بين دهاليز العتمة
أشعر بالجهل و أنا متعلمة !
بين دهاليز العتمة
أشعر بالغربة و انا في وطني !
بين دهاليز العتمة
كنتُ و لازلتُ غريباً يا نفسي !
إهــــداء إلى " هدوىء سر جمالي , وردة شقى , هتان العود "
لمتابعتهم لي من أول الرواية لهاليوم ^^
و للحلوة " مكارم " لجمال حضورها و توقعاتها
و أيضاً شادن لأنها اشتركت بالمنتدى فقط عشان الرواية ^^
الجحيـــم
( 10 )
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
آه يا معن و آهات أتحسر على سنيني التي ضاعت معك , على سهد عيني و أرقها , إن كان ما أفكر به صحيحاً
فياويلتاه يا قلبي المتيم الخاضع الخانع
لستً ممن يتعبون قلوبهم و يمضون بأقوال أحاسيسهم و مشاعرهم إن كانت هذه المشاعر على حساب الذل
و لستُ من الأمهات الحنونات إلى حد الموافقة بالخنوع لأجلهم
و كنتُ مهتمة بأخواتي فلذة روحي اما الآن فهذا لا يعنيني
لكن من الضعيفات اللاتي ليس بإستطاعتهن إثبات براءتهن
لم تكن إدانتك قوية كقوة إدانة علم الطب
و آه يا جدتي لن اقول سوى الله يغفر لكِ
هاهي الذاكرة تعود بي إلى حيث جور قبيلتي ودهاءَ خالي عبدالقوي
غصتُ برأسي داخل بطن جدتي و أنا انتحب و هي تطبطب على ظهري بحنان لم أعهدهُ منها هي كانت تهوى الذكور ولكن هذا لا يعني انها تبغض الإناث
فهي انثى تشعر بكل انثى , قد تكون قصة وأد البنات أشبه بالخيال لكنها حدثت بالجاهلية حتى جاء الإسلام بنوره ومحا كل هذه الخرفات
و كرم المرأة و جعل لها شأنٌ عظيم و لا توجد قبائل بسنين التطور كسنة 1416 هـ تدفن البنات بمملكتنا السعودية لكن قد كان خالي عبدالقوي
يفرض هذا و ينشر شره بالأرض لقد كان يخنع للشيطان و ينسى الرحمن بل كان شيطان إنسي ضغط على أبي بقسوة حتى أصبح أبي يفكر بذات جهل خالي رغم انه قد كان يملك علماً وفيراً
فلا يُسأل عن شيءٍ إلا و أجاب فقد قلل من شأن أبي بين أفراد القبيلة وهو يهتف " بو اصلان جاته بنية مثل السابقة " حتى أصبح لأبي ثلاث فتيات و تبعتنا الرابعة التي قد دُفنت حية وبكت
أمي عليها دماً قبل ان تلد و ماتت أمي قبل ان تموت الطفلة بحبات الرمال
لقد كان يدُك الأرض بخطواته ويمسحها جيئة وذهاباً و ينشر وسواسه الأشعث و العجيب بالأمر كله ذاك الدين الذي يزعمه
حافظ للقرآن , داعي , يزكي , صلواته كلها بالمسجد و نادراً ما تكون بالمنزل , لا يترك أي نافلة
و بالرغم من هذا كله يملك تفكيراً جاهلياً مات منذ ردى الجاهلية
أصبح صغار القبيلة وكبارها يمقتون النساء و يدهسوهن و عدنا للوارء جهلة
تخيلي يا أنثى أنتِ من تنجبي كل رجل
تخيلي لبرهة كيف تكون الحياة دونك ؟!
حقاً لله حكمةٌ في خلقه
لم تكن للمرأة كرامتها و إحترامها البتة
بل كانت قطعةً رديئة
الحمدلله ان أفعال خالي توقفت عند هذا الحد فمن أفعال الجاهلية أمور عدة كعبادة الأصنام , إتباع ملة الآباء , الخمر
لكن كان يوجد فعل وما زال يوجد حتى يومنا هذا يوجد بكل دولة من بعض المتفاخرين هو التفاخر بالنسب
فيعامل شيخ القبيلة أحسن معاملة مع وجود عبيد نشتريهم ومنهم " الحُر " الذي قد أطلقنا سراحه بنقلنا لمدينة جدة
فنحن عبيد الله و لسنا عبيد بنو البشر فكيف لك أن تكون عبداً من دون الله ؟!
بيومنا هذا أصبحنا ننعت العربي بأجنبي نقلل من شأنه
و نقف مع بعضنا او بالأحرى نحن أغبياء لأننا لا نقف مع بعضنا بل و ننعت بعضنا فتقول تلك ذات النسب العالي لإبنة بلدها
بنبرة لاذعة , لادغة أنتِ الأقل مني نسباً
كل هذا باطل فنحن سواء كنا من نسب وبلد مختلف لا يجب الإفتخار والتعالي
فقد قال سبحانه في محكم كتابه : ? إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ? أعلم الآية و اعرفها كما تعلمون و تعرفون
ولكن جميعنا نخطأ اليوم أُحادث نفسي و غداً أتفاخر بها و أتعالى بعيداً عن الوأد و الاسترقاق و سفسطات و تفاهات الجاهلية
إلى حيث نحيبي و دموعي التي تحاكي و جعي قلتُ بصوتٍ مهزوز : يا جدة فهميني خالي عبدالقوي ما يريد صلاحنا مير انه يريد خير ابوي الذي رزقه الله به .
أبعدتني عن بطنها وهي تمسح دمعي : يا عطيرة انا مرتن عجوزتن ولا بيدني حاجتن اقدمها لك و التراب مثل ما غطى وميمتك بيغطيني قريب عطيرة جدتك حتى هالخلا ما تقدر تمشي
لصوبه ماعادني اناظر زوين و لا عادني أسمع زوين و رجيلاتي توجعني و خالك عبدالقوي رجالن كل هالقبيلة تشهد بقوته بعد أبوك تشهد بأخلاقه و شهامته كيف أنك تفكرين به بالشينة
عيبن عليك يا عطيرة ما تنطقين عن خويلك و ما تناظرين خواتك كيف انهم يحبونه .
قاطعتُها بسرعة : خيتي عُزوف توها صغيرة و هوازن قليبها ابيض و ما تفهم بهالأمور يا جدة وانتِ ياجدة ما تحبين وميمتي و ذا ما يعطيك الثقة بخويلي كانه اخوها .
تنهدت حينذاك بحسرةٍ عميقة تنهيدة طويلة ظننتُ وقتها أن روحها ستُتنزع قالت بندم : آآآآآه و انا جدتك آآه يا عطيرة وميمتك ذي مامنها وميمة ذي وميمتك إبها حنان ضريبته عيشتك وعيشة خواتك كانت وميمتك صارمتن وكلمتها حادتن
و لابغت حاجتن حصلتها انتِ اخذتي من وميمتك كلمتها الوحدة و حدتها و صرامتها و هوازن وخيتك خذت من وميمتها الحكمة و الحنكة اما عُزوف لهالحين ما وضحت الله يرحمها و يغفرلها ويرحمنا ويغفرلنا بواسع رحمته يا عطيرة خويلك تحاكيت معه و ما زرع بقلبي حكيه غير الخير
وانا واثقتن فيه ولو ان بي شك ما بقدر لدفاعكم جدتك عجوزة يا عطيرة و بالحيل حاملتن ثقلها كيف بنتعايش انا وخواتك مع بعضنا ؟!!
انا أحتاج راعية وانتن تحتاجن لراعية لزومن حد يكون مسؤول عنا و هالحد هو خويلك عبد القوي و عميمتك ساجدة.
شعرتُ حينها باليأس و علمتُ أنه لا مفر منه ولكن بقيت عزيمتي قوية و صوتي عالي و حضوري لآفت و بالرغم من هذا كُسرت بأقوى الخيبات
أخذ أموالنا , تزوجنا أبناءه , و اتهمني إبنه بشرفي و ماتت عُطرة القوية داخلياً و بقيت قوية خارجياً مع موت الداخل
أي قوةٌ مزعومة فقط أمامهم وبداخلي ضعف و أنت يا معن أكبر ضعف أخاف يدك الحديدية حينما تمتد وتبسط إتجاهي أخاف صوتك العالي منذ جلدك لي فأنا لم أُضرب بحياتي قط
لا من أبي و لا من أمي فقط ضُربتُ منك يا زوجي
قلتُ لكِ وقتذاك : وش قالك خويلي ؟
لتعودي أنتِ بذاكرتكِ و أتخيل بمخيلتي الوضع
و أخذني خيالي إلى حيث السجاد الأحمر الصغير المبسوط بأرض حجرتك
أنتِ مستلقية على تلك المرتبة الإسفنجية العتيقة بتعب
وخالي يقبع بجانبك و بيده فنجال القهوة
قلتِ له بصوتك الذي يظهر به العجز : شف يا عبدالقوي عطيرة انت ادرى إبها ما تتريح لك و أنا أريد راحتها يا وليدي وابي منك وعد تكون قد مسؤولية الحفاظ عليهن
وتحطهن بعيونك حتى لا جاه حظهن و تزوجن .
حتى تبتسم لها كما قد أسلفتِ لي : هم بنيات الغالي والغالية وزيجتهن ان الله اراد بتكون من ولداني حتى يظلوا تحت ناظري واحميهن من اي مكروه بيحفهن .
حينها قلتِ و أنتِ تريدي أقصى مراتب الإطمئنان : اوعدني يا عبدالقوي حتى يتريح قليبي .
توسعت إبتسامته و بتأكيد : وعد يا عميمة وعد .
وبعدها بشهر واحد حلقت روحكِ بالسماء و بقي جسدكِ بالضريح
لم نغص بالأشجان كثيراً فنحنُ لم نشعر لبرهة بحنانك إلا حينما توفت وامي ولحقتِها بوفاتك بعدها بشهر
كنا آنذاك فقط نفكر بأمي و أبي صحيح قد بكينا عليكِ و لكن بكاء يوم و يومين وفقط
ونسيناكِ وكأنكِ لم تكوني
ماذا لو قفتي بصفنا وقتذاك ؟ , من المؤكد أن حالنا سيكون أفضل
لكن يبقى العلم عند المولى جل وعلا فلربما ما حدث لنا هو الخيـر
لا داعي للذكريات التي لن تقدم خطوة و لن تأخر
خرج من دورة المياه وهو يمسح يده بالمنديل
توقف عند المرآة وهو يسرح شعره وينظر إلى إنعكاس صورتي قال بهدوء : للحين تفكرين ؟
بسرعة و إندفاع : ولا بوقف
إبتعد عن المرآة وهو يقف بمنتصف المسافة بين المرآة والسرير الذي أمكث فيه
رفع حاجبه الأيمن دون الأيسر ليقول : اظن جاوبتك على سؤالك
نفضتُ اللحاف بقوة : ما اقنعني جوابك ماهو منطقي
إبتسم حتى ظهر طقم أسنانه كامل و أقترب أكثر من السرير , حتى إنخفض بجسده على هيئة ركوع
و ألتصق ثغره بأذني وبفحيح كالأفعى : وش يقعنك ياست الحسن والجمال
حرارة أنفاسه أحرقت أذني
و ألهبت قلبي
حتى تدافقت مشاعري
تحاكي جنوني بك
لا تقترب يامعن
لا تمعن النظر بي بهذه الدقة
اخاف ان يخنع قلبي
و تذوب حواجزي
معن لا تمعن النظر أرجوك
جلس بطرف السرير بجانبي ليرفع اللحاف قليلاً
حتى يمسك بيدي الباردة التي ترجف
عانق بيديه الدافئتين يدي ليبث إلي الحنان , حلقتُ وحلقتُ بالأعلى و كأني ألامس الغمام لفرط سعادتي
لأهبط إلى قاع الأرض بجفاف إبتسامتك الساخرة
وصوتُك المميت : هههههههههههههههه عندك أمل للحين !!
ترك يدي فأحسستُ و كأن الكون قد ضاق بي
والدمع يحارب عيني فيكويها
أبعدتُ اللحاف بقوة و أنا أبتلع ريقي و عبرتي
بثبات : هه على بالك ميتة عليك !! و بعدين حتى لو كان الي في بالي صحيح بالطقاق انت وياها
عاد ليمسك يدي ولكن ليس بحنان بل بقوة وكأنه سينتشل لحمي عن عظامها ليقول وأسنانه تحتك ببعضها : متأكدة انه عادي ؟
قلتُ ببرود و إستفزاز بذات الوقت : أكثر مماتصور .
غرز أظافره بجلدي بقسوة : كذابة انتِ بتموتي لو انا كنت لغيرك .
تمزقت يدي بين يديه الصلبة و بتوجع : معن سيبني تعورني
ليغرز أظافره أكثر
فأخفضتُ عيني موضع يديه لأراها صبغت بدمي الأحمر
فزاد وجعي لأعض شفتي بقوة , بصوت متقطع : معـ...ن
بجمود : قولي الحقيقة و بسيبك , عادي لو كنت لغيرك ؟
بذات قوتي المصطنعة و بعناد : ايه عادي
غرز أظافره أكثر , بذات جموده : أكيــد
حتى ترتفع اقدامي لأعلى و أسفل بالسرير وتهتز بطريقة عشوائية لشدة ألمي
غرزتُ أظافر يدي اليسرى بمرتبة السرير أمد نفسي بالطاقة : عـ...ادي
ترك يدي وعيناه تضخ شراراً بالأرجاء
بينما أنا رفعتُ يدي و أنا أنظر إليها
و أحارب دموعي
لن أبكي أمامك
لن أبكي
أخرج لأبكي وحدي
إبتعد عني
وما إن اختفى عن الغرفة
حتى سقطت دموعي
تجرح و جنتي
ألم جاثم بصدري
منك يا معن
*
*
دخلتُ إلى المطبخ وتناولتُ لصق , شاش , ضماد و معقم
لا أدري لما فعلتُ بها هذا
الذي أعرفه أن برودها قد غرس بداخلي القهر
فغرستُ قهري بيدها
قبل دخولي الى الحُجرة سمعتُ صوت أنينها
لا تبكي يا عُطرة
لا داعي للبكاء
تمنيتُ أن تبكي امامي
ولكن بحقيقة الأمر اتمزق حينما استمع إلى انينك
فما بالك برؤيتي دموعكِ
آه يا خائنتي اتساءل كثيراً ماذا لو كنتِ طاهرة عفيفة
كيف ستكون حياتنا الزوجية ؟
تنحنحت لأبتر انينك , شهقاتك ودمعك
إقتربتُ من السرير بهدوء بينما أنتِ عيناكِ قابعة بلحافكِ
أمسكتُ بيدك
رفعتِ عيناكِ واتسعت شيئاً فشيئاً وبخوف : وش بتسوي ؟
رفعتُ الشاش أمام عينيكِ
ليتورد خدك
و أسرح انا , إلهي كيف تبدين بريئة ؟ أي ممثلة بارعة أنتِ يا عُطرة ؟
مرهق انا بتناقضكِ
حاولتِ سحب يدك من قبضة يدي و بخجل حاولتِ إخفاءه عني : خلاص هاته وانا بلفها
إبتسمتُ لخجلك رغماً عني و أخذتُ أمعن النظر بيديكِ و أعصبها بعناية
و أنا أشعر بعيناكِ المصوبة اتجاهي دون أي شيء
رفعتُ عيني إليكِ
لتبعدي عينكِ عني
قلتُ بإستفزاز : لا تتظاهري بالبرود تراني عارف انك تطالعيني
نظرتِ إلي و أشرتِ إلى نفسك و بإستنكار : انا ؟؟؟؟؟
نعم أنتِ يا بارعة
ممثلة حقاً
بكل أدوار البراءة
تركتُ يدك بهدوء
وفتحتُ صفحات قديمة طواها الزمان
ولم تنطوي بداخلي
ماض فات ولم يمت
ولن يموت
بندم : تدرين يا عُطرة اني ندمان على كل شي ندمان اني بيوم من الأيام تزوجتك رغم اني عرفت حقيقتك قبل حفل زواجنا
كنت بأصبع مني اقدر اوقف كل شي بس مدري ليش سكت ولا ادري ليش كملت معاكِ
ولا أدري حتى كيف طاوعتني رجولتي اقرب من وحدة فقدت بكارتها .
مسحتُ على شعري دون النظر إليها
ومضيتُ حيث المسجد لصلاة الفجر
وأنا أطردُ كل الأفكار المشؤومة وأحاول
بكل قوتي نسيان الماضي وطمرهُ .
*
*
" كيف طاوعتني رجولتي اقرب من وحدة فقدت بكارتها " تردد صداها بأذني
مرة تلوها كرة
السؤال البديهي " كيف طاوعتني نفسي انذل عندك بس عشان أخواتي ؟! "
***
منذ أن إستيقظت لصلاة الفجر حتى الآن الساعة الثامنة صباحاً موعد دوامي وهي لم تجيء
أين أنت ِ يا عُزوف
فلتصعدي للجناح أريد رؤيتك قبل الذهاب
أمسكتُ بالهاتف المحمول " الجوال " وأنا أنظر إلى إسمها " قارورتي "
ضَغِطُ إتصال وانتظرت قليلاً حتى يأتي صوتُها الناعس : مين
عقدتُ حاجبي و بإستغراب : وينك انتِ ؟ بالليل كنتِ نايمة معاي وبعدين وين رحتِ ؟
قالت وهي تحمحم ليعتدل صوتها : نايمة عند مارسة بالليل ما جاني نوم و نزلت عندها .
قبضتُ على يدي بقوة : و كيف تنزلي بدون ماتقوليلي مزهرية عندك أنا ؟
قالت بإستنكار لردة فعلي : بسم الله عليك ناجي اشبك كأني رحت لمكان بعيد , كنت نايم وما حبيت ازعجك اظن ماله داعي العصبية .
قلتُ بشيء من القهر و ريبٌ لا أردي كيف دخل إلى قلبي : إلا لها داعي , و لا تكوني نمتي معاها بنفس الغرفة ؟
بذات الإستنكار : ايه وش فيها نايمة مع بنت انا مو رجال ترى .
قلتُ بجلجال صوتي : لا تتراددين يا عزوووووف فاهمة ونومة مع احد غيري مافي .
فأغلقت على وجهي
حسناً تماديتي يا عُزوف لا أنكر أني اعشق تماديكِ
و هفوات لسانكِ وكبواته
لكن هذا لايعني ان تقللي من شأني كرجل
أستهزأ كثيراً بنفسي
حالما أرى أمرأتان تقعدان مع بعضهما دون غيرهما يتوارد إلى ذهني الماضي بألمه فأفكر تفكيراً مريعاً شنيع
و كذلك حينما أرى رجلان مختليان
أي جنون أعيش ؟!!
سامحيني يا معزوفتي يا قارورتي و اغفرلي
فأنا ناقص الرجولة
و أفكاري ناقصة
***
دخلتُ إلى الفصل بتمام الساعة العاشرة
ألقيتُ التحية
و ردوا الطالبات بأصوات متفاوتة وهن جالسات على كراسهن
اتذكر أيام قبيلتي حالما تدخل المعلمة تقف جميع الطالبالت إحتراماً و تبجيلاً لها
الآن لو قالت المعلمة " وقفوا يا طالبات " لقالوا عنها فيما بينهم معلمة متكبرة
حقاً إختلف الزمان و أختلفت الأخلاقيات والقيم
ما إن رفعتُ يدي المعصوبة حتى تهتف الطالبات بكلمات السلامة
إبتسمتُ لهن و أخذتُ أقلام السبورة
لأكتب بخط عريض بأعلى السبورة عنوان الدرس " الإحتكاك "
أعطيتُ مقدمة تذكيرية عن الدرس الماضي
و ما إن دخلتُ بلب الشرح
حتى تطرق إحدى الطالبات الباب
قلتُ بهدوء : تفضلي
لتبتعد تلك الطالبة الطارقة و تزيح للأخرى المجال للدخول
فتدخل تلك المسترجلة و تقول : ابلة عُطرة ابغاكِ برى .
نظرتُ إلى ساعتي لأقول : معليش يا ابلة ما يمديني اخرجي بعدين تعالي .
تعلقت بالباب بجسدها : ابلة بالله ابغاكِ الحين بسرعة والله .
بضجر وأنا أشير إلى الباب وبصوت عالي : أخرجي يا طالبة مافي وقت .
ضربت بقدمها الأرض بقوة وبصوت يماثل علو صوتي : ابلـــــــــة .
تركتُ قلم السبورة على المنضدة و خرجتُ لها
و بملل : هاه يا ابلة ايش تبغين .
وهي تحرك جسدها ذات اليمين وذات الشمال و بخجل لأول مرة ألاحظه بصوتها : ابلة ليش غبتي امس والله خفت عليكِ كثير .
إستندتُ بجسدي على الباب من خلفي و شبكتُ يداي ببعضهما و ببرود : كنت تعبانة
بإندفاع وخوف : سلامتك يا ابلة ما تشوفين شر , ايش كان فيكِ عساه شي هين ؟؟
عقدتُ حاجبي من تصرفاتها تعاملني وكأنها رجل و أنا المرأة
إلهي ما هذا الجنون الذي تعيشه !!
بجمود : سخونة , عسى بس خلصتِ كلامك ضاعت الحصة
أخرجت يدها اليمنى من خلف ظهرها و هي ترفع إصبعها السبابة وبترجي : لاااا بس دقيقة .
أخرجت يدها الأخرى
يدها التي تحمل صندوق
مدت الصندق لي و بصوتها الثخين : هدية متواضعة بمناسبة سلامتك
برفض : ما ابغاها
و ألتفتُ للباب لأدخل , وصلني صوتها بترجي : ابلة بالله كفاية المرة الي فاتت ما اخذتي هديتي عفية يا ابلة بس المرة هاذي .
إلتفتُ لها و أنا أزفر بضيق أخذتُ الصندوق
أعطيتُها ظهري و دخلتُ إلى الفصل
بماذا تشعر بتصرفاتها المجنونة !
يجب علي ان أتحلى بالصبر ستكون هدايتها على يدي إن شاء الله .
***
أحسستُ بأنفاس دافئة تلحفني و قُبلات دافئة تُطبع بجسدي
و تلهب وجنتي
و تستقر الأنفاس بصدري
فتحتُ عيني على مضض
ثم أغمضتُها بسبب ضوء شمس الظهيرة
و فتحتها تارةً أخرى
مددتُ يدي إلى " مي " المستقرة بصدري
ومسحتُ على شعرها المصبوغ بالأحمر الناري من منابته لأسفله
لترفع هي عينها السوداء لي و تبتسم بحب
إقتربت من وجنتي وقبلتها قُبلة عميقة
ما لبثت أن تبتعد حتى سحبتها إلي ألثمها بعمق ولذة
قرصتني بذراعي حتى أتركها فتركتها وأنا أضحك
وهي بالكاد تلتقط أنفاسها
نظرت إلي وهو تلوي فمها و بزعل : روكي هوا لي انتا آسي كده بتعورني اوي .
مددتُ يدي إلى وجنتها الناعمة والممتلئة و أنا أمطها بقوة : وش اسوي فيكِ مجننتني يا عيون روكي .
ما إن تركتها حتى فركت وجنتها بقوة : روكي حرام عليك كده انتا عنيف اوي اوي لو عملتها تاني حأول
لجهاد لحسن يضربك و يعلمك الأدب عشان ما تئرب مني تاني .
أمسكتُ بيدها وانا أنظر إلى طلاء أظافرها الأسود : نشوف جهاد اخوكِ يأدبني ولا انا ياعيني .
دخل جهاد وهو يمسك كومة الملفات بيده : هوا كأني سمعتكوا تنطئوا اسمي لا تكونوا تتكلموا عليا
هاضربكم ترى .
سحبت يدها من بين يدي وهي تشير إلي , وتنظر إلى أخيها : ده روكي بيعورني أوي بيئرصني بئوة .
بلامبالآة وهو يضع اللوم عليها : انتي البئرة ليه بئى بتحبي واحد زيو لو كان بيضايئك ما تسبيه بئى .
وضعت يدها بقلبها : كلو من ده الألب ما بيدوئش إلا لو .
حرك رأسه يمنة و يسرة بضجر : انتوا لازم تتجوزا بسرعة لانو انا طفشت منكو , و بس تتجوزوا انا هخرج واتركلكو البيت .
وضعت إحدى يديها بخصرها و بقهر : يخرب بيتك يا جهاد بدل ما توئف معايا وتئول " مي " اختي حبيبتي بتوئف مع ركاض !
خرج من الحُجرة وهو يتأفف
قبلتُها بوجنتها بغفلةٍ منها وسحبتُ خطواتي إلى دورة المياه
*
*
وأبتعد عني ليتركني صحراء قاحلة كيف أحببتك يا ركاض ؟!
أخاف من حبي لك , أخاف أن يسلب مني قوةَ الإنتقام
كنتُ فيما مضى حالما تُقبلنِي أبتسم
و ما أن تبتعد وتجفل عيناك عني
حتى أمسح قبلتك تلك بإشمئزاز
اما الآن فأنا أبتسم حتى بعد ذهابك
لو علم عمي بحبي لك سيفتُك بي
و لو علم أخي لقطعني إرباً و رمى بي
ماذا أفعل يا قلبي فلتجب
فأنت المخطىء
نعم يا قلبي انت أخطأت العنوان والمكان والزمان
وأنا ضحية خطأك .
***
دخلتُ إلى القصر و خلفي ظانع بتمام الساعة الواحدة ظهراً
إتجهت خطواته إلى المنطقة العشبية حيث يقبع منزله
قلتُ بصوتٍ شبه عالٍ دون أن ألتفت : تعال يا ظانع لمكتبي ابيك بحكي .
ليغير مساره إتجاه القصر من خلفي
دخلتُ إلى القصر و تجاوزتُ الصالة إلى حيث مكتبي
دخلتُ ودخل من خلفي و أغلق الباب
جلستُ على الكرسي و بهدوء : كيف الأمور يا ظانع ؟
جلس على كرسي مقابلي و يفصل بيننا المكتب : كل حاجة زوينة يا الشيخ عبدالقوي
فركتُ ذقني المشيب بأظفاري و بطريقة ملتوية فظانع يضاهيني بالتفكير تماماً لذلك يتوجب الحذر : تعرف يا ظوينع من لازم تنظيف مكتبي بالأمس ؟
بسرعة و كأنه حافظ للإجابة عن ظهر قلب : بنيتي مارسة .
إبتعلتُ ريقي وصورتها تتمثل أمامي بدموعها السوداء المثقلة بالغم
بهدوء ظاهري عكس عواصف الإضطراب داخلي : ايه بالساعة كم بدت تنظف و لحد كم ؟
بتفكير : مدري نسيت " أردف بعجلة " الا تذكرت بدت تقريباً من 6 المغرب لحد قريب ما ترجع من عملك , الا ليش يالشيخ هالأسئلة ؟
أمسكتُ بالقلم و أنا أوقع بالملفات بلا هدف يذكر الأدهى بالأمر أني أتهرب من باقي الحديث , بذات الهدوء : قلت اقدر رواتب الخدم لهالشهر بحسب تعبهم و جودة عملهم .
قال وكأنه لم يقتنع : ايه القصد كذيا يا عسى بنيتي تكون نظيفة لتحوز على رضاك يالشيخ .
حركتُ القلم يمنةً ويسرة لأقول دون شعور مني : و حازت على الرضى بنيتك , إلا اقول يا ظانع ليتك دوم تتركها تنظف مكتبي ما اريد غيرها .
إبتسم بفخر و رضى بإبنته و يحق له الفخر و الرضى على كتلة الجمال التي يمتلكها
قال : ومحد غيرها بينظف مكتبك يالشيخ و ذلحين بملي عليها بأمرك و السمع والطاعة موجوبة منها لا تحاتي بهالخصوص .
هززتُ رأسي إيجاباً , و بأمر و تصريف : اخرج يالظانع معاي شغلٍ متروس , و لا تنسى الملزوم لا صابها الضرر بمنتصفها اللوم بك .
هز رأسه بالموافقة
بينما أنا أبحرتُ بعالمها
لم أعتقد لوهلة أن عنجهيتي
ستخضع لإمرأة
و الغريب فارق العمر !!
فلتبتعدي يا مارسة عني
ولا تمارسي إغراءاتكِ بي
فكل رجل يسقط لمرأة
إلا عبدالقوي
لا يسقط و لا يكترث .
***
وقفتُ امام المرآة بفستاني الأسود الطويل الضيق العاري من جهة الظهر أخذتُ أنظر إلى انحناءات الحناء
بأبهى نقش قد نقشته مارسة بعناية
هل جننتُ بخطوتي هذه ؟
ماهي ردة فعلك يا ناجي ؟
وضعتُ ما تعشقه بمنطقة قد تثير الجدل أو تطفأ فتيله
هل هذه محاولة فاشلة كأي محاولة سابقة ؟
فلتنجني من جحيمك يا ناجي فأني والله مسلوبة القوة
يائسة و هشة
ذابلة لا أشعر بمعنى الحياة
يوم واحد لا أطلب المزيد
لستُ بطامعة لأقول وهل من مزيد ؟
لكن سأقول أشكرك ربي إذا أسعدتني بما تناجيه نفسي سنوناً طوال
سمعتُ صوت المفتاح يدار فإذا بي أستدير بعجل
لتلتوي قدمي و أحد الحذاءان العاليان يسقط أرضاً
بينما تذوق عظام قدمي مرارة الوجع
سحبتُ جوالي الآيفون
لأجلس على أقرب كرسي و أتظاهر بالإنشغال
دخل إلى الحجرة دون أن يرفع نظره إلي وكأني لا أوجد
رمى البالطو على طاولة مستديرة وهو يعطيني ظهره
رفع بردته " تيشيرته " من الأطراف لأعلى
لينقشع جزأه العلوي
أخفضتُ بصري عنه بسرعة
صحيح قد رأيته خلال الأحد عشر سنة كثيراً بهذا المظهر
لكن إلى الآن أشعر بشيءً من الخجل فأنا لا أراه ملكاً خاصاً بي
ليتسنى لي الوضع فلا أخجل
دائماً ما يرتسم امامي و أمامه حاجز صلب
أتمنى أن تهدم هذه الحواجز ليبنى صرح قلبي أجود بناء
عندما مد يده إلى الجزء السفلي
تنحنحتُ لأنبهه
إستدار للخلف بسرعة
ثم توقف مكانه مشدوهاً
و كأن العالم كله قد إختفى
فلم يبقى إلا أنا وهو
وحدنا .
*
*
أي جمال تمتلكين يا معزوفة الشجن
أي آية حسناء أنتِ بين قوارير الحسن !
قلبي يكاد يخرج
و تتمزق أقفاصي الصدرية
لتتنفسك
و تستنشق عبيرك ِ
ماذا بعد يا فاتنة ؟
هل أنتِ ساندريلا ؟ وعلي أنا أميركَ
إدخال حذاء السعادة بقدمكِ
لتكوني لي وحدي
و أكون لكِ !
بداية من ساقك الأبيض المتعالي
توقفاً عند نهاية قماش سحيقة
لنكمل بخصر منحوت
إلى بطن مشدود
فصدر مفضوح
و رقبة شامخة
ثغر يتفجر إغراء
فأنف يكسوه الرفعة
إلى عينان لم تختلف البتة
عينان يحتويهما الشجن
تغلفهما طبقة سميكة من المعزوفات القديمة
تحتاج إلى تلحينها
لتفك قيودها الجحيمية
فتعيشي بالجنة
و أي جنة تعيشيها يا ملهمتي
و أنا أحترق
أضمرت نيران قلبي
لتعلن هزمتي
أزهقتني
أتعبتيني
أرهفي بي
إغفرلي
و أبتعدي عني
لا تزدادي أنوثة
لأنقص رجولة
بل أنقصي أنوثة
لأزداد رجولة
تراجعتُ خطوة
و تدافعت اقدامي للخلف
لأعلن نصر رجولتي على طغيان انوثتك
فأبت أقدامي ان تبتعد أكثر
و أستقرت عيناي بظهرك
تعطيني ظهرك و تنظري للخارج من خلال النافذة
هل أمارس هوايتي ؟!
هل أمد يدي ؟!
هل أقترب ؟
بلا تفكير تدافعت خطواتي للأمام حيث تقفين
وقفتُ خلفكِ تماماً
مددتُ يدي إلى النقش المتشعب بظهرك
و ضعتُ يدي بأعلى ظهرك من جهة الرقبة
لأبدأ بممارسة أجمل هوايتي
أنقش من الأعلى إلى أسفل أمر بكل إنحناءة بكل دقة
و قلبي أسمع صوت صداه
يكاد يعلن الهزمية
يكاد يقول أرحميني
أنا الناقص
*
*
و ماذا عساك تفعل يا سفاحي ؟!
أتحرق ظهري
بحنانك
بإمعانك
أهذا هو اليوم الذي أرتجيه
أهذا هو المنتظر
أهذه هي البداية ؟!
أصابعك الخشنة
تمر بملمس ظهري الناعم
فتبصم بلهيبها
حروفاً شهدها التاريخ
منذ أحد عشر سنة
تبصم بصبري
تبصم بقهرك لي
تبصم بشقائي
أتكويني بأصبع
و لا أكويك بكامل جسدي
أي رجولة تمتلكها يا ناجي
ألا تهتز
ألا ترجف
إلهذه الدرجة أبدو ناقصة ؟!
أغمضتُ عيناي بشدة
و أنا انتظرك لتنتهي من ممارسة ما قد بدأته
أسمع ضربات قلبك الهوجاء
ضربات غير متزنة
نعم أسمعها
و أشعر بجحيم أنفاسك
توقد عنقي و ظهري
و لفرط الهدوء
أستمع إلى حركة عقارب الساعة
فتحتُ عيني بوسعها
و أنا أستمع إلى كلمة هوى قلبي لها
فأحببتك
و أحببتك
بكل تملك
قلتها ليهتز عرش قلبي لثاني مرة
: حلــــو
كلمة وفقط
قلبي يهواها
و أذني تعزفها
و صدري يتنفسها
كلمة بدأنا بها صك زواجنا
فهل نبدأ به ليلتنا ؟
و تركتني , تركتني صحراء جرداء بلا ماء يسقيها
فلاة بدوية جافة
إلى متى يا صبار ستخزن بك الماء
أما آن الأوان لتعيش فلاتك ؟!
إلتفتُ لك و بإندفاع : ناجي ما بتتغدا
برفض : هاه بتغدا مع ابوي تحت احسن
تقدمتُ الخطى قليلاً و بإلحاح : بس انا سويت الأكل ما بتذوقه ؟
إرتديت قميصك وانت تزفر بضيق
إلهذه الدرجة أنا عالةٌ على قلبك ؟!
و أنهمرت دموعي كأي مرة
ذرفت عيناي أمامك تعلن الهزيمة
رجل مقابل ناقصة
النصر لك يا ناجي
مشيتُ بسرعة حيث الباب الذي يقبع بجانبه
و عيناي ترسم طريقاً سرابياً
لأتعثر بحذائي الكعب
و أسقط بشبه ركوع و أنا اتحامل على نفسي
لم أشعر إلا بك
ترفعني لأعلى وأعلى
ويديك تلامس خصري
إلتفت يدي حول رقبتك و أنا أصرخ بذعر : ناجي نزلني نززززلني
ضحكت بصوتً عال : ههههههههههههه يا خوافة
و ضعتني على السرير برقة
لتجلس بطرفه و تمد يديك إلى قدمي المصابة
فتحرك عظامها بنعومة : تعورك ؟
عقدتُ حاجبي بألم : شوية
فمسكتها بقوة لأصرخ : آآآآه لااا كذا يعوور
تركت قدمي وانت تبتسم
و قلبي يبتسم لإبتسامتك
بهدوء : طيب يا الدلوعة ارتاحي وانا اغرف الغدا واجيبه لعندك بعد
إلتزمتُ بالصمت و أنت إبتعدت حيث المطبخ
أستمع إلى صوت الصحون
و كأنك تتعارك معاها
و لم يمضي وقتاً طويل حتى أراك أمامي
وضعت الصينية بالسرير وجلست مقابلي
مددت يدك إلى الملعقة لتملأها بالأرز
و تضع الملعقة امام ثغري وتقول وكأنك تتعامل مع طفلة : هم هم
لأفتح فمي قليلا ً
فتقول : وهم يا جمـــل
ضربتك بذراعك بغير رضى : ناجي عن الهبل
ضحكت بصخب لتقول : كلي بسرعة يالدلع ما باقي على آذان العصر شي ابغى اصلي .
هززتُ رأسي بالموافقة
و أنت تدخل ملاعق متراكمة بفمي
حتى كدت أختنق .
***
إحتضن يدي الصغيرة بيديه
رفعتُ رأسي إليه و بتساؤل : وين بنروح ؟
إبتسم بحنان : أريد خشب من المخزن , وانت بتساعدني صح يالكاسر
هززتُ رأسي بالموافقة و بطفولة : صــــــــح
إتسعت إبتسامته وهو يمسح بيده على شعري الأسود
و قفتُ بجانب المخزن
وهو يفتح الباب الصدأ العتيق
دخل ودخلتُ خلفه وضوء شمس الظهيرة يزيح العتمة قليلاً
أمسك بكرتون كبير به كم هائل من الخشب
وهو يقول : دور يالكاسر على خشبة مستديرة ولا شفتها عطني ياها
أخذتُ أغرق بالصندوق بين خشبة و أخرى
وهو يبحث بيديه معي
وبعد عناء خرجتُ بجسدي من الصندوق و أنا أرفع حلقة مثبتة بها عدد من قطع الخشب لأعلى
و أقفز بفرح : حصلته حصلته
نظر إلي وهو يبتسم
مد يده : هاته يالكاسر
أعطيته إياه
فإذا به يخرج قطعة الخشب واحدة من قطع الخشب المثبتة بالحلقة
يعلق الخشبة المخروقة من الأعلى بالخطاف
و يدخل يده بجيب ثوبه ليخرج مسدس
و شهره ناحية الخشبة فيطلق بإحتراف
فتصيب الخشبة
إقترب من الخشبة و استبدلها بأخرى
وهو ينظر إلي و يضحك
فتحتُ عيني شيئاً فشيئاً و بخوف : لا تطلق امامي قليبي يوجعني
إقترب مني و كأنه قد غضب و لكن أخفى غضبه بستار إبتسامته الحنونة و هو يقول : لاه يالكاسر لا تقول كذيا انت يالكاسر بيوم من الأيام بتصير ضابط كبير
كبيــر و بتآخذ بالثار يالكاسر .
وضع بيدي المسدس و وجه يدي ناحية الخشبة و قال : هالحين انا بساعدك بالطلق المرة القادمة عليك بالطلق والقنص إنت رجال و بتصيبها .
و أشهر السلاح
ليرمي بالرصاص
و أنا أغمض عيني
نظر إلي و زفر بشيءً من الضيق : لاه يالكاسر لزوم تشد همتك ما ينفع كذيا .
عاد يمسك بيدي و يشهر السلاح ليقنص ويطلق
وبهذه المرة تشجعت ولم تحتضن جفناي عيني لتعيش بالعتمة
قال بتشجيع : ايه كذا الكاسر بطل , تجهز بنطلق الثانية .
قلتُ و قد شعرتُ بالشجاعة والحماس : انا بطلق ذي انا .
إبتسم بود وهو يحفزني : يلا اطلقها يالكاسر واثبت قوتك .
لأمسك بالمسدس و أشهره على القطعة
فترتجف يداي بخوف
ذعر أصابني
فأنتفضت ساقاي
قال بصوت عالي وتردد صداه بالمخزن : اطلقها يالكاسر انت قدها .
فأطلقتُها وأغمضتُ عيني بسرعة
بينما هو أحتضنني بشدة لصدره وهو يمسح على ظهري و يلثم رأسي
و يقول بسعادة : وقدها يالكاسر بتآخذ بالثار وانت قد ثقتي بك .
*
*
من أنت يا هذا
توجد بكل ذكرياتي
السؤال الأهم هل أنت بالأصل ذكرى
أم شيء من وحي خيالي ولا تتم للواقع بصلة
من أنت يا هذا
كنتُ أعتبرك قدوة بكل شيء
إلى متى سأعيش بصراع الذكريات
إلى متى سأظل تحت ظلال جحيم
الذكريات و الخيالات
وهل يا تركية أنتِ لك صلة بهذه المتاهات
أم أنتِ مرحلة عابرة من حياتي
لماذا منذ رؤيتي لكِ أربط صورتك بهذا الرجل
الذي لا تتضح لي ماهيته
ما هذا الشتات الذي أعيشه ؟ !
و إلى متى ؟
إستيقظتُ على ضربة الباب القوية
دخلت هوازن و لأول مرة أرآها غاضبة
تقبض بيدها على أجهزة الآيباد !
و وجهها تطغيه الحُمرة
و لشدة غضبها يبدو انها لا ترى ما حولها
فهي لم تلقي التحية علي كعادتها
بل رمت الأجهزة بالتسريحة وجلست على أقرب كرسي لها
وهي تمسح و وجهها بضيق
و تتنفس بتوتر
تهز أقدامها بلا توقف
و تبتلع عبرتها
ما بالها حبيبتي !
إقتربتُ منها بهدوء
جلستُ بجانبها ولم تشعر بحضوري
و لا بجسدي الضخم !
عانقتُ بيدي كتفها ليسقط رأسها بصدري
خلخلتُ بأصابعي خصلات شعرها الأجعد الأسود التي بها بعض الشيب
و الشيب وقار
بحنان : اشبك , شاللي مكدرك ؟
أمسكت بثوبي البني وضمت عليه أصابعها , بتردد : البنـ...ات
عقدتُ حاجبي و ازحتُ رأسها عن صدري برفق
وضعتُ أصابعي بأسفل ذقنها لأرفع رأسها , و تثبتُ عينيها الدامعة بعيني
مسحتُ دمعها و بتساؤل : وش صاير ؟
بتردد وهي تبتلع ريقها الوهمي الجاف : آ آ .. كنت جالسة معاهم وبعدين " تهدج صوتها بالبكاء "
بتشجيع: وبعدين و ش صار ؟
تشبتت بي و هي تتحدث بخجل و ذعر : بعدين .. شكيت بهم لانهم كل ما قربت منهم تسحبوا بعيد عني
بدون ماينتبهون علي .. وبغفلة منهم سـ .. حبت الآيباد من يد ريتاج وشفت
دفنت رأسها أكثر و هي تنتفض بشكل مريع
شددتُ عليها بصدري بكل قوة وقد انبث شيء من خوفها لقلبي : هدي يا هوازن و تكلمي
بصوت باكي متقطع : شفـ...تهم يلعبون وهاللعبة فيها دردشة تخيل يالكاسر وش كانت تدور عليه الدردشة
كـ....انت بين بناتنا و بلقيس بنت عُطرة مع أولاد بأعمارهم يتكلمون عن ليلة جنسية
جحظت عيناي لهول الصدمة لأقتلع رأسها عن صدري و انا أقول : زنا مجازي
لتهز رأسها بالموافقة
يا إلهي هل يعقل أن أطفال لايتجاوزن
العاشرة من عمرهم يفقهون بهكذا أمور !
الزنا المجازي هو كالزنا الفعلي إلا أنه بالكتابة
و لا تنطبق عليه أحكام الزنا الفعلي
الزنا المجازي من مقدمات الزنا الفعلي
لكن كبار هم من يقعون به
بائعون لعرضهم ودينهم
أيعقل بأن أطفال يتحدثون بهكذا أمور
تمتمت : لا حول ولاقوة إلا بالله هدي يا هوازن هدي و هالأجهزة لازم تنسحب منهم اسبوع اسبوعين
و لازم نعلمهم بالخطأ إلي انحطوا فيه .
هذه الأخطاء لا تعالج بالحرمان الأبدي
و لا تعالج بالضرب
فإن حرمتم و ضربتم
سينتابهم الفضول
فلما قد منعوا ؟
ثم سيغرقوا بهذا الخطأ أكثر فأكثر
والعواقب وخيمة فيما بعد
هنالك أساليب أرقى بالتعامل مع الأطفال .
***
الآن الساعة الرابعة عصراً
ساعةُ جنون الذكريات المميتة
طاهرة , عفيفة أنا يا معن
قذفتني باطلاً يا معن
و قذفني الطب باطلاً
فأصحبتُ الفاجرة
طُعنت بشرفي
و صبرت
و تجرعتُ علقم الظلم
جرعة تلوها جرعة
و تكادست الجرعات
فلم يعد للصبر مجال
فلا أريد تذوق المزيد من الجرعات
إكتفيت
كف عن ظلمي يا معن
إنصفني لمرة واحدة
فلتقل عند طاهرة
واقسم أني سأعفو عن خطاياك
فلتثق بي
ثق وصدقني سأكون عند ثقتك
عاوني وساندني لأُثبت براءتي
و لا تبتعد ليصيبني القنوط
هل بالفعل انا كنتُ مفقودة البكارة !
هل بالفعل لم أكن عذارء عفيفة !
هل بالفعل دنستُ بثوبي !
هل وقعتُ بالزنا !
و أي زنا أقع به , وانا موقنة أني طاهرة
عذراء عفيفة
لم يمسها إنسي غيرك يا معن
و تعود ذاكرتي إلى اليوم الذي صدح فيه صوتي
و أعتلى ثم أختفى ومات
إلى يوم إحتضاري اليوم الذي يسبق يوم زفافنا
و بيوم زفافنا زففتني إلى ضريحي
بكفني يا معن وليس بفستاني
دخلتُ ككل يوم إلى حجرتك ولكن بهذا اليوم كنتُ بأبهى حلة
و أجمل مظهر
بفستان باللون المفضل لك ولي اللون الأحمر
و شعري كان آنذاك مصبوغ بالبني مدرج
منسدل على ظهري المفضوح
أول ما رأيتني توسعت عيناك
جحظت بطريقة مخيفة
لم ينطبق جفناك على عينيك إطلاقاً
كانت عيناك مغطاة بطبقة ثلج جافة
لا تذوب بتاتاً وإن تواجدت عوامل الإنصهار
وذاك لعاب يسيل من فمك الشبه مفتوح
إجتاح قلبي الفزع
رهبةٌ جعلت جسدي ينتفض
و أسناني تضرب ببعضها
إقتربتُ منك
وضعتُ يدي بوجنتك أحركها بنعومة على ذقنك الخشن , وبخوف : معن وش فيك ؟
تقطعت أنفاسك لتقول : قلـ..بـي
و ضعتُ يدي اليسرى موضع قلبك بالجانب الأيسر بينما يدي الأخرى تلدك وجنتك
و بلغ خوفي منتهاه : معـــن إشبك ؟؟
فوضعت يدك فوق ذراعي الممتدة إلى وجنتك و أخذت تلثمها من أسفلها لأعلها
تعالت خفقات قلبي
تماطرتُ خجلاً
فمطرتني لذة
و تبادلنا المشاعر
بكل جنون
بكل حب
و في غمرة اللذة
إنتفض جسدك بجزع
تراجعت خطواتك للخلف
و هوى قلبي أرضاً
وانت تقول بغير تصديق : ما انتِ بنت ؟ !!!!!!
ثم لطمت خدك وانت تردد بضعف : ما انتِ بنـــــــــــــــت !!!
حينها أُغلقت كل الأبواب
و ماتت عُطرة القوية لتصبح هشةً كسيرة
إقتربت مني و أمسكت بكتفي العاري تهزني بقوة و تصرخ
و أنا أبكـــــــــي
و أبكـــــــي
فينقلب بكائي وعيلاً قاتلاً
مستميتة بما قذفتني به
صفعتني بيدك الفولاذية بوجنتي اليمنى فلحقتها باليسرى
دواليك اليمنى فاليسرى
و لاحول مني و لا قوة
و زففتُ إلى الضريح بكفني
قتيلة بالظلم
تسرعت كثيراً يا معن بالحكم
أتظن ان الدماء دليل العفافة !
كما في بعض العوائل إذا أُغرق
المنديل دماً كانت الفتاة طاهرة !
أي جهلٍ هذا بربكم !
طعنتني بشرفي ومضيت
و لكن معك بعض الحق
فالطب بصفك !
و بعدها بيوم جلدتني
و جلدت قوتي
أصبحتُ أخاف يديك إن إرتفعت بالهواء
أهاب جلدة تنحفر أثارها سنيناً بجسدي
و أخاف صفعة لشدتها أُصاب بالعمى
و أي عمى أُصاب به !
وأنا أشعر بالعمى
فلا أرى إلا عتمة
الدنيا سوداء حولي
لا طعم و لا لون و لا معنى
أُصيب قلبي بالتبلد
فلم أعد أميز بين الأشياء
ظلمتني يا معن
فظلمتُ أنا نفسي .
تنهدتُ بضيق و أنا أفتح ثلاجة المطبخ و أتناول زجاجة الماء
لأرتشف البارد الكثير
على أمل أن ينطفىء الحار الغزير بجوفي
و ياليته بالفعل ينطفىء .
***
نظمتُ الخيط باالإبرة
و أخذتُ أخيط إزرار قميصي
هذه الدنيا في غاية الغرابة
نحن نخيط إزرار لنلبس سنين !
وهم يرمون لباس يوم سقط إزراره !
بالرغم من أن حالنا جيد
فعبدالقوي لا يقصر بالرواتب
بل ويعطينا أكثر من اللازم
إلا أني لا أحبذ البذخ الزائد و التبذير فقد قال سبحانه وتعالى : " ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا اخوان الشياطين " .
فقد قرن سبحانه وتعالى المبذر بالشيطان
و أيضاً لا يوجد ما أشغل به نفسي حالما أنتهي من عملي
لذلك أُمارس إحدى هوايتي ألا وهي الخياطة
هبت نسائم عليلة فحركت خماري لأعلى
أنزلته لأسفل و أنا أركز بالخياطة و أفكر بعُزوف
فبالأمس عند سهرتي مع عُزوف شعرتُ أنها بضيقٍ يغالب ضيقي
شعرتُ بالكثير من الأسى بحديثها
عيناها مساحة حزن لا محدودة
كانت تضحك وكأنها تبكي !
لأول مرة أراها هكذا , وكأنها قانطة من شيءٍ ما !
ببداية الأمر ظننتُ أن حزنها هو عدم إنجابها و لكن بعدما طلبت مني أن أنقش لها بدأ شيءٌ من حزنها يتضح
يبدو أن هنالك معضلةً بينها وبين زوجها
أعانها الله
المضحك أني أفكر بمشاكل الغير
وكأن حياتي لا يشوبها الألم
في ماذا أفكر فيك يا ركاض ؟!
مللتُ التفكير بك
مللتُ أكاذبيك
مللتُ خيانتك
مللتُ غبائي المستمر
و كأني بمارثوان
على ساحة السباق مع الزمن
يمضي يوم وآخر
يجرها شهر فسنة
ولم أجني ثمر !
لأني وفقط بلهاء
لم أشغل وقتي إلا بالتفكير بك
و العجيب بهذا كله أنني كنتُ بالرابعة عشر من عمري
ألبس ما يغري !
لأجذب أنظارك !
و اليوم أنا بالعشرين و أفكاري لم تكبر البتة
و كأن جسدي يطول و يتوسع و دماغي متحجر , متوقف
بعيداً عن هذه التفاهات إلى ما هو ذو أهمية
إلى أبي ظانع و الحرب القائمة بيني وبينه
على المحور عبد القوي
هه وعلى ذكرى عبد القوي ها هو أبي ظانع
يلوح بيده لي لأقترب منه
" جبنا سيرة القط جا ينط "
أصبحتُ لا أذكر أبي إلا بسوء
قد نسيتُ جميع حسناته
نعم نحن البشر هكذا ننسى جمائل سنين لضرر يوم !
و أنا لا أختلف عن أخواني البشر و لا أتميز عنهم
لهم مميزاتهم ولي مميزاتي و لهم عيوبهم ولي عيوبي
فالكمال لله وحده
توكأت بيدي على العشب الأخضر لأقوم , إقتربتُ منه بهدوء
سحبتُ الكرسي للوارء قليلاً لأجلس
رفعتُ عيني إليه : وش تبغى يا ابوي ؟
إبتسم و بزغت السعادة بمعالم وجهه : سمعي يا مارسة الشيخ عبد القوي مايريد حد ينظف مكتبه غيرك فاهمتن علي
بإمتعاض : وليه انا يا ابوي ؟
أشار إلي بسبابته وهو يقول بحزم : هذا شور الشيخ عبدالقوي وبعد شوره مابه شور .
بإستسلام مصحوب بالضيق : حاضر يا ابوي .
أخفضتُ أنظاري إلى قميصي و الأبرة
تابع حديثه بما ضغط على رقبتي و كتم أنفاسي حتى شعرتُ بالموت : سمعي يا مارسة لا جيتي تنظفي مكتب الشيخ هالخمار تركيه
ر هالحجاب بكبره ما اريده إن دخل عليك و شافك تظاهري بالإنشغال حتى يتماثل له غفلتك عن حضوره
ثم بعد كذيا تظاهري بالفزعة و رفعي غطاتك على وجهك فاهمتن علي ؟
برفض تام وصوتي بدأ بالعلو : لا يايبــــــــه ما ني بمرخصة نفسي , ولا هو واجب علي طاعتك , طاعتك بالحلال واجبة يا ابوي
وان تعديت حدود الدين فطاعتك مرفوضة لأنك تآمر بمعصية .
ليقف هو على قدميه و يرجع الكرسي للخلف و يسقط الكرسي أرضاً و يهتز
بينما ذاك اللهيب يتفاقم بعيني أبي
أخذ يهزُ الطاولة بقوة
و اقترب مني
و رفع يده بالهواء
بينما أنا أخفضتُ رأسي لأسفل و أغمضتُ عيني
و مددتُ يدي لأعلى رأسي أدافع عن نفسي
بحركة لا إرادية
لكن لا صفعةً وصلتني
و لا قوةً أزهقتني
و لا قسوة أهلكتني
أبعدتُ يدي عن رأسي قليلاً
لأرى يداً تقيد يدي أبي
أدرتُ رأسي للخلف
فإذا بها يد عبدالقوي
تُمسك بيد أبي ناهيه عن ضربي !!!
إبتلعتُ ريقي
و قمتُ من على الكرسي
و أنا أجُر خطواتي إلى المنزل
تحت أنظار عبدالقوي المتفحصة
وأنظار أبي ظانع المتوعدة
*
*
منذُ الساعة الخامسة عصراً إلى الآن الخامسة و النصف
و أنا قاعد بالحديقة أُكمل أعمالي
و على بعدٍ طويلٍ جداً تجلس تلك المحجبة
التي لا يظهر منها شيء غير كفاها
تخيط رداءً و أنا بين الفنية و الأخرى أرفع عيناي إليها
أراقبها بلا شعور مني
حتى تقوم من أرضها لتجلس على الكرسي قُدام أباها ظانع ويفصل بينهما طاولة كبيرة
فلا يتضح لي إلا ظهرها
اما ظانع فكان في بداية أمره مبتهجاً وما إن تحدث معها حتى يكفهر وجهه و يتجهم و تنقبض اسارير وجهه
ضحكتُ بيني وبين نفسي بسخرية و أنا أردد : ماوراهن غير الكدر .
لكن حينما وقف و أرتطم الكرسي بالأرض , وهز الطاولة بتلك القوة
علمتُ حينها أنه سيضربها ضرباً مبرحاً
قمتُ من الكرسي و كأني آلة
متوجهاً إليهم أركض بقوة
و أنفاسي تُقطع لطول المسافة و عجزي
و الحمدلله وصلتُ بالوقت المناسب لأُمسك بيديه
أعتصرها و أمنعه عن ضربها
و أنا أحدق بها
و لا أدري
لا أدري
كيف فعلتُ هذا ؟
كيف وصللتُ إلى هنا ؟!
و كيف قطعتُ هذه المسافة بهذه السرعة ؟!
و لما ؟
لأجــــــــــل إمرأة !!!
أشعر بالحرج من نظرات ظانع المستغربة من حالي
انا بالأصل مستغرب من نفسي , فكيف هو ؟
أنزلتُ يدي التي تقيد يده و أنا أعطيه ظهري و أمضي بعيداً حيث كنت
كيف سأقابلك يا ظانع بعد موقفي هذا
أهذا انا عبد القوي شيخ القبيلة
أهذا انا الذي يبغض بنات حواء
لا أنت اقوى من هذا يا عبدالقوي
هذه نزوة وفقط
و أنت عبدالقوي كما كنت .
***
نظرتُ إلى الساعة التي تحيط معصمي , تشير إلى السابعة والنصف بعد غروب الشمس
رفعتُ عيني إلى متعب الذي يقول : وش تبون اطلب
قلت : مثل دايماً قهوة سادة .
نظر إلى صديقه الدكتور النفسي " مشعل " : وانت وش تبي ؟
قال بإبتسامة : موكا , هاه انت يا متعب مرتين تقهويني بمناسبة اني دكتور جديد بهالمستشفى
و هذا صاحبك القرد ما كلف على عمره يحتفل بتواجدي
ضحكتُ و أنا أتراجع بجسدي للخلف حتى اصطدم بالكرسي : و لا عليك يا جديد , انا الي بشتريلك الموكا يالنفسي .
نظر إلي بحنق : نفسي هاه وش فيهم النفسيين والله اني احب كل مرضاي .
حركتُ يدي بالهواء وانا أقول بسخرية على وجه المزح : سلامتك بس مجانين مثل دكتورهم المجنون .
تسند بيديه على الطاولة وبجدية : الأغلب يحسبون الي يلجأ لدكتور نفسي مجنون هذا تفكير مجتمعاتنا الشرقية المعقدة
المرض النفسي هو اضطراب و ضغط داخلي بحيث الشخص يجمع الهموم بداخله و ما يشتكي لأحد و هم على هم
تزيد همومه وهالشي نتيجته تصرفات سلبية لا إرادية و إحساس بالملل بكل لحظة مهما جدد بحياته .
عانقتُ بيدي صدري و نظرتُ إليه بنصف عيني : خلاص توبة يالنفسي ما عاد بنكلمك عن نفسيينك دام دفعاك صارم .
قمتُ من على الكرسي , أخطو إلى الكافيتريا .
و انا أستمع إلى صوت ضحكه .
***
أخذ يدفعني بوسادة الريش و أنا أقفز فوق الكنب و ابتعد عنه , و أمي غزال تضحك بسعادة
ركضتُ بسرعة مبتعدة عنه و توقفتُ قليلاً و أنا أقذف بحذائي الأبيض بعيداً عني
لأكمل الجري بسرعة أكبر
و عمي جلال يجري خلفي و يكاد يسقط لشدة تعبه وهو يهتف : انهااار و قفـ..ي
لم أعره اهتماماً وانا أزيد من سرعتي لينتهي بي المطاف عند كنبتين فقفزتُ بينهما
لأقف خلفهما و خلفي الجدار
إبتسم هو بإنتصار , و وضع يده على قلبه : واخيراً بفوز
أملتُ فمي جانبا , وبزعل مصحوب بدلع : عموووووو
قالت أمي وهي تقطع مغامرتنا , وبيدها الهاتف : انهار يمه , صحبتك نوال تقولك خلصتِ البحث .
شهقتُ بقوة وبفزع
و أنا اقفز و أخرج من بين الكنبتين
وضعتُ يدي بفمي , نظرتُ إلى الساعة الكبيرة المعلقة بالجدار تشير إلى التاسعة ليلاً , هززتُ رأسي بالنفي :لااااااااااا نسيت ياويلي يا ويلي .
جريتُ بسرعة إلى غرفتي
يا إلهي كيف نسيتُ البحث ؟!
كله بسبب المجهول , نعم بسببه لم أعد أفكر جيداً فتفكيري اصبح محصور عليه دون غيره
تأففتُ بضيق وانا اتمتم : ولين متى ببقى على هالحال اففففف .
دخلتُ إلى غرفتي , توجهتُ مباشرةً إلى مكتبي
لأجد مجلد كبير واقع عليه
فتحتُ المجلد وعيناي تتوسع دهشة , فهذا هو البحث المطلوب مني بالجامعة
أخذتُ أقلب صفحاته المحصورة بين غلافين
و ما أن وصلتُ إلى الصفحة الأخيرة حتى أجد بها ورقة بيضاء صغيرة كُتب بها : لا تخافي
و بالأسفل : يوم 6 : اللون الأخضر - الإطمئنان .
جلستُ على سريري و أفكاري في البعيد المجهول , وبيدي الورقة مزقة
مزقتها لأُمزق شيئاً من الضغط بداخلي
لم أعد أحتمل من ذا الذي يعلم كل أموري ؟ !
ولما يهتم بي ؟
ألا تحبي يا أنهار أن يهتم بكِ شخصٌ ما !
نعم أحب , لكن ليس بهذه الطريقة
إرتميتُ بجسدي على السرير وانا أحتضن وسادتي لصدري وأدفن رأسي بها
لكن يبقى هنالك على أرضنا من أنا أشغل أفكاره
شعور جميــل يداعب انوثتي
و ماذا بعدُ يا أنهار , لا تنجرفي و لا تنخدعي فهذا ان كان بالفعل يهتم بكِ و يريدكِ لكان تقدم إليكِ على سنة الله و رسوله
نعم ما الذي دهاكِ لا تفكري به بهذه الطريقة السخيفة .
***
أخذ يجري بإتجاهي و أنا قاعد بمكاني أمد يدي للناس شحاذ ليس إلا
ضرب قدمه بالأرض وهو يمد يده إلي يقول بعجلة و وجهه مخطوف : قم قم يا اغيد تعال شوف ما شافت عيوني
نظرتُ إليه بإستغراب فإذا به يربط يدي بيديه ليرفعني عن الأرض بسرعة
و يسحبني خلفه مشينا مسافة طويلة
فإذا به يدخلني " دورات المياه " المجانبة لمحطة الوقود
قال لي بصوتً خافت : اسكت لا تتكلم ابد .
سحبني إلى أحد الدورات و دخل خلفي وهو يغلق الباب
نظرتُ إليه بإستغراب
فأشار إلى فمه " بمعنى أسكت "
أحاط بخصري و رفعني لأعلى بما أني أقصر منه
لأرى من بالحمام المجاور , فإذا بي أرى ذلك الضخم الذي يراقبنا و يتولانا ويجلدنا
او كما يدعوه اصدقائي مبتوروا اليد " غريب الأطوار "
***
إنتهى الجحيم
استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .
و بنثبت على موعد واحد والي هو كل سبت جحيم بس تراني ما قصد السبت الجاي لا الي بعده
السبت يناسبني سواء بالعطلة او بالمدرسة
كونوا بخير $