الجحيـــم
(46)
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
روايتي كل بطل فيها يتكلم عن نفسه هذا يعني انه اي بطل يغلط في الدين فهو الي غلط مو أنا
انا مستحيل و من سابع المستحيلات اكتب لكم شي خطأ بالدين
الدليل او المعلومة الدينية قبل احطها اتأكد منها من مواقع اسلامية موثوقة و اذا اضطريت سألت اهل العلم فيها
الأحداث القادمة بتحمل اشياء تشيب الراس لهولها و اعيد و اكرر مهما كان فيها اغلاط دينية من قبل الابطال فأنا مالي دخل
و الغلط اكيد بوضح في يومٍ ما انه غلط , النهايات الي بعضكم يتوقعها للأبطال وتكون نهايات سلبية مو شرط تصير و لا شرط الايجابي يصير , الرواية ماشية بوتيرة اذا استشعرت الخطأ وتبت لله فالله غفور رحيم , اذا ما استشعرت ولا تبت و بقيت بدرب الخطأ فالله شديد العقاب و من كلامي هذا تأكدوا انه بإذن الله النهاية مرضية
طرقتُ الباب بقوة و عزوف تتشبثُ بيدي و تُحاول انتزاعها عن الباب و ابعادي عن المكان
ولكني لم أهتم سأردُ لكِ كرامتِك ِ يا معزوفتي حتى وان كنتُ في يومٍ ما رميتُكِ بنيطلٍ ما أخلى سراحكِ
إلا بعدما صفد قواكِ بحديدٍ ذا بأسٍ شديد
فُتح الباب لتظهر هي من وراءهِ تُمسك بالإطار و ترفع حاجبها بغرابة و قبل ان تنطق
تكلمت بسرعة : يا مره ابوي , زوجتي مالك شغل فيها فاهمة
رفعت رأسها تنظرُ للإطار الاعلى من الباب و من ثم انزلت عيناها بنظرةٍ إستهزائية استفزازية : يالله على الغيرة
والله بديت اخاف عليه " مسحت بيدها على بطنها و من ثم أشارت على عزوف " مو عشان زوجتك عقيم تجي هنـ
و قبل ان تُكمل بكت عزوف بحُرقة وقد جلست على الأرضِ بهوان
تأججت النار بصدري وثارت روحي بغضبٍ لم اعهده من قبل , نفثتُ حممًا من احشائي بعدما امتدت يدي بصفعة ٍاستقرت على خدها
حينها اتسعت عيناها و زاد نحيبُ عزوف و هي تقول : نـ...اجي الله يخليـ...ك سيبها
اما هي فقفزت على الأرض كالملسوعة و هي تصرخ بجنون : تضربنـي !!
دخلت للحجرة و هي تطرقُ احد الأبواب بالداخل منادية : عبــــــدالقوي اخرج شوف ولدك وش سوى فيني
اما عزوف فأمسكت بطرف بنطالي وهي لازالت على الأرض بلا قوة , وبعينيها رجاء : ناجي بتجيب لك مشكلة مع ابوك
الله يرضى عليك يا ناجي ما ابي اكون سبب في مشكلة بينك وبين ابوك خلينا نروح
و لكني أعلنتُ العصيان و رفعتُ رأسي نحو الباب انتظرُ خروجه
لقد نفذ الصبر يا أبي
مارسة سبب ذُل أمي
و هوان زوجتي ولن أسمح بالأكثر
ظهر أبي من خلف الباب وهو ينظرُ لي وينظرُ لمارسة من خلفه بغرابة و يبدو انه لم يفهم شيء
وضعت يدها بمكانِ صفعتي و بعينيها قهرٌ و كل معاني الإنتقام و اللاخير , حركت عيناها لأبي لتنطق و عيناها تغسق
بدموعِ التماسيح : ضربني كف عشاني حامل
اتسعت عينا أبي و بثّ لي نظرةَ إستصغار : صح هالكلام يا ناجي ؟
إستقام ظهري بوقوفٍ ثابت
وقبل أن اتحدث قالت هي بدلال و هي تُمسك بيدِ أبي : عبووودي مو مصدقني
حينها احتقن وجهُ أبي حُمرة من الموقف
فمناداتها لهُ بهذا التدليل تقليلٌ من شأنه امام ابنه
كما انه الرجلُ الذي يبغضُ النساء , و اليوم تناديه فتاة اصغرُ من أصغر ابنائه
بتدليلٍ لهُ وكأنه شابٌ لم يدخل مرحلة النضج و الكهولةِ ايضًا
احتلت ابتسامةُ السخرية ربوع ثغري رغمًا عني
بعدما كان يدهسُ والدتي و يهيلُ التراب على بناته و بكاءنا و عويلنا بالمنزل لا يهدأ
ينتفضُ جسد والدتي هستريًا و عمتي زبيدة رحمها الله و الدة عُزوف تنوحُ نوح الحمام رغم انهن لسن ببناتها
أجبتُ مؤكدًا بثبات : ايه نعم كلامها صحيح ضربتها ولا هي سواة تسويـ
وقبل أن اكمل امسكت بيده و هي تحاول سحبه لتغلق الباب الذي بيننا
قائلة بمكر : لا تعصب نفسك عشانه حبيبي انا مسامحته هو ولدك وانا ما ابي اكون سبب بفرقتكم
ترك أبي يدها و حاول ان يحل الموقف بحكمة : خلاص حصل خير بس هاذي يا ناجي مره ابوك و عيبن عليك تمد ايدينك عليها
وقفت عُزوف و هي تستندُ على ساقي و تلقفت يدي أبي لتُقبلها و بإحترام : آسفين يا خالي
حرك أبي رأسه موافقة و دخل للحُجرة و أغلقت مارسة الباب من وراءه و يبدو على وجهها انها لم تنوي بِنا خيرًا وأن ردة فعل أبي لم تُعجبها و ترضيها بتاتًا
حاوطت يداي كتفيها مساعدةً لها على المشي بعد سيلِ الشتمية التي هزتها من اعماقها و انتشلتها من الثبات الى انتفاضةٍ افقدتها زمام التحكمِ بذاتها
فصارت اقدامها كالعجين و خارت قواها الداخلية بثورةِ العُقم التي بدأتها مارسة
حسبي الله ونعم الوكيلِ عليكِ يا مارسة اللهم اشغلها في نفسها و بملذات الدنيا و رد كيدها بنحرها يا مجيب الدعاء
حينما ابتعدنا عن قسم أبي و مارسة , قلتُ لعُزوف بضيقٍ يُطبق على صدري : ليش اتأسفتِ ؟
نطقت دون ان ترفع عينيها : اتأسفت لخالي مو لها
بذات الضيق : لكنك ما سويتي شي غلط حتى تتأسفي
خرجت الكلمات من شفتيها برجفةٍ لا إرادية : اتأسـ...فت وانتهى الموضـ..وع
جعلتها تُقابلني بوقفتها بعدما كانت بجانبي أما يدي فحاوطت خصرها بدلاً عن كتفها , وضعتُ ثغري بإذنها ليقشعر جسدها بخجل وبهمس : انتِ ملكي و املاكي كرامتها بالعالي
وصلني صوت ريقها الذي ابتلعته فإبتسمتُ مُرحبًا بخجلها الذي أهواه
وضعتُ يدي خلف رأسها و ثغري تلاصق بجبينها بقُبلةِ احترام : معزوفتي , مارسة حاطة نقرها من نقرك انتِ شايفة كيف محد معطيها وجه بالبيت حتى امها ما قمت اشوفها مع بنتها
فهي تحس بالنقص و تحاول تحسس غيرها بالنقص في الشي الي هي تملكه ما عليكِ منها كلامها دخليه من اذن و خرجيه من الاذن الثانية مثل ما دخل
ولا تعيريها اي اهتمام و متى ما كتب ربي بتحملي قلت لك وبظل اقول من يوم ما دخلت عليك لهاليوم المدة بسيطة في ناس تجلس بالسنين و ربي يرزقهم
و مثل ما قلت لك لو كملنا ست شهور من اول ما قربتك بنروح نسوي تلقيح صناعي .
حركت رأسها بالموافقة و ابتسامة ناعمة تحفُ شفتيها لتزيدها جمالاً فوق جمالها
ثبتُ عيناي على ثغرها و عضضتُ شفتي : افكر اتهور هنا
وضعت يدها بصدري لتدفعني قليلاً عنها و من ثم مشت تتقدمني بعدما استعادت قواها : قليل حيا و تفكيرك منحرف
ضحكتُ بشدة و هي تُتمتم بذات الكلمات .
***
بتمام ِ الساعةِ السابعةِ صباحًا بأرضِ كندا , يجلسُ على الأريكة منذُ ساعات ينتظرُ أوين ناتان و قد أصابه الملل
نطق بضجر و هو يحرك أقدامه بقلةِ صبر : أين هو السيدُ اوين ؟
رد المترجم : في طريقهِ للقدوم
حرك يده في الهواء بإنفعال : أتعلم ان لك ساعات وانت تقول انه في طريقه للقدوم , هل سيجيء أم لا ؟ فلتجب
دخل أحدُ الرجال ليتحدث مع المترجم بما لا يفهمه سمحي
ليقول المترجم لسمحي : إن السيد أوين لا يستطيع القدوم , لكنه يقول أن الشحنة ستنزل للسعودية في الغد
ليجيب سمحي بتعجب : ماذا ؟!!!
إلتزم المترجم بالصمت ليتيقن سمحي ان ما سمعه كان صحيحًا
تابع المترجم : وسوف تذهب اليوم إلى السعودية بعد قراءة هذه الأوراق
و مد يدهُ بالأوراق إلى سمحي ليأخذها سمحي بوجهٍ متجهم لم تمشي الخطة كما أراد
كان من المفترض ان كاميرا المراقبة الجديدة التي اعطاهُ إياه احدُ اعوان الكاسر أن تُصور أوين ناتان
ولكن أوين لم يأتي .
*
و على الطرف الآخر نطق أوين ناتان من بعدِ صمتٍ طويل : اذًا ستتغير الخطة بما أن جهاد سيُساهم بالقبضِ على الكاسر
لن نجعل الكاسر يقتل سمحي و لكن سنُطبق ما قاله جهاد حرفًا بحرف
قال احدُ اعوانه : هكذا ستصبح اسرةُ الكاسر بالسجون
أجاب و الإبتسامة بشفتيه : نعم .
***
الساعة الواحدة ظهرًا , اتسعت حدقة عينيها وضاق بؤبؤها كضيق التنفس في صدرها , إنتفضت عروقها و تصبب جبينها عرقًا
اختلجت اطرافها و انهدل دمعها الأجاج , هذا ما كنتُ أخشاه
دمعكِ يا عُزوف
سحبتُ رأسها لصدري أهديها القليل من الآمان الذي تحتاجه هامسًا : بس يا قارورتي اكيد الكاسر بيجيب الدليل و يطلعها
وضعت يدها حاجزًا ما بين صدرها و صدري , و رفعت رأسها قليلاً تنظرُ لي : هذ..ا الي كنـ..ت خايفة منه انها تنسجن
أبعدتُ شعرها الأسود المبتل الذي يلتصقُ بوجنتيها الناعمتين
سحبت مخاطها و أنفاسها تهدأ شيئًا فشيئًا : ابي ازوها
حركتُ رأسي بالموافقة
فقامت من على السرير إلى حيثُ عباءتها في الشماعة .
*
و انتفض المنزل بأكمله بما وصلهم من أخبار فالكاسر قال لإخوته و ابيه , و اخوته وابيه لم يقولوا لنا إلا الآن
لم أكن على استعداد لتلقي هذا الخبر الصادم للحظة توقف تفكيري على حالها سجينةً بالقبضان تنتقل من سجانة لسجانة
و للحظة أخذتُ أجول بين دموعها الشفافة التي أغرقتني , رحلتِ يا أمي و تركتني أنا الكُبرى كأمٍ لهن
و لكني يا أمي لم أستطع أن أكون أمًا كما كنتِ , أمي ها هي أختي هوازن حافظة القرآن بالسجون
و ها هي أختي عُزوف بلا طفل يرسمُ البسمة بشفتيها , و ها أنا أعيشُ حياةَ الظلم و الجور
أمي لماذا نعيشُ الحياة بطعمها البائس ؟ , متى سنذوق طعمها الحُلو ؟
هل سنشارككِ الكفن و طعم حلاوةِ الحياةِ لم تُداعب ألسنتنا ؟ , منذُ رحيلكِ و رحيلُ أبي عشنا اليُتم و القهر و الذل
و افتقدنا الأُلفةِ والحنان ِ و الأنتماء , أختي عُزوف تبكي لأُختي هوازن و أنا أسعى لتهدئتها كالعادة
أترأسُ دور القياديةِ و القوة و أجدني بالداخل هشة أحتاج من يكفكفُ دموعي التي لا تهطل إلا بغياهيبِ وحدتي أو على صدرِ سفاكي
و المعضلة أنني أتصنعُ كل القوة بحضورِ سفاكي و أجدني أكثر ضعفًا من نملةٍ تقصدُ جحرها وقبل أن تصل تدهس
و أنا كذلك أبقى في حجرك أبكي و قبل أن يتلاشى حزني يتضاعفُ بذكريات الماضي التي لا تغيبُ عنك فأزيدُ هشاشة .
***
بكل لحظة أنظرُ للساعة التي تحيطُ معصمي لا لأعرف كم الساعة بل لتتبدد صورتها أمامي
تتعالى ضرباتُ قلبي لمزاولة ِ الذكريات ِ لي , على ضفاف الذكريات هي أول فتاةٍ أحادثها
هي أولُ فتاةٍ تحادثني , هي أول من يقدمُ لي هدية بل هي أول فتاةٍ تهديني
هي الأكثرُ جرأة و تمردًا , هي بهيئتها تُماثل الأولاد ولكنها فاتنة والله إنها لفاتنة
عيناها ناعستين بائستين شجيتين و لكن ساحرتين
هي الأُنثى القاتلة لرجولتي
هي الأنثى القاتلة لقداسةِ الإيمانِ بداخلي
ما بالي أجدنُي غريبًا عني
لا أجدني أغيد كما كنت بل أجدني أغيدًا لها
أغضمتُ عيني بشدة وأنا أضع يدي اللامبتورة على قلبي أحاول انتزاع ما يغرسُ ذاته هنا
أحاول إنتزاع ما يُخفي أغيد من الوجود ِ إلى اللاوجود
حرامٌ عليك يا أغيد ما تفكرُ بهِ
لأنها لن تكون لك , هي ليست لك لأنك مسخٌ لا قيمةَ له
لأني اللاوجودُ في الوجود لأني بلا هويةً تحميني
ولا وطنٌ يأويني و لا أسرةٌ تحفظُ مكانتي
لأعرف هل أنا ابنُ الحلال أم الحرام
ولا أملكُ إلا شيئان
ديني الإسلامي و شرفي كرجل
شرفُ الرجل هو صنعه لذاته
ولكني أخافُ على ذاتي منكِ يا أيتها المسترجلة
أخافُ أن تسرقي مني شرفًا صنعتُه لذاتي
لأني بتُ أرى نفسي بغير ما عهدته عني .
*
و على الطرفِ الآخر هي تبادله ذات الأفكار تتحرك بحجرتها جيئةً وذهابًا و رأسها يكادُ ينفجر
صورتُه بكل مكان بكل ركن بل بمجرى دمها من هو أغيد حتى يستحوذ عقلها
رجل لا يد له ! , رجل بلا شخصية ! , بلا صوت بلا حضور بل بلا وسامة و يبدو انه بلا مال
و لكن بأخلاق وهذا مالم تجده بغيره , أوه يا حميدة بماذا تهذين إنه كاذب
نعم فلماذا يعاملكِ بالحسنى و انتِ بلا جمال ٍ ولا جاذبيةٍ أنثوية
نعم إنه كاذب إنه يريدُ مني ما يريد و من ثم يتركني فقيرةً بلا شيء
ولكنه ليس مثلهم
حميدة اصمتي يا بلهاء , أخذت تضرب بهاتفها المحمول حافة " التسريحة " مرة و مرتان و تستمع للصوت
لعل ّ هذا الصوت يُخرجها من أفكارها اللانهائيةِ به ِ .
***
استبدلتُ حفاظها المتسخ بآخر , و ابتسمتُ لها و كأنها تفهم وضعتُها بحجري وهي صامتة
لآمستُ يديها الصغيرتين الناعمتين , كم أُحبُكِ يا صغيرتي
لم أتمنى و لو لبرهة أن يكون حالُ فتاتي هكذا , مسحتُ دمعتي التي سقطت ولكن لم أستطع أن أمسح بحر الدموع من بعدها
بكت و كأنها تفهمُ أن والدتها تبكي بكت بصوت و انا دون الصوت
بكت دون الدمع و انا بالدمع , حتى في طقوسِ البكاءِ تشاركنا لأكون الوالدة و تكون الفتاة
وقفت أمامي جيلان تمدُ يدها فأعطيتُها طفلتي وانا أُعدلُ حجابي
وضعتها جيلان بالسريرِ المحمول و مدت السرير لي
فأخذتها , وغادرتُ المنزل إلى حيثُ سأتركُ فتاتي
و وصلتُ إلى الدارِ المقصود نزلتُ من سيارة التاكسي بعد اعطائه " الجنيهات "
و بعد أن تأكدتُ من رحيله اقتربتُ من خطواتي للدار خطوة تلوها خطوة
و صوتُ بكاءِ طفلتي يتعالى شيئًا فشيئًا
سامحيني يا طفلتي هذا خطأٌ اقترفناهُ أنا و أبيكِ هزاع بالحرام
و أنتِ يا فتاتي ضحيةَ الحرام و لا ذنب لكِ سوى أن و الديكِ من مفسدين الأرض
سوى أن والدتك راقصة عارية بمرأى أشباه الرجال
و سوى أن أباكِ أحدُ أشباهِ الرجال
وضعتُ ثغري بأعلى رأسها أُقبلها القُبلة الوداعية
و احتضنتها لصدري بشدة أشتمُ رائحتها
و على الرغم من أن حرارة الصيف تشوي الأقدام إلى الرؤوس , و الرؤوس إلى الأقدام
إلا ان برودة الشتاء تقرص العظام و نحنُ لا بالصيفِ و لا الشتاء
تناقضُ يمرُ بهِ جسدي فأحتضنها لينتقل دفئها لجسدي و لأهبها برودتي
فتهبني البرودة و أهبها الحرارة لا أدري مالذي أفعله معها و ما أقوله
غير أني لا أعيش الربيع إلا بإحتضانِ صغيرتي
و ها هي آخرُ خطواتي
هاهي الوقفة
و ها هو آخر مشهد
ها هي الأجراس تعلنُ النهاية
و ها أنا أضعها أمام الباب لتشويها شمسُ الصيف و تقرصها برودة الشتاء
و أرحل عنها لأموت بخريفٍ تفقدُ فيه الأشجار أوراقها
أما هي فتحملُ الصيف في عزِ الشتاء و تحملُ الشتاء في عزِ الصيف
و تعيش ما لا تعنيه ِ الفصول الأربعة
رحلتُ و دمعي ينسجرُ بعيني لينهمر كشلالٍ لا ينتهي
لا بدمعٍ شفافٍ أجاج بل بدمِ قلبٍ أحمر .
***
و بتمامِ الساعة الثانية و النصف ظهرًا , ها قد وصلنا , ها نحنُ أمام مكانٍ تمكثُ بهِ أكثرنا تمسكًا بالدين
" إدراة سجون النساء " هكذا كُتب على اللوحة الذهبية اللون
و دخلنا للداخل إلى مكانٍ لم يخطر ببال إحدانا أن تدخله
ولكن كان يتوجب على إحدانا رؤيتها و لأن أختي عُزوف هي أكثرنا هوانًا
وجهتُ لها حديثي : ادخلي انتِ يا عزوف وشوفيها
انتفض جسدها إنتفاضةً ملحوظة و انكمشت على ذاتها و اتسعت عينيها و فتحت فمها
دون أن تُخرج أي حرف ولكن شهقة خرجت من جوفها علو الشهقة هيأ لي أن روحها غادرت جسدها
و هطلت دموعها بغزارة أكثرُ من السابق
و هي تحرك رأسها بـ لا دون أن تتفوه بكلمة
أغمضتُ عيني و قبضتُ على يدي و أنا أستغفر الله بيني وبين ذات
أشعرُ أني بدأتُ أفقدُ صبري لم أعد أحتمل والله إنها مسؤولية كبيرة جدًا على عاتقي
أريدُ أن أبكي مثلهن لعلي أرتاح ولكني المسؤولة عليهن بعد غيابِ والدتي رحمها الله
وضعتُ يدي بكتفها و بصوتٍ حنون : اهدي يا عُزوف الله يرضى عليكِ , هوازن محتاجة الدعم محتاجة القوة دموعك بتضعفها
حركت رأسها بـ لا و حروفها لا تخرج من مخارجها
حينها قالت عمتي ساجدة من بعدِ صمتٍ طويل : عُطرة انتِ دخلي عليها , عزوف ما بها قوة وانا ان شاء الله بشوفها بوقتن ثاني
نظرتُ لعزوف لأتأكد من اجابتها فإذا بها تُحرك رأسها بالموافقة
سحبت هواءً عميقًا لصدري و حملتُ الأكياس معي
فإذا بإحدى السجانات تُجري عملية تفتيش لما بداخل الأكياس
و الأخرى تسألني عن اسمي فأجابتها
و دقائق معدودة حتى جاءت قائلة : تنتظرك
مشيتُ للأمام معها إلى أن دخلتُ لحجرة صغيرة
و أول ماوقعت عليه عيني بالحجرة هي أختي هوازن بحجابها الكامل تجلسُ على الكرسي منكوسة الرأس
لا يا أختي أنتِ أطهرُ من أن تنكسي رأسكِ و تعيشي دور المجرمة المسجونة
تقدمتُ بخطواتي على صوتِ السجانة : خمس دقايق و تنتهي الزيارة
وقفت السجانة عند الباب أما أنا فألقيتُ التحية على أختي و جلستُ أمامها على الكرسي و لا يفصلنا إلا طاولة بيضاء مستديرة
لم ترد التحية فقلتُ مذكِرة لها : رد السلام واجب يا هوازن
فردت بصوتٍ منخفض إلى حدِ أني لم أسمع إلا كلمة " وعليكم "
احتضنتُ يدها بين يدي و بحنان : هوازن وش فيك حبيبتي ؟ , ليش منزلة راسك كذا ! , ارفعيه انتِ هوازن الي ما تطلع منها العيبة
ارفعيه انتِ هوازن حافظة القرآن , ارفعيه انتِ هوازن افضل و أحن أم على أولادها , ارفعيه انتِ زوجة صالحة , ارفعيه انتِ اخت نصوحة .
سحبت يدها بقوة من يدي و حركت رأسها بالرفض و بصوتٍ ظهر قويًا من بعدِ إنخفاضه : ابعدي عني روحي انا مو كويسة مو كويسة و انتوا كلكم
كذابين لو كنتوا تحبوني كان من اول ما دخلت جيتوني كلكم ما تبوني اصلاً انا مو زيكم طول عمركم تعاملوني على اني خبلة ما اعرف ارتب نفسي
ما اعرف ارد على احد اذا جرحني بكلمة , انا اقل منكم انا مو زيكم .
عدتُ لأُمسك يدها رغمًا عنها و بصوتٍ أكثر علوًا من صوتها : طبعًا انتِ مو زينا انتِ أعلى مننا انتِ أميرتنا بأخلاقك و طيبتك
حاولت أن تسحب يدها و استطاعت ان تسحبها و رفعت رأسها أخيرًا لتنظر لي و سرعان ما طأطأت رأسها : و مادخلني السجن الا طيبتي الغبية قوليها كملي جملتك
كلكم نفسكم تقولها بس ماسكين لسانكم كلكم تشوفوني غبية و ينضحك علي و انا صح غبية بس ما بقعد غبية طول عمري
حركتُ يدي بالهواءِ بإنفعال فحالُ هوازن لم يعجبني قط لم أعتقد أنها ستتغير بهذا الشكل ظننتُها تبكي
ظننتُها تحتضنُ كتاب الله و لكني وجدتها هائجة منفعلة قانطة ساخطة و غيرُ راضية بحالها
خرجت حروفي من جوفي حارة كاللهب و بها من المعاني الكم الكبير بها من مشاعر الأخوة القدر الهائل بها من الحُرقةِ عليها ما يسعُ الأرض بكل اقطابها
: هوازن استهدي بالله انتِ جوهرة انتِ أميرة و أي شخص يتكلم عليكِ هو حاقد عليكِ هو يتمنى يكون محلك يكون عنده حسنات كثر حسناتك و سيئات بقلة سيئاتك
و الـ...
وقبل أن أُتابع قاطعني صوتُ السجانة و كم كرهتُ صوتها الحاد ونزاقتها في التعامل وكأنها تتعاملُ مع حيواناتٍ لا بشرٍ من طينٍ مثلها
: انتهت الزيارة يـلا
تأففتُ بضيق و حملتُ حقيبتي البيضاء و ألقيتُ آخر نظرة على هوازن المنكوسةِ الرأس
و الأسى أحاطني من كل الجهات و أول ما خرجتُ من الحجرة هطلت دموعي التي حاولتُ سجنها بأغلالي
هطلت دون توقف فأخذتُ أمسحها بعشوائية قبل أن أرى عُزوف و عمتي
لا أُريدهم أن يروني أبكي فيزيدُ شجنهم و قلقهم
أُريد بثّ الطمأنينة لصدروهم و وقت ما يرونها سيعلمون أنني كاذبة بما قلت .
***
الساعة الثامنة ليلاً , و وصلتُ إلى المطار الذي يقع غرب مدينة السادس من أكتوبر , ها أنا اليوم يا " مي "
أرحلُ عن مصرٍ كما أردتِ , ها أنا يا " مي " أُلبي طلبك ولا أعلم ما الضرر الذي قد يحلقني بقعودي هاهنا
و لكني أعلم أنكِ أنتِ و عائِلتك من يبحثُ عنهم الكاسر
ولو أخبرته لربما زج بكِ في السجن وأنتِ لا تستحقين هذا
صحيحٌ قد ينعتك البعض باللاشريفة و ما إلى ذلك من كلمات لكونك تخوضين الفواحش بإستمرار
ولكن لأني كنتُ مثلك بذات المتاهة بذات التخبط حتى قامت مارسة بالزواج من أبي
فصفعتني صفعة خذلان جعلتني استفيقُ مما أنا عليه
و أنتِ كذلك تضيعين في ذاتِ المتاهة ولن تستفيقِي إلا بصفعةِ خذلان
و لكن أنا لن أُعطيكِ هذه الصفعة لأن طعمها مُرٌ , و وجعها مُهلكٌ قاتل
سأدعُ الحياةِ تعطيكِ هذه الصفعة من دورسها التي لا تنتهي
لن أكون سببًا في أوجاعكِ كما كانت مارسة
و حتى إن لم تكوني تُحبيني و حتى إن كان تحذيرك بالهرب ِ في الرسالة ما هو إلا شفقةً و رأفةً
بحالي بعد آخر موعدٍ لنا تحت ظلال الشجرة , فأنا لن أكون قاسيًا كما كانت مارسة ولن أقول
للكاسرِ عنكِ لأني أعلمُ بمدى الخيرِ بداخلك ولكن عائلتكِ لم يسعوا ولو ليومٍ واحد بإظهار خيرك
كُل اللوم بتربيتهم لا بكِ يا " مي "
ستبقين من أجمل الذكريات و أكثرها قسوة
و ستبقى مارسة من أبشع الذكريات و أكثرها شناعة
نعم يا " مي " إن لم تكوني تُحبيني فهذه صفعةُ خذلانٍ واحدة
و لكن " مارسة " !
صفعةُ خذلان بعدم حبها , وصفعةُ خذلانٍ أبادتني من الوجود بقوتها وتلك بزواجها من أبي
لأكون ركاضًا بالوجود ليس بعهده القديم كما كان ركاض مرتكب الفواحش .
وضعتُ حقيبتي بجهاز كشف الأمتعة للمسافرين , و رحتُ لآخر الجهاز لأستلم حقيبتي مع بقية المسافرين
سأرحلُ عنكِ يا مصر بعد ستةِ سنواتٍ تغربتُ بها
سأرحلُ دون شهادة تخرجي
فقط لأن " مي " طلبت هذا مني
سأرحلُ يا " مي " دون عودة .
سمعتُ صوت رجلٍ من الخلف و يبدو أنهُ من طاقم المطار ينادي أحد المسافرين بـ : لو سمحت تعال هنا
لم أهتم ولم ألتفت فما شأني بهم و بمعضلاتهِم أخذتُ حقيبتي و مشيت فإذا برجلٍ من طاقم المطار يركضُ أمامي بسرعة و يلهثُ لشدة ركضه
مما دفع الفضول عندي لألتفت للوارء و أرى من يقصدون بمناداتهم فلم أشعر إلا بيد تتشبثُ بيدي حيثُ كانت عيناي سابقًا قبل الإلتفات
فإلتفتُ كما كانت عيناي و الغرابة بملامحي
على صوتِ الرجل القابض علي و الذي هو من طاقم الأمنِ بالمطار , أشار إلى حقيبتي قائلاً : البتاع ممنوع
عقدتُ حاجبي دون إستيعابٍ مني فأنا متأكدٌ من حقيبتي وكيف لا وأنا من رتبها و نظمها !
توقفتُ بمكاني بينما تجمع حولي طاقم الأمنِ في المطار
و المسافرين ينظرون بفضولٍ و تجمهر بينما يحاولُ طاقم المطار إبعادهم لمزوالةِ عملهم
توقفت على أملِ أن يقولوا أنهم على خطأ
و عيناي موضع الحقيبة حيثُ هم يبحثون عن اللاشيءِ برأيي
و قليلاً من الوقت حتى ظهر صوتُ أحدهم قائلاً : هوه ده
وهو يرفع بيده كيسًا شفافًا به من البوردة البيضاء
اتسعت عيناي شيئًا فشيئًا لهولِ صدمتي و قد أخذ أحدُ الطاقم الكيس الشفاف لفحصه وبيده قفازٌ شفاف
أما أنا فسؤالٌ يعيدُ ذاته " كيف دخل هذا الكيس بحقيبتي ؟
و قبل أن يُتابع ذلك الرجل من الطاقم سيره لفحصِ الكيس و التأكد من محتواه
أخرج رجلٌ آخر من الطاقم ورقة من الحقيبة كانت صغيرة و بأعلاها دبوس
قال رجل الطاقم : ده كان مدبس بالبتاع بس شكلو وئِع
وافقه ذلك الذي يُمسك بالكيس لفحصه وهو يرفع الكيس من أعلاه و يشيرُ إلى موضع التدبيس : آه هوا كان هنا
فتح الورقة المتوسطة بحجمها وهو يقرأها بصوتٍ عالٍ : إلى أخي الكاسر عبدالقوي
هذه هي الأمانة التي وصيتني بوصلها إلى مدينةِ جدة في السعودية
و بقي دفعُ المال
" ركاض عبدالقوي "
*
لم تبقى أمامي إلا صورة " مي " وتحذيرها لي
إن تحذيرها مكيدة حاكتها ببراعة .
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $