الجحيـــم
(52)
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
و خرجتُ لقضاء الشيء الآخر الذي أريده , تحركت ُ حتى منزل زوج " نوال " صديقة أنهار
ضعطتُ على الجرس مرتين ولم يصلني أي صوت و تحركتُ إلى منزلِ عائلةِ " نوال "
طرقتُ الباب طرقة طرقتان و ثلاث حتى فُتح و خرج منه أخو نوال
سلمتُ عليه و من ثم سألتُه عن نوال فتغير لون وجهه
تداركتُ سؤالي بقولي : ابي أسألها عن أنهار لأن حالها شوي ما هو بعاجبني و نوال صديقة أنهار فيمكن العلم يكون عندها
أجاب بتلعثم و إرتباك : عمي أنا أعرف وش فيها أنهار
ضيقتُ عيني و بريب : وش تعرف عنها ؟
نظر للداخل و من ثم خرج و أغلق باب منزلهم من خلفه وقف أمامي في الشارع و بشيءٍ من التوتر : يوم حطيتها يا عم في بيتنا بالليل
اليوم الي رسلت فيه باقة الورد , الي صار يا عم إنها دخلت لبيتنا تبكي و تترجى أمي إنها تتركها تخرج و ما تقول لأحد عن خروجها من بيتنا
و إن أختي تستلم باقة الورد عنها و أمـ
و قبل أن يكمل صرختُ بغضب : كيف سمحتولها تخرج بهالوقت
بسط يده اليمنى و وضعها فاصلاً ما بيننا : ياعم اهدى , أمي قالت لها ما يصير إذا تبين أي مكان أنا و ولدي بنوصلك لكنها أصرت تروح مع سواقكم
أمي بعد إصرار وافقت لكن بدون ما تدري أنهار خلتني ألحق سيارة السواق عشان إذا صار لها شي لا قدر الله أفزع لها و الي صار ياعم إنها خلت السواق يوقفها بشارع
عام و نزلت من السيارة أنا استغربت كثير نزلتها بالشارع العام و قعدت بسيارتي أشوفها وين تتحرك , خلت السواق يمشي و دخلت لبيت
معزول حوله أراضي بلا مباني و المكان مظلم و مخيف حقيقة ما قدرت أدخل معها بصفتي ايش وتركتها لكن لهاليوم أحفظ العنوان و كل تفاصيل البيت
اكفهر وجهي و الغضب يغرس ذاتُه بأعصابي و بصوتٍ هادىء يُعاكس الزوبعة التي بداخلي : جزاك الله خير يا ولدي ما قصرت , لكن إذا ما عليك أمر
ابي العنوان .
فأعطاني العنوان تفصيلاً .
***
إبتسمت و سحبتُ هواءً طويلاً و أخرجته فنظر لي ناجي بسعادة : لو كنت أدري إن هالشي بيسعدك ما ترددت فيه ولا لحظة .
رددتُ لهُ الإبتسامة بحب من تحت نقابي مدّ يده ليدي و رفعها لفمه قبلني بعمق
ومن ثم قال بصوتٍ مبحوح : خلينا ننزل شوي و أتهور و أضيع مجهود اليوم
أول ما سمعتُ ما قاله خرجتُ من السيارة بسرعة بينما وصلتني صوت ضحكته العالية
إبتسمت بسعادة و أنا أتمتم : جعلني ما أبكيك .
وصلني صوته المبتسم : مين هذا الي جعلك ما تبكيه ؟
انتفضتُ بخوف و أنا أضع يدي بقلبي : بسم الله توك بالسيارة كيف لحقتني
وضع يده تحت إبطي وشدني إليه و بإبتسامة متلاعبة : همم نفسي أتهور
علمتُ أنه يتلاعب بأعصابي فقلتُ بقوة : عادي أتهور
رفع حاجبه و أخفض الآخر و عاد ليرفع المنخفض و يخفض المرتفع يتلاعب بهما بطريقة مضحكة : لا شرايك أتهور هنا أعطي العمال كورسات مرة وحدة
إحتقن وجهي حُمرة و بخجل : خلاص قليل أدب و ما تنعطي وجه
ألصق صدرهُ بظهري و همس بأذني : قولي الصراحة ماهي بحلوة قلة الأدب هاذي و بذمتك تقدري تتحملي ما تسويها
رطبتُ شفتاي بلساني : كلها ثلاث أيام
تنهد تنهيدةً طويلة : حسبي الله ثلاث أيام يا الظالمين ثلاث أيام
فُتح باب القصر و خرجتُ منه ريتاج إبنةُ الكاسر تبكي !!
تراجعنا للوراء خطوة من الصدمة و عاد ناجي ليتقدم خطوة و ينخفض بجسده لطول ريتاج بينما خرجوا بقية إخوتها يبكون
سأل ناجي بخوف : شفيكم ؟
قالت ريناد أكبرهن و هي تسمح دموعها : ولا حاجة بس بس ....
و بكت بصوتٍ مرتفع بينما قال رائد وهو يضرب صدره يدعي البطولة : أنا أعرف خطتهم قالوا إذا بكينا عمو بيسفرنا عند أبوي و أمي
فتح ناجي ذراعيه على وسعهما و أخذ كلٌ منهم جزءًا من حنانه
يمسح على شعورهم تارة و يواسيهم تارةً أخرى يضحاكهم يمازحهم و يقول لهم : تعرفون ايش يعني شهر عسل ؟
قال الأطفال بحيرة و بصوتٍ واحد وهم يلتفتون لبعض : لااااااا
بينما هو قال : شهر العسل هذا سفر لازم يسافره الأم و الأب لحالهم وبس هما راحوا يسافرون و كلها كم يوم وهما عندنا
و إذا ما جووا ماما و بابا أوعدكم أنا و عُزوف و انتوا كمان نسحب عليهم و نطلع شهر عسل مع بعض ,هاه ايش رايكم ؟
و أخذ الأطفال يضحكون معه و يتمازحون
ولم أشعر بدموعي التي سقطت ويدي التي احتوت بطني بأملِ طفلٍ يحتضنه ناجي
لم أشعر إلا بيدِ ناجي التي وضعها فوق يدي المبسوطة على بطني و هو يبتسم لي مشجعًا
يمدني بأوصال الأمل .
***
ذهبتُ إلى المنزل الذي وصفه لي , كل ما حوله مهجور لا حياةَ ها هنا
ضغطت على الجرس عشرات المرات و طرقتُ الباب رميتُه بالحجارة المتناثرة بكل مكان
و لكن يبدو أنه لا أحد بالمنزل وليس هنا من أسأله عن مالك المنزل
و لكني بدأتُ أفهم مالم أتوقعه من أنهار
أنهار الفتاة التي أحببتُها تدسُ سرًا و السر الذي تدسهُ أنها فتاة ترتدي قناعًا ليس لها
تخرج من المنزلِ ليلاً تكذبُ على والدتها لتدهس العرض و ترمي بالشرف في ردهة الطريق
هذا ما تفعلهُ أنهار ولا تفسير لما يحدث غير هذا
أمسكتُ بحجرةٍ كبيرة و رميتها بإتجاه الباب و أنا أصرخ بأعلى صوتي : حيـــــوانة
أغمضتُ عيني بشدة و أنا أمسحُ جبيني و أنظرُ يمنةً و يسرة
أسحبُ قليلاً من الهواء لصدري و أخرجه زفيرًا , جلستُ بجانبِ المنزل أنتظرُ مالكه أن يجيء .
***
و تمرُ السنينّ سريعة سنة سنتان فثلاث إلى الستِ سنوات
تناديني فيها صغيرتي بخالتي و تنادي فيها ميرنا بأمي
و لازلتُ أراها دون رضا من ميرنا ولكن تحت مرأى عينيها
فنائلٌ أجبرها بذلك حيثُ قال لها إن لم تسمح لي برؤيتها هو سيجيء بها إليّ
و هي تخاف على زوجها أن أسرقهُ منها
من دورس الحياة التي تعلمتها إن ستر اللهُ عليكّ فلا تفضح
ها أنا فضحتُ الماضي أمامها و هاهي تخشاني و تراني من شرار الأرض
لأني زرعتُ فكرةً سيئة عني بمخيلتها و بالرغم من أني تغيرت إلى أن عقلها استجاب لما سمعتُه مني
ولكني كنتُ مضطرة إن لم أقول لها ستعيشُ طفلتي منتسبة لوالدتها ذليلة لا يرحمها المجتمع
صغيرتي " مي " سأعيشُ لأجلكِ فقط مهما كلفني الأمر
صغيرتي قد تكوني عقابًا من الله على ما اقترفتُه أنا
و لكنكِ أيضًا عطيةً من الله غيرت من أخلاقي و أفكاري
أصبحتُ يا " مي " إمرأة محجبة حافظة لتسعة اجزاء من كتابِ الله و سأحاول حفظ الأكثر
أصبحتُ يا طفلتي أتحاشى الجلوس مع الرجال وحدي ولا أُحادثهم إلا لحاجة
حينما أسجد أطيل السجود لأكون أكثر قُربًا من الله
كل شي ءٍ قد تغير يا " مي "
و هذا بفضلِ الله ثم أنتِ يا صغيرتي
كوني دائًما بخير حبيبتي " مي "
و إرادة الله خالفت عبارتي كوني بخير لتكون طفلتي مي باللاخير
تبكي
خانعة
ضعيفة
تحتضضنُ ميرنا
فترميها ميرنا
تهرعُ لنائل
فيصرخُ نائل
فتطرقُ الباب
تقولُ خالة
فأبسطُ يدي لترتمي بأحضاني
كل هذا صار حينما طُرق باب منزلي ففتحتهُ أختي نورسين التي صرخت بخوف : مــــي
قمتُ من على الكنبة كالممسوسة تحركتُ بخطواتٍ سريعة لأجد ميرنا تقفُ أمام الباب
و بجانبها نائل , و طفلتي تبكي بهوان
رأيتُ ذاتي بها عندما بكيتُ أمام هزاع ليرحمني فدهسني و قتلني
رأيتُ ذاتي بها عندما كان هزاع يضاجعني و أمي تموت بالمستشفى
قال نائل : ربنا استجاب لينا و دلوقتي ميرنا حامل واحنا مش بحاجة لمي خليها ليكي .
بينما ميرنا كانت دموعها بوجنتيها تبكي ويبدو أنها غيرُ راضية لكن نائلاً أجبرها تبعدُ صغيرتي عنها و تصرخُ بوجهها لكي تكرهها
و كل ما تفعله إكراهًا ليس برضا منها
أردف قائلاً : و علشان نكون واضحين معاكي احنا ماعندناش ئدرة نصرف عليها و على البيبي الجديد
و علشان كده مي هتبقى ليكي .
فتحتُ يدي على وسعها و ارتمت صغيرتي بأحضاني
أمسح على شعرها بحنان و أضاحكها لتختفي دموعها
لتختفي ليس ليوم بل لسنين مديدة .
***
على الفكرة التي راودتني وجدتُ ذاتي أهمسُ لوليام في الظهيرة : وليام استيقظ
وضعتُ يدي على كتفه أهزه : وليام فلتستيقظ
ليفتح عينيه و يبتسمُ لي بكسل
أمسكتُ بيده و جلستُ أمامه و أنا أرفعُ بيدي الأخرى خصلاتِ شعري الأسود عن عيني : وليام أريدُ منك شيئًا
جلس على السرير و سحبني إليه حتى صرتُ بصدره و بحنان : وماذا تريدُ مني حبيبتي ؟
حوطتُ رقبته و أخذتُ ألعبُ بشعره الذي يصلُ إلى أسفل أُذنه : اسمع يا وليام لا أدري إن كنت تدري أو لا , بالأمس أعطيتك تلميحًا و أنا أبكي
ولكن لستُ أدري إن كنت فهمت ما أقول أم لم تفهم , إن عمي ربيع و أخي جهاد حالما تركاني و رحلا تركا معهما أوراقًا ثبوتية تخصني
كُتب بها أن إسمي " أنهار ماهر " و أنني سعودية الجنسية و لستُ مصرية ولا أنتسبُ لهم , أريدُ منك يا وليام أن تعود لكندا و تتأكد منهم
من هويتي , و حاول معرفة الماضي إن استطعت .
اجاب بعطف وهو يسمحُ دموعي : حسنًا يا جميلتي لكِ ما تريدين ولكن دون أن ابتعد عنكِ .
عقدتُ حاجبي و بتساؤل : و كيف ستعرف إن لم تذهب لكندا ؟
ابتسم مطمئنًا لي : لا عليكِ يا صغيرة سأعرفُ وحسب .
ومن ثم وضع يده ببطني يضاحكني قائلاً : اضحكي فلا يليق البكاء بالجميلات .
و ضحكت وكل ما بداخلي يبكي .
***
بأرضِ كندا قبل أيام
كنتُ سأدخل أنا و عمي ربيع إلى مكتبِ أوين ناتان
إلا أن محور الحديث ما بينه و أحد أتباعهِ استوقفنا عن الدخول
: أيها الرئيس أوين لقد تم كل شيء على ما يرام , تم حرق الأوراق التي في منزلِ الكاسر ولم يتبقى أي دليل
و على كلامه فتح عمي ربيع الباب قائلاً بتساؤل : ما هو الورق الذي تم حرقه ؟
أشار الرئيسُ أوين إلى تابعه بالتحدث : ورقٌ يحمل ما بين سطوره ماضٍ عنك و عن عائلة الكاسر .
حينها اكفهر وجه عمي ربيع و هو يُحرك يده بالهواء : و بأي حق تعطيه الورق
أجاب حينها الرئيس أوين وهو يرتشف القهوة : بحق أني رئيسك و أنا من أمرتُه بذلك
زفر عمي ربيع الهواء : حسنًا , و لكن هذه الأوراق ستجلعني في خطر
قال الرئيسُ أوين ببرود : نعم ولكنها حُرقت و لم يستفد منها الكاسر شيئًا انتهى النقاش يا ربيع .
حينها طأطأ عمي ربيع رأسه و خرج من الحُجرة
و ها أنا اليوم أقعدُ بجاوره مستفسرًا عن ماهية الأوراق فبذلك اليوم لم أسأله لأنه كان غاضبًا لا يُريد الحديث
أجاب بهدوء : الي في الورىء ده هوا كل الماضي بكل الي فيه حكايات كتيرة و مخاطر كتيرة و ده الورىء موجود حتى عند الشرطة المصرية
و السعودية و لكن مش بكمية المعلومات كلها ولكن موجود عندهم معلومات كتيرة لكنها قضايا مغلقة و ملفات ئديمة صعب تنفتح بعد السنين
دي كُلها و أنا بعد الي اسمعناه روحت عند أوين أحاول فيه يئولي ليه يعطي الكاسر الورىء ده و هوا ئال إنو عمل ده كلو
علشان الكاسر يوسق في سمحي وبعدها ينئتل سمحي , و هوا على طول ارسل اتباعه علشان ينحرىء الورىء .
***
على الساعة الرابعة عصرًا , طرقة طرقتان ومن ثم قلتُ : مين ؟
فجائني صوتُ طفلتي بلقيس : أنا يا ماما
ابتسمتُ بحب و قمتُ من على الكنبة لأفتح الباب
فإذا بي أتفاجىء بمعن يقفُ أمام الباب تراجعتُ للوراء خطوة بينما هو تقدم خطوتين و أغلق الباب من وراءه
نظر لي بتمعن من رأسي لأخمس أقدامي و رغمًا عني سحبتُ فستاني للأسفل و كأنه سيطول
*
*
ابتسمتُ بحب و أنا أرى وجنتيها تتوردُ خجلاً و يدها تعبثُ بفستانها تحاولُ تغطية ذاتها عني
اقتربتُ منها خطوةً فخطوة بينما هي أعطتني ظهرها و هي تجلسُ على أحدِ الكنبات و تنظرُ للتلفاز مدعية اللامبالاة
جلستُ بجانبها و مددتُ يدي أُلآمسُ ظهرها العاري فإنتفض جسدها , أبعدتُ شعرها عن أذنها
أرى حُمرتها و إبتسامة تداعبُ شفتاي و لازلتُ أؤثر عليكِ يا عُطرة مهما أنكرتِ
وضعت يدها بيدي التي تُمسك بشعرها وهي تحاول إبعادها قائلة بصوتٍ مبحوح : معن ابعد
أمسكتُ بيدها وقبلتٌها في باطنها بعمق قُبلةً طويلة لا إدري إن كانت قُبلةُ شوق أم قُبلة حُب لا أدري ما معناها سوى أنها خرجت من أعماقِ أعماقي
عدتُ لأبعد شعرها و أنا أستلذُ بحُمرةِ الخجل في أذُنها لثمتها بحب أوثق بقُبلتي أن هذه الحُمرةُ لي و أن معن لازال يؤثرُ بكِ و أنكِ ملك لمعن
لستِ لغيره ولن تكوني يومًا لغيره , بهمس : ماني مبعد إنتِ لي يا عُطرة حتى لو كانت المسافات بيننا طويلة إنتِ ملكي
نظرت لي ومن ثم شتت عينيها قائلة : شايف يامعن شقاعد تسوي فيني ؟ , نفس الي انا اسويه فيك وبعدها تقول استغفلتيني
هذا إنت تجذبني لك بتصرفاتك و كلماتك وهذاني اليوم اقول لك أصلك قليل تربية تستغفلني و تستغل نقطة ضعف أي حرمة قدام أي رجال
لكن من الداخل عايفتك تبيني اليوم يا معن بعطيك نفسي جسد بدون روحها
وضعتُ يدي بجانبها الأيسر فوق قلبها و بهمس في أذنها : بس هذا حقي و صدقيني لو اليوم الجسد بكرة بملك الروح اذا ما كنت أساسًا من اليوم مالكها
حينها ابتسمت بسخرية و اختفت عنها علامات الخجل أبعدت يدي عن قلبها قائلة بقوة : أشوفك واثق كثير !! , أنا بعطيك الجسد مخافة لله
لكن أعطيك الروح فتأكد إنك ما تطولها .
رفعتُ حاجبي : و إنتِ تظنين إنك بكلامك هذا بتبعديني عنك و تخليني أقول أنا ما أرخص نفسي لجسدك , لا يا عُطرة أنا موافق أخذك جسد بدون روحها
لأن الإلتحام الجسدي هو أكثر شي يقرب ما بين الزوجين مصير الأيام تخليني أملك روحك وتصيري كلك على بعضك لي .
قالت بنبرةٍ مستفزة : تحلم تملك روحي , هذا جسدي لك .
ارتمت بصدري و أنا أُلاحظ إنتفاضها
ابتسمتُ بحُب و أنا أوزعُ قُبلاتي أبصمُ حبي لها بكل تفصيلة في جسدها
اليوم جسد يا عُطرة و غدًا الروح
اليوم أستلذُ بكِ و غدًا نستلذُ ببعضنا
لن أترككِ مهما حدث .
***
حاولتُ مع أنهار طيلة الليل أن تقول لي ما بها ولكنها لم تستجب كانت تبكي كمن وقعت على رأسها الطامةُ الكبرى
و لازالت حتى الآن تبكي بصمتٍ قاتل كل معالم الحياة اختفت عنها ابتسامتها كلماتها ضحكاتها و مزاحها جديتها و نشاطها
ماذا يا أنهار ؟ ما بكِ يا صغيرتي ؟
أشعرُ أني المذنبة لأني لم أراقبكِ خطوة بخطوة لا أدري ما المشكلة التي وقعت عليكِ أو وقعتِ بها ولكن سأقفُ بجانبكِ مهما كانت
أنتِ لم تخرجي مني و لكني ظننتُ أني أحسنتُ تربيتك و يبدو أني غيرُ ناجحة حتى في التربية
يبدو أني لا أُصلح أُمًا مطلقًا ولكن مهما كانت أخطائي سأقفُ بجانبكِ يا صغيرتي حتى أشعر أني أعطيتُك جزءًا مما تعطيه الأمهات لفتايتهن
و حتى تكوني مطمئنة فوالدتك دائمًا و أبدًا معكِ
اضطررتُ أن اتصل على نوال أطلبها بالتواجد في منزلنا لربما تبوحي بما فيكِ لها
و ها هي نوال في منزلنا
بتساؤل : بغرفتها صح ؟
حركتُ رأسي إيجابًا : ايه بغرفتها , نوال الله يرضى عليكِ حاولي فيها تقولك وش فيها , أنا ما بجلس معاكم حتى تاخذوا راحتكم ممكن
هي مستصعبة تقولي و سهل إنها تقولك حاولي فيها و لا تيأسي والله يجزاكِ كل خير .
ابتسمت لي بمودة : حاضر يا عمة لا تشيلي هم .
و صعدت للأعلى , يالله افرج هم صغيرتي و غمها .
*
*
ماذا اقولُ لكِ يا أمي , أقولُ لكِ ما لم تتوقعيهِ بأعمقِ أحلامك
أقولُ لكِ أني خنعت بثوبي و أضعتُ شرفي و راح العرض
نادني على فراديسهِ الزائفة كمسيحٍ دجال جنتهُ نار و نارهُ جنة
و صُمت أحلامي الوردية , على سباخِ أرضك القاحلة
وفي جحيمك شوكٌ ضريع لا يمسنُ ولا يغني من جوع , صديدٌ وشرابٌ حميم
أبحثُ عن الخلاص ولا خلاص بعد أن سلبت جُل أحلامي
لا فكاك من واقعي المأزوم , إلا الموت
فلتُسبي يا روحي فما عدتُ أقوى العيش
أسلكُ سُبلي ذلُلاً في ردهاتِ جحيمك و ما عُدت أقوى , ما عُدتُ أقوى
و احتضنتني نوالٌ إليها وهي تقرأ من آيات الله حتى أهدأ .
***
بتمام الساعة السادسة مساءً , الرقم أربعة و ثمانون حفظتُه بقلبي قبل عقلي , رقم الأجنة في البنك
لقد خفتُ كثيرًا من شروطِ ناجي ولكن الحمدلله تم كل شيء على ما يرام
لقد شرط أن يُفرغ العبوات بنفسه مخافة أن يتبقى شيئًا من الأجنة في البنك و يُلقح لغيرنا فيحدث إختلاطًا بالنسب
و يقع بما لم يحله الله عزوجل , ثاني شروطه أن من ستقوم بالتلقيح هي الطبيبة المسلمة لا غير
فقد حرص أن يمشي على الترتيب الذي اتفق عليه أهلُ العلم
بعد الغد سيتم كل شيء كما ينبغي بإذنِ اللهِ تعالى , و الترتيب بإعتبار رؤية العورة إمرأة مسملة فإمراة غير مسملة
فرجل مسلمٌ موثوقٌ به ِ ثم رجلٌ غير مسلم , وقد تأكد من اسماءنا الرباعية المُلصقة على العبوات
ابتسمتُ بسعادة و يدي مبسوطة فوق بطني أتخيل لو أن جنينًا يقبعُ بداخلي يالله ما أعظمها من سعادة
رفعتُ رأسي حين سماعي لصوتِ ناجي المبتسم : معزوفة ناجيها فرحانة اليوم
قمتُ من على السرير و توجهتُ ناحيتُه ارتميتُ بصدرهِ بقوة و تراجعت خطواته للوراء لأنه لم يكن على استعدادٍ لذلك
ضحك بصخب بعد اصطدامِ ظهره بالدولابِ من خلفه و أخذ يشدُ رأسي لصدره
*
مرغتُ وجهي بشعرها استنشقُ رائحتُه العطرة أغرقُ بين خصلاتِ شعرها ظمآنًا فأرتوي
أبعدتُ رأسها عن صدري قليلاً فثبُتَ ذقنها بصدري و عينيها بعيني
ابتسامة تبزغُ من شفتيها تتصاعدُ لعينيها في صورة لم يُخيل لي أن أراها بها
الأبجدية كانت اثنان و عشرون حرفًا أُضيفت لها الروادف فصارت ثمانية وعشرون حرفًا
و اللغة العربية تحوي الكم الأكبر من الكلمات ولا توازيها أي لغة
و بالرغم من هذا أجدني أمامكِ عاجزًا عن التعبير , أجدُ الحروف بقلتها تسلبُ مني حريةَ البوح
حرية الإفصاحِ و الإيضاح , كنتُ شاعرًا بلا قافية و صرتُ عاجزًا بلا كلمات
أنتِ الأنثى التي تعجلني أتغير و أتقلب لأصير بما لم أعتقد أن أصير
عجيبةٌ أنتِ وحظي فيكِ عظيم , قداسةُ الحُب بداخلي هيّ أعظم ما ملكتك
جبروت عينيكِ , سُلطة الخجل , وطأةِ أقدامك البيضاء ماهيّ إلا مفاتيحُ قداسةُ العشق
و يطولُ الحديث عنك ِ و بكل إطالة أزدادُ صبابة .
***
بعد صلاةِ العشاء , ثبُتَ منذُ أيام أن البصمات الموجودة لم تكن لي , و بذلك رُفعَ عني حكم القتل
و تبقى حكم الجرعة التي كانت مع ركاض و كُتب بها اسمي
أقعدُ أمام اللوءِ القائد الذي نطق بعد صمت : طبعًا انرفع عنك حكم القتل مثل ما إنت عارف وبقي لك حكم اسمك الموجود مع أخوك ركاض
لكن من حسن حظكم إنك كنت صريح بالإستجواب وهو أيضًا كان صريح و هالشي بصفكم طبعًا ما هو بضدكم أبد , مع هذا القانون قانون أدلية
و إلى الآن مالمسنا أي دليل حتى تخرجوا براءة كليًا , فمضطرين نخليكم بالسجن حتى نلمس دليل براءتكم و نخرجكم براءة .
بتساؤل : وش المعلومات الي صارحكم بها ركاض ؟
ابتسم لي : كأنك نسيت إنك الحين بكرسي المجرم ! . أنا واثق فيك يالكاسر لكن آمانتي كلواء تمنعني اتكلم عن أي شيء , لكن كعربون ثقة
أعطيك اسماء لفتت انتباهي " مي " عمها " ربيع " و أخوها " جهاد " , ثلاثة كان ركاض بينهم , مشكوك في أمرهم .
على هذهِ الأسماء وبذات اللحظة عادت ذاكرتي للورق المحترق لسطورٍ كانت تقول
" عام 1993 م
على أرض مصر
بعد مقتل أخ المدعو " ر " و ابن اخيه على يد المدعو سهيل عبدالقادر الحكمي و أحد أعضاء مباحث السر المصري
قام المدعو " ر " بحرق عمارة ابن عضو مباحث السر المصري الذي قام بقتل اخيه و ابن اخيه
و الذي كان على اتفاقية مع احد اعضاء مباحث السر بالسعودية و المدعو " أ " . "
المدعو " ر " هو ربيع بلا شك
أخوه و ابنهِ قُتلا على يد خالي الذي لا أعرفه سهيل عبدالقادر الحكمي بمساعدة من عضو من مباحث السر بمصر
هذا يعني أن خالي المجهول سهيل عبدالقادر الحكمي من مباحث السر بالسعودية و هناك اتفاقية كانت ما بين مباحث السر السعودية و المصرية
المدعو " ر " و هو ربيع إنتقامًا قام بحرق عمارة ابن مباحث السر المصري و هذا يعني أن والده قد قُتل أو مات و أعتقدُ
أنه لم يكن يملك تصريحًا بقتلِ أخو ربيع و إبنه فقام القانون بمعاقبةِ خالي سهيل و عضو مباحث السر المصري بالقتل
فما كان من ربيع إلا أن يقتل ابن عضو مباحث السر و ذلك بحرق عمارته
و إبن مباحث السر الذي احترقت عمارته كان على اتفاقية مع المدعو " أ "
ولكن من هو المدعو " أ "
مادامت ذُكرت كلمة اتفاقية فهذا يعني انها قامت مابين دولتين
فإن كان إبن عضو مباحث السر المصري يُتابع مسيرة أبيه فالطرف المدعو " أ " من مباحث السر السعودية
يُتابع مسيرة خالي سهيل , و إن كان ذاك الشبلُ من ذاك الأسد فمن المحتمل أن خالي سهيل لهُ ابنٌ بحرف الألف
يُدعى المدعو " أ " و لكن استبعدُ أن له إبنًا بحرف الألف و يتولى ما قام بهِ أبيه وهو خالي سهيل
و هذا لأن خالي أبو أصلان في هذا العام 1993 ميلادي أكبر بناته عُطرة كان عمرها لا يتجاوز الخامسة عشر
فإن كان خالي سهيل أكبرُ من عمي أبو أصلان و تزوج مبكرًا فسينجبُ إبنًا لا يتجاوز الخامسة و العشرين من عمره
و من الصعب أن يكون فتى بهذا العمر قادرًا على القيام بإنجازاتٍ عظيمة تجعله يصل إلى مرتبة السرية
غير ذلك , تذكرتُ ملعومةً أخرى تقول
" عام 1995 م
نحنُ قومٌ عندما نحصل على المصلحة نرمي من قدمها لنا بالجحيم
و هذا ما قد حدث للضابط " هـ " الذي قد نوى بنيةٍ سيئة بينه و بين نفسه
و ذلك بأن حمل الخاتم ذا الشفرات الغير مفهومة و التي لا يعقلها إلا احد أعضاء مباحث السر بالسعودية و الذي يدعى " أ "
كان سيقدم لنا هذا الخاتم كدليل انه قد رمى برجل المباحث " أ " بعمق البحر و اخذ الخاتم ليثبت ذلك و الحقيقة ان لاشيء من هذا قد حدث
لذلك كان عقابه وخيمًا حينما تم إرسال صندوق مخدرات و وضعها بشحنة احد اعضاء مباحث السر والذي يُدعى " م "
حيثُ ان الصندوق يحمل بصمات الضابط " هـ "
و تم القبض على الضابط " هـ " من قبل رجل المباحث " م "
ولكن لم يُطبق عليه الحكم القانوني
فقد بحثنا عنه بجميع سجون السعودية و بلا جدوى
و لا يُعلم اين موقعه بالأرض "
هُنا بهذه المعلومة التي قرأتُها مسبقًا أتأكدُ أن المدعو " أ " من مباحث السر بالسعودية
يمتلكُ خاتمًا لا يفهمه أحدٌ قط و يكون قريبًا لخالي سهيل وليس بإبنه إذًا هو خالي " أبو أصلان " أخو سهيل
و لكن منذُ متى و خالي أبو أصلان يعمل في المباحث !!!
فما أعرفهُ عنه أنهُ يمتلك مصنعًا للخشب فقط
ولكن لا تفسير غير هذا و على الرغم من أني فكرتُ مسبقًا بالخاتم و قلتُ لذاتي أن المدعو " أ " هو ذاته
خالي أبو أصلان إلا أني أشكُ في كونهِ من مباحث السر , ولكن ذُكر أنه أُلقى بالبحر و خالي أبو أصلان فُقد بالبحر
وهذا كله كافي لتأكيد أن المدعو " أ " هو خالي أبو أصلان حسنًا المدعو " هـ " هو من ألقى خالي أبو أصلان في البحر و لكن بآخر
السطر ذُكر أن لا شيء قد حدث !!
ولكن حينما فُقِد خالي أبو أصلان قال لنا أبي عبدالقوي أنهُ فُقِد بالبحر أي أن هذا الحدث صحيح ولكن لماذا ذُكر انه غيرُ صحيح
ومن هو المدعو " هـ " ؟
و من هو مباحث السر " م " الذي قبض على " هـ "
و إن كان " م " قبض على " هـ " فكيف لم يُعاقب " هـ " قانونيًا ؟!!
إحتمالان إما أن " م " خائن و أطلق سراح " هـ "
أو أن " م " أطلق سراح " هـ " ليُطلق سراح أبرياء
كما فكرتُ أنا حينما أطلقتُ سراح سمحي ليُطلق سراح أبرياء
أما بشأنِ أن لا شيء قد حدث فقد يكون المقصود أن المدعو " هـ " قال لهم أنه هو من ألقى بخالي أبو أصلان بالبحر
بينما هنالك شخصٌ آخر ألقى بهِ في البحر لذلك قام تجار المخدرات بمعاقبة المدعو " هـ "
بأن وضعوا صندوق مخدرات عليهِ بصمات المدعو " هـ " في شحنة المدعو " م "
لربما المدعو " م " يمتلك مصنعًا كخالي أبو أصلان و بين شحنته وضِع هذا الصندوق .
قال اللواء القائد و قد رفع أحد حاجبيه : وين رُحت يالكاسر قول يمكن أقدر أساعدك .
و حكيتُ لهُ عن الورق الذي وجده سمحي و عن كل التفاصيل التي قرأتها و عن استنتاجاتي لهذه التفاصيل وقد وافقني بالإستنتاجات
وقال منهيًا للحديث : معلوماتك اليوم جدًا مهمة راح نضطر نفتح قضايا مغلقة .
***
بتمامِ الساعة العاشرة ليلاً , أجلسُ أمام التلفاز و أفكاري بعيدةٌ كل البعد عما يعرضُ بهِ
إلتفتُ بإتجاه باب الشقة الذي فُتح يُنبأ بدخول " وليام "
دخل " وليام " و وجهه مسودًا قائلاً : لقد عرفتُ من تكونين يا جميلتي
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $
و جحيمنا القادم يوم الجمعة أو السبت .