الجحيـــم
(70)
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
عمَّ الصمتُ أرجاءَ المكانِ للحظة ، حتى هزت الضحكة أعماق الصمت و رمت بهِ بعيدًا ضحكة خرجت من أعماقِ قلبها ضحكةً ساخرة مستهزئة : لا والله
يا خالتي مزنة إنتِ اليوم فيك شي مو طبيعي و لاذي الي متلزقة فيك جايبتلك الغباء قال ايش قال أنا بنت عبدالقوي يا خوفي
يطلع عبدالقوي أخوكِ و نحنا ما ندري ، سبحان الله السنين ذي كلها ما عرفت إني مو بنت ظانع و إنه أبوي عبدالقوي جاية إنتِ تعلميني
يالله يا عبقرية إنتِ ، أقول يا خالة تكفين خلينا أنا و عبودي نطلع ننام أنا توي ولدت أمس و تعبانة ، و كلامك الغبي هذا راجعي
نفسك فيه مرة و مرتين .
نظرتُ إلى عبدالقوي و وضعتُ يدي على كتفه و بدلال : يلا عبودي نطلع .
إلا أن عبدالقوي أبعد يدي عن كتفهِ بقوة و كانت عيناهُ مصوبة على تلكَّ المرأة : البنية الحُر دافنها بيدينه في القبيلة ، يخلق الله من
الشبه أربعين .
احتد النقاش حينما نطقت مزنة بصوتٍ عال : تكلمي يالصايمة هالبنية بنيتك ؟ قولي كيف خذيناها احكي .
نظرتُ إلى أمي التي كانت تبكي بصمت و تحركُ رأسها بالرفض ، حينها انتفض قلبي بشدة و ابتلعتُ ريقي و أنا أقنع ذاتي أن لا شيءَ مما
تقولهُ مزنة صحيح ، أمي هيَّ صائمة و أبي ظانع ، تحركت مزنة حتى وقفت أمام أمي صائمة أمسكتها من كتفها و هزتها : احكي يا صايمة
احكي البنية لازم تعرف هالزواجة باطلة يا صايمة ، احكي احكي .
رمت أمي جسدها على الكنبة و غمرت رأسها بخمارها الذي تمسكهُ بيدها و بصوتٍ باكي : قبل ثلاث أيام من ولادة زبيدة الله يرحمها لقيت
الحُر يدفن بنية بالتربة قليبي وجعني عليها كيف إنها حية و كاتم نفسها التراب و أنا ظانع ما كان يبي بزراين من فقرنا بذيك
الأيام ، اقربت من البنية و حفرت التراب أخرجها مسحت على وجهها و نفثت هوا عليها خذيتها معي كبرت بين يديني سميتها مارسة
و نسبناها إلنا .
كل شيءٍ بي , مشاعري معالمُ وجهي كل شيء كان يدلُ على الجمود الذي سريعًا ما تحول إلى ضحكةٍ هسترية تُعاكس تلك الضحكة الساخرة
و الوقفة الواثقة : ههههههههههههههه أمي شفيك عدوكِ يمه أنا بنيتك يمه بنيتك هههههههههههه لا جد جد عَدُوكِ أنا متأكدة إنك
مو بوعيك ان
قاطعني صوتُ عبدالقوي الغاضب : و يومك تشوفي الحُر يدفن البنية ما جاه ببالك إنها بنيتي ، الحُر كان عبدٍ لي .
قامت من على الكنبة و هي تحركُ يدها بالهواء و تبكي دموعها بوجهها و مخاطها يخرجُ سيلاً من أنفها : لا تنسى يا عبدالقوي إني كنت
خادمة ببيتكم ما شفت ساجدة حامل كيف إلك ببنية ما خطر ببالي من زوجةٍ ثانية ظنيت الحُر يخدم الغير من دون علمك ، كانت البنية
عادها رضيعة ما ظهرت ملامحها و يومها كبرت شفتها تشبه حسناء و لكني ما كنت على دراية بزواجتك إبها و حسناء من قبل ما خذيت
مارسة مالها وجود قلت يا الصايمة يخلق الله من الشبه أربعين ، مادريت " شهقت بقوة " مادريت والله إن السنين تجمع أبو مع بنيته
ما دريت .
انحنيتُ كالركوع و خرج كل ما بجوفي أرضًا بكيتُ بحرقة و مددتُ يدي إلى أنفي لينطبع الدمُ على يدي سمعتُ صوتها : بنيتي مار
تجاهلتُها و أنا أعطيها ظهري و أجرُ خطواتي للمصعد لكني شعرتُ بالدوار استندتُ بالجدار و صارت الدنيا سوداء سمعتُ أصواتهم لكني
غبتُ عن الوجود .
***
الساعة الرابعة و النصف عصرًا , أمشي بالحجرةِ بكل أركانها أراها هنا و هناك أريدُ القبضَ عليها و خنقها حتى الموت ذلكَ اليومُ المقيت الذي جمعني بها ، دخلتُ
إلى الحجرة لأطمئنها لم يكن بنيتي الاقترابُ منها ، لكنها كانت حسناء تماثلُ اسمها بهيةً تجلسُ على الأرض بنعومة ينسدلُ شعرها الأسود
الليلي الطويل على أكتافها عيناها ما أن رأتني حتى أخفضت رأسها و غطت شلالاتُ شعرها معالم وجهها ما بقيَّ إلا أنفها الشامخ ، قبضتُ
على يدي و تقدمتُ نحوها جلستُ على الأرضِ مقابلاً لها ، شجعتُ ذاتي و قد ارهقني ما رأيتُه من جمالٍ باذخ مددتُ يدي و التقفتُ يدها أحاولُ
بثَّ الأمانِ لها ، لترفع هيَّ رأسها و تسقطُ عينيها بعيني فأغرق بها و فيها ، أطرقت رأسها بخجل لكني وضعتُ سبابتي أسفل ذقنها حتى
رفعت رأسها رويدًا رويدًا و عدتُ للغرقِ بعينيها عينيها شاطىءٌ غشاهُ سوادُ الليل و نجمٌ إلتمع بالسماء تنعكسُ لمعتُه ببحرِ عينيها لم
أستطع تمالك نفسي و كل الوعود التي قطعتها لذاتي راحت هباءً منثورًا قبلتُها بشفتيها الممتلئتين بكلِ شغف ارتشفتُ من شهدها
و لم أشبع لأضيع بجسدها الريان أكتشفُ تفاصيلها كانت المرةُ الأولى التي أرآها بها و المرةُ الأولى التي أضعفُ فيها أمام امرأة
سلبتني قوتي أخذتني لها , قالوا بكماءُ فقلتُ هيَّ أضعفهن و أكثرهن و هنًا أخذ اللهُ منها الكلم و السمع لكن أعطاها من الجمال ما لا رأت عينٌ قط
أحببتُها نعم أحببتُها صارت حسناءُ خيالاً يلازمني أينما كنت كل أفكاري حسناء و حينما كسرتُها بذلك اليوم لم أجرؤ على
العودةِ إليها انطوت السنين لأرى مَن تضاهيها في الجمال لكنها تملكُ الكلم و السمع مارسة تُجسدَ تفاصيل حسناء تُعيدها لقلبي بعدما
طوت ذكراها السنين تعلقتُ بمارسة أحببتُها كثيرًا لبيتُ لها كل ما تريد ، لتكون هيَّ ابنتي من حسناء ! لا ليست بابنتي ليست بابنتي
قد تكونُ تشبهُ حسناءَ فقط ، و قد يكونُ الحُر يعملُ للغيرِ كما ظنت صائمة و لكن قبل ثلاثةِ أيامٍ من مولدِ زبيدة كان مولدُ حسناء ، جمعتُ
قبضتي و ضربتُ الطاولة مراتٍ و كرات و اسناني تصكُ في بعضها عروقي تكادُ تتفجر لتصف الدماءُ حالي ، أسألك يا ذا الجلالِ و الاكرام
أن لا تكون مارسة ابنتي لو كانت ابنتي فغانمُ ابنُ حرامٍ وخسةٍ و سفاح و لو كانت ابنتي فكيفَ ليَّ أن أراها ، بل غانم كيف سيكبر لمن سيُنسب ، تذوقتُ
طعم الصدأ بفمي إنه طعمُ الدم ، تصاعدت الحرارة بجسدي ففتحتُ أزارير ثوبي حاولتُ التقاطَ أنفاسي لكن أيُ هواءٍ
قد يدخل و هذا الضيقُ قبضةً حديدةً تخنقني ، تناولتُ بخاخ الربو و جهتهُ لفمي لعلي أتنفس و تعودُ ضرباتُ قلبي للانتظام لكني لم أستطع
مددتُ يدي إلى الهاتف اللاسيلكي : نادي السواق ياخذني للمستشفى .
صلبتُ طولي بشدة و استندتُ بيدي على الجدار مشيتُ ببطىء حتى وصلتُ للبابِ و خرجت
متوجهًا للباب المنزل و خارجهِ حيثُ المشفى
أريدُ الأكسجين أريدُ أن أعيش .
***
فتحتُ عيني و سقطت عليها لم أحتاج وقتًا لاستيعابِ ما حولي بعد اغماءتي ، دفعتُها من جانبي و أنا أجلس ثم أقف ، أشرتُ إلى الباب
و بصراخٍ : اخرررجي اخرررجي ما ابغاااكي اخررررجي .
برجاءٍ و بكاء : بنيتي اسمعـ
قاطعتُها بذاتِ الصراخ بل أمسكتُ بيدها و سحبتُها للباب : ماااني بنتك ماااني بنتك يا كذااابة اخرررررجي .
فتحتُ الباب و دفعتُها بكلِ قوتي و بالرغمِ من ضعفَ جسدي و ثخنها استطعتُ دفعها من شدةِ غضبي الجامح أغلقتُ الباب ، أمسكتَ بزجاجةِ
عطر كان ركاض يستخدمها فأعطيتُها لعبدالقوي , ركاضٌ أخي و عبدالقوي أبي أيُ سخريةٍ هذهِ رفعتُ الزجاجة لأعلى و رميتُها بالأرض تناثر
الزجاح و صدح صوتُ الانكسار مع صوتِ من أخذتني من التربة و أدعت أنها أمي فصدقتُها تطرقُ الباب و صوتُها ممتلىءٌ برجاء تريدني
أن أفتح ، تصاعدت و انتشرت رائحةُ العطر الكريهة هذهِ الرائحة التي كنتَ أغمرُ رأسي بحجرِ أخي لاشتمامها كعاشقة ، هذهِ الرائحة
التي كنتُ أغمرُ رأسي بحضن أبي لاشتمامها و تذكرِ عشيقي ركاض و الارتواءِ من حنانِ زوجي الذي هو أبي ، عندَ هذهِ الفكرة جلستُ على الأرض
و وضعتُ يدي فوقَ الزجاج و ضغطتُ بأصابعي على البلاط حتى دخل الزجاج ليدي صرختُ من شدةِ الألم و الدمُ الأحمر تجانس مع العطر الكريه
بكيتُ بشدة و تلكَ التي جعلتني أحيا لهذا اليومِ المرير تبكي بالخارج منادية للخدم تريدُ نسخة المفتاح
هذا الألم بيدي لا شيء بجوارِ ألمَ و وجع قلبي
لا شيءَ مقابل صدمتي و وهني
ضعفي وخذلاني
نزيفُ دمي لا يضاهي نزيفَ صدري
دموعَ عيني لا تماثلُ دموع روحي
صرتُ أشلاءً بل سراب
أصبحتُ سرابًا و كم أتمنى لو تخرج روحي و تحلقٌ بعيدُا عن هذا البيت
و لو يُدفن جسدي بالتربة و تنتهي معآناتي و أوجاعي
كم يكون تمني الموت سهلاً حينما تصيبنا من المصائب ما يعجزُ اللسان عن وصفه
فتاةٌ تعيشُ مع أسرة تظنُها أسرتها و ما هيَّ بأسرتها
تعشقُ فتى و تضعُ جُل أمالها بهِ , هوَّ فارسُ أحلامها لتكتشف أنهُ خائن بل هوَّ أخاها
والدٌ يبيعُ ابنتهُ لرجلٍ عاجز ليتضح أنه ليس بأبيها لذلك هان على قلبهِ بيعها بأرخصِ الأثمان
صدرٌ أحببتهُ حُبًا أكثر من حبي لصدرِ ركاض
بل أخذتُ أقنعُ ذاتي أني لم أخسر لأني كسبتُ هذا الحضن و هذا الدفىء لأكتشف أنه حضن و دفىءأبي
أبي الذي اقترب مني كزوجة
تفخذني و جامعني قبلني و قبلتُه
حفظ تفاصيل جسدي و حفظتُ تفاصيله
و طفلُ من صلبهِ خرج من أحشائي
طفلٌ من صلبِ الأبِ يخرج من أحشاءِ ابنتهِ !
لييتني اختنفتُ حية
ليتني أنتهيتُ قبل بدايتي
ليتني أصبحتُ سرابًا قبل أن أعيش لأتحول لأشلاء ثم سرابٌ حي !
ليتني غبتُ قبل الوجود
ليت يديها مستها النار قبل أن تضمني لها .
*
فتحتُ باب الحجرةِ و دخلت لأتفآجأ بمظهرها
جلست ُ بجوراها وسحبتُ يديها النازفتين لكنها صرخت بصوتٍ عالٍ : أخـــــــــرجي ما أبغاكِ أفهمي أنا ما أبغاكِ إنتِ أكثر انسانة كرهتها
بحياتي و بحياتي كلها ما بكره أحد كثرك إنتِ إلي خليتني أعيش لهاليوم أخـــــرجي .
تركتُ يديها و انهمرت دموعي تحكي وجع قلبي
ما أدراني يا صغيرتي أن يومًا كهذا سيجيء ما أدراني يا مارسة
لقد أحببتُك و أقسمتُ أني سأحميكِ
سأهيبُكِ الحياة التي انتزعتها عائلتكِ
لم أعلم أني كرهتكِ و أقسمتُ أني سأوجعكِ
لم أعلم أني سأنتزعُ الحياةَ منكِ و سأهبكِ ابن حرام
توجهتُ للمطبخ و طلبتُ من احد الخادمات أن تضمد جروح مارسة .
***
الساعة الثالثة و النصف مساءً , يجلسُ أمام الكمبيوتر و يضربُ على الكيبورد لينطق بعد مدة : مافيش اي حاقة ، الموبايل ده في
مبرمج غيري مسح كل حاقة مسح نهائي و مافيش أي طريئة ممكن نسترد بيها المعلومات ، للأسف يا جماعة ما فيش فايدة من الموبايل ده .
ردد هاني من بين شفتيهِ محاولاً كتم غضبه : لا إله إلا الله .. محمدًا رسول الله .. لا إله إلا الله .. محمدًا رسول الله .
سألتُه بهدوء : طيب تقدر تفتح ملفات هوَّ يكون مسحها بنفسه ؟
ليردَ خبيرُ الكمبيوتر : في حالة إنو يكون هوا الي مسحهم أما لو كان المبرمج مسح الملفات الي مسحها صاحب الموبايل مش هنئدر نسترد حاقة و أنا هشوف دلوقتي .
و قليلاً من الوقت حتى أردف بسعادة و هو يتراجعُ بالكرسي ذا العجلات مسافةً بسيطةً للخلف : فيه مكالمات ممسوحة تئدر تسمعهم دلوقتي .
ربتَّ هاني على كتفي مبتسمًا : و اللهي يا أصل عئل عسكري زي عئلك ده أنا ما شفتش و لا هشوف في حياتي ابدًا .
رددتُ له ابتسامتُه ، و من ثم وجهتُ حديثي لخبير الكمبيوتر : نبغى نسمع من آخر مكالمة .
ليقولَ و هوَّ يضرب على الكيبورد : آخر مكالمة كانت أمس في العصر .
و قليلاً من الوقت حتى جاء الصوت : جميلتي مي إنني في صالون الحلاقة المجاور للمنزل و بسيارتي طعامُ الغداء قليلاً و سآتي .
لم أسمع بقيةَ المكالمة فقد كان غزلاً فاحشًا ، صلبتُ طولي بعدما كنتُ منحنيًا للامام ُ استندُ بيدي على خلفيةِ الكرسي الدوار الذي يجلسُ
عليه خبيرُ الكمبيوتر ، و بعجلة : بلا نبي نروح لصالون الحلاقة الي في ذاك الشارع .
قال هاني يستوقفني : بس فيه مكالمات تانية ممكن تساعدنا .
باصرار : احنا بنمشي الحين و بقية المكالمات ما في وقت نسمعها الأكيد إن ماكس بعد ما عرف إننا وصلنا للشارع بيغير البيت لكن
اليوم ما يمديه فيمكن بكرة و من الفجر ما نحصله هو و مي في البيت لازم اليوم نتحرك ذي آخر فرصة و إلا بنبدأ من البداية ، الحين
أبيك تجيب لي بزرين صغار نحتاجهم ضروري ، و بنمشي للحلاق .
ليُجيب و هو يُخرج مفتاح السيارة من جيبه : هنعدي على بيت ابني و هناخد اتنين من احفادي و هنروح للصالون بسرعة .
***
الساعة السادسة إلا ربع مساءً , نجلسُ في الصالة أنا و والدتي و أُختي الكبرى ميساء بينما أختي الصغرى ديما نائمة على فخذي و أنا أمسحُ على شعرها بلطف
كانت ميساء تحكي لأمي أحداث المسلسل المعروض على التلفاز و أنا أستمع و مع الوقتِ اندمجتُ معهم
قاطع متابعتنا دخول أبي الذي ألقى السلام فرددناهُ بأصواتَ متفاوتة و درجاتٍ متفاوتة من الحسنات من رد السلام كاملاً أخذ ثلاثين حسنة
و من ردهُ للرحمة فأخذ عشرون حسنة و من ردهُ بمثلهِ فأخذ عشرةَ حسنات
صلبتُ طولي و تقدمتُ نحوه سلمتُ على رأسهِ و يديه
جلستُ فجلس بجواري و مد يدهُ يقبضُ على يدي اللامبتورة بقوة و بابتسامةٍ واسعة : الهوية و صارت بيدك يا أغيد , بقي يدك المبتورة و تعليمك
من بكرة بنروح أنا و إنت للمستشفى و نستفسر بخصوص يدك , أنا سمعت إنهم ممكن يركبون لك يد صناعية و برضو سمعت بزراعة اليد لكن
مو متأكد بكرة بنروح للمستشفى و نشوف .
برفضٍ تام : لا يا أبوي ما أبي أروح .
اندفعت أمي برجاء : ليه يا ولدي روح الله يرضى عليك و خلي يدك ترجع لك , ليش تحرم نفسك من النعمة ليش ؟؟
لأنني تذكرتُه هوَّ رفيقُ دربي هزيم , الوحيد الذي لم يجد عائلتُه أُسرٌ من مدنٍ أخرى جاؤوا لأبنائهم
و هوَّ حتى الآن تحت مراقبةِ السلك العسكري و اهتمامهم لن أعيش بنعمة و هو بنقمة
هوَّ من كان سندي و قوتي لن أضحك و هوَّ يبكي
يكفي الهوية التي صارت بيدي لو كنتُ أعلمُ أن أبي سيصدرها لأوقفتُه لكنها كانت مفاجأةً منه
أجبتُ بهدوء: لي صديق للحين ما حصل أهله , اليوم إلي هو يحصل فيه أهله و يروح للمستشفى بروح معاه
هو كان معاي خطوة بخطوة هو أبوي و أمي و أخوي و أختي بكل سنيني إلي راحت ما أقدر أضحك و هو يبكي
قعدت سنين بدون يد , ما بيأثر علي بشي إذا طالت المدة زيادة .
شدِّ أبي على يدي و بابتسامة : كفو يا ولدي الله يحفظك لا تنسى جميل أحد عليك , و لو تبي من بكرة بآخذك لصاحبك تتطمن عليه .
نظرتٌ لأمي فوجدتُها تبتسمُ بفخر
أومأتُ بالموافقة
سأراك يا هزيم بالغد .
***
الساعة الخامسة إلا ربع عصرًا , وصلنا إلى صالون الحلاقة و معنا الطفلين الصغيرين
رفع هاني بطاقتُه العسكرية بينما أنا استجوبتُ الحلاق : نبي نسألك عن زبون جاه يحلق عندك , جاك أمس في العصر .
ممدتُ إلى الحلاق بصورةٍ مصغرة : هذا شكله ما يتكلم عربي أكيد كان في بينكم وسيط يوصل الكلام .
حرك رأسهُ أفقيًا : ما شفتش حد زي كده , استنى شوية .
نادى بصوتٍ عالٍ و هوَّ ينظرُ لخارج الصالون : يا أشـــــــــرف يا أشـــــــــرف .
حتى نظر إليهِ أشرف و هو يحركُ يده : في ايه ؟
أشار الحلاقُ بيده إلى أشرف كي يأتي
تقدم أشرف بخطواتهِ إلينا
بادر الحلاقُ بالحديث و هو يمدُ الصورة لأشرف : إنتا شفت اجنبي زي ده حلىء عندك ؟ و ما يتكلمش عربي كان فيه مترجم بينكو .
أجاب سريعًا : آه بس كان لون شعرو اسود حتى عيونو كانت سودا , و بالزبط كان فيه مترجم بيفهمني الي بيئولو الاجنبي , ده زبون مميز ما يتنسيش أبدًا .
تنهدتُ براحة و بتساؤل : طيب ما تعرف أي طريق راح , سيدة و لا لفة , يمين و لا يسار , أي شي ممكن يفيدنا ؟
ضيق عينيه : هوا مين حضرتك ؟ و ليه بتسألنا ؟
ليُجيب الحلاق : دول الشرطة .
أومأ برأسهِ متفهمًا , و أردف : افتكر كويس على فين راح , لأنو لحئتو ادهيولو البائي بس هوا ما أخدهاش , و أنا احترامًا ليه و ئفت
لغاية ما بعدت العربية عن الصالون , هوا دخل يمين من عند الصالون .
ابتسمتُ لهُ : ألف شكر .
خرجنا من الصالون سريعًا , و هاني يدعو : يارب نحصلهم و نفتك منهم احنا ائرفنا والنبي .
دخلنا للسيارة ركبتُ بجوارِ هاني الذي يقود و الطفلين بالخلف بجوارِ الورد
وجهتُ حديثي إلى هاني : مع إنه مو وقته بس نصيحة لا تحلف بغير الله لأن الحلف بغير الله يدخلك بالشرك الأصغر و العياذُ بالله .
أومأ برأسه : مش أول مرة تنصحني النصيحة دي بس احنا متعودين كده من ساعة ما كنا صغيرين .
دخلنا إلى اللفة التي كان بها أربعة منازل يمنةً و أربعة منزل يسرةً
بسطتُ يدي قائلاً : وقف وقف لا تدخل أكثر خلينا بالطرف ما نبيهم يلمحوا السيارة .
أوقف السيارة بينما أنا نظرتُ للأطفالِ بالخلف : و انتوا يا حلوين يوسف بتدق البيوت إلي على اليمين , و حمادة تدق البيوت إلي على اليسار
و تقولوا نفس الكلام الي حفظناكم ياه .
حركوا رؤوسهم بحماسٍ طفولي و بادر حمادة بالحديث : جدو و عمو أصل أنا اليوم ده هصير شرطي شاطر أوي .
ابتسمتُ لهُ بينما تحدث هاني : طيب يا شطار أنا عاوزكم دلوقتي تئولو الكلام الي حفظتو .
ليقولان بأصواتَ متفاوتة : أنا بيبع ورد توليب , ممكن تاخد وردة , الوردة الوحدة بسبعة جنيه .
صفقتُ بيدي تشجيعًا لهما : ممتاز ما شاء الله بتصيروا عساكر زينا إن شاء الله .
خرجنا من السيارة و توجه كل طفلٍ إلى اتجاهه
بينما هاني أخذ موقعهُ يمنة و أنا موقعي يُسرة
طرق كل طفلٍ الباب الأول من الجهةِ اليمنى و الباب المقابل لهُ من الجهةِ اليُسرى
و فُتح كلا البابين من الباب الأيمن خرجت امرأة و من الباب الأيسر خرجت فتاةً مراهقة و كلاهما دفعتا ثمن الورد
انتقل الطفلين للمنزلين الثانيين و طرقاهما ولم يكن هنالك ما يريب
و انتقلا للمنزلِ الثالث و كانا كالأولِ و الثاني
لم يتبقى سوى المنزل الرابع من كلا الجهتين اليُمنى و اليسرى
طرق يوسف المنزل الأيمن تحت أنظارِ هاني
و طرق حمادة المنزل الأيسر تحت أنظاري
فُتح الباب الذي يقفُ عليهِ يوسف و لم يكن بهِ شيءٌ مريب فقد خرج رجلٌ عجوز و لم يشتري شيء
تقدم الطفلُ يوسف باتجاهِ حمادة و وقف بجانبهِ
فنحنُ أوصيناهم حينما ينتهي أحدهم يقفُ بجانبِ أخيه و لا يعودُ إلينا خوفًا من أن يلمحنا ماكس أو مي فلا يفتحا الباب .
*
سمعتُ صوتَ طرقٍ على الباب , فتوجهتُ باتجاهه لأرى طفلٌ صغير و بيدهِ ورد
ابتسمتُ بسعادة , و أنا أقول : استنى شوية هجيب الفلوس و افتحلك
دخلتُ لحجرةِ النوم و اتجهتُ إلى محفظةِ وليام الذي كان يقرأُ كتابًا فوق السرير
أنزل نظارتُه من على عينيه متسائلاً باستغراب : ماذا ستفعلين بالمال الآن ؟
ابتسمتُ لهُ : يوجدُ عند الباب طفلاً صغيرً يبيعُ الورد سأشتري منه .
ليرمي بالكتاب و يقفُ من على السرير : لا تفتحي الباب يا مي , قد يكونُ من السلك العسكري .
اقتربتُ منهُ و قرصتُ خده برفق و بابتسامة : إنك تهذي وليام , إنه طفلٌ صغير يبدو أنهُ بحاجةٍ للمال
كما أني حبيسةٌ بين هذه الجدران منذُ مدةٍ طويلة أريدُ أن أتحدث إلى شخصٍ غير نفسي و غيرك حتى لو كان طفلاً , سأجنُ لو بقيةُ طيلة عمري
بين هذه الجدران .
ابتسم لي بحنان و هوَّ يمسحُ على شعري الأسود : حسنًا يا جميلتي و لكن انتظري سآخذُ سلاحي من باب الحيطةِ و الحذر .
أومأتُ برأسي , بينما هوَّ أخذ سلاحهُ و وضعهُ خلف ظهرهِ و مشى خلفي
فتحتُ الباب لأجد بدل الطفلِ طفلين و يشبهان بعضهما إلى حدٍ كبير
انخفضتُ بجسدي على الأرض و سألتُهما : إنتوا أخوان توم .
ليبادر أحدهم بالحديث : آه احنا توم .
مسحتُ على شعر الذي تحدث : إنتا ايه اسمك يا بطل ؟
قال بابتسامةٍ واسعة : حمااادة .
نظرتُ للآخر : و إنتا ؟؟
*
على الطرف الآخر بعدما انتهى حمادة من عمله و وقف بجوارِ يوسف
صارت عيناي عليهما و أنا أقفُ بالجهةِ اليسرى التي انتهى منها حمادة خلف الأشجار فكلُ منزل يُفصلُ عن الآخر بأشجارٌ طويلة كثيرة كأنها غابة
بينما هاني يقفُ باليمنى و حينما فُتح الباب رفعتُ المنظار الذي بيدي لتتجسدَ ليَّ الصورة
أمسكتُ باللاسيلكي و تحدثت : انتبه يا هاني لا تقرب من البيت ماكس الظاهر معاه سلاح ورا ظهره و لو أظهرت نفسك
بيسحب أحفادك و ياخذهم رهينة و نخرج خسارنين لا تقرب بنرجع للبيت في وقت ثاني .
*
أجاب مبتسمًا : يوسف .
بذاتِ الابتسامة : و بكم اشتري الوردة منكو ؟
ليُجيب يوسف : الوردة الوحدة بسبعة جنيه .
فتحتُ يدي على وسعها : و أنا هشتري الورد كلو الي عند حمادة بمية و اربعين جنيه و الي عندك يا يوسف بمية و اربعين جنيه
ايه رأيكو ؟
حركا رأسيهما بالموافقة
بينما أنا أخرجتُ من المحفظة مئتان و ثمانون جنيه
مددتُ إلى يوسف النصف و إلى حمادة ما تبقى أخذتُ الورد و قبلتُ كليهما بخده
و دعتهما بيدي و أغلقتُ الباب , تقدمتُ إلى وليام الذي يقفُ خلفي مباشرة و مددتُ إليهِ بوردةِ توليب زهريةَ اللون : أرأيت إنهم أطفالٌ صغار
ابتسم لي وهوَّ يأخذُ الوردة : حسنًا يا صغيرة نقطةً لكِ .
توجهتُ إلى طاولةِ المطبخ و نسقتُ الورد بالمزهرية
أخذتُ المزهرية إلى الحنفية و وضعتُ الماء بها
و ضعتُها فوق الطاولة وجلست
صارت حياتي مملة لا جديد بها
أحادث وليام
أقرأ , أتصفحُ الانترنت
لا عائلة , لا أصدقاء الوحدة و الوحدة
و بدجى الليل أفعلُ ما يغضبُ ركاض
أجامعُ وليام , الشيء الذي أحرصُ عليهِ في المجن
هو مجامعتي من الدُبر فأخاف أن أحمل طفلاً منه
بل الوحيد الذي جامعني في القُبل هو ركاض لا غيره
و جهاد الدنيء الذي أغتصبني
ركاض هوَّ أول من فض غشاءَ بكارتي
ركاض هوَّ أول رجلٍ بحياتي
بالرغم من كلِ شيء يا ركاض
لازلتُ أُحبك مهما أدعيت .
*
اجتمعنا مع بعضنا
وجهتُ حديثي إلى هاني المكفهر : ياخي ابعد الكشرة , مادام عرفنا البيت بنمسكهم بنمسكهم إن شاء الله
كل إلي أبيه الحين تتصل على اثنين ضباط تثق فيهم كثير تخليهم يجون يساعدونا لإننا بندخل للبيت .
أجاب و هو يدخل يدهُ بجيبه ليُخرج هاتفه : أنا واللهي بديت أحس بالسلبية , هتصل على أولادي اتنينهم ضباط .
اتصل عليهم طالبًا منهم القدوم و قد أعطاهم عنوان المنزل
بينما بقيت أعيننا تحرسُ المنزل .
***
دخلتُ إلى المنزل و وقفتُ عند الباب أنظرُ إليه
يجلسُ بأرضِ الصالة و يُمسكُ بسيجارة يطفِئها بجسده و يُردد :هيَّ السبب ليش طاوعتني و جات هيَّ السبب
أنا ما لي دخل , حتى عُطرة ليش قعدت و خلتني أجلدها كانت تقدر تهرب هما السبب أنا ما لي دخل ما لي دخل .
مسحتُ على وجهي و قد أدركتُ حالتُه إنه يعيشُ طقوس المازوخية العامة
المازوخي يحبُ أن يضع ذاتهُ موضع الضعيف المظلوم و حينما يظلمهُ من حولهُ يشعرُ بالسعادة و المتعة
و هو الآن يُلقي اللوم على عُطرة و أنهار ليشعر بالمتعة
يُمارسُ أسلوبًا قهريًا يهدمُ ذاتُه بملىء إرادته
اقتربتُ منهُ و سحبتُ السيجارة من بين يديه و أطفأتُها
بينما هوَّ رفع عينيهِ إليَّ و وقف على قدميه و بغضب : ليه تطفيها ؟
ببرود : لأنك تضر نفسك .
حرك رأسهُ بالرفض : اخرج برا البيت أخرج .
ردةُ فعلٍ متوقعة من شخصٍ يُعاني من المازوخية
المازوخي يرفضُ من يحنُ عليهِ و يقفُ بجانبهِ و يحبُ كل شخص يؤذيهِ و يظلمهُ
في أول يوم كان يُقابلني بالرفض لثلاثةِ أمور أولهما أنهُ لا يحبُ البوح و ثانيها أنهُ لا يريدُ العلاج بل كلمةُ زوجتُه التي نعتتُه بالمريض
هيّض من دفعتُه للعلاج و ثالثها أنهُ شخصٌ جدي و أحس أني أميلُ للهزل , ولكن بعدها بمدة وثق بي بل أعطاني مفتاح شقته و صرتُ صديقه بدلاً من طبيبه
لكن حينما أدخلتُ ذاتي في عقابهِ لنفسي أدرك أني أحنُ عليهِ وهذا ما لا يحبهُ المازوخي
يبغضُ كل مَن يحبهُ و يحبُ كل مَن يبغضهُ
لبيتُ طلبه و لكني بالأول توجهتُ إلى المطبخ و أدخلتُ بالمسجل شريطًا قرآنيًا شغلتُه
و خرجتُ من المنزل
القرآن و ممارسة الرياضة بأنواعها
و الاحتواء و الحنان حتى وإن كان يبغضه
كفيلاً بمعالجته .
***
الساعة التاسعة والنصف بعد صلاةِ العشاء , طُرقَ بابُ حجرتي و من صوتِ الطرقة عرفتُ أنهُ الطارق : ادخل .
دخل إلى حجرتي و تقدم نحوي جلس على طرفِ السريرِ مقابلاً لي , و بهدوء : ماني قادر أكمل ملفاتي و لا قادر أنام
أفكاري مشتتة و كلها تدور حول مارسة و أبوي والله يا عُزوف للحين مو قادر أستوعب وضعهم كيف هما ؟!
تقدمتُ نحوه حتى بقيت بيننا مسافةً بسيطة : تدري ناجي مصيبتهم خلتني أشوف قد ايش أنا غبية , موقفة حياتي كلها عند نقطة الطفل
إذا أنا موقفة حياتي يعني هم ينتحرون ! , سبحان الله قعدت 12 سنة بدون طفل و هي خلال شهور حملت و ولدت لكن طلع بالحرام
كنت أحسدها و ما كنت أدري إني أنا إلي انحسد , يالله يا ناجي هانت علي مصيبتي كثير , و فعلاً صرت أفكر فيها و في خالي عبدالقوي
كيف بتقدر تواجهه بعد كذا و كيف هوا بيقدر يواجهها و غانم الضايع لمين بينتسب أسئلة كثيرة يا ناجي
مو مستوعبة كيف انجمعت بنت مع أبوها ؟!!
ابتسم بسخرية : هذا ظلم أبوي يا عُزوف رجع عليهِ بقوة ربي ما ينسى عبده , أبوي إلي كان يخلي الحريم يبكون بناتهم و يدفنهم بكل برودة دم
أبوي إلي قريب اكتشفت فيه خصال ما كنت أعتقد إنها فيه ظلم ناس كثير في حياته و سبحان الله بالرغم من بغضه للبنات
بنته تربت في بيته لمن كبرت و لما كبرت نامت في حضنه لكن بطريقة ما يرضاها الله , لكنه بالأول و الآخر و مهما سوى يبقى أبوي و ما أرضى أشوفه منهار
اليوم دخل للمستشفى يآخذ أكسجين أول مرة بحياتي أشوفه بهالضعف كان ساكت طول الوقت وعيونه فيها حزن عميق و يمكن حسرة
كرهت هالضعف كان ودي أعطيه قوتي و آخذ ضعفه كان ودي أقوله تهون يا أبوي لكني عارف إنها ما تهون صعبة يا عُزوف صعبة .
الشجنُ و كل الحزن الذي بزغ بعينيهِ جعلني أضعُ يدي على رأسهِ ليستقر فوق فخذي و خلخلتُ أصابعي بين خصلاتِ شعره و بتصبير : ما تدري يا ناجي
يمكن تكون خيرة , يمكن أبوك يتغير و تتغير أفكاره اتجاه الحريم يرجع لربه و يتوب يحتوي خالتي ساجدة و يعوضها عن سنين الظلم
السنين بتكون كفيلة للنسيان حتى لو خالي و مارسة رفضوا يقابلوا بعض طول العمر يكفي إنهم ينسوا .
رفع عينيهُ إلي و بتساؤل : و غانم نسيتيه ؟
مسحتُ على حاجبيه المعقودين : غانم الطفل إلي كنت حاسدة مارسة عليه لآخر لحظة , الطفل إلي يا ما نويت بيني وبين نفسي أقتله سواء كان في بطنها
أو بعد ولادتها يمكن يكون هذا الطفل هدية من لي من ربي , غانم بيتسمى زي الأيتام و أنا بربيه بهتم لكل شؤونه و بتكون بيننا كذبة كبيرة
الله يسامحني عليها يا غانم إنت من دار الأيتام .
توقعتُ أن يغضب حينما يعلمُ بما أنوي , لكنهُ على عكسِ ذلك أمسك بيدي و قبَّلها بعمق : بنت أجواد يا معزوفة الله يخليك لي ولا يحرمني منك
بس نبي لغانم أخ و أخت صغار .
ارتعدت يدي و انتفضت شتتُ عيناي بعيدًا عنه , و هذا الاقتراح يُشعرني بالعجزِ و اليأس
أخافُ المغامرة , أخاف الخوضَ فيك , أخاف أن تخذلني ككلِ مرة
لا أستطيعُ يا ناجي لا أستطيع , و لا أريدُ أن أكون زوجةً ناشز
أبعد هوَّ أصابعهُ عن يدي المنتفضة و رفع رأسهُ عن فخذي و هوَّ يقول : آسف لأني ضايقتك , سوي إلي تبيه يا قارورة إنتِ حرة .
حاولتُ أن أتحدث أن أوقفهٌ عن الخروج لكني لم أستطع لازال الهلعُ يقطنُ في قلبي
لا أستطيعُ اعطاؤه الموافقة بهذه البساطة
لا أستطيعُ أن أكون قارورة و هو طوق ناجتي
لطالما اعتبرتُك طوق النجاةِ وخذلتني
شرختني و خدشتني مرة فمرتين حتى انكسرت
لا أستطيعُ العودة لما كنت إليهِ سابقًا بسرعة
أحتاجُ سنينًا كالسنين التي مضت
فلن تؤول نفسي إلى ما كانت عليه بلمحةِ عين .
***
بالليل استدرنا حول المنزل لنكتشف مداخله
لم يكن بالمنزل سوى بابين بابٌ أمامي و بابٌ خلفي
و شرفة كبيرة جدًا بواجهة المنزل , أربعُ عواميد من الأرض تتصلُ بالشرفة
يبدو أن الشرفة ستدخلنا إلى حجرةِ النوم و ليس هنالك مدخلٌ سواه و لحسنِ الحظ أن الشرفة مفتوحة
نظرتُ إلى أبناءِ هاني : لازم تتسلقوا يا شباب أنا و أبوكم لو طلعنا بنتكسر
وافتحوا لنا الباب من جوا , بمجرد ما تدخلوا الغرفة ممكن تحصلوا ماكس نايم أو مي نايمة أو اثنينهم نايمين
المهم ممكن انتوا تسببوا ازعاج و يصحوا , لازم أسلحتكم تكون بيدكم
ممكن تدخلوا بهدوء و يكونوا نايمين وقتها حطوا الأسلحة على رؤوسهم خدروا ماكس أول ما يفتح عينه
لكن مي أمسكوها أبغاها في كلام طويل , ممكن ما يكونوا في الغرفة عمومًا اتجهزوا لأي موقف ممكن يصير.
حركا رأسيهما بالموافقة و توجها إلى العواميد
بدأاْ التسلق بحذرٍ و بطىء حتى وصلا
دخلا و غابت عن أعيننا رؤيتهم
*
حال دخولهم وجدا ماكس ينامُ على السرير عاري الصدر
اقترب أحدهما من ماكس ممسكًا بشعرهِ رافعًا لرأسهِ
فتحَ ماكس عينيهِ بهلع و ما أن وقعت على الرجل الذي أمامه حتى فتح فمهُ ليصرخ مُحذرًا مي
و لكن بُترت كلماتهُ و ماتت صرخاتهُ بقي الكلم بحنجرتهِ دون الخروج حينما خُدرت أطرافهُ بالبخاخِ المنوم
رمى رأسهُ على السرير , فتحا باب الحجرة و توجها للخارج .
*
تقفُ أمام المغسلة في المطبخ تغسلُ البرتقال الموضوع في الصحن
و من ثم تتناولُ سكين لقطعِ البرتقالة شعرت بأحدٍ ما خلفها و من سواهُ وليام : وليام ما بك ؟ ألم تستطع النوم ؟
لم تتلقى الإجابة وقبل أن تلتفت للوارء أو تُخرج حرفًا من شفتيها شعرت بيد تقبضُ على فمها و مسدسٌ يستقر أسفل صدرها
سقط السكين من يدها و اتسعت عيناها بخوف
إنها النهاية يبدو أنهم السلك العسكري .
*
فُتح الباب و دخلتُ بخطواتٍ سريعة للداخل و من ورائي هاني لأرى
الفتاةَ مي أمامي و أسفل صدرها مسدسٌ يُمسكُ بهِ ابن هاني
أشرتُ باتجاه الكنبة و بأمر : اجلسي يا مي .
تركها الضابط , فجلست على الكنبة و اليأسُ و جُلَّ الحزنِ بعينيها
جلستُ مقابلاً لها و جلس هاني بجانبي
بينما بقيا ابناؤه واقفان خلفها و بأيديهما السلاح
بهدوء : بعقد معاكِ اتفاق يا مي .
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $
الجحيم القادم يوم الثلاثاء .