لا تذكر الأمس إنى عشت أخفيه
إن يغفرالقلب جرحي من يداويه
قلبى وعيناك والأيام بينهما
درب طويل تعبنـــا من مآسيه
إن يخفق القلب كيف العمر نرجعه
كل الذى مات فينـا كيف نحييه
الشوق درب طويل عشت أسلكه
ثم انتهى الدرب وارتاحت أغانيه
جئنا إلى الدرب والأفراح تحملنا
واليوم عدنا بنهر الدمع نرثيه
مازلت أعرف أن الشوق معصيتي
والعشق والله ذنب لست أخفيه
يا فرحة لم تزل كالطيف تسكرني
كيف انتهى الحلم بالأحزان والتيه
حتى إذا ما انقضى كالعيد سامرنا
عدنا إلى الحزن يدمينا .. وندميه
ما زال ثوب المنى بالضوء يخدعني
قد يصبح الكهل طفلا في أمانيه
أشتاق في الليل عطراً منك يبعثني
ولتسأل العطر كيف البعد يشقيه
ولتسأل الليل هل نامت جوانحه
ما عاد يغفو ودمعي في مآقي
لـــ فاروق جويدة
الجحيـــم
( 28 )
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
بدى على ملامحه التوتر , وهو منذُ الصباح يتلافى لقائي
بادر ركاض بالحديث : ابوي جايين انا و معن نكلمك بشي مهم
إبتلع ابي ريقه و بذات توتره : وش هو ؟
بشيءٍ من السخرية : بخصوص زواجك
إتسعت حدقتاه وهو ينظر إلى ركاض بهلع
بينما سبقته بالجواب قبل سؤاله : يعرف
بغير رضى : قلت له يا معن
ببرود : لا , بس هو الي علمني عنك
بإستغراب : كيــف وهو في مصر
بلامبالاة : مو مهم الكيف المهم وش بتسوي فكرنا انا و ركاض شفنا انك تختار واحد من الإثنين اما طلاقها او إعلان الزواج , احنا ما نتحمل كتمانك الحقيقة عن امي
وفإذا ما اخترت انا و ركاض بننشر الخبرية بطريقتنا .
عقد حاجبه و حديثي معه لم يعجبه , قال بشيءٍ من اللارضى : لاتنسى يا معن انك قاعد هالحين تتحاكى مع ابوك , كانه توضح انك تهددني
تدخل ركاض و هو يقول بإقناع ليكسب رضى أبي : يا ابوي معن ما يقصد , لكن يا ابوي الموضوع كبير وهذا الي خلى معن يندفع بالكلام يا ابوي هو ماهو بتهديد لك و اصلاً يُحال واحد فينا يسترجي
يهددك انت ابونا و بدونك هالبيت ما يقوم , يا ابوي مثل ما انت لك معزة بقلوبنا حتى امي لها معزة ومايهون علينا نتركها بجهلها لازم تعرف وعشان كذا يا اما توقف الموضوع و تطلق مارسة يا إما تعلن زواجك فيها
و احنا بدورنا بنخفف على امي , ولو تبغى مهلة فلك الي تبعاه من الوقت لكن رجاءً يا ابوي رد لنا خبر .
أمسك بقلم ازرق واخذ يكتب بالورق من أمامه و بهدوء : طلاق ما ني مطلق و إعلان اليوم بالليل بعد العزيمة بعلن بإذن الله و امكم هذاني اقولها من هالحين لا صار لها شي ما هو بذنبي
ضربتُ يدي بالمكتب الخشبي القاتم بقوة و بصوتٍ شبه غاضب : والله ان كنت عارف انه الطلاق هو حلم ابليس بالجنة ما ادري كيف هانت عليك العشرة
رفع أبي حاجبه , و بصوتٍ حازم : معن إلتزم حدك انت تتكلم مع ابوك ماهو بأحد بعمرك .
بينما قال ركاض في محاولة لتهدئة الجو المشحون سلبيًا فأخذ منحنى آخر للحديث : يا ابوي لا تعزم كثير اليوم خليها عزيمة عائلة و حبايبكم و لا تكبروها كلها اصلاً اسبوع اسبوعين بالكثير وانا راجع لمصر.
رد أبي عليه مبتسمًا : والله مدري يا وليدي وميمتك متكفلة بالمعازيم تعزم الحريم و الكاسر متكفل بالرجال , و من ذالحين اقولك دام وميمتك هي القايمة بالمعازيم انا ابصم انها انشدت ثلاثة ارباع جدة للعزيمة كانها تغليك كثير .
إبتسم و هو يهم للرد عليه
و لكني قلتُ مقاطعًا حديثهم : انا خارج
و مشيتُ بإتجاه الباب و خرجت و أوصدتُه من خلفي بقوة و كأني أفرغُ غضبي المكظوظ بهِ
لا يُريد ان يطلقها كما توقعت تمامًا , مارسة فتاةُ لطيفة بريئة و عفوية كما اتذكرها عندما كانت طفلة
لستُ ادري ان كانت هذه الصفات تغيرت وتجانست مع عفن الدنيا لتصير نزقة مُحتالة وكاذبة
لكني لا اعتقدُ هذا إطلاقًا , و ابي ليس بالرجل السهل , هه لا , انه سهل و سهلٌ للغاية نسى عشرة اعوامٍ و سنون
لأجل فتاة لم يتزوجها إلا منذُ أيامٍ او أسابيع لكن كيف تمت الزيجة ؟ , ولما تزوجها هي دون غيرها من النساء , غير هذا مالذي قد يُعجب فتاة بعمر الزهور
برجلٍ عاجز على المشارف الشتوية ؟! , لا شيء غير الذي افكرُ بهِ تطمع بأموال أبي لو جاءت منه بفتى لصارت منافسة قوية لنا
و إن كيدهن عظيم , إذا ما كانت تُفكر بما هو أعظم
لم أشعرُ إلا بأقدامي تصعدُ حيثُ الجناح إلى حُجرة أطفالي و عُطرة
الحل عند عُطرة هي فقط من تستطيع نشب الأمور مثلي و الخروج بحلول منطقية .
الآن سأخلد للنوم و من غد سأتحدث معها بهذا الشأن .
***
توقفت السيارة امام فلة و اسعة راقية ذات ذوقٍ رفيع , بخوفٍ من القادم : ايه ده يا هزاع انتا هتاخدني لمين بئى ؟
بضجر : انزلي وانتِ ساكتة
تمسكتُ بالباب و بعناد : لا مش نازلة انا مش لعبة عندك كل مرة بتمشي كلامك عليا انا مش هنزل الا لما تئولي هوا البيت ده بتاع مين ؟
رفع حاجبه و الغضب ملىء عينيه : انا اوريكِ كيف مو نازلة
خرج من السيارة , توجهه للباب الذي اقعد عنده فتحه و هو يسحبني من يدي بقوة : اخرجي يا بنت الكلب
صرختُ به بحرقة , من هو حتى يتحدث عن أبي بهذا السوء ! , قد تماديت كثيرًا يا " هزاع " و وصل بك التمادي إلا الإستهزاء بوالدي رحمه الله
فخورةٌ انا بوالدي الذي اسمي يحاذي اسمه و يلاصقه في كل زمانٍ و مكان و على الرغم من فخري قد اخفضتُ رؤوسهم وهم في حفرةٍ مصيرية إما لجنةِ او لجحيم : انتا مين علشان تتكلم على بابا كدا انتا حتة زبالة و بس
سحبني من يدي بقوة حتى وقفت رغمًا عني قال من بين اسنانه : والله لاوريك من الزبالة
مشينا سوية حتى وصلنا إلى باب المنزل الذي كان مردودًا
دخل هزاع و هو ممسكًا بيدي و دخلتُ معه
كان اول ما قالبنا صالونٌ واسع
على احد جوانب الصالون يجلس رجلٌ و إمرأة و مراهق يبدو ان عمره ما بين اثنى عشر إلى خمسة عشر عامًا
و بحضن المرأة طفل رضيع
أتى صوتُ رجلٍ من الأعلى و هو يقول : اهلاً يا هزاع
إلتفتت المرأة و الرجل بإتجهنا و هما اللذان لم ينتبها لدخولنا
تقدم هزاع بإتجاه المرأة والرجل يُسلم عليهما وهو يسحبني من خلفه
سلمتُ على المرأة والرجل مرغمة منه لأني لم أكن انوي ان أسلم عليهما
و من ثم جاء ذلك الرجل الذي كان على السلم ليشاركنا الجلوس
قال هزاع وهو يُشير إلي : هاذي شكران و مثل ما اتفقنا بتقعد عندكم لاني ما اقدر اشيلها للسعودية معاي ولا
قبل ان يُكمل حديثه قلتُ مقاطعة و معارضة : ئلتلك انا مش لعبة عندك و مش هنام عندهم هما مين بئى علشان ائعد عندهم
قرصني بفخذي بخفة قائلاً بهمس : استكي فاهمة والا والله لأدفنك اليوم
بذات صوتي العالي و الواضح : مش فارئة معايا , اهو انتوا يا جماعة ما تسمعوا الست شكران مش عاوزة تسكن عندكو عجبكو الكلام ده ولا عندكو اعتراض ؟
سحب شعري امامهم بكل قوة و انا احاول الإفلات من بين يديه
حتى قامت تلك المرأة من مكانها و بيديها الرضيع و بصوتٍ راجي : معليش يا هزاع هيا بس انصدمت انها هتسكن بعيد عنك و ببيت غير بيتك و كده شوية وانا بنفسي هقنعها بالموضوع دوت
بإعتراض : لا مش هتقنعيني انا هنا ماليش ئعدة
فقال هزاع بغضبٍ جامح : هاذي ما تستحق اي رحمة لازم تنضرب حتى تتأدب
بينما المرأة حاولت سحبي بعيدًا عن هزاع ويبدو على هزاع انه يحترمهم لمصلحةٍ ما حيثُ استجاب لها فتركني
أعطت المرأة رضيعها إلى ذلك الرجل الذي كان ينزل من الدرج حال دخولنا لمنزلهم , قائلة : عاوزاك تنتبهلو وانا هروح اتكلم مع الست شكران
ابتسم لها الشاب بود و يبدو ان عمره لا يتجاوز خمسة و عشرين عامًا واخذ منها الرضيع
اما هي فطوقتني و هي تبتسم لي و بدى لي انها إمرأة لطيفة جدًا لذلك احترمتُ ذاتي واحترمتها و مشيتُ معها بطاعة إلى حيث لا أعلم
ادخلتني لغرفة ضيافة و قالت بأدب والإبتسامة لازالت بشفتيها : نورتي البيت يا ست شكران
أومأت برأسي قائلة : منور بأهلو ياحبيبتي , انتي ايه اسمك ؟
جلست على الكنبة امامي : انا اسمي ديانا
بشيءٍ من الود : عاشت الاسامي يا ديانا
و تبادلنا أطراف الحديث وقد اقنعتني بجلستي ها هنا إلى عودةِ هزاع من سفره او بالأحرى هي لم تقنعني ولكني قبلتُ بذلك بنفسي فهو من الواضح انه لن يعتقني إلا بعد ان تنتصل روحي عن جسدي
و هذه المرأة بدت لطيفة بالنسبةِ لي قد يكون المكوث بمنزلها ريثما يعود هزاع افضل كثيرًا من السفر معه والمعاناة من طباعهِ الدنيئة .
***
فتحتُ باب الحُجرة لأجدها منظمة ولا أحد بداخلها يبدو انها لم تعود من المدرسة هي و الأطفال رغم ان الساعة تُشير إلى الواحدة ظهرًا
حسنًا سأجلس هنا إلى حين عودتها فلا اعتقدُ انها ستتأخر كثيرًا .
فتحتُ النافذة ليدخل ضوء الشمس للحُجرة جلستُ على السرير الذي تجلس هي بهِ دومًا
قدمتُ جسدي للأمام ويداي تستند على السرير من خلفي ظهري و عيناي مصوبة بإتجاه حبات الغبار المتطايرة مع ضوء الشمس الداخل عبر النافذة
لماذا يا عُطرة لماذا ؟! , لماذا لا تُحل الأمور ببساطة كأبطال الروايات الرومانسية
الزوجة خائنة وهو متسامح تتوب فيرضى عنها وينسى كل ما كان لما لا تكون الأمور بهذه البساطة
حتى انكِ اشرف من هذه الزوجة انتِ لم تخونيني بعد الزيجة انتِ خنتي نفسك وثقة والديكِ رحمهما الله و الأعظم ربكِ لكنك لم تخونيني
لكن لا أستطيع إستعاب ان اكون متسامحًا إلى هذا الحد حتى لو كنتِ الأحبُ إلى قلبي , و بالوقت ذاتُه لا أستطيعُ التخلي عنكِ
أشعرُ بأن نار الغيرة ستحرقني لتجعلني رُفاتًا إن كان بقية المكتوب لك ِ مع غيري أنا
أنتِ لـي و حدي ملكي انا وحدي
أنتِ لمعن لستِ لغيره
او قد تكوني أنتِ رفاتًا و ما أنا إلا شيطان يتراقص فوق ضريحك
سأكون قاتلك , جريمة لم أرتكبها بحياتي قط و سأرتكبها بحبيبتي والأغلى على قلبي و لكن المؤسف اني سأموت ورائكِ
نظرتُ إلى الكوميدينة وفتحتُ الدرج الأول لأجد كتابًا للفيزياء و كُتب اطفالي
هه ماذا تظن انك فاعل ؟! هل تظن أنك ستفتح الدرج لتجد دفتر مذكرات مكتوبٌ بين أسطره انها تُحبك منذ الأزل
او أن تجد سر براءتها و تعيش سنينك معاها بسعادة !! هه هذه ماهي إلا هراءات عالم الروايات
الأمور في هذا العالم ابسطُ من أي شيءٍ آخر و لأننا نحنُ البشر نهرب عن عالمنا المؤرق
نرضى بأي شيء ونقبل ونظل نقرأ ونهيم و نتمنى و لكننا نظل لا نُصدق
و الكاتبون ماهم إلا أُناس إما يمارسون هواية او يكتبون بلا هدف فقط للتسلية أو ذو عقولٍ صغيرة لا تعي
إلا ماندر منهم و لا أُحب إلا النادرين منهم بعدما كنتُ بعقدي الثاني أقرأ جُم الأنواع اصبحتُ الآن ذا ذوقٍ رفيع للغاية
لا أقرأ إلا لمن هو كاتب مؤمنٌ بما يكتبه يسعى لتحقيقِ هدفٍ ما .
حسنًا سأرى ما مدى ذوق عُطرة بالروايات بهذا الحين , مشيتُ إلى المكتب الصغير مقارنة بالذي يقبع بحجرتي التي هجرتها عُطرة و تركتها كمقبرةِ أموات
ابعدتُ مابين الكتب سحبتُ كتابًا لـلكاتبة المذهلة " أجاثا كريستي " بإسم لغز سيتافورد , كتاب آخر بإسم ذاكرة الأفيال وعدة كُتب أخرى جميعها لأجاثا
مالذي حدث ؟ , قد كان ذوقها يميل للرومانسي اكثر ونادرًا ما تنتقي روايات بوليسية , أعدتُ الكتب لمكانها بالرف و انا اسمع صوتها وهي تحادث ابنيها " وائلٌ و بلقيس "
طيب اليوم ما بقدر اخرجك عشان بالليل في عزيمة لعمك ركاض , بكرة ان شاء الله اوديكِ روائع المكتبات مثل ماتبغين .
*
سبقني ابنائي بدخول الحجرة و قبل ان اعزم للدخول صرخ كليهما بسعادة : بـــــــابــــا
ألن تعتقني يا معن مالذي تريده الآن ؟ , منذُ زمن وهما تحت عيناك ألم تشعر بأنهما ابنيك إلا بعدما اصبحتُ امكثُ معهما
لا استطيع منعك من رؤيتهما فهذا هو حقك ولكنك لطالما انكرت انهما ابنيك ومن صلبك واعتقدت انهما ابناء حرام والعياذُ بالله
مالذي تغير الآن عن السابق ؟ , اصبحوا الآن ابناءك بالحلال و اصبحت تُحبهم بلا درايةٍ منك !!
ما يستنبطه عقلي انك لا تدخل الحُجرة إلا لتراني فمنذُ ان هجرتك اصبحت انت كالظل لي ولكن كيف يكون هذا الإستنباطُ صحيح اذا كنت تبغضني كما تبغضُ الشيطان !
دخلتُ للحجرة و ألقيتُ التحية فردها , جلستُ على السرير الآخر الذي لا يجلس هو بهِ
خلعتُ صندلي الأسود , و من ثم وقفتُ لأنزع عباءتي و عدتُ لأجلس على السرير
بينما قال معن لأبنائي : يلا حبايبي روحوا بدلوا ملابسكم عشان نجلس مع بعض براحة
نزع وائل ثوبه وبقي بفلينته وسرواله وهو يقول بطريقةٍ مضحكة : والله ذا احسن لبس نتبرح فيه ونتربع ولا احسن .
ردت بلقيس بإشمئزاز : وععع شكلك مرة مقرف
قال معن بحزم : يلا قدامي كل واحد يروح يبدل .
قام كليهما خائفين من صوته الذي احتد
بينما انا إستلقيتُ على السرير وانا اتنهد براحة
نظر هو إلي قائلاً : عُطرة تعالي هنا " أشار بيده على السرير بجانبه , و أردف " ابيك في موضوع مهم وما ابي العيال يسمعوا
يا تراه عن ماذا سيحدثني ؟ , بعناد : اذا تبيني تعال اما انا تعبانة و مصدعة وتوي جاية من المدرسة
بضجر : نفسي مرة وحدة اقولك كلمة وتنفيذها بدون مواويلك الله يصبرني على عيشةِ القرف ذي ترى من حقوقي احترامك لي .
اشحتُ بوجهي عنه إلى السقف : والله لما انت تحترمني و تعاملني كزوجة لها حقوق ساعتها انا اعطيك كامل حقوقك امشي بمبدأ العين بالعين و البادي اظلم .
شعرتُ بهِ يقوم من فوق السرير قائلاً : طيب يا مبدأ ما بجيك الا عشان اهمية الموضوع ولا كان عطيتك صرخة ولا ضربة تقومك غصب عنك .
جلس بجانبي على السرير و رائحة عطره وسيجارته تنعش انفاسي كم ادمن رائحتك يا معن
أزاح شعري الذي يغطي عيني اليمنى برفق و بهدوء : يمكن الكلام الي بقوله بيصدمك و محد يدري عنه الا انا واخوي ركاض و بقوله لك انتِ , ابوي تزوج
شعرتُ بأنه صفعني مليار صفعة بكلمته هذه و بلا تصديق رددتُ من خلفه : ابوك تزوج !
داعبت ثغره ابتسامة سخرية : ايه و لا ازيدك من الشعر بيت تزوج مارسة
اندفعتُ جالسة كالمقروصة : وش !!! مارسة !! كيف ؟ و ليه توافق ؟
عاد ليبعد خصلات شعري التي تناثرت حول وجهي : كيف ما ادري ؟ , ليه قلت يمكن ألاقي الجواب عندك وعشان كذا خبرتك , تخيلي قلت لأبوي طلقها ولا اعلن الزواج قال بعلنه
وضعتُ يدي بثغري : و عمتـــي ؟
رفع كتفه لأعلى : ما ادري يا عُطرة والله مدري , انتِ برآيك مارسة ليه وافقت على ابوي وكيف اصلاً تزوجوا ؟ يعني لو جيتي للمنطق ابوي رجال كره كرهه الحريم و كبير بالعمر وله احفاد ومارسة بنت شابة بأول عمرها
بحيرة : مدري الصراحة يعني لو كانت بنت غير مارسة كان قلت طامعة بفلوس ابوك و بتجيب ولد وطبعًا يصير مشترك بالورث اما مارسة مستحيل تفكر بهالددناءة مرة مستحيل يا معن
ابتسم قائلاً : تفكيرك مطابق لتفكيري تمامًا لكن اذا ما كان هذا هو السبب فإيش ممكن يكون ؟ معقولة عشانها جاهلة و خافت ما يجيها نصيب بالذات انه بهالأيام الرجال حتى بنت الثانوي ما يطالعون فيها ما يبغون الا الجامعية
حدقتُ بهِ قائلة : لا ما اعتقد لانه مارسة مو مرة تفكر بالزواج و صايمة تحب بنتها حبًا جما ومستحيل ترضى عليها تزوج برجال فارق العمر بينهما وبينه شاسع " امسكتُ بيده اليمنى و أنا ألعب بأصابعه , زممتُ شفتي و بتردد " عندي سبب ممكن يكون مقنع بس خايفة انك تعصب
أمسك بيدي المعانقة ليده ليرفعها إلى ثغره و لثمني
و شعرتُ بأني سأموتُ من خجلي ما باله يُقبلني ! و يبتسم !
حقًا تشعرني بالغرابة يا معن بل تجعلني اشكُ ان كان هذا حُلمًا ام حقيقة
اخاف ان يكون حلمًا كذلك الحلم الذي جعلني كفراشة تترنم فوق الأزهار و من ثم جعلني اتعس فتيات الأرض عندما اصطدمت بالحقيقة
ثم ضحك بخفة : هههههههه يا خي ما اتعودتي على التعصيب انا احس ملامحي غصب تتشابك لما اشوفك يلا قولي الي عندك و وعد ما اعصب
إبتلعتُ ريقي بتوتر كم اشتقتُ لهذه الضحكة ادامها الله بشفتيك : هممم الصراحة يعني انا احس انه مارسة واخوك ركاض
قال مقاطعًا يُسهل علي النطق : يحبون بعض
توسعت عيناي وانا انظر لملامحه التي تحولت للجدية : انت تعرف ! المهم فيمكن يعني انهم كانوا متفقين على الزواج ولما سافر وتأخر حسبته سحب عليها فلما ابوك تقدم لها قالت خليني اقهره بأبوه وانا كذا كذا شكلي ما بتزوج دامني ما كملت دراسة و شغلتي خدامة
او يمكن ابوك تقدم لها و ظانع اجبرها على الزواج و صايمة دافعت عن بنتها وبعدين مارسة فكرت تنتقم لنفسها من ركاض و تزوجته او حتى ما فكرت بس ظانع اجبرها
يعني ظانع من متى يشتغل مع ابوك من يومنا بالكوفلة فقال عيب ارد الرجال و اصر على بنته تقبل , وش رايك ؟
*
يالجمالك و يالذكاءك كنتُ على ثقة ان الإجابة عندكِ أنتِ دون غيرك
أمسكتُ بذقنها لأرفع رأسها أكثر لثمتها بجبينها وبإبتسامة : رآيي انك ذكية
إحمر وجهها فعلمتُ ان اذنها المختبئة تحت شعرها احمرت من خجلها
فأبعدتُ شعرها عن اذنها اليسرى وانا انظر لحُمرتها وإبتسامتي تتسع : هممم لكني أخالفك الرأي بكون ظانع اجبر مارسة على الزواج حياء من ابوي
ظانع اجبر مارسة على الزواج طامع بفلوسه .
وضعت يدها على ذراعي لتُبعدها عن شعرها بخجل قائلة : مدري الصراحة انا ما اعرف ظانع زين حتى احكم انت رجال وتجلس معاه اغلب الوقت فأنت الأدرى فيه .
***
دخلتُ إلى الجناح بتمام الساعة الثانية ظهرًا وقت الغداء , فإذا بي أجد اطفالي يجلسون على الأرض بأردية المدرسة و يلعبون بأجهزتم
رائد و مؤيد بلايستيشن , لجين و ريناد و رتاج كل واحدة منهن تُمسك بالآيباد خاصتها عقدتُ حاجبي فلم اعتد ان اعود من عملي واجدهم بأردية المدرسة
فهوازن دائمًا تراعيهم تُبدل ارديتهم تعطرهم و تهتم لأصغر خصوصياتهم
ألقيتُ التحية فردها اطفالي بأصواتٍ متفارقة قد عودتهم على ذلك
جلستُ على الأرض بجانب فتياتي وانا أبعثر شعر صغيرتي رتاج : ليش يا حبايبي ما بدلتوا ملابسكم ؟
ردت ريناد اكبرهم عمرًا : ماما دايمًا تستنانا لين ما نرجع وتعطينا الملابس بنفسها و هيا الحين نايمة واحنا مو عارفين ايش نلبس , يمكن نلبس شي هيا ما تبغاه .
أحتاجني شعور الغرابة نائمة ! و منذُ متى هوازن تنامُ حتى الظهر ؟!
وقفتُ من على الأرض وانا احثهم على الوقوف والسير ورائي : يلا تعالوا انا بعطيكم ملابسكم بدل ماما .
مشووا من خلفي فدخلتُ حجرة فتياتي اولاً وناولتُ كلاً منهن رداءً خاصًا بها
و من ثم حجرة اولادي وناولتُ كل واحدٍ منهم رداءً خاصًا به ِ
اتجهتُ لحجرةِ النوم و أرتعد جسدي لبرودة الحُجرة اغلقتُ التكييف من الريموت
و فتحتُ مكبس الإضاءة توجهتُ إلى السرير , لأجلس على طرفه و اضع يدي على كتفها و أهزها برفق : هوازن حبيبة الكاسر و روحه قومي يا قلبي
همهمت بإنزعاج و هي تعودُ لسكرة النوم و كأني لم اناديها قط , حتى انها تحولت على جانبها الآخر واعطتني ظهرها
زادت عقدةُ حاجبي لم اعتد منها هذه التصرفات فهي دائمًا مطيعة و مجيبة يبدو انها بالفعل متعبة , قبلتُها بوجنتها اليسرى بينما الأخرى مستندة على الوسادة القطنية همست برقة : هوازن قلبي صليتي ؟
و لم تستجيب لي إطلاقًا , انتظرتُ بعض الوقت و لم تحرك ساكنًا , حسنًا يا هوازن لم تتركي لي اي مجال
توجهتُ إلى باب الحجرة واغلقته بالمفتاح خوفًا من دخول اطفالي الصغار
عدتُ بإتجاه السرير ادخلتُ يدي من تحت فخذيها و ظهرها لأنتشلها عن السرير بيدي
حملتها بإتجاه دورة المياه , لم تتركي لي اي خيار يا هوازن أتأسف ان كنتُ سأسسبب الإزاعاج لكِ
أنزلتها قليلاً لأسفل لأُمسكها من بطنها فيكون ظهرها ملاصقًا لصدري
بينما اسمع صوت همهمتها وكلماتٌ مبمهمة لا معنى لها بالعربية
فتحتُ صنبور الماء بيد وانا احاول إمسكها باليد الأخرى
دخلتُ تحت الماء و ادخلتها معي , تقف امامي ولايزال ظهرها يلاصق صدري
كانت الماء باردة جدًا , حتى في الماء قد كنتُ أعودُ من عملي لأجدها فتحت السخان لتجعل الماء دافئًا فيريحني
اما اليوم فلاشيء هنالك شيءٌ تُخفيه عني يا هوازن
رفعتُ يدي اليسرى عن بطنها إلى وجهها وانا امسح عليه بالماء مرارًا وتكرارًا من أعلى لأسفل ومن اسفلهِ لأعلاه
صدرت منها شهقة قوية ومن ثم تعالت انفاسها
أزحتها قليلاً عن ظهري لأديرها بإتجاهي فيصبح صدرها ملاصقًا لصدري بدلاً من ظهرها
نظرتُ بعينيها بعمق و بهمس : وش تخبين عني يا هوازن ؟
إنكمشت على نفسها و راتمت بصدري متشبثة بردائي العسكري : بـ....ردانـ....ـة
رفعتها عن أرضية البانيو و مشيتُ بها إلى الشماعة وانا أُمعن النظر بعينيها لأستنبط غرابة الأمور هذه
بينما كانت اسنانها تصتك ببعض لشدة برودتها حتى عضت لسانها فإعتلى صوتها متوجعًا : اه عضيت لساني
وضعتها على الأرض واقفة على قدميها وضحكتُ بشدة رغمًا عني , صغيرتي هوازن لم تتغيري اطلاقًا لا زلتِ صغيرتي التي تحتاج إلى عناية بكل شؤنها
تناولتُ المنشفة من خلفها وادخلتُ يدها اليمنى فاليسرى و من ثم ربط الحزام على خاصرتها و بأمر : ابقي هنا بروح اجيب لك ملابس
شدت المنشفة عليها لتشعر بالدفىء , و بإندفاع : بس انت بتبرد
إبتسمتُ ببهجة هاهي صغيرتي قد عادت كما كانت حنونة وقلب الرجل لا ينبض إلا لحنان المرأة
اعطيتها ظهري لأخرج قائلاً : لا تخافين علي كاسرك ما ينخاف عليه ابد
مشت من خلفي متشبثة بذراعي : لا بتبرد لا تطلع عشاني
إستدرتُ بإتجاهها رافعًا إحدى حاجبي و الإبتسامة لازالت مستريحة بشفتي : واذا انا بجلس وانتِ بتجلسي على كذا متى بنخرج
بإندفاع : انا اخرج وانت اجلس
لثمتُها برأسها , آه صغيرتي كم انا مغرمًا بكِ فلا تزيدي غرامي غرامًا فأكون عاشقًا مجنون , وأي جنون وانا من كان للجنون عنوان
يقبع بصدرك هذا حنانٌ لا يُوصف و كم اهوى هذا الحنان لاسيما وقتُ الشدائد يُخفف عن همي و اشطان غمي
بمحاولة لإقناعها : المكيف طفيته فخلاص الغرفة دافية بروح اجيب لك ولا تعاندين
إلتزمت بالصمت بينما انا خرجتُ من دورة المياه باحثًا عن رداءٍ لها .
***
تشير الساعة إلى الواحدة مساءً حينها أمسكتُ بيدها بقوة , و غرستُ أظافري بجلدها حتى اتطبع اثرها بها و بغضب : انتي ليه كنتي عندو , هوا اصلاً ليه موجود في مصر مش المفروض انو بكندا
وليه مائليناش انو هيكون بمصر ؟!
" هززتُها بقوة وهي ملتزمة بالصمت " : ما تحكي بئى ايه الي كنتي بتعمليه عندو ! وليه ما قولتيلناش انو جا لمصر , انتي ايه مخبية عنينا
حاولت سحب يدها من بين يدي : لما تسيبني بحالي هئولك اما ع الحال دي مش هئولك حاجة , وانتا الخسران يا جهاد .
تركتُ يدها وانا أرص على اسناني بقهرٍ من تصرفاتها
منذُ مدة وانا في ريبٍ من تصرفاتها لذلك عزمتُ على مراقبتها حتى اعرف ما اجهله و اعقل ما تفعله
فكانت في كل يوم تذهب لمنزلٍ متوسط الحجم و لا تخرج منه الا بعد ساعاتٍ طوال
لم أكن أعلم من ذا الذي يمكث بالمنزل هل هو ام هي ؟ والمنطقة التي يوجد بها المنزل نائية فلم أكن استطع سؤال احد الجيران او المارة لأنه و بإختصار لا جود لهم ها هنا
ولكنها اليوم نزلت من المنزل و نزل من خلفها " ليام اوين " رجلٌ كندي و لكنه ليس أي رجل انه ابن تاجر المخدرات الكبير " اوين ناتان "
كيف استطاعت ان تجعله يهبط لمصر ؟ , و لما هي الوحيدة التي تعلم بوجوده ؟! أسئلة كثيرة و محيرة جدًا بجعبتي .
قبلت عمي ربيع الذي يجلس بالحديقة كعادته بوجنته و من ثم دخلت للمنزل فدخلت من وراءها يبدو انها لا تريد ان يعلم عمي ربيع بما حدث هه و تظن اني لن اخبره
جلست على كنب الصالة وجلستُ مجانبًا لها
أخذت تبحثُ بحقيبتها عن شيءٍ ما و من ثم أخرجت كرتون دواء به لون الأحمر و مدته لي
نظرتُ إلى الكرتون وعقدتُ حاجبي بإستغراب : ايه ده ؟
ابتسمت ابتسامة ذات مغزى , و أراحت ظهرها على الكنب و هي تُمسك بالريموت لتفتح التلفاز الذي وقع على صوتِ مغنية تهواها " مي "
بهدوء : ده مش دوا ده مخدرات انا لعبت على وليام بكم كلمة حلوة كدا وانتا بئى بتعرف انو هوا كان بيحبني من زمان لما كنا بكندا
فكلمتين حلوين كدا , و جا هنا لمصر عشاني و وليام مش غبي حتى يجي و يسلم حالو للشرطة بالبساطة دي هوا نزل بهوية تانية هما متل ما عملوا لنا هوية مزورة
عمل لنفسو هوية مزورة و غير كدا نزل على انو مستكشف سياحي يعني ما فيش حد هيعرف هويتو الحئيئية , و ليه نزل لانو انا لعبت عليه علشان يعملي المخدر الي معاك ده
بنفس المئاس علشان انا كنت عاوزة مراة الكاسر تدمن و بالفعل انا نجحت و خليتها تدمن .
بلا تصديق : ايه الكلام ده يا مي اعئلي و ئوليلي ايه الي بينكو .
قامت من على الكنبة و وقفت بمنتصف الصالون و هي تهز خاصرتها على الأغنية و ببرود : انا ئولت كل الي عندي وانتا براحتك بئى , و بص يا جهاد لا تئول لعمو ربيع عن الكلام ده كنتي حابة اعملها مفاجأة ليكو
بس انتا استعجلت و ئولتلك فلا تئول لعمو ربيع الا بعد ما ادمر العيلة كُلِها متل ما ئولتلكم .
إتسعت ابتسامتي رويدًا رويدًا , لقد احسنتِ يا " مي "
لم تضع السنين بكِ هباء
سوف تنتقمين و ننتصر فلا تنتصرين .
***
بتمام الساعة الثالثة ما قبل العصر , وضعت الماء الفاتر بالكوبين و من ثم اخذتهما و وضعتهما على مكتب مشعل تناولتُ كرتون شاي ليبتون و أخذتُ كيسين من الشاي
أدخلتُ احد الأكياس بكوبي و الآخر بكوبه و مددته له تناول الكوب و ابتسم
قد اعتدتُ الجلوس معه و البوح له و إليه ِ
قعدتُ على الكرسي
اما هو ارتشف من الشاي قليلاً و وضعه على المكتب نشب اصابعه و بتساؤل : فيه تقدم بعلاقتك معاها ؟
إبتسمتُ وانا استذكرها يا لها من قُبلة اسكرتني هذا هو نبيذ الحياة اجتمع بشفتيها : ايه يعني فعل بسيط جدًا لكنه عن اول يعتبر تقدم كبير
إتسعت إبتسامته و بفرح : طيب حلو ماشاء الله , هذا يعني انك مستجيب لكلامي معاك , بس هاه يا ناجي انتبه و انتبه تتقدم بخطوة انا ما علمتك عليها
لانك بترجع للصفر و لا كأننا بيوم جلسنا مع بعض لازم يكون علاجك بالتدريج و ان شاء الله ما يصير الا الي بخاطرك و الله يوفقك معاها يارب و اشوف عيالك ان شاء الله .
إرتشفتُ من الشاي و بهدوء : من فمك للسما , و اليوم عن وش بنتكلم ؟
قام من على الكرسي و هو يسحب ملفًا اسود من بين مئات الملفات
و عاد ليجلس على الكرسي و عيناه مصوبة بالملف : اليوم ما بنتكلم عن شي خليه راحة لك
بإمتعاض : لكن
قاطعني قائلاً : و لا لكن , اليوم ارتاح لا تضغط على نفسك كثير يا ناجي عشان لا تطفش كل شي بالهدواة و بيصير الي يرضيك بإذن الله .
أومأتُ برأسي ايجابًا و انا اشرب بقية الشاي .
***
على الساعة العاشرة و النصف ليلاً إتصلت المملة انهار , استأذنتُ منهم و خرجتُ من الحجرة إلى الحديقة جلستُ بجانب النافورة
و رددتُ عليها بصوتٍ بهِ بحة : ياهلا بالشوق يا هلا بالقلب يا هلا باللي طيرت عقلي بجمالها و دلالها
بصوتٍ به بعض الخجل : هلابك زود , اممم كيفك اليوم حبيبي ؟
صوتها مع صوت الماء موسيقة نشاز , قمتُ من جانب النافورة واخذتُ أمشي بالحديقة : بخير دام حبيبة قلبي بخير , تدرين امس وش كنتِ بعيوني
كنتِ القمر بدون ليله , كنت النجم بدون فضاءه , كنتِ الكون بدون مجراته
كنتِ أنهار الي سلبت روح معن , من عيونك لضحكتك لجلستك لتعاملك لدلالك كلك على بعضك عذاب
بدلعٍ قد يكون عفوي ولكني لا استسيغه البتة : معـــــن خلاص و ربي كذا تحرجيني و ما اعرف اتكلم وانا محتاجة لصوتك
تقول انها محتاجة لصوتي اشك في كلامها هذا ما ان اتركها حتى تعشق صوتًا آخر , لو كان بيدي لجمعتُ النساء امثالها و قتلتهم ولكن بعد سادية طويلة الأمد
سأستثني من بينهم عُطرة فقط هي سأدعها على قيد الحياة ليس رحمةً و شفقة بل لأني لا استطيع العيش دونها ان قتلتها فسأقتل نفسي من خلفها لذلك سأدعها على قيد الحياة
و إن تمردت على حدودي و قوانيني و خانتني فإني قاتلها بلا ريب و قاتل ذاتي وراءها , و لكني سأموت بعد ان اجعل هذه الدنيا مملؤة بالأوفياء
و لكن هذا كله ليس إلا بعالم الأفلام و الأنمي لا بعالم الواقع
بتجاوبٍ كاذب : همم خلاص انا بسكت بس اول قوليلي وش عجبكِ فيني
ضحكت بخجل ومن ثم قالت : والله كل شي و اول مرة احس انه في رجال لفت نظري مثلك انت سواء شكل او اخلاق
رفعتُ رأسي لأعلى و تحجرت عيناي على عُطرة الواقفة بأحد الشرفات تنظرُ لي بتمعن او كأن ذهنها شارد
رفعتُ يدي بالجوال لأعلى حتى تنتبه ولكنها لم تنتبه فأغلقتُ من انهار دون او دعها واتصلتُ على الحمقاء عُطرة مالذي فعلته
واقفة على الشرفة و جسدها ظاهرٌ لكل من لا يستحق من البودي قارد والخدم وماذا ان خرج احد الضيوف من المنزل وراءها
كل شرفات المجالس مطلة للواجهة الأمامية و هي تعلم هذا فلماذا الوقوف هاهنا ؟!!
سأقتلها اليوم حتمًا سأقتلها
جاءت لها ريتاج ابنه الكاسر تعطيها هاتفها الجوال
حينها عادت هي للعالم و الأرض فرأتني و تراجعت خطواتها للخلف حتى دخلت
و استمررتُ بالإتصال عليها لكنها لم ترد
و إلى متى ستهربين حتمًا سأمسكِ بكِ بعد انتهاء هذه العزومة .
***
كنتُ أجلس بجانب الكاسر بتمام الساعة الحادية عشر ليلاً بدأتُ اشعر اني حملٌ ثقيلٌ عليه فأنا كظل له أينما كان اكون معه
و لكني أشعر بالحياء إن ابتعدتُ عنه حتى الآن لم اعتد على اخوانه فلازلتُ أشعرُ بالغربةِ بينهم
أين انت يا هزيم ؟ اين انتم يا عائلتي مبتورة اليد ؟
هل سيجمعني الله بكم من بعد غياب ؟ , آمل ذلك آمل أن أراكم
شكرتُ الكاسر الذي قطع لي برتقال أكلتُ البرتقال حتى انتهيت ثم لعقتُ اصابعي اتباعًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم و حمدتُ الله و قمت من على السفرة
بينما بقية الرجال لازالوا يأكلون لم أعتد على هكذا اكل فبعدما كنتُ أجلس يومًا كامل دون اي لقمة اصبحتُ أأكل باليوم الواحد الثلاث وجبات إفطار , غداءٌ , عشاء
بل وبعض الأحيان اتناول في المنتصف الحمدلله حمدًا كثيرًا على نعمه
خرجتُ من المجلس و من القصر بأكمله
مشيتُ بإتجاه حجرتي المجانبة لمنزل ظانع وعائلته ,دخلتُ حجرتي و فتحتُ النافذة و اخذتُ انظر للخارج إلى الحديقة بشرود
حتى لفت انتباهي ظانع يخرج من منزله و بيده صحن مملوء بالطعام و يتجه لخلف المنزل و هو بين لحظةٍ و أخرى يلتفت يمنة و يسرة و كأنه يخبىء شيئًا ما !
يا ترى مالذي يخبأه و يخاف ان يراه احد ؟!
لا عليك يا اغيد فأنت لست بهذا الطبع الفضولي فلتدعهُ و شأنه .
***
بتمام السادسة صباحًا على ارض اوتاوا عاصمة كندا , دخل إلى تلك الفلة بثقة و كأنه معتادٌ على رؤية ما يرى من جمال وهو بالحقيقة لم يعش نصف الذي يراه طيلة حياته
لقد وصل اليوم إلى منزلة كبيرة جدًا لم يعتقد لوهلة انه سيصل لها
أستقبله أحد البودي قارد والذي كان بطوله , نظر إلى البودي قارد بإعجاب فهو من النادر ان يرى من يحاذيه طولاً و عرضًا
غير هذا الرجلُ جذاب للغاية ذو شعرٍ بني اللون و بشرة صافية كالطفل
حاول نفض افكاره فهو لم يأتي لهنا حتى يُمارس اللواط بل قد جاء لما هو اعظم من ذلك
مشى وراءه حتى وصل إلى حجرةٍ يجلس بها رجل مقعد قائلاً : ادخل يا سمحي
حتى هذا الرجل يحمل من الوسامة الكم الهائل بالرغم من أن شعره رماديٌ ثلجي إلا ان البحر بعينيه مُلفت
قد لا يكونوا ذو وسامة كبيرة جدًا ولكن هو غير معتاد على رؤية الأجانب لذلك يرى فيهم جمالاً قد لا يكون متواجدًا بهم
حسنًا ومالذي تقوله ايها العاجز لسمحي انه لا يفهم عليك
غير ان صوتًا آخر قال : يقول لك ادخل يا سمحي
من الجيد انهم قد جاؤوا بمترجم دخل للحجرة كما أُمر و جلس على الكنب الجلدي الرسمي
بثقته المعتادة و بالعربيةِ الفصيحة : أين هو اوين ناتان انه يريد مقابلتي شخصيًا
أشار ذلك العاجز إلى المترجم بمعنى مالذي يقوله سمحي فقال له المترجم ما قاله بالتفصيل
ضحك الرجل و تكلم مع المترجم
قال المترجم لسمحي : يقول لك , انا اوين ناتان لا تستعجب لكوني مقعدٌ و عاجز فهذا لا يعني الضعفُ إطلاقًا و بعد ايامٍ قليلة ستعي و تقتنع بأني اوين ناتان و اختصارًا للوقت
انا أريدُ منك يا سمحي ان ترى المصنع بأم عينيك أجزم بأن لديك الكثير لتقوله لي و تأكد بأن كل فائدة تقدمها لنا سنقدمها لك اضعافًا وان خنت عهد الثقة بيننا فستندم حتمًا
و لا رجوع بكلامي هذا .
رفع سمحي حاجبه بإستغراب ما باله ناتان يثق به بهذه البساطة حتى يدعه يرى المصنع ! هنالك ما يخفيه هذا الرجل انه لا يأمنه
و هو بطبعه لا يأمن أي بشري .
***
أبعدتُ الشيفون الأبيض للستارة حتى يظهر لي زجاج النافذة اخذتُ أحرك اصابعي عليه بعشوائية وانا أستشعر برودة الزجاج : اشياء كثيرة
وانا اشعر بنظراتها المصوبة على ظهري قالت : اشياء مثل وش يا عطرة ؟
بحسرة : كثير و كثير لكن وش هي ما بقول لانكم بتنعتوني بالجنون مثل زمان لكن من الآخر احنا خسرنا الكثير من يوم فقدنا امي و ابوي وصار اسم عبدالقوي مكان ابوي كولي عنا
ما ادري اذا بيجي اليوم الي تعون فيه كلمة كثير او لا لكني على ثقة كبيرة انه هذا كلام ما يتخلله اي غلط .
وقفت بجانبي و مدت إلي عُلبة " سفن "
أخذتها من يدها و فتحتها و شربت لو كانت هنا هوازن لقالت " قولي بسم الله و اجلسي يا عطرة و انتِ تشربي " .
إبتسمتُ وانا استذكرها و بتساؤل : وين فيها هوازن ؟
ردت : نايمة اصريت عليها تنزل و اصرت تكمل نومها حتى قالت لي أختار لعيالها ملابس مناسبة و اعتذر من خالتي عن عدم نزولها
ضيقتُ عيناي : غريبة بصراحة هي اكثر وحدة فينا تحب الجمعات و الاحتكاك بالناس
قالت متجاهلة الحديث عن هوازن : عُطرة ليش ضحيتي ؟
عقدتُ حاجبي و بتساؤل : وش تقصدين ؟
بتردد : يعني لا تفهميني غلط بس .. بس مرة بنتك كانت قاعدة معايا و معاها بنات هوازن المهم قالت بنتك انا سمعت ماما تصرخ في بابا و تقول انا ماني صابرة عليك الا عشان اخواتي و الا والله انا ما ابيك و لا لي اي رغبة فيك
إبتلعتُ ريقي
بينما هي أردفت : قالت ريناد بنت هوازن لبنتك هاذي فتنة وماما تقول الفتنة اشد من القتل و حرام نفتن و وافقوها اخواتها في الرأي اما بنتك قالت عشان انتوا ما سمعتوا حاجة جالسين تتفلسوا عصبت ريتاج و صارت تقول كلام مطابق لكلام بلقيس
اما ريناد و لجين كانوا ساكتات طول الجلسة انا اعتذر يا عُطرة ما قدرت اسكتهم الفضول قتلني وكنت اتمنى بين كلامهم اعرف سبب الخلاف بس ما قدرت
إبتسمتُ ببهوت : لا تتأسفين لو أنا بموقفك كان ردة فعلي نفسي الشيء و اسوأ بعد كان جلست اسألهم سؤال سؤال يمكن هوازن هي الوحيدة الي بهذا الموقف بتسكتهم
انا و معن عادي مثل اي زوجين نتصالح و نتزاعل وذاك اليوم كان بيننا خلاف حاد و تدرين عاد انا كيف لساني طويل من يومي صغيرة فجلست اصارخ فيه و اقول كلام ماله لزمة
انا ما ضحيت عشان احد ومستحيل اكون بهالطيبة اصلاً .
رفعتُ لساني لأمحور الكلام بإتجاهٍ آخر
إلا ان صرخة خرجت من جوف عمتي ساجدة اوقفتني
و ما كنتُ خائفة منه حدث
***
إحتضنتُ امي لصدري بشدة صارخًا : يمه ,, يمه ردي علي
بينما صرخ ناجي بجلجال صوته : مويــــــــة باردة بســــــرعة
وأخذ يبعدني عن امي قائلاً بهدوء غير لائقٍ لصعوبة الموقف : بتكتمها بهاذي الطريقة يا ركاض ابعد عنها اذا كنت بالفعل تحبها
أرحتُ رأسها على البلاط
بينما جلس ناجي خلف رأسها يضغطُ بأصابعه على عنقها النابض بشدة بتدليكٍ لأعلى و اسفل , بينما عينا امي كانت تهطل دمعًا
لن أُسامحك يا أبي على ما فعلته بأمي لن أغفرلكِ يا مارسة إلى الجحيم كليكما
كان معن يصرخُ بأبي بقوة و عينا الكاسر مشتتة ما بين امي و أبي و يداه تبعد معن عن أبي يُصلح بينهما و يوقف المشاجرة
جاءت الخادمة بماءٍ بارد موضوع في وعاءٍ واسع
رفع ناجي رأس والدتي و هو يمسك بها من الخلف بينما يده الأخرى امسكت بوعاء الماء قال بصوتٍ حنون : يمه دخلي وجهك جوا تكفين يمه
ادخلت امي رأسها يبدو ان الألم قد فتك بها لذا لم تفكر بالإعتراض اطلاقًا
فأخرج هو رأسها و هو يقول : خذي نفس طويل و بعدين اكتميه في فمك
لتسحب أمي الهواء لفمها و من ثم تسده فتنتفخ و جنتيها
اشار لها بمعنى انتظري و بعدها قال : خلاص
فتنفست , أعاد تكرار الخطوة مراتٍ وكرات ما بين ادخال رأسها بالماء وسحب الهواء ونفثه
حتى بدأت نبضاتُ أمي بالإرتخاء فوضع رأسها على فخذه و أخذ يدلك لها بلطف
بينما الكاسر استطاع فتح النزاع مابين ابي و معن فخرج أبي إلى ديار ظانع غير مبالي بما قد جرى لأمي
في حين تقدم الكاسر ليجلس امام امي و يقرأ عليها بصوته العذب آياتٌ للرقية
اما معن فكان ينظرُ من بعد و الغضب لم يبتعد عنه حتى بمقدار ذرة
بدأ كل شيء عندما ...
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $