كاتب الموضوع :
الشجية
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: حيزبون الجحيم / بقلمي
الجحيـــم
(65)
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
ظهر يومٍ جديد بتمامِ الساعة الواحدة و النصف ، يجلسُ رجل يبدو أنهُ في الخامسة و الاربعين من عمره و بجانبهِ إمرأة محجبة بالكامل
يُحرك خرزات مسبحتهِ بأصابع يدهِ اليمنى و بيدهِ اليسرى يمسحُ على يدِ المرأة التي بجانبهِ ، هيَّ تشهقُ بين الفنيةِ و الأخرى و هوَّ يقتربُ
منها و يهمسُ قريبًا من أذنها و يزيدُ من الضغطِ على يدها يمدها بالقوة و يبثُ الاطمئنان لصدرها ، بينما أنا أجهلُ شعوري كجهلي
لهويتي أتخيلُ لو أنهم عائلتي و أتخيلُ لو أنهم لم يكونوا عائلتي ، ترك الرجلُ يدها و صلب طوله ، وضع الملازم أحمد يدهُ على كتفي
فقمتُ من على الكرسي أمشي وراء الرجل احترامًا لهُ سواء كان أبي أو لم يكن ، أخذ الورقة و أشار إليّ بيده و بصوتٍ ثابتٍ هادىء : تعال يا أغيد هنا .
و قفتُ بجانبهِ فتح الورقة و هو يقرأها فهو يعلم أني لا أجيدُ القراءة بشكلٍ جيد إلتفت يده حول كتفي و قَبَّل رأسي : النتيجة ايجابية
إنت ولدي يا أغيد .
نظرتُ لهُ ببهوت لم أستوعب بعد هل هذا هوَّ أبي ؟ هل شقاء سنين اضمحل وانجلت الحقيقة؟ أسئلة كثيرة بحاجة لتفسيرٍ لها ، لكنهُ لم يدعني أُفكر
احتضنني لهُ و هو يُتمتم : الحمدلله يارب .
ابتعد قليلاً و قبَّل جبيني بعمق : رجعت يا يزن بعد سنين رجعت و بيرجع البيت ينور بوجودك يا ولدي ، تعال نفرح أمك بهالخبر ماتت
من البكا من يوم ما شافتك و هي تحلف إنك ولدها .
سحبني من يدي اللامبتورة بسرعة رغم كبر سنهِ ، كانت تلكَّ المرأة تمشي جيئةً و ذهابًا بتوترٍ ملحوظ ، اقترب منها هامسًا بإبتسامة
واسعة مشرقة : ولدنا يا نجد .
زفرت براحة و ارتمت بحضني تمسحُ على شعري و بصوتٍ باكي حنون : يا روح أمك يا يزن يا قلب أمك الحمدلله على رجوعك الحمدلله يارب
و الله من يوم شفتك و أنا أقول هذا ولدي مستحيل ما يكون هو والحمدلله ربي كان معاي و ردك لي بعد كل هالسنين لو تدري يا ولدي عن
الألم الي عشته بغيابك عن اللوم الي كنت احطه بنفسي سامحني يا ولدي ضعت و ما قدرت أحفظك ما قدرت لكن صدقني ما تركنا أرض
ما دورناك فيها يا نور عيني إنت .
رفعت رأسها عن كتفي و هي تمسك بوجنتي بين يديها و تنظرُ لعيني و من ثم أخفضت رأسها ليدي المبتورة
و بحرقة و حسرة : الله لا يسامحه الي ما يخاف ربه خطفك و بترك الله لا يحله و لا يبيحه
أمالت رأسها للجنب وأردفت بتساؤلٍ و اهتمام : توجعك يا يزن ؟
و نطقتُ بعد صمتٍ طويل : اسمي أغيد .
ارتخت يدها التي تمسكُ بذراعي و لكن سرعان ما شدت عليها و بعطف : الي تحبه بناديك أغيد زيما تحب .
جاء الرجل الذي هوَّ أبي وقف ما بيننا و احتضننا لهُ و بابتسامة : نعبر عن مشاعرنا في البيت .
*
لا أدري لما لا أشعرُ بالانتماءِ إليهم و كأني كنتُ لا أريدُ رؤيتهم رغم أن حُلمي و طموحي كان رؤيتهم و الاتنماءِ لهم و إليهم ! ، أشعرُ
بضياعٍ يفوقُ ضياع سنيني السابقة كالتائه لا أدري أيُ سبيلٍ أسلك أبتعدُ عنهم أم أقترب إليهم !
***
الساعة الثانية عشر و النصف مساءً بأرضِ السادس من أكتوبر ، خلعتُ أرديتي و دخلتُ تحت الماء علَّ الماء يغسلني و يُبعدُ نزاقةَ ما فعلت
أفركُ جسدي بشدة و أُعاودُ فركه مرارًا و تكرارًا حتى احمَّر
و كأني باغتسالي سأمحي آثار اليومِ المقيت سأمحي أنهار عن جسدي لتُكمل حياتها و لا تموت ، سأمحي معرفة عُطرة بما فعلت على أملِ أن
تغفر لي ذنبي الوحيد و هو قذفها سأغسلُ نزاقة ذلك اليوم لأُقابل ربي بذنوبٍ بسيطة لا بأحدِ الموبقاتِ السبع ، كابوسُ الأمس موجع
الحجارة التي تضربُ جسدي فيتهاوى أرضًا و آخرُ ما نطقتُ شهادتي ، لا أدري ما بي ، لا أدري لما فعلتُ ما فعلت ، ما جنيتُ من فعلتي
إلا كبيرةً من كبائر الذنوب و ضياع حياةِ أنهار بنية التوبة النصوحة دون العملِ بها ، زيادة الجروح و الآلآم بيني و بين عُطرة ،
كبرت الفجوة بيننا حتى صرتُ أؤمنُ أنها لن تغفر لي ذنبي ، اليمين الذي رددتُه بلسانها أكثر من مرة لازال يترددُ بمسامعي و يجعلني
أتيقنُ بعدمِ مغفرتها ، كابوسي اليوم جعلني أهلعُ و أتأكدُ أن ما فعلتُه لا يُغتفرُ في قلوب ِالبشر فلم يوضع حدٌ بهذهِ القسوة إلا لأن
الفعلة شنعاءُ للغاية ، و بني البشر لا يرضون فكيف بكبيرة من كبائر الذنوب هل سيغفرون ؟! كيف بعُطرة التي تجرعت من الوجع
و الضيم الكثير لكنها بقيت شامخة تُذكرني أن الله معها و أن براءتها ستظهرُ يوم لا ينفعُ ندمي ، ظهرت البراءة فهل سينفعُ ندمي ؟!
***
كانت هيَّ تحتضنُ ذراعي اللامبتورة بيدها و هو يتقدمنا بخطواتهِ فاتحًا باب المنزل الذي يُفترض أنني ترعرعتُ به ِ ،
سميتُ بالله و دخلتُ للمنزلِ بقدمي اليُمنى و ما أن دخلت حتى تطاير رذاذٌ أبيض و أوراقٌ ملونة و ثلاثُ فتياتٍ متفاوتاتٍ بالعُمر
إحداهن طفلة و أخرى بعمر الزهور و ثالثة تبدو أكبر مني عُمرًا و فتى يبدو أنه بالعاشرة من عمره يقفون أمام البابِ مبتسمين ،
فتحت المرأة التي تمسكُ بيدي خمارها مبتسمةً لي محتضنةً ليدي و هي تقول : تعالوا سلموا على أخوكم .
حينما نطقت بما نطقت نظرتُ إليهم بتمعن هؤلاءِ إخوتي الذين اشتقتُ إليهم سنين حياتي تخيلتُ أن لي أُختًا صغرى تحتضن دميتها
و ها هي أصغرهن تحتضنُ دمية ، هل تحققت الأمنيات ولكن لما أشعرُ بالبرود ! ، بالضياع ! ، هذا ما انتظرتُه طيلة السنين
و حينما صار الانتظارُ واقعًا لم يهتز ما بداخلي قدر أنملة حتى حينما أحادثُ ذاتي عنهم أقول هيَّ و ها هو ما أستطعتُ أن أنطق أمي
و أبي حتى بين نفسي ! ، تقدمت أصغرهن عمرًا محتضنة ساقي و بيدها الأخرى تُمسك دميتها بينما أكبرهن عُمرًا قَبَّلتني برأسي
و هي تهمس : جيت يا نصي الثاني بعد كل هالسنين الحمدلله يارب .
بينما أنا كنتُ مطأطأً رأسي للأرض بخجلٍ منها ، رفعتُ رأسي على صوتِ الفتاة ِ بعمر الورد : يا ماما لا تأشريلي كذا ما أقدر أسلم عليه
شوفي يده تفجع بسم الله .
فنطق الذي بالعاشرة من عمرهِ ساخرًا بغيرة : و بابا يقول بينور البيت رجال البيت مافي رجال بعد بابا إلا أنا و بس .
نطق هوَّ مغيرًا لمجرى الحديث : تعال يا أغيد أوريك غرفتك و تبدل ملابسك و تغسل وجهك و تجي تآكل معانا في كلام كثير نبغى نقوله لك .
أومأت هيَّ برأسها و بحماس : أختك ميساء رتبت غرفتك و أنا اشتريت لك ملابس بعد ماوراني أبوك الصورة كنت متأكدة إنك ولدي
و الحمدلله يارب طلعت ولدي و نور عيني .
سحبت يدي اللامبتورة و أخذتني للحجرة التي يُفترضُ أن تكون حجرتي كانت حجرة متوسطة المساحة يغشى عليها اللون السكري و التركواز ،
سحبت يدي حيثُ الخزانة و فتحتها : هاذي ملابسك يا ماما و أي شي تحتاجه تعال قولي ، الباب الي جنب الغرفة على طول هوا الحمام
و لا أقولك أنا بقعد أستناك برا الغرفة لمن تخلص لبس و بعدين بدلك على كل شي و بنلف البيت مع بعض .
ابتسم هوَّ و هو ينقل نظراتُه ما بيننا على التوالي : على هونك الولد مو قادر يستوعب يلا يا بطل بدل ملابسك و تعال .
أومأتُ برأسي بالموافقة و ما أن خرجوا من الحجرة حتى زفرتُ براحة ، جلستُ على السرير بوهن و شددتُ شعري و أنا أتمتم : مو هذا الي
تبيه يا أغيد أم أب أخ أخت بيت غرفة احترام حب حنان عطف كلها جاتك لمن عندك ليش ما تعيشها و تبتسم ليش حاسس بالغربة ليش !!
***
بدأت المرافعة بمحكمة الاستئناف في حي المروة شارع حراء ، المرافعة التي جعلتها تعيشُ بخوفٍ و شعورٍ بالعار طيلة حياتها ، المرافعة
التي كانت كظلها ها هيَّ تقفُ بالمحكمة كشاهدة و هو هنالك مقيدٌ بالأغلال تغير كثيرًا عن السابق شعر رأسهُ الأشعث و ذقنه المبعثر ،
جسدهُ النحيل هذا الرجل الذي كذب على أمها و سرقها ثم قتلها ، ها هي حميدة إبنتك ستكونُ شاهدة على ذلك اليوم ، تحدث القاضي
و كان يُلقي الأمر على الموجودين بالتحدث حتى وصل الترتيبُ إليها ، فنطق القاضي : حميدة الراشدي .
أجابت بثبات فهذهِ السطور قد حفظتها و استعدت لها سنينًا طوال لكنها لم تمتلك القوة حينها : نعم ، بدأت أحداث القصة بأنه جابر
كان موظف ببنك استدرج أمي و اعطاها رقمه صارت بينهم علاقة و توجت بالزواج بعدها صار يسحب من أمي فلوس حتى بقينا على الحديدة
و صار يجبر امي تجيب له فلوس و لما ما جابت له ضربها براسها بإبريق شاي عدة ضربات و اتوفت بسببها .
و من ثم انتقل للشاهدين الآخرين أخاها و ابنة الجيران و كانت اجابتهم مطابقة لما قالتُهُ حميدة
للمتهم الجاني جابر الذي يبدو أنهُ استسلم فلا مفر للهرب : أعترف باللي قاتله حميدة بحق المجني عليها عاشة.
نظر بعدها إلى المحامي الذي قال بثبات و استقامة ظهر : موكلي جابر العاطي استخدم ابريق شاي ضربها براسها ما قصد موتها و لكن
قدر الله و انتقلت لرحمته ، فإذا كان غير قاصد و استخدم آلة ما تقتل زي الابريق فهذا يعني إن هذا قتل شبه عمد بحسب الحدود الشرعية و كفى ٍ.
فنظر ليَّ القاضي و بهدوء : حميدة الراشدي عندك إضافة ؟
نظرتُ لهُ فرأيتُ أمي المقتولة وحياتي التي أسودت طفولتي التي ماتت يتمي و ألمي و بكلِ حقد و قهر : لا .
فختم القاضي المرافعة : حكمت المحكمة الجزائية على الجاني جابر العاطي باقامة الحد الشرعي و هوَّ الدية المغلظة و سيتم
تسليمها كأقصى حد ممكن بيوم الاثنين المقبل ، رُفعت الجلسة .
*
نظرت له بحقد ، كل الانتظار و كل السنين راحت هباءً منثورًا فبعدما أعطوها الأمل بأن قتله عمدا فتخير ما بين قصاص و دية و عفو صار
قتل شبه عمد و تم الحكم عليه بالدية المغلظة ، و هيَّ انتظارها ؟! يُتمها ألمها !
*
من عدل الله سبحانه و تعالى دقة الحدود الشرعية ، كان خائفا أن يعتبروا ما فعل قتل عمد و هو يعلم بحقد حميدة التي ستطلب القصاص
و حينها سيقتص و هو لم يقصد قتلها ، فالله سبحانه و تعالى له حكمة بهذه الدقة في الحدود فبني البشر لا يرحموا بعضهم و لا يغفروا
الزلات الانسان يكبُر و يتغير يعقل و يتأدب و لكنهم لا يحفظوا إلا الصورة البشعة ، و من الغرابة أن الرحمن يفتح أبواب التوبة
لعباده و عباده لا يغفرون لبعضهم البعض !
***
أقفُ خارج الحجرة المغلقة أستمعُ لصرخاتها المدوية التي تدخلُ لأعماقِ قلبي فينتفضُ جسدي خوفًا عليها و ترتفعُ يدي داعيًا لها بالسلامة
و من ثم يهدأ صوتها فتشهق و تعودُ صرخاتها ، حتى ظهر ذلك الصوت الذي أسمعهُ لاول مرة توجني كأب صوتُ بكاء طفل و صوتُ الولادة
و هي تحمدُ الله و من ثم خروجها بخمارها : الحمدلله مرتك بخير و لدت بنية كما القمر ما شاء الله .
ابتسمتُ بسعادة و مددتُ يدي بالمال فأخذتُه ، دخلتُ الحجرة فوجدتها ممدة على الفراش بجانبها جسدٌ صغير جلستُ بالجانب الآخر
و مسحتُ على شعرها و وجهها المتعرق و بحنان : ليت هالوجع فيني يا زبيدة .
ابتسمت بتعب ، رفعتُ شعرها للأعلى و أنزعُ شماغي عن رأسي لأمسح العرق بوجهها و رقبتها
قبلتُ جبينها بعمق و أمسكتُ يدها قبلتُها في باطنها قُبلة طويلةً عميقة و بهمس : الحمدلله على سلامتك يالغالية .
لكنها لم تكن واعية تمامًا لترد فالتعبُ أنهك جسدها ، تحركتُ للجانب الآخر و أمسكتُ بالطفلة مؤذنًا لها بأذنها ، هامسًا لها : و بنسميك يالقمر عطرة اتفقنا أنا وميمتك على هالاسم ،
تدرين يالقمر سبحان من صورك نسخة من وميمتك ، وميمتك ما كانت تبيك شبيهتها تخاف توخذيني منها مادرت إني غارق إبها أبيك بارة
بوميمتك أبيك تسعديها ما تدري يا عطرة شكثر وميمتك تعبت حتى جابتك يالله على وجع الأم وجع عظيم ، بس هاه أبي وميمتك تغار علي
منك يازين غيرتها الغالية .
*
الساعة الرابعة و الربع عصرًا في مدينةِ أبها ، دخلتُ للحُجرة التي يجلسُ بها أبو أصلان و يُتابع الأخبار ألقيتُ السلام و ردهُ كاملاً ،
رميتُ ثقل جسدي على الكنبة التي يجلسُ عليها و بابتسامة واسعة : جاتك البشارة يا أصل .
نظر لي عاقدًا حاجبيهِ بغرابة : أي بشارة ؟
فتحتُ الكبك و وضعتُه فوق الطاولة و من ثم أرحتُ يدي على أعلى الكنبة و بذات الابتسامة : صاحب السوبر مو قُلنا له يتابع أخبار
بيت عبدالقوي ، و جاب لك أخبار هاذي البشارة لكن المشكلة إن الأخبار شينة .
باهتمام : وش عرف ؟
أجبت و أنا أحكُ ذقني : لك ثلاث بنات متزوجين من أولاد عبدالقوي وحدة منهم و هي الوسطانية مسجونة هي و زوجها و هذا زوجها ضابط
و فيه واحد من أولاد عبدالقوي أعزب و مسجون في مصر .
ابنتي الكُبرى عطرة و لكن من الصغرى و الوسطى ؟ و لما سُجنت صغيرتي ؟
اتخذتُ قراري و بهدوء : بنتي إذا كانت مظلومة بخرجها من السجن بعتبر نفسي ما فقدت الذاكرة و إني للحين من المباحث بنتي بتخرج
بتخرج إن كانت مظلومة ، لازم أوصل لزوجها و أسأله أو حتى شخص قريب من زوجها ، صعب أسأل بنتي أخاف تتمسك فيني و يشوفني عبدالقوي
و ينهيني قبل ما يتعاقب .
بتفكير : الأكيد الي من بين أولاد عبدالقوي دخل السلك العسكري هو الكاسر لأنه كان شغوف لهالمجال ، لكن كيف بنوصله و هو مسجون
تبي تزوه بالسجن ؟!
رفعتُ حاجبي : وفيه غير هالحل ؟ لازم أزوره و أسأله أو أوصل لأحد قريب منه أنا بحل كل مشاكل بناتي و بمسك بالتاجر الكندي بعدها
حساب عبدالقوي بيكون عسير .
باستنكار : الوضع يخوف يا أصل ، ممكن يكون فيه أحد يعرفك و يكشف هويتك المزورة و تروح في داهية و يوصل الخبر لعبدالقوي
و في الوقت الي تكون فيه مسجون هو يدبرلك مكيدة و يقتلك و إنت بالسجن لا تستبعد منه شي الحين هو تاجر كبير و الفضل لله ثم أملاكك
لو رجعت يعني كل الأملاك بتكون حلم لعبدالقوي فهو بيسعى لموتك وين ما تكون ويمكن مجرد ما نوصل لجدة ننمسك من رجال عبدالقوي .
مررتُ أصابعي بين خصلات شعري و بتنهيدة طويلة : ما في إلا حل واحد ، خلي صاحب السوبر الله يجزاه خير يكمل جميله بنعطيه صورة لي
و خاتمي و يروح للكاسر و يخليه يشوفها و يقوله إني حي ما مت و إني فاقد للذاكرة و توها بدت ترجع لي و إنه في ناس تحاول
تقتلني و أنا متخبي منهم فياخذ منه حقيقة سجن بنتي الوسطانية و يعطينا كم معلومة عن العصابة و بعدها أبدأ التنفيذ .
باعجاب : تم ، و إن شاء الله الأمور طيبة .
***
مي و اختفاءها ، منذُ أن كتبتُ لها رسالتي و ختمتها باسمي " ربيع " و تركتُ لها أوراقًا ثبوتية تدلُ على أنها ابنة ماهر اختفت عن مرأى المراكز العسكرية
المصرية التي تبحثُ عنها في كلِ بقعة و حتى نحن لم نسمع عنها شيء ، أجادت اخفاء ذاتها بمهارة ،
انتقلت إلينا رضيعة بهوية تحملُ اسم أنهار ماهر و ما هيَّ بأنهار ، بدأتُ أحداث القصة حينما أُصيبت شقيقة جميلة بسرطان الدم
و قد كانت جميلة حينذاك تعملُ خادمة في مدينةِ جدة وصلها خبر مرض أختها فأخذت معها الطفلة أنهار و سافرت بها إلى مصر للاطمئنان
على أختها و قد كانت أختها زوجة لضابطٍ مصري يكونُ شقيق الضابط المصري زوج جميلة ، كنا نريدُ قتل هذا الضابط فتعاملنا مع الخادمة
التي تعملُ بمنزله أخبرتنا الخادمة أن الأمور تغيرت فهنالك فردين اضافيين جميلة و طفلةٌ رضيعة فهل تحرقهم ؟ ، حينها استغربنا
من أين لها بالطفلة و هيَّ لم تتزوج بعد زوجها فأجابتنا الخادمة بأن هنالك اوراق ثبوتية تنسبُ الفتاة لماهر سعودي الجنسية ،
ماهر الذي أخفى هزاع و توفى ، ماهر الذي أحبط كثيرًا من أعمالنا مع أبو أصلان و لكن ليس هذا المهم ، ماهر حاول لسنين أن يكون
له طفل فما كان فكيف للطفلة أن تظهر فجأة ! ، على هذا السؤال أمسكنا بالذراع الأيمن لماهر و هو لؤي الذي كان بالأصل سارقًا يتلاعبُ
بالحسابات و يسرقُ ماهر ، فكان من السهل أن نرشيه فيرضخ لنا مؤكدًا أن الفتاة ليست بابنة ماهر و أن ماهر قد وكَلهُ باصدار هويةٍ
مزيفةٍ لها و نسبها باسمه قائلاً بأن الفتاة جاءت إليهم عن طريقِ صندوق من مصنع أبو أصلان لم يكن لدينا وقتٌ كافي للتفكير لذلك
قررنا أن نأخذ الفتاة و نحرق جميلة و الضابط زوج شقيقتها أما شقيقتها فهي بين الحياةِ و الموت بالمشفى و ستتوفى عما قريب
و هذا ما حدث أخذت الخادمة الطفلة لخارج المنزل مع أوراقها الثبوتية و قامت بحرقِ المنزل و هم نيامًا فماتوا اختناقًا و حرقًا
و أصدرنا هوية جديدة للطفلة تُنسب بها إلى زوج خادمتنا حتى تتمكن من السفر بها فقد يُمسك المطار بها بحكمُ أن الفتاة ليست لها
و أين أهلها عنها أما جميلة فقد سافرت بالطفلة عن طريقِ البر لذلك لم يكشف أمرها أيُ شخص ، سافرت الخادمة بالطفلة إلينا بكندا ،
أصدرنا هويةً أخرى أسميناها مي كما طلبت ديانا آنذاك فقد كانت تحبُ هذا الاسم كثيرًا و لم تُرزق بفتاة ، بحثنا عن الحقيقة
و علمنا ابنة من تكون ، جعلناها أدآةً لنا جاسوسةً لأعدائنا .
***
بحنان : يلا قمري افتحي فمك .
فتحتُ فمي و تناولتُ اللقمةَ من يده
فإذا بهِ يعبىء يده بلقمةٍ أخرى ، بهمس : خلاص الحمدلله شعبت .
ظهرت علاماتُ اللارضى على تفاصيلِ وجهه : ليش يالمارسة ؟ لازم تاكلي ما سمعتي الدكتورة وش قالت ؟! ، و بعدين بسألك يالغلا مين
مزعلك ؟ و الله الي يزعلك ويله مني إنتِ بس قولي مين و ابشري باللي يسرك .
بدلال و دلع اقتربتُ منهُ و قرصتُ أنفه : همم و إذا قلت إن عبوودي الي مزعلني كيف بتعاقبه ؟
ابتسم لي مميلاً رأسهُ للجانب و بتجاوب : أفاا ، أنا الي مزعل الغلا هي تحدد العقوبة و أنا أنفذها على نفسي .
و ضعتُ الصينية الموضوعة على قدمي بجانبي على السرير و تقدمتُ باتجاهه معانقة بيدي رقبته و بهمس : ما يهون على قلبي أعاقب
عبوودي ، بس أبيه يريح نفسه من الشغل يتفرغ لي أبي أحسه حولي أبي يوم أصحى الصبح أحصل راسي بصدره ما هو على المخدة
أنام ليلي على صدره و أصحى بنهاري على مخدة .
طبع قُبلاتُه على ذراعي الملتفة حول رقبته حتى وصل إلى كتفي و استقر رأسهُ بكتفي و بهمس : طلبك صعب يالغلا لكن وعد مني ليلك
و نهارك راسك متوسد صدري و يدي تمسح على شعرك، لكن لا تحرمينا من غانم أبي أم غانم تخرج سالمة هي و غانم .
*
أشعرُ بالضيق بالاختناق أمي صائمة مع أنها سامحتني لا أشعرُ أن معاملتها لي كالسابق حتى أنها حينما تراني أنا و ساجدة بذاتِ
المكان تنسحبُ سريعًا أشعرُ أن زواجي من عبدالقوي جعلها تشعرُ بالحرج من ساجدة رفيقتها و الأقربُ لها ، و أبي ظانع قد باعني
و لم يريد مني إلا المال و أنا أتبرأُ منهُ قبل أن يتبرأ مني ، التي قد تحنُ و تنسى و هيَّ هوازن حبيسةُ القضبان الحديدية ،
الأختان عطرة و عُزوف ، عطرة حقودةً لا تغفر و عُزوف قد بنيتُ بيننا موقف بعدما استنقصتها ناعتةً لها بالعقيم ، ما فعلتُه بها
و ما أفعله بذاتي من تبرجٍ بالحجاب و ادعاء حبِ المال و اللهو و اللعب كلها أمور اعتقدتُ أني لو أمتلكتها لغيرتُ مارسة
و جعلتها أقوى ففي الماضي ما كانت مارسة إلا حذاءً لركاض يطأُ بها الأرض و حينما امتلكت المال و امتلكت الحرية فلم تعد تحت
أوامر أمها و أبوها صارت نسخةً طبق الأصل من ركاض الذي تظنُ أنها عاقبتُه أشد عقاب
حينما تزوجت بأبيه ، كانت تخافُ الله و لا تكترثُ بالمال أما الآن فصارت تفعلُ ما تفعل من معاصي بجمودِ قلب و تهوى المال أو تدعي ذلك
و هو نقيضُ ذلك كانت هدايتُه على يديها خسرت كثيرًا و صارت تُمثل أمامهم أنها فائزة و هيَّ تعلمُ بقرارةِ نفسها أن لا خاسر سواها
لقد خسرتُ بالشطرنج يا ركاض أشد خسارة فهنيئًا لك .
***
الساعة الخامسة إلا ربع عصرًا , دخل السجان مناديًا : الكاسر عبدالقوي زيارة .
انتصبتُ واقفًا و مشيتُ وراء السجان عقدتُ حاجبي بغرابة و أنا أرى رجلاً لا أعرفهُ يقعدُ على الكرسي
ألقيتُ التحية و سحبت الكرسي و جلست
فبادر هوِّ بالحديث بلكنتهِ اليمنية : حيابك الكاسر , عشان أصل ماشي كماه ما أسخاش أغثه , أصل يشتي أقولك إنه حي .
توكأتُ بيدي على الطاولة و باستنكار : وش ؟؟
أخرج خاتمًا و صورتان صغيرتان من جيبه و أول ما وقعت عيني على الخاتم عرفتُ أنهُ ملكٌ لخالي أبو أصلان , و باهتمامٍ و ريب و تساؤل
في آنٍ واحد : من وين لك بالخاتم .
مد لي بالصورة قائلاً : بيقع الصور دليل لك .
أخذتُ الصورتين من يده و تحجرت عيناي بالصورة نعم هوَّ خالي بلحمهِ و دمه لم يتغير منهُ شيء
سوى التجاعيد و الشيب , ولكن قد يكون هذا جاسوسًا للعدو و خالي أبو أصلان مرهونٌ عندهم
بتساؤل : وليش ما جاه هو بدالك ؟
بثباتٍ و هدوء و الصدق يظهر من تصرفاتهِ و طريقة جلوسه و حركة عينيه بين الفنيةِ و الأخرى : جبت لي الغرام بالأسئلة , هويته مزورة
هوا فاقد الذاكرة , و ناس تخبخب وراه و ما حوله أحد و أنا قوزبت قدامك مرسول .
باستجواب : وين ساكن ؟
استراح بظهره على الكرسي : في أبها .
رفعتُ حاجبي : و المطلوب مني ؟
توكأ بمرفقيه على الطاولة مسندًا رأسه على ظهرِ كفيه : يشتي يخارج بنته من السجن , هي مظلومة و يقدر يخارجها و لا مذنبة ؟
بتجاوب و قد شدِّ اهتمامي بعدما كنتٌ على ريبٍ من أمره : مظلومة .
بابتسامة : بتقع سهالة إن شاء الله أشتي منك معلومات .
بقهر : ثلاث أسماء مي جهاد و ربيع ممكن يكونوا بمصر و ممكن خارجها إذا مسك فيهم أو بواحد منهم بيخرج بنته و يخرجني و يخرج أخوي .
*
هذا هو خالي أبو أصلان , إن كان الرجل الذي أمامي صادق
و خالي فاقدٌ لذاكرتهِ و حولهُ من يريدُ إلحاق الضرر بهِ
صغيرتي هوازن عاشت يتيمة منذُ أن كانت بالثانية عشر من عمرها
و والدها لازال بقيدِ الحياة و حينما ظهر الأمل بعد سنينٍ طوال
خالطهُ الهلع و الخوف قد يكيدُ بهِ من يلحقه و ينتهي مطافهُ بالحياة
قبل اجتماعهِ بصغيراته , أرجو الله أن يجتمعن بهِ و يجتمعُ بهن .
***
الساعة الخامسة عصرًا , دخلتُ للجناح فوجدتُها تجلسُ على الاريكة في الصالة بفستانٍ مشجر بألوانٍ زاهية يصل إلى تحت ركبتها ،
تشربُ عصير برتقال و تكتبُ شيئًا ما بالهاتف ، ألقيتُ السلام كاملاً فردتُه بمثلهِ و عيناها لازالت على شاشةِ الهاتف قعدتُ بجوارها
و بتساؤل : الحلو وش يكتب ؟
نظرت لي و أمالت فمها للجانب : أعتقد سمحت لك تدواي جروحي الي إنت مسببها لكني ما سمحت لك تدخل لجناحي بكل وقت و لا سمحت لك
تتدخل فيني خليك في حالك يا ناجي و خليني في حالي .
بتجاهلٍ لما قالت قرأتُ سطور الورقة التي بيدي بصوتٍ جهوريٍ ثابت : تم قبول الطالبة عُزوف أصل الحكمي بقسمِ الطب البشري في كلية
و قبل أن أكمل قاطعتني ساحبة الورقة من يدي : وش ؟
مرت بعينيها على سطور الورقة ترقرقت عيناها بالدمع و ابتسمت برقة بين دموعِ الفرح متمتمة : الحمدلله حتى ترضى ، الحمدلله حتى يبلغ الحمدُ منتهاه يالله ،
مو مصدقة انقبلت انقبلت الحمدلله ياربي حلمي بيتحقق بعد كل هالسنين الحمدلله يالله .
ابتسمتُ لسعادتها و أنا أراها تحتضنُ الورقة لصدرها في حقيقةِ الأمر كان من الصعب جدًا قبولها فالطالب يُقبل شرط أنه تخرج من
الثانوية كحدٍ أقصى منذُ ثلاثِ سنوات أما هيَّ فقد تخرجت منذُ ثلاثة عشر سنة ، دفعتُ الكثير من المال و بحكم أني طبيب و أملكُ واسطة
من جهاتٍ عليا وافقوا على قبولها و هذا شيءٌ لا يحدث فهيَّ في سنٍ كبير ستتخرج بعمر الثامنة و الثلاثين و الطالب يتخرج بعمر الخامسة و العشرين ،
سأحققُ جميعَ أحلامكِ سأسعى لسعادتكِ يا معزوفتي حتى تنتهي بيَّ الحياةُ قبرًا سأحاولُ بما استطعت أن أُعطيك القليل مما أعطيتيني من
الصبر و الانتظار , رغمَّ أني حتى القليل قد لا أستطيعُ اعطائك إياه فقد صبرتي صبرًا يعجزُ العقل عن استيعابه .
***
في المركز العسكري قسم مكافحةِ المخدرات بمدينةِ جدة ، بعد أدائي لصلاةِ المغرب جاء السجان مناديًا : حمداان ، تحقيق .
مشيتُ بجانبهِ يُمسك بيدي اللامبتورة ، دخلتُ إلى حجرةِ التحقيق جلستُ على الكرسي ، تحدث الملازم أحمد : كيف حالك حمدان .
أومأتُ برأسي : الحمدلله على كل حال .
بتساؤل و هو يستريحُ بظهرهِ على الكرسي : طبعًا إنت عارف إني بسألك بخصوص المبتورين مثل العادة ، المبتورين الي كانوا تحت رقابة
سمحي حصلوا أهاليهم الحمدلله ما بقي إلا أكبرهم عمر هزيم ، أما المبتورين الي عند راجي بقي منهم أربعة واحد أكبر من هزيم و طلع تحليله غير
متطابق لكن فيه ناس اليوم قالوا يبغون يسوون التحليل و ممكن يكونوا أهله و واحد منهم اليوم سوا التحليل و ينتظر النتيجة
و اثنين توهم رايحين للمركز يستلموا النتيجة ، هزيم هو الوحيد الي ما له أحد سأل أو استفسر عنه الولد يكابر كثير لكن بديت
أحس بضعفه دايمًا دمعته بطرف رمشه يمحيها على طول لازم تتذكر عنه أي شي نبي نعرف أهله على قيد الحياة و لا ميتين و لا خارج البلاد ،
ما نبي عمره يضيع كثر ما ضاع .
ابتسمتُ بحزن و أنا أتذكر هزيم الذي ترعرع بمنزلي حتى الخامسة من عمره
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $
الجحيم يوم الأحد القادم .
و كل عام و إنتم بألف ألف خير .
|