كاتب الموضوع :
الشجية
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: حيزبون الجحيم / بقلمي
الجحيـــم
(48)
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
على الساعةِ الثامنة صباحًا بإدارة مكافحة المخدراتِ بالسادسِ من أكتوبر
بعد ترددٍ طويل ومحادثاتٍ نفسية عديدة ما كان مني إلا الإعتراف بالحقائقِ كلها
فقد طال الإلحاحُ من قِبلهم إلى حدِ أن أحدهم تمادى و حاول صفعي
المعاملة بغايةِ السوء هاهنا , سألوني عن رقم المتصلة من هي ؟ , ما علاقتي بها ؟ و ما تريدُ مني ؟
فكانت إجابتي أنها مي علاقتي بها الصداقة و لا أدري ما تريدهُ مني
و لكن كان لابد من الإعتراف بجُل الحقائق من صفرها حتى موضع النهاية
فحكيتُ عن تحذيرتها لي بأن أهرب بعيدًا عن مصر
و حكيتُ عن إجبار اخاها جهاد و عمها ربيع لها بالقيامِ بما لا تطيق
و أنهم يريدون منها أن تضرني و لكني أجهلُ سبب هذه العدوانية
قلتُ كل شيء إلا أخي الكاسر لم أذكره بتاتًا
لم أذكر محادثته لي ذلك اليوم سؤاله عما إذا كنتُ على صلةٍ بـ مي
لم أحكي لهم عن إجابته بأنها جزءٌ من عمله
وهذا دليلٌ قوي ضدها وضد عائلتها
لكني لم أُرِد إقحام أخي بغبائي و ما أدخلتُ ذاتي بهِ من معمعةٍ ومعضلات
طلبوا مني صورةً لـ " مي "
فجعلتهم يرون الصورة بهاتفي المحمول الذي أصبح بحوزتِهم
بالإضافة إلى صورةِ جهاد لكني وللأسف لا أملكُ أية صورة لعمها ربيع
سألوني عن آخر احتكاكٍ حدث معهم
و متى حدث ؟
فأجبتهم أن آخر احتكاكٍ لي مع مي كان منذُ أيام
و لكنها بعثت لي برسالة مع الخادمة تحثُني بها بالإبتعاد عن مصر
أما أخاها جهاد فأنا لم أرهُ منذُ مدةٍ ليست بقصيرة
و عمها ربيع لا أحتكُ بهِ مطلقًا
سألوني عن نوع العلاقة فيما بيني وبينها هل اقتصرت بالصداقة أم طالت إلى ما لا تحمد عقباه
فما لا تحمد عقباه قد يكون سببًا لإنتقامها مني
و كم خجلتُ أن أقول أنها صداقة طالت و تمادت إلى حدِ الزنا
خجلتُ أن أقول هي صديقتي واللهُ يقول محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان
أنا الخذنُ و هي المجاهرة بالسفاح نتقلب بالفراشِ معًا
و رسول اللهِ لم يصافح إمرأة قط
خجلتُ من البشر و لم أخجل ليومٍ واحد من ربِ البشر
طأطأتٌ رأسي أرضًا و الكذب يجري مجرى الدمِ بشرياني
نعم لستُ بالقوة التي تجعلني أعترفُ بشناعةِ ما فعلت .
***
على الساعةِ الثانية عشر ظهرًا , رأيتُ أبي حالما كنتُ سأدخلُ للمنزل وهو في طريقه للخروج فسألتُه مستفهمًا بعد أن سألتُ الحُراس و أغيد
: يا أبوي شفت الكاسر ؟
عقد حاجبه و ضاقت عيناه وكأنه يُحاول التذكر : لا يا ابوك والله ان ما شفته
حركتُ رأسي بالموافقة : طيب يا أبوي أستأذِنك
كنتُ أُريدُ سؤاله عن مواعيدِ الزيارة
فـ عُزوف لم ترى هوازن بالأمس و من المؤكد أنها تُريد رؤيتها و أنا منذُ الأمس أبحثُ عن الكاسر
يبدو أنه عاد للمنزل متأخرًا و خرج مبكرًا ولم أستطع مقابلته
لا أُريدُ الإتصال بهِ يكفيه ما هو فيهِ
و محاولاته في إخراج زوجته من السجن
أعانهُ الله على همه و أفرج عن زوجتِه
صعدتُ بخطواتي للجناح عن طريقِ الدرج حتى وصلتُ للحُجرة
فتحتُ الباب و من ثم توجهتُ بخطواتي لحجرة النوم
إلا أني سمعتُ صوت نحيب يخرجُ من المطبخ
فتوجهتُ للمطبخ و قرع قلبي طبول الخطر
و بخطواتٍ سريعة وقفتُ خلفها و سحبتُ ما بيدها صارخًا بكلِ صوتي و نارًا تحرقُ أجهزتي الداخلية
: مجنوووووووووونة
قالت وهي تقتلعُ شعرها بجنون وتصرخُ بإنهيار : ايه مجنوووونة ابغى ارتاح
أدرتُ جسدها بقوة بإتجاهي وصفعتها بوجنتها صارخًا : وتظنين انك بترتاحي انتِ بتدخلي الجحيم بفعلتك
وضعت يدها المرتجفة بقلبها و أغمضت عينيها لتفيض دموعها منسكِبة خلف طياتِ الألم
غُلت أفراحها و تغدقت أوجاعها بعد موتِ عقلها بخنجرِ العُقم فكرت أن تغيب بجسدها عن الوجودِ إلى اللاوجود
فكرت أن ترحل و تتركني على قارعةِ الطريق تسلبُ قلبي فأعيشُ دون قلب ٍ يعقل
فكرت أن ترحل للجحيم ككافرة و ناجيها هُنا يريدُ منها أن تنجيه من شعورِ الذنبِ الذي يُغلفه
أغمضتُ عيني و قبضتُ على يدي و عضضتُ بأسناني باطن خدي و رأسي ابتعد عن الناحية التي تقفُ بها بجسدها الغص
أخافُ عليها مني , أخافُ أن أقتلها لفرطِ غضبي
سحبتُ نفسًا عميقًا وأنا أستمع لشهقاتها المتتالية
لكني لم أكفُ عن تعذيبِ ذاتي بتقييدِ عيني بالعتمة
حتى لا أراكِ فأقتلكِ و أقتلُ ذاتي تكفيرًا لذنبِ انتحارك
فأكون قاتلاً بدلّ أن تكوني كافرة
فتكوني أنتِ أعظم ذنوبي يا أطهر من رأت عيني
لا أكفُ عن تعذيبِ نفسي بحفرِ آثارِ أظافري بيدي أُوثق هذا التاريخ لكي لا أنساه
فهذا الأثر سيجعلني أعتني بكِ مطولاً و أبدًا يا طهرَ الأرضِ و زينتها
و أعضُ على خدي لكي لا أصرخ فأزيدك وهنًا على وهن
جلست كالقرفصاءِ على الأرض تستندُ بظهرها على الكرسي من وراءها
أما أنا فخرجتُ من محيطِ التأنيبِ الذي يداهمني اتجاهها و أنا أطلب المغفرة من اللهِ عزوجل
فقد جعلتُ منها سفاحًا يقتلُ روح اللهِ بلا ضمير .
***
و أول ما دخلتُ لمنزلِ " وليام أوين " وضعتُ رأسي على الوسادة ودخلتُ بنوبةِ بكاءٍ حادة
كحدةِ الخبرِ الذي وقع فوقي فمزقني لأشلاء متفرقة
لا أستطيعُ أن أقوم على أقدامي كما كنت
أشعرُ بالخواءِ و الهوان , ماذنبي أنا بكلِ ماجرى ؟
لماذا عائلتي السعودية انجبتني إن كانت ستتخلى عني
لماذا أنا من بين ِجموعِ الناس حصل لي ما حصل
أيُ سيناريو ذا الذي أعيشه
أي كاتب ٍذا الذي خطّ مستقبلي بيديه
أيُ وحشية تي التي تقطنُ بأُناسٍ خرجتُ من أصلابهم
ألقوني بالـيَمّ و غابوا كطيور السمان المهاجرة
و تركوني بغياهيبِ الوحدة على صوتِ حشرةِ الليل
لينتشلني قومُ بلا قلوبٍ ترحم كالقلوبِ التي تخلت عني
لا أدري هل معيشتي بين مهربي المخدرات هي أجملُ من معيشتي معكم أم أنها أشدُ قسوة
انقلبتُ على ظهري و وضعتُ يدي بقلبي و أنا أُرددُ بيني و بين ذاتي لما الضعفُ يا " أنا "
عائلتكِ السعودية لا تريدُكِ اذًا تخلي عنهم
عائلتك ِ المصرية جعلتكِ لعبة بين ايديهم
اذًا فلتنسيهم و تجعليهم بين عداد الموتى
فكلا العائلتين لا تستحقُ مني الدموع و الهوان
سأعيشُ حياتي كما يجب سأعيشها لي
فلا أحد منهم يستحق التضحية
لا أحد منهم يستحقُ الحُب و الشوق
مسحتُ دموعي بذراعي اليُسرى ليلتصق مخاطُ أنفي بيدي ويطبع آثار جريمتهم
بناحيةٍ أخرى من جسدي
قمتُ من على السرير و أنا بالكادِ أُصلب طولي و أحمل ثقلَ جسدي
وقفتُ أمام المرآة و أنا أنظرُ لذاتي بغرابة
شعري اشعثٌ ملتصقٌ بوجتني
بشرتي شاحبة و تقاسيمُ وجهي بائسة
و عيناي أحتوت بداخلها جُل شجنِ الأرض
وضعتُ رأسي على المرآة المستوية على الجدار من خلفها
و عدتُ لأُبعد رأسي قليلاً و ألصقه تارةً أخرى و أنا أرددُ بلساني " هتعيشي لنفسك يا مي
انتي هتعيشي لنفسك "
رددتُ هذه الكلمات مرارًا و تكرارًا لعلّ البؤس الذي يمكثُ بداخلي يتلاشى شيئًا فشيئًا
ابتعدتُ عن المرآة إلى حقيبتي التي بالأرض فتحتها و أنا أبحثُ بداخلها عن ما أريدهُ
ولكن كيف سأجدهُ إن كان بعيدًا عن مي القديمة مي الفتاة المصرية التي تريدُ الإنتقام لأبيها و أخيها
فتحتُ الدواليب الأخرى و أنا أبحثُ عما يخصُ " وليام " أخرجتُ قميصًا أسود و بنطالًاً عُودي اللون
سأرتديه ريثما أبحثُ لي عني أردية تلائم مي الجديدة أو أنهار سعودية الجنسية
فأرديتي هذه إن ارتديتُها الآن قد يعرفني أحد المآرة و أقعُ بما لا تحمد عقباه
أخرجتُ من أحد الأدراج " كاب " اخضر اللون
و حذاءًا رياضي و نظارةً شمسية
خلعتُ أرديتي وانا أنظر لأردية وليام على السرير و أتناولها لأرتديها
سأخرج الآن ولن أعود للمنزل إلا و أنا صنعتُ " مي " بمظهرٍ آخر
أو الفتاةُ أنهار .
***
بعد انتهاءِ صلاةِ العصر خرجتُ من المسجد و أخرجتُ هاتفي من جيبِ ثوبي لأضعه على العام بعد أن كان صامتًا
فما أكرهه من شعور أن يرن الهاتف المحمول بنغمةٍ موسيقية و نحن نؤدي الشعائر الإيمانية
منكرات الغناء تصدرُ من الهواتف النقالة و نحن نصلي بروحانية للرحمن
أصبحنا لا نستغني عن الهواتف حتى مع فرائضنا , وكيف كُنا سابقًا نعيشُ بلا هاتف ؟ !
توجهتُ حيثُ سيارتي تقف سأذهبُ للعمل فبعد الذي فعلته
عُزوف شعرتُ بالنفور اتجاه المنزل فشعور الذنب يلاحقني أينما كنت
تيبست أقدامي أرضًا و أنا أقرأ ما كُتب برسالة من أحمد صديقٌ الكاسر
" السلام عليكم
ناجي , الكاسر طلب مني أبلغك انه هو الحين مقبوض عليه و يقول لك انه يبغى يقابلك "
انتفضت يدي من هول الصدمة ليسقط هاتفي أرضًا
ما هذه المصائب التي تلحقُ بنا ؟!
الكاسر و زوجته !!
لقد كان هنالك بعض الأمل بخروجِ زوجته بمساعدتِه كنقيب
ولكن الآن ؟!!
أخذتُ هاتفي من الأرض و أنا أتحركُ بخطواتٍ سريعة اتجاه سيارتي سأذهبُ إليه كما يريد
كان اللهُ نصيرك يا أخي .
***
وصلتُ إلى محلٍ لبيع الأردية وانتقيتُ من الملابس ما لايتلاءمُ مع ذوقي الرفيع اخترتُ من الأردية ما يصنعُ " مي " أخرى أو أنهار سعودية
الهوية ، ودخلتُ إلى محلٍ للنظارات لأشتري نظارةً طبية و أنا لستُ بحاجتها تلاه عيادةً للأسنان
لأضع تقييمًا لأسناني أنا لستُ بحاجته ، إلى صالون الشعر ليصير شعري اسودًا كما كنتُ بمولدي انتهيتُ بأحد المطاعم اشتريت غدائي
و عدتُ أدراجي للمنزل ، دخلتُ لحجرتي و أكلتُ الطعام بشراهة و كأني لم أأكل بحياتي قط ، شعرتُ أن للطعام لذةٌ لا تُوصف ، بعدها غسلتُ
يدي سريعًا و أنا أنظرُ لذاتي بمرآةالمغسلة و لساني يرددُ دون أن يلفظ " هتتغيري يا مي انتي هتعيشي لنفسك ، لنفسك وبس "
عدتُ للحجرة وفتحتُ الأكياس بعشوائية لأخرج الأردية بحركةٍ سريعة غير منضبطة ، خلعتُ ما أرتدي و أرتديتُ ما لايعجبني فقط ليخلق من
" مي " روحًا أخرى ما كانت مي تميلُ لها و دائمًا ما كانت تتحاشى الجلوس معها أما الآن فهي تريدُ الانتماء لها وحدها لأنها ستحميها
وتكون لها وقاية أمام كل من يعرفها هذه هي " مي الفتاة المهذبة المغفلة ضعيفةُ الشخصية التي لا تعلمُ من الحياةِ إلا القليل " ،
وقفتُ أمام المرآة أمسكُ بشعري الأسود لأجعل منه جديلة تصلُ لمنتصفِ ظهري
ارتديتُ النظارةَ الطبية ونظرتُ لذاتي بالمرآة شعرٌ اسود مجدولٌ بطبيعته وجهٌ خالي من مساحيق التجميل نظارةً طبية دائرية و تقويمُ
اسنانٍ أزرق اللون ، " بلوزة " وردية اللونِ لا يُزينها شيء طويلة الاكمام ضيقة من منطقةِ الرقبة و تنورةً رمادية اللون واسعة وطويلة
ينقصني شيئان أخرجت " الزمام " الموضوع بأنفي و جعلتُ عيناي تنظرُ لذاتي نظرة البلهاء ، ضعيفةِ الشخصية الجاهلة لغدرِ الحياة .
***
على الساعةِ الخامسةِ عصرًا ، كانت عيناي تجوبُ بأنحاءِ المركزِ العسكري
هل أنا اليوم أزورُ أخي مجرمًا بعدما كنتُ أزورُهُ محققًا ، من كان يدري أن هذا ما يخفيهِ الغيبُ بين طياتِه تقدمتُ بخطواتي من المركز
للداخل إلى حيثُ أخي مقبوضًا عليهِ ظلمًا قليلاً من الوقت حتى فُتح ذاك البابُ الحديدي
ليخرج أخي مكبلَ اليدين مرفوع الرأس بثقةِ المحقق لا بخنوع المجرم ابتسم لي حينما
رآني و اقترب مني فتحتُ ذراعي و أخذتُ أخي الأكبرُ بالأحضان و من ثم ابتعد أخي و جلس
على الكرسي المقابلِ لي ، قال بصوتٍ بزغ فيه ما بزغ من مظلومٍ كان الله نصيرهُ بإجابةِ الدعاء : ناجي لا أوصيك بأولادي يا ناجي ربك أراد إن أنا و زوجتي نكون بالحبوس من لهم بعد الله غيركم يا عزوتي .
وضعتُ يدي أسفل ذقني و تنهيدةٍ طويلة حملت اطنان المشاقِ بين تردداتِها : يا أخوك و شهالكلام عيالك بالقلب قبل العين يالكاسر فرج الله همك ، إلا يا أخوي بسألك وش سبب هاللي انت فيه ؟ وش قلب حالكم انت و زوجتك ؟ وش غرض من كاد فيكم ؟
نظر بعينيه لأبعد نقطة عن مكانِ قعودِنا ، و آهةٌ بشواظٍ من نار خرجت من جوفه لتنكث
بقلبي : وش اقولك يا أخي ؟ من وين ابدي ومن وين انتهي ؟ من أخوك ركاض و سفرته لمصر و لا من
وقبل أن يُكمل حديثه قاطعته و قلبي قد قُبِض : وش فيه ركارض ؟
قال و الحسرةُ تقطرُ من زوجِ عينيه : حاله ما يسرك يا ناجي ، ماهو بأحسن من حالي يا أخوك ، هو بالحبوس بتهمة مخدرات و احتمال ينحكم عليه بالإعدام .
مع آخر كلمة نطقها شعرتُ بأن معالم الحياة ِ سُلبت عن الأرض شعرتُ بتكوير الشمس و اندثار الجبال وحكايةُ الآخرة التي تقطنُ بكتابِ الرحمن ، يالله مالذي يحدثُ لعائلتي ؟! ،
نطقتُ وقد صار لساني جافًا كسماءٍ اعتصرت ذاتها لتُمطر فما أمطرت كأرضٍ قاحلة رَجَتْ من الماءِ فلم تجد : ليه يا أخوي وش سوى ركاض ، كله لاهي بدراسته بمصر ؟!
رفع لسانُه ليُخرج من الحروف مايشبعُ حيرتي و لا يسدُ تجاويف الوجع التي نخرت بعظامي ، و لكن أبت الحروف أن تخرج كانت عصيةً كعصيانِ فرعون لربهِ
كانت عصيةً لشغرِ فراغات الجوعَ بداخلي و ظمأ اللسانِ بفمي
ببزوغ صوتِ السجان الذي كان ممقوتًا لقلبي كمقتي
لابليس الذي عصى و استكبر : انتهى الوقت يلا قدامي .
قام الكاسر ملبيًا للقانون الذي ماوضعه إلا بالزنزانةِ مظلمومًا ليس بظالم
في حين أني توقفتُ قائلاً : لحظة بفهم
لكن السجان تجاهلني و هو يُمسك بالكاسر يجرهُ إلى حيثُ القضبان الحديدية و عينا الكاسرِ تنظرُ ارضًا تأسفًا مني .
وعندما خرجتُ من المركز رأيتُ الضابط أحمد صديقُ الكاسر يشيرُ لي بيده وميدالية مفاتيح بين اصابعه
اقتربتُ منه ملبيًا لنداءه ...
***
بتمام الساعة السادسة تمامًا وصلتُ للمستشفى , و توجهتُ إلى حيثُ أنوي
طرقتُ الباب ودخلت بعد سماعي لإذن الدخول
ابتسم لي أول ما رآني و رددتُ لهُ الابتسامة قعدتُ على الكرسي الذي يقابله قائلاً بعجلة بعيدًا عن المقدمات :
حقيقة جايك اليوم يا مشعل حتى تلاقي لي حل لمشكلتي الثانية بعد حلك لمشكلتي الأولى اتوقعت اني ما بجيك بمشكلة ثانية وكل
الي بيبقى بيننا الصداقة ولكن رجعت لك مرة ثانية بمشكلة تتعلق بزوجتي .
عقد حاجبه ونشب اصابعهُ ببعض و بإهتمام : عسى ما شر , ايش صاير ؟
تنهدتُ بضيق : اليوم زوجتي حاولت تنتحر والحمدلله اني شفتها ووقفتها عند حدها لكن مب كل مرة تسلم الجرة
وانا رجال وراي اشغال مو معقول اجلس بالبيت اراقبها و احميها , وخايف عليها من نفسها
بدأت المشكلة بعد ما قربت منها صارت متذمرة و مافيها صبر وكله تبكي و تقول عن نفسها عقيم
و بعدها بفترة زوجة أبوي حملت فتعرف حركات الحريم الله يهديهم صارت تنغز زوجتي بكلمات تنقص من شأنها
وانهارت زوجتي يومتها وبعدها حاولت الانتحار , و أنا أكثر من مرة وعدتها ان لو مضى على قربي لها ست شهور
و ماحملت اننا بنسوي تلقيح صناعي , انت وش الحل برأيك ؟
قام من على الكرسي ليجلس على الكرسي الذي أمامي و تفصل ما بيننا طاولة صغيرة خشبية : انا كنت متوقع هالشي لكن حقيقة مو لدرجة الانتحار
لكن كنت متوقع انه علاجك بيرجع عليها بشكل سلبي ان ما حملت بسرعة لكن وقتها ما حبيت احبطك
كل مافي الموضوع ان زوجتك حطت في بالها انك اول ما تقرب منها من أول قرب لكم هي بتحمل وكبرت هالفكرة كثير براسها
خاب ظنها بأول محاولة و حطت املها بالثانية وخاب وحطته بالثالثة وهكذا لمن حست انها خلاص ما بتحمل
لأنها ما هي مثلك انت يوم تعد الأيام تعد من يوم ما قربت منها لكن هي تعدها من يوم ما اتزوجتها صوري لهاليوم
و المدة طويلة احدعشر شهر ونص كفيلة بأنها تحسسها بشعور سلبي , الي خلا الموضوع يكبر و يوصل لمرحلة الانتحار
هي زوجة أبوك في البداية زوجتك اتحبطت لان زوجة ابوك حملت وهي لا , ثاني شي النغزات الي وجهتها زوجة أبوك لزوجتك كانت كفيلة
بأنها تكسر آخر محطة أمل بداخلها , ما بيرجع الأمل لقلب زوجتك إلا لو انك قدمت سالفة التلقيح الصناعي و خليته خلال هاليومين .
بشيءٍ من الاعتراض وخبرةِ طبيب : لكن التلقيح له جوانب سلبية في انه ممكن الجنين يجي مشوه , هنا من جد هي بتنكسر
حرك يده في الهواء دلالة على الرفض : صحيح ما انكر انها اكيد تتمنى طفل مكتمل الخلقة سليم و اكيد بتنكسر هذا ضناها لكن صدقيني
انكسارها هذا بيكون ضعيف جدًا مقابل انكسارها الحالي لأنها بذاك الوقت بتكون حققت حلمها كأم
و ضناها بتتوجع عليه لكنها بتفرح فيه و ان شاء الله ما يصير الا كل طيب ليش التشاؤم
لا تطولها يا ناجي لأنك لو طولتها ممكن تندم بخبر انتحارها وتعيش متلوم طول حياتك و تأنيب الضمير ياكلك
و كل شي بيصير هو مقدر و مكتوب .
حركتُ رأسي بشيءٍ من القبول
و لكِ يا عزوف ما تشائين .
***
على الساعةِ السابعةِ و الربع قبل أذآنِ العشاء , كنتُ أجلسُ على الكرسي الأبيض اللون
في الخارج بجانبِ حجرتي حتى جاءني ناجي شقيقُ الكاسر
ألقى التحية : السلام عليكم
رددتُ عليه مبتسمًا : وعليكم السلام و رحمة الله
وقفتُ من على الكرسي وانا أشيرُ لهُ : اقلط وانا بدخل اسحب كرسي ثاني
وقبل أن يجيب دخلتُ لحجرتي و أخرجتُ كرسيًا أبيض اللون وضعتُه مقابل الكرسي الذي كنتُ أجلسُ عليه
جلستُ مقابلاً له , أما هو فكان يفركُ يديه و يسحبُ الهواء لصدره و يعودُ لطردِهِ تارةً أخرى : الكاسر مقبوض عليه
براثنُ الصدمة أخرست لساني عن الحديث , تصلب جسدي عن الحركة و الفزعُ بحاجةٍ للصراخِ بصوتٍ عال
لكن لا صوت لا همس ولا حركة
مسح على وجهه و الدمار النفسي يستحوذُ على عينيه قاتلٌ لهُ بلا رحمة
رفعتُ عيناي للسماء لافظًا : لك الحمدُ يالله
ما كان من ناجي إلا أن يرفع رأسه ُ ينظرُ للنجوم المضيئة : الحمدلله يارب
أخفض رأسه ينظر للكرسي الأبيض ما بين فخذيه المفترقين : الضابط أحمد قال ان الكاسر وصاه اني اعطيك رقم الضابط أحمد
وانك لازم تتصل على أحمد لأنه بيقولك اشياء الكاسر طالبك فيها بالاسم
عقدتُ حاجبي بغرابة بينما هو أخرج هاتفه من جيبِ بنطاله الكحلي
يبحثُ بين الأرقام عن رقمِ الضابطِ أحمد
قمتُ من على الكرسي متوجهًا لحجرتي المجاورة لمكان قعودنا : بجيب جوالي
دخلتُ للحجرة وتوجهتُ نحو وسادتي أخرجتُ من تحتها الهاتف النقال الذي أعطاني الكاسر إياه
وليس بالهاتف إلا رقمُ الكاسر وعدةُ مكالماتٍ ما بيني وبينه
و قبل أن أجلس أخذ ناجي يُملي عليّ رقمُ الملازمِ أحمد
بعد انتهائه عدتُ عليه الرقم للتدقيق , مدّ لي بميداليةِ مفاتيح قائلاً : هالمفاتيح من الضابط احمد يقول ان الكاسر يبغاك تاخذها
اخذتُها من يده أما هو و قف من على الكرسي قائلاً : تصبح على خير
أومأتُ برأسي دون صوت و جلستُ على الكرسي واضعًا الهاتف بإذني
أنتظرُ أن يأتي صوتُه من الجانبِ الآخر و القلقُ لا يغيبُ عني
حتى جاء صوته : ألو , مين معاي ؟
حركتُ رأسي لأعلى و أسفل وكأنه يرآني : أنا أغيد
قال مرحبًا : يا هلا بأغيد , أكيد ناجي قالك عن الكاسر , شوف يا أغيد الكاسر طالب مني
ادلك على عنوان بيت يبيك تدخل لهالبيت وتدور بالمكتب حقه على ورق يقول انه مهم وما يبيك
الا انت الي تدور عليه و يبي الورق يبقى عندك و قال اني من فترة لفترة اجيك و أقرأ المكتوب في الورق
لك لأنه قال انك ما درست و بتكون القراءة عليك شوي صعبة فأنا بقرأ و انا وانت نحل اللغز
انا للآن مدري وش هو اللغز ولا ادري عن أي ورق يتكلم بس الظاهر انه مهم وبيساعده في الخروج من السجن
وممكن يساعدك انت حتى تلاقي المجرمين الي بتروا ايديكم و تحصل اهلك و تحصل اصاحبك مبتروين اليد كان الله في عونك يا اغيد
وهذا عنوان البيت ...
عندما انتهى من وصف الطريق للوصولِ إلى المنزلِ المقصود
اردف : طبعًا بتفتح البيت بالمفاتيح الي معاك
فور انتهاء الحديث أغلقتُ الهاتف وقمتُ من على الكرسي دخلتٌ لحجرتي
وأخذتٌ المال الذي اعطاني إياه الكاسر لأصرف منه وما صرفتُ منهٌ شيء فهم يكرموني في الطعام مما يأكلون
ولا أحتاجُ للمالِ في شيءٍ آخر لكني اليوم سأحتاجه لأدفع لسيارةِ أجرة تأخذني حيثُ المنزل المنشود .
***
الساعة الثامنة و النصف بعد صلاةِ العشاء , ألتمُ على نفسي كالقرفصاء أمسكُ بمعدتي التي تؤلموني
و استمع لصوتِ طرقٍ على الباب و لا قوة لي لأن أأذن لمن يطرق بالدخول
فحتى حنجرتي تؤلمني وبشدة إلى حدِ أن صوتي صار خافتًا لا يُسمع
و أقدامي لا تستطيع الوقوف ما ان أقف حتى أسقط أرضًا
يبدو أنها الخادمة جاءت بالدواء الذي اعتدتُ أن أشربه منذُ رست ندوبُ الوجعِ على جسدي
منذُ حرقهِ لي بسجارته و ضربهِ لي بحزامه
منذُ نحيبي و عويلي الذي اختفى بهِ صوتي و ألتهبت بهِ حنجرتي
و لا أدري ما حالُ معدتي يبدو انك يا " معن " لا ولن ترتاح حتى تقتل الحياة بداخلي
و لا اختلف عنك في هذه الرغبة اقتلني يا معن و لا تعذبني
اقتلني يا معن فقتلك لي أهونُ من تأنيب الضمير
أكثرُ هوانًا من صوتِ أمي بحسرتها
و صوتُ الضمير الذي لا صوت لهُ
كان حيًا فقتلتله من أجلك يا معن و ها أنت تعود لتقتلني
صوتُ الأنا الذي غلبَ صوتَ الضمير حتى صار معدومًا مات الحياء و ماتت تشعبات الايمان بداخلي
لاهديك ذاتي و تتوسد انسانيتي تحت الثرى
أرى ضميري يتلحفُ بالكفن يقولُ لي ويحك عشتُ بداخلك سنونًا طوال
فأدفنه بيدي فيقولُ لي أتجعلي طفيليًا يقطنُ بمنزلي
أهلتُ عليكّ التراب و ها أنت تعودُ لي يا ضميري ولكن بعدما أهلكني الطفيلي
يبدو أن الخادمة شعرت بملل فقد دخلت للحجرة
و وضعت كيس الدواء على الكمودينة بجانبي
وضعت يدها فوق كتفي قائلة : مدام انتا فيه تايرد " تعب "
حركتُ رأسي بالرفض , في المقابل هي حركت رأسها بالموافقة وجرّت خطواتها للخارج
اخرجتُ الهواء من رئتي و فتحتُ الكيس أخرجتُ من داخله علبة الدواء " اموكسيل "
وضعتُ حبةً بفمي ولحقتها بماءٍ من القارورة البلاستيكية الشفافة
علّ ألم حنجرتي يغادرني قليلاً
استلقيتُ على السرير في محاولةٍ فاشلة للنوم .
***
وصلتُ إلى المنزل المنشود , فتحتُ الباب و دخلت
المنزل كبير و يبدو انه مهجور , قديمٌ جدًا جدرانه متصدعة متشققة
أخذتُ ابحثُ عن المكتب
افتح باب حجرة و اغلقه لأفتح الآخر حتى وجدتُ المكتب
اتسعت عيناي
الحجرة محترقة بالكامل !!!!
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $
|