الآن قد جاء الرحيل :
واخذتُ أسأل كلَّ شيئ حولنا
ونظرتُ للصمتِ الحزينِ
لعلني .. احدُ الجوابْ
اتُرى يعودُ الطيرُ من بعدِ اغترابْ ؟
وتصافحت بين الدموع عيونُنا
ومددتُ قلبي للسماءْ
لم يبقى شيئٌ غير دخان ..
يسيرُ في الفضاء
ونطرتُ للدخانِ .. شيئٌ من بقاياها يعزِّيني
وقد عزَّ اللقاءْ ..”
لـ فاروق جويدة :
الجحيـــم
( 22 )
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
بعد إنتهائي من صلاة المغرب , دخلتُ إلى منزل ظانع بالرغم من انه قد إستغرب دخولي إلا أنني أقنعته بأن الأمر مهمٌ و خاص
مد إلي فنجان القهوة و بإحترام و ترحيب : يا هلا بالشيخ عبدالقوي اسفرت وانورت , تفضل هالقهيوة .
أخذتُ منه الفنجان و انا أغتصبُ إبتسامتي , أخذتُ انظر للمنزل الفرق شاسع بين القصر وقطعة الأرض هذه وان كانت هذه القطعة بداخل اسوار القصر
هل تعيش تلك الفاتنة هنا بهذه الخردة و تعيش ساجدة بداخل القصر حقًا انه لظلم
والآن فاتنتي و جميلتي أصبحت تعيش بقصري و لكن بقسم الخدم قريبًا ستعيش بقسمي و بداخل صدري , أُحبها و لم أشعر يومًا بهذا الشعور
أشعر اني اريدُ فتاةً ناعمة مثلها تهتم لي , تتغنج و ألبي لها كل ما تريد وجُم ماتريد بل و أصغر ما تريد .
خرجتُ من احلامي على صوت الوحش ظانع المتسائل : يالشيخ شتريد يومك تدخل هنيه وانت مقام اعلى من كذيا ؟
وضعتُ الفنجال بالأرض و نظرتُ إليه , بثباتٍ يغلف ترددي : اسمع يا ظانع تدري بي رجالن كبير , عمري بطوله قضيته اجمع بهالأموال حتى صار هالقصر والعماير والسيارات لي
و صرت من كبار تجار جدة عمري كله فنيته لجمع هالأموال و مرتي جزاها الله خير كانت تهتم ببزراني و بنات بواصلان لكنها كانت مقصرة كزوجة بإتجاهي
و انا بهالعمر أريد أتريح لحد ما يطق الموت بيباني و لذلك انا اريد " إبتعلتُ ريقي " بنيتك مارسة على سنة الله و رسوله
كانت تبدو الصدمة على ملامحه وقبل ان يتحدث اتى صوت إمرأة كبيرة بسنها من وراء الباب ويبدو انها زوجته : بنيتي مارسة عادها صِغَيِرة و ما تريدك يالشيـ
قبل ان تكمل حديثها تدخل صوت الفاتنة من وراء الباب : انـا ابغى شوي وقت يا عمي عبدالقوي عشان افكر .
إلتفتت أمي بإتجاهي و نظرت إلي بنظرة عتبٍ و لوم , نظرة كُتب بها عدم الرضى
أما ابي فقد رأيته من خلف الباب يشتعل غضبًا بغير رضى
هي تريد الرفض و هو يريد الموافقة
و انا أريــد حياةً بريئة كحياةِ الأطفال
لم أكن أعلم ماهية المعالم التي يحملها عبدالقوي لأنه كان يعطيني ظهره
مشت أمي مبتعدةً عني و مشيتُ وراءها
دخلت هي لحجرتها و مضيتُ انا للقصر .
*
*
لما التفكير تستطيع الموافقة بذات اللحظة
و هل تفكر برفضي ؟ , تصدمني كثيرًا بردود افعالها اللامتوقعة
من المتوقع أن أي إمرأة بمكانها هذا ستوافق
و أنا كيف لي ان اقارنك بغيرك ِ من النساء
أنتِ غالية الثمن , لستِ مثلهم
إستأذنتُ من ظانع و انصرفتُ عن المكان .
***
وصلتُ بعدما صليتُ المغرب إلى مركز الكاسر للخير
عقدتُ حاجبي و أنا أنظر للمركز بغرابة الأبوابُ حديدية و مغلقة !
وقفتُ امام الباب الأمامي و انا بحيرةٍ من أمري هل أطرقه ام انه مغلق
ولكن لازال الوقتُ مبكرًا , من الممكن ان المركز يُفتح من الصباح الباكر وبهذا الوقت يُغلق
وماذا سأخسر ان طرقت و علمت هل هو مغلق ام مفتوح . طرقتُ الباب طرقة و قبل أن ألحقها بالثانية
لفت نظري اللوحة و الأزارير المتراصة عليها يبدو انه الجرس
ضغِطُ على الأول وانتظرتُ قليلاً من الوقت حتى جاءني الرد : مين ؟
إنه صوت إمرأة يبدو انه مركزٌ للنساء : انا من معارف الكاسر تعرفين اختي هو وين الحين ؟
جاءني صوتها هادىء : استنى شوية
قليلاً من الوقت و عادت قائلة : سألت زوجته وقالت عنده دورة لمدة يومين .
بضيق : مشكورة اختي .
أدخلتُ يدي اللامبتورة بجيب بنطالي و قد كساني الضيق
لماذا الآن الدورة ماالذي يستوجب علي فعله
لقد حُطمت الخطة أخاف ان يُحس سمحي بغيابي
لا أريدك أن تنزعج مني يا هزيم و لكن لا أدري ماذا افعل
أخاف من إخبار اي ضابط بأني أعيش بلا هوية
و ماذا ان اخبرته وقال لي اثبت ذلك
أأخذه إلى منزل التجار و أدعه يرى سمحي و بقية المبتورين ليصدقني لا حل غير هذا
و لكن كثرة الإنتظار ستهدم ما بنيناه
سأشحذ لأجمع مالاً للذهاب لمركزي السلامة و الصفا سأحاول إلتقاط أي ضابط قد رأيته يصاحب الكاسر .
***
بعد إرسال ناجي التنبيه للإستشاري النفسي مشعل , صعد مشعل إلى الدرو الذي يقبع به مكتبه بتمام الساعة السابعة و النصف مساءً
جلس على الكرسي وفتح الدرج الأول ليجد و رقة مطبوقة بأعلى السجلات الطبية
فتح الورقة و أخذ يقرأ الكلمات التي تحويها بتمعن
كانت علاماتُ وجهه تتقلص و تنبسط مابين حزنٍ و شيءٍ من الفرح
أغلق الورقة وحمدالله ان ناجي صرح بهذا بنفسه وان كان على ورق
لأنه كان يحتاج لوقتٍ طويل حتى يعلم ما بناجي
و لكن ناجي بهذه الفعلة اختصر الوقت
فرحٌ أيضًا لأن حالة ناجي لن تأخذ وقتًا طويلاً للعلاج
فمن يتعرض للواط او السحاق تكن حالته النفسية اسوأ من ناجي
فناجي بحالته هذه سلك الطريق المختلف عن البقية
قد مرت عليه حالتين لواط قبل هذه المرة و كلا الحالتين اسوأ
فتح الدرج الثاني و أخذ هاتفه المحمول و هو يتصل على حسان
يرجو من الله ان يساعده كما ساعده بالمرة الأولى
إن ساعده حسان فنصف مشكلة ناجي حُلت .
***
أقطع الحجرة بخطواتي رواحًا و جيئة و ذاك صوته الشاعري يعيد نفسه بطبلة أذني , صوته يتذبذب مابين رقةٍ و حدة بحسب الكلمات
صوته نغمة لم أحس بها إلا الآن , سأجن حتمًا سأجن سمعتُ القصيدة منذ العصر و اقترب العشاء ولا زلت أستمع للقصيدة بلا كلل و لا ملل
كنتُ استمع لها من كتلةٍ ضئيلة و اصبحتُ استمع لها من طبلة اذني التي احتفظت بالصوت و من نبضات قلبي التي كانت غيتارًا لصوته و إلى آهات شوقي
التي تناديني له , و لحبه , و كل مابه ِ
وقفتُ أمام المرآة و انا أعض شفتي و اتذكر القصيدة بصوته و كأنني أسمعها الآن
*
يا سيِّدتي
لا تَضطربي مثلَ الطائرِ في زَمَن الأعيادْ.
لَن يتغيرَ شيءٌ منّي.
لن يتوقّفَ نهرُ الحبِّ عن الجريانْ.
لن يتوقف نَبضُ القلبِ عن الخفقانْ.
لن يتوقف حَجَلُ الشعرِ عن الطيرانْ.
حين يكون الحبُ كبيراً..
والمحبوبة قمراً..
لن يتحول هذا الحُبُّ
لحزمَة قَشٍّ تأكلها النيرانْ...
*
و بالمقطع الآخر أرسل لي ما وضعني في الحيرة , هل أرد عليه ام اصمت و أنسحب من ساحةِ حبه
يا سيِّدتي:
يا سيِّدة الشِعْرِ الأُولى
هاتي يَدَكِ اليُمْنَى كي أتخبَّأ فيها..
هاتي يَدَكِ اليُسْرَى..
كي أستوطنَ فيها..
قولي أيَّ عبارة حُبٍّ
حتى تبتدئَ الأعيادْ
*
و هل أقول يا معن اي عبارةِ حب
هل أعترف
ان قواي تخور
و الأرض تدور
ياأول الذكور
يا أسطع النور
لم يستوطن حصون قلبي غيرك يا معن
و لن يستطونها غيرك
أحببتك وبكل يومٍ يزداد حبي لك
و يتفاقم الشوق بداخلي يناديني لك
أنزلتُ خصلة من شعري المصبوغ باللون الكستنائي و أنا أديرها بأصابعي لأعلى و اسفل
هل سأتزوجه يومًا ما ؟ أشتاقُ لهذا اليوم بشدة
هل يرآني هو الآن
إنتفض جسدي بمجرد ان خطرت هذه الفكرة ببالي
وضعتُ يدي على رقبتي و خدي أتلمسهما بتوتر
من المؤكد انه علم بما تحويه نفسي
إذًا لما تخبئي حقيقة شعورك
إعترفي وهو سيتزوجك ولا يعلم أحدٌ من البشر بعلاقتكما قبل الزواج
توجهتُ للكوميدينة أخذتُ هاتفي
جلستُ على السرير و اتصلتُ بهِ
كنتُ سأغلق ولكنه رد بسرعة
أغمضتُ عيني و أخذتُ استمع لصوت انفاسه
ماذا يجب علي ان اقول
لما اتصلتِ يا انهار
لا وقت لنهر نفسك اتصلتِ وانتهى الأمر
و بعد فترةٍ ليست بقصيرة قال بصوتٍ فيه بحة تهز كياني " قولي أيَّ عبارة حُبّ حتى تبتدئَ الأعيادْ "
إبتلعتُ ريقي
ماذا تنتظر مني يا معن اني و الله أحبك و يصعبُ الإعتراف بالحب
بهمس : أحبــك يا انهار , وابيك تصيري ملكي , واناديك انهاري
صببتُ عرقًا و حرارة تحرقني تشعلني تكويني و روحي تطير بالسماء فرحًا
ما الذي تفعله بي يا معن إني لا افهم ذاتي
بتساؤل رقيق : انهاري معاي انتِ ؟
لم تجبه إلا صوتُ أنفاسي التي أخذت تتعالى
بهمسٍ خافت : تكفيني انفاسك يا بعد روحي
أردف بتساؤل : تبيني اعرفك عن نفسي ؟
إبتلعتُ ريقي : اممم ايه اذا عادي .
ضحك بخفة و أردف : اذا حياتي و قلبي و دنيتي والي فيها ما عرفتها عن نفسي اجل اعرف مين ؟!
عمري خمسة و ثلاثين سنة متزوج و عندي طفلين بنت و ولد و مثل ما انتِ عارفة اشتغل بشركة ابوي
و اعيش ببيت ابوي و احب انهار .
ضاق تنفسي شعرتُ وكأني أختنق " متـزوج " متزوج " كيف لم أفكر بهذا ؟ كيف نسيت ؟
قطع افكاري و كأنه يعلم بما أفكر : زوجتي اسمها عُطرة مدرسة فيزيا اتزوجتها قبل احدعشر سنة
ابوي اجبرنا على الزواج من بعض ولا انا ما كنت ابيها و لهاليوم ما ابيها شينة و ما تعرف تهتم بنفسها
و لا ترعى عيالها بس انا عاذرها لانها اتربت يتيمة هي زوجتي ولها حقوق لكن انتِ حبيبتي و عمري
انتِ الجمال والدلال , انتِ انهار و ابيك انهاري .
إلتزمتُ بالصمت و لازالت افكاري تدرو و تجول بمنطقة الحظر متزوج و له ابناء
و انا لازلت صغيرة بعمري و امامي الحياة
لكنكِ تحبيه واي حياة ستعيشها دونه
همس : انهار ما عندك رد حبيبتي ؟
نطقتُ بالكلمة التي تدور بعقلي : متزوج
سكت لفترة و من ثم قال : اذا مضايقتك هالنقطة فأنا والله مقدر اطلقها ابوي بيتبرأ مني لا طلقتها يعني بجد احنا مجبورين عمومًا انهار الله يوفقك يا قلبي
مع غيري يمكن مالنا نصيب لكن تأكدي يا حياتي اني مستحيل انساكِ و راح تبقي احلى حاجة صارت لي وبتصير لي بحياتي .
بإندفاع : زعـلت انا والله آسفة
و من ثم قمتُ من على السرير وانا أسير بغرفتي جيئةً و ذهابًا , وضعتُ يدي بـ اذني أحكها و بتوتر : امم اذا ..
إبتعلتُ ريقي و وقفتُ امام ستار النافذة وانا ألعب به : يعني اممم تعال واخطبنـ..ي .
تنهد بقوة ولوقتٍ طويل و بصوتٍ كسير : آآه يا قلبي ليت الأمور كذا سهلة انا اذا اتزوجت ابوي ما بيرحمني اذا زعلت زوجتي وطلبت الطلاق
يبغالي سنين و بنين حتى يقتنع و يمكن ما يقتنع ودي تصيري ملكي بأسرع وقت لكن الظروف تجبرني على التأخير .
اصابني كلامه بالإحباط و لكني حاولتُ زرع الأمل بتفكيري : طيب عادي نتزوج بعلم اهلك كلهم الا زوجتك .
بأسف : صعبة لاني ساكن بقصر ابوي و كل اخواني معاي اكيد احد بيزل بلسانه و ساعتها ابوي بيغضب علي , حبيبتي خلاص ما ابي اضايقك واذا تبغين تقطعي علاقتك فيني
اقطعيها يا عمري بس لا تنسيني ابد و تأكدي اني مستحيل انساكِ لو ايش ما صار .
بهمس : طيب مع السلامة .
بذات همسي : بحفظ الله يا قلبي .
رميتُ الهاتف على السرير و ارتميتُ به , ماذا يعني هذا ان حبنا انتهى قبل ان يبدأ
و ان احلامي التي بنيتُها اليوم هُدمت اليوم
ان معن لن يكون لي و لن اكون له
لكنني أحببتُه
عشقتُه
إن تلك عُطرة لا تستحقه , كله بسببها
كل ما يحدث لنا بسببها
هو يريدني و انا اريده
و هي تحطم ما نريد .
*
*
حقًا كلمتان معسولتان و صوت ملؤه الحنان
يبعثهن بقاع العشق فيجن جنونهن
هن يحببن من يمدح انوثتهن
بحقيقة الأمر لا إمرأة تستحق المدح بجمالها إلا عُطرة
لكن الحاجة تدفعني لما افعل
أنا رجلٌ تنقصه إمرأة تهبه حقوقه
أنا رجلٌ لا احب اظهار حاجتي لعطرة
و عطرة لا تحب اظهار حاجتها لي
و هنا مربط الفرس و ملتقى المعضلات
يسهل علي أن أطلب من أي إمرأة إلا هي
و اجهل السبب .
***
أجلسُ على مقربة من مركز شرطة السلامة و انتظر , ينتهي الدوام على حدِ علمي بتمام الساعة الثامنة والآن الساعة الثامنة و النصف تقريبًا فأنا لا أملك ساعة
و لم أرى أي ضابط كان يُصاحب الكاسر , بالأصل ان لا اتذكر اي ضابطٍ كان يصاحبه ولكن يمكن عندما أرى احدهم أتذكر انه كان بيومٍ ما مع الكاسر
طال الإنتظار و بدت سكرةُ النوم تداعب عيناي و جسدي يتراخى و كأنه سيهوي أرضًا
لا تنم يا اغيد ابقى متيقظًا لا تدع ظنهم يخيب , ولكن النوم أخذ يغالبني حتى هزمني يا هزيم فالوسن يناديني اغمض عيناك
و انطبقت جفناي تغطي عيناي و رأسي يترنح لليمين و اليسار
وصوت رجلٍ أخرجني من سكرتي فتحتٌ عيناي فزعًا و جسدي يرتعد خوفًا إنه ضابط
ظهرت الشفقة بعينيه ليقول : اغيد وش جابك ؟
عقدتُ حاجبي بإستغراب و اسناني تصطك ببعضها لشدة خوفي : مين انت ؟
مد يده يصافحني : انا احمد اصير صديق الكاسر , " اردف " ترى الكاسر من اول يدور عليك و يدعيلك بكل خير
إبتسمتُ بإمتنان : ما يقصر الله يحفظه , " بتوتر وشيءٍ من التردد " : استاذ احمد بقولك شي
جلس على الرصيف و ابتسم لي : قول
ابتعلتُ ريقي , و بذات مرجي و إضطرابي :انا دايم اتشحذ عند توب تن و معاي بقية المبتورين وبذاك اليوم لما طلعت الشقرا
اخذني سمحي هذا الرجال يتولانا و هو له علاقة باللي بتر ايدينا ركبنا بالسيارة ذيك الي وقفت و اخذنا لمكان خالي و لبيت مستواه متوسط
وحبسنا هناك و هربني هزيم صاحبي وبقيوا هما محبوسين و معلقين املهم فيني احنا من زمان بترونا ولا عندنا اي هوية ولا اي دليل على اننا على قيد الحياة والناس الي اخذوني يصيرون تجار مخدرات .
توسعت عيناه , و وضع كفه على كتفي : لازم تعطيني العنوان يا اغيد بنمسكهم بقضيتين مرة وحدة .
أومأتُ برأسي موافقة
و قف هو و وقفتُ انا
دخل إلى المركز لينادي الطاقم العسكري و انا بالخارج انتظرهم
هل يعقل بأن المشكلة قد حُلت
الحمدلله يا رب
الآن سيظهر الحق
الآن سننتصر يا هزيم
سننتصر عليك يا سمحي
و ستشهد انت على من بتر ايدينا
لنراه و ندعي عليه من غائر قلوبنا
بمرض عضال لا يتعافى منه
لو اجتمع الأطباء بأكملهم لمعافاته
فالعافية عنده سبحانه .
***
توجهتُ لقسم النفس و خطوة تدفعني للأمام و أخرى ترجعني للخلف لأجلها يا ناجي و لأجل نفسك حتى يملىء حياتك طفلٌ من صلبك , جزءٌ منك و منها
لكي لا يموت إسمك بموتك , لكي يذكرك الناس , و لتسعد معزوفتك و تكون لك , الخطوة الأصعب انتهت فهو علمّ بعلتي و قد ناداني لمكتبه
طرقتُ الباب حتى وصلني صوتُه : اتفضل
فتحتُه و تقدمتُ بخطواتي المترددة للكرسي بعد إلقائي للتحية , و ردها هو كاملة
إلتزمتُ بالصمت فأنا لا أدري من أين أبدأ و ماذا يجبُ علي أن أقول
وهو أيضًا لم ينطق ببنت شفة
إلا انه أمسك بمسجل , وضغط إزرارًا ليظهر بهِ صوت رجل
*
السلام عليكم ورحمة الله
انا حسان
لما كنت بالصف المتوسط واحد في الثانوي يصير اخو صاحبي كان يلمسني بطريقة غريبة و دايمًا كنت ابعده عني
كنت احس بالخوف من تصرفاته معايا وكنت أحاول ابعد عنه قد ما اقدر , كنت دايمًا لما اجلس مع صاحبي ويجينا اخوه كنت ابعد
و بيوم من الايام رحت لبيت صاحبي على اساس اقابله ما دريت الا بأخوه يقرب مني بطريقة غريبة يومتها بكيت و بكيت
وكنت خايف كثير , و في نفسي صرت وحش غريب عن نفسي
صرت انا الي اقرب من الاولاد بهالطريقة صرت أقلد الي قرب مني
حتى صار هالشي هوس فيني حتى الأطفال ما تركتهم بحالهم و صلت للأربعة والعشرين وانا على نفس الحال
لدرجة اقرب من أولاد اختي الصغار , تعبت من نفسي ومن حياتي كنت احس بالضيق يقتلني
رحت للدكتور مشعل جزاه الله خير الي ساعدني اتخطى هالمرحلة من حياتي وانا ولله الحمد الحين متقبل الطرف الثاني
الي هم الحريم و متزوج الحمدالله و الحين عندي طفل عمره سنة
أسأل الله السلامة للجميع , و لا تتردد بلحظة للتوجه لدكتور نفسي وخلي ثقتك بالله عالية .
*
أغلق التسجيل الذي جعل ضربات قلبي تتفاوت ما بين علوٍ و إنخفاض , و تكتل العرق برقبتي
هل هنالك شخصٌ ما يعاني مثلي بل أشد كنتُ على علمٍ أني لستُ الأول على الأرض الذي يتعرض للإغتصاب الجسدي
لكني اعتقدتُ أني أول مصاب بالإغتصاب الروحاني , ظننتُ أني الجبان الذي لم ينسى شيئًا مضى منذُ سنين طوال
توقعتُ ان من تعرض بظرفي هذا نسى او تناسى و أكمل حياته كما يجبُ أن يكملها و ليس كما تُوجب الظروف له طريقة إكمالها
ظننتُ أني الوحيد الذي لم يستطع تخطي مصيبته و تجاوزها لكن كل ظني خاب , الحمدلله اني لم أكن من الصنف الذي إلتجأ للوحشية ليغتصب أرواح أطفال آخرين
الحمدلله ان مضرتي توقفت على ذاتي فكنتُ أضرها بكل قسوة و أضر معزوفتي لكني لم أضر مجتمعًا بأكمله
الحمدلله اني لستُ من قوم لوط
أشعرُ بالكثير من الإرتياح و كأن يدا غريب الأطوار اليوم كفت عن التشبثُ برئتاي , اليوم تنفستُ كما تتنفسون
و أنتظمت ضرباتُ قلبي و حلت بداخلي سعادةٌ لا أستطيع ترتيب ابجدياتها لصياغتها بالشكل المطلوب .
قمتُ من على الكرسي و أعطيتُه ظهري متوجهًا للباب و بهمسٍ خافت : مشكور .
لا أدري هل سمعني ام لا , لكنني لا زلتُ أشعرُ بالخجل منه و لا أستطيع مقابلته و الحديث معه وجهًا لوجه لوقتٍ طويل , ليس لدي الآن الساعة التاسعة إلا ربع أي عمل انتهى دوامي مبكرًا
سأجلس قليلاً مع متعب ثم اعود للمنزل .
*
*
أول خطوة بعلم النفس هي شعور المريض بشيءٍ من الراحة
عندما يُحس انه أفضل من غيره حينها يشكر الله .
***
أمسكتُ بشعرها اجره من جذوره و اصرخ بها و لشدة غضبي أشعر بأن عروقي ستتفجر و بجلجال صوتي : وش الي فعلتيه يا المارسة وش تفكرين به , في حد يقول للشيخ كذيا
و هي تتأوه بألم وتطلبني بتركها : يبه اتركني , آه تعورنـ..ي
سحبتها إلى الكنبة و رميت رأسها به وانا انفض يدي و العرق يتصبب بجبيني
عدلت نفسها و سحبت رداءها الذي انكمش و ضعت يدها , بقلبها و قالت وصوتها متقطع كأنفاسها المضطربة : انـ..ا سويـ..ت كذا عشـ..ان مايشك بشي ما هو بمعقول يا ابوي
اول ما يتقدم لي اقبل راح يفهم اننا طامعين بفلوسه واحنا لازم نخفي عنه هالحقيقة , وعبدالقوي على قولك انه ذكي فأكيد هالشي ما بيفوته .
إبتسمتُ بإعجاب لفكرتها و بإطراء : والله و بنيتي ذكية تبارك الرحمن .
ردت لي الإبتسامة بإبتسامة باهتة ذابلة , ولكني لم اهتم بتاتًا لأمرها
و مشيتُ مبتعدًا عنها , إقترب العزُ والهناء .
*
*
فركتُ فروة رأسي بأمل أن يخف هذا الوجع
لقد شعرتُ بأن شعري بأكمله سيسقط بالأرض
إقترب الموعد يا ركاض
كُن بإنتظاري بعد يومين
يومين وفقط و سأعلن قبولي بأبيك زوجًا لي .
***
و بتمام الساعة التاسعة كما قال لي الضابط أحمد , و صلنا إلى موقعهم الذي وصفته لهم
و تعالت أصوات دوريات الشرطة , استخدم أحد الضباط مكبرًا صوتيًا ينادي : البيت محاصر لا مجال للهرب ,, البيت محاصر لا مجال للهرب
و تردد صوته , بينما انا والضابط أحمد و عددٌ من الضباط الآخرون دخلنا للمنزل الذي كانت ابوابه مفتوحة !
و أنتشرنا بالإرجاء ,أول مكانٍ توجهت إليه أقدامي و حثتني ضربات قلبي على دخوله هو القبو
توقعتُ أن أجد أذناب الرجال هاهنا ولكني لم أجدهم عقدتُ حاجبي بغرابة , و حاولتُ فتح الباب و فُتح بسهولة
توسعت عيناي بصدمة عندما لم أجد أيًا منهم !
صعدتُ الدرج و انا أرى الضباط يتحركون من مكانٍ لآخر , يفتحون كل باب و يبحثون عن اي شيء
و صلني صوتُ أحمد قائلاً : وينهم ؟
بشيءٍ من اليأس : شكلهم هربوا
عند الكلمتين التي نطقتُها شعرتُ بأن كل ابواب الأمل أُغلقت , كيف سأجدهم الآن ؟!
هل هذا هو الوداع ؟ , لن أرى هزيم ولا أي مبتور بعد هذا اليوم
إلهي أرجو ان يكونوا بحمايتك يالله
اللهم ياموضع كل شكوى ياشاهد كل نجوى وياعالم كل خفية، وياكاشف كل بلية ويامنجي موسى ومحمد وإبراهيم الخليل صلوات الله عليهم أدعوك يا إلهي دعاء من اشتدت فاقته وضعفت قوته وقلت حيلته دعاء الغريق الملهوف المكروب المشغوف الذى لا يجد لكشف مانزل به إلا أنت ولا إله إلا أنت فارحمنا ياأرحم الراحمين
يارب العالمين إنك على كل شئ قدير وبرحمتك استغيث ثلاثا يالله ثلاثا اللهم يابارئ لاشريك لك يادائم لا نفاد لك ياحي يامحي الموتى ياقائما على كل نفس بما كسبت إلهي إنك أنت العزيز الجبار, بجبروتك يالله أذقهم الحرمان و الذل و الخذلان .
لم يترك أحمد بقعة بالمكان بلا بحث ولكن دون اي جدوى
عدنا لترتيب الأغراض كما كانت على أمل أن يعودوا ولا يعلموا بدخولنا .
***
لا أدري كيف لي أن أصف راحتي لأول يوم منذُ أحد عشر سنة أشعر بأني أنثى كأي انثى
أشعرُ أني امتلك شيئًا من الجمال ولستُ قبيحة , أجلسُ مع النساء دون ان يحمل قلبي عليهن
لا أفكرُ بطريقةٍ سوداء , أنام دونما ان يكون بقلبي طنٌ من الحقدِ والغل , أبتسم و بإبتسامتي كل معاني السعادة على عكس السابق كانت إبتسامتي مظهرٌ أمام الغير
و بدواخلي آهاتٌ و أوجاع , و بمحجر عيناي دموعٌ تسكب بغيابهم عني و بحضور سفاحي المعشوق ناجي
و آه يا سفاحي أليس من المفترض أن أحزن لأجلك لأني أُحبك و حياتي لا اظنها تكتمل دونك , إلا أني بأعلى مراتب السرور لأنني إكتشفتُ إني إمرأة يتمناها أي رجل
ليس كما اوهمتني , رُبطت سعادتي بتعاستك لأني عرفتُ حقيقتك بعد سنينًا طوال من الظلم
لكني لن أقول سأحزن لأجلك لأن حياتك النفسية التي عشتها انت , عشتُ انا ادق تفاصليها معك و منك , من تنقيصك و تصغيرك لشأنك
ترى نفسك رجلاً ناقصًا و جعلتني أرى ذاتي إمرأة ناقصة , لقد جاء اليوم الذي تًسترد فيه ثقتي بنفسي حتى و إن كان على حساب تعاستك
رغم أن مفارقتي لك قد تفيدك فقد تُفكر مليًا و تُزاور طبيبًا نفسيًا للعلاج لتنالني أو تظل أنانيًا طيلة حياتك و تنسى سنواتي التي ضاعت معك حتى لا تفضح نفسك .
نزلتُ من السيارة بعدما توقف السائق أمام المنزل بتمام الساعة التاسعة و الربع , و لحسن الحظ أو لسوءه أول ما خرجتُ من السيارة توقفت سيارةُ ناجي تحت المظلات بينما السائق أخذ يُحرك سيارته لداخل الكراج
إشتقتُ إليه كثيرًا , إشتقتُ لحضنه بدجى الليل و لأنفاسه الدافئة و لأرديته حينما أخرجها من الدولاب لأعطيهِ إياها , حتى رائحةُ عرقه و عطره إشتقتُ لهما
رغم انه يومٌ واحد فقط إلا أني أفتقدتُه بشدة وبذات الوقت نمتُ مطمئنة البال على عكس نومي بحضنه و بقلبي غلٌ و حقد لكل إمرأة
صحيح كنتُ أحتاج لدفئه نتيجة البرودة القارسة التي أحاطتني بعيدًا عنه , ولكني لم أكن ليومٍ واحد منذُ زواجي منه بهذه الراحة القلبية
مشيتُ بإتجاه باب المنزل أعطيه ظهري و أحاول أن لا أُدير رأسي للخلف لأرآه فيعلمُ أني أفتقده
أريدهُ أن يشعر بالذنب لما فعله بي , وضعتُ أصابعي على أزارير الجرس وانتفضت أصابعي عندما أمسكها بيده
سحب يدي بقوة عن الجرس , ليلفني بإتجاهه , أخذتُ أنظر للأرض دون أن أرفع بصري إليه
لكنه وضع اصابعه تحت ذقني من أسفل خماري و رفع رأسي بقوة و من بين اسنانه : راجعة مع السواق لحالك ! من متى زوجتي تركب مع رجال لحالها
إبتلعتُ ريقي وحاولتُ التماسك , أبعدتُ نظري عنه إلى النخيل من خلفه بمسافةٍ طويلة : كيفي اسوي الي ابيه لما ارجع لجناحك ساعتها بقولك سمعًا و طاعة .
أمسك بيدي بجلافة و بنوعٍ من الغضب : لا يا هانم انا زوجك حتى لو كنت بعيد عنك مو يعني عطيتك الحرية تنامي بعيدة عني يعني خلاص ما صرت الآمر و الناهي
لا حبيبتي فاهمة الموضوع غلط انا زوجك و كلمتي تمشي عليك و رجلي فوق رقبتك , طلعة مع السواق ما تطلعي لحالك يا مع اخواتك او الشغالات يا تجلسي و ما تكملي دراسة
فاهمة , و لا تعالي قولي وصلني معاك يا ناجي و رجعني برجعك و اوصلك حتى لو كان عندي شغل الدنيا كلها لكن لحالك مع السواق لا و ألف لا السواق ما هو محرم لك
حتى تجلسي معاه لحالك .
أخذتُ نفسًا عميقًا , و بنبرةٍ ساخرة لا مبالية : أوامر ثانية دكتور ناجي .
بهمسٍ خافت ظهرت به نبرةٌ تدل على البسمة : لا يا معزوفتي المتمردة .
عضضتُ شفتي بخجل , و حولتُ نظراتي إليه بشغف لرؤيةِ إبتسامته
نظرتُ إلى كل تفصيل بوجهه و كأني أُجري مسحًا لملامحه لتُحفظ بذاكرتي طيلة اليوم
إتسعت إبتسامته و ضحك بخفة : مو حلال عليكِ تشبعي من شوفتي وانا انحرم من شوفتك بسبب هالنقاب يا تمشي لجوى يا توقفي وتتأمليني و بعدين ترجعي للجناح عشان أتأملك .
شعرتُ و كأن وجهي كله يسقط أرضًا , هل النظرة الشغوفة ظاهرة على بعيني إلى هذا الحد , و بعناد : لاااا , انا عادي اطالع فيك اما انت لا .
تقدم خطوة للأمام و تراجعتُ خطوة وانا أرن على الجرس بينما هو قال : قد كلمتك يا قارورتي .
بذات العناد : اكيــد قدها وقدود .
فُتح الباب و دخلتُ بسرعة و انا أغلقه بسرعة من خلفي لئلا يدخل و يجبرني على دخول غرفته , و بفرحة لإنتصاري : شفـت قلت لك قدها وقدود .
أتآني صوتُ ضحكته من وراء الباب
فإبتسمتُ رغمًا عني
توجهتُ لحجرتي و أنا لازلتُ مبتسمة وكل أفكاري تحوم حوله .
***
نظرت إلى شعرها المحلوق بالمرآة لكم تمنت بينها وبين نفسها ان تكون مثلهم فتاةً فاتنة ذات شعرٍ طويل
يميل لليمين و اليسار يغطي عينيها فتنزعج لترفعه لأعلى , و لكنها لا تريد أن تظهر كأمها
لأنها تشبهها كثيرًا و لو أطالت شعرها لقالوا و كأن أمكِ أعيدت للحياة و رُفعت من ثرى الأرض
تمنت كثيرًا ان تلبس مثلهن , و تتباهى بجمالها وان كانت متوسطة الجمال و تموت الأمنيات السهلة
لأنها لا تريدُ أن تكون كأمها بأي شيء و لو كان صغيرًا و يكاد لا يُذكر لصغره .
إرتعد جسدها خوفًا عندما سمعت مقبض الباب وهو ينزل لأسفل
إبتلعت ريقها و قلبها أخذ ينبض كعادته يترصد و يتوقع مالذي سيحدث الآن , ضربٌ حتى القتل
تلك الحمقاء من المؤكد انها كذبت عليه
تنفست بإرتياح و كأن الأكسجين هاجرها و لكنه رحمها ليعود لها
إنه صوتُ أخاها الصغير
إبتسمت بفرح و توجهت بخطواتٍ سريعة للباب , فتحته ليدخل
و أغلقت الباب من خلفه
جلس على سريرها بينما هي ظلت واقفة
سند يديه على فخذه و قد تقدم بجسده للأمام , بهدوء : قرب الموعد يا حميدة , يكفي كذب هالمرة لا تتصنعي المرض
لأني بكون شاهد معك دامني وصلت للرشد .
إبتسمت بسخرية من حالهم الغريب : و هالقضية بتبقى بحلقنا طول العمر , و ترى باقي كثير على ما تخلص السنة و يجي الموعد .
رفع احد حاجبيه : وليه طول العمر احنا اذا اشتكينا هالمرة انحلت المشكلة , كثير لكن مو اكثر من الي مضى .
إقتربت منه و هي تحرك يدها بالهواء و السخرية لازالت طاغية على ملامحها : وين عايش انت ؟ , اهله بيسكتوا كذا و يستسلموا للأمر الواقع ؟
إستلقى على سريرها و ببرود : طبعًا بيسكتون اجل وش بيسوون هو من غلط عليها واحنا شاهدين وامي انا واقف معها لو ايش ما صار انا مدري ليش انتِ كارهتها كذا .
تجهم وجهها و بغضب : لأنها غبيــة لعب على علقها بسهولة
حرك بؤبؤة عينيه دون رأسه بإتجاهها : ما هي غبية لكن على نياتها وطيبة مرة .
جلست على الكرسي المتواجد امام التسريحة و بذات غضبها : وش فادتنا فيه طيبتها ؟ , الطيبة في دنيا تقتل كل طيب مالها داعي .
أغمض عينيه وبهدوء يُعاكس غضبها : و فيه احلى من الطيبة ؟ بالعكس انا مفتخر انها امي ولو الدنيا كلها تقول انها غبية بقول هي طيبة
ضربت فخذها بخفة : افتخر زيما تبغى انا عن نفسي كارهة نفسي لاني اشبهها ليتني مو بنتها .
جلس من بعد استلقاء : المهم اخوك ِ الثور سوى فيك ِ حاجة
تنهدت بضيق : ما غير يضرب الله يكسر يده , ناوي يطردنا من بيته , ما حسيت كذا ؟
مسح على وجهه وتمتم : الله يستر علينا , " أردف " المهم انا بروح لغرفتي
صلب طوله و خرج و أغلق الباب من خلفه
و هي أغلقته بالمفتاح لئلا يدخل و يضربها كعادته , نظرت إلى عقارب الساعة التي تشير إلى العاشرة ليلاً
الوقتُ مبكرًا على نومها فهي معتادة على السهر , و إرهاق عينيها سهدًا ما بين موقعٍ و آخر على الشبكة العنكبوتية
إلى حين يبقى الثلث الأخير من الليل فينزل الله جل جلاله الى السماء الدنيا ينتظرُ من يدعوه ليسجيب له و لمن يسأله فيعطيه ما سأل ولمن يستغفره فيغفر له
و لكن لا داعي و لا سائل و لا طالبًا لمغفرة .
***
كانت تشعر بالخوف , كيف ستقول لهم سيقتلوها , كيف تعترف
لأول مرة تشعر بهذا الرعب , تُحس بالوهن
لا حيلة و لا قوة لها
و لسانها يهاب الإعتراف
إنها اضعفُ منهم
فكرت كثيرًا بأي كذبة قد تنجيها مما ستقول ولكنها لم تجد الكذبة المناسبة
لا بد أن تعترف الآن فالوقتُ يمضي و قد تحل الكارثة بأي وقت
صوته اخرجها من أفكارها : وش تبغين ؟
رفعت عينيها لترى أقدامه و أستقرت عيناها عند هذه النقطة
مخيفٌ سمحي كأنه وحشٌ لضخامته
و بجانبه من تتعامل مع هما بالتجارة
أغمضت عينيها و بصوتٍ خافت : اني اليوم دخلت الى الكبو فلم اجد اغيد
وصلها صوته الحاد المتسائل : كيــف يعني ؟
فركت يداها ببعضهما : يعني انه قد هرب عندما
لم تكمل حديثها لأنه قاطعها بحدة : انتِ وش تقولين ؟ فــاهمة ايش معنى كلامك
بينما من يساعدانها بالتجارة ظلا صامتين لانهما لم يستوعبا الوضع
قال احدهما متسائلاً : وانتي امتى عرفتي ؟
كانت ستتحدث
إلا ان سمحي وقف بطوله الفارع و هو يقول بحدة : قوموا بلا غبــاء تجار مخدرات و جالسين كذا اكيد بيبلغ علينا لازم نغير المكان يلا اااااا .
إنتفضت اجسادهم بخوف من صوته ومعنى كلماته
كل ما يقوله صحيح
لكن برأيهم هو مبتورٌ لا حيلة له
غير أنهم لم يستوعبوا هذا الوضع إلى الآن
لكن سمحي هو الذي يعرف هؤلاء المبتورين وبما انه الآن غاضب
اذًا يبدو بأن المبتورين شديدي البأس
وقف احدهما و بأمر : انتا يا سمحي جمع المبتورين كلهم دلوقتي هنروح على اي حتة تلمنا و هنتخبى بيها اكيد هما هيجووا هنا ويفتشوا .
حرك سمحي رأسه بالموافقة وهو يجر خطواته للقبو
أما الرجل الآخر إتصل على التاجر الأكبر ربيع ليبلغه بكل ما حدث و هو بالتالي يرشده إلى مكانٍ نائي كهذا
ولكن ربيع لم يرد عليه
جمع سمحي كل المبتورين والذي يتقدمهم هزيم
أخذ هزيم ينعت سمحي يحاول أن يلهيه عما سيفعل
و لكن سمحي لم يلقي له بالاً سمحي اذكى من أن تنطلي حركاته هذه عليه
وجه سمحي حديثه لأحد الرجلين : وين بنروح .
هز كتفه بحيرة و الخوف يملىء عينيه : معرفش التاجر مابيردش
أغمض عينيه و حك حاجبه و بصوتٍ يحاول فيه أن يتماسك بآخر حبال الصبر لئلا يفجر غضبه بهم
انهم حمقى ولا يدري كيف دخلوا في معمعة المخدرات
في وقت اللهو يصبحوا العباقرة و بوقت الجد ليسوا سوى حمقى
تقدمهم بالخطى ناحية الباب ومن خلفه المبتورين قائلاً : باخذكم لبيتي القديم بالقبيلة يلا امشوا بسرعة .
و انقسموا لأربعة سيارات
كان الأهم لسمحي ان يجلس بالسيارة التي يجلس بها هزيم
انه يعلم ان كل ما حدث بسبب هزيم
لكن لا وقت لضربه
حتمًا سيصلون و سيبدأ هو بتعذيبه .
*
*
و اخبرتهم بكل شيء واستطاعوا ان ينفذوا من عقاب الدنيا الزائلة
و بقي عذاب الآخرة الباقية .
***
أول ما اهتم لشأنه هي فتاتي أنهار , تُشغل تفكيري كثيرًا بالرغم من انها ليست ابنتي من بطني , إلا أني ربيتها بكلتا يداي حتى كبرت
فكرتُ كثيرًا بشيءٍ قد يُسعدها فلم أجد غير أن افتح لها مكتب ماهر القديم و أعمل على تجديده لأجعلها حُجرة خاصة لمذاكرتها و كل شؤون دراستها
سأضعُ بها كل ما قد تحتاجه هذا المكتب تم إغلاقه منذ وفاة ماهر إلى هذا اليوم لم أجرؤا يومًا على فتحه كنتُ أودُ ان تبقى رائحته لآخر يومٍ بحياتي
و لكني كبرت و كبرت افكاري فما رأيتُ من أفكاري الماضية الا السذاجة فهو قد مات و مصيرُ كل الإنسان الموت
دخلتُ إلى الحجرة الآن الساعة الحادية عشر ليلاً , لأرى ما فعلنه الخادماتُ بغيابي عنهن
كان إنجازًا رائًعا منهن , إبتسمتُ بحبور و جلستُ على أحد الكراسي و انا أنظر إليهن و إلى الحجرة بتمعن لأتخيل الماهية التي قد تليقُ بإبنتي انهار
و لا أدري لما جاءتني هذه الفكرة , أتذكر انهار عندما كانت بطفولتها كانت تتمنى رؤية والدها و كذبتُ عليها عندما اخبرتها ان والدها هو ماهر
و انه قد مات وهي رضيعةٌ في مهدها لذلك لا تتذكره و لأنها بإسم ماهر تزويرًا لم تعلم انها ليست ابنته , كانت تقول لي هل لوالدي صورةً عندكِ
فكنتُ ادعها ترى صورةً واحدة له وهو يجلس بجانبي وبالمنتصف طفلة رضيعة , كنتُ أقول لها هذه الذكرى الوحيدة التي احتفظتُ بها لأن الميت لا يصحُ الإحتفاظ بصوره
و لكني كنتُ كاذبة فأنا على علمٍ ان هذا المكتب يحتوي على الكثير من الصور لماهر وهو بعمله , لكنها كطفلة لم تكن لتستوعب ان شاهدت صور ماهر دونها
ستعتقد حينها انه لا يحبها لذلك لم يتصور معها , لكنها الآن كبرت ولربما صورُ ماهر اذا علقتها بحجرتها هذه ستسعدها كثيرًا
إبتسمتُ لهذه الفكرة , و بتساؤل : شفتوا ألبوم صور بوسط الكتب الي محطيينها بالكراتين ؟
إلتزمن بالصمت ما عدا الخادمة فاطمة إندفعت قائلة : في صور انا هطوا في كرتون .
راحت بإتجاه الكرتون وهي تفتحه على وسعه و تُخرج من داخله الكتب حتى تجد ألبوم الصور
أخرجت من الكرتون ألبومين صغيرين احدهما ذا لونٍ كحلي و الآخر ذا لونٍ أحمر
تقدمت بخطواتها نحوي ومدت إلي الألبوم
أخذته كان نظيفًا يبدو انهن قد مسحنه عن الغبار , فتحتُ أول صفحة فثانيها لثالثها وكلها كانت تحمل صورًا لماهر بثوبه و هو بمصنع الخشب
إلا الصورة الرابعة توقفت عندها اصابعي وأتسعت عيناي بغرابة
ماهر بمنتصف الصورة وعلى جانبه الأيمن جلال و الأيسر محمد السائق !!!
أخرجتُ الصورة من داخل الألبوم الأزرق وقلبتها بيدي لليمين والشمال واستقرت عيناي على ثلاث كلمات
جعلت ريقي يجف والدنيا تضيقُ بي , إلهي لا أصدق ما قرأتُه عيناي
أكاد أجزمُ أني بحلم , أرجو ان اكون بحلم أرجو هذا .
***
حملتُ وسادتي و غطاءً يدثرني و حركتُ خطواتي لغرفتهما و لكنه استوقفني قائلاً : همم مافي سلام وداعي ؟
إستدرتُ بإتجاهه بعدما كنتُ أعطيه ظهري , رفعتُ إحدى حاجباي و أحد يداي بخصري , و بإبتسامة طفيفة : و ليش مو انت تودعني ؟
إبتسم لي إبتسامةً واسعة لم اكن اتوقعها منه , وقف من على السرير وهو يقول : شوفي بس عشانك زوجتي من سنين و بودعك ِ
لم أشعر إلا بثقله يلتصق بجسدي بعناقٍ طويل إشتاقت إليه نفسي و بحثت عنها ذاتي فلم تجدها لانه تركها وحيدة
هو زوجي , حبيبي , و إبن اطفالي أحببتُه بشدة وظلمني معهم بشدة ولكنه كان معطاءً بصمته و ستره علي معطاءً بموافقته على الذهاب لطبيبةٍ أخرى
معطاءً لصبره علي احد عشر سنة بطولها و عرضها
أنزل يده الملتفة خلف ظهري إلى وسادتي وغطائي و جعلني اتركهما بالأرض
ابعد خصلات شعري الأسود القصير عن اذني و همس : آخر يوم اعتبر نفسي فيه زوجك من بكرة لك الحرية بكل شي , انا بس وظيفتي اذا احتجتي شي مادي عطيتك , موفقة بحياتك .
و أبعدني عن صدره عن ضربات قلبه و عن رئتيه المنتفختان و كم تمنيتُ لو انه بإستطاعتي رمي ثقلي بصدره و التشبث بهِ بقوة
لكن لا أستطيع كرامتي لا تسمح لي , وهو دائمًا يُصعب الأمور إن فعلتها سيضحك و لا أريده ان يسخر مني
كيف ينطق كلمات الوداع بهذه السهولة اعترف بأني أريدُ الإبتعاد عنه لكن بذات الوقت اعلم ان هجراني له سيضرني حتى أعتاد على الأمر
لن يكون شيئًا سهلاً إطلاقًا , حملتُ أشيائي و مضيتُ إلى حجرة اطفالي التي دخولي لها نادرًا ويكاد لا يُذكر البتة , أشعر بنظراته مسلطة علي
كم أُحِبُك يا ظالم .
*
*
و مضت ذات الرائحة العطرة الشذية , تهاجر داري لتتركها نتنة كريهة
و مضت من أحببتها فعشقتها فأصبحتُ مغرمًا بها
مضت كطائر الكويتزل تترنم بألوانها و تترك حجرتي رمادية بلا ألوان
لكن هذا ما كان يجب ان يحدث منذُ زمنٍ بعيد .
*
*
دخلتُ إلى حجرة نوم أطفالي لأجدها معتمة , فتحت الضوء و وضعتُ حقائبي بأحد أركان الحجرة
نظرتُ لهما لفترةٍ قصيرة و اقتربتُ منهماغطيتُ وائل , ثم بلقيس
و من ثم إستلقيتُ بجانبها و وائل على السرير الآخر
مسحتُ على شعرها بنعومة , و لا أدري مالذي جعلني ألثم رأسها فجبينها و وجنتيها و راحة كفيها
حتى تحركت بإنزعاج فتركتها لئلا تستيقظ
و أخذتُ أنظر لهما و شيءٌ من الحسرة يجتاحني .
***
خرجتُ من المطبخ بتمام الساعة الثانية عشر ليلاً , بعدما شربتُ كأسًا من الماء فقد إستيقظتُ من نومي بسبب كابوسٍ مزعج , صعدتُ الدرج و صولاً إلى حجرتي و عقدتُ حاجبي بإستغراب
أتذكر اني تركتُ الباب مردودًا قبل خروجي ولم أتركه مغلقًا ! , يبدو اني قد نسيت , فمن ذا الذي قد يُغلق الباب
أبعدتُ أي فكرةٍ سلبية قد تكون من تخريفات عقلي و فتحتُ الباب واصابتني الفاجعة فإتسعت حدقتا عيناي فقزحيتهما إلى الصلبة
و أنا أراه بحجرتي و أرديتي في حجره و إعلاها تكاد تدخل بأنفه وهو يشتمها بقوة وعيناه مغمضتان
إبتلعتُ ريقي بهلع مظهره يوحي وكأنه عشيقٌ يحتوي رداء معشوقته بين خلجاته لداخل جوفه
ضربتُ الباب بيدي , ففتح عيناه و سقط الرداء من كنفه
و قبل ان يتحدث إندفعتُ قائلة : عمي جلال ليش تشم ملابسي ؟
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $
هذا الجحيم حق يوم السبت يعني يوم السبت ما بنزل شي
قدمت الجحيم لاني يوم السبت بيكون مضغوطة علي اختبارات كثير
ما اعتقد اني بقدر ادخل وانزله لكم لذلك قدمته
و السموحة منكم على اللخبطة في المواعيد .