قد صرت فى صخب الشوارع دمية
يلقى بها الأصحاب ..للأصحاب
إنى حزين أن أراك حديقتي
فى البرد عارية بلا أثواب
إنى حزين أن قلبك موطنى
أضحى كبيت اللهو للأغراب
أضحى مشاعا ..كالمقاهى يلتقى
فيها الجميع الكهل والمتصابىي
يا أيها النهر الذى كم لاح لي
عذب الجداول كالندى المنساب
مالى أرى الماء النقى وقد غدا
بؤرا من الأوحال ..والأعشاب
فى القلب أشياء يضيق بسترها
ولدى أسئلة بغير جواب
سافرت فى أرضى ..وزرت خمائلي
وشربت خمرك وارتشفت شبابي
ما كنت مثل الناس لحما أو دما
بل كنت طهرا ذاب فى محرابي
ما جئت من زمن قبيح عابث
بل كنت نبضا من صهيل عذابي
ما كنت أرضا كنت آخر فرحة
رقصت على قلبي كضوء خاب
هل بعد هذا الحب نخدع بعضنا
ونبدل الأثواب ...بالأثواب ؟؟
هل بعد هذا العمرأركض عائدا
وصواعق الدنيا على أعصابي
لـــ فاروق جويدة
الجحيـــم
( 27 )
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
و ها أنا أستنشق هواء وطني , اسير بأرض وطني
و أرى علم وطني أخضرًا بسيفيه و نخلته يترنم مع النسيم
ها أنا أعودُ من بعد غربةٍ إستمرت خمسةُ سنواتٍ و نصف
أعودُ لموطنٍ ولدتُ فيه , ترعرتُ فيه
تربيتُ فيه , بل وأحببتُ فيه
و عصيتُ فيه
فقتلني عصياني
و خذلتني حبيبتي
لأعود لأرضك , فأصدق ما سمعته أذناي
لأعود واتمنى لو أن كل ما حدث لم يحدث
أعود وانا الذي لم اتوقع لبرهة اني سأعودُ إليك خائبًا منكوس الرأس
لم اتوقع اني سأعود بلا شهادة
لم أتوقع اني سأعود بعد خداعِ حب طفولتي لي
لم أتوقع اني سأعود لأرى ابي بأحضانها
هذا هو القصر الذي تربيتُ بهِ
هو كما كان لم يتغير بهِ شيء ولكن يبدو بأن كل مايُكنه القصر بالداخل قد تغير
نطقتُ بغصة : وتظني الحصان فاز على فارسه بالهطريقة ؟
وعلى نهاية سؤالي فُتح الباب من خلفي وقبل ان استدير وصلني صوتُ ابي قائلاً بكل سعادةِ الدنيا : وليدي ركــاض
استدرتُ بظهري إليه , لأرد عليه وانا احاول رسم الإبتسامة بشفتي وصورته بأحضان مارسة تزاولني ولا تنوي الإنقشاع : ايه يا ابوي ركاض
لا أعلم مالذي يستوجبُ علي فعله هل أُقبل رأسه بإحترام ام ان اللقاء من بعد الفراق يحتاجُ لأساليب غير المعتادة
ولكن ابي قد ربانا على القسوة ولم نجد الحنان إلا من أمي
تقدمتُ له لأُسلم عليه كما في الماضي
ولكن حدث ما لا كنتُ أتوقعه
لقد ... لقد جذبني إلى صدره !
لماذا في يومٍ كهذا يا أبي
في يومٍ أشعر بهِ انك سلبت سعادتي
لكم تمنيتُ هذا الحنان وانا طفل
ولم تتحق امنيتي إلا بشبابي
إلا وانا رجــل يطول رأسي رأسك
إلا وشعرك كبياض الثلج
في يوم تُصبحُ بهِ معشوقتي لك
في هذا اليوم لا أجدُ بصدري لك أي شوق
فقط يا أبي قناعٌ من زيف
خنت امي بها
و خانت حبنا بك
و خاسرُ المعركة ساجدة وابناءها من بطنها
و من صلبك !
صلبك يا والدي
و تلك التي بالخلف اكثر الخاسرين بيننا
تريديني ان اتجرع العلقم بزواجها من أبي
ولا تدري بأنها أول المتجرعين له
ويبقى السؤال كيف استطاعت ان تخترق حصون ابي ضد النساء
أكان ابي ضعيفًا إلى حدِ ان ضعف مارسة صار قوة !
أكان ذلك قناعٌ تلبسته سنونًا طوال وتبقى غريزيًا تهوى النساء
ولكن لما مارسة من بينهن
إنتفض جسدي وأبي يحك انفه بكتفي ليسيل مخاطه بثوبي الأبيض إنه يبكي !!!
و بكاءُ الرجل لقوة
أيبكي لأجلي ! هل هنالك من يشتاقُ لي
لقد ظننته حينما يتحدث إلي بالهاتف فقط يتحدث لئلا يشعرني بالوحدة
وانا الذي قضيتُ حياتي بالوحدة
طفولتي وحدة و مراهقتي وحدة و رجولتي وحدة
تربيتُ بوحدتي لأصير ركاض
حوطتُ بيدي ظهره لأشده بعيدًا عني و انظر إلى ملامحه الرجولية الباكية
دمعه كالعباب مخاطه كسيلٍ بلا مجداف و يكتنزُ وجهه دمًا أحمر تحت طبقات الجلد
نطق بصوتٍ واهن : طالت السنين يا ابوك , صابني الخوف وانا اظن الموت بيطق بابي وعيني عادها ماشافتك وينك يا ابوك و ميمتك قليبها انفطر
وهي تترجى إبك تنزل لأرضك .
وضعتُ يدي بكتفه : ماهقيت ألاقي هالشوق برجعتي يا ابوي السموحة منك ومن و امي كنت ابغى انزل جدة بشهادتي و اشوف الفخر بعيونك والفرحة بعيون امي
لكن الشوق ذبحني يا ابوي قطعني يا ابوي وهذاني اجيكم اليوم بلا شهادة اجيكم سلام و راجع اكمل ما بديته بنهاية هالسنة اكون انتهيت .
و حوطتُ بيدي رقبته لأستدير و يستدير معي ونمشي ناحية القصر و أول ماوقعت عليه عيناي حال استدراتي مكان وقوف مارسة ولكن لم يعد هنا إلا السراب
ذهبت كما غادرت حياتي بأكملها إنها لا تحل لي ولن تحل لي
دخلنا للقصر الذي كان بابه مردود
و على دخولنا كان معن سيخرج
توقف عن الحراك و كأنه لم يتوقع مجيئي وهو الذي كان بعلمٍ عن كل شيء إلا حبي لمارسة
تقدمتُ إليه لأجره حيث مكث أبي بصدري
نعم أتجرأ ان احتضن اخوتي ولكن أبي لم اعتد على ذلك بل إنني شعرتُ بالخجل وانا احتضنه
وهذا ما هو إلا حاجزٌ تصنعهُ بعض العائلات مع ابناءها بالرغم من سهولة الأمر إلا انه يبدو الأصعب
سحبني من شعري بعيدًا عنه وهو يضحك و يقولٌ بصوتٍ منخفض : الظاهر عجبوك بنات مصر وحليتلك القعدة هناك
نظرتُ إليه بطرف عيني و مشيت وهو من خلفي يضحك وأبي من خلفنا بسومٌ لا يدري لما يضحك معن
أخي معن هو الأجرأ بين اخوتي والأكثر تمردًا بينهم من بعدي
و لكنه عندما يجلسُ مع رجال أمثال الكاسر يصير رجلاً آخر كما يريده الكاسر
يستطيع ان يتغير كيفما يشاء
اما أنا فكما أنا
فقط أُخفي عصياني لربي عن ناظرهم
دخلنا إلى المصعد حيثُ غرفة والدتي " ساجدة "
كيف اصبحتي يا أمي هل أصبح شعرك كبياضِ ثلج أبي
أم لا زال يحتفظ بلون الغسق الأسود
هل أصبح جسدكِ واهنًا كجسد أبي
و هل رسمت التجاعيد نفسها بكِ
هل انتفخت عروقك الخضراء لتصبح ظاهرة للعيان دون تركيز
تقدم معن بإتجاه حجرتها ولكني استوقفته قائلاً : خليك انا الي بشوفها بنفسي
إحترم معن رأيي فهو يعلم بحبي العميق لوالدتي وعلى الرغم من حبي هذا إلا انني اضع اكبر اللوم بالمعاصي التي ارتكبتُها ولا أزال ارتكبها بها هي من عودتني الدلال
و على نيل اي شيء وكل شيء مهما كان الثمن
و أنال الفتيات والثمن جبال المعاصي و اشربُ النبيذ والثمن لن أذوق خمر الآخرة و أصلي و تارة لا أُصلي والثمن غالي و اغلى ما يكون و كيف لا والفرق الذي بيننا وبينهم الصلاة !
طرقتُ باب حجرتها
ليجيء صوتها الحنون : ادخل
ولكني لم أدخل
و عدتُ لأطرقه
فيجيء صوتها اكثر وضوحًا من ذي قبل : ادخـــل
و لم افتح الباب
وطرقتُه لثلاث مرة ليُفتح الباب فأراها أمـــــي أحب البشر لقلبي
شهقت بقوة , حتى ظننتُ أن روحها ستخرج بزفرة
قالت وهي تكاد لا تصدق عينيها , تكاد تُكذب حقيقة
تكادُ تقول إنه لحلم وما هو بحلم
تكاد تقول إنه تلاعبٌ من شيطان
و ما هو بشيطان
لينطق لسانها كما برمجته خلايا دماغها : ركـاض
و لتصدقي يا أمي أني ركاض بـ : امي
إنهمرت دموعها تلقائيًا كانت مابين أهدابها وعندما أصدقها لساني حقيقة رؤيتي بكت
لم تبكي حزنًا بل هذه الدموع تسمى دموع الفرح
نعم نحنُ نبكي عندما نحزن و نبكي بنقيض ذلك
فقط لأن الألسن لا تجيد التعبير ولغة العين الأولى البكاء
إلتفتُ للوراء باحثًا عن أبي وانا الذي قد نسيته ولكني لم أجده
حوطتُ بيدي رقبة امي وانا ازرع نفسي بأحضانها
انه صدرُ أمي إنه الحنان هذا فقط ما كنت احتاجه
هذا هو الآمان الذي لم أجده بغربتي قط
هنا سأنسى كل شيء هنا سأعود ركاض الطفل المدلل الذي ضحك عليه زملاءهُ ليتحول إلى شيطان بجسد إنسان
أنزلتُ يدي باحثًا عن يدها قبلتُها بعمق و عيناي معلقة ببقعة الحناء التي تحتل منتصف يدها واطرف اصابعها
هذا هو موطني هذا هو أنا
: تكفين يا يمه لا تبكي دمعك غالي
نطقت وهي تبتسم من بين بحر الدموع : و ما تنزل إلا للغالي .. ما تدري يا وليدي وش كثر هالغيبة اقتلتني كانك اقرب من لي بهالدنيا وغبت عن ناظري ست سنين
وش هالقساوة يا وليدي يومك تسافر قلت مرده لـ وميمته وكيف واهوا الي ما بعد عنها ثواني حتى يعود لها ما هقيت يقسى قليبك علي
لو انا بدراية انه بيصير كذيا كان وقفت لك بالمرصاد آآه يايمه حرقت بقلبي نار و كانت تغلي بكل ثانية
ايه يا وليدي الوقت ذه كله وانا افكر إبك .
مددتُ يدي إلى وجنتيها التي ذبلت عن السابق مسحتُ دمعها
وانا اراجعُ ذاتي وألومها ماذا لو عدتُ ولم , لم ... لا لا سحقًا و تبًا لك لن تموت هي لن تموت قبلك انت الذي ستموت وان احتاجت ان تهبها روحها فهي لأجلها
نعم هي التي مهما فعلت لن أفيها و لو بزفرةٍ واحدة
أغمضتُ عيني وكلمة واحدة فقط خرجت من شفتاي عن كل ما مضى : سامحيني
و هل ستمحى الخطيئة بسبعة أحرف كونت معنى واحد
معنى يلقبه البشر بما الفائدة بهذه الكلمة لن ترد لي ما أريد
وينسون بأنهم بشر والبشر على الخطأ يسيرون
ولكن أمي غفرت لي بإبتسامة نقية
و خطت لداخل الحجرة تحثني على السير من خلفها ففعلت
جلست هي على السرير و وضعتُ رأسي بفخذها واستلقيت
و اخذت تمسح على شعري وانا احدقُ بالثريا كما الماضي تمامًا
كنتُ أمكث هنا بهذا المكان وانظر للثريا فأقول لنفسي هل ستكون والدتك راضية عما تفعل
فتجيب نفسي بـ لا
واخرج من حجرتها وانا أعدُ نفسي أن لا أفعل
و ما ان اختلي بذاتي حتى يجيء شيطاني فأفعل !
طالما احترتُ وانا امكث هاهنا من كل المعاصي الصغيرة التي هي بأعينِ المحافظين كبيرة
إحترتُ هل اشاهد فلمًا إباحيًا , هل ادخن ؟ , هل انظر للخادمة كما يحلو لي ؟ هل هكذا امور ستبقي حُب أمي لي
كانت اجابة الاسئلة الثلاث الأولى لا تفعل و الإجابة الأخيرة لن ترضى
و لكن الأفعال تناقض الأقوال فأفعل وأُخفي فعلتي فأنسى أو بالأصح أتناسى انه يرى و كيف لا يرى وهو الذي خلقني من طين !
و لا ادري هل إبتعدتُ عن أرض وطني لأحصل على شهادة ام أجدد من نفسي ام اغرق بالمعاصي كما يحلو لي ولا أحدًا منهم يدري
اغمضتُ عيني وانا استمعُ لصوتي امي وهي تحكي لي وبين الكلمة والأخرى تطنق " والله إنها بنت ناس ومتربية "
و لا تدري بأن فتاة احلامي اصبحت ملك أبي
لا تدري بأن أبي قد خانها
ستعلمين قريبًا يا امي بهذه الحقائق المُره
ولكن ما موقفك ِ ؟
***
لقد أصبحتُ أهوى اللون الأسود لون الفخامة بالنسبة لركاض و لون الكآبة بالنسبةِ لي
أصبحتُ أعشق هذا اللون عندما أصبح هو عدوًا لي قد يكون المبرر لأتذكره باللون وقد يكون لحزني الشديد لفراقه
انا نفسي لا أدري ما المبرر و لكني على يقين أنه اللون المفضل لي بهذا الحين
تحسس نعومة يدي بين يديه القذرتين نعم قذرتين فئة بشرية تريدُ الشهوة وفقط ولا هدف إلا الشهوة
وانا أريدُ منه السم الذي يقتلها
انا التي وعدتُ اني سأدمرهم واحدًا تلو الآخر
سآخذ بالثأر يا أبي وجدي انتظراني
الموعدُ إقترب
لثمني بكتفي و قام متجهًا لدورة المياه
رفعتُ حبال القميص إلى كتفي و احتضنتُ الروب إلى جسدي
خرجتُ إلى الشرفة بغسق الليل بتمام الساعةِ الثالثةِ قبل طلوع الشمس
أنظر للقمر وأقول
فلتتحولي
*
*
أين , أين إنني لا أضعه إلا بهذا الدرج يا تراه من غير مكانه
ليست إلا هي نعم هي فقط التي ترتب الحجرة
أبعدتُ اللحاف عني وانا أمسك باللاسيكلي منادية : وين حطيتي كرتون الدوا
عضضتُ شفتي بقهرٍ من اهمالها ولامبالاتها : لا الاحمر الي كان بالدرج الاول للكمودينة
سحبتُ أطراف شعري و بغيض : مجنوووونة انتِ ولا تبغين تجنينيني كيف ما تذكرين الحين تعالي لغرفتي
*
*
إمشي لضريحكِ
نظرتُ إليها بغيض : مرة ثانية اشيائي لا ترفعيها من مكانها
و رميتُ بالدواء بفمي دون ماء
و انا أعيش بلذة نوم ضحك وشيءٌ لا افهمه
لقد تحولت انها ليست هوزان
هوزان لم تنعتها قط
مالذي حصل لها فجأة
لأول مرة تعامل إحدى خادماتها هكذا معاملة
و اخيرًا النصر
خرج من دورة المياه وقف من خلفي وهو يحتضن جسدي له
لو لا الحاجة لما أتيتُ لجحيمه القذر
بالإنجليزية : لقد وفرتُ لكِ أكبر قدرٍ من تلك الحبوب وبنفس المقاس المطلوب كل الأمور كما تريدين ايتها الفاتنة " مي "
***
رفعتها لأُجلسها فوقي و أنا اضحك : ما شاء الله عليها الله يحفظها لك , روحها حلوة
إبتسم لي : عقبالك يا اخوي الله يجيب اليوم الي اشوف فيه عيالك
قالت امي وهي تنقل نظرها بيني و بين الكاسر : خليه اول يوافق على الزواج كل ما فتحت الموضوع قفله
لثم الكاسر رأس والدتي ومن ثم أمسك بيديها بين يديه : مصيره يا يمه يجيك ويقولك ابيك تختارين لي بنت الحلال الي تناسبني هاذي سنة يا امي
و من ثم أردف قائلاً وهو ينظر إلى الساعةِ بمعصمه : الوقت اخذنا خمس دقايق وبيأذن يلا قوم يا ركاض خلنا نتوضى و نسحب الخطى للمسجد احب التبكير للصلاة.
شعرتُ بأن الدم كله تجمع بوجهي , إبتعلتُ ريقي بشدة منذُ زمنٍ بعيدٍ طويل الأمد لم أدخل إلى المسجد لأداء الصلاة
إما ان اصلي بالمنزل و إما اتخلى عن صلاتي
خلع ساعته و وضعها على الطاولة و رفع اكمام ثوبه وهو يتجه للمغاسل وأمي تدعي لنا سعادة بأنها قد ربت رجالاً يستحق ان تفتخر بهم
ولا تدري بأنها قد ربت حثالة الأرض أنا
أنزلتُ الفتاة لجين من فوق قدمي وقبلتُها بخدها , خلعتُ ساعتي والخاتم الذي يتربع أحد أصابعي و وضعتهما بالطاولة الخشبية و انا الذي لم يسبق لي وان خلعتهما لأداء الصلاة
توجهتُ إلى المغاسل لأقف بجوار الكاسر وافتح الصنبور على الآخر
فإذا بهِ يضع يده بيد الصنبور ليُخفف من صرير الماء وصبيبه و هو يقول لاتسبغ وضوءك و تبذر ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين
أول خطأ إرتكبته إجزم أني لن اعود للمنزل إلا والكاسر قد جمع لي من الأخطاء مالا يعدُ ولا يُحصى
غطى ذراعه بكم ثوبه وتوجه بعيدًا عن المغاسل إلى الصالة بجانب والدتي
وضع ساعته بمعصمه و هو يجلس على الكنبة ويقول : انتظرك يا ركاض عجل الله يرضى عليك ما احب اتأخر
إبتمستُ بسخرية لذاتي المعكوسة بالمرآة هه لا يُريد التأخر , البشر أصنافٌ و اشكال حقًا منهم الأخيار ومنهم الأشرار
أغلقتُ الصنبور وانا أجرُ خطواتي للصالة و اشكر ربي انه لم يكن يرى كيفية وضوئي وإلا وبخني و غضب
إلا الدين عند الكاسر إلا الدين
حينها يُصبح كاسرًا كإسمه تمامًا
اول اولوياته دينهُ و وطنهُ الذي لا يُفارق مهنته كنقيب و عند هذه الأوليات يتحول الكاسر
ليقول انا على إسمي و أُعبرُ عن كلِ حرفٍ به ِ
إنه اخي الوحيد الذي لا استطيعُ اخذ حريتي معه
عندهُ و عند والداي أُحاول ان اتلبس قناع الخداع كمعن
مشينا لخارج القصر فإذا بها سيارة سوداء اللون تتوقف تحت المظلات
لينزل منها ناجي و يبدو على وجهه الإرهاق
و بيده يحمل بالطو العمل كطبيب جميعهم حققوا احلامهم إلا أنا
لم أحقق إلا طنٌ من المعاصي يُحال أن يصل أحدٌ منهم إليه
تحجرت عيناهُ بنا , ومن ثم انفصلت شفتيه عن بعضهما لتظهر إبتسامته تصف سعادته
إقترب بخطواته منا وهو يقطع الممر العشبي وانا ايضًا أخذتُ أقترب منه حتى اصبح أمامي مباشرة
سحبني من يدي له و هو يضحك بصخب ويصرخ بسعادة بالوقت ذاته : يالمجنوووووون وش هالغيبة , كله عشان الدراسة خليتني متوحد بين اخوانك
انت اقرب واحد لي بالعمر اما ذولي عجايز وش يجلسني معاهم , والله يالدب لو انك دارس هالهندسة هنا كان زمانك خلصتها ومن اول
بس انت الدفرنة حقك ما تبطلها زين بس ما كان حلمك تخصص طب كان زمانك ودعت الحياة قبل نشوفك
ضربته بخلفية رأسه و انا اضحك : لا تتفاول علي عادني ابغى اعيش
أبعدني عنه وهو يشيرُ إلى نفسه : شف انا ناجي الطالب الكسول صرت دكتور وانت عادك تعصد بهالهندسة .
تابعتُ ضحكي قائلاً : خليني بس آخذ شهادتي واخلص اول واحد اجرب فيه هندستي هو انت بهندس مخك ذا .
جاءنا صوت الكاسر قائلاً : الصلاة يا رجال .
همستُ لناجي : اخوك بيقتلني اليوم كل شوي يقول الصلاة وانا اتلكع وانشغل بشي يلا سلام .
إبتسم لي : في آمان الله أبدل لبسي واتوضى وألحقكم .
أومأتُ برأسي تفهمًا
ومضيتُ مع الكاسر إلى حيثُ المسجد الذي قد بُنِيّ حديثًا
خلعتُ حذائي و وضعته بالرفوف المخصصة مع الكاسر
ودخلنا للمسجد سمعتُ الكاسر يتمتم بـ اللهم افتح لي ابواب رحمتك
رددتُ وراءه ذلك الدعاء و دخلت من خلفه
فإذا بهِ يُكبر و يصلي ركعتين لله قد تكون تحية المسجد او السنة الراتبة لا افهم المهمُ ان أخرج بسلام دون أن يشعر بقل علمي بالدين
جلستُ على السجاد الأحمر و عيناي تجوب بالمسجد و كل من حولي اما يصلون او يمسكون بكتاب الله , شعرتُ بأني الشاذ عنهم
غريبٌ لا أنتمي لهم كُتب على هويتي مسلم وانا نقيض ذلك
لا تقل هذا انت تصلي , أبربك تكذب و تُصدق كذبتك أي صلاةٍ تلك التي لا تدري أي سورةٍ قد قرأت بها
و تمضي ليالٍ و انا لم أسجد للهِ قط
انا لا أستحقُ ان اتواجد بهكذا مكان , انا الأرخص من بينهم
هم بهذا الوقت يصلون وانا كنتُ بأرضِ مصر احتضن الفتيات و جسدي يهتز كالمجانين بسبب الخمور و أغاني تضج كل المكان
سُكارى , ضعفاء نفوس هذه بيئتي أنا
و أقامت الصلاة بقول "أقيموا صفوفكم وتراصوا" , لتصتف الصفوف المسلمة و تسد الخلل و فرجات الشيطان بلا خلافٍ تختلف له القلوب بل عمت الألفة الأرجاء فتعانقت القلوب
و يقول الإمام " الله أكبــر " .
هزتني انتفاضة كريحٍ صرصرٍ عاتية و كأن نبضات قلبي تضج المكان بل تغطي على صوتِ الإمام
فيقول الجميع الله أكبر
لم أستطع النطق ليس تكبرًا وإباء كما هي عادتي بل ضعف هوان كسرة ذلة
فرت دمعة من حصون قوتي
اسناني تصتك ببعض وانا حاول التماسك و تقليدهم بالحركات
و صوت الإمام يهزني تكادُ صرخةٌ دفينة تخرج من فؤادي
بالكاد اجيدُ الثبوت ركبتاي عادت تربة تريدُ السقوط والتناثر
و الصورُ من حولي تدور اصوات لا أريدها لستُ منهم لستُ منهم
حبيبي ركاض
روكي
ههههههههههههههههه بحبك أوي
اي ده بص البتِ دي هتموت عليك
ياخي لازم تموت تشوف هالرزة كلها وتثبت
كاسة يحبها قلبك اشربي وخلينا نروق
لاااااااااااااااااا , لا , لا توقفوا لستوا منكم لستوا منكم
هذا ليس انا , ليس ركاض كاذبون ليس ركاض
ركعوا فركعت
سجدوا فسجدت وهنا نزعتُ رداء القوة فبكيت بصمت
بكيت و لم أُجد إلا البكاء لا أدري ما يجب ان أقول
فتحتُ فمي وسحبتُ هواءً لصدري
و من ثم حبستُ شهقةً قوية
إهدأ إهدأ لا يجب أن يروك هكذا حاول ان تهدىء حتى انتهاء الصلاة حينها ابكي بخلوتك كيف تشاء
إلتزم بالصمت خُذ نفسًا عميقًا
أخرج نفسك
ادخل اكسجين اخرج ثاني اكسيد الكربون
نعم هكذا انتظمت انفاسك تماسك فقط لحين الإنتهاء ومن ثم إختفي عنهم إلى جحميك الذي صنعته بإرادتك
و بالركعةِ الثانية كنتُ أكثر تماسك
السلام عليكم و رحمة الله , السلام عليكم و رحمة الله
خفتُ ان تكون آثار البكاء تزوال وجهي فتضجه و تطليه
إلا أني تنهدتُ براحة عندما تقدم شابٌ مبتور اليد إلى الكاسر يُسلم عليه وإلتهى الكاسر بهِ عني
فأدخلتُ يدي بجيب ثوبي واخرجتُ مناديل لأمسح وجهي و كأن شيئًا لم يحدث
و من ثم إستدرتُ وانا أنظر بالمسجد
أبي يعتكف أحد الأركان ويُمسك بكتاب الله و أخي معن يهم بالخروج
و ناجي يجرُ خطاه إلي
و الكاسر لا زال منشغل بهذا الشاب
و بدأ المسجد يخلى إلا من فئاتٍ قليلة لازالت معتكفة بهِ .
*
عُدنا أدراجنا للقصر يتقدمنا أبي و الكاسر
و من خلفهم أنا و معن وناجي
كان ناجي يُثرثر بسعادة و كأنه أبكم طول حياته و اليوم تلبسته نعمة البوح باللسان , وكنتُ متجاوبًا معه وبالوقت ذاته أنظر لمعن
الذي يحدق بظهر أبي وشيءٌ من اللاخير بعينيه
و عندما دخلنا إلى اسوار القصر و اصبحنا بمنتصفه قال معن مقاطعًا حديث ناجي : ابي ركاض بكلمة راس يا ناجي و الكلمة مهمة
تفهم ناجي ذلك قائلاً : إن شاء الله
ثم صمت و مشى خلف أبي و الكاسر
بينما قال معن بقل صبر : امشي خلينا نفكر بمصيبة ابوك بيوقف قلب امك شكله
مشيتُ خلفه وانا لا أدري إلى اين سيأخذني
فتح باب سيارته و فتحتُ الباب المجاور للسائق لأجلس
بينما هو جلس بباب السائق و حرك السيارة خارج اسوار المنزل
قال و يديه تحرك الدركسون : يوم كشفت ابوك حسيته متمسك فيها حيل الظاهر مافيه نية يطلقها وهاذي مصيبة يعني بالله وش موقف امك تخيل يا ركاض
اكثر من ثلاثين سنة بينهم ونهاية هالسنين زواجه من غيرها والقهر بدون علمها مدري وش كان يفكر فيه لما تقدم لها
ياخي ما استحى اصغر عياله اكبر من زوجته و الله شي مخزي .
بتساؤل : طيب انت جربت تكلمه بخصوص الطلاق
جنب السيارة تحت إحدى اللائحات : لا , قلت لاجيت انت نكلمه مع بعض يكون احسن عشان يقتنع مدري حاسه متمسك فيها بقوة يا خي ابوي قبل زواجه منها كان كل عقله شغل
الحين لا رجعنا من الشركة راح لبيت ظانع مدرعم وانا المسكين احسبه يكمل شغل مع ظانع اتاري الي صاير اعظم بكثير .
قلتُ وانا بالكاد احتفظ بنبرة صوتي وأحاول ان لا أدعها تتزعزع : خلاص هو مخير اما طلاقها واما يعلن الزواج والي يصير يصير لكن والله عيب كل شوي رايح بيت ظانع
البودي قارد والخدم بيشكون و تدري كلمة بس و الإشاعات تنتشر احنا محنا ناقصين هم .
آمل ان يطلقها ان لا يستمر معاها
صحيحٌ انها لن تحل لي مطلقًا
ولكني لا أتخيلها زوجةً لأبي
بمكانة امــي !
يصعبُ تخيل هذا الشيء
ضرب يده بالدركسون مراتٍ و كرات و بصوتٍ غير راضي : لازم يطلقها اما يعلن الزواج صعبة تدري ليه ؟ , البنت لسى صغيرة واحتمال تجيب منه طفل شي وارد
تخيل طفله اصغر من اصغر عيالي , تخيل بعد هالعمر يجيك اخ غير كذا شغل عقلك شوي هذا بيكون وريث معانا تفهم وش يعني , يعني مارسة بتصير منافسة لنا .
" مارســة منافســة لنــا "
هل يعقل بأن هذا تدبيرٌ منها
أبي رجلٌ يكره النساء
ولطالما أنا إستهزأتُ بفقرها وجهلها
هل يعقل انها فكرت بهكذا حماقة
إلهي أرجو ان لا تكون قد فكرت هكذا
يصعبُ أن استوعب ان تكون هي بهذه الحقارة
هي أرقُ ما خُلق على وجه الأرض
و كيف لا تكون وهي من تخجل منها ابيات الشعر فلا يترتب الشطران ليخلقان بيتًا يليق بها
نفضتُ رأسي بشدة لا تتمرد لم تعد لك انها لأبيك حكم عقلك يا ركاض
نظر إلي معن بريب و رفع إحدى حاجبيه : وش فيك تنفض راسك شكيت انك انهبلت
بتوتر وانا أبعد نظراتي إلى زجاج السيارة وانظر إلى لائحات المحلات بتشتت : مافيه شي بس خفت من كلامك لو صار صدق فهاذي مصيبة
إبتسم بسخرية و من ثم تحولت ملامحه للجدية : انساها يا ركاض ماهي لك الله يسخر لك بنت الحلال الي تنسيك ياها
بغصة و إنكار : انت وش تقول ؟ , و مين تقصد انسى ؟! مارسة !! احسك تتكلم بالطلاسم و انا مافيني افكك طلاسمك والي يسلمك
اسند ظهره بالمقعد أغمض عينيه وزفر قائلاً : كل شي واضح يا ركاض انت تحبها من يومك بزر , و مانزلت لجدة إلا عشان هالزواج لا تنكر وتقول لا , لو ابوي تزوج غيرها ما كنت بتنزل
انت ما نزلت إلا عشان تصدق هالحقيقة المره و تشوفها بعيونك انت لهاليوم تحبها لكنها خلاص راحت حاول تتأقلم على هالفكرة
غرستُ اظافري بمقعد السيارة و عضضتُ شفتي حتى شعرت بطعم الدم فيهما , كيف عرف ؟ , ألهذا الحد حُبي لها مفضوح و مكشوفٌ للعيان
فكرة أن اخي يعلم بحبي لها وهي لأبي مخجلة إلى حدٍ لا أستطيع التعبير عنه
حرك السيارة وفتح نافذتها ونسيم الصباح ينعشنا : مو خطأ انك تحب يا ركاض هذا شعور ينخلق بالقلب غصبًا عنك وانت ما غلطت بحبك لها لأنك حبيتها طفلة غلطك كان يوم اتخيلتها حقيقة اتخيلتها زوجتك
مو كل حب ينتهي بالزواج و الحب شعور بالقلب بس , لكن ان زل لسانك بإعتراف الإعتراف يجره شي وشي وتصير علاقة تحت الحرام ساعتها تحلم انه كل شي يمشي مثل ما انت تبي تحلم انك تتزوجها
حبك لها كان اشبه بالمستحيل يكون نهايته الزواج لانك الأحب لقلب امي وامي ماتحب لعيالها الا بنت اكابر بعيد عن معيار الأخلاق
يمكن تقول انت بنفسك و اخلاقها لكن امي اول افكارها تكون بنفس مستوانا المعيشي او اقل بشوي
و ما اظن بتتزوج على سخطها منك انا ادري فيك تحبها اكثر من روحك و ما ترضى تكسر بكلمتها .
" مو كل حب ينتهي بالزواج و الحب شعور بالقلب بس , لكن ان زل لسانك بإعتراف الإعتراف يجره شي وشي وتصير علاقة تحت الحرام ساعتها تحلم انه كل شي يمشي مثل ما انت تبي تحلم انك تتزوجها "
ماذا يعني هل يعقل انه يعلم بعلاقتي بها قبل الزواج ؟!! , لا , لاأظن هذا من المحال انه يعلم لو كان يعلم لأوقفني حينها لو كان يعلم لإعترف لي الآن , فقط قال كلامه هذا توضيحًا لا أكثر
نعم اقتنع يا ركاض معن لا يعلم لا أحد يدري لا أحد , إلا الواحد الأحد , لكن ماذا لو أن عُطرةابنةُ خالك قد اخبرته لا أتوقع هذا فعُطرة تحب مارسة و لوفضحت الأمر لفضحت مارسة قبل ان تفضحني .
أخرج من جيب ثوبه عُلبة سجائر و تناول ولاعة ذهبية اللون من المرتبة الخلفية أشعل السيجارة ومد لي واحدة مطفأة وهو يقول : ارتاح
أخذتُ السيجارة من بين اصبعيه و قربتُها من سيجارته المشتعلة حتى اشتعلت سيجارتي
وتصاعد الدخان وتطاير للخارج يميت صدر حبيبتي و أبي وقبل ذلك صدري أنا .
***
الأسود لون الفخامة لون الملوك لكنه لون اليأس لون الندم
كل حديثك خاطىء يا ركاض لاشيء من الصحة يتطرق إليه كلامك
و بالرغم من هذا لم أؤمن يومًا بحديثٍ بقدر ما آمنتُ بحديثك
صدق القول " الحُب أعمى " لم يقل اخرس لأن المحب يستطيع ان يعترف
لم يقل اصم لأن المحبوب يترنم على حكايا المحب
لم يقل اعرج لان المحب و المحبوب خطوة واحدة
و لكنه قال اعمى لأن كلاهما يتغافل عن خطايا و نقصان الآخر فقط لانه احب و الحب أعمى
و لأنني أحببت غُشي بصري بضبابٍ عن عثراته العفنة
و لأنه لم يُحبني لآمني على نقصاني عندما لم يجد بحر الخطايا الذي فيهِ
و لأنني عشقت ما عدتُ أميز الصدق من الكذب
طالت لعبةُ الشطرنج ولم تقفل حتى تنزع ثوب انتصارك وتهديهِ لــي
حينها فقط سأشعرُ بالعدل بعد الضيم
و بالفرح بعد الترح
و باليسر بعد العسر وما بعد العسر إلا يُسرًا
و سقطت آخرُ دمعةٍ لهُ و محوتها وانا امحي كل الصور وجُمها لاشيء قد كان لاشيء قد صار
لن أبكي بعد اليوم لأجلك يا ركاض لن تبكي مارسة لأجلك
عضضتُ شفتي بقوة ومن ثم لعقتُ إصبعي بالموضع الذي غرستُ به إبرة الخياطة و أفكاري متطايرة حيثُ الماضي السحيق بتمام الساعة السابعة صباحًا .
***
الآن الساعة الثامنة صباحًا , جلست على الكرسي من أمامي وعيناها متمركزة على الطاولة و التوتر ماهو إلا قفازٌ وجوراب يغطي أطرافها برعشة
لأول مرة منذُ أن رأيتُ الطالبة المسترجلة حميدة أراها بهكذا خوف و تزعزع و عدم إستقرار
تحمحمت مُعدلة من نبرة صوتها : من وين نبدأ يا أبلة عُطرة ؟
إبتسمتُ رغمًا عني وانا لأول يوم منذُ ان عرفتها أراها مترددة وخجلة أو بالأصح محترمة بإنتقاءِ حروفها : من مكان ما انتِ تبغين
وضعت يدها على الطاولة ونشبت اصابعها ببعض , أمالت رأسها للجانب و استقرت نظراتها على السيراميك الأبيض بشرود قائلة : ابدأ من نفسي و كيف وصلت لهنا وليش صرت حمود بعد ما كنت حميدة يمكن سؤال ليش أأجله شوي
انا حميدة بنت عمرها ما يتجاوز السبع سنين طفلة ما شافت الهنا بحياتها طفلة كانت منبوذة بسبب امها اضطرتني ظروفي اصير منطوية منعزلة عن العالم والناس اكسل طالبة بالفصل
كان يحز بنفسي لما اشوف طالبات فصلي يتكرمون إلا انا , انا اقل مستوى بكل حاجة كبرت حميدة وصارت بالمتوسط بقيت منعزلة عن العالم وحدها قربت لها بنت شكلها يفجع بمعنى الكلمة
*
*
جلست على الكرسي الفارغ بجانبها و إبتسمت لها : وش اسمك يا حلو ؟
نظرت لها وصمتت كما العادة صامتة لا تتحدث إطلاقًا فمن النادر ان يسمع أحدهم صوتها
صوتها قُتل منذ الرحيل
قالت بإبتسامة سخرية : يحقلك يا حلو تسكت , همم اسمك حمود
لأول مرة يخرج صوتها بهذا العلو والحدة : رجاءً لا تكلميني على اني ولد ماني من شاكلتكم انا
إتسعت ابتسامة السخرية بثغرها : همم اجل من شاكلة امك غبي زيها يعني
اكتظ وجهها خجلاً غضبًا و مشاعرٌ متضاربة : ما اسمحلك تتكلمي عني بهالسوء وامي مالك شغل فيها فاهمة
ضحكت بإستهزاء و هي تضع ورقة بيضاء على منضدتي : عمومًا لو حاب يكون لك شعبية بالمدرسة واحترام بدل هالتوحد و تبي كل هالناس تنسى ماضي امك
فإتصل على الرقم الموجود بالورقة وما بيصير الا كل خير .
رفعت احدى حاجبيها و بحنق : و من وين بيجي الخير وانتوا وراه , " تف على اشكالكم " .
بصقت بها بعدما اعطتها ظهرها كانت لا تزال حميدة فتاةٌ ذات جديلة سوداء تصل لآخر ظهرها
*
بعدها رجعت للبيت كنت افكر بالبنت البوية كثير وكيف بالفعل لها شعبية بالمدرسة و محبوبة من اغلب الشِلل وفكرة توديني و فكرة تجيبني ما لقيت نفسي الا اتصل عليها
لما كانت تكلمني كنت مترددة واطالع بشعري بالثانية مليون مرة قالت لي اول حاجة انحتي شعرك زي شعري و بكرة اعلمك الباقي يمكن وحدة غيري بهالوقت تخاف من امها ابوها اخوها
اي فرد من عيلتها يهزئها ليش تقصي شعرك بهالشكل ليش تتشبهين بالرجال تدرين انك ملعونة لكن انا لا ما كان في احد يرشدني انا كبرت نفسي بنفسي انا كنت مسؤولة عن اصغر و اكبر شي يخصني
لحظتها كان فيني تردد شعري هذا طولته عشان امي ايه هي قالت لي وانا بنت اربع سنين خلي شعرك طويل زيي يا ماما
لكني قصيته وحسيت كأني اقص جزء من قصتي مع امي و زوجها و راحت حميدة بشكل بوي للمدرسة
*
عندما دخلت للمدرسة اول ماصادفته تلك الفتاة كانت تقبع بجانب الباب تنتظر مجيئها
اقتربت منها تلك المسترجلة الملعونة مرحبة بإعجاب : يا هلا والله بحمود
مدت حميدة يدها لتصافح المسترجلة ولكن المسترجلة اشاحت بوجهها هذا السلامُ يبدو انه لا يرضيها
إلتزمت حميدة بالصمت و حملت حقيبتها الشبهُ فارغة إلى الساحةِ الداخلية
إلا أن المسترجلة نادتها قائلة : حمود ما تبي تكمل مشوراك
*
رن الجرس يُعلن عن انتهاء الحصة إبتسمتُ لحميدة قائلة : مشكورة يا حميدة على جلسة المصراحة هاذي و نكمل بحصة ثانية الحين انا علي حصة الله يسعدك
و مددتُ يدي لمصافحتها كانت تنظر إلى يدي بشرود لازالت غير مقتنعة بجلسة المصراحة هذه , هذا ما يبزغُ بتعابير وجهها
صافحتني و ردت لي ابتسامتي و مضت لخارج المكتب
بينما انا اخذتُ كتاب الفيزياء و اقلام السبورة وتوجهتُ للصف و ذهني شاردٌ بها هنالك حكايا طويلة بجعبتك يا حميدة
قد اصبحت هدايتك هي اول اولوياتي والبرنامج آخره .
***
خطوة تحثني للأمام و عشرون خطوة للوارء منادية أمكِ لا تخذليها يا أنهار , وخطوة تنادي مشتاقةٌ لـمعن
خرجتُ من سيارة التاكسي فقد جعلتُ السائق يوصلني لباب الجامعة و دخلت
ثم خرجت لأمتطي سيارة تاكسي وأذهبُ حيث إتفقتُ مع معن
و هاالآن توقفت السيارة عند باب المطعم المنشود أخرجتُ محفظتي البنية من حقيبتي لأعطيه عشرون ريال .
ترجلتُ منها و تقدمتُ للمطعم , ودخلت بتمام الساعة العاشرة صباحًا
*
إذا جئتِ إلى هنا يا أنهار فأنتِ تفتقدين التربية الصحيحة القويمة
إذا جئتِ إلى هنا يا أنهار فأنتِ لستِ إلا سلعةٌ رخيصة
تستحقين ان ألعب بكِ كيف أشاء لأنكِ خائنة لكل من حولكِ و أولهم ذاتك
يوم يشهد اللسان بما تطقين و تشهد العين بما تشاهدين و اليد بما تلمسين و تفتح الصحف
حينها أنتِ ستندمين يوم لا ينفع الندم و لا الأنين , سكينٌ أم خنجرٌ لعين جرك إلى الجحيم
بل إنه لشيطانٌ رجيم وساسٌ زنيم
إنكِ أتيتِ للجحيم وسوف تخلدين إلى حين تُكفنين
انزلت نظارتها الشمسية عن عينيها وهي تدير رأسها باحثةً عني
رفعتُ يدي لأعلى مناديًا لها
فإذا بها تتقدم الخطوات نحوي
أشرتُ للنادل حتى يرشدني للمكان المخصوص
مشيتُ خلفه وهي ورائي تتبعني إلى جحيمها
انتن هكذا يا نساء تقعون بالخطأ و تبكون بل وتنكرون
هه كل الأدلة ضد عُطرة ولازالت على إصرار انها بريئة
كيف لي ان اصدقها وكل الأبواب مغلقة انها كهذه الرخيصة التي تلحقني كظلي
دخلتُ وسحبتُ احد الكراسي لتجلس عليه وجلستُ على الكرسي مقابلها بعدما شكرتُ النادل
إبتسمتُ لها و بصوتِ الكذوب : واخيرًا يا انهار حنيتي تعبت حتى اشوفك
إبتسمت بتوتر و أخذت تدخل خصلاتٍ من شعرها الكستنائي المصبوغ بداخل حجابها المفضوح
حقًا فرقٌ شاسع بينكما , عُطرة فاتنة إلى حدٍ لا طبيعي أُجزم ان لا إمرأة بجمالها
عُطرة ذات شخصيةٍ قوية ولسانٍ سليط و حضورٍ لا يليقُ إلا بها إمرأة ذات ذكاء إضافة إلى كل هذه الصفات هي محتشمة
وهنا انا اضيع و ذاتي تضيع وهي تحكم عليها , هل يعقل انها انها , ولكن طبيبتان اتفقتا وانا رأيتُ بعيني حُبها لذلك الأحمق " علي "
لا أدري مالذي أحببتُه بهِ , لاشيء مميزٌ بهِ لا شيء لما أرخصتِ بنفسكِ
لماذا لم تسير الأمور على ما يرام اقسم بأني حينها سأكون لكِ كما تريديني أن اكون وان كنتِ ذات شخصية متحكمة متسلطة سأدعكِ تتحكمين و تتسلطين كيفما تشائين
فهذا يحق لفاتنة مثلكِ أنت ِ
قالت بعد مدة ليست بقصيرة من الصمتِ المطبق : احترت كثير قبل ما اجي لهنا يا معن , احس اني خنت ثقة امي فيني مو مرتاحة يا معن ابغاك و اخاف من لقياك ما ادري انا في الصح ولا في الغلط .
توكأتُ بيدي على الطاولة و انا انظر لتفاصيلها اللا ملفتة امام عطرة , وبصوتٍ مبحوح : ثقي فيني يا انهار , هي مرحلة بسيطة وبتعدي وبتصيري زوجة لي علني و امك ما بيسعدها إلا سعادتك انا متفهم شعورك
و عارف انك تربية اجواد و اكيد هالشي صعب عليكِ بس وش نسوي بحبنا حاولت ابتعد حاولت انسى وكانت اصعب مرحلة من حياتي نسيانك .
وضعت يدها بوجنتها و نظراتها مشتتة بالأنحاء إلا وجهي تهرب و تفرُ بعيدًا عنه
قلتُ وانا أحاول كسر جو السكون : ما انتِ ناوية تختارين اكل على ذوقك يا ذوق .
عضت شفتيها و هي تُمسك بالمنيو ويدها ترتجفان
و أخذتُ أكمل التغزل بها
وهي تكادُ تختفي بباطن الأرض لخجلها .
***
هي كتطعيمٍ مضاد مسببة الشفاء لي , اذا ما كحلتُ عيناي برؤيتها اشعر بأن الجدري إنتشر بأنحاء جسدي ببقعه الحمراء
هي كالماء للزهر إن لم أسقى برؤيتها أذبل
هي كاللون للحياة إن لم أراها صارت حياتي سوداء
أحبكِ من وريدي لشرياني , يا من جعلت لحياتي ضوءًا ومذاقًا أحياني , عينانِ حفرتِ بهما آهاتي و اشجاني
قد كنتِ لي عونًا من غدر زماني
ولكنكِ انتِ وحدكِ جلعتِ مني
مجنون زماني
مجنون بحبكِ قارورة , قد آن وقتُ النسياني
انسي فما عادت لذكرياتي مكاني
ولكنك انتِ الذكرى ستخلدي بعصر الاطلالي
حتى انسى نفسي لكن
لا و الرب لن انساكِ
أتبكين ولما تبكين يا حسناتي اما اكتفت عيناكِ من دمعٍ اشقاني ؟!
تبكي على صوتِ المنشد محمد العمري قائلاً " أيُ سعدٍ وجهُ أمي غائبٌ تحت التراب , كُل طفلٍ يا عيون اليتم قد مل الإياب
دون حضنٍ يحتوي رعشاته دون انتحاب , يا قلوبًا شفها فقد حبيبٍ ووصاب , ألم اليتم عصيب غصة اليتم عذاب
فلتعيدوا لليتامى فرحًا ولى وغاب ".
تقدمتُ بخطواتي إليها , و جلستُ بجانبها على الأريكة ولم تلتفت لي مطلقًا
سحبتها من ذراعها حتى اصطدمت بصدري واحتضنتُها بشدة
و هي تنتحب و تردد : أمـ......ي محتاجتـ..ك يمـ...ـه
لثمتُها برأسها وانا أردد : هششششششششش اهدي يا قلبي اهدي وصلي على النبي اهدي
تشبثت بثوبي و بوهن : تعبــانـ..ـة ناجي تعبانة حيل
بهمس : بكون لك اب وام واخ و اخت وكل دنيتك بس اهدي اهدي الله يخليكِ لي ولا يحرمني من طيفك
أخذت تدفعني للوارء بقوة ولكني أمسكتُ بها بقوةٍ أكبر صرخت من غائر قلبها : ما كنت لي زوج بتكون لي كل اهلي !
لماذا يا عُزوف تقتليني باللحظة ألف مرة و ما ذنبي انا بما قد جرى
كنتُ طفلاً فلتفهمي راعي مشاعري كوني عونًا كما كنتِ لا تكوني مرصادًا ضدي
طوفانٌ لهلاكِ
" لما تقرب منها ركز بأي شي غيرها امسك حاجة بالمكان الي انت فيه و ركز فيه ركز بأدق تفاصيله حاول تفكر بهالشي من كل الجوانب
و قرب منها مثل ما تبي لكن خلي فكرك غايب عنها كون فعل بلا اقوال "
هذا صوتُ مشعل نعم قد قال هذا الحديث لي " كون فعل بلا اقوال "
فعل بلا اقوال
قرب
ركز
فعل بلا اقوال
إرتكزت عيناي على الأبجورة من خلفها لونها بني ضوءها اصفر , بأطرافها زخرفة ورود و أوراق وكأن بأسفلها جذوع
*
*
صمتُ وشفتيه تطبق على شفتاي
إتسعت عيناي وشعرتُ بأن ضربات قلبي قد وصلت له
بل إن ضربات قلوبنا بماراثون المنتصر فيهما الحُب
قد فعلتها يا ناجي لأجلي
أُحبك يا كحل زماني
يا بلسم حياتي
أحبك , أحبك إلى يوم مماتي
وضعتُ يداي بوجنتيه وانا ابعدُ شفتاي عنه وانطقُ بهذياني : أحبـك يادنيتي , احبك و احبك و احبك .
وضع إصبعه الأوسط ليده اليمنى بشفتي هامسًا : هششششششششش انا الي احبك انا الي اعشقك انا عنتر اليوم وانا قيس لك
انا مجنونك انتِ انا لك انتِ .
ابعد اصبعه و ألصق جبينه بجبيني ويداه مازلتا تطوقني بعناقٍ ألهبني واهتاجت له مشاعري : تعبت معزوفتي حتى اقدم لهالخطوة تعبت كثير , تعبت وكلام دكتوري يتردد براسي بكل دقيقة
تعبت وانا افكر هل بقدر او لا ما قدرت انام ولا قدرت اجلس وانا اتخيلك لغيري رغم اني ادري فيكِ تحبيني واحنا ما خلقنا إلا لبعض لكني كنت خايف يا عزوف ولأول مرة اخاف هالخوف كله
لأول مرة حاجة تشغل تفكيري هالكثر عزوف احبك انتظريني اكمل علاجي واكون لك مثل ماتبغين لا تتخلي عني ياضي عيني و سنيني .
لثم يدي اليمنى وألحقها باليسرى و من ثم سحب يديه وهو يبتعد لخارج الحُجرة
و لكني لحقتُه بسرعةٍ هوجاء وأرتميتُ بهِ محوطة بطنه و لا أرى سوى ظهره و بهمس : كان كلام من فراغ يا ناجي و ربي ما يملي حياتي فرح غيرك ولا احس اني عايشة إلا معاك انت .
رفع يدي اليمنى المحيطة ببطنه إلى صدره بالجانب الأيسر حيث يستريح قلبه قائلاً : هذا يعبرلك عن كل شي قارورتي .
***
بدى على ملامحه التوتر , وهو منذُ الصباح يتلافى لقائي
بادر ركاض بالحديث : ابوي جايين انا و معن نكلمك بشي مهم
إبتلع ابي ريقه و بذات توتره : وش هو ؟
بشيءٍ من السخرية : بخصوص زواجك
إتسعت حدقتاه وهو ينظر إلى ركاض بهلع
بينما سبقته بالجواب قبل سؤاله : يعرف
بغير رضى : قلت له يا معن
ببرود : لا , بس هو الي علمني عنك
بإستغراب : كيــف وهو في مصر
بلامبالاة : مو مهم الكيف المهم وش بتسوي فكرنا انا و ركاض شفنا انك تختار واحد من الإثنين اما طلاقها او إعلان الزواج , احنا ما نتحمل كتمانك الحقيقة عن امي
وفإذا ما اخترت انا و ركاض بننشر الخبرية بطريقتنا .
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $