الجحيـــم
(55)
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
بالكاد مضت الأسبوعين كانت ثقيلة بطيئة و مرهقة
هي تبكي ليل نهار , و هو يلومها كل ليلة
هي تُحاول النسيان , وهو يُذكرها بأنها السبب
هي تُمثلني أنا معزوفة ناجي
قارورة ناجي
لا والله يا ناجي إنك لكاذب
ما أنا بمعزوفة ولا أنا بقارورة
أنا حيزبونٌ بجحيمك يا ناجي
عشتً معك أحد عشر سنين و رضيتُ بالأكثر سامحتك بشيءٍ كان بيدك إصلاحه و رغم هذا كنتّ أناني لا يهمك إلا ذاتك و حسب
و حينما كُتب لنا من ظروف الحياةِ أقساها و أشدها ألمًا أدخلتني بجحيمك و أنا التي لم أهنىء من جنتك
نعم مكثتُ بجحيمك أحد عشر سنة و مكثتُ بجنتك أشهرًا لم تكمل السنة
و عدتُ لجحيمك تارةً أخرى و اليوم أقسمتُ أن التجاعيد سترسي بي و أنا لازلتُ تحتك
أنا حيزبون الجحيم
و الآ يرمي بأنبوبِ كشف الحمل اتجاهي بكل إهانة
أتحرك بإتجاه دورةِ المياه وقلبي ينتفض
يالله إن كانت بداخلي روح سأموتُ وجعًا و يزيد هو وجعي وجعًا
نظرتُ للأنبوب و ضرباتُ قلبي تتعالى حتى هدأت و أسودت الدنيا من حولي .
***
الساعة الرابعة عصرًا , نظرت لي بنظراتٍ مشجعة و محفزة تهز رأسها ايجابًا لتعطيني القوة
القوة التي تجعلني اتصل عليه مضت أسبوعان و هي تحاولُ أن تدفعني للاعتراف
و لكن كل محاولتها قد باءت بالفشل و لكن بعد تفكيرٍ طويل وجدتُ أنه لا حل سوى الإفصاح
و هو كما اقحمني بالحرام عليه أن يجمعني بالحلال حتى أستر على فضيحتي قبل أن تبرز بطني
و يظهر للعيانِ حملي , حملي بالحرام حملي بما لا يرضاهُ الله
و بأصابع ترتعدُ خوفًا ترتعدُ مما يخفيه هو
كيف ستكون ردةَ فعلهِ ؟ هل سيرضى بالسترِ عليّ حتى ألد و يذهب كلٌ منّا بسبيلهِ
رنة فرنتان و لم يرد طالت عدد المكالمات وبكل مكاملة تنتهي باللارد أترك الهاتف وتدفعني نوال
للاتصال تارةً أخرى حتى أصابها اليأس و أصابني
لا يرد بعدما أخذ ما أخذ مني تركني أتقلب بالجحيم وهو في جناتِ النعيم
أمسكت بيدي قائلة بتفاؤل : بكرة بنحاول وبعده وبعده لما يرد و إن ما رد ففيه حلول ثانية اتماسكِ ولا تبكي أنا معك للآخر يا أنهار .
لا أستحقُ كل هذا يا نوال , طقوس الطيبة التي تعامليني بها تزيدُ من شعوري بالخيبة
خيبتي بخسارتي لمن يحبني مقابله " هو " معن الخائن .
***
كل الأسرار مهما حاولنا اخفاءها و جعلها خلف الستار يومًا ما سينقشع الستار ليُظهر ما يخفيه
و هذا السر الذي خبأتُه عن صغيرتي مي الوردة التي كبرت أمام عيني انقشع
لتعلم أنها ليست ابنة نائل , فالكذبة التي كذبتها كانت
,
أتت من مدرستها الابتدئية باكية حينها وقفتُ و مشيتُ بإتجاهها بخطواتٍ سريعة و بهلع : مي يا حبيبتي مالك بتعيطي ؟
اقتربت مني و غطست رأسها بفخذي لقصر قامتها آنذاك بكت وهي تحرك رأسها على فخذي يمنةً و يسرة : اليوم ده يا ماما رفئاتي سألوني انتي وين بباكي
ئلت لهم عند ربنا و ئالوا امال فينها مامتك ئلتلهم مامتي شكران بس انا عارفة انك مش ممتي انا فاكرة مامتي ميرنا ليه بابا و ماما مشيوا عند ربنا
و سابوني وحدي كده
أدخلتُ أصابعي ما بين خصلاتِ شعرها و أنا أشدها أكثر لفخذي و أنحني للأرض حتى يستقر رأسها بصدري احتضنتها لصدري بشدة و دمعة سقطت من عيني
دمعة من بين آلآف الدموع كم بكيتُ و بكيت يالله لك حكمتك يا إلهي حينما جلعت الزنا كبيرة من الكبائر منذُ ذلك اليوم لهذا والله إن ندمي يتفاقم
و جرحٌ عميق بصدر حبيبتي مي حتى بعدما بلغت لازالت متألمة و لازلتُ أخجل منها و بكل ليلة أتمتم في اذنها بكلمات الندم و الأسف وهي في سباتها العميق
منذ مولدك يا مي و أنا أعتذر و سأظل أعتذر يا صغيرتي حتى آخر يومٍ بحياتي
حينذآك همستُ لها : مي مالكش فيهم هما كل الناس هيروحوا عند ربنا انا دلوقتي جنبك و انتي بنتي و حبيبتي خلاص بئى لا تعطي هتزعليني منك كده
بكت أكثر وهي تحاول الابتعاد عن صدري قائلة بيأس : بس انتي مش مامتي انتي خالة انتي مش ماما, ماما سابتني ماما متحبنيش و بابا بيكرهني كلهم بيكرهوني
ما فيش حد يحبني انا كمان عاوزة اروح عند ربنا معاهم متى ربنا هياخدني و ارتاح بئى
أبعدتُ رأسها و أنا أمسح دموعها و أبكي بضعف أمام عينيها الحمراء : انتي هتبقي معايا و ربنا هياخدنا مع بعض خلاص انا احبك كتير انت ما تحبنيش ؟
هتروحي و تسيبني اعيط وحدي انا ايه الي هعملو بدونك يا حببتي
رفعتُ عيني على صوتِ أختي نورسين التي تضحك بمرح و هي ترفع بيدها كيس حلوى قائلة : ده كلو ليكي يا مي بس بشرط انك تتسبئي انتي واااا
حتى ظهرت من خلف الباب أختي جيلان : انتي وانا هنتسابىء والي هيفوز هياخد الحلاوة ايه رايك يا مي
قالت مي و قد أغراها العرض بكل براءة ببراءة الأطفال كلمة تنسيهم جُل همومهم حلوى تضحكهم لُعبة تجعلهم يتطايرون فرحًا : انا الي هفوز
وقفتا بجانب بعضهما و بدأت نورسين تعد للثلاثة و ركضتا و ضحكة صغيرتي مي تتعالى بسعادة
نظرتُ لنورسين بإمتنان بينما هي ابتسمت لي وعادت للنظر لفتاتي التي تركض
أخواتي رغم خذلاني لكما إلا أنكما تحاولون اسعادي قدر المستطاع شكرًا لكما على كل شيء .
و اليوم وبعد كل الدموع التي سببها لها بصغرها حتى بلوغها جاءت تطالبني برؤيته وبكل يوم تُلح عليّ حتى نسافر للسعودية
و تبحثُ عنه , ماذا تظنين يا مي ماذا تظنين يا فتاتي
أن يأخذك بالأحضان و يعترف بأنكِ فتاته !
ماذا دهاكِ يا صغيرتي كبرتِ و بدل أن يكبر حقدك صغر
صغر و زاد همي و ألمي
هذا الماضي الذي لا ولن ينتهي
هذه هي طرق الحرام
لا ينتهي ألمها بل و يبقى الجُرح مفتوحًا حتى يوم الحساب .
***
بتمامِ الساعة الخامسة و الربع عصرًا , نزلتُ من السيارة مع زوجي بإتجاه " السوبر ماركت " لشراء بعد الحاجيات التي تكفينا لقضاء
هذين اليومين بجدة ومن ثم الرجوعُ حيثُ أتينا , وقفتُ أمام معلبات التونة أنتقي الأنواع التي أفضلها و زوجي كان بالجوار : شف الخضروات خذلنا طماط و بصـ ..
وقبل أن أكمل سقطت أربعة علب للتونة كنتُ أضمها بيدي نحو جسدي انخفضتُ للأسفل لألتقاطها إلا أن زوجي قال بعتب : ارفعي نفسك يالمزنة
كمن مرة حذرتك من هالحركة و قلت لك ما تعجبني
ارتفعتُ عن الأرض احترامًا لرغبته و وقعت عيناي على هيكل رجلٍ ما , ما إن رآني رفعتُ ذاتي حتى اختفى ولم استطع رؤيته
بقيتُ أفكر للحظات إلا أني نفضتُ رأسي و أنا أردد : يالمزنة والله انك كبرتِ على فضول هالصغيرات اركدي الله يهديك
*
على الطرفِ الآخر هو يرتاح لبائع هذا السوبر ماركت ودائمًا يأتي ليقعد معه بأوقاتِ راحته
و اليوم جاء كعادته و أخذ يبحث عن البائع بين الأزقة و توقف بأحدهم
حينما وقعت عيناه على امرأة ترتدي حجاب رأسٍ ساتر إلا أنها تُظهر ذراعها اليمنى المكتنزة بأساور الذهب التي قد تقارب العشرين اسورة
هذه الهيئة استوقفتُه كثيرًا وحدث لذاكرته العجب العجاب
,
كان يتقدمها بالخطواتِ كثيرًا و هي تُحاول مجاراتُه بذاتِ هذا المظهر الذي لم يختلف عن الماضي و لو بقدرِ أُنملة
قالت له بعتب : هزاع عيبن عليك انتظرني
و لكنه لم يهتم و أخذ يُكمل خطواتهِ للأمام و هي من خلفه تراشقه بالكلمات
قال لها دون أن يدير ظهره مستهزئًا بها : والله ان من يشوفك ظن انك بالخمسين و هالبناجر تفارخين إبها ما هي بمفخرة آه لو تنظاري بنات
مصر يا عليهن ذوق .
عتبت عليه كثيرًا أي جرأة تي التي تقبع بداخله يتحدثُ أمامها عن فيتاتِ مصر دون حياء
كانت تحبه و تقسمُ أنه يُحبها أيضًا ولكن أخلاقياتهما كانت مختلفة
حدّ أن من رآهما نسيّ التشابه بينهما و كان جُل تركيزه بإختلاف الاخلاقيات
و أول ما يتبادر لذهن المتلقي لتصرفاتهما أنهما تربا ببيئةٍ مختلفة بالرغم من تربيتهما بذاتِ البيئة
و لكنهُ كان مراهقًا بشدة و كانت عاقلة بشدة
هي سُجنت بتلك القبيلة التي كان بها من الأفعال الصحيحة المرافقة للدين الشيء الكثير إلا أن أفعالها السيئة القليلة كانت تغلب
الصحيحة بسوؤها , أما هو فكان من فترةٍ لأخرى يخرج للمدن السعودية التي و إن كانت بذاك الوقت متحفظة بالدين إلا أنها لم تكن أفضل من القبيلة
و غير ذلك كان يسافر لمصر بأوقاتِ اجازتهِ القليلة .
,
دلك جبينه بقوة وهو يشعرُ بصداعٍ شديد
من تلك المرأة ومن هو هزاع !
يبدو أنه يقربُ لها , ليته أعطاهُ وجههُ ليراه
و لكن هو ما دخلهُ بهما !
على هذا الصوت الداخلي انخفضت عيناه لاصبعه الذي يحتضنُ خاتمًا عجز الجميع عن قراءةِ محتواه
هذا الخاتم الذي لا يستطيعُ التخلي عنه و لا يدري كيف انحبس بين اصابعه و لا يدري لماذا هو محتفظٌ بهِ لهذا الحين
قد تكون هيّ صاحبة الخاتم
و على هذا الصوت الداخلي سمع صوتًا من بعيد
,
بصوتٍ معجب : آه يا هزاع كانك تشوف الشيخ بو اصلان وش عطى مرته زبيدة قلادة ما شفت بزينها ما شاء الله إبها رموزٍ صعبة قلت إلها يازبيدة
سمحي لي أعرف معناها قالت لا يالمزنة هذا السر بين زوج و زوجته و ما هو بأي كلامٍ ينحكي
و حتى هذهِ الصورة الماضية يُصر بها هزاع أن لا يعطيهِ وجهه , قال لها بسخرية : احرجتِ نفسك انتِ و هالفضول الله يهديك , هالرموز الي تحكين عنها
سبابة بو اصلان تحتضن مثلها و كثير من يحكى عنه إلا انه ما فسخ الخاتم منهم من قال يشابه الحريم بأفعالهن و منهم من تساسر من تحت و ضحك وقال
مرتي تقول انه زوجته تحمل نفس هالرموز بقلادتها قالوا كبر و تخرفن بزوجته وما عاد شاف غيرها حتى البنات عيا يدفنهن تحت التربة و رباهن حتى كبرن
قالوا لعبت إبه زبيدة و شكلها ساحرته و منهم من تساسر من ورعان القبيلة وقال يحق إله يحبها هالكثر زبيدة ذي جوهرة لا انرفعت العباية بالغلط
و بان ساقها محدن غض الطرف عنها كثير من الحكي عن هالرموز و لكن مع الأيام بيتناسوها و انتِ بعد تركِ الفضول الله يهديك دايم محرجتنا بهالقبيلة
كل ما انذكرت مزنة قالوا ثرثارة القبيلة أو فضولها قاتلها و منهم من يقول فتانة
حينها احتقن وجه مزنة بالحُمرة نعم بهذه الصورة الماضية يرآها بوجهها , ملامحها السمراء عيناها المتوسطة الحجم الممتلئة بالكحل العربي
أنفها الشامخ و ثغرها كحلقةِ الخاتم بصغره , رمت عليهِ كرتونًا صغيرًا بين يديها و هي تقول بقهر : من ذول الي يقولون عني فتانة والله انهم ما يستحون
و انت يالرخمة مصدقهم انا وخيتك الكبيرة و عليك احترامي إن عجبتك و إن ما عجبتك غصبًا عنك تحترمني
حينها ضحك بشدة و هي يُقبلُ رأسها معتذرًا لها
و رضت عنهُ كعادتها تزعلُ بثواني و ترضى بأجزاءِ الثانية .
*
كفي عن هذا يا مزنة إنه متعب
غيبي كما كنتِ غائبة من ما يقارب عشر سنواتٍ عجاف
إنكِ ترهقينهُ صداعٌ شديد يغزو رأسهُ حتى رؤيته صارت ضبابية
يشعرُ لو أنه خرج من سيارتهِ التاكسي سيسقطُ أرضًا لشدةِ وجعه .
***
عاودتُ الاتصال عليهِ مجددًا بعد إلحاحِ نوال عليّ إلا أنه و كما المتوقع لم يرد
حينها قالت نوال وهي تقف بجانب شماعةِ الملابس و ترمي عليّ عباءتي : قومي معايا بنروح للشركة و نطلبه
حركتُ رأسي بالرفض و مجرد التخيل أني ساعودُ لرؤيته جعل جسدي يرتعد من أعلى رأسي لأخمصَ أقدامي
تكورتُ على نفسي جلستُ القرفصاء و ذرفت عيناي الدموع رغمًا عني و ما غاب عن بالي من بأحشائي ولو بلحظة
شعرتُ بربت نوال على كتفي بنعومة و بصوتها الحنون الدافىء : يا أنهار والله اني بكون معاكِ خطوة خطوة اذا قعدتِ كذا خايفة بتخسري فوق
خسارتك خليه يستر عليك ولا ولدتِ يتركك و ما هو بشرط تكونوا بالبيت زوج و زوجته انتِ قولي له زواجكم بالاسم بس يعني حتى ماله داعي يدخل
بيتك كلن يعيش بحاله و بيوم ولادتك على طول اطلبي الطلاق هذا كله لمصلحتك .
بكيتُ بصوتٍ عالٍ و احتضنتني تهدأ من روعي و بعد مرورِ الوقت بدأتُ أهدأ وحاولتُ مجاراتها بأفكارها
سأذهب معها للشركة هيّ وعدتني أنها ستكون بالجوار وهو ضعيفٌ واهن يحبُ الظهور أمام الجميع بأنه الأفضل فلن يجرأ أن يقترب مني
و هي معنا على هذه الفكرة ارتديتُ عباءتي و هي ابتسمت لي
إلا أني لم أستطع أن أرد لها الابتسامة فأنا لا أستحقُ أن أضحك سأبقى طيلة حياتي أشعرُ بالذنب
و بقرارةِ نفسي أعلم وهي تعلم أنه و إن قبل بالزيجةِ مني
فمن بأحشائي هو الحرام و إن سُجل بإسمه
نعم , تقعُ بناتُ آدم بالحرام و من ثم يطالبون بالستر منهم من يستتر
ولكنهم استتروا عن العالم أجمع و بقي ربُ هذا العالم
نعم ينسوهُ بكل بساطة و يحاولوا متابعةَ حياتهم
دائمًا ما تضحكني هذه القصص و كاتبي الروايات حينما يصورون ظاهرة الزنا و كأنها توازي حكم سماعِ الموسيقى
بكل بساطة يتحدثون و يجدون الحلول يكمل البطلان حياتهما على أحسن وجه و كأنهما لم يقعا بأحد الموبقاتِ السبع
و بعد كل هذا يكون مبرر الكاتب إن الله غفورٌ رحيم !
أوليس الله شديد العقاب ! أم أننا نأخذ ما يروق لنا و نترك ما لا يروق
حقًا عجبًا لكم يا أمةَ محمد خسئتم و خسئت أفكاركم السطحية و مبرراتكم الواهية
تبًا لقومٍ يدّعُون أنهم الأفضل على الدوام و ما هم بالأفضل
بل و تبًا لقومٍ يشجعون الحرام
و لا سامح الله من كان يملك علمًا فكتمه و لم ينصح
يغرقُ من حولهِ من القارب وهو يبقى واقفًا شامخًا
و بكل أنانية ينظرُ لهم و يضحك
أخالطهم ولكني لم ولن أفعلُ ما يفعلون
و نسيّ أنهُ سبحانه قد حرص على الأمرِ بالمعروف و النهي عن المنكر .
***
بتمامِ الساعةِ السابعة مساءً , كنتُ مستلقية على السرير و أنظرُ للفراغِ بلا هدف يُذكر , كثرة الوجع و الضيم بقلبي جعلت مني جمادًا لا أشعر
أو قد أكون أشعر ولكن أتجاهلُ شعوري أحاولُ الهرب من واقعي المأزوم , أحاولُ أن لا أبكي أحاول أن أكون قوية قدر المستطاع
و لو لمرة بحياتي أحاول أن أكون معزوفةً قوية لا بمعزوفةِ شجنٍ و حزن ولا بمعزوفةٍ رومانسية
و المعضلة بكل هذا أني أحاول تلبس القوة بأكثر الأمور ألمًا و أكثرها وجعًا
بأكبر معضلاتِ الحياة اختلاط النسب
أنا حُبلى بالاختلاط قُتلت
انقتلت كل الحياة بداخلي , أنا انتهيت أنا انكسرت
لم أعد احتاجُ للبكاء لقد بكيتُ بموتِ أبي و أمي
بكيتُ بزواجي من ناجي وحينما أحببتُه بكيتُ معاملتُه السيئة لي
بكيتُ أني انثى لا تفتن الرجل كما هو قد ادعى
بكيتُ طفلاً أريده, و حينما اقترب مني و اقترب اليوم الموعود للقاءِ الطفل
طالت الأشهر فظننتُ أني امرأةٌ عقيم
حينما صارت مارسة حامل انقهرت و زاد قهري بكلامها البذيء لي بسخريتها مني
بأن لي أحد عشر سنة بلا طفل و هي التي لم تُكمل السنة قد حملت من خالي
حملت من رجلٍ عاجز , بكيتُ بشدة حينها و زاد بكائي حينما قالت أني امرأةٌ عقيم و ناجي يستحق طفلاً يرفعُ اسمه
فقلتُ يا ناجي تزوج لأسعدهُ على حسابِ ذاتي
حينما وافق على التلقيح الصناعي و تم على خير و ظننتُ أن الحياةَ تبتسمُ لي
عبست الحياة و ساءت لم تضحك لي آلمتني أبكتني و أوجعتني جعلتني اتخبطُ بما حولي
و حينما ثبت الحمل بالاختلاط قُتل الشعور بداخلي
جفت دموعي و قسى قلبي لقد توجعتُ بما يكفي و بكيتُ بما يزيد عن الحد الطبيعي
و حان الوقتُ لأهتم لذاتي فقد آمنت أن الحياةَ تقسو كلما كبرتُ بالعمر و أن هذه المعضلة ستكون في يومٍ ما أصغر من غيرها
لذلك سأكون أنانية و أحبُ ذاتي لبقية العمر فقد أفنيتُ عمري لغيري ولم أستفد شيئًا
و قاطع أحاديثي النفسية صوتُه الذي لم أعد أطيقه صار نزقًا كنزاقةِ الحياة , بصوتٍ خافت و هو يجلسُ على السرير من الجهةِ الأخرى
وأنا مستلقية اعطيهِ ظهري : بيتحاسبوا على اهمالهم لكن بعد ايش ؟! , إن كانت الكسرات الماضية كسرة ظهر فهاذي كسرة الحياة فكرت بيني وبين نفسي كثير هالطفل وش مصيره شنسوي فيه ما كان قدامي الا نبيد الحرام بالحرام
هو اختلاط نسب ما يرضاه الله نبيده بالاجهاض الي ايضًا ما يرضاه الله , صعب يكبر قدامنا و احنا نعرف ايش وضعه ومن يكون , صعب اربيه صعب اكبره
صعبة صعبة كثير هالطفل لازم ينزل مثل ما دخل و بالشهور الأولى الاجهاض يكون سهل فإنتِ بتسافري لمصر معي منها اشوف أخوي ركاض و منها تجهضي .
بعدما صمت ينتظر اجابتي مررتُ بيدي على بطني و شعور الأمومة تفجر بداخلي بعد حديثه ماذا لو ربيته و كبر , قبضتُ على بطني بقوةٍ أكبر
و بعينان مشتاقة لا تراها عيناه : خليه وش فيه لو كبرناه و ربيناه خلاص هذا نصيبنا و نرضى فيه أنا ابيه و ما بتخلى عنه مو يوم ما احمل
انهي كل شي أنا الي صبرت احدعشر سنة على ظلمك و جورك مو إنت صبرت و أنا سليمة بإمكاني اجيب طفل يملي حياتي فرح , و اليوم إنت مالك
أي حق تقرر أنا الي أقرر و أنا ابيه تفهم وش يعني ابيه أنا الي بربيه وبكبره إنت لا تعتبره ولدك و إذا مرة ما تبيه طلقني وما يصير لك
علاقة لا فيه ولا فيني لأني فقدت الأمل اني اجيب طفل منك كفاية صبر و ذل و ضعف و هوان جاه اليوم الي أكون فيه أنانية لنفسي وأنا ابي هالطفل
لنفسي مو انه دخل بالحرام يعني يخرج بالحرام هاذي إرادة ربنا نحن نريد والله يفعل ما يريد .
قبض بيدهِ على ذراعي ولفني بإتجاهه وبصوتٍ مستنكر : تبيه !! , هذا صبرك احد عشر سنة ! تبين طفل مو من دمك ! اصبري زيادة ما بعد الصبر إلا الفرج
و هالطفل لازم ينتهي حياة هالطفل بيننا دمار راح يظل أسوء ذكرى بيننا , و إذا إنتِ رضيتي فيه أنا مو راضـــي تفهمي مو راضـ
قبل أن يكمل حاولتُ التملص من قبضتهِ المحكمة و بإصرار : أنا راااااضيــــة و أنا بربيه و إنت إذا مو عاجبك طلقني من اليوم , اعتقني و خليني
أعيش حياتي مثل ما ابي , كفاية عطيتك أكثر من الي تستحقه بكثير و انت عمرك ما عطيتني شي يادوب شمعة أمل و تنطفي من لحظة ما ضوت و انورت
وضع يدهُ خلف ظهري وشدني إليهِ بقوة حتى أحسستُ أن تنفسي بدأ يضعف و بصوتٍ خرج من بين أسنانه : طلاق مو مطلق لو تنطبق سما ربي على أرضه
الطلاق شيليه من بالك إذا انتِ مستغنية عني أنا ما أقدر أستغني عنك و ما دام إنه ما لي حاجة بالطفل إذًا حتى إنتِ مالك حاجة بالطفل
حاولتُ أن أحرك جسدي و أضربه بصدره حاولتُ ولم أستطع وبصوتٍ كسير : دايم انت كذا أناني أهم شي نفسك أنا أموت أنقتل عادي و دايمًا أنا المضحية
أنا الي أعطيك و عمرك ما عطيتني عطيتك عمري عطيتك انوثتي و قتلتها بكلامك السم عطيتك حبي و ما عطيتني بحياتك إلا الأنانية انت عمرك ما حبيتني
و إن كنت حبيتني فهذا حب تملك تبيني لك كأني لعبة بيد طفل , لكن لا عُزوف ذيك ماتت انساها و إذا إنت مالك حاجة بالطفل أنا مالي حاجة فيك .
طبع قُبلة بجبيني كانت حارقة كوقع الجمر : هششش كلامي ما ينعاد إنتِ لي والطفل ما لنا حاجة فيه , أعطيك مهلة أسبوع بالكثير أسبوعين ترتبي
أوضاعك و نسافر لا تطولي لأنه كل ما طالت المدة كل ما صار الإجهاض أصعب و كل ما صار تعلقك بالجنين أكثر فاختصريها على نفسك و لا تعقديها كثر ما هي معقدة .
و عاد ليطبع قُبلة على شفتاي لم أشاركهُ بها و لم أشعر بمذاقها كالمرات ِالسابقة .
***
بعد صلاةِ العشاء , دخلتُ مؤسسة وشركة عبدالقوي و ابناؤه تحت تشجيعٍ من صديقتي نوال
و لأول مرة أدخل الشركة و أنا أشعر بالخوف توجهتُ حيث مكتب معن
و حالما رآني السكرتير وقف بإحترام وهو الذي يعرفني فكم من مرة أتيتُ لهنا و بحوزتي ورق من شركتنا
قال السكرتير : أستاذة أنهار أخدمك بشي
أشرتُ بإصبعي إلى مكتبِ معن : في كلام بيني وبين الأستاذ معن بخصوص الشركة
حرك رأسهُ ايجابًا قائلاً : ثواني أستأذن منه يا أستاذة , و تفضلي اجلسي
لكني لم أجلس و أخذتُ أنتقل بعيني حول المكتب أما أفكاري كانت كحاسبٍ آلي أمره المستخدم بالتنفيذ فكان خادمًا مطيعًا
كطابعة حفظت النص و حان الوقت لتخرجه , حفظتُ ما يتوجب قوله و سأنفذُ ما أمرتُ بهِ من نوال
خرج السكرتير ناظرًا لي و بأسف : أعتذر يا أستاذة أستاذ معن رفض مقابلتك
تقدمتُ بإتجاه المكتب و أنا أتجاهل نداء السكرتير : يا أستاذة لحظة ما ينفع تدخلي برتب لك موعد ثاني معاه
وحينما وضعتُ يدي على مقبض الباب وضع السكرتير يداه على ذراعي يمنعني من الدخول إلا أني نظرتُ لهُ بحدة و أنا أنفضُ ذراعي من بين يديه
: يدك ما تمدها علي فاهم
سحب يده من على ذراعي معتذرًا : آسف يا أستاذة لكن هاذي الأوامر
فتحتُ الباب و تجاهلتُه دخل من ورائي قائلاً بإعتذار : أستاذ معن أعتـ
رفع معن رأسه ناظرًا للسكرتير : اخرج و قفل الباب يا عبدالله .
سمعتُ صوت إغلاق الباب و ما تبقى بالحجرةِ سوانا
قال و كأنه لا يعرفني : تفضلي أستاذة أنهار , حابة تشربي شي ؟
لهولِ صدمتي من ردةِ فعله نسيتُ ما يتوجب عليّ فعله و نسيتُ كل ما حفظتُه
و قفتُ أمام المكتب مباشرة و أنا أنظرُ لهُ بحيرة بينما هو قال : أستاذة أنهار تفضلي
قبضتُ بيدي على طرف مكتبه القاتم و بلاصبر : معن أرجوك اترك عنك التمثيل
ظهرت شبح ابتسامة مستهزئة على شفتيه سرعان ما اختفت وقال بجدية : اظن احنا بمكان عمل أستاذة أنهار و كفاية دخلتك بعد ما انفصلت الشركيتن عن بعض
و ما صار بيننا و بينك أي معاملات .
عقدتُ حاجبي و بسخرية : اها قلت لي مكان عمل و ما كأنه لعبك و كذبك علي كان بمكان عمل ! , ولا وقت تحب يصير مكان عمل و وقت تحب يصير مكان هزل
و بعدين متى بيكون الهزل أنا لي مدة طويلة اتصل عليك و انت متجاهل ما كلفت على نفسك ترد و الحين مكان عمل والي بينا من هزل و معصية
وقلة أدب متى بينحل ؟!
احتقن وجهه بالحُمرة و بغضبٍ جامح : وطي صوتك هالكلام ما ينقال هنا هذا أولاً ثانيًا الي بيننا انتهى مو إنتِ كنتِ تبيني أرحمك و أتركك هذاني راحمك و تاركك
و اذا على النسخ الي معاي فبعطيكِ هي خلاص ما عاد لي حاجة فيك ِ .
بصوتٍ واهن و دموعي انهمرت رغمًا عني و أنا أشير لذاتي : ما عاد لك حاجة فيني , بعد ايش بعد ما صرت رخيصة بعد ما عطيتك شرفي بعد ما أمنت لك و صدقتك
بعد ايش جاوبني بعد ايش وبكل برود تقولي ما عاد لي حاجة فيكِ إنت من ايش مصنوع من ايش جاوب جاوبني .
جلستُ على الكرسي وجسدي ينتفضُ بشدة و أسناني تحتكُ ببعضها و عيناي لم تتوقف عن ذرف الدموع : قتلتني الله ينتقم منك و يآخذ حقي منك .
وضعتُ يدي على عيناي و أنا انتحب : و الله ما صرت اقدر احط عيني بعين أمي صرت أشوف نفسي عاااار حرام عليك الي سويته فيني إذا انت مالك حاجة فيني فأنا لي حاجة فيك
بآخذها و اتركك و لا كأنك تعرفيني و لا أعرفك .
قال بصوتٍ جامدٍ بارد أكد لي أن بكائي و ضعفي لا يعنيهِ شيئًا : والي هو ؟
حينها رفعتُ عيناي و نظرتُ له : تتزوجني
للوهلةِ الأولى و الثانية ظلّ صامتًا و بعدها أخذ يضحك و يزداد بالضحك حتى أن عيناهُ كانت تتلألأ بالدمع لشدةِ ضحكه
و كان يمسحها , بعدها مسح وجهه بالمنديل قائلاً : تبيني استر عليك وبعدين اطلقك و كلن يروح بطريقه و يجيك ذاك الأهبل الي يحسبك مطلقة
و زوجها السابق الي قرب منها وهذا كله بالزنا وين احنا بمسلسل مصري ولا كويتي و لا برواية مراهقين اصحي على نفسك و ارضي باللي قلته لك
و كل النسخ الي فيها سواد وجهك بتكون عندك أما إني استر عليك و أكون سبب بظلم حياة فرد ثاني و تصديقه لك فقطعًا لا .
بإستنكار : انت آخر واحد تتكلم عن الظلم أي ظلم بيكون بقوة ظلمك لي , و بعدين ليش انت شايف نفسك الشريف و إنت خنت زوجتك و عيالك و أهلك
و بكل بساطة تقول ما عاد لي حاجة فيكِ وخلينا ننهي الموضوع , الموضوع ما بينتهي دام في داخلي روح منــــــك .
حينها صار الصمت سيد الموقف لثانية ثانيتان دقيقة دقيقتان طالت للدقائق كنتُ بها أتنفسُ بصوتٍ مسموع و هو مستكينٌ كالصنم و ملامحه لا تدلُ على شيء .
***
كتب لي عبدالقوي ما وعدني بهِ ثلاثُ أراضي و زاد عليها ثلاثُ عماير
و ها هو أبي ظانع عبد المال يجلسُ أمامي و عينيه تبرق بسعادة : صدق يالمارسة كتب بإسمك من املاكه
نظرتُ لهُ بإشمئزاز و من ثم نظرتُ للجمادات من حولهِ دون النظرِ إليه : ايه كتب لي أرضين بالمدينة و عمارة بجدة و كلها بتكون لك
ابتسم أبي بمكرٍ و سعادة : هالحين إن كنتِ حابة بترك عبدلقوي لك ما تريدين يالمارسة لأنه ما عاد لك حاجة فيه
نظرتُ لهُ من أعلاه لأسفلهِ و بسخرية : والله و انت الصادق ما عاد لي حاجة فيك عبدالقوي يسواك و يسوى طوايفك كلهم الحين لا عاد توريني وجهك
و لا كأني بنتك أنا ولي أمري عبدالقوي و إنت ما عاد تعنيني .
نظر لي ببرود : والله إن مالك حاجة فيني يالمارسة حتى أنا مالي حاجة فيك , من بكرة تزهبي روحك بنضمي لمكتب العقار و تحولي هالأرضين و العمارة بإسمي .
حركتُ رأسي ايجابًا وما أن ابتعد حتى سقطت دموعي
نعم كنتُ أعلم أنه لا يرآني ابنةٌ لهُ يا قسوةَ قلبك يا أبي ظانع ما رأيتُ أبًا اقسى منك بأبنائه
أريدُ البكاءَ ليل نهار
أبكي قسوةَ أبي
و كذب ركاض
و حيلةَ أبي على عبدالقوي لأتزوج منه
زواجي من والدِ من أحببتُه
و كذبي على عبدالقوي
و خيانتي لهُ
و تبري أبي مني
يطولُ يطولُ البكاء حتى يجيء يومًا يجفُ فيهِ دمعي و يقسو فيه قلبي .
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $