ثانية , دقيقة و يوم
وينتهي
لنفتح صفحة جديدة بيوم جديد
وينتهي
يمضي شهر فستة أشهر فسنة
وتنتهي السنــة التي تحوي 365 يوماً
بعضنا يجدد
والآخر يبقى على ما هو عليه
نقول سنبدأ سنةً جديدة ببدايةً نظيفة
ولكن سرعان ما يغلف بدايتنا العفن
فتنتهي السنة بالعفن
عفن المعصية
الجحيـــم
( 11 )
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
أخذ يجري بإتجاهي و أنا قاعد بمكاني أمد يدي للناس شحاذ ليس إلا
ضرب قدمه بالأرض وهو يمد يده إلي يقول بعجلة و وجهه مخطوف : قم قم يا اغيد تعال شوف ما شافت عيوني
نظرتُ إليه بإستغراب فإذا به يربط يدي بيديه ليرفعني عن الأرض بسرعة
و يسحبني خلفه مشينا مسافة طويلة
فإذا به يدخلني " دورات المياه " المجانبة لمحطة الوقود
قال لي بصوتً خافت : اسكت لا تتكلم ابد .
سحبني إلى أحد الدورات و دخل خلفي وهو يغلق الباب
نظرتُ إليه بإستغراب
فأشار إلى فمه " بمعنى أسكت "
أحاط بخصري و رفعني لأعلى بما أني أقصر منه
لأرى من بالحمام المجاور , فإذا بي أرى ذلك الضخم الذي يراقبنا و يتولانا ويجلدنا
او كما يدعوه اصدقائي مبتوروا اليد " غريب الأطوار "
بمنظرٍ شنيع مؤسف
يباشر أحد ذكور محطة الوقود
يلوطه كقوم لوط
أخفضتُ بصري سريعاً و لكزتُ " هزيم " بيديه لينزلني أرضاً
نزلتُ و خرجنا من دورة المياه سريعاً
*
*
نظرتُ إليه وانا أُعدل ياقة ثوبي البني : اسمع يا احمد لا تجلس تلومني انا اغيد امس ما شفته وانا واعده اني كل يوم بقابله
غير كذا في اكثر من ضابط واقفين عند المكان المشكوك بطرح البضاعة فيه يعني و جودنا ماله داعلي و انت عارف كل مرة نشك بمكان ويطلع غلط
نظر إلي بحنق : وش هالكلام ترى احنا قسم مكافحة ولا لنا شغل بهالمبتورين , وتبي الصدق ما هقيت هالسحبة منك يالكاسر
تنهدتُ بضيق و أنا انزل يدي من الدريكسون : احنا يا احمد اساسنا غلط لاننا ما نعرف مكانهم مجرد توقع و بيخيب مثل كل مرة لازم نخطط بشكل صحيح
مو نتسيب وبيوم واحد نمسكهم مافي حاجة تجيك بدون تعب و قلت لك سوينا الواجب وفي ضباط يقوموا بمكاننا .
غادر السيارة وهو يضرب بابها بقوة ويتجه إلى سيارته
خلخلتُ اصابعي بشعري و أنا أزفر وأنظر من زجاج النافذة إلى مبتوروا اليد
اعلم اني ضابط بل ونقيب لقسم مكافحة المخدرات لكن خسارات الدهر المتعاقبة اجحفت بي
غير هذا هنالك ضباط يمكثون الآن بالموضع المشكوك , والموضع تحت مجهر المراقبة وهم من رتبتنا وبمنزلتنا
لكن انا على يقين بأن محط الشك خطأ كسابقيه من المحطات , لأننا وفقط لا نفكر بل نغامر وحسب , فمن الجميل أن يكون لنا
دور و يد في رفع رآية الوطن حتى و إن لم يكن لنا دخل بهذا فنحن لا نبحث عن راتب لا بل ننعش الوطن
كما قال ذاك الذي يزورني بذكرياتي او خيالاتي , و أنا أبحث عن سعادة المبتورين لأنعش راية وطني بعطاءٍ متواضع .
*
*
لهثتُ بخوف وكمٍ هائل من الضيق : استغفر الله , وش سويت يا هزيم كيف تخليني اشوف حاجة مثل كذا ؟؟!!
بإبتسامة مخيفة تحمل من الخبث الشيء الوفير : ابد بس تكون شاهد يمكن بيوم نشتكي عليه و نخليه يذوق شر أعماله , النذل ياخذ من فلوسنا ويدفعها بالحرام تصدق يعطي للرجال عشان ليلة معاهم ؟! , مريض هذا !
لازم نشتكي عليه على كل شي يكفي كل فترة وفترة يجلدنا و يعاملنا اسوأ معاملة يمكن لا إشتكينا عليه نقدر كمان نطلع رئيسه الي يمشيه يمين ويسار ويتعامل بالخفى .
تقدمتُه بالخطوات و بلوم وعتب و إنكسار : بس انا ما توقعت للحظة عيوني تشوف ما شافت حرام عليك يا هزيم هالحين هالقرف كيف بيخرج من عقلي و بعدين وش تفكر فيه احنا لا إشتكينا عليه احنا بكبرنا
شكوى عايشين بلا هوية .
حرك بقدمه قارورة ماء بلاستيكية بالأرض و بقهر : ليش انت قنوط كذا يا اغيد وبعدين لا اشتكينا عليه وانه كمان حابسنا عنده و فيه من يتولاه اكيد الشرطة بيوقفوا بصفنا
احنا مالنا هوية لأنهم خطفونا من أهلنا .
إلتفتُ إليه و بشيءً من الغضب لم أعهده سابقاً : تكذب على نفسك يا هزيم المسألة ماهي بمسألة هوية وبس المسألة مسألة لا شقق تقبل تأجر لعزوبيين , لا مبتورين يقدرون يشتغلون اي شغلة ويصرفون على نفسهم , جهلة ما نعرف شي
لا أهل يحتوونا ولا شي احنا مع بعضنا نكون اسرة حتى لو كنا بشقى نبقى آخر شي نحس ببعضنا احنا لو اشتكينا فنحنا نشتكي على نفسنا قبل نشتكي عليه نحنا بنلفت نظرهم لبيئتنا و الموضوع ما بيتوقف عندنا وبس الموضوع بيمتد لكل شخص يعيش معاناتنا راح ننكبهم و ننكب نفسهم
خلينا على الي احنا عليه والله ينتقم منهم ويآخذ حقنا يا هزيم .
ليصُب جام غضبه علي : اوووووووه انت وش فيك يا اغيد ليش كذا ضعيف اتمرجل يا رجال اثبت نفسك لو مرة وحدة يكفي قنوط احنا لو اشتكينا عن حالنا حق الشرطة هم بيتكفلون بالبحث عن اهالينا هم بيسوون كل شي .
لتتوسع عيناي و ينقبض قلبي وانا ابتلع ريقي وأشير لما خلف هزيم
ليلتفت هو للخلف فيرى ذاك غريب الأطوار يقف خلفه بطوله الفارع و ضخامته المهيبة
ببروده المعتاد : عساك سمعت يالرجال ؟
اكفهر وجهه و عبست ملامح وجهه وبتهديد : قسم بالله يا هزيم ان شكيت تعرف وش بيصير اهلك الي انت ما تعرفهم مصيرهم بيدي والله ان كلهم ينقتلوا بنفس اليوم الي بتشتكي به وانا عند كلمتي .
بإبتسامة ساخرة وهو يخفي خوفه على أهله : تستفرد عضلاتك بأهلي تذكر الله فوق بالعال .
مد يده التي تشابه زبر الحديد إلى ياقة قميص هزيم فيرفعه للأعلى و يهزه بقوة وهو يقول : لا تستقوي تراك ما انت بقوتي لا تتمرد اهلك بيدي .
رفع يده بالأعلى وهو يحاول فك حصار زبر الحديد عنه , وبقوة : و اكسرك بعد .
تعلقتُ بذراع الحديدية و بترجي : الله يخليك سامحه .
بذات قوته : لا تترجاه يا اغيد خله يستفرد عضلاته , بس تذكر ياهيه كلامي هذا الله بالعالي ان كان المكتوب لنا الشقا بالدنيا فالفرج بالآخرة .
إبتسم بسخرية ترك يدي من يديه , ليلكمك بها بقسوة إلى حد أني خفتُ على اسنانك السقوط طريحة الأرض
و ضعت يدك بخدك تفركها بقوة تحاول إقلاع الألم وردعه عنك , و بصوت خافت وهو يشد على رقبتك فيكاد أن يموت صوتك قبل ترتيب مخارجه : اهــ.....رب
ما إن نطقتها يا " هزيم " حتى يعود لتقييد يدي عن الحراك و يزيد من جرعات اختناقك
و بدأ الناس من حولنا يجتمعون واحداً تلو الآخر , و صات الجميع بتفاوت كلماتٍ لإبعادك يا ضخم
و صوت أعرفه لا بل اعزه نبرة اعرفها نعم إنه صوت " الكاسر "
إلتفتُ للخلف و أنا أحاول رؤيته بين جموع الناس
فلم أحسس إلا بزبر الحديد يشدني إليه و يسحبني عن الحشد وهو ما زال يُمسك بهزيم من ياقة ثوبه
لأرى الكاسر نعم رأيته يبعد كل رجل عن طريقه فيبتعدون
و ذاك الغريب يجرنا بقوة و هزيم يكاد يختنق و جهه أحمر
أخذتُ أركل قدمه الصلبة وانا أصرخ : سيبه بيموت بيدك
وهو يركض و يمسك بيدي و خلفنا الكاسر ذا القامة الممشوقة
يجري بخفة , بينما الغريب لثقل جسده و لثقلنا معه كنا أخف منه سرعة
إستعمتُ إلى لهاث الغريب كالكلب و أنفاسه المضطربة
قال الكاسر بصوت متقطع : وقــ..... ـف معاك النقيـ....ب الكاسر
هل يعقل !!!!
الكاسر نقيب !!!
لكن لما يرتدي الثوب !!
هل يعقل بأن غريب الأطوار يعلم بماهية الكاسر ! , نعم أظن هذا فهو لما جرى بهذه السرعة حال رؤيته له ؟!
فإذا بأصوات نغمات دوريات الشرطة من خلفنا
و الكاسر من أمامنا
فإذا بيد غريب الأطوار تعبث بجيب ثوبه المعاكس لمكان وقفتي
حتى يخرج مسدس ولا أدري من أين أتى به !
و ذاك الكاسر يعقد حاجبه بطريقة غريبة وهو ينطق وكأنه يعرف هذا الغريب : انــــت !
بينما ذاك الغريب لم يهتم لإستغراب الكاسر
بل وجه المسدس إلى رأس هزيم الذي فقد توازنه وكأنه لا يسمعنا ولا يرانا قط , يلتقط آخر أنفاسه وتكاد السموات تشهد لموته
قال الضخم بصوتٍ قويٍ حاد : والله ان قربتوا انه هالرصاص ما يدخل إلا براسه
ليقول الكاسر بسخرية : واثبت التهمة على نفسك من وين مصرف السلاح ؟! نزله
و صوت ضابط آخر آتي من الخلف : نزل الســــــلاح
وجسد زبر الحديد يهتز بخوف و لأول مرة أراه يرتعش
حركتُ يدي بسرعة وقوة و أنا احاول الفلات , وعيناي معلقة بصديق طفولتي وعمري " هزيم "
ليأتي صوت إمرأة من خلف الكاسر وهي تقول بعربية مكسورة : كاسري
ليلتف الكاسر إليها بسرعة و جزع كأنما قطة ستدهسها سيارة ! قال وهو بالكاد ينطق : انـ......تِ !
بينما هي اقتربت منه وتلك العباءة مفتوحة الأزاير تظهر رداءها الفاضح وصلت إليه و تشبثت برقبته
وهؤلاك الضباط من خلف الكاسر ينظرون إليه بإستنكار
بينما الكاسر يهزها بيديه بعيداً عنه
وسيارة سوداء تأتي من جهة الكاسر بسرعة هوجاء
بينما تلك أخرجت من داخل حقيبتها بخاخ
فإذا بها ترشه بوجه الكاسر المتعجب
و يتحرك جميع الضباط الواقفين خلفنا إليه ما عدا واحد منهم
وتلك السيارة السوداء تقف بجانبنا وتضرب " بوري "
ليترجلها الغريب الضخم و يجرني معه
وذاك الضابط يتحرك إلينا بينما السيارة تترنح يمنةً ويسرة بعيدةً عنه
وهو يركض إلى سيارته يركبها
تركني ذاك الضخم و ترك هزيم
وهو يقول بخوف : ادعــــــــــــس ما عليك من الإشارة
وذاك يزيد من سرعته و يتلافى كل إشارة وكل سيارة
وخلفنا ذاك الضابط
نظرتُ إلى هزيم المستلقي على أرجل الضخم بخوف من مظهره و رقبته المشروخة و أنا أتمتم بيني وبين نفسي : يارب احفظه يالله .
أرجعتُ رأسي للخلف لأرى ماذا حل بسيارة الشرطة فلم أراها لقد أضاع الطريق
وذاك الضخم القاسي يتنهد بإرتياح و يقول بإستغراب : من انتم وليش تنقذوني ؟
لينطق الذي يجلس بمكان السائق بلكنة مصرية : هتعرف بس لما نوصل .
بتساؤل : طيب من ذيك البنت ؟
قال الرجل الآخر والذي يجلس بجانب السائق فهما رجلان : هتعرف بس اصبر شوية .
*
*
بينما على البقعة الأخرى يضرب الضابط أحمد رأسه بدريكسون السيارة بيأس , لما وصله من أخبار
كُم هائل من المخدرات نزل إلى جدة بهذا الوقت وهم منشغلون عن قضيتهم بهذا الضخم
كله بسبب الكاسر الذي ترك عمله فهو مختص بمكافحة المخدرات تركه وفقط لأجل مبتوري اليد
و ماذا حدث لصديقه الكاسر ! ماذا بخت تلك المرأة بوجهه ! ومن هي ؟ هل يعقل أن تكون تلك التركية
هذا كله يدور بعلقه بلا إجابات تريح باله
تراجع بسيارته للخلف إلى حيث الكاسر طريح الأرض وحوله الضباط
فلا هم قبضوا على الضخم ولا هم قبضوا على تجار المخدرات
هو على يقين انهم حتى وان لم يلحقوا بالضخم لم يكونوا سيقبضوا على التجار فهم حتى لا يعلمون مكان نزول بضاعتهم
و ما يزيد حسرته انهم حتى لم يقبضوا على الضخم الذي قد حمل سلاحاً بلا تصريح هذا أولاً
وثانياً كان يخنق ذاك المبتور وكأنه سيُقتل بين يديه فكانت قضيتين برجل
سلاح بلا تصريح و إعتداء إضافة إلى أن الكاسر يريد معرفة كل شيء عن حياة مبتوروا اليد ويبدو أن هذا
الضخم لديه المعلومات الكافية هذا اذا ما كان هو من بتر ايديهم
خسارة أخرى تدخل ضمن خسارات سنين
و مخدراتٌ أخرى تدخل إلى وطنهم
لتدهس بنفوس ابنائهم
و مستشفى الأمـل تصرخ باكية حال مرضاها المدمنين .
***
كنتُ قابعة على الأرض وما ان سمعتُ صوت أقفال الباب تُفتح
حتى إستدرتُ برأسي للخلف لأرى أبي ظانع يدخل
إبتعلتُ ريقي بصعوبة , أخاف ان يضربني لموقفي مع عبدالقوي
فقمتُ من على الأرض وانا اخطو بخفة إلى غرفتي بعيداً عن الإنفجارات التي ستحدث الآن
لكنه استوقفني بصوتٍ هادىء : مارسة
إلتفتُ إليه و أنظاري للأرض : نعم يا ابوي
إنحنى بظهره و رفع ثوبه من الأسفل قليلاً ليجلس على الأرض , وبأمر : تعالي جلسي هنيا
إقتربتُ منه وانا أفرك يداي ببعضهما جلستُ قباله , بإحترام : سم يا ابوي
وضع يده فوق يداي يشد عليهما , فرفعتُ بصري إليه بإستغراب لأرى إبتسامة تحف ثغره و عيناه بها سعادة لا تحصر
عقدتُ حاجبي بإستغراب فأنا لم اتوقع لبرهة أني سأراه مبتسماً فعيناه المتوعدتان كانتا لا تكهن بالخير إطلاقاً
قال وعيناه تلمع فرحاً : سمعي يا مارسة انتِ اليوم اسعدتيني كثير عبدالقوي ما قام من مكانه حتى يمسك يديني عن ضربك
كذيا اتضح انك اثرتي به ما هقيته بيضعف بهالسرعة .
أجبته بتهكم : هه و عشان كذا فرحان فرحان لتعاسة بنتك !
إزداد من ضغطه على يداي , و بهدوء : سمعي يا مارسة ما تريدي تقشعي حجابك رضيت بهالكلام لكن عبدالقوي لك
بوهن : وش ذنبي يا ابوي اتزوج واحد بعمرك ما اريده يا ابوي ومتى ما جاه نصيبي بأتزوج
بمكر وخباثة : سمعي عبدالقوي كل املاك بو اصلان بإسمه هو , لا انتِ خذيتيه زوج لك لعبي على عقله حتى يسجل الأملاك بإسمك وان ما كانت كلها فنصها
و رزقيني انا وميمتك من اموالك فكري يا بنيتي زوين , انتِ مجرد خادمة هنيا و فوق كذيا ما انتِ بمتعلمة و لحد بيطرق الباب يبيك هالحين زمن تطور
وكلن يبي بنات متعلمات من يريدك خذيلك عبدالقوي و تصير كل هالأموال تحتك و بيصير لك احترامك بالمجتمع صدقيني يا بنيتي ذا كله لمصلحتك فكري إبها .
و أبعدتُ بتفكيري إلى حيث مصر
إلى ركاض
سألتُ نفسي يوماً هل يمكن ان يفوز الحصان على فارسه
فأجابت نفسي لا هذا لا يحدث إلى بلعبة الشطرنج المحرمة التي انت يا ركاض من عشاقها
لكن ماذا لو طُبق حديث ابي
سيفوز الحصان على فارسه وستُطبق الشطرنج على ارض الواقع وانت يا ركاض من ستتوه بلعبتك المحرمة
هل يمكن ان أدهسك كما دهستني
فتجري خلفي كالجرذ
و اقول لك انتصر جهلي على علمك !
هل يحدث هذا ؟
طردتُ هذه الأفكار النزقة عن مخيلتي نظرتُ إلى ابي بهدوء : مدري يا ابوي عطيني وقت افكر
بإبتسامة : فكري مثل ما تريدي وتذكري كل هالقصر لك وحدك
قمتُ من على الأرض وانا اتوجه لغرفتي واتنهد
نظرتُ إلى الساعة التي تشير إلى الحادية عشر ليلاً
إستلقيتُ على سريري و حاولتُ ترتيب اوضاع أفكاري .
*
*
قبل ان تكون هذه الأملاك بإسم عبدالقوي كانت ستكون بإسمي انا
فأنا من فكرت أعواماً بها وانت من كسبتها بيوم وفقط
دفعتُ إلى علي أموالاً لتخضع عُطرة له و يتزوجها ثم يسلبها و يعطيني
لكن ماذا فشل علي
وكسبت يا عبدالقوي
قبل وفاة ام بو اصلان جلست معاها جلسة طويلة
كان إختصار حديثها تزويجك الفتيات لأبنائك وكتابة جزء من الأملاك بإسمك , لتعمل أن على تدبيل المال
فكُتب نصف الأملاك بإسمك و الآخر لهن , وبالفعل جزءك المالي تزايد و تكادس حتى أصبحت من أغنياءِ جدة
أخفيتُ حقيقة إنقسام الأملاك لنصفين عن مارسة حتى تتشجع لنيل عبدالقوي
صحيح بأن الأملاك إنقسمت لنصفين ولكن نصفك حالياً قد غالب نصفهم مئات و مئات المرات .
***
و وصلنا إلى منزل متواضع , بالنسبة لي هو أفضل كثيراً من كومة الخردة العتيقة التي اقطن بها
نزلنا من السيارة
ليمسك الضخم بيدي ويحمل هزيم على كتفه ألم يتعب هذا الضخم!
وما حالك يا هزيم ؟ لا حراك , لكن الحمدلله انفاسك هادئة دلالة على نومك من بعد شقاء
فتح أحد الرجلان الباب
لندخل من خلفهما
جلس الضخم على أقرب كرسي وهو يرمي بهزيم بالأرض , تحرك هزيم بإنزعاج ببداية الأمر ثم تابع نومه وكأن شيئاً لم يحدث
وترك يدي التي أخذتُ أفركها بيدي الأخرى تخفيفاً لألمي
رفع ذاك الضخم رأسه إلى الرجلان الجالسان قباله , و بإستفسار : من انتم وليش هالإنقاذ ادري و راكم مصالح , وقت المصالح تجيك الكلاب مشتاقة
أخذ ذاك الرجل كاسة يسكب بها ماء غازية , قال بإبتسسامة إعجاب : واضح هنفهم بعض بسرعة , بص يا ....
قاطعه : سمحي
ليردف : يا سمحي كل مافي الموضوع انك ساعدتينا وساعدناك
قُبضت أسارير وجهه , و بتساؤل : وش ساعدتكم فيه ؟
أشار إلي بإصبعه وهو يقول بريب : الراجل ده هيفتن علينا
نظر إلي ذاك الضخم بإستهزاء وإنتقاص لرجولتي : ذه ضعيف خلك منه
غمز بعينيه : مافكرتش بيوم تصير تاجر كبير
بذكاء : قلها سريع وبلاش لف ودوران , قضية مخدرات
ليكتظ وجه الرجلان اعجاباً فيقول الثاني : زكي وبتعجبني أوي
غمز الضخم سمحي بذات غمزة الرجل الأول : واذكى مما يخيلك اخلص وش تبي تريدني اشتغل وياكم
بهدوء : هوا كل الي عليك تعمل زي اليوم بس تضيع رجال الشرطة وماتخلهمش يحطوا بالهم علينا احنا كده كده ما كنا هننمسك
لكن كمان لاحظنا انهم ضاعوا كتير عننا فعشان كده هتكون آمان لينا وهتخبي عننا لحد ما تنزل البضاعة بيئولك المسل امشي سنة ولا تخطي قنة وطبعاً هتاخد حتة حلاوة تفرح ألبك و تعيشك ملك يا ملك .
قال سمحي بتفكير : و كيف تريدوني اضيعهم بكل مرة ؟
أشار إلى سمحي : ده دورك انتا و بأد شتارتك هتقيك الحلاوة
أشار سمحي إلي وإلى هزيم المستلقي بالأرض : اريد ادخلهم بمكان ابي اتكلم بحاجة بينا
اصطدم اصباعه الوسطى بقاعدة إبهامه ليصدر صوت فرقعة , و بأمر : يلاا
لتدخل تلك المرأة التي قد ضرت الكاسر , والطامة الكبرى من دخل خلفها !
انهم مبتوروا اليد اسرتي !!
أشارت إلي و هي تقول بعربية مكسورة : تعال يا رجل
إقتربتُ منهم و عيناي مصوبة إتجاه هزيم
و مشيتُ خلفهم و رأسي للخلف حيث هزيم
واقدامي تخطو للأمام
و نزلنا للأسفل إلى حيث حُجرة كبيرة للغاية
وتلك المرأة تقول : ادهلوا بالكبو
إذاً إسم هذا المكان يسمى " كبو "
لندخل جميعنا وهي تغلق الباب الحديدي وتخرج
جلسنا على الأرض والجو بأوج التوتر
و الكل يبدو على وجهه الخوف من القادم
رفعتُ يدي للأعلى و أخذتُ أدعو رب العباد
أن يفرج كربتي
أستمد القوة
من دعائي للمولى سبحانه
فلا أحد يعلم ما تخفيه النفوس إلا هو
و لا أحد له يضاهي رحمته
و لا أحد أؤمن به إلا هو
فأشهد أن لا إله الا الله و أن محمد عبده و رسوله .
*
*
رفع بصره بتعجب إلى الرجلين ليقول : كيف جبتوهم ؟
ضحكا بسخرية وقال احدهما : احنا اي حاقة نقبها
رفع إحدى قدميه فوق الأخرى : اسمعوا هذول الي معاي بيودوني بداهية ان تركتهم احرار وبالذات ذا " واخذ يشير إلى هزيم "
هذا الي قدامك اقواهم و متعب كثير و انا لي اتفاق مع واحد رجال اني اراقبهم وهي يشحذون بالشوارع ثم نتقاسم الفلوس بالنص
ولا سحبت على الرجال اخاف يكون هو الي بيقوم علي .
بإستخفاف : دي حاقة بسيطة أوي احنا هنحبسهم هنا وفي رجالة هيرأبوهم و مش هيخرجوا ابداً هيعئدوا طول عمرهم هنا
و احنا هنعطيك من الفلوس حاقة بسيطة للراجل الي تتعامل معاه " و بتحذير " بس ها انتبه بئى تعلمو عن شغلنا ده سر بينا وبس
انتا هتئلوا الفلوس من الشغل بتاع الشحاتة وماتقبش سيرتنا على لسانك ابداً .
بإقتناع : زين
إرتشف قليلاً من المياه الغازية ثم نظر إليه : اشطه
ليرد سمحي : اشطه
قام الرجل الملتزم بالصمت يجُر خطواته بالدرج و يتثاوب بكسل
تراود إلى ذهنه سؤال حيره , فقال : انتوا وش حقة راقبتوني ؟
فتح الكرفتة المعقودة بإحتراف عن عنقه , و ببرود : احنا كنا نرائب الكاسر عشان نعمل احتيتنا لحسن يكون يعرف مكنا .
بشك : طيب ذاك البخاج الي رشته البنت بوجه الكاسر خاص للتنويم وما ينباع الا خارج السعودية صح ؟
بملل : ايوة , في حاقة تانية حاب تئلوها انا بروح انام .
قدم رأسه للأمام بمعنى " روح " .
***
أخذتُ أطوف بالحجرة ذهاباً و إياباً و أردد مع صوت المؤذن الخافت الآتي من مسجد بعيد
و الرهبة فتقت بصبري و اهلكتني , قلبي مقبوض كأنما أُغلق عليه بقعر العتمة و تلك دبابيس حادة تنخش بي
و التفاؤل يتضاءل امام ناظري فلا أسمع إلا صوت كاسري وهو يوصني بما فتك بي
و لا أتخيل إلا مظاهر تلين لها الجبال الشامخة أرى دماءً بساحة معركة كانت تحمل على أرضها طهراً ونقاءً وشهامة
منبعها انت يا كاسري
مسحتُ وجهي من أعلاه لأسفله , وانا أعتصر الجوال بين يدي
لا يرد , و تأخر كثيراً
إلهي أسألك ان يكون تأخره هذا خيراً , و إن كان هنالك من يريد إلحاق الشر به فاللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم
ماذا لو كادوا بك ؟!
تمتمتُ وانا أنفض رأسي : استغفرالله ,, استغفرالله , الله اكبر ,, الله أكبر
شعرتُ بثقل بأقدامي وكأن أغلال إلتفت حولها فأزهقتها
جلستُ على الكنبة وانا أحتوي نفسي كالقرفصاء
و استمع إلى صوت الخافت , صوت إقامة صلاة الفجر
علي ان أقوم لأصلي و أناجي ربي خيراً بكاسري .
***
فرق التوقيت بين مملكتي الحبيبة السعودية و بين مصر ساعة الآن بمصر الساعة السابعة صباحاً
و بأرض الوطن الثامنة صباحاً, على الرغم من حبي لوطني , لكن اظنه معقد يرفض اقاليم الحب !
و رجال هيئة يصطفون ها هنا وهناك لإيقاف الفسوق
اما هنا فأفعل ما يحلو لك , هه قد يعلم كل رجل شهواني مثلي انه واقع بالحرام و أننا لا نكف عن الفسوق مهابة رجال الهيئة
بل نكف عنه مهابة رب البشر , قد كانت لي محاولات سابقة بالكف عن دهاليز الزنا لكن عندما تصبح المعصية عادة , و تصبح العبادة عادة
يتبلد القلب , تحاول ان تكون كما كنت سابقاً , تحاول ان تعود للوراء لكن لا تستطيع شيءٌ ما يرغمك على عبور مسالك الظلمة
لأن القلب مات فلا يُحس بمقدار الخطأ وشناعته , سابقاً كنتُ أشعر بأخطائي لكن كنتُ أتجاهل هذا الشعور وأقول لنفسي لا تكن جباناً يا ركاض
و لم أكن أعلم بأن قمة الجبن و الخذلان ما انا واقع به الآن
أتيت إلى هنا بطموح عالي جداً لأكمل دراستي و أتزوج تلك العفيفة البريئة " مارسة "
نعم كنتُ سأقف بوجه الجميع لأجلها ولم أكن أعلم أن سأسقط إلى الهاوية السحقية
كنتُ مكتنزاً بالعلوم , و صرتُ مكتنزاً بالفجور
حتى صلاتي لم يعد لها مذاق , أصبحت سريعة ما ان ابدأها حتى أنهيها إلى حد أني أسأل ذاتي
أي سورة يا ذاتي قرأتي بهذه الصلاة فتجيب ذاتي نسيت !!!
و كأن لساني ينطق و قلبي يتمايل مع أجساد الفتيات , مع خمر " ويسكي " , و اغاني تضج القلب ضيقة
غرقتُ في عمق البحر ولا يد تعانق يدي لأنجو
و لا يد ترميني بطوق نجاة
أحاول الركض بعيداً عن العصيان و أجدني أعود لها بقوة جمة
لقد أحاطني اليأس , و اصبحت أجول ما بين عارية و أخرى وما بين مرقص و آخر
لا أعرفك يا " أنا " أصبحتِ غريبة
فقدتي دينك , فقدتي , وطنك , وفقدتي أهلك, وفقدتي حُبك
تركتِ كل شيء لتعيشي بدهاليز العتمة , بجحيم يحرق ثوبكِ الأبيض و يتعالى يتعالى ليهشم ملامحكِ
فتصبحي شيطان إنسي لا يعرف للرحمة طريق
أما آن الأوان لأدخل جنات النعيم يا أنا ؟!
نعيم الطاعة ومذاق اللذة , لذة العبادة لا تقاسيها اي لذة
لكن قلبي أصبح معلقاً بالمعصية .
*
*
دخلتُ لأجده قابع على الكنبة و بين إصبعيه سيجارة ينفثها بالهواء
إقتربتُ منه و لم ينتبه لحضوري
قعدتُ بجانبه تماماً و سحبتُ السيجارة من بين اصبعيه لأنفثها كما نفثها
نظر إلي بشرود ثم أدار رأسه عني وشبك أصابعه ببعضها وهو يفرقعها
وضعتُ السيجارة بالطفاية ونظرتُ إليه بإستغراب
أسندتُ رأسي على صدره و بهمس : مالك ؟
بذاتي همسي : ولا حاجة
حركتُ أصابعي بصدره , و بإصرار : لاه فيك حاقة
أبعدني عن صدره و انتصب على قدميه واقفاً
إتجه إلى البلكونة , توكأ بيديه على أسوارها وهو ينظر إلى الناس بالأسفل
و قفتُ خلفه و طوقتُ بيدي خصره أشد ظهره إلى صدري و أمسح برأسي على ظهره برفق : ركاض لا تخوفني عليك كده , و ادا مضايىء و نفسك بحتة مز هكون احلى مز عشانك بس فكها يا حبيبي .
تجشأ ليقول : ما ابي ما لي نفس , انا تعبااان نفسيتي تعبانة حيل اليوم فتحت القرآن ما عرفت أقرأ تصدقين ما عرفت انطق حسيت الآيات صعبة علي
و ما فهمت حاجة وكل ما اعدي بآية احس اني أول مرة أقرأها شعور قاسي .
بتساؤل مصحوب بالفضول : هو كتابكم حلو ؟
أبعد يداي عن خصره ليستدير نحوي ويبتسم بصفاء : حلو كثيــــــر الدين الاسلامي دين جميل جداً لكن الي زيي هم مخربين بالدين ولا يحسون بهالطعم زيي الحين
ما عاد احس بشي و اصلي بس لأني تعودت اصلي لو تقرأين عن رسولنا يالله اعظم البشرية صلى الله عليه وسلم
أردف بسخرية : هه لكن انا فتكت بالدين و رميت فيه بعرض الحايط انا حتى ربي ما صرت اعرفه ومادام مااعرفه فأنا ما احبه بحق
احنا المسلمين ما نقول نحب الله بس بلسان لا لازم نطبق المحبة بأفعالنا لكن للأسف انا لا أفعال و لا حتى أقوال , تصدقين قمت بهالفترة اقول لنفسي ليش تصلي ؟ مو انت تقدر تجيب اي حاجة وكل حاجة بفلوسك اجل ما انت بحاجة للصلاة !
رأيتُ بعينيه لمعة غريبة إرتسمت بها معالم خفية لم أرها قط به
ما بالك حبيبي هل بالفعل أصبحت حبيبي
كيف لي ان أحب من علي الإنتقام منه !
كيف لي أن أحب مسلم و انا مسيحية !
أرى بك يا ركاض صفاء مطمور تحت أطنانٍ من القذارة
ضج المكان بنغمة جوالي الكلاسيكية , أعلم انه جهاد
أخرجتُ الهاتف من جيب بنطالي وخرجتُ من البلكونة
مضيتُ إلى المطبخ
*
*
فإذا به يسحبني بشدة من كُم بردتي , و بعنفوان : طولتي بئى انتِ لازم تعتي الجرعة هو ده ما يتأسرش أبداً .
أشار إلى دولاب المطبخ : دي هيا الجرعة حتيلوا ياها بالعصير زي كل يوم .
و خرج من المطبخ
عدلتُ من بردتي التي تكمشت
و أخذتُ الجرعة إلى المغسلة و انا أسكبها و أغسل الموضع منه لئلا يكتشف أخي جهاد , سأقتل بيديه حتماً
و أقتربتُ من الدولاب وانا أجهز كأس عصير يخلو من أي سموم يفترض ان تشوبه
لا أستطيع رؤيتك ميتاً بمرأى عيني يا ركاض
لا يقوى قلبي بتاتاً و إن كانت النتيجة تعليقي بحبل المشنقة .
***
رن جرس الحصة الثالثة بتمام الساعة التاسعة صباحاً حملتُ الكيس الذي محتواه كتاب الفيزياء و اقلام السبورة و دفتر التصحيح
مشيتُ ناحية الفصل " 2 / 2 علمي "
قبل دخولي إلى الفصل سمعتُ صوت الفتاة المسترجلة تهتف بإسمي : ابلة عُطرة
تنهدتُ بقل صبر سأحاول التحكم بنفسي و ألا أغضب عليها , سأرشدها إلى الطريق الصحيح بإذن الله تعالى
إستدرتُ ناحيتها و بجمود : نعم يا طالبة
بإبتسامة ود : كيفك اليوم يا أبلة ؟
رددتُ لها الإبتسامة بإغتصاب : الحمدلله يا طالبة
حكت شعرها المحلوق وهي تقول , بخجل واضح رغم محاولتها بمداواة خجلها : امممم , عجبتك الهدية ؟
إلهي لقد نسيتُ فتح هديتها ماذا أقول لها ؟
بكذب سيسعدها وقد يقربها مني حتى أهديها : مرة حلوة يا ابلة تسلمين
إبتمست بشدة حتى ظهرت جميع أسنانها : يعني بتتصلين ؟
عقدتُ حاجبي و بتساؤل : على مين ؟
أشارت إلى شخصها : عليا
و كأن الصورة قد بدأت تتضح لي يبدو انها قد اهدتني بطاقة شحن لأتصل عليها كما يفعل الشباب في سن المراهقة
بماذا تفكر هذه الطالبة انها بحق منقلبة عن فطرتها
جاريتها بالأمر , فالحصة قد ذهب منها الكثير : ايه ان شاء الله , يلا يا طالبة روحي لفصلك وراي حصة .
هزت رأسها بالموافقة وهي ترحل بعيداً عني
إذاً هذه الطريقة تناسبها ببضع حنان تترك عنادها .
***
أكتم إبتسامتي و أمنعها عن الظهور لأني أبدو بلهاء بها فالوقت ليس مناسب لها
لكن أشعر بسعادة مفرطة , لأول مرة أُمدح بهذه الطريقة
فقد مدحتني الدكتورة مديحاً مطولاً , لجمال البحث الذي أعده ذاك المجهول
حسناً إن كان وجود هذا المجهول بحياتي سلبياً فالبحث الذي قد أعده يغطي على جزء طفيف من سلبياته المتراكمة
لكزتني صديقتي نوال بمرفقها , بهمس : اشبك تتبوسمي ؟
وضعتُ يدي على فمي و بتعجب : من جدك إبتسمت !
بإستغراب : ايوا اشبك معقولة مو حاسة بنفسك كل هذا عشان الدكتورة مدحتك !
وضعتُ يدي على رقبتي وانا أفركها و أبتسم بإحراج : ها ايه عشان كذا .
نظرت إلي بنصف عين و بريب : ايه صدقتك , أقول بس الي ماخذ عقلك يتهنى به , يلا هالحين بتصير الساعة عشرة .
لا أدري لما شعرتُ بالإختناق و كأن الأكسجين في المنفى
لماذا عبارتك الأخيرة يا * نوال * " الي ماخذ عقلك يتهنى به " تكاد تقتلني !
***
أجلس على الأريكة و حواسي شبه نائمة أستمع إلى عقارب الساعة و جفناي تغطي نصف عيني , و لعاب يفز فزيزاً من ثغري
و جسدي مثقل مرهق لم أنم بتاتاً وكيف أنام وكاسري إلى الآن الساعة الحادية عشر صباحاً و لم يعد !
و صوتٌ دوي وصل إلى مسامعي , و صلبتُ طولي سريعاً كطفل مسرور لرضعة
فإذا بكاسري يدخل بثوب متسخ , منكمش , و تحت عينيه هالات سوداء
إقتربتُ منه و هو يبتسم لي
إرتميتُ بصدره بقوة
شدني إليه بقوة أكبر , يمسح على شعري الأجعد و يهمس : انا بخير يا حياتي , لا تخافي .
تشبث برقبته و بكائي يتحول وعيلاً : ايـ...ش صار ليش عيونـ..ك كذا ليش لبسك كذا ؟
إلتفتُ يديه حول خصري و حملني إلى الأريكة ليجلس ويضعني على فخذه
أمسك بخصلة من شعري و جعلها تعانق إصبعه حتى جذورها ومن ثم أفلتها ليعود ويتشبث بها بإصبعه تارةً أخرى و بهمس : هششششششش , لا تخافي هدي اعصابك ترى الموضوع ما يستدعي هالبكى
وضعتُ يدي بخده وانا أعض شفتي : كيف ما يستحق انت شايف قد ايش اتأخرت شايف شكلك كيف ؟ يكيف ما يستدعي ؟ !
قرص خدي وهو يكركر بصخب و ينزاح عن جوهر الموضوع : وش قد انا محظوظ فيكِ يا قلبي حساسة و تخاف على زوجها محافظة على دينها مربية عيالها احسن تربية .
بإصرار : الكاسر قلي وش فيك ؟
وضع إصبعه على أرنبة أنفي : مجنون فيك بس .
بدأ صوتي الناعم يعلو : الكااااسر قلي وش فيك
بهروب : يلا حبيبتي قومي قولي للخدامة تسويلي اكل لين اتروش حيل تعبان وجيعان .
بإندفاع : بس
وضع إصبعه السبابة على ثغره : هشششششششششش يلا قومي
قمتُ واقفة من على فخذه وهو جر خطواته إلى دورة المياه .
إلى متى ستدس عني خفاياك يا كاسري , أحبك لكن بذات الوقت أشعر وكأنك تعاملني كطفلة ليس إلا
تخاف أن تحكي لها قصة مفزعة, مرعبة فتبكي ولا تكفف دموعها مليارات المناديل
دائماً أحاول أن أكون قوية لكن لا أستطيع إطلاقاً عندك أنت يا كاسري أتوقف عن التفكير
أخاف ان افقدك كما فقدتهم
كما فقدتُ أمي و أبي
أخرجتُ القلادة من داخل بردتي
قلادة تحمل رموزاً حُفرت فقط لأجل أمي و أبي
لا يوجد مثل هذه الرموز إلا بخاتم أبي و فقط .
***
خرجتُ من " الحمام " و أنا أُجفف يدي بالمنديل
هتف بإسمي من المجلس وكأنه غاضب : عُطـــــــــــــــرة
تجاهلته و انا أجلس على الأريكة التي تسبق السرير و يسبقهما التلفاز
تناولتُ جهاز التحكم " الريموت " من الطاولة
و أنا أُقلب بالقنوات بلا هدف
أخذتُ أرفع من الصوت إلى حد لا معقول
أهوى إستفزازه , أهوى قهره و إخراجه عن طوره , أهوى غضبه لأنني وفقط أهوى أن أراه في حال وعرة تحتاج إلى ترصيف
شعرتُ بكتلة مُحملة بالحمم البركانية تخطو بالأرض فترميها باللهيب
بصوت قوي : اظـــــــن ناديتك يا ست عُطرة
لم أعره إهتماماً , و أخذتُ أمعن النظر بالمعروض بالتلفاز , و رفعتُ قدماً فوق الأخرى
إقترب شيئاً فشيئاً يضربُ الأرض بحذاءه المتوقد , أمسك بيدي النصف عارية بشدة
حتى وقفتً على اقدامي , وانا اتلافى النظر له
رفع شيئاً بيده لأعلى وهو يصرخ : وش هذاااااا ؟
كنتُ سأتجاهله أيضاً لكن الفضول استداعني لرفع رأسي , حتى رأيت ذاك صندوق المسترجلة يعانق يديه
إلهي من المؤكد أن الأمور إلتبست عليه والآن سيطعن بشرفي
بإستخفاف : هدية من طالبتي , عسى بس حسبتها من خويي , هه و لا اقول حبيبي .
شد شعري من أطرافه بقسوة و كأنه سيستأصل كل خصلة عن جذورها , بفحيح كالأفعى : تلعبين على مين يا عين امك , طالبتك تكتبلك قبل ما تنامين اتصلي علي !, تستخفين بعقلي انتِ
و أنا أكابح الألم , و بذات الإستخفاف : ليه انت اصلاً عندك عقل ؟!
أخذ يشد شعري حتى تراجع رأسي للخلف و ارتطم بظهره , ظهرت فجوة ما بين شفتي لتفاقم الوجع
بغضب جام : عُطــــــرة لا تستخفين دمك انا ما ألعب معاكِ جاوبي هالصندوق من وين ؟
إلتزمتُ بالصمت , فترك شعري و هو ينفض ثوبه : جاااااااوبي
رفعتُ شعري القصير عن عيني للخلف نظرتُ إليه , كانت أوداجه منتفخة لشدة غضبه
أخذتُ نفساً عميقاً و بحزم لأُنهي الحديث : والله والله يا معن انه من طالبة و هالطالبة مراهقة وعقلها على قدها
هدأت اوداجه المنتفخة و كأن إبرة قد عملت على فقعها , مسح وجهه بشدة : بحاول اصدقك يا عُطرة لأني من يوم ما تزوجتك لهاليوم ما شفت منك الشينة
لكن هذا ما يغفر لماضيك ابد مافي رجال شرقي يقدر يعيش مع وحدة باعت عرضها " أشار إلي بسبابته " وانتِ عارفة هالشي زين يا عُطرة و بعد مافي واحد يقدر
يشتكي على بنت خاله وعمته لانها مهما كان من عرضه و تظل من عرضه .
و مضى للخارج حيث كان
جلستُ على الأريكة و أنا أمعن النظر إلى يدي المعصوبة
و ألمس الشاش بهدوء وصدى صوته يتردد بمسامعي " و بعد مافي واحد يقدر
يشتكي على بنت خاله وعمته لانها مهما كان من عرضه و تظل من عرضه " .
و كأن معضلة أحد عشر سنة قد حُلت بجملتك هذه التي تخالف كل جملة قد نطقتها سابقاً جمل كانت تحمل تهديدات بفضحي
و الدليل كان بكلتا يديك
ولكن ماذا عن جملتك هذه لقد غيرت مجريات سنين بلحظة واحدة
هل يعقل بأنك ستستر علي حتى و إن تركتك !
انا أستطيع الدفاع عن نفسي بقولي " مافيه رجال شرقي يقدر يعيش مع وحدة باعت عرضها "
نعم فأنت تميزت عنهم بهذا يا معن , أعلم بأنك قد فعلت هذا لأن أباك لا ولن يسمح لك بتطليقي فباقي الورث معي
و لكن بذات الوقت كيف لرجولتك ان ترضخ لرخيصة معدن كما تدعي , أعلم أيضاً أنك بهذا تتحاشى ما قد سيحصل
إن لم تقترب مني فأمك لن تتركك إطلاقاً فهي تريد رؤية احفادها
لكن ايضاً هذا لا يبرر خضوع رجل متغطرس مثلك !
تبقى متناقض يا معن بكل تصرفاتك وافعالك
و إن قلتُ هذه العبارة سيصدقوني فكيف لرجل شرقي ان يقترب من أمرأة فاجرة و يعيش معاها احد عشر سنة !
لكن أيضاً انت محصولك الدفاعي اكبر ستقول كما قلت الآن كيف لرجل شرقي ان يفضح من هي من عرضه
و غير هذا دليل الطب معك .
***
مسحتُ الطاولة بالمنشفة و أخذتُ أمسح المزهريات الموزعة عليها , الملل جعلني انظف فلا شيء افلعه بحياتي سوى إرضاء ناجي
ليتلني أكملتُ دراستي كعُطرة , فبحق حياتي مملة ليس بها ما اهتم لشأنه , خادمات يملأن القصر ولا لي أطفال
إذاً ماذا افعل ؟ , ما فائدتي بالحياة ؟ , لذلك قررتُ أن أنظف أنا الجناح بدلاً عن الخادمات , المسلسلات جميعها حفظتُها , والبرامج جميعها حضرتُها
و الشبكة العنكبوتية اشتركتُ بكل برامجها و مللت .
*
*
دخلتُ إلى المجلس لأجدها تمسح المزهريات و ترتدي مريلة , ما بها سابقاً تطهو وحين سؤالها ادعت ان هذا لأجل برنامج الإستقرام
اما الآن ماذا ؟ , هل تنظف ليشاهدوا الحُجرة قبل النظافة وبعدها , بالرغم من اني أستهزأ بعقول النساء اللاتي من هذا الصنف
يصورن كل ما امامهن فقط للبرنامج وبحقيقة الأمر بيتهن متسخ ! , لكن لأن قارورتي و معزوفتي تفعل هذا فلا يحق لي السخرية عليهن
ألقيتُ التحية و ردت , جلستُ على الكنبة و وضعتُ البالطو بجانبي
بتساؤل : وش تسوين ؟
نظرت إلي ثم أعادت انظارها إلى قطع الزينة : مثل ما انت شايف انظف
بذات التساؤل : ايه عارف انك تنظفين بس ليش في شغالات يقومون بهالشغل عنك ؟!
وضعت المنشفة على الطاولة وهي تتنفس من بعد امتلاءٍ بالضجر : افففففف ناجي والله بقتل نفسي من الطفش احس يومي فاااضي بزيادة و مو عارفة ايش اسوي
فقلت للخدامات لا تنظفون اليوم ونظفت عنهم رغم انه كل شي نظيف .
بإبتسامة حنونة : طيب تبين نخرج مكان محدد نتفسح شوية ؟
بادلتني بإبتسامة ضعف إبتسامتي : جــد , والله من زمااان ما طلعنا سوا لانك مشغول
سندتُ ذقني على يدي المتوكأة فوق فخذي , و أتسعت إبتسامتي لإبتسامتها : افضى عشانك
هرولت بسرعة ناحية الباب وهي تعطيني ظهرها : شوية واجهز
ناديتُها: تعالي
إستدرات نحوي , و بيأس وهي تلوي شفتيها : هاه , بطلت افففففف
قلدتُها وأنا أكركر : افففففففف , اشبك تعالي و خرجتنا بنخرجها لو على قص رقبتي , هاه عسى صدقتيني
هزت رأسها إيجابياً وهي تقترب لتجلس بجانبي على الكنبة المزدوجة و يفصل بيننا وسادة : صدقتك , ايش تبغى طيب ؟
نظرتُ إليها بتفحص : ايش رايك تدخلين للجامعة ؟
شعرتُ بالصدمة بنظراتها , و بإستنكار : الحين اكمل ! , لا فات الفوت ما ينفع الصوت يا ناجي .
بإستنكار من يأسها : وش فات الفوت , توك دخلتي بالثلاثين يمديكِ تدخلين الجامعة وتخلصين و تحققين حلمك بعد , و بعدين والله في ناس بالخمسين ويكملون دراستهم و يسعون لتحقيق احلامهم
ليش هاليأس ؟!
لعبت بإصابعها , و بتردد : مدري , بس ما احس بكون بنفس حماسي زمان
ضحكتُ لأنهي ترددها, وأنا اشير الى نفسي : ههههههههه يا حرمة وش حماسي شوفيني انا من اكسل الطلاب وآخر سنة اجتهدت وهذاني قدامك دكتور لا تكوني كذا احباطية .
و كأنها تشجعت بمقدار ضئيل : يعني تتوقع عادي اكمل الحين
بتشجيع : طبعاً عادي وبعدين انتِ طموحك كان بيكسر الدنيا حتى لما تزوجتك كنت اقول بنفسي ياويلك منها يا ناجي شكلها حذاكرلك و تطلع عيونك
و بالفعل ذاكرتيلي وطلعتيلي ياها بس هاه ما انكر لك الفضل الكبير بعد الله لوصولي لهالمستوى .
و هي تميل فمها , بلوم : وش اسويلك كسول مرة وترفع الضغط ما تفهم شي ابد .
و انا اضيق عيني : انا الي كسول مرة ولا انتِ الي نشاطك زايد اعترفي
قدمت رأسها للأمام بإتجاهي , وبعناد : انت الي كسول " أردفت بحماس " تهقي جد اقدر اكمل ؟
بتأييد : و جد الجد , و هالمرة انا الي بذاكرلك ياويلك مني يا عُزوف , انا اصلاً للحين ماني بعارف ليش ما كملتي دراستك
رغم اني قلتلك كذا مرة كملي بس كنتِ رافضة الفكرة نهائي , المهم مالنا بالماضي احنا ابناء اليوم .
*
*
ألا تدري يا ناجي أني لم أُكمل دراستي فقط لأُشغل وقتي بجذبك لي
انا فتاة تحب النجاح بكل أمور حياتها , بأصغرها وأكبرها
و عندما فشلتُ بمحطتك , تفاقم إصراري لجذبك
عندما حطمت انوثتي , و قلت أني لستُ بجميلة
بالرغم من أن الجميع يطري على جمالي , صحيح أن عُطرة تفوقني جمالاً , فأنا متوسطة الجمال إلا أني أنيقة بمعنى الكلمة
حينها زاد إصراري لنيلك
لأجعلك لي
و خفقت , فشلتُ بكل أمور حياتي
هل سأعود الآن لأدرس ؟ , هل سأنجح ؟ , هل سأحقق حلمي ؟ , هل سأسعى إليك يا حلمي كما في الماضي تماماً ؟
إبتسمتُ له : شورك وهداية الله , بروح أتجهز , واحسن خلينا نتحرك بعد صلاة العصر الحين بيأذن .
بموافقة : ان شاء الله , بس اسمعي .
بترقب : همم
بتفكير : انا اقول هالسنة تدخلين لك معهد ومع حلول السنة الجاية تدخلين الجامعة .
بموافقة : ايه كويس ’ " أردفتُ بإبتسامة " اصلاً كنت بقولك كذا .
قمتُ من على الكنبة لخارج الحُجرة لأستعد للرحلة .
***
منذ حديثي مع أبي ظانع و أفكاري متطايرة , هل يعقل بأن عبد القوي ذو الشخصية الصلبة و القلب المتحجر و التفكير المعقد الجاهلي
سيتزوج ! , و الأدهى بالأمر من خادمته ! , هل أستطيع جذبه إلى هذه الدرجة !!
و ماذا لو جذبته أتزوجه ! أتزوج رجل لا أبلغ حتى نصف عمره و لديه احفاد و الأشدُ غرابة اني عاشقة لإبنه
أتزوج من رجل كنتُ انادي زوجته و أنا طفلة " يمه " وكنتُ أنادي أمي صائمة " بـماما " وكأن المعنى مختلف
لكن عندما كبرتُ علمتُ أن لا أحد يستحق لقب " الأم " إلا الأم التي انجبتك و ربتك
و ماذا لو تزوجته قصر بطوله و عرضه تحت أمري و نهيي , و يقول لي أبناءه " عمة " إحتراماً لي بدلاً من " خادمة "
و أرى ركاض كإبني بعدما كنتُ أراه عشيقي !
ستنقلب حياتي رأساً على عقب , انا ما بين عقلي و قلبي فالحيرة قلب يريد و عقل لا يريد و لكن انا حالي يعاكس مفهوم الحيرة
فقلبي لا يريد عبدالقوي و يريد ركاض قاتلي !
و عقلي يريد عبدالقوي لماله ولا يريد ركاض !
ماذا تسمى حالي هذه ! فلا عقلي يقنعني و لا قلبي ينصفني
و إلى ركاض قاتلي تتوقف أحلامي
إلى ذاك اليوم يوم قميصي الأصفر الذي يظهر أكثر مما يستر , قميص سرقته من إحدى دواليب الخادمات لم أكن حينها أعلم
لما توجد عندهن قمصان ! , لكن بعدما رأيتك تقترب من تلك الخادمة علمتُ حينها انهن يلبسن القمصان لك , هه كنتُ مضحكة للغاية
فمعالمي الأنوثية لم تكن ظاهرة بشكل كبير و لآفت قد كنتُ بالرابعة عشر من عمري
و أُفكر بتفكير غبي ساذج , فأنا لم أكن أفهم ما الذي سيحدث حينها و ما هي مقدار العواقب
و خطوتُ إلى حجرتك , طرقتُ الباب فلم ترد و دخلت
*
*
لم أجدك بالغرفة وعلمتُ حينها انك بدورة المياه
أغلقتُ الباب بالثلاث خوفاً من دخول أحد رغم انه لا يوجد غير عُطرة القابعة بحجرتها فالكل قد خرج فرحاً بالمطر الذي سقى أرض جدة
إبتلعتُ ريقي مراراً و تكراراً وانا أنظر لنفسي عبر المرآة , شعور بالخوف كان يداهمني و كنتُ اتجاهله
و خرجت من دورة المياه و انا ملتزمة بالصمت و أنفاسي مضطربة جداً
رأيتُ إنعكاس صورتك بالمرآة منشفة تحيط بخصرك وجسدك عاري بالأعلى لم تكن تراني حينها , رفعت رأسك لأعلى
و أتسعت عيناك دهشة مما رأت
وضعت يدك برقبتك تحكها
و أنفاسك عالية أسمعها بوضوح
إستدرتُ أتجاهك وأنا أمسك بطرف قميصي وأشده وبغباء : مفآجأة .
أشرت إلي من أعلى لأسفل , بإحتقار مصحوب بالإستنكار : وش ذا ؟
بذات الغباء : مو انت اول قلتلي لمن اقرب منك كثير قوليلي لما تصير حلالي قرب بس عادي تبى تقرب قرب .
حينها إِشتعلت عيناك غضباً و أقتربت مني وانت تصرخ على غير عادتك : مجنووووووووونة انتِ , انتِ تعرفي اني بضيع مستقبلك بطريقتك هاذي .
حينها انكمشت ملامحي و أختنقت روحي لغضبك علي لأول مرة
إقتربت مني و سحبتني من شعري الطويل بشدة
فتحت الباب و رميتني بالخارج و أغلقته .
جلستُ عند الباب انتحب لم أكن أعلم حينها ما الخطأ الذي اقترفته , لم أكن أعلم و لما صرخت لما غضبت
و فتحتُ فمي على وسعه , وتلك عُطرة تقف امامي و تنظر إلي بنظرات مخيفة
و على نظراتها فُتح الباب من جهتك و انت لا زلت بالمنشفة
حينها لم تهرب عُطرة لأنك رأيتها بلا حجاب , ولم تظهر على ملامحها الصدمة لرؤيتنا بهذا المنظر الشنيع
بل رمقتك بعينيها و قالت : هه , وطلع الفسق على حقيقته .
و مشت و كأنها لم تكن
بينما أنت كنتُ تمسح وجهك و تقول : الله يستر الله يستر ما غير عُطرة الي تكره ابوي تشوفنا .
و دخلت تارةً أخرى للغرفة و اغلقت الباب
و مضت السنين و نست عُطرة و كأن الأمر لم يكن بتاتاً , كانت تعاملني افضل معاملة لكن حالما يُذكر ركاض بالمجالس
تداعب ابتسامة ساخرة ثغرها
أحمدلله كثيراً أني نجوت , لكن الغريب ان رجل شهواني مثلك يهوى بنات حواء جميعهن لم يلتفت لي و قتذاك
لا و بل يقول سيضيع مستقبلك وماذا عن اللاتي اضعت مستقبلهن !
لماذا ميزتني عنهن ! , و بالآخر تركتني و رحلت لستة سنوات .
أنا بالأصل لن أقبل بك حتى لو عدت , صحيحٌ أُحبك ولكن يبقى لي كرامة أُحافظ عليها .
***
على الساعة الخامسة والنصف عصراً
جلس عمي جلال بجانبي وهو يبتسم : اليوم انفتح السوبر .
إبتسمتُ بسعادة : من جد عمو
هز رأسه بنعم وقال : ودي آخذكم تشوفونه
قالت أمي بإندفاع : لا مو لازم نشوفه , و جلال انت مو لازم تروح تشوفه
أستغرب تصرفات أمي دائماً تمنع عمي عن الخروج و تعدي خطوط المنزل حتى عندما يخرج , يخرج بلا علمٍ منها !
بطاعة و رضى : ان شاء الله يا غزال .
أهتز هاتفي المحمول برسالة " واتس اب " , إبتسمتُ لا إرداياً
و أخرجتُ الهاتف من بنطالي لتموت ابتسامتي على فورها , كنتُ اظنه المجهول , لكنها صديقتي " نوال "
اليوم لم يرسل المجهول أي شيء , ويحهُ لما تأخر ؟! , ولما الإهتمام يا " أنهار " أليس هذا ما كنتِ تريديه !
ليس إهتمام بقدر ما هو فضول و تساؤل و تعجب
يمكن أنه قد وضع رسالته بحجرتي
قمتُ من على الكنبة واستأذنتُ من أمي و عمي سريعاً
صعدتُ إلى حجرتي على أمل ان أجد ضالتي
دخلتُ للحجرة وانا ألتفتُ يمنة و يسرة
نظرتُ للسرير, للأريكة , المكتب , التسريحة و الشوفونيرة
ولم أجد شيئاً , نظرتُ إلى شاشة الهاتف
هل أتصل عليه ؟ , هل أرسل له ؟
لا , لا داعي لهذا توقفي عن التفكير بهذه السذاجة .
***
جلست أمام سمحي و هي تشعل السيجارة , بتساؤل و عربية مكسورة : انت تهرف الكاسر ؟
***
إنتهى الجحيم
و الحين بنزلكم الجحيم ( 12 ) .