كاتب الموضوع :
الشجية
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: حيزبون الجحيم / بقلمي
الجحيـــم
(72)
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
طرقٌ مستمر على الباب بالظهيرة , قمتُ من على الأرض متوجهة إلى الباب و حسناء تنظرُ إليَّ بخوف تخافُ أن يكون عبدالقوي
من خلف الباب تساءلتُ بثبات : مين ؟
جاءني صوتُ امرأةٍ مصرية قالت ما قالت من غرابة : أنا شكران مرات أخوكي هزاع و معايا بتي مي .
امرأةُ هزاع ! , هل تزوجت يا هزاع دون درايةٍ مني !
غدرت بأرضٍ تعيشُ بها , تستنشقُ هواءها و لدتَّ و ترعرعت بها
لم تكترث لوطنك آذيت أبناؤهُ و تنكرت تحت غطاءِ الفارس المبجل
تورايت عن الأنظار بعدما صرتَّ صفحةً مرئية
لُقبتَّ بالخائن و لقبتُ بأختِ خائنِ الوطن
بحثوا عنك و دعيتُ لكَ بالستر
طال الغياب فكتبتُ شهادة موتك و لم ينتهي ميلادُكَ بعد !
بكيتُ كثيرًا لأنكَ آخرُ ما تبقى ليِّ من عائلتي كنتُ أشتمُ بكَ عبير أبي و أرى بعينيكَّ حنان أمي
و أكثرُ ما قاسيت هو الغيابُ بلا وادع
الموتُ بلا جثة !
ألم تكتفي بوطنكَ الأصغر و الأكبر !
سامحكَ اللهُ يا أخي و غفرَ خطاياك
فتحتُ الباب و تزحزحتُ عنهُ للوراء فدخلت امرأتان محجبتان إحداهما تبدو صغيرةَ العُمر بملامحها و الأخرى هيَّ الكبرى
إذًا هذهِ ابنتُك و الأخرى زوجتك
ألقت المرأة الكُبرى تحيةَ الإسلام فكان لها الردُ بأحسنِ منه
ابتسمتُ مرحبةً بهن بكلِ توترٍ واضطراب و كأن " مزنة " الاجتماعية ضاعت باحثة عن سرابِك يا أخي : يا هلا والله , اخلعن هالعبي و عطوني إياها .
الصغرى بادرت بخلعِ العباءة إلا أن الكُبرى استوقفتها بصوتٍ جهوريٍ حاد : ما تخلعيش حاجة يا مي .
طغت حُمرة الخجل ملامح الفتاةِ المراهقة فلا يليُق أمرها بهذا الشكل أمام الغرباء و الغريبة أختُ والدها !
هداكَ اللهُ يا أخي أينَ هيَّ صلةُ الأرحام !
تسآءلت والدتها : هوا فينو هزاع أخوكى ؟
أجبتُ بمصداقية مغلفة باللوعةِ و الاشتياق : والله علمي علمك مدري وينه فيه .
جاء صوتُ الفتاة مزدحمًا بالذعر : هوا عايش ؟
أومأتُ برأسي و ابتسامةٌ واسعة بشفتي تخطُ معالم السعادةِ الغامرة
أشرقَ وجهها و زفرت أنفاسها براحة و نطقت معبرة عما يجولُ بخلجاتها : الحُمدلله .. أنا كنت هموت من الخوف .
أكفهرت ملامحُ والدتها , إلتقطت يدَ المراهقة تسحبها لخارجِ المنزل : مش موجود و كدا أنا سويت إلي عليا و هنرجع لمصر تانى , عندك امتحانات و مش وئت الهبل ده .
حاولت الفتاة التخلص من قبضةِ والدتها , و برجاء : ماما سبيني يدي بتوجعني أوي .
أخلت سبيلَ الفتاة التي استدارت إليَّ بكاملِ جسدها و أخرجت ورقةً مطوية من حقيبتها و مدتها إليَّ : ده رئمي وئت ما تشوفى بابا يبقى كلمينى .
أخذتُ الورقة من يدها و لكني بذاتِ الوقت قبضتُ على معصمها بيدي عقدت حاجبيها بإستغراب و قبل أن تستوعب ما فعلت
غمرتُ رأسها بصدري و احتضنتُها بشدة هيَّ ما بقيت بالوطن الصغير
قد تكونُ هبةً منكَّ يا هزاع بعد سنينِ الوصبِ و النصب
و لأن الظفر لا يُفارق اللحم , و الدمُ ليسَ بماء فهوَّ يحنُ و يشتاق
دفنت رأسها بصدري أكثر فأكثر شاهقةً باكية
و بكيتُ معها سعادةً بها !
***
قد يصلُ العجز و الضعفُ و الهوان و الكم الهائل من الخذلان الذي يخالج الانسان لاوصف لهُ ، فحروفُ العربية تتقاعس أمام هيبةَ الموقف و صعوبةَ التعبير حتى المشاعر ذاتها تتجمد فلا الدموعُ
تنهمر و لا القلبُ ينبضُ باضطراب بين الحياةِ و الموت كالغيبوبة تمامًا الحضورُ في الغياب أنا الحاضرة و كل ما حولي قد غاب ، أبي هوَّ زوجي ! أيمكنُ للعقلِ الراشد أن يتخيلَ موقفًا كهذا !
أيمكنُ للكتاب أن يصف المشاعر حتى تصل للقارىء كما هوَّ الواقع ، لا البتة فلا أحد سيشعر قدر ما أنا أشعر حتى المشاعر انكسرت هوانًا ، وضعتُ يدي على شفتي و أنا أرآه يُقبلني ، يخلعُ أرديتي
يُضاجعني ينتهي بنا المطاف بطفلِ بحجم الكف في المشفى يكبُر و ينمو ، طفل حرامٍ زنا و خسةٍ و سفاح ، وضعتُ يدي على بطني و جريتُ نحو دورةِ المياه لكن اشمءزازي لم يسمح لي فقد خرج
ساءلاً أصفر من فمي على الأرض ، لم أأكل شي و لا أدري ما هذا السائل
مددتُ يدي إلى أنفي و رأيتُها مصبغةً باللونِ الأحمر ، هذا الدم الذي صار يُصاحبني منذُ الفاجعة ، توجهتُ إلى التسريحة لأمسح أنفي بالفوطة و لكني حالما رأيتُ شعري المهمل الأشعث المتعرق
و وجهي الأصفر و السواد الذي يعانقُ عيني الدم الذي يسيلُ متجهًا لثغري بكيتُ بشدة و يداي تُقبضُ على طرفِ التسريحة و ألمُ معدتي و شعور التقيء يزدادُ أكثر فأكثر ، أيُ فاجعة عليَّ أن أبكي
عليها فاجعةَ أني كنتُ أنادي من ليست بأُمي " يمه " و من ليس بأبي " يبه " فاجعةَ أني أحببتُ بطفولتي و مراهقتي أخي عشقتُه و تمنيتُه كزوجٍ لي ، أو انتقامي الذي ما عاد إليَّ إلا بالشر حينما
تزوجتُ بأبِ عشيقي ليظهر أنهُ أبي أيضًا ، أم طفل الحرام الذي أنجبتُه ؟! أيُ فاجعة عليَّ أن أبكيها و أصف حجم المعاناة التي أعيشها ! تحطمت حياتي انتهت أحلامي قبل أن تبدأ ، ماتت الألوانُ
بعيني ، صار الموتُ حُلمي و أُمنيتي ، فالغيبوبة ما هيِّ إلا نذيرُ الموت فموتي يا روح ، فأيُ خذلانٍ تريدي بعد هذا الخذلان ، أيُ صفعة قد تجعلكِ في الفناء ، ما كفاكِ الوجع ! ما كفاكِ الألم !
ما كفاكِ الخذلانُ و القنوط ! لا مزيدَ من الذل ، فما تجرعتيهِ يا روح هوَّ أقصى المهانة ، فموتي و كوني بشير الموتِ لي ، و كوني لهم نذيرَ الموت .
***
الساعة الثانية ظهرًا , منذُ الأمس لم أرَ هاتفي المحمول ، أخذتُ هاتفي من أولِ درجٍ في الكمودينة و استلقيتُ على السرير و فتحتُ على رسائل الواتس اب التي تجاوزت الثلاثُ مئةَ رسالة و هذا ليس بغريب من صديقاتي
منذُ سنين ، صديقاتي في الوظيفة ، طالباتي و التاجرات عبرَ تطبيق الانستقرام لكن الغريب أربعُ رسائل من رقمٍ غريب و دولةٍ أخرى ، الأولى السلامُ عليكم ، و الثانية هذا رقم معن و الثالثة و الرابعة رسالتين
صوتيتين ، إن كان معن فلماذا لم يقل أنا معن ؟! لماذا قال هذا رقمُ معن؟ ! لم يطل تفكيري كثيرًا فقد فتحتُ المقطعَ الصوتي و جاءني ما أذهلني صوتُه هوَّ صوتٌ مبحوحٌ ضعيف يُخالطهُ اليأسٌ
و القنوط يُردد هما السبب ما لي دخل ، عُطرة السبب ليش استلمت لي ليه خلتني أجلدها ليه ، أنهار السبب ليش طاوعتني ليش هما السبب ، ابتسمتُ بسخرية لازلتَ كما أنتَ يا معن لم تتغير
و لا بمثقالِ ذرة هذا أنتَ و بعد أن اتضحت براءتي لازلت تُلقي اللوم و العتب عليَّ دونك لاترى أنكَ المخطىء بظلمك و جورك و كؤوس الضيم التي سقيتني إياها الشوكُ الذي أطعمتني إياهُ فغرسُ
و تخالط بدمي و خُطت حينها معاني الانتقام و الحقد الشوكُ الذي انغرس بجسدي و عدًا قطعتُه على نفسي أنهُ سينفكُ عني و يغرسُ بجسدك كؤوس الضيم التي تجرعتها اثنا عشر سنة ستتجرعها
أنتَ حتى الموت ، حتى في الضريح ستتذكر أن هنالكَ من ظلمتها و حتى في الآخرة سأنتقمُ منكَ و لن أسامحك ، أقسى عقابًا لكَ بالدنيا هو غيابي عنك و هذا ما سيحدثُ يا معن سأفي بوعدي لنفسي
و لك و لن أغفر لكَ مهما فعلت ، فتحتُ المقطعَ الآخر ليجيءَ صوتُه بذاتِ الهوان : لو فيه أحد يكون معك يآخذ حقك مني يجلدني يعذبني يرميني بأسوأ الألفاظ ينقش آثار اثنعشر سنة في كل تفصيلة
فيني و الله لا أسلم نفسي له والله لأخليه ياخذ حقك و زيادة بس وينه هذا وينه ؟
صحيحٌ يا معن أينَ هوَّ هذا ؟ لا أبٌ و لا أخ و الخالُ عدو ، لا أحدَ لي و لأن لا أحدَ لي عشتُ تحت وطأتك كل هذهِ السنين ، فقد جُبِلت المرأة على حاجتها للرجل طفلةً لأبيها مراهقةً و ناضجة لزوجها
و عجوزٌ لابنها ، أما أنا فكنتُ الأم و الأب و الأخ و الأخت لأخواتي الصغيرات و لكن لم يكن لي أحدٌ سواك و لأنَ لا أحدَ لي اغتررت بنفسك كثيرًا كُنت السفاح و الجلادَ و الجلمود لأن لا أحدَ لي سواك
كُنت الحبيب و الوطن و المنفى ! لأن لا أحد لي سواك كُنتَ حقدي الوحيد بالدنيا ، فأيُ شيءٍ قد يمحي حقدي الوحيد ؟!
***
بعد موتِ صغيرتي و نثر الترابِ فوقها صار المنزلُ خاليًا إلا من الخادمات اللاتي أغلبهن لا يجدن العربية و جلال غاب و لم يعد لهُ وجود انتظرتُه كثيرًا و قد عزمتُ أمري على الاعترافِ لهُ بأنهُ
أصل الحكمي ليعودَ إلى عائلته و لكنهُ لم يعد إلى المنزل و لم أرآه بعد دهسهِ لصغيرتي التي فارقت الحياة ، آه يا صغيرتي رميتِ ذاتكِ بالجحيم بكلتا يديكِ سترَ اللهُ عليكِ و لكن كُشف كل شيء
بأيامكِ الأخيرة فُضِحَ أمرك و شُوهت سمعتكِ و إن كانت فقط بعيني صديقتكِ نوال و زوجي جلال فبالآخر فُضِحت خفاياكِ و ما تخافيه ، كل اللومِ عليَّ أنا ، أنا من الأمهات اللاتي تُعطي كمًا هائلاً من
الحنان و لا ترفضُ طلبًا لأبنائها و بكلِ حياتها لم تضرب طفلها من بابِ التأديب لأنها ترى كل الضربِ عنف و لا تفرق ما بين المبرح و الضرب الخفيف و ترى أن بحقِ ابنها فعل كُل ما يريد فهو
حُر و تنسى أن للحرية حدود فإن تجاوزت الحرية حدود الله كان التأديبُ لازمًا ، صغيرتي كانت ترتدي عباءة تُظهر أكثر مما تخفي تضحكُ بمنتصف الشارع بكلِ غنج فيطمعُ بها كلَ قلبٍ مريض
لم أقل لها عيبٌ أو حرام كنتُ أخافُ أن تغضبَ مني فليسَ ليَّ سواها كنتُ أريدها حرة و لم أعلم أن الافراطَ بالدلال هو الجحيمُ بحدِ ذاته ، رآها من لا يخاف الله متبرجة فقال هيَّ رخيصة تلاعب
بأفكارها و أخذَ شرفها منها و تركها جثةً هامدة لا حياةَ بها ، صغيرتي كُل اللومِ عليَّ أنا , لن أسامح ذاتي مهما حييت و سأدعي لكِ بالمغفرة في كلِ حين ، صار البيتُ مهجورًا موحشًا بكل زاوية
و ركن أرى صغيرتي و أبكي لم أستطع التحمل و انتقلتُ إلى أهلي في الإحساء , و محلات الموادِ الغذائية يهتمُ بها زوجَ خالتي ، والدتي و والدي توفا منذُ أن كنتُ بشبابي و ليس لديَّ سوى أخٍ
واحد يعيشُ في الخارج و لم أرهُ منذُ سنين لا أحدَ ليَّ بالسعودية سوى خالتي العجوز و زوجها ، إن أراد جلال رؤيتي فهو يعرفُ مكاني فقد اصطحبني ذاتَ يومٍ إلى خالتي .
***
الساعة الخامسة عصرًا , في متجر سنتربوينت , تتحركُ بين الأردية جيئةً و ذهابًا كالنحلةِ بنشاطها تظهر السعادة بتصرفاتها و أبسط تحركاتها يالله كم تعذبتِ برفقتي يا قارورة اثنا عشر سنة
كنتُ أنانيًا بها أريدكُ لي و لا أستطيعُ الاقترابَ منكِ !
و أنتِ بحاجةٍ للطفل لشعورِ الأمومة التي تتمناهُ كل أنثى ، كبرتِ بالعمرِ يا معزوفة صار عمركِ واحدٌ و ثلاثون عامًا كما عُمر البويضات و هذا يُقلل فرصةَ الحمل ، لا أريدُ أخذَ حقي منكِ رغمًا عنكِ
و لا أريدُ أن يزيدَ الهجرُ و النشوز عمَّا هوِّ عليه لا لنفسي بل لكِ يا قارورة لكِ يا بهجةَ روحي و مهجتها حتى و إن كان غانم طفلاً لكِ فشعورُ الأمومة ممن خرجَ منكِ أكثر وقعًا على النفس ، جاءَ غانم
كالطامةِ برأسِ أبي و جاءَ إلينا هبةً من الرحمن زرع بيننا مودةً لم تكن موجودة و لو جاء الطفلُ من صلبي ستُحل معضلةَ اثنا عشر سنة ستكفكفُ الدموع و تُبرى الجروح و تُبتر سنون العذاب أما
غانم لن يكون سوىَ أمنيةً لكِ و تحققت و لن يستطيع دفن الماضي الذي عايشتيهِ معي ، سيظلُ بداخلكِ قهرًا و وهن و حاجةً ماسة لردِ اعتبارك و لكنكِ لن تستطيعي فما فعلتُهُ بكِ فاقَ الوصف صرتِ
حيزبونٌ بجحيمي و لن تعودي لشبابكِ و ثلاثينكِ إلا بطفلٍ من صُلبي يخرجُ منكِ ليطفىء الجحيم و يمسح تجاعيدَ السنين الماضية ، ليتكِ فقط تعي أن السرعة أفضلُ حلٍ لكِ أنتِ ، أغمضتُ عيني
و فتحتها و أنا أنظرُ لها و هي تسحبُ ذراعي و تشيرُ إلى الأردية التي أعجبتها و جمعتها فوقَ علاقةِ الملابس انكمشت عينيها خلف النقاب فعلمتُ أنها تبتسم بشدة حدَ أن أسنانها ظاهرة : نااجي شوف كيف يجننوا , ايش آخذ محتارة ؟
أطرقتَ رأسي و قلبتُ الأردية المتناهية في الصِغر بين يدي كانت أغلبها باللونِ الازرق و البعضُ منها أصفر و تفاحي و أحمر ، زممتُ فمي بحيرة و من ثُم رفعتُ عيني مبتسمًا لها : خُذيها كلها .
نطقت بصوتٍ ساخر : لا والله إذا باخذها كلها كان اخذتها بدون ما أسألك ، بطر آخذها كلها الاطفال يكبروا بسرعة هذا الي لاحظته على عيال عُطرة و هوازن ، ما له داعي التبذير ناخذ على قد
حاجتنا و بس , و بعدين ترى بدخل محلات ثانية منها نكست .
مددتُ يدي إلى يدها الموضوعة فوق الأردية و قبلتُها بعمق ، انتفضت يدها بين يدي و سرعان ما سحبتها و جاءَ صوتُها خجولٌ غاضب : نااااجي مو في المول أُف .
بسطتُ ذراعي خلف رقبتها و كتفها و ضممتُها لجانبِ صدري بحنو ، و بهمس : والله عاد زوجتي و كيفي ما علي من أحد ، تسلملي الناس العاقلة شوفي يا ستي أنا أرشح ذا اللبس و ذا وذا ...
أبديتُ رأيي بما أعجبني و وافقتني على البعض و البعض الآخر كان بذوقها ، وضعتُ الأردية في السلة بينما هيَّ سحبت يدي بحماسٍ وشغف : اللاه شوف العربيات ذي تجنن ، سحبتني
و مشيتُ وراءها مستجيبًا لها .
***
الساعة الحادية عشر مساءً , بأرضِ كندا هذهِ الأرض التي يقطنُ بها أفرادَ العصابة , العصابة التي تستغلُ أفرادها و من ثمَّ تنكثُ بهم
هزاع صديقي الضابطُ الخائن عمل لهم و لأجلهم ضدَّ الوطن الذي خرج منهُ كان ضحيةً لهم حاولوا قتلهُ ولكن كتبَ اللهُ لهُ أن يعيش
فكان بعقابِ ماهر و جحيمه في جنةِ نعيمٍ بعيدًا عنهم
فهم إن وجودهُ لن يعاقبوهُ بل سينتهي منذُ اللحظةِ الأولى
لكنَ ماهر عاقبهُ وكان سيُسلمهُ للضبطِ العسكري و قُدرَ لهُ أن يموت قبل تسليمه
فعاش هزاع حُرًا طليقًا فاقدًا لذاكرته
مي الفتاة التي ترعرعت بينهم و عملت لأجلهم و لبت جُل مصالحهم
مي الفتاة التي كانت السبب بالقبضِ على ابنتي ظُلمًا
مي صاحبةَ مخطط القبضِ على الكاسر و ركاض
هيَّ أقواهم و أكثرهم حنكة لكنهم غدروا بها ولم يأهبوا بأنها يومًا ستكونُ القيد الذي يزجهم بالسجون
ذهبتُ إلى المنازل التي أرشدتني مي إليها منازل بأحياءَ مختلفة
و إلى المصنع المصغر للمخدرات
و تيقنتُ بأنها صدقت بكلِ شيء فها هيَّ تثأر لنفسها منهم
اتصلتُ على السلك العسكري الكندي مُقدمًا بلاغ عن المنزل الذي يقطنون بهِ الآن
و انتظرُ خلف الشجرِ قدومهم
معآناةُ سنين مديدة ستنتهي الآن
العذاب الذي ظنناهُ سرمديًا لن ينتهي سينتهي الآن
و كلهُ بفضلِ اللهِ عزوجل نصير عبدهُ المؤمن المظلوم
أمسكتُ بجذعِ الشجرة و ركزتُ بصري حيثُ لمحتُ حركةً بسيطة
لم تكن إلا تحركات السلك العسكري الكندي الذين قدموا للمنزل و انتشروا بالأنحاء بكلِ خفاء
حتى لا تراهم العصابة فيهربوا
اقترب أحدُ الضباطِ من خلف الحارس واضعًا يدهُ بفمِ الحارس و المسدسُ موضعَ قلبهِ و هوَّ يسبحهُ للوراءِ بهدوء
لمحهم الآخر الذي كان يتحدث عبرَ الهاتف , فسقطَ الهاتفُ من يده
و جرى مبتعدًا عنهم حيثُ مواقف السيارات و كان الضابطُ يجري وراءهُ
فتحَ باب السيارة ليدخلها لكن الضابط أطلق رصاصةً بقدمهِ اليسرى ترنح بوقفته و أمسكَ بيدهِ أعلى باب السيارة المفتوح يحاولُ الاستناد عليه
اقترب منهُ الضابط و سحبهُ معهُ , إلتفتُ بسرعة باتجاهِ الصوت الذي جاء من الطرف الأيسر
لأرى حارسًا يجري بسرعة باتجاهِ سيارةٍ مركونة مضاءة تحت أحدِ الأشجار و خلفهُ ضابطان لكن بعيدان عنهُ بمسافةٍ طويلة
استطاع أحد الضباط إطلاق رصاصة على ذراعِ الحارس إلا أن الحارس بقيَّ صامدًا و دخل السيارة و قيادها
أطلق الضابطين الرصاص على زجاجِ النافذة
لكنهُ عاد بالسيارةِ للخلف داهسًا لهم بلا رحمة متجردًا من معاني الانسانية
أما بقية الضباط حاولوا فتحَ الباب
اقتربتُ من موقعهم كثيرًا خوفًا من أن تهرب العصابة من أيديهم
دفع أحد الضباط الباب قليلاً
صرختُ بصوتٍ عالٍ : لااااااااااااااا تفـعـل
لكنهُ فعل و انطلقت رصاصة كانت مثبتة بخيط و حالما سحب الباب غُرست الرصاصة بأحشائه و سقطَ أرضًا
و صوتُ سيارة جاءَ من مواقفِ السيارات فإذا بها العصابة تهرب بسيارتين
جرى بقيةَ الضباط باتجاهِ سيارتهم العسكرية و ركبوا متجهين خلفَ العصابة
بينما أنا أخرجتُ هاتفي طالبًا الاسعاف لنجدةِ الضباطِ الضحايا
لقد هربوا و من المُحال أن يُمسكَ بهم الضباط فقد قطعوا مسافةً بالسيارة قبل ترجل الضباط للسيارةِ العسكرية
لن يدخلَ اليأسُ قلبي فالله معي
و الله عند حسن ظن عبدهِ بهِ
اللهُ نصيري سأُمسكُ بكم حتمًا .
***
الساعة الرابعة عصرًا , ذهبا إلى النادي كالأمس و على عكسِ الأمس اليوم بادر إلى التمارينِ الرياضية دون إلحاحٍ من طبيبه ، كان طبيبهُ سعيدًا بهذا التقدم و كان يُشاركُ معن كل التمارين ليُشعرهُ أنهُ معهُ خطوةً بخطوة
و أن أمرهُ يهمهُ كثيرًا فمعن يحتاج إلى من يشعر بهِ و يهبهُ الحنان حتى يعلمَ أن الحنان و العطف أجمل من القسوة التي يُعاملُ بها ذاتُه و لكن لم يكن كلَ شيءٍ كما أراد الطبيب فقد اتضح مقصدَ
معن من تمارينهُ الرياضية إنه يُهلكُ ذاتهُ بالتمرين و بالكادِ يلتقطُ أنفاسه ، اقترب منهُ و هوَّ يسحبهُ بعيدًا عن الدراجة الرياضية لكنهُ لم يستطع فمعن يَمسكُ بذراع الدراجة بكلِ قوتُه و بكل سرعة
و أعلى مجهود يضغطُ بقدميه لتتحرك الدراجة و تسحبَ منهُ قوتُه أ, نفاسهُ و ثباتُه طريقةً جديدة لتعذيبِ نفسهُ فمنذُ دخولهم للنادي لم يحرق يدهُ لكن ها هوَّ الآن يهلكُ جسده بما لا يستطيعُ
و لا يقدر ، تراجع بخطواتهِ للوراء و أخذَ هاتفَ معن الموضوع فوقَ فانيلتُه التي أتى بها ، اقترب من معن قليلاً و قربَ الصورة قدرَ ما يستطيع إلتقطَ صورةً لتشوهاتِ يدهِ بالسيجارة دون أن يلحظَ معن ذلك
و أرسلها إلى زوجتهِ ، زوجتُه عُطرة أحدَ أهمِ العوامل التي ستساعدهُ بالعلاج و لكن عليها أولاً أن تعرفَ المرحلة السيئة التي وصل إليها معن حتى تتعاطفَ معهُ فمما فهمه من معن أنها جامحة ذاتَ كرامةٍ
و كبرياء و لن تغفر لهُ مهما فعل ، و لكن ماذا إن رأت معن المريضُ النفسي بالمازوخية بسببِ يأسهِ من رضاها عنهُ !
***
نمتُ ساعتين لا أكثر لتعطيني نشاطًا للمواصلة بالعمل
لا أستطيعُ النوم قدر الكفاية خوفًا من خروج العصابة عن حدودِ الدولة فإن خرجت سأحتاج سنينًا قدر السنين الفائتة و قد لا أعيشها و يتوفاني الله قريبًا
لابد من الإمساكِ بهم هُنا في كندا و الأملُ باللهِ كبير
ارتديتُ بنطالي الأسود و أخذتُ قميصي لإرتدائه و لكني تركتهُ على السرير فورَ سماعي لجرسِ الشقة
مشيتُ باتجاه التسريحة المجاورة للباب و أخذتُ منها سلاحي توجهتُ للباب و نظرتُ من العين السحرية فلم أرى أحد , و بتساؤل : من الطارق ؟
عدتُ للنظرِ من العين السحرية فلم أجد أحد
فتحتُ الباب بحذرٍ وحيطة
نظرتُ يمنةً فيسرة و لا يوجدُ بشريٌ قط
أخفضتُ عيني للأرض قد يكون الطارق ترك شيئًا و رحل
و بالفعل وجدتُ ظرفًا متوسط الحجم أبيض اللون
أخذتُهُ من على الأرض و فتحته
مرت عيناي على الأسطر و اتسعتا لهولِ الصدمة
خُتمت الرسالة باسم جهاد !
إلهي هل ما كُتِب صحيح !!
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $
الجحيم القادم يوم الجمعة .
|