كاتب الموضوع :
الشجية
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: حيزبون الجحيم / بقلمي
الجحيـــم
(61)
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
سيارتا أمن وقفتا بالقربِ من الأشلاء المتناثرة ، نظروا للحطام تلك النظرة المؤسفة التي تعني نقطةَ النهاية جثة متفحمة متقطعة
صارت رفاتًا انتشر فريقُ الأمن و هم يجمعون تلك الأشلاء لتكتمل أعضاء الجثة ، سيارة أكلتها النيران فلم يتبقى منها شيء ، أخذ فريقُ
الامن يُعاينُ المكان بينما الطبيب الشرعي في طريقهِ للوصول .
***
حاولتُ سابقًا أن أنهيهِ عن الوجود ، و اعتقدتُ أنه انتهى و صار نسيًا منسيًا ، لأفاجىء بهِ حيًا و بعد ما يُقارب الخمسة و العشرون عامًا
فمن المؤكد أني سأحاول أن أنهيه مجددًا و لكن هذهِ المرة بالاستعانة برجلٍ موثوقٍ شديد البأس كهزاع الضابط السعودي الخائن لبلده
حتى لو فقدَ الذاكرة سيبقى الداخلُ متسخًا كما كان لن يهتم لأرواحٍ تُقتل و لا لأعراضٍ تهتك و لا لدين يُدهس كل ما يهمهُ أن يكون في
الصدارة و هذا ما اتفقنا عليه مقابل انهاء أبو أصلان ، و ها هو انتهى ، و انتهت برحيلهِ جُل مخاوفي من تلكّ الليلة التي تغيرت
بها كُل أحلامهم الوردية بمنزلٍ آمن و أسرةٍ متحابة ، منذُ سنين طويلة و عبدالقوي المراهق الذي بعمر الخامسة عشر سنة ما هو
إلا مراهق لا فائدة منه لقد كان أبي رحمهُ الله يرىّ من أصل رجلاً كامل رغمّ أنه لازال مثلي بسنِ المراهقة يعتمدُ عليهِ بكلِ و أي شيء
و كأنه ابنه ! بل قد يظنُ البعض أنه بالفعل ابنه ! ، و حينما كبرنا أخذ كلٌ منا يجري وراء أحلامهِ صار رجل مباحث سر ، و ورثّ عن
أبيه مصنع و أخذ يعملُ بكلاهما بلا كللٍ أو ملل ، بينما أنا لم أكن أميل للأمن مما جعلني أنزل بعينيّ أبي للأسفل أكثر مما كنتُ عليه ،
كنتُ أحلمُ بالتجارة و لكني بقيتُ عاطلاً بلا عمل حتى جاءني أصل يُعرض عليّ العمل هوّ المدير و أنا النائب و الذراعُ الايمنُ لهُ بذاتِ الوقت
مصطلح ذراعٌ أيمن لا أدري من أينّ أتى ؟! مصطلحٌ يُشعرك أنكّ بالعلياء مادمتُ كالظلِ لسيدك و لكنك لست إلا خادم تفعلَ ما يشاءُ هوّ دون
أن تنبس ببنت شفة ، أصل شيخُ القبيلة و أنا أقفُ بدلاً عنهُ في غيابهِ أصل أصل أصل بكلِ حينٍ و كلِ لحظة كان هوّ الأهمُ و الأفضل ، لم أشعر
بذاتي و أنا أنشرُ الخزعبلات و الأكاذيب الواهية بينهم كان الطريق الوحيد لرؤيةِ أصل وحيدًا كنيتُه أبو أصلان لكنهُ لم يُرزق بأصلان
و هنا أنا كنتُ الأقوى نشرتُ الأفكار السوداء بين أفرادِ القبيلة محتجًا بحفظي للقرآن فكرة تلوها فكرة بدايةً من فقرهم حتى آمنوا
قومًا جُهلة إمعة لا يفقهون في دينهم شيئًا ، لكن أصل بقيّ صادمًا يُكفكفُ دموع أختي زبيدة و يقفُ أمام أفرادِ القبيلة معلنًا عن
تربيته للفتاة وعدم تخليهِ عنها و مع شدةِ غضبهم منهُ و انتقاصهم لهُ خضع قائلا بأن زوجتُه إن انجبت فتاة هذهِ المرة فهيّ ستدفنُ
لا محالة و لكني كنتُ أعلمُ بقرارةِ نفسي أنهُ لا ولن يفعلها فهوّ متيمٌ بحبِ أختي التي لن ترضى على فتاتها و ستموتُ ألمًا و غمًا و حتى
هُنا كان هوّ الأعلى مني منزلة فأختي كانت من جميلاتِ القبيلة ، كانت فاتنة باذخةَ الجمال فكيفّ لهُ ألا يُحبها ! ، أما أنا فتزوجتُ من
ساجدة التي تفتقر لكلِ مقوماتِ الجمال بل إن الجمال يهربُ منها بعيدًا ، أختي تهتم لفتياتها و للمنزل و ساجدة لم تقصر بهذا فكانت
خيرّ الأم و خيرّ الربة و لكنّ أختي تفوقت عنها فكانت تهتمُ لزوجها أشد الاهتمام حتى في أرديتها كانت أنيقة لا ترضى أن تلبس لهُ مما
يُباع بالقبيلة بل كانت تذهبُ للمدن و تنتقي منها كلّ جميل بينما ساجدة رغم قلةِ جمالها أيضًا لم تكن تهتم بذاتها أعودُ من عملي
متعبًا بحاجة لوجهٍ جميل يبعثُ الراحة بداخلي فلا أراها إلا " بدراعة " فضفاضة تغطي جسدها رداءٌ محتشم تنامُ بهِ و تستيقظُ بهِ ،
ألستُ زوجها ! ، كانت ذات شخصيةٍ ضعيفة لا تُثبت وجودها مطلقًا فكل ما أقولهُ صحيح حتى على حسابِ نفسها ، بينما أختي كانت حُلوة
الجلسة تُمازحُ زوجها تشاورهُ و تبوحُ لهُ عمّا أعجبها و عمّا أغضبها فإن رضي ضحكت لهُ و إن لم يرضى قالت سمعًا و طاعة فهوّ بالأولِ
و الآخر عليهِ القوامة ولكن هذا لا يعني محو المشورة ما بين الزوجين , تفاقم الكرهُ بداخلي كره الطفولة و المراهقة ثم النضج ،
و زاد عطشي للمال مللتُ من دورِ الأقل بنى لهُ بجدة منزلاً عظيمًا بضخامته و اتساعه بينما أنا منزلي بالقبيلة أقل من منزلهِ بذاتِ
القبيلة فكيف يكون منزلي بجوارِ منزلهِ الذي بجدة ؟! ، اشتاقت نفسي لتحقيق حُلمي التجارة ولكن بشرط أن أكون الآمر الناهي و ليس
المطيعُ المُلبي ، رسمتُ فكرة و حان معادُ تطبيقها و بينما أنا منشغلٌ بسيارةِ أبو أصلان ، انتفض جسدي من أعلاهِ لأسفلهِ خوفًا و هلعًا
على صوتٍ أعرفهُ جيدًا : شتسوي يا عبدالقوي !!
ابتلعتُ ريقي و لم أستطع الاجابة فقد قطعتُ السلك أمام عينيه .
ابتسم بسخرية و هو يُعطيني ظهره : هالكلام بيوصل لأصل اليوم .
لأُبادلهُ سخريتُه بكلِ ثقة : و يوصل له إن هزاع ضابط خاين لبلده صحيح الدليل غير ملموس لكن بتكون تحت ناظره بيشك فيه أنا ذراعه
الأيمن لا تنسى .
في بادىء الأمر استغربتُ دفاع هزاعٍ عن أصل فهوّ خائنٌ لبلده و أصل أول من يطمحُ للقبضِ على هذهِ العصابة و موت أصل على يدي مكسبٌ له
و لكن فيما بعد فهمتُ أنهُ فعل ما فعل لكي أعطيهِ من المال ما يُسكتُه حتى مماته فما كان مني إلا الهجوم بما أعرف و أخفيتُه فأنا ضد
أبو أصلان مهما كان الثمن حتى لو كان وطني بكلِ من فيه ! ، فكان لي ما أردت
صعد أبو أصلان لسيارته متجهًا للبحر الذي لا يبعدُ كثيرًا و طريقهُ للأمام دون أيّ منحنيات توجه للبحر للتوقيع على بعض الورق
و استيراد بعض الشحنات و لكن لم يكن كلّ شيءٍ كما أراد
حاول أن يُوقف السيارة و لكنها لم تتوقف حاول و حاول و حينما أيقن أنها لن تتوقف مطلقًا عَزِم على القفزِ منها و لكنهُ تفاجىء
بأنهُ تحت ماءِ البحر ، لينتشر خبر فقدِ أبو أصلان بالبحر و العُثور على السيارة دونه ، و حال فحصِ السيارة تبينّ أن هنالك تلاعبٌ
بها أدىّ لهذا الحادثِ الشنيع و بقيّ الملفُ مفتوحًا لأشهر و لكن دون جدوى ممّا أدى لإغلاقهِ ضد المجهول .
***
من مدرستها لحجرتها و من حجرتها لمدرستها صارت تمتنعُ عن الجلوس معنا حتى طعامها تتناوله في حجرتها أو الخارج ما أن ترى وجهي
حتى تخطو في الاتجاه المعاكس حتى علاقتها بأخواتي ليست كما كانت فقط تُلقي التحية عليهم حال ذهابها و عودتها أما أنا فحتى
التحية لا أستحقها ، لا ألومكِ صغيرتي " مي " فأنا أعلم عمقّ الجرح الذي تعانيه و لكني للأسف مهما كنتُ معكِ لا أستطيعُ الشعور بهِ
ليتني أُخففِ عنكِ مشقته بل أحملهُ كلهُ على عاتقي بدلاً منكِ يا صغيرة و لكنها أضغاثُ أحلام محالةَ التحقق ، رأيتُها تخرج من حجرتها
و بيدها حقيبة صغيرة للملابس ! ، وقفتُ أمام الدرج و ما أن وصلت للدرجة الأخيرة حتى قالت بعجلة و ضجر : وخري عاوزة امشي .
عقدتُ حاجبي بغرابة : فين هتروحي بالوئت ده و ليه شايله معاكي الملابس دي ؟
مدت يدها و دفعتني من أمامها بقوة و مرت ، إلا أني أمسكتها بسرعةٍ و قوة و بغضب : مش هتخرجي من هنا إلا لما تتكلمي كويس و تتأدبي .
وضعت يدها على خصرها و بسخرية جرحتني للأعماق : و اللهي و أنا إزاي هكون مؤدبة و محترمة إزا مامتي بتهز خصرها في الكباريه
و تعيش مع بابايا أحلى ليلة و بعدها بئى يصحو و زنبهم أنا ، روحي بعيد عني يا شكرآآن أصلي مش عااوزة أشوفك أبدًا إنتي وشك
بيحسسني إني عار ع المجتمع .
لم أشعر بيدي التي امتدت و استقرت على خدها بصفعةٍ قوية
حينها نظرت لي بحُرقةٍ و لوم و سحبت يدها مني و راحت تجري لخارج المنزل ، سامحيني صغيرتي لم أكن أقصد حديثكِ صحيح و لكنكِ
لا تعلمي عن مقدار الندم الذي بداخلي ، لم أشعر بذاتي و أنا أصفعك و ليس من حقي صفعك ، فكم من صفعةِ خذلان قد أعطيتك ،
كم من صفعةِ خذلان جعلتكِ تبكين ليل نهار ، اغفري لي خطيئتي يا صغيرة و اعلمي إنكِ أجمل ما أهداني القدر .
***
في منتصفِ الليل , و عادَ المنزلُ كما كان قبلَ سنينٍ طويلة ، منزلٌ لا صوتّ بهِ سوىّ صوتي الذي يترددُ صداهُ بالأرجاء صغيرتي و أجملُ ما في حياتي بعد
المرحومِ ماهر قد رحلت و جلال أو أبو أصلان كما كان يناديهِ ماهر غضبّ مني حينما نهرتُه عن مخاصمةِ أنهار و خرج من المنزل
و لا أدري أين هو من بقاعِ الأرض ، و لم يعد يُهمني ذلك فبعدَ وفاةِ صغيرتي أنهار و إغلاق الشركة لبناءِ السوبرات لم أعد بحاجةٍ لجلال
أو لأي رجل فقد صار العملُ سهلاً ، و لكن هذهِ الوحدة ستقتلني لا محالة تأتيني أحيانًا صديقةُ أنهار تبكي و أبكي معها على صغيرتي
نُواسي بعضنا البعض و ما أن يحلُ الليل حتى يُهجر المنزل فأكون إنسيةً بين الجان ، على الأقل لو أن جلال ها هنا كان سيُخفف من حزني
و وحدتي لكنه هجرني بعد أن وبختُه و أصابهُ الملل مني و من تحكمي بهِ كالدمية ، كان تحكمي و سيطرتي عليهِ في بادىء الأمر من بابِ
إثبات ذاتي أمامه و كنتُ سأتركهُ يعيشُ حُرًا فيما بعد و لكن اختلفت الامورُ تمامًا فبعد زواجي بهِ بما يقاربُ الأسبوع رأيتُ بحاجياتِ
ماهر صورةً له ! أثارت غرابتي هذا سائقُ القارب ما دخله بماهر و لكن ما كُتب بأسفلِ الصورة كان كفيلاً بتفسير الأُحجيات ، كُتب
" النجاح في القبض على الشحنة م ، أ - 1414 هـ " .
أفهمُ هذهِ الرموز جيدًا فماهر كان يُعلمني أدقّ أدقّ التفاصيل ، ميم هو ماهر و ألف هوّ صديقه المقرب أبو أصلان ، إذًا جلال هو ذاتُه
أبو أصلان و هذا مؤكد ففي عام 1416 هـ ، ظهر خبر بالجريدة عن فقدانِ أبو أصلان بالبحر و قد عثروا على السيارة فقط و استدلوا
برقم اللوحة أن مالكها هو أبو أصلان ، كان ماهر كالمجنون يرددُ دائمًا أنهُ لن يرتاح حتى يقبض على الفاعل و يجد أبو أصلان سالمًا
غانمًا ، ها أنا وجدتُه يا ماهر سالمًا و لكنهُ فاقد للذاكرة ، و بيدي كشفُ الاوراقِ أمامهُ و إعادة ذاكرتُه ولكني تزوجتُه صار لي ،
أخافُ بعد بوحي بالحقيقة يذهبُ لزوجتهِ و بناتهِ و ينساني أنا و صغيرتي و نحنُ وحيدات بهذهِ المدينة من لنا ليقفّ بجانبنا ، قُلت لذاتي
قد يعدلُ بيننا و لكن تخيلتُ لو أن ماهر قد تزوج بغيري لأني لم أنجب له فمن المؤكد سأكون كالشيطانِ بينهما لن أدعها تهنىءُ بهِ
فأنا الأولى و أنا الأحقُ بهِ و من المؤكد أن زوجة أبو أصلان هذا أول ما ستفعله ، يكفيني طيبًا و حسنُ نية فلا أحد يستحقُ ذلك
و استمررتُ بذاتِ ما بدأتُ بهِ التحكم بهِ بكلِ صغيرةٍ و كبيرة و اخفائه عن محيطِ العمل جيدًا و ما ساعدني بذلك أن شركتُه السابقة
فور اختفائهِ بالبحر و إغلاق الملف ضد المجهول ترأسها قريبهُ عبدالقوي و بعد وفاةِ ماهر بمدةٍ بسيطة جدًا تسمت الشركة باسم مؤسسة و شركة عبدالقوي و ابناؤه .
و حينما اصطحبتُ جلال لمنزلي و تزوجتُ بهِ لم يكن عليّ سوى اخفاءه و هذا ما قمتُ بهِ بجدارة , و لكن بعد موتِ فتاتي و إغلاقِ الشركة
لم أعد بحاجتهِ فليرحل حيثُ يشاء و إن جاء للمنزل قد أعترفُ لهُ بالحقائق .
***
الساعة العاشرة صباحًا ، وصلني اتصال فرددتُ بسرعة ليصلني صوته : أستاذ عبدالقوي ما تركنا مكان بجدة إلا و بحثنا فيه عن هزاع ما له أي أثر .
قمتُ من على الكرسي و بغضب و كأن الهاتف الذي بيدي سيُكسر : بتحصله يعني بتحصله بتدور بجدة و بخارجها بكل مدينة بالسعودية
و بتجيبه لي .
بطاعة : حاضر .
و قبل أن يُكمل أغلقتُ الهاتف بوجهه ، لم يكن هذا اتفاقي مع هزاع فقد اتفقنا أن يقتل هوّ أبو أصلان و من ثم لهُ ما يريدُ من المال
و وظيفة من أفضلِ ما يكون ، و كأنه اشتم رائحةالكذب في كلامي فأنا كنتُ سأقتلهُ بعد أن يقتل أبو أصلان و أرتاحُ من هذا الماضي بكلِ ما فيه ،
و لكن إن شكّ بي فلمّا لبى أمري و قتل أبو أصلان ؟! ، فأنا بعد مقتلهِ لأبو أصلان لم أرهُ مطلقًا ولم أسمع صوتُه إلا بتلكّ المحادثة
عن طريق الهاتف المحمول و التي أخبرني من خلالها أن المهمة قد تمت بنجاح و حينها لم أتحدث أنا حتى أقول بأن حديثي قد بثّ
الريب بداخلهِ ، إذًا لما الاختفاءُ المفاجىء ؟! ، بما تفكرُ يا هزاع ؟
***
الساعة الرابعة عصرًا ، مضيتُ حيثُ المركز العسكري للاطمئنان على حميدة ، انتظرتُ قليلاً حتى جاءت مُقيدة بالأغلال عن يمينها و شمالها سجانتان
جلست أمامي ابتسمتُ لها و سرني ردةُ فعلها فقد ردت ليّ الابتسامة بأفضلِ منها تحدثتُ براحة : كيف حالك يا حميدة ؟
لتُجيب بهدوء : الحمدلله بخير ، بتسأليني عن حالي بالسجن بتكون اجابتي أفضل ما يكون تأنيب الضمير كان مثل ظلي ما يتركني و لا
دقيقة مرتاحة لكن لما دخلت السجن حسيت إني أدفع ثمن غلطاتي و هالشي خفف من التأنيب يعني صحيح المكان زريبة و المعاملة سيئة
لكن الأهم من المظاهر الخارجية الراحة النفسية الداخلية .
ضحكتُ بخفة : والله و صرنا حكيمين يا حميدة ، أخاف بكرة تعلميني و أسمعك بدل ما تستمعي لي .
غمزت بعينيها و بثقة : لا تستبعديها يا أبلة عُطرة .
اتسعت ابتسامتي : ريحتني كثير يا حميدة خفت اجيك و ألاقيك محبطة و متراجعة عن قرارك في التجديد لكن الحمدلله رجعت و لقيتك
أقوى خليكِ على هالطريق و صدقيني عمرك ما بتندمي .
نشبت أصابعها ببعض و بتوتر و شيءٍ من التردد : ممكن طلب ؟
عقدتُ حاجبي و باهتمامٍ و إنصات : أكيد ممكن أساسًا ما بيننا ذي الرسميات يا حميدة .
ابتلعت ريقها و شتت عينيها و بحرج : ممكن يعني إذا جيتيني في المرات الجاية تطمنيني عن أغيد .
بتعجب : أغيد !!
و بإدراك أردفت : تحبيه يا حميدة عشان كذا مستحية ؟
قامت من على الكرسي منادية للسجانات و رحلت معهن ، و بقيتُ بمكاني و فكرة واحد تروادنُي نعم إنها تحبهُ بل متيمة بهِ
و لكن متى و كيف ؟! ، و هل أغيد مناسبٌ لها ؟، هوّ إنسانٌ خلوق منذُ مجيئه للمنزل لم يشتكي منهُ أحد و لكنهُ فاقدٌ لذراعه
غير متعلم و فقير , لا أقولُ كلامي هذا استنقاصًا لهُ و لكني على استغرابٍ من حميدة ، فحميدة فتاةٌ تبغضُ الرجال و عندما أحبت ،
أحبت رجل لازال بسنِ المراهقة بل يبدو أصغر منها عُمرًا يفتقرُ لأمورٍ عدة دائمًا ما ترسمها الفتاة لفارسِ احلامها المنتظر ،
قد يكون أغيد هو سبب هدايتكِ بعد الله فهو من غيرّ فكرتكِ السيئة عن أبناءَ آدم .
***
السابعة و النصف بعد صلاةِ المغرب ، عدتُ من عملي فليس هنالك ما أفعله ، وقفتُ بسيارتي تحت المظلات و ترجلتُ عنها و قبل أن أخطو
باتجاهِ المنزل وصلتني أصواتُ الأطفال من الحديقةِ الخلفية و صوتُها الذي جعلني أمشي إليهم مسيرًا لا مخيرًا ، كانت تجري و الاطفالُ
من خلفها يحملون مسدسات ماء و يرشون عليها و هي تضحك بسعادة ، توقفتُ بمكاني كالجماد و أنا أنظرُ لها بتمعن آية من البهاء
سبحان من صورها فأحسن صورها تقفزُ بمرح و تضحكُ بفرح ضحكاتٍ رنانة تُحفظُ بعقلي و تتزايدُ ضرباتُ قلبي على وقعِ خطواتها , صوتها
و هيّ تضحك عليهم بأنهم أقل سرعةٍ منها و لن يستطيعوا الامساك بها مهما فعلوا يجعلني انجذبُ إليها بشدة .
*
ابتللتُ بالماء فأغمضتُ عيناي و أنا أتراجعُ للوراء و لا أدري من يرشني بالماء ، فركتُ عيني و فتحتها فإذا بهِ ناجي يرشني بالماء
و على ثغرهِ ابتسامةً واسعة وقبل أن أتحدث رش بأنبوب الماء على وجهي ، تعالت أصواتُ الأطفالِ سعادةً بما يفعلُ بي فهُم منذُ مدة
يحاولون إمساكِ أما أنا فكنتُ أريدُ ايقافهَ عند حدهِ و لكني وجدتُ ذاتي أجري منه وهو ورائي و أضحكُ بسعادةِ طفلة !
ركضتُ وراءها بسعادة بعد سماعي لضحكاتها الرنانة التي تعني قبولها بي في اللعبة ، أمسكتُ بها من ذراعها و سحبتُها ناحيتي حتى صار
ظهرها ملاصقًا لصدري و أخذتُ أرشها بالماءِ من رأسها بينما هيّ تحاول التملص مني ، و لم أشعرُ بذاتي و أنا أضعُ أنفي برقبتها
و أشتّمُ رائحتها بشوقٍ لها و قطراتُ الماء تزيدُ من فتنةِ شعرها ! ، لم أستيقظ من سكرتي إلا حينما ابتعدت عني و الأنبوبُ صار بيدها
فتبدلت الأدوار و صارت هيّ من ترشني بالماء ، حركتُ رأسي باعتراض : لا يا معزوفة يا غشاشة سارقة الأنبوب مني .
وضعت يدها بخاصرتها : المهم صار بيدي تستاهل إنت الي بديت .
حركت اصبعي السبابة بالرفض : ما بتقدري تلحقيني .
جريتُ من أمامها بسرعة و أحيانًا أُقلل من سرعتي لأدعها تلتقطُ أنفاسها قليلاً بينما هيّ كانت تضحكُ بصخب ، دخلتُ بين الشجيرات و هيّ من
ورائي و فجأة سقط كل ثقلها عليّ فسقطتُ و سقطت هيّ من فوقي ، و ألتحمت أجسدنا أمسكتُ بالأنبوبِ أرش عليها و بيدي الأخرى أمسكُ
بذراعها لكيلا تتحرك فإذا بدموعها تنهمر تُخالطُ ماء الأنبوب رميتُ الأنبوب على العشب و وضعت يداي على وجنتيها و بهمس : قارورتي .
ضربتني على صدري و هيّ تبكي بهسترية : كسرتها يا ناجي كانت مشروخة و إنت كسرتها ، ما أقول إلا حسبي الله على قلبي الي حبك .
حاولت التملص و الابتعاد لكني لم أسمح لها بل و جعلتُ رأسها يتوسدُ صدري و بصوتٍ مبحوح : تحسبي على قلبي القاسي الي كسرك
و لا تدعي على القلب الحنون الي لم شتاتي ، ادعي علي و اصرخي و ابكي مني بصدري أنا الي كسرتك و أنا الي بجمع شظاياكِ و
أعيد تدويرك لقارورة جديدة ، قارورة لها حرية القرار تبقى معي أو تتركني لكن اسمحيلي أصنعك من أول و جديد ،
لا تخليني أموت من قهري و حسرتي عليكِ .
عانقت بيديها رقبتي دلالة لقُبولها دعوتي : تظن من السهل تجمع الشظايا و تعيدها قارورة و بشكل أفضل من الي كان عليه ،
دايمًا الهدم أسهل من البناء صعب تبني شظايا شرخها عظيم ، صعب تعيد ترميمها و كل شظية أصغر من الثانية صعب تجمعها و تنسيها
وجع سنين يا مّا و يا مّا مسكتها بيدك و رميتها لكنها بكل مرة كانت تنشرخ و تبقى صامدة ، تظن إنك بعد كل شروخها بتحييها ؟ !
غرستُ أصابعي بين خصلاتِ شعرها و بأمل : بحاول و إن ما نجحت بعد بحاول لما أنجح لكن مدري بعد نجاحي هل هالقارورة بترحب بواحد
عطشان يبي يروي ظمأه منها و لا بتكون غير قابلة للاستعمال ، مدري أي نوع بصنع بس الأهم إني أحييها .
حفرت رأسها بصدري و بعتب : بعد كل معاناة القارورة لا ترتجي منها الاستعمال لا ترتجي منها قطرة أمل عافتك و عافت ثغرك سقى منها
حد الشبع و بعدها كسرها رجع يصلحها و هي راضية تتصلح على يده لأنه الي كسرها هو الوحيد الي قادر على لّم شظاياها لكن مُحال ترجع
قابلة للاستخدام .
قبّلتُ رأسها و استنشقتُ رائحة شعرها المبتل : المهم ترجع قارورة مثل ما كانت عليه من كسرها ما يطمع في استعمالها كثر ما يبيها
تتصلح .
***
بتمامِ الساعة التاسعة و النصف ليلاً ، أجلسُ على السرير و أنظرُ للسقف بملل ، لقد بدأتُ الاعتياد على هذا المكان بل يبدو أني
اعتدتُ عليه حتى أن بعض السلبية التي كانت بداخلي بدأت بالزوال سلبيتي اتجاه الكاسر و أخواتي فبدأتُ أرى الامور من منظورٍ
منطقي الكاسر قام بما أوجبه القانون لم يكن بيدهِ خيارٌ آخر فقيدني بالأغلال أسيرة و من المؤكد أنه حاول اخراجي و لكن ما حصل لي
انطبق عليهِ فصار أسيرًا مثلي و كلانا لا ذنب لنا و لكن القانون الظالم لا يفقهُ ذلك ، و أخواتي بكل زيارة تأتي احداهن إلا
أن عُزوف بالفترةِ الأخيرة بدأت بالتقصير لكن عُطرة كانت تحضر جميع الزيارات و بكلِ زيارة تجلبُ لي احتياجاتٍ كثيرة اهتمامهن بي
بدأ بطردِ السلبية التي كانت تسكنني فعدتُ لقراءةِ كتاب الله و انشرح صدري و اطمأنت نفسي ، أما المسجوناتِ معي فلازلن يحاولن
اغاضتي حقدًا بالكاسر الذي زجّ بكثيرٍ منهن هنا ، و لكن أصبحت علاقتنا أفضلُ من السابق فأختي عُطرة تجلبُ ليّ الطعام و بكلِ ظهيرة
أطهو الطعام للجميع فيتجمهرن حولي أصبحنا نتشاركُ بعض الأحاديث أصبحتُ أعرفُ داخل كل فتاة منهن من دعتها الحاجة لارتكاب الحرام
و ندمت أشد الندم و منهن من كان الانتقامُ دافعها و لم تندم على انتقامها قط و لكنها إن خرجت لن تُعاود الفعلة ،
و منهن من قلبها قاسيٍ تجري وراء ملذاتِ الدنيا و لازالت حتى الآن بها من القسوة الشيء الكثير ، صحيحٌ أن المكان موحشٌ للغاية
و لكن نفسي ارتاحت بكتابهِ جلّ جلاله فصرتُ أُحلق بين السطور و أنسى بأي جحيمٍ أنا أعيشُ بجنةِ القرآن أجمل حياة .
فإذا بصوتِ السجانة : هوازن أصل .
قمتُ من على السرير و أنا أتوجه للباب الذي تقفُ هيّ من ورائه فتحتهُ فدخلتُ للداخل ، بسؤال و تعجب : زيارة ؟ بس ذا مو وقت زيارة ؟!
مدت لي هاتفًا المحمول و بخوف : في أحد بيكلمك و بعدين لا تعلمي احد بهالشي لأنه مخالف للقانون .
رفعتُ الهاتف لأذني بخوف , فوصلني أحبُ صوتٍ لقلبي : هوازني .
تعالت ضرباتُ قلبي و بهمس : الكاسر .
بصوتٍ حنون : عيوون الكاسر ، كيف حالك يا نظر عيني عساكِ بخير ؟
انهمرت دموعي رغمًا عني و بصوتٍ متهدج : بخير ، إنت يا الكاسر كيف حالك ؟
بصوتٍ مبتسم : زان حالي يوم سمعت هالصوت ، يلا أشوف امسحي جواهرك متصل عليكِ أفرحك ما هو لتنزيل جواهرك .
مسحتُ دموعي بطاعةٍ له ، و بشوق : خاطري أشوفك يا الكاسر ، ذبحني الشوق .
بصوتٍ مبحوح : إذا ذبحك مرة فأنا ذبحني ألف مرة ، هوازني أنا متصل حتى أقولك ذا الكلام ، قدرت اضبط الوضع و أخرجك من ورا ظهر
القانون و أسفرك للخارج ، لأنه للحين ما في أي تحرك في القضية و انتِ ما بتقدري تتحملي السجن سنتين .
بتساؤلٍ مشتاق : و إنت ؟
بهدوء : المهم إنتِ يا هوازن ، بتكوني هناك في حماية و كل احتياجاتك عندك و بكلم ناجي و ما بيقصر هو و مرته بيجوكِ كل فترة
و يجيبوا العيال معاهم ، هاه قولي تم
حركتُ رأسي بالرفض و كأنهُ يراني و انهمرت دموعي من جديد : لا ما تم ، ما أقدر ابعد و تكون بيننا حدود و دول أنا بكون وين ما
إنت تكون بتنفس الهوا الي تتنفسه و بتوجع الوجع الي تتوجعه ، صدقني بعدي عنك أكثر من كذا هو أكبر وجع لي .
بهدوءٍ و دفىء : هششش امسحي جواهرك و خذي نفس طويل و قولي الحمدلله على كل حال و فكري بهدوء و بتصل عليك بكرة أشوف ردك ،
أوعديني تفكري .
حركتُ رأسي بالموافقة و أنا أمسحُ دموعي و ألتقطُ أنفاسي : الحمدلله على كل حال ، وصدقني قراري ذا أحسن قرار ،
و احنا بنخرج إن شاء الله ، صح ؟
بصوتٍ بهِ شيءٌ من اليأس : إن شاء الله يا هوازني إن شاء الله يا قلبي .
سامحيني يا هوازن لقد خذلتكِ يا صغيرتي ، قيدتُكِ بالأغلال و ادخلتُكِ جحيم عملي و كان لديّ الامل بإخراجكِ إلى الجنة فتفآجأتُ بمرافقتي
لكِ في الجحيم و مع هذا ظل الأملُ بداخلي أملاً بقدرةِ الملازم أحمد و اللواء القائد بإثبات البراءة و لكن الأمل أخذ ينطفىءُ شيئًا
فشيئًا وُ حَلَّ محلهُ اليأس ، فما كان مني إلا أن أُخالف القانون لاطلاقِ سراحكِ فأنتِ صغيرة على تحملِ هذه المشاق أنتِ وردة لا تستطيعُ
العيشَ بجانبِ الأشواك أنتِ الماء و حولكِ النار أنتِ من الجنة و هؤلاءِ من الجحيم ، كنتُ أتمنى أن اتصل فأجدكِ كآخرِ مرة حانقة
و حاقدة كارهةً لي حتى تقبلي بعرضي و تعيشي بالجنة لكنكِ عودتِ لجوهركِ الأصيل فتاةً طيبةٌ حنونة لا ترضى أن تعيش بالجنة و زوجها
بالجحيم رغمّ أن زوجها هوّ من أدخلها للجحيمِ بكلتا يديه !
***
أن يحين وقتُ الرحيل و لا أمنيةً تحققت في هذا الزمن الطويل ، أن أمشي وسطّ الزحامِ تائهًا و يترددُ صدى سنواتٍ عويل ،
أن تكون ذنوبي كالجبال تُلامس عنان السماء،و أن تكون عيناكِ و طني و مقبرتي سعادتي و شجني فتبعدني عن الوطنِ و السعادة
و تحتويني قبرًا و شجنًا , بعاتقي ذنبُ قذفي الذي عادّ إليّ ليطعنني , عيناكِ سحرٌ ابتلاني و اهلكني ، قد حان الرحيلُ بلا وداعٍ
و لا قُبلة تروي ظمأ أيامي و شهوري القادمة ، شهوري سأعيشها بعيدًا عن شعوذةِ عينيكِ الشعوذة التي تُهلكني فيزدادُ عشقي عشقًا ،
ها أنا ابتعدُ و انظرُ لسماءِ جدة من الأعلى أراكِ هنالكّ قابعة تحتضنين باجفانكِ منفى عينيكِ تحرميني رؤيةَ وطني و مقبرتي ،
تحرميني وداعًا يليقُ بعاشقٍ مجنونٍ كمثلي ، أنتِ الصورُ بعينيّ و لا صورةً سواكِ أنتِ الأفكارُ بذهني و لا فكرةً غيركِ ، تمنيتُ أن ترأفي بي
و تُريني عينيكِ تكفيني عينيكِ والله تكفيني لكنكِ شحيحة حتى بالنظرة ، لا حضنٍ لاقُبلة و لا وطنٌ يأويني قبل رحيلي
طرقتُ باب حجرتها مرة فمرتان طلبتُها : عُطرة افتحي الباب .
بتساؤل : إيش عندك .
بصوتٍ خافت : بروح لشهور و بريحك مني بس افتحي و خليني أودعك .
برفض تام : روح ربي ييسرلك دربك لكني ماني بحاجة لوداعتك كذا مرتاحة أكثر .
بشوقٍ عميقٍ صادق : لكني بحاجة لهالوداعة بحاجة لعيونك تأويني هي وطني صعب أسافر من غربة لغربة هالشي بيتعبني .
لترد ببرودٍ مزقني : و في تعبك راحتي .
***
بمنتصفِ الليل بمدينة أبها ، منذُ رؤيتي لهُ أيقنتُ الطريقَ الذي سأختارهُ فهو ما أرادَ بي خيرًا و لو بقيتُ معه لكنتُ الآن جسدٌ بلا روح ،
لذلكَ كان عليّ أن أكون عكس ما يريد ، كنتُ قبل فقد ذاكرتي بطريق ما جرني إلا للهلاك لذلك سأكونُ بالطريق المعاكس و أرى إلى أينَ
سيصطحبني هذا الطريق ، فقد كانت ذكرياتي السابقة مؤسفة لقد علمتُ جيدًا من يكونُ هزاع و لأي عالمٍ ينتمي ، هزاع ضابطٌ خائنٌ لبلدهِ
يُساعدُ تجار المخدرات ليلاً و يبتسمُ بوجوه الضباطِ صباحًا ، يحيي أبو أصلان و ماهر بحرارة و من ثمّ يطعنهم بخنجرٍ مسموم بكلِ مرة
يكونُ بينهم و بين الحقيقة شعرة أقومُ بتغيير مسارِ الطريق ليبقى لهم آلآف الخطوات ، حتى جاء ذلكّ اليوم الذي طمعتُ بهِ بمنزلة
أعلى في أعينِ تجارِ المخدرات اليوم الذي علمتُ بهِ أنه أجلُ أبو أصلان عندما رأيتُ عبدالقوي يقطعُ السلك و يكتبُ النهاية سرقتُ خاتم
أبو أصلان لأكذب عليهم بأن من في البحرِ هو أبو أصلان و أنا من قتلتُه فألقيتُه و الدليل الخاتم الذي انتزعته من اصبعه ،
ولكن كانوا هم قد كتبوا قدري قبل أن أخطهُ بقلمي ، فإذا بهم يسرقون قلمي الذهبي و يضعونهُ بالسفينة التي بها شحنة الخشب
الصادرة من شركةِ ماهر و التي ستذهبُ للخارج ، و يدسون بأحدِ الصناديق مخدرات ، و هذا كلهُ لم أعلم بهِ حينذاك ، حتى اكتشف ماهر
ذلك قبل انتقال الشحنة للخارج فأمسكَ بي و زجني في ملحقٍ بمنزله ، ريثما يُجري الفحص على الصندوق و التي انوجدت بها بصماتي ،
نعم لقد أمسكتُ بالصندوق بكلتا يدي لكني لم أضع المخدرات بهِ ، حلفتُ لهُ يمنيًا بأني لم أفعل و من حلف فصدقوه لكنه لم يصدقني
بتاتًا ، فقال لمساعديه أن يحاولون بي لقولِ الحقيقة و إن لم أفعل فسأفعلُ مكرهًا ، حرموني الطعام فيأسوا مني و عادوا ليعطوني
مخافةَ موتي ، حاولوا بالكلمات و كانت الاجابة لم أفعل لم أضع المخدرات ، فإذا بأحدهم يغضبُ حدَ الجنون و يُمسكُ بي ضربًا فقدتُ وعيي
و تغيرت مجريات الأحداث ، توفيّ ماهر رحمهُ الله ، فحكى العاملين لزوجتهِ غزال عن وجودي دون أن يحكوا لها من أكون و لمّا زجّ بي ماهر
في منزله, فما كان منها إلا أن تُزور هويتي و تجعلني سائقًا خاصًا ، قال لي أحد العاملين بعد إلحاحي عليهِ أن ماهر أتى بي من
البحر و هذا صحيح ماهر أمسك بي قُرب سفينته فظنّ بي السوء ، لكني لم أستفد شيئًا مما قاله العامل فأنا لم أتذكر و لكن حالما
رأيتُ مزنة أختي بدأت ذاكرتي بالعودة فما ينعشُ الذاكرة هُم الأحبة و ذكرياتهم الجميلة ، فكم من مرة رأيتُ عبدالقوي بالصحف
و لكني لم أتذكر شيء ، و كم من مرة رأيتُ أبو أصلان أمام عيني و لم أتذكر شيء و كم من مرة رأيتُ صورًا لماهر و لم أتذكر شيء
فكلهم كانوا أعدائي في الماضي العتيق و بعد رؤيتي لمزنة و عودة ذاكرتي بشكلٍ طفيف استطعتُ أن أنظر لعيني أبو أصلان و أتذكرهُ
و أن أنظر لعيني عبدالقوي و أتذكره و أن أتذكر صورة ماهر و أتذكره فاجتمعت الصورة و عرفتُ من أكون ، من يكونُ هزاع .
***
أصبح ظانع لا يغيبُ عن مرأى عينيّ مطلقًا فهنالكّ ما يخفيه ، منذُ أن دخلتُ للمنزل و أنا أظنُ بهِ سوءًا و لكني في كلِ مرة كنتُ أقول
لذاتي دعكّ من الفضول يا أغيد لقد أكرومك فلا تتعسهم دون أن تدري ، و لكن بعد مجيء الخالة مزنة لي ، و إلحاحها عليّ بمراقبةِ
ظانع و عبدالقوي الذي حتى الآن لم أرى منهُ سوءًا قائلة بأن هنالكّ أسرار لا بد من الكشفِ عنها و أن عبدالقوي ليس كما يظهر و ظانع
كالظلِ لعبدالقوي منذُ سنين طويلة فإن كنتّ أنتّ يا أغيد تشكُ بظانع فأنا بريبٍ من أمرِ عبدالقوي لذلك دعهم نصبّ عينيك و كُن سرًا
بسعادةِ هذه الاسرة التعيسة إن أردت ، فالأسرار تعني الدمار ، و انقشاعها يعني الأمان ، فكان هوّ كالظلِ لعبدالقوي و كنتُ أنا
كالظلِ لهُ حتى رأيتُه ذات يوم يُغير الروتين المعتاد من الشركة للمنزل و من المنزل للشركة فيذهبُ إلى مكانٍ بعيد و إلى حيٍ عتيق
فيفتحُ أحد الأبواب و يقتحمُ المنزل و بيدهِ حاجيات أرديةً و أدوية و مأكولات ، سرعآن ما خرج و يديهِ فارغتان يبدو أنهُ وضع الحاجيات
و خرج و لكن لمن تلكّ الحاجيات ؟! ، هل يمكن ان تكون زوجةً أخرى لهُ و لكن إن كانت زوجتُه فلما لا يقعدُ معها ! أسئلةً بلا جواب رحلّ
هوّ و بقيتُ أنا أمام المنزل ، أعودُ للمنزل للنوم و من ثم أعودُ للمراقبةِ هذا المنزل الذي لا أحد يخرجُ منهُ مطلقًا !
و لا أحد يطرقهُ بتاتًا ! ،طرقة بيدي اللامبتورة و طرقتان و من ثم اختبأتُ وراءَ أحدِ السيارات ، فإذا بالباب ِ يُفتح
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $
الجحيم القادم يوم السبت .
أقدم اعتذاري عن التأخير
السبب إنه ما كنت حقيقة عارفة ايش اكتب عقلي مقفل
و فتح يوم الاثنين و كان يمديني أخلص و أراجع و بالفعل قطعت شوط كبير
بالكتابة فجأة جاني ألم شديد , و ما قدرت والله أركز
و جيت ثاني يوم أكمل و ختمت الجحيم قبل الساعة 12 بالليل
و لكن كان يحتاج لمراجعة و أخوي الصغير فراس الشقي ^_^
من يشوفني فاتحة شاشة اللاب على طول يقفله ما خلاني أراجع حرف
و حتى لو تلاحظوا من أول ما رجعت و أنا أنزل الجحيمات على وقت الفجر و بعده
فسامحوني يا قراء و اتذكروا ما بقي شي على الرواية فمحد يزعل مني :) .
|