتفكيري إلى " مي " جاء الرجل المصري الذي بعثه هاني إليَّ ليُعطيني عينة من شعر " مي " اتفقتُ مع الكاسر عبرَّ
الهاتف أن يُسدي إليُّ هذا المعروف بتقديم موعدِ النتيجة و قد وافق الحمدلله ، اليوم ستظهر نتيجة هزيم إن كان هوَّ ابني فمن المؤكد أن مي ابنتي لشدة التشابه ما بينهما و بالرغم من هذا أنا
أحتاج ورقةَ التحليل لأنها ستكونُ عنصرًا مهمًا يومَ الدعوة الجنائية
نظرتُ للكاسر الذي سألني : يا خال ما خلصت أشغالك بناتك بحاجتك .
نظرتُ لهُ بجدية : شوف يالكاسر إلي إنت ما تعرفه سبب هالتحليل , آخر جنين لي من مرتي زبيدة احتمال تكون هي البنت إلي اليوم سويت التحليل حتى أتأكد إن كانت هي أو لا ، و احتمال مبتور
اليد هزيم إذا كنت تعرفه يكون ولدي يعني زبيدة كانت حامل بتوأم .
اتسعت عيناهُ بدهشة ثمَّ سرعان ما تحولتا للحيرة و التيه : لكن عمتي كانت حامل ببنت واندفنت .
بتوجس : هي قالت إنها حامل ببنت بس ؟
قال نافيًا و قد كساهُ الحزن : لا ، هي الله يرحمها توفت يوم ولادتها ، لكن أبوي وقتها قال إنها ولدت ببنت و إنت قبل فقدانك كنت معطي عهد لو عمتي ولدت ببنت بتدفن البنت و هذا إلي صار أبوي
دفنها بدون حتى ما نشوفها بنفس اليوم عرفنا عن فقدانك و توفت خالتي و اندفنت البنت كان يوم قاسي على بناتك يا خالي .
لقد رحلت ، رحلت زبيدة من هيَّ زبيدة التي نستها ذاكرتي لكن اليوم عادت بأكملها زُبيدة المرأة التي لم أعشق سواها زُبيدة التي كلما رأتها عيني لفظَ ثغري ازدواجيات الشعر و لفظت ملامحي
أهازيجَ الفرح ، زُبيدة هيَّ المرأة التي أحبها قلبي فنسجَ منها رموزًا لم يفهمها أحدٌ سواها نُقشت على خاتمٍ باصبعي و قلادةٍ في عنقها الأبيض بين نهديها النافرين بعلياء و كلا القلادة و الخاتم
مفاتيح لصندوقِ حُبِنا و أسرارنا أحلامنا و حتى أطفالنا ، رحلت زبيدة و ما هيَّ الحياةُ برحيلها ؟ لا معنى لها لا مذاقٌ و لا لون .
و دعني الكاسر و غابَ حيثُ سيارتهِ متجهًا نحو عملهِ , بينما عُدتُ أنا للداخل متوجهًا لكراسي الانتظار كالميتِ بلا حياة
وجدتُ هزيم يجلسُ و بجوارهِ أحدُ الضباط , ينظرُ للأرض بشرود
توجهتُ إليهما و ألقيتُ التحية ردَّ الضابطُ التحية بينما عينا هزيم تشبثت بعينيَّ في عناقٍ طويل
عناقٍ اهتزَ لهُ قلبي و لحن لهُ لساني لحنَ الغموض
لحنًا متناقضًا ما بين اللذةِ و الوجع , كأني أشتاقُ إليهِ و أجهلُ من يكون
ورقة ستقررُ من تكون أنتَّ يا هزيم في حياةِ أصل
هممتُ بالسير و حجراتِ قلبي تغمغمُ بكلِ مبهمٍ لا يستوعبهُ إنسٌ و لا جان
و على الرغم من الخطواتِ القليلة التي تفصلني عن مكانِ استلامِ النتيجة إلا أني شعرتُ أني أسافرُ للبعيد أعانقُ السماء و أتركُ أرضًا جمعتني به
و حينما التقطت طبلةُ أذني ضربَ الخطواتِ على البلاط و كأن الروح عادت لأرضها
تابعتُ مسيري دون النظرِ لهُ فلا أريدُ إحراجهُ
و وصلنا أخيرًا , ألقيتُ التحية
فردها للنصفِ و سأل : بإيش أخدمك ؟
حينها استرقت عيناي النظر إلى من يقفُ بجواري بشموخ يحاولُ دسِّ وهنهِ بهذا الحضور الطاغي : اليوم على أساس نستلم تحليل الحمض النووي أصل الحكمي و هزيم .
سأل برسمية : قرار من السلك العسكري ؟
أومأتُ برأسي , فأردف : دقايق .
و كأن الدقيقة التي غابها دهرًا بأكملهِ في الانتظار
مدَّ إليَّ بالظرف فتناولتُه منه و فتحتهُ لتظهر الورقة التي بداخله قرأتها بعيني
و من ثمَّ نظرتُ إلى هزيم مبتسمًا فقطع هزيم الخطوتين التي بيننا و ارتمى بصدري و هو يقولُ بفرحٍ جياش : كنت حاس
شعورٌ لا تكفي الحروف لوصفه و كأني كنتُ أعيشُ طيلةَ الوقت بلا روح
و الروحُ اليومَ قد عادت إلي لنصفها , فنصفها راحَ يصاحبُ زبيدة بالضريح
و كأن أصل الحكمي يُولدُ من جديد , يولدُ بمولدِ هزيمٍ في حياته
*
حنانٌ أمآن دفءٌ راحة و سند , يشدني إليهِ بكلِ قوة يُسمعني ضربات قلبهِ وحكايةَ مولدي بعدَ حياتي أعوامًا طويلة
يلحنُ لي لحنَ اللهفة و الشوق اللوعة و التوقِ إليَّ كما أتوقُ إليهِ و أنا بين ذراعيه
يحكي لي أنهُ أبي بكل نبضة , تؤذنُ أوتار قلبهِ أذآنًا لم يؤذن بهِ يوم مولدي و موتي قبل أعوام
تنقلُ حجراتِ قلبي رسائل الطروبِ و التقطيب ! رسائل الحنينِ و الإجتواء ! فتستقبلها حجراتِ قلبهِ من كلِ ناحية و درب
و تنقلها مع دمهِ ليزداد جسدهُ دفئًا و يرسلُ لي إعتذرًا عمَّا مضى
و كلما اشتدت يداهُ حولي , غمرتُ رأسي في صدرهِ أكثر , في غزيرِ حنانهِ و فيضانِ عطفه
استنشقُ رائحتهُ لتسكنَ أنفي قبل أرديتي
لتقطن دهرًا و تقهرَ عقودًا مضت .
***
الساعة الثالثة مساءً , كلما خطوتُ خطوة سمعتُ الهمزات و اللمزات التمتماتُ و الهمسات الهمهماتُ و الضَحكات في بادىء الأمر اعتقدتُ أنهم يسخرون مني لزجي بالسجن ثم عودتي لمزاولةِ العمل بعدما أتى القرار
بعودتي لعملي بذاتِ الرتبة التي كنتُ عليها " النقيب " فرحتُ كثيرًا و شعرتُ أن الحياةَ عادت لمجاريها هوازن عادت لي و عدتُ لأسرتي و عملي و لكني من سخريتهم و استهزائهم أدركتُ أني
سأعآني و أتعبُ كثيرًا حتى تعودَ هيبتي و مكانتي بينهم ، حاولتُ التماسك و التجاهل لكني لم أستطع فكلما مرت الساعات ازدادت تصرفاتهم سوءًا مسكتُ بأحدِ الضباط و رفعتهُ عن الكرسي مطبقًا
بيدي على عنقه ، و بغضب تحت نظراتِ الجميع : تضحك على ايش ؟!
جاءَ صديقي أحمد يسحبني بعيدًا عنه و ذلكَ يُعدلُ ياقةَ قميصهِ العسكري وينظرُ لي بشزر ، امتعضتُ و ازداد غضبي أضعافَ ما كان عليه فدفعتُ أحمد متوجهًا نحو الضابط الجبان الذي تراجع خطوةً للوراء
بينما أمسك أحمد بيدي و هوَّ يسحبني للخارج لكني صلبتُ أقدامي حتى صارت جزءًا من الأرضِ لا ينفكُ عنها
نظرَ ليَّ أحمد برجاء : الكاسر الله يرضى عليك خلينا نخرج في أشياء ما تعرفها , في الوقت إلي خرجت فيه تنتظر خالك عشان التحليل , صار شي يخص عيلتكم .
تراخت أقدامي و ارتفعت عن الأرض و عادت لتنخفض تخطو خطواتها للخارج خلف أحمد و وجهي بلا تفسير كعقلي الذي تحجرَ عن التفكير قال عائلتي هنالك أمرٌ سيء حدثَ لهم
ارتعدت فرائصي عندَ هذهِ الفكرة المريعة
دخل إلى مكتبي فدخلتُ خلفهُ و أغلقتُ الباب جلستُ على الكرسي المقابل له متسائلاً بتوجسٍ مملوءٍ بمعاني الخوف : وش صار ؟ وش فيهم عيلتي ؟
أجابَ بهدوء يُعاكسُ ضراوةَ ما يقول : فيه بلاغ اتقدم ضد أبوك .
و نقيضَ ما كُنتَ عليهِ من غيابِ التخمين و التفكير استوعبتَ سريعًا لأُصلبَ طولي و أقومُ واقفًا متجهًا نحو الباب ، و لكني التفتُ إليهِ متسائلاً : بخصوص ايش الشكوى ؟ و مين المشتكي ؟
صمتَ للوهلةِ الأولى و هوَّ ينظرُ لي بحيرةٍ و تردد و كأنهُ خائفٌ عليَّ مما سينطق : بخصوص محاولته لقتل شخص و هالشخـ
قهقهتُ ضاحكًا غيرُ مصدق : أبوي يقتل ! و ليه يقتل ! أكيد في غلطة في الموضوع .
قال بأسف و هوَّ ينظرُ للأرض : ما أعتقد فيه خطأ لأن المشتكي خالك بو أصلان .
لم أستوعب و لم أصدق فقدتُ الإدراك و الإيمان بما أسمع ، استندتُ بيدي على إطار الباب محاولاً تثبيت أقدامي عن الانهيارِ أرضًا ، نعم لقد كان يقول أن هنالك من يحاولُ إلحاقَ الضررِ به و أن
لديهِ أعمال عليهِ إنجازها ، هل أبي من حاول قتل خالي ؟! لكن لِمَّ ؟! من المؤكد أن هنالك من يحاولُ الإقاع بين خالي و أبي ، لا بدَ من حلِ هذه المعضلة قبل أن تكون سببًا في شتاتنا .
***
يجلسُ بجواري في السيارة أستنشقُ ذاتَ الهواء الذي يستنشقهُ ابني الوحيد الذي من المفترض أن يكون اسمه أصلان ولكن تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفن
و لكني أحمدُ الله أنهُ عادَ إليَّ بعد كلِ هذهِ السنين , أخذتُه لأفضل محلاتِ الأردية و اشتريتُ له الكثير و قد كان خجولاً كثير الرفض و أنا كثيرُ الإلحاحِ و الإصرار
أخذتُ لهُ ساعة ليضعها بيدهِ الغير مفقودة و عطرًا و عودة , و من ثمَّ توجهتُ بهِ للشقة التي أقطنُ بها
وضعتُ الأكياس التي بيدي في داخلِ حجرةِ نومي و وجهتُ حديثي إليه : ملابسك في الغرفة , و الباب إلي جنب الغرفة الحمام اتروش و بدل ملابسك و بنروح مع بعض لعند خواتك .
اقترب مني حتى صار أمامي و قبلني في رأسي باحترام و طأطأ رأسهُ أرضًا : مشكور يبـ .. يبه
ابتسمتُ لهُ و قبلتُ جبينهُ بحنان و بامتنانٍ صادق : أنا إلي أشكرك على وجودك في حياتي يا عين أبوك .
نظرَ لي طويلاً و كأنهُ يحفظني كما أحفظهُ , ينسخُ مني صورة بكلِ جزءٍ من دماغه كما أنسخُ لهُ الصور
ابتسم لي ابتسامةً واسعة مشرقة ظهرت فيها جميعُ أسنانه و حكت عن السعادة التي يشعرُ بها و كأنهُ يحكي لي عن سعادتي بهِ
أعطاني ظهره و توجه ناحيةَ الحجرة بينما بقيت عيناي حيثُ راح
و دعا لساني لهُ بكلِ محبة .
*
الساعة الرابعة و النصف عصرًا , أجلسُ في الصالة مع هوازن نتبادلُ أطراف الحديث حتى وقفت هوازن و هيَّ تقول : بروح لعزوف الحين و بكلمها .
أومأتُ برأسي بالموافقة و القبول
قُرع الجرس فتوجهت إحدى الخادمات نحو الباب و توقفت هوازن في مكانها دون حراك بفضولٍ و تساؤل من الطارق
طال وقوفُ الخادمة عند الباب و من ثمَّ توجهت إلينا و هيَّ تقول : ما يعرف مين , رجال عجوز
نظرتُ إلى هوازن أُبادلها الحيرة قمتُ من على الكنبة متوجهة نحوَ الباب أرفعُ الطيلسان و أغطي بهِ , و أغطي وجهي بالخمار
فنحنُ في الدور السفلي نضطر للجلوسِ بحجابنا خوفًا من دخول من لا يحلون لنا من أبناءِ خالنا عبدالقوي
مشيتُ نحو الباب و هوازن من خلفي وقفتُ أمام الباب و استقرت عيناي على الرجلِ العجوز و نطقت شفتاي بلا إدراك : يبــــــــــــــــــــــــــــه
لكنهُ لم يكن صوتي فقط بل كان صوتُ هوازن يتجانسُ مع صوتي بذاتِ الكلمة التي ماتت منذُ سنين ...
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $
الجحيم القادم قبل العيد بإذن الله تعالى
و ع فكرة للأسف واضح إن الدراسة بتبدأ و الرواية ما اكتملت
لسى محتاجة وقت أطول في سرد مشاعر الأبطال مع الأحداث و التقلبات الجديدة
غير الأحداث إلي باقي ما ظهرت ^_^ .