أعلن عصيانك لم أعرف لغة العصيان
فأنا إنسان يهزمني قهر الإنسان..
وأراك الحاضر والماضي
وأراك الكفر مع الإيمان
أهرب فأراك على وجهي
وأراك القيد يمزقني
وأراك القاضي.. والسجان..
لـ فاروق جويدة
الجحيـــم
( 24 )
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
نظرتُ إلى نفسي بالمرآة بقميصي الأسود و شعري الأحمر الذي يتناثر من حولي
قميصٌ يظهر الكثير ولا يخفي إلا القليل
لبستُه سابقًا عن حب و ألبسه اليوم انتقامًا منه
سأعيدُ علاقتنا قويةً كما كانت لأكون الأقرب إليه لأعرف اليوم المنتظر فيسقط هو و كامل عائلتُه بالهاوية السحيقة
علقتُ قلادتي الصليب برقبتي
أمسكتُ بأعاود الثقاب وانا أشعلها لتضيء الشموع بليلةٍ حمراء سوداء بحقيقة الأمر كسواد ردائي
جلستُ على السرير و امسكتُ بكتيب له أُقلب به بين الرسومات الهندسية و انظر إلى خطوطه المستقيمة بعكس اعوجاج خطواته واخلاقياته
و فُتح باب الشقة , هو بالعادة يدخل للمطبخ و يضع ما جاء به من طعام بداخله , لكنه اليوم غير وجهته لغرفة نومه ليدخل بسرعة وهو ينظر لي بغير تصديق قائلاً : اخيرًا اشفقتي يا مي وحشتيني
و ضعتُ المجلة بجانبي و صلبتُ طولي وانا اقترب منه
حتى اصبح لا يفصلنا شيء قبلتُه قُبلةً عميقة وانا اهمس : وانتا اكتر .
مرر يده على عمودي الفقري و أزاح شعري للجانب
لمس بيده اليسرى فخذي وهو ينظر لعيناي بعمق : ليـش ؟
غصبتُ إبتسامتي : علشاني بموت عليك
أمسك بقلادتي واخذ يُقلبها بيديه و بصوتٍ خافت : كذابة مو عشان كذا
نظرتُ إلى زوج عينيه على التوالي بهلع و نقلتُ نظراتي للأرض و انا ابتلع ريقي و أهدأ من نفسي
هل يعقل بأنه قد عرف ؟ , هل هو على علمٍ اني جئتُ للإنتقام ؟! , لا اعتقدُ هذا فكيف له ان يعرف
عند هذه الفكرة استطعتُ إلتقاط انفاسي و التحكم برسم تفاصيل ملامحي حتى اخفيتُ خوفي بطيلسان الشجاعة الزائفة , وضعتُ اصبعي السبابة بذقنه
و نزلتُ إلى رقبته و إلى منكبيه العريضين , رفعتُ عيني إلى زوج عينيه وبدلع : روكي بلاش نكد انا جاية علشان ننسى الي راح
احاط بيديه ذراعي و بعينيه تساؤلٌ دفين : ليه احسك مو على بعضك ؟! ليه احس ان هالكلام ما هو من قلبك ؟!
ما هذا كيف له ان يعلم بشعوري ؟! و انا التي قد أخذتُ وقتًا طويلاً حتى اصطنع هذه المعالم و ارسمها بوجهي لوحةً فنية تغطي حقيقةً شنيعة
أعطيتُه ظهري و انا أعيدُ ترتيب ملامحي و ردود افعالي و بصوتٍ متضجر : اوووووف منك يا روكي هوا ليه انتا بتخرب كل حاجة ما تنسى بئى انا محتاجتك اوي يا روكي .
جلستُ على السرير انتظره يقترب
فلم يقترب بل أُغلق باب الحُجرة بقوة
وضعتُ يدي بقلبي ما باله هل فهم ؟
إستلقيتُ على السرير على ذات جنبي
فقفزتُ فزِعة وانا بالكاد ألتقطُ انفاسي لإحساسي بيدٍ تمر على انحناءات خصري الدقيق
فإذا به ركاض
عدتُ لأستلقي وبهمس : فكرتك خرجت ؟
إستلقى بجانبي ولثم كتفي : واترك هالجمال !
كل الفتيات بعينيك جميلات
تحب اجسادهن
تعشق تضاريسهن
و لم تفكر يومًا بما تحويه قلوبهن
رجل شهواني للغاية يا ركاض
تتقلب بحسب شهوتك
لا تجيد التحكم بنفسك عندما تقترب منك فتاة
كاذب و لك اساليب محترفة بجذبهن اتجاهك
من لمساتك الناعمة إلى لهيب انفاسك الحارقة
و كلماتك المعسولة المنسقة
عيناك المضيئة بشعلةٍ كاذبة
و يلثم كل منطقة بجسدي تهواه نفسه ولا تهواه
و بكل قُبلة ينطق : احبك يا مي
و ينطق قلبي " تحب جسد مي " .
***
فتحتُ صنبور الماء ليبتل جسدي العاري يغتسل لينظف الخارج و يبقى الداخل
مرهق , متعب بل ميت خالي , يبقى الداخل اسود ليس ابيض كما كان
ملأتُ يدي بالماء و مسحتُ به وجهي بقسوة من أعلاه لأسفله
كيف تزوجته ؟! كيف ؟ فقط لأنتقم من إبنه
إنني في حقيقة الأمر انتقمُ من نفسي
و أقهر ذاتي , اعذبها و اغلق ابواب السعادة عنها
مع رجلٍ عجوز وقد يكون عاجزًا جنسيًا فلا أطفال يأتون
لم أفكــر حينها بأي شيء سوى الإنتقام منه
ما ان ابتعد عنه حتى اعود للعبة الشطرنج فأفكر به
و أقول سيفوز الحصان على فارسه بأرض الواقع
كيف سيفوز و الفارس لا يهتم بشأن حصانه
بل والد الفارس شرقيٌ بدويٌ قاسي جاهلي يبغضُ النساء
كيف سأتأقلم منه ؟
كيف اعيش معه وإبنه يعيش بداخل عقلي ؟
بل كيف سأقابل إبنه مستقبلاً ؟ سيكون محرمًا علي للأبد
و خطأٌ فادح آخر يُسجل بسيرة مارسة بل و أكبر خطأ قد وقعتُ به
منذ أن ولدت وانا على درب الخطأ أسير و لربما خروجي من احشائي امي هو اكبر المعضلات
وشهقةٌ تُحرر من أسرها فتتبعها شهقات و دموعٍ متتاليات بلا توقف و صموت
معاصي نُسجت كبيتِ عنكبوت , بنظرةِ ولمسةِ شهوة سيرت القلب إليها فما جنت إلا حسرات
لا تسرقي المستقبل بأفكارك فيسرقك المستقبل سرقات , و ابكي مهابة ان تضيع حياتي مع عاجزٍ رفات
و ماذا يفيد الندم و الآوان قد فات ؟!
واخذتُ اضرب الماء بيدي على سطح البانيو وحتى الماء وهو ماء يهزمني ليدخل لعيناي و يرهق بصري
يخالط دمعي فيتصارعان
يجانس نار قلبي فيتشاجران
إلى مخلوطٍ غير متجانس بماءٍ و قذراة مجتمع توالت
و استمرت تراكمًا حتى الترسب فأصبح الماء نجسًا كنجاستي , أحمرٌ قاتمٌ بدمي
صلبتُ طولي واهتديتُ بخطواتي على اضواءٍ معلقة بمرآة المغسلة بينما تلك الغشاوة تغبش رؤيتي
تُرهق روحي فوق إرهاقها , و ظهري يكاد ينقسم لأنصاف
و شيءٌ بداخلي يصرخ أبكي و آخرٌ يقول وهل بكاء القلب يجدي
و لكني لا زلتُ ابكي بلا كللٍ او ملل
و حوطتُ بالمنشفةِ البيضاء جسدي
و ضعتُ يدي اليمنى على مقبض الباب و لضعفي تطابقت يداي فوق بعضهما البعض لفتح الباب
واندفع بخارُ الماء للخارج ليدفعني معه
إنتفض جسدي لبرودة صقيعية اصابتني
حركتُ بؤبؤة عيناي إلى جهة التكييف لأجد المكيف مغلق
عقدتٌ حاجبي بغرابة ولكن لم اعطي للأمر أهمية
مسحتُ دمعي المصقول بوجنتي و بكت وجنتي تنادي الدمع لها
فهطلت الدموع ملبية أمرها و القلب يقول ويحك يا مارسة أما قبلتِ به برضاكِ إذًا لما تبكي
هل الأمر اصعب مما تظنين ؟ , الإجابة بكل بساطة نعم اصعب بكثيرٍ مما كنتُ أظن
مشيتُ إلى سريري
و اهدلتُ المنشفة عن جسدي
مددتُ يدي لأتناول ردائي الأسود لعزائي
فإذا بغطاء يدثر جسدي
توقفت كل الخلايا عن الحياة
تشابكت الأعصاب حتى خملت
و قلبي يضربُ بجنون
من ؟ من بحجرتي
و إلتف الغطاء على كامل جسدي و استقرت يدا الفاعل على بطني
و ما ان رأيت هرم اليدين حتى عرفته زوجي الهرم عبدالقوي
سحب يديه عن بطني و جلس على السرير من امامي , امسك بيدي يحثني على الجلوس
و لكني عاندتُ بشدة وانا اسحب يدي الربيعية من بين يديه الخريفية
رفعتُ عيني بقوة إليه , أعلم انه سيغضب هو يظن النساء عبيدًا للرجال
يظن حواء حذاءً لآدم
لكني على عكس هذا شاهدتُ إبتسامة واسعة عينان حادة لينة سُمرة صحراوية شرقية هــو انه ركــاض
إنــه حبيبي الخائن هــو ركــاضي
لا زالت يديه تربتُ على مرتبة السرير هل يناديني ؟! , هل عدت يا ركاض ؟ و عدتُ نفسي أن لا اعود لك لكني سأعود قليلاً من الوقت فقط لأروي عطشي
و تدافعت خطواتي بلا ترددٍ إليه
جلستُ على فخذه كالماضي و عانقتُ بيدي رقبته
و وضعتُ رأسي بصدره و انفي يبحث عن رائحته
سيجارة يُصاحبها عطر رجالي و عرق
لكن لا سيجارة لا عطر رجالي لا عرقه
انه عرق مقزز و عودة عتيقة
إنتفضتُ وانا اصحو من غفلتي انه والد حبيبي انه زوجي الهرم
و بكيتٌ بشـدة بصدره
و انا اتمسك بأزارير و جيب ثوبه
أدلك رأسي بصدره و امسح مخاطي بثنايا ثوبه
وهو يضع يده على خلفية رأسي يحرك أصابعه بشعري المقطر ماءً
و يجرني لصدره أكثر فأكثر
و يزدادُ انتحابي و تتعالى شهقاتي و آناتي
و أستمر بكائي إلى جفاف دمعي
و أستمرت شهاقتي و آناتي إلى بحوح صوتي
فأبعد رأسي عن صدره رويدًا رويدًا
وثبت يده الهرمة على أسفل ذقني
و هو ينتقل بعينيه إلى انحاءِ وجهي
و يهمس بصوتٍ حاني : خايفة مني
كورتُ يدي ومسحت عيني كالأطفال وانا أهز رأسي بالرفض
إبتسم , و وضع يديه على وجنتي و بذات حنانه همس بما يخجلني : لا تخافي ما بقربك الا برضاك بنتظرك لآخر لحظة بالعمر يا مارسة
أخفضتُ بصري إلى فخذه الذي اقبع انا فوقه , كيف لهذا الهرم ان ينطق بما ينطق ! كيف لهذا البدوي ان يكون رومنسي الى هذا الحد ! كيف لكاره النساء ان يكون الأحن عليهن !
عائلة تتلبس الخداع بكل امورها , عائلة زائفة سوداءُ داكنة
رفعتُ عيني إلى عينيه و مررتُ اصابعي حول رقبته و بدلع : و لو قلت لك ما ابي طول العمر
حرك إصبعه على ارنبة انفي حتى ضحكت فقال : بقول لبيه
و لثمني بأنفي برقة , أردف ضاحكًا : وبعدين تلعبينها على مين يا حلوة معك عذر
إتسعت عيناي و بتعجب : ميــن قالك ؟
حرك اصابعه حول رقبتي كما حركتها حول رقبته : كل شي يخصك من يوم صرت زوجك صار لازم اعرفه سواء قلتِ لي أو لا .
أعاد بعض الخصلات التي تمردت و غطت عيني إلى خلفِ أذني .
أمسك برأسي وقربه من ثغره قبلني بجبيني قائلاً : انتبهي لنفسك الحين الساعة تسعة , ان شاء الله امرك قبل انام , يلا فمآن الله .
قمتُ من فوق فخذه دون أي كلمة
وهو تحرك للباب و اغلقه من خلفه .
*
*
خرجتُ من حجرتها وانا اشعر بسعادة ليس قبلها ولا بعدها سعادة
ويحك يا رجل هل أحببتها بهذه السرعة
ومن لا يحب هذه الحسناء مُصابٌ بالجنون لا محالة
انتهى الممر العشبي إلى بوابة القصر
و على دخولي خرج ابني معن
ألقى التحية علي و سلم على رأسي قائلاً : كيفك يا ابوي ؟
إبتسمتُ له : الحمدلله يا وليدي .
يُسلم علي بالرغم من اني ارآه بالشركة
و غيره من ابناء اليوم لا يسلموا على ابآءهم و امهاتهم الا بالمناسباتِ فقط
رد لي ابتسامتي : بخير يا ابوي
ومن ثم عقد حاجبه و عيناه مثبتة بثوبي
بتساؤل : وش فيـ " وما ان اخفضتُ بصري الى ثوبي حتى توقفت حروفي "
أشار إلى ثوبي متسائلاً : وش هالدم يا ابوي ؟!
أدخلتُ يدي بجيب ثوبي وأخرجت هاتفي المحمول وانا اتكلم بعجلة : بو زايد نسيت اتصل عليه اعطيه اشارة بالوارد لهالسنة ..
و تقدمته بالخطوات لداخل القصر واغلقتُ الباب من خلفي
كاد ان يعرف , حينها كيف سيكون موقفهم مني
حتمًا سيسخرون فكيف لمن يبغض النساء ان يتزوجهن !
ما الذي فعلته بي يا مارسة انك تتجولين بأركان قلبي
وتضعين بكل ركنٍ به بصمة لك ِ
فاتنة إلى حدٍ لا طبيعي .
*
*
ما باله ابي يسابق الرياح بسرعته
و كأنه يتهرب من الإجابة عن سؤالي
و لكن لما يتهرب ؟!
من أين أتت بقعة الدم هذه
التي توجد على احد فخذيه ؟!
***
دخلتُ إلى القصر على خروج اخي معن , ألقينا التحية ومضى كلٌ منا إلى وجهته
أسرعتُ بخطواتي إلى مكتب أبي , يكفي لقد صبرتُ كثيرًا ولم يعد للصبر مكان ما
الحل يقطن عند أبي انه يعلم خافية عن الماضي ولكن لا يريد إفشاءها و التصريح بها
و يجبُ عليه ان يفشيها فقد كللتُ و مللت
إننا نفكـر ألف مرة ونُهزم مليار مرة
يعرفون ادق خطواتنا قبل ان نعرف خطواتهم و دخول سمحي معهم قد زاد من قوتهم فأصبحوا يظهرون للعيان اما بالسابق فكانوا يتعاملون بالخفاء قد زادت قوتهم كثيرًا
فلم يعودوا يخافوا من أي شيء و لا بد ان يخافوا بل ويكبلوا بالأغلال و يزجوا بالسجون مجرمين مروجين
طرقتُ الباب و دون ان اسمع الإجابة فتحته وهذا ليس من عادتي
ألقيتُ التحية و حالما صوبتُ عيني إلى حيثُ ابي و جدتُ امي تجلس على الكرسي من أمامه تجهم وجهي و تهكم وانا الذي كنتُ أريد أبي على انفراد
فأنا أعلم ان حنان امي يغطي الأرض بأكملها والآن لن تدعني و شأني
و هاهي تشهق كما خُيل لي : يمه الكاسر وش ذا الي بيدينك ؟
بلا مبالآة بقلب أمي وخوفها وهذا ايضًا ليس من عادتي : هذا الي بيديني جرح طفيف سببه سوات الماضي , و هالحين يا ابوي انطق بالجنوب واقول يالشيخ عبدالقوي وليدك الكاسر
يطالبك بالعلم كاني اتساير بلا دراية مني عن الحقايق وهم من هنيا و نيا ينهشون بالعظام المقتل بيدينهم يا ابوي و انا اليوم اريدك تكشف كل صفايح الماضي .
وقفت امي على اقدامها و عيناها تتسع شيئًا فشئيًا , و بهلع : و الله ان قلت هالشغلة ما يدخلها وليدي , لكن العند منك وفيك , وش فادك فيه يالكاسر هالعمايل تريد تلاحق اجدادك به الحين بيدينك ثـ " أخذ صوتها يتهدج بكاءًا و اضعة يدها بفمها تكتم شهقة "
حركت بؤبؤة عيني على صوته , وهو يدير الكرسي إلى الجدار فلا يراني , و بصوتٍ بعيدٍ للغاية : شف يا وليدي ابوي كان مثلك رجالن عن الف رجال , كان بالضبط العسكري قسم مخدرات و الكل يشهد له بقوته و رجاجة عقله
كانت توصل لجدة مخزونات كبيرة من المخدرات و بذاك الزمن كان هالموضوع ضجة الكل حاول ابوي كثير يمسك إبهم لكن كل محاولته باءت بالفشل تدري السعودية قريب تطورت ايامنا كانت صحرا كلها بيوت طين و حجر ردِي و ما نسد الجوع به هو التمـر
كل الوسايل كانت اقل من وسايلهم لكن بالرغم من ذا ابوي كان اقواهم قتل واحد منهم يالكاسر او بالأصح قتل كبيرهم .
وشيئًا من المجهول اتضح اذًا هذا هو سبب ملاحقتهم لي دون غيري ردُ الثأر اشباههم لا يرضون بالهزيمة اطلاقًا وان كانت هزيمتهم ايقافًا لعثوهم بالأرض فسادًا
و بتساؤل تحول إلى اللهجة الحجازية التي يتخللها الجنوبية فنحنُ غير مستقرين على لهجةٍ واحدة للإختلاف الشاسع بالبيئتين اللتين قد عشنا فيهما : بس يا ابوي لو جدي تعرض لهم بالقتل البند العسكري يفرض عليه القصاص , يعني مقتله كان لهالسبب ؟
أدار الكرسي بإتجاهي , وامي جلست على كرسيها بإستسلامٍ للأمر الواقع فيبدو انها كانت على غير رضى بعلمي عن الماضي
حرك أبي يديه الهرمة على ذراع الكرسي الأسود : بالبند العكسري ان كان التعرض بلا داعي يتطبق القصاص مثل ما انت عارف لكن جدك حاول بالأول يبعده باللسان وباليد وما فاد كان يريد مقتله لذلك تعرض له بالقتل دفاع عن نفسه .
جلستُ على الكرسي مقابل امي و انظاري مصوبة بإتجاه ابي , لو انه قال منذ البداية عن هذه الخفايا لكان استعدادي لهم اقوى : يعني جدي مات موتة طبيعية ماهو بسبتهم
نظر إلى الجبس الذي يزين السقف بفخامة : العلم عند الله
عقدتُ حاجبي بإستغراب و توكأت بيدي على حافة المكتب الخشبي الغامق : ما هو بمعقول يا ابوي انك ما تدري كيف جدي مات !
ضرب اصابعه بخفة على المكتب : و انا ماني بداري وانا ابوك , يوم موته الشيخ بو اصلان رحمة الله عليه قال موته من الرحمن ومابها اي تدبير لكن كنت اناظره دوم يتشاور مع غيره من الضباط و كأنهم يخفون شي عني حتى انه الشيطان زين لي وساوس وكنت افكر واقول يمكن الشيخ له يد بمقتل ابوي
لكن كانت هالكفة دايم تسقط بو اصلان كان كريمٍ علي يومي كنت طفران و مابه قرش يغطي جوعي
بتساؤل : طيب يا ابوي ما كان ظاهر عليه اي شي يدل على موتة طبيعية
رتب حاجبيه بأصابعه : قبل وفاته رحمة الله عليه تخرفن وقام يقول كلامٍ ما ينقال و عقله يتراجع للورا و ثم راحت روحه للرحمن
بتفهم : اجل عادي ممكن تكون موتة عادية , المهم يا ابوي كمل و قولي كل الي تعرفه .
مسح على يده اليسرى بيده اليمنى : وش اقولك و انا ابوك ما به شي ثاني
ذكرى ماضية رسمت نفسها بعيني لأقرأ ما كُتب بمرأّها : فقدان عمي بو اصلان له دخل بالتجار ؟!
شتت بصره بالأرجاء , و بصوتٍ يموتُ اختناقًا : العلم عند الله و انا ابوك رحيله قتل كل حياة بداخلي كان اخوي الي ما انجبته و ميمتي رحل من بعد وفتاة الغالية رحل و راح عبقهم رحل وصارت الديار باردة هفة ريح طيرت عسف نخيل و هدت بيت طين
خلعتُ الحزام العسكري الذي يضغط على بطني لأرتاح , وضعته على مكتب أبي و بإهتمام : طيب يا ابوي ما ظهر اي دليل عنه بعد ما غرق ’ يثبت حياته او موته
غطى عيناه التي اصابها الإعياء و أشياءً من الفقدان : ليت هناك دليل و لا به اي دليل عنه رحل من تسع تعشر سنة و ترك لي بنياتٍ من احسن ما خلق ربي بكل واحدتن منهن ريحته و ريحة و خيتي
و سؤالٌ لطالما أبي تهرب منه راودني الآن لأعرفه
مجهولٌ سكن بطفولتي و بكل ذكرى لي
كان جزءًا من حياتي لا يفارقني حتى يعانقني
مجهول صورته كسراب شتات , ما تُرتب صورته كلعبة بازل حتى تتفارق اوراقه بعيدًا عن بعضها فيبقى مجهولاً لا تعرفه نفسي التي عاشت طفولتها معه و بداخل حضنه
حضنه الذي يُخيل لي أنه احن علي من حضن أبي
و قبل أن أبادر بحديثي بادر صوتُ المؤذن يُطرب الأسماع
و يداعب الأنفاس يراقص دقات القلب
ليلهج اللسان ترديدًا وراءه
ثغورٌ تبتسمت و إيمانياتٌ توسعت
و سعادة توسدت أحضان العباد
مسجدٌ بُني حديثًا بجوار المنزل لا يفصله عنا إلى خطواتٌ قصيرات
و ما أجمل المشي على الاقدام إلى ابوابِ رحمةِ الله بتأني و طمأنينة
و تبكيرٌ لتحية مسجد
وقفتُ و استأذنتُ من أبي
و امي تمسكت بيدي و عيناها تجول بتفاصيل وجهي : يمه الكاسر ارتاح هاليوم ماله داعي روحتك للشغل بعد الصلاة.
قبلتُ شعرها واستنشقتُ رائحة الحناء : لا تخافي يا يمه و ذا الي بيدي جرح بسيط وامره هين , لزوم ارجع للشغل بعد الصلاة لا تخافين علي ولا تشيلين هم يا يمه
سحبتُ اصابعي من بين يديها حتى انزلقت بعيدًا عنها
و خرجتُ من الحُجرة التي عرفتُ بداخلها الكثير عن الماضي الراحل
الماضي الذي يشكل خطرًا على ارواحنا .
***
أفعالنا الواهية تجعلنا نفهمُ اكثر مما يجب
لنحوم بعالمٍ ليس لأ مثالنا و نقتربٌ من أٌناسٍ ليسوا من شاكليتنا
فقط لأننا ضعنا بحجة الحاجة قبل " البجاحة "
باء قد سبقت جيم و غيرت بالمعنى حتى الصميم فشتانٌ ما بين فصحى القرآن و عاميةٌ احتلت عربية
فتحتُ عيناي ببطء و مددتُ يداي أشدها حتى ترتخي عظامي و يدب النشاطُ لأوصالي
تفارقت بؤبتا عيناي تدور بالحُجرة و استقرتا على السرير
الذي فارق جسده
كان متوحشًا للغاية بكيتُ طيلة الليل ولم يبالي
أهذا هو اليوم الذي ترسمه الفتاة بعينيها
فستانٌ أبيض و تاج مرصعٌ بما يلمع
و باقةٌ تحمل وردًا طبيعيًا
ويدٌ تحمي انتفاضتها
يدُ فارس احلامها
لا أدري كيف لهن ان يصفن الرجل بفارس الأحلام !
أبيضٌ يحمل على ظهره عروسه و يسير بها إلى أرضٍ لهما دون غيرهما
عينان تشاهدان التلفاز و اجهزةً ذكية و تتمنى حضنًا كحضن رجلٍ تركي
حضن هذه الممثلة و حضن غيرها بمسلسلٍ آخر
لثم هذه ولثم غيرها بذلك المسلسل
و يظلُ بطلاً لا شرقي مثله
نعم لا شرقي بقبله إيمانًا وخوفًا يحتضن زوجته بعتمة الليل و يحتضنُ غيرها
يُحب تلك و تلك
ليست الحياةُ كما يظنون ليست كلمةُ أُحبك صادقة دائمًا
قد أصبحت رخيصة تُباع بأرخص الأثمان
بفردةِ حذاء ٍ قد تُباع
ليس الحُب بالكلمات ولا بإحتضان الحُب أعمق من أن يكون قولٌ وفعل
هو شيءٌ يعيش بالداخل و لا توحي به إلا الأعين
الزواج احترامٌ متبادل ينمو ليُصبح حُبًا لمن أخرجت من بين أحشائها صلبه
الزواج ليس وردٌ جوري ياسمين و فُل
ما فائدةُ وردة قد تذبل
و ما أجمل عِشرةً لا تنتهي
ما أجمل الغيرة بزمن الدياثة
و ما أجمل الإهتمام بزمن الآمبالاة
ما أحلى إمرأة صانت نفسها
و ما أروع رجلٍ حفظها لانها ملكه
من المضحك ان فترةِ انطلاق المسلسلات التركية ازدادت اعدادُ المطلقات !
ليس كل ما يعرض حقيقة فالحياة هي الحياة لا تتغير
و المجتمع يحمل بداخله طالحٌ و صالحُ
ليسوا هم جميعهم رومانسيون إلى ذلك الحد المبالغ به ِ
و لسنا جميعنا بجفافٍ عاطفي إلى حدِ ما كذبت عليكِ به مقاطعٌ لا تحمل من الصدق الا القليل
لكن حياتي اسوأ من كل هذا حياتي أجبرتُ ذاتي ان تعيشها
لانني اضعتُها بمرقصٍ به من الفجور ما لا أستطيع التحدث عنه
قد أصبحت الكتابة شيئًا مرهق بالنسبة لي , قد اصبح السردُ امرًا لا تطقيه نفسي
صارت الذكريات ألمًا يلمني ليغرس اشواكه فيمتلىء جسدي ثقوبًا
و تنسساب مياهه التي جعلت كل شيءٍ حيًا لأموت و لا اعود
من بعد راقصة صرتُ كاتبة لم يؤمن أحدهم بكتابتي يومًا لأنهم لم يعفوا خطأي الماضي
و كأن بني آدم منزهٌ عن الوقوع بالخطأ !
و هاهي كتباتي حبيساتُ الأدراج لا تُتفتح صفحاتها للعيان
لا يسقط بها الضوء ليجعل حرفها مستنيرًا
قد أجبرتني حياتي التي عشتُها وحيدة مع رجلٍ ليس برجل أن اتأقلم مع العربية و انسق حروفها واترنم بمعاني كلماتها
أعيشها بل واتنفسها اشتاقها بشدة فأكتبها و أؤمن بها ولا مؤيد لها
واليوم فتاتي بعمرها الربيعي تجلس على مكتبها وتخط حروفها الذهبية التي سيؤمن بها الكثير لأن رايتها بيضاءٌ لا يشوبها شائب
أجمل حدثٍ بحياتي حدثانِ لا ثالث لهما
إبنتي و هدايتي و عودتي لرشدي و لديني الإسلامي .
و رحلت ِ يا أمـي و انا لم اعلم بعدُ برحيلك ِ
رفعتُ الغطاء عن جسدي و أخذتُ ألم ملابسي عن الأرض و أرفع شعري المبعثر عن عيناي
وصوته الدنيء قائلاً : ايه يا عبدالقوي
جعلني أرتبُ ملابسي على عجل و أُخرج من حقيبتي البيضاء ملابس غيرها لأدخل لدورة المياه و ابتعد عنه
إلا ان اصابع باردة تمسح على بطني جعلتني انتفض بهلع
لأ أريد يكفي الأمس , انني اريدُ رؤية امي
ولا أريد بحياتي هذه غير أمي
بصوتٍ كسير : سيبني يا هزاع علشان خاطر كل غالي على ألبك
لم يرد
فإستدرتُ بإتجاهه و توسعت عيناي جزعًا
و تراجعت خطواتي هلعًا
أغطي بيداي أجزاءً من جسدي و يظهر منه الأكثر
كانت عيناه تجول بي
و الخبث يلتمع بزوج عيناه
لقد مات صوتي بذلك الحين
أصبحتُ رخيصة لكل النظارين
لهم ان يروني و يأخذوا ما يشاؤون
وبصوتٍ بالكاد خرج : ما بترضاها على ممتك و اختك لا ترضاها على بنت عربية زيك يا عبدالقوي .
تراجعتُ و تراجعتُ للخلف و صوتي لا يردد إلا : حسبي الله و نعم االوكيل فيكو
قال وإبتسامةٌ ساخرة بين شفتيه : مع انه شاكلتك ماهي بمستواي لكن هالجسم حرام ينباع للأقل
إنحطاطٌ مذلة و دناءة
انحصرت الرجولة في قلة يعدون بالأصبـاع
و ما هي شاكلتك يا عبدالقوي ؟! ماهو أصلك و فصلك
و من انت حتى تفتخر ؟!
رجـل محصنٌ زاني
حقه الرجم حتى الموت
لو كان صنفك هذا يستحق الفخر و عائلتُك ذات سمعةٍ طيبةٍ كريمة كنت حافظت على سمعتها
و لم تفعل معي ما فعلته لن تلوث طُهرك الذي تفتخر به ِ بقذارة و شهوةٍ بلحظة يختلسُك الشيطان ليشكلك كيفما يشاء وانت تسترسلُ معه
بكيتُ بحرقة , دمعي يسيل بخدي و آهاتي تخرج بآهاتٍ وآهات
عاريةٌ كما خلقني ربي
و ملأت الشوائب رئتي و شعرتُ وكأني اختنق وهو يجذبني إليه
و يداي تضربُ بيديه
و صوتي ميتٌ بلا حياة
و دمعي جف عن الإنسياب
إلهي أذنبتُ يومًا والحجةُ عافية امي
و العافية بين يديك بدعاءٍ ليس إلا
الطبيب سبب وانت المسبب
راقصةٌ فتنت اعين الرجال
كذبت على اخواتها وامها
و تجاهلت انك تراها
ما ذنبك يا ابي ادنس بشرفك ؟!
ما ذنبكِ يا أماه تخرجيني من احشائكِ و تضعيني وهنًا على وهن
و اضيع وهنكِ والحجة انت ِ
كان اصعبُ يوم مرّ بحياتي
لأني رأيتُ حادثة اغتصابي بزوج عيناي وليس كالمرة السابقة كنتُ مخدرة
لأن زوجي الديوثي باعني ببساطة ولم يبالي
و كيف يبالي وهو أخذني من مكان فسق !
أخرجتُ يدي المقبوض عليها ما بين صدره وصدري
و مددتُها إلى تمثالٍ يستكينُ على الكوميدينة
رفعتُه لأعلى لأرطمه برأسه دفاعًا عن نفسي عن شرفي الذي قد ضاع مع هزاع
ولكن يده قبضت على يدي فشهقتُ و فقدتُ كل إمتداد امل
إنكمشت الإمتدادات حتى اختفت ولم يعد لها أثر
وضاعت " أنا "
ضاعت ولم تعد .
***
اقبع في سجن الحي الشعبي " بريمـان " بعتمة الليل وسكون الأرواح الطيبة , و حركة الأرواح الخبيثة
أتوقف عندها هـي ومن غيرها
إنها السبب بكل ما وقع به ِ
نعم كلهُ بسبب غبائها
ما ذنبُهُ هـو
يُسجن لغبائها وضعف هيكلها الذي مات بضربة !
يكاد يفقد صوابه مضت ستة عشـر سنة و هو محبوس ها هنا
قضبانٌ حديدية و طعامٌ لا يُسمن ولا يغني من جوع
بل و حوشٌ حوله لا ينتمون للبشرية قط
يضحكون على اللاشيء و يتحدثون عن أمورٍ تقشعر لها الأبدان
يجاهرون بمعاصيهم دون أي شعورٍ بالندم
و آخرون يمكثون تحت الظلمة مظلومين
و غيرهم ديونٌ زجت بهم بالسجون
و كلٌ زُج هنـا قدرًا مكتوبًا له شاء أم أبى
لو لم يراها ذلك اليوم لو لم يتحدث معها
لو أنه رضي بالمحصول اليسير
ضرب رأسه بالقضبان السوداء و هو يتمتم : لعنبو فلوس حبستني بهالقضبان , لعنبوها الغبية ضيعتني و ضيعت شبابي ليتهم قصوني من زمان و ريحوني
ليتهم قتلوني و اغتصبوا روحي احسن من هالوحدة احسن من هالوحشة و لدي زوجتي وبيتي كل شي ضاع بلمحة بصـر بلحظة غضب
ليت عيونهم انعمت قبل تشوفني , ليتها دافعت ليش سكتت الغبية الضعيفة لا وانا اليوم استنى و ش استنى بنتها و ولدها يكبرون يومي اوديهم التمهيدي قريب بيشهدون على الجاني
وامهم المجني عليه لعنبو يوم اسود شفتها فيـ
توقفت حروفي على صوتِ الضابط : ارجع ورى
عدتُ أدارجي زاحفًا و استندتُ بظهري على الجدار الخشن
لا شيء غير الوحدة ها هنا
لا شيء غير الغربة ها هنا
لا شيء غير ذكرى قديمة
عاشت حتى اليوم
و إلى قصاصي
ليس لدي أملٌ بعفوهم
و صفحهم عني .
***
هززتُها بكتفها بقوة وانا انظر لعينيها عن ثقبٍ بكل حدة : سويتيها يا غزال
بنظرةِ ثاقبة تشابهه نظرتي : ايه سويتها محمد هذا ما يجلس معك ابد وبعدين انت ليش مهتم تراه مجرد سايق لا راح ولا جاه .
غرستُ اظافري بكتفها و بقهر : هالسايق نفسي موجودة بداخله , ابعدتيني عن نفسي قبل تبعديه عني , وبعدين مو انتِ قلتِ بتخرجيه وش جابك تخرجيه اليوم ؟!
أخفضت بصرها لأسفل وجسدها ينتفض ترليون انتفاضة بالثانية الواحدة
بتهديدٍ قوي وانا الذي لم أعتاد يومًا على رفع صوتي عليها
انا الذي كنتُ رجلاً ضعيفًاأتماشى كيف تشاء فقط لأجل مالها و ليس لأجلها : وين راح والله ان كذبتِ لأدفنك بمكانك هنا
رفعت عيناها لي ونظرت إلى زوج عيناي بتشتت تنتقلُ من عينٍ لأخرى : ليش هامك امره كذا ؟
أمسكتُ بأسفل ذقنها و رفعتُ رأسها لأعلى إلى أقصى درجةٍ ممكنة و بغضبٍ جام سكبتُه فوقها : السؤال الأدهى ليه انتِ تبعديه عني ؟!
و هي تتلبس البرود و ارتعاشاتها المتتالية تثبتُ العكس : ما عجبتني سواقته و طردته لا اكثر و لا اقـل .
رفعتُ حاجبي : تلعبين علي بهالكلمة شايفتني بزر عندك ! , " و بحدة " انطقـي ليش تبعدينه عني ؟
قبضت على يديها و هي تكبح دمعها عن النزول و تغمض عينيها لتنضم انفاسها و تشد من إزر نفسها , و بصوتٍ عالي رغم تردده المنخفض : تـــذكــر مين انت يا جلال , لا تنسى من وين انا جبتك
عليك رد الجميل و اظن ما عندك حاجة ترد فيها جميلي عليك فأبسط حاجة ممكن تسويها انك تسكت عن ايش شي اقرره و اخطط له .
و كيف لي ان أصمت وان لا أبالي و أرمي كل شيءٍ بعرضِ الحائظ وانا أراكِ بكلتا عيناي تهدمين و تتقلبين لتُقلبي و تهدمي ولا مقلب للقلوب غير سبحانه
بين اصبيعن من اصابعه يحركها كيف يشاء
كيف لي أن اصمت و تلك الرموز بأصابعه رموزًا تلامسني من أعماقي كما تلامسه
أشعـر بأن لي علاقةً مسبقة به و خصوصًا ان كلانا قد نجى من عمقِ البحـر
و لكن ان كنتُ بالفعل اعرفه و هو يعرفني فلما لم يداهمنا اي شعورٍ حيال ذلك , لماذا لم نشعر و لو شعورًا طفيفًا اننا اقرباء والعلم عند الله .
***
بصوت ٍ حنون ٍبه ِ من الحزم الشيء الكبير : اغيـد انت بتسكن عندي مافي اي نقاش بهالخصوص .
أخفضتُ عيني إلى الطاولة التي يقبع بها ما لذ و طاب من أنعمِ الله جل وعلا و بتردد : بس يا استا
قاطعني و بشفتيه إبتسامة : كم مرة اقولك بلاها الرسميات وش استاذ ! قول الكاسر ولا اذا تبي تقول ابوي ما عندي مانع لو اني متزوج من بدري كان مداني اجيب ولد بعمرك
باين عليك ما تتجاوز الخمس طعشر .
نظرتُ إلى صحن الأرز الأبيض و انا أُقلب كلامه برأسي , قد قال لي ان امكث عنده حتى يجد بقية المبتورين و يُمسك بمرويجي المخدرات غير اني لا أريد مضايقتُه فهو لما يهتم لي ؟
من اكون انا عنده ؟ , أشعرُ بأني حملٌ ثقيلٌ زائدٌ عليه كان من المفترض ان نفكر انا و هزيم و بقية المبتورين بالحال الذي سنكون عليه بعد هروبي و بالظروف الغير ملائمة التي قد تحدث حتى تُبطل الخطة
قد تسرعنا كثيرًا بما فعلنا و لكنه الخيـر لنا إن شاء الله
حرك أصابعه على الطاولة فأصدر صوت رنين لتنبيهي : وش قلت يا اغيد ؟
أنزلتُ اصابعي عن الطاولة الخشبية و خبأتُها بحجري بينما يدي الأخرى يُلامس جرحها الناتج عن البتر نسمات الهواء الباردة : معليش ما اقدر بدورلي اي مكان انام فيه عادي يا اسـ اقصد الكاسر و الله اني متعود على الحياة الي ما فيها استقرار يعني عادي جدًا بالنسبة لي فلا تشيل همي
و صدقني بقدر ادبر نفسي يمكن بتعب بس بالآخر ان شاء الله اقدر استقر و اذا على مساعدتي لك بالمعلومات فأنا اعطيتك كل معلوماتي و اذا زادت معلوماتي فتأكد اني بجيك للمركز حتى اقولك كل التفاصيل الي عرفتها و كأنك شخص بالحدث الي صار .
ترك الملعقة على الصحن الأبيض الصيني الزجاجي و قلب بؤبؤتا عينيه بضجر و بطريقةٍ تستدعي الضحك إلا أني قد أمسكتُ نفسي إحترامًا لذاتي قبل احترامي و تقديري له , بغير رضى : و ليش هالحوسة يا اغيد تعال اسكن عندي ببيت ابوي احسن لك و لي , ترى بيت ابوي واسع و وجودك فيه ما راح يسبب اي ضيقة لنا
و لا كأنك موجود صدقني بتآخذ راحتك واحنا ابد مو متضررين انا ما اتكلم كذا عشان اشجعك تجي لكن اكلمك بواقعية و لا اكلمك عشان مصلحة لنفسي يشهد الله علي ان اصراري هذا عشانك انت
حياتك لحالك وبدون هوية صعبة يا اغيد اذا انا سكت عنك و خبيت عنك و محد يدري عنك غيري و احمد و ربك هذا مو يعني انه مستحيل احد غيرنا يدري ولا يعني انه لو احد غيرنا درى بيسكت عنك
حككتُ شعر رأسي و بحياءٍ شديد : الي تشوفه يالكاسر فيه الخير من ربي .
حرك رأسه برضى و اخذ يأكل دون أن ينظر إلي قد لاحظته منذ البداية يأكل بشراهة ولا أظن ان هذه طريقته بالأكل و لكنه يريدني ان أأكل حتى انه لا ينظر إلي إطلاقًا لئلا اشعر بالخجل و اتوقف عن الأكل
أشكرُ الله بأنه قد جمعني مع هذا الرجل الطيب
سائل المولى ان يجازيه خيرًا بكل ما يفعل وان يحفظه من كل سوء كان من إنسٍ أو جان .
***
على ثرثرة اطفالي و بعثرة الحُجرة , جميلتي تتحرك يمنة و يسرة بلا توقف
تارة ترفع ذيل فستانها لتجلس و أخرى تزيح شعرها الأسود القصير عن رقبتها
و الآن تجلس على السرير من أمامي و هي تنتعل حذاءها الكعب الذهبي
وقفت على اقدامها لتصبح أطول من السابق و تزدادُ فتنة
أقسم بأني لم أرى إمرأة بجمالها هذا , و لم أرى رجلاً أصبر مني و أقدر على تمالك نفسه و حفظ كرامته كرجلٍ شرقي
جميلة هي إلى حدِ ان مساحيق التجميل ما هي الا مستحضرات ٍ رخيصة لا داعي لها
وجهها جمال , من المحال ان يوصف
كم أحسد ذاتي على صبري هذا , وكم يحسدني اي رجل على امتلاك سلعة ثمينة مثلها
و كم احسدهم على اقتناءِ زوجاتٍ أعف منها والعيش بحياةٍ سعيدة
كثيرٌ من العوائق تقف بيني و بينها بداية من " علي " انتهاءً بالسرير إلى المستشفى فإلى اطفالي ثم لسانها القاذف
لو اني ضعفتُ لها ستعلن النصر و ستستهزأُ بوهني أمام بهائها
تختلف هي عن اخواتها تمام الإختلاف هن ضعيفاتٌ كسيرات رغم عفتهن
و هي قوية شديدة البأس رغم رخصها
هن ليس بهن من الجمال مالها على ما اتذكر من ايام الطفولة
و هي لها من الجمال مالا تملكه اي إمرأة رأتها عيناي
وضعت يديها موضع ثغرها و هي تقرأ التحصين و من ثم تنفث ثلاثًا على نفسها
و من حقك ِ يا حسناء ان تفعلي هذا , أكاد أراهن يخترقن محاسنك بأعينهن
أكادُ أقسم بأن انظارهن لن تتجه إلا لك ِ و حدكِ من بين الحشد الغفير من الحضور
ليتني أستطيعُ دفن رأسي بشعركِ الحريري واستنشاق رائحته العطرة
ليتني أقدر على تمريغ رأسي بصدرك بحضن لا ينتهي
و ياليت شفاهي تقبض على شفتيكِ و لا تفكها إلا بعد إرتواء
و كل أمنياتي لا مجال لتحققها
او قد يكون هنالك مجالٌ طفيفٌ لتحققها بفكرةٍ شيطانية متمردة على عاداتِ كبريائي الذي بدأ بالإنهزام منذُ يوم مغادرتها حجرتي
بإبتسامة مصطنعة الهدفُ منها هي وحدها, همستُ بإذن وائل : حبيب بابا وائل , قول لماما تجي تحضني انا وانت و بلقيس عشان انام عندكم طول اليوم و ما اروح غرفتي بس لا تقولها اني انا الي قلتلك .
حرك رأسه بالموافقة
رفعتُ رأسي إليها خوف ان تكون رأتني او فهمت شيئًا ما فعطرة لا تمشي عليها صغائر الأمور ببساطة قد تكون مثلي بهذه الصفة
صفة الشك و الظن السيء
و هو يسحب عُطرة القابعة بالسرير بإتجاهي واتجاه بلقيس جواري
قائلاً بطفولته : ماما نبغى حضن جماعي قبل ما تروحين الزواج زي في المغرب .
بعثرت شعره بأناملها الطويلة الناعمة , و بإبتسامة مشرقة : بعدين يا ماما بكرة نحضن بعض الحين نام انت و بلقيس وانا بروح الزواج و بكرة اسويلك كل شي تبغاه
إلتفت إلي وائل والحيرة بوجهه الطفولي
حركتُ رأسي بخفيف علامة على الرفض
فأدار رأسه بإتجاه امه
لكنها رفعت عيناها إلي و هي تعقد حاجبها إما انها فهمت او كادت ان تفهم او انها بحيرة من حركة وائل الطفولية هذه
قامت بلقيس من مكانها بجانبي لتسحب والدتها بإتجاهي
بعناد ٍ وإصرار و كبرياءها لم يتزحزح بمقدار شعرة : بعدين حبايبي يلا الحين ناموا
لثمت رؤوسهم واحدًا تلو الآخر
قامت من على السرير , أخذت حقيبتها الذهبية من فوق التسريحة
و خرجت من الحُجرة لتترك رائحتها العطرة بلا روحها الحية
قبضتُ على يدي بقوة , و انا أشعر بأني سأنفجرُ بأي لحظة لأصبح بركانًا نشطًا لا ينخمد
كنتُ بحاجتها , كنتُ أريدها
إني اشتاقها
إستلقى وائل بجانبي و عيناه متجهة نحوي دون رأسه : بابا لا تزعل انا قلت لماما بس هيا ما رضيت بالله يا بابا نام معانا اليوم
قالت بلقيس بترجي : ايوا يا بابا بس اليوم و كمان حكينا من قصصك
قمتُ من فوق السرير دون اي كلمة متجهًا للباب
خرجتُ وضربتُه من خلفي بقوة
و دخلتُ لحجرتنا أو بالأصح حجرتي الخاوية
أخذتُ هاتفي المحمول من فوق الكوميدينة وتناولتُ الولاعة و علبة السجائر
إتجهتُ إلى النافذة لأفتحها واقفًا على ارض الشرفة
أخرجت لفافة سيجارة و وضعتُ العلبة على الطاولة مع هاتفي المحمول
أشعلتُ السيجارة بالولاعة الذهبية , و وضعتُها على المنضدة
لامست بشفتي السيجارة فطبقتُ عليها , أخذتٌ هاتفي بحثتُ عن رقمها و انتظرت حتى ترد ولكنها لم ترد لذلك اعدتُ الإتصال تارةً أخرى حتى ردت
لم اسمع إلا انفاسها المتفاوتة , أغمضتُ عيناي و بصوتٍ هادىء : وحشتيني يا انهار ما قدرت على الفراق قلبي ماطاوعني ما توقعت للحظة اني اوصل لهالعمر واحب زي المراهقين واغلط بنوع العلاقة لكنك فتنتيني اسرتيني و استحليتي مساحة كبيرة من قلبي
إلتزمتُ بالصمت انتظرها تبادر بالحديث ولكنها لم تبادر فأكملت : عارف اني ظالمك بهالحب , عارف اني بعلقك بسراب لكن ما قدرت احتفظ بحبي هذا بقلبي كان لازم من التصريح
طلع صوتها هامسًا مكسورًا : وانا وش ذنبي يا معن ؟! , ليش تعلقني فيك و تسحب نفسك ؟ حبيتك يا معن حبيتك من قلبي ما كنت حابة اعترف لك لكن هاذي الحقيقة , ما تعرف وش كثر هالايام الي قاطعتني فيها قتلتني
والله يا معن حسيت بالوحدة وانا بوسط اهلي و صحباتي و كأنك المجتمع كله !
ليتها تلك الحسناء هي التي تطرب سمعي بالكلمات المعسولة
ليست هذه التي لا تحرك شعرة من مشاعري
عجيبٌ أمرنا نحن البشر نقتل من يحبنا و نحبُ من يقتلنا !
لا نضع المحبين لنا بأماكننا كمقتولين بل نضعهم بالهامش لنوسع حجم القاتلين
بهدوء وصوتٍ شاعري : وش رايك لا قلت لك المجتمع ما هو إلا مقبرة اموات بغياب الحياة عنها وش رايك لا قلت لك انتِ حياة وقلب المجتمع
تنهدت بشيءٍ من الضيق والحسرة : والحـل يا معن , والحـل ؟ , تعبانة انا بدونك
بصوتٍ ضاحك و الكَلِمُ له مغزى : ههههههههههههه وش رايك نهج و نتزوج بالخفا
إختفى صوتها تدريجيًا حتى اغلقت الهاتف
ردةُ فعلها كما توقعتها تمامًا إنها تحارب نفسها و تُفكر بمزحتي و هزلي بجدية
أعلم ما تفكر به النساء الا عُطرة التي تفكر كالرجال من ناحية المشاعر و كالنساء بالأمور الأخرى مختلفة تمامًا بكل شيء .
***
فستانٌ كحلي يتلف حول جسدها الريان و احد ساقيها يلتمع بياضًا
خلخالٌ ناعمٌ رقيق يعانقُ أسفل قدميها إلى خصرٍ باتت تضاريسه تختفي عن السابق إلا أن تخمتها هذه ما زادتها إلا جمالاً و حسنًا
صدرها تغطيه قطعة قماش بالية خفيفة و عنقها موضع رأسي حال نومي مرصعٌ بالمجوهرات
و هل الجواهر تحتاج إلى جواهر ؟!
كل هذا تعكسه المرآة , و من وارءِ المرآة يظهر ظهرها تستره بعض الرابطات على شكل علامةِ الضرب
رفعت يدها المنقوشة بالحناء الحمراء التي عُرفت من العصور الغابرة و بدأت بالإنقراضِ من مستخدميها كفنٍ جسدي
إلا قارورتي لم تترك العروق الغابرة لم تترك الزمن القديم لم تترك أجواء القبيلة
معزوفتي قديمةٌ بحديثة معزوفتي لم تقتل الماضي و لم تبتعد عن الحاضر بل عاشت بينهما لتكون مختلفة عنهن
عن جميع بنات ِ حواء متميزة فريدة من نوعها بجمالها المحدود و فكرها الممدود إلى خُلقها المحمود
مرهقة , و موجعة للقلب تفتك به ِ بجمالها بفتنتها و حسنها لتدعه حائرًا هل يعيش كأي زوجين ام يبقى من وراءِ ستار
حركت يدها إلى شعرها و إلى أعلى فستانها الذي تشابك ليُضايقها
تأففت بضجر و هي تحاول سحب شعرها من بين الأسنان الحديدية التابعة لسحابِ الفستان
و استطاعت ان تسحبه لكنها تألمت و هي تلعق يدها موضع الجرح الطفيف الذي اصابها , ليبتل جُرحها بريقها الذي لم يتسنى لي السقاية منه
أخرجت من أحدِ أدراج التسريحة علبة مخملية خضراء نظرت بتركيز إلى مادخله ثم أغلقت العلبة لتعيدها لمكانها
لكنها لم تعدها بل عادت لتفتحها و تغلقها
و بالأخير فتحتها و أخرجت من داخلها شيءٌ ما , يبدو انه خاتم لأنها حبسته ليكون محظوظًا بمعانقة احد اصابعها
جلست على الكرسي امام التسريحة وطلت اظافرها بلونٍ فضي و من ثم مررت عليه جهازًا ما , لا اعرف ما اسمه فالنساء لديهن أدواتُ تجميل لا تعد ولا تحصى خصوصًا معزوفتي المهتمة بالأناقة
قارورتي التي تركت هواية التسوق و الإقتناء و التجميل لتعيش بجحيمي احد عشر سنة واليوم تتحرر بجنةِ نفسها و آهٌ من نفسها
لتصبح اصابعها مطلية بطلاءِ اظافر متشقق بتعرجاتٍ فنية متقنة من آلة صغيرة ضئيلة
مدت يدها إلى هاتفها المحمول وضعته ما بين كتفها و اذنها , واخذت تنفث بأنفاسها على اصابعها المطلية لتجف , حتى ترد تلك الأخرى من الطرف الآخر
ليتسنى لي سماع صوتها المعزوفي : انا جاهزة .... كويس اجل استناكِ .... خلاص مو مشكلة ... ايوا بضبطلك رسمة عينك و بعدين بنمشي ... " أردفت بضحكة " هههههههههه بقتلك ترى لو ساح ثاني مرة امسكي عيونك طيب يلا مع السلامة
وضعت الهاتف على التسريحة و لا زالت الإبتسامة تحف شفتيها المصبوغة بلونٍ بنفسجي قاتم
يا تُرى أين هي ذاهبة ؟ ولما لا أسألها ؟
و لما تسألها فلتدعها تعش كما تريد ريثما تعود إليك , ليس لجحيمك بل لجنتك
لتعطيك من جنتها عسلاً فتعطيها انهارًا من لبن ٍ و خمر
جلست على السرير أقدامها تستند على المفرش تضم ركبتيها إلى صدرها
انقشع القماش الكحلي ليظهر جسدها الناصع البياض كان ربانيًا مع بودرة صناعية زادتها بياضًا
و إلى هنا صاحبني اللون الاحمر , الحناء تأخذ مساحاتٍ شاسعة من منتصف ساقيها إلى فخذيها
شعرتُ بشياطين الإنس و الجن تركبني
تحركت كل معاني الغيرة بذاتي
ليظهر جسدي من وراء باب دورة المياه على تمام الساعة العاشرة والنصف ليلاً
***
مشيتُ بإتجاه الحديقة التي يحب عمي ربيع الجلوس بها و قضاءِ وقتٍ طويل بين اشجارها المخضرة و ازهارها المزهرة
اشعر بسعادة الإنتصار او ليست الانتصار انما قُرب الإنتصار
ستنطفىء نيران قلبي قريبًا
الثأر لنا
تغيرت هويتنا لنصبح بأسماءٍ غير اسمائنا و لقبٍ ونسب بعيدٌ عنا
عشنا بغربة سنينًا طوال لنعود ولا أحدٌ منهم يعلم بالغياب
ضاعت منتصف الحياة بأرض كندا ما بين اشقر الشعر و اجنبي اللغة
حتى اصبحت لغتهم شيئًا منا بل و اصبحت الأسهل و الأقرب إلى قلوبنا من العربية
و عدنا لنستقر بأرض مصـر و ندخل لكنائس مصـر
و نأكـل طعام مصـر بل و نلبسُ رداء مصر
و نرى رجل اسود الشعر و عربي اللغة
إن كنتُ عاملاً بقتل مصر بالمخدرات فهذا لا يعني اني لا احبها فهذه بلدي و هذا عرقي
و لكن العملُ عمل و لا مجال للمشاعر به ِ
سبحتُ الكرسي المقابل لعمي ربيع و جلستُ به ِ
مددتُ له بجهازي الجوال
و بتساؤل : مالك ؟
بإبتسامة : ماتخدو وتشوف
مد يده ليأخذ الهاتف و أمعن النظر بالصورة التي تدل مقربة هزيمتهم ليقول بشيءٍ من الفرح :
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $