سئمت الحقيقة..
تشرد قلبي زمانا طويلا
وتاه به الدرب وسط الظلام
حقيقة عمري خوف طويل
تعلمت في الخوف ألا أنام
نخاف كثيرا
عيون ينام عليها السهر
نخاف الحياة.. نخاف الممات
نخاف الأمان.. نخاف القدر
وأوهم نفسي..
بأن الحياة شيء جميل
وأن البقاء.. من المستحيل
لــــ فــاروق جويدة .
الجحيـــم
إهــــــــداء إلى :
جميـــــع متابعيني سواء بالردود او الصامت او المشاهدين من خلف الكواليس بمناسبة عيد الأضحى المبارك
( 20 )
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
خرجتُ من مكتبي و عيناي مصوبة بإتجاه قسم الخدم و أفكارٌ شيطانية تحيطني , أريد رؤيتها إني مشتاقٌ إليها أقسم بأن عيناي بسهدٍ منذ أن رأيتها
أشعرُ بأنها جزءٌ مني لكن كبريائي لا يسمح لي بالخنوع لإمرأة و الأدهى أنها خادمة !
كيف لي أن أبرر موقفي ماذا عساي أن أقول أصبحتُ أحبُ النساء بعد بغضي لهن , أم أقول أنها مميزة عن البقية
و ماذا أقول لأبنائي الأكبر منها عمرًا ؟ , بل ماذا أقول لمجتمعي , سأصبحُ حديث الجميع بهذا الموسم إن خضعتُ لها
كانت تنظف مكتبي بالأسبوع مرة وبقية الأيام غيرها من الخدم
و أصبحت تنظفه كل يوم ولا أحد غيرها ينظفه
حتى أنها بالفترة الأخيرة غيرت ترتيب الكتب كما تريد , ولم أعترض و اشتكي ! , و لو كانت خادمة أخرى فعلت فعلتها لطردتُها بكل جلافة
كانت بداخل المكتب صورًا لأبنائي بعضها رمتها بسلة المهملات و أخرى تركتها معلقة ولستُ أدري لما رمتها و ليس من حقها أن ترمي
و لكني رأيتها بسلة مهملات المكتب
حتى سجلات العمل لم تتركها بل أخرجت الأوراق من كل سجل و وضعتُه بالآخر !
و لم أنطق ببنس شفة !
توجهتُ للقسم و فكرةُ قد خطرت ببالي و أرجو أن تنجح لأنال قُربها و أروي عطشي برؤيتها
قلتُ لإحدى الخادمات : وين مارسة ؟
لم تلحق أن ترد حتى تأتي مارسة بحجابها وخمارها من وراءِ الخادمة قائلة : اهلاً ياعمي , وش بغيت ؟
تعالت دقاتي قلبي ولم يسبق لها ان تتعالى إلى هذا الحد , ما الذي فعلتهِ بي يا مارسة , بكل يوم يمضي يتعلق قلبي بكِ و كأنني طفل لا يعيش بلا لعبته
او عجوزٌ لا تعيش بلا عكازها لم أعش بشبابي طيشًا كطيشي هذا , لم أشتاق يومًا لأي إمرأة كانت
لا أنكر ان تلك الحسناء قد جذبتني لها فقد كانت فتنة تخطو على الأرض و ان كيدهن لعظيم
لكني لم أُحبها بتاتًا بل كان كل ما فعلته إعجابًا بها و ياليتني لم أفعل فقد كان ضريبةُ إعجابي فتاةً من صلبي لحدتُها بالتربة كباقي فتياتي
أعادت سؤالها تارةً أخرى بلهجة القبيلة التي هي لم تعش بها و لكنها أخذت اللهجة من والديها : عميمي عبدالقوي شتريد مني ؟
إبتسمتُ لها و بنبرةٍ حنونة أنا أستنكرتها لشدة العطف الذي يطغي عليها : ممكن تجين شوي لمكتبي ابيك تعطيني ورقة ما حصلتها لانك مغيرة ترتيب السجلات .
أومأت برأسها فتقدمتها الخطى بإتجاه المكتب ثم أدرتُ رأسي للوراء لأجدها تقف بمكانها بلا حراك
عقدتُ حاجبي و بصوتٍ شبه عال لتباعد المسافة بيننا : وش فيك تعالي
تحركت على مضض خطوة تحثها للأمام و خطوة تحثها للخلف , و لأول مرة أكون صبورًا إلى هذا الحد إنتظرتها حتى تجيء بلا أي صراخ
دخلتُ , و دخلت هي من خلفي و لكنها تركت الباب مفتوحًا
وقفت بمنتصف الحُجرة و مسافةٌ طويلة تفصلنا
بثبات و بصوتٍ واثق إلى حدٍ ما : اي ورقة تبغى ؟
ما هذه الثقة أيعقل انها تعرف مكان الورق و كيف رتبته ؟! لم أكن أريد هذا
بهدوء : الورقة الي فيها تعامل مع شركة المنصور
أشارت إلى السجلات التي تقبع فوق الطاولة و بذات ثقتها : في الملف الأحمر تلاقيه , بغيت شي ثاني ؟
و تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن لم أكن أريد الملف و لكني كنتٌ أريدكِ جانبي و أقرب إلي من جزيئاتِ الهواء . بإندفاع و لا تفكير وقلبي المتيم قد حثني على ما نهاه عنه عقلي : مارسة تقبلين فيني زوج لك ؟
سرت انتفاضة بجسدها و كأنها أعجازٌ نخلٍ منقعر , وكأنها نخلةٌ بصحراءها من اصل ارضها أقتعلت من جذورها لتصبح مهملةً خاوية
كانت كالتي صُبت برأسها مصائب الدنيا كلها
راحت تهرول بإتجاه الباب و تركتُه من خلفها يتحرك من ريحٍ طفيفة أحدثتها بهرولتها
أمسكتُ بكفي اليمنى ذراعي اليسرى و انا اعض لساني بشيءٍ من الندم على الإقدام بهذه الخطوة اللامتوقعة و التي لم تكن بالحسبان وشيءٍ من القهر لردة فعلها التي أيضًا لم أتوقعها لوهلةٍ واحدة
هل تعني حركتها هذه أنها غير موافقة ومن هي حتى ترفض تاجرًا مثلي ! يغرقهاأموال فيكسيها جمالاً و راحة
أم أنها تتظاهر بالخجل لأتعلق بها أكثر و يمكن ان تكون بالفعل خجلة
لستُ أدري فلم أكن اتوقع ردة الفعل هذه
سأحاول التفكير مليًا بالموضوع و من ثم أقرر هل أحادث ظانع بشأن الزيجة ام أتراجع عن قراري الذي سيغير كثيرًا من حياتي .
*
*
و نطقها كما أراد أبي و أراد عقلي المختل
ونطقها و خط بنطقه حروف الألم المحتم
و نطقها و ياليته لم ينطق بها
و ياليتني لم أحبك يا ركاض
كيف سأتزوج بأبيك وانا إلى اللحظة الأخيرة أفكر بك !
كيف سأتزوج بدردبيس و أنا بعمر الزهور و الربيع , وهو بعمر الخريف
و مالذي تريديه يا مارسة
أنتِ حتى و إن جائك ركاض زاحفًا بالأرض سترفضيه لستة سنوات ضاعت كالسراب
وانتِ تفكري بهِ وتعيشي بسراديب الماضي وغياهيبه وقوفًا على الأطلال
فليضع القدر بصمته و لتنكشف صفحات المكتوب
فما عادت حياتي تهم .
***
إتصالان فثلاث إلى العشرة و هي لا ترد ! , و ليس من عادتها ألا ترد
أين هي ؟ , ولما لا ترد ؟
كيف لها ان تخرج بلا إذنٍ مني ؟
أرجو أن تكون بخير و ألا يكون بها مكروه وضير
و هل يعقل ان لتلك الشقراء دخلٌ بإختفائها ؟! , أرجو أن لا يكون هذا هو السبب
و لكنه قد يكون , تلك الشقراء حاولت ان تخنع انت بالثوب معها و كادت بك و لكنها لم تستطيع
أستكيد بهوازن و ما دخل هوازن بل و ما دخلي أنا الذي لا اعرفها
من هي تلك الشقراء ؟ و إلى اين ستصل ؟
فلتبعد تفكيرك عنها و لتفكر بهوازن , أين ذهبت ؟
و الذي يزرع و يحصد الأفكار السوداء هو اختفاءها بلا إذن و عدم ردها على الاتصال
كل الأمرين لا ينذران بالخير و يكهنان بكل الشر
سأعاود الإتصال بها فقد تكون وضعته على الصامت او ليست بجانبه
و عاودتُ الإتصال , ولكن صوت الأغراض التي تقرع الأرض بسقوطها
استوقفني و رفعتُ رأسي لأرى مالذي حدث بحركةٍ لا إرادية
و قد كانت هوازن متصلبة في مكانها و ينتفض جسدها خيفةً مني
إقتربتُ منها و بحمد : الحمدلله انك بخير قلقت عليكِ كثير , وين كنتِ يا قلبي ؟
و اخذت انظر لليمين و الشمال على أمل أن تكون قد ذهبت معاها إمرأةً ما , ولكن لا إمرأة تقف بجانبها
فركت يديها المرتعشتان ببعضهما و عيناها مثبتة بالأرض لم ترفعها لعيني : آسفة الكاسر والله مو قصدي بس هنا في مركز خياطة و رحت اتفق مع صحبته اذا عندهم ملابس زايدة و نظيفة
يحطونها بمركزنا .
بتساؤل : و رحتِ لحالك ؟
حركت رأسها بالنفي بسرعة : لا والله , شلت معايا وحدة من المركز بس هيا راحت السوبر تبغى تشتري اشياء نتسلى عليها , وانا رجعت .
بريب : بس انتِ مو من عادتك تمشين بالشارع لوحدك , و ش طرى لك هالحين ؟
رفعت رأسها لي و كأنها لم تتوقع ردة فعلي هذه , و بتبرير : وش اسوي هي اصرت علي ارجع وقالت في اشياء كثيرة بتشتريها وانت شايف " أخفضت عيناها للأرض إلى الأكياس التي تحمل الأردية " هالأكياس
ما بقدر اوقف استناها لين تخلص فرجعت و خليتها تشتري براحتها .
بتفهم : اجل كذا " أردفت بتساؤل " و ليش ما أخذتي الإذن مني قبل روحتك .
بصوتٍ ظهر به الإستنكار والتعجب : من جد ! البنت اصرت ترسل الرسالة عني وقالت انها كتبت لك " الكاسر ممكن اروح لمركز الخياطة " مثل ما انا مليتها الجملة , و جوالي تركته بالمركز لاني على اساس ما بطول كثير و ما بحتاجه .
رفعتُ حاجبي و الوضع لم يعجبني بتاتًا : و كيف تخلين وحدة غيرك ترسلي ؟ كيف وثقتي فيها ؟ " وبتحذير " هوازن والي يعافيك مو اي شخص ينوثق فيه يعني يمكن تآخذ رقمي و تعرفين بعض الناس عليهم حركات
فكري مرة ثانية وانتِ بنفسك استأذني مني و ما راح امنعك من شي انتِ تبغيه .
رفعت سبابتها لأعلى : لا والله , انها طيبة و خلوقة بس يمكن هيا كتبت ونسيت ترسل , بس خلاص انا ما بخلي احد يرسل عني .
و بتساؤل آخر و قد شعرتُ أن تساؤلاتي تحولت لمحضرٍ عسكري : طيب انا رنيت الجرس على المركز و سألت عنك وجاوبوني بأنك مو موجودة قلت لهم وين هوازن قالوا ما ندري كيف ما يعرفون وانتِ اخذتِ بنت من المركز و رحتِ معاها .
بتسويغ : البنت الي راحت معايا قالت خلينا نمر لمركز الخياطة وبعدين نروح للسوبر ونفآجئهم و قالت عشان تصير مفآجأة لازم نخرج بدون ما نقولهم .
بغير اقتناع : اجل كذا الموضوع .
إنخفضتُ للأرض و أنا أدخل الأردية بالأكياس البلاستيكية
بينما هوازن تقف تنتظرني حتى انتهي
فإنخفاض المرأة بجسدها بمنتصف الشارع خطأ و ليس من صالحها إطلاقًا
أعطيتُها الكيس و مشيتُ بإتجاه السيارة وبصوتٍ آمر : ادخلي للمركز و جيبي جوالك و تعالي بسرعة .
ترحكت بإتجاه المركز و دخلت
اما أنا فمسحتُ على وجهي , و ترجلتُ السيارة
جلستُ بمقعد السائق وتناولتُ قارورة ماء تهدىء أعصابي إلى حين عودتها
أشعر اني كنتُ قاسيًا عليها بتساؤلاتي
و لكن لم تعجبني تصرفاتها
و لأول مرة لا تعجبني تصرفاتها
لم تستأذن , تجعل إمرأة غيرها تستأذن عنها , تركت هاتفها بداخل المركز و قد يصيبهم مكروه فتحتاجه , لم تخبر أحدًا بذهابها
قد تكون ملاحظاتي عنها دقيقةٌ جدًا وتفعلها بزمننا هذا أي إمرأة ولكني إعتدتُها الإمرأة المطيعة و الحكيمة ذات الحنكة والمنطق
لم أعتدها إمرأة لامبالاية بشيء و متسرعة بإتخاذ قرارتها و دون إذنٍ مني .
*
*
تركتُ كيس الأردية , و أخذتُ هاتفي و أخبرتُ فتيات المركز أني سأذهب
خرجتُ من المركز للشارع بإتجاه السيارة
أشعر بأن الكاسر لم يصدقني بما قلتُه ولكنها الحقيقة
قد أكون تماديتُ بتصرفاتي و لكن كل شيءٍ فعلته كان بعفوية
و لم أقصد أن اضايقه بتاتًا
لن أعاود لفعلتي هذه إن شاء الله .
***
تشير ساعة هاتفي المحمول الذي لم أتركه منذ مكالمتي لجهاد بخصوصِ " مي " إلى الخامسة عصرًا
لماذا لم يتصل إلى الآن ؟ , و هي اين ذهبت وهي متعبة ؟ , هه قد تكون بأحضان رجلٍ ما وانا هاهنا كالأبله أفكر بها و بشأنها
رن هاتفي , و لم يلحق ان يتعبها بالرنة الأخرى حتى رددتُ عليه وبعجلة : وينها فيه ؟
أجاب : مارديتش عليا مع اني اتصلت عليها كتير .
أغلقتُ بوجهه و أنا أشعر بالغضب
أين ذهبت , اقسم لو انها عند رجلٍ ما ستلاقي حتفها
و أخذتُ أعاود الإتصال بها مراتٍ و مرات بلا أي كلل أو ملل بل أن الكلل والملل سيصيبها حتى ترد
و كما شئت ردت وهي تضحك : ايوا يا ركاض عاوز ايه متصل دي الاتصالات كلها انتا وجهاد ليه
بهجوم : انتِ وينك فيه ودامك عارفة اننا متصلين ليه ما تردين ؟
و هي تكتم ضحكتها ويبدو ان بجانبها من يُضحكها : بالهدواة عليا وحبة حبة هديك المهم , انا ماشفتش موبايلي الا دلوقتي وعلشان كده مارديتش عليكو , و انا دلوقتي نيمة عند واحد من صُحابي .
شعرتُ بنارٍ تأجج بصدري وبقهر صببتُ جام غضبي عليها : حضرتك تسرحي وتمرحي وانا هنا قلقان عليك هاذي هيا التعبانة الي ما تقدر تجيني , وبعدين يا قليلة الادب انا قلت لك ويل ويلك ان جلستي مع رجال
غيري ومع هذا لعبتي بالنار معاي .
إعتلى صوتها يجاري علو صوتي : انتا مجنوووووون يا ركاض مجنووون أوي , مين حضرتك علشان اسمع كلامك واخد بالي منو , و رجاءً بقى حسن الفاظك معايا اصلي مش مستحملاك و انا هنام مع اي حد و انتا بقى بتسكت
ادا كان عمو و اخويا راضيين انو يكون عندي صُحاب انتا بتزعل ليه اصل زعلك مايهمنيش ابدًا , و أنا مش قليلة ادب انتا الي كده انتا الي بتزني و تشرب خمر و تعارض دينك والي يعارض دينو هو الي مش متربي
اما انا فأحسن منك بكتير .
و أغلقت الهاتف بوجهي
معها حق , بل معها كل الحق
من أنا حتى أتدخل بشؤونها وافرض كلمتي عليها
لكنها لازالت في سن المراهقة
أرى بها نفسي عندما كنتُ بعمرها أفعل أفعالها و لا هناك من يرشدني
لذلك اتدخل بخصوصيتها لأنني أعتبرها مسؤوليتي
هي أطيب و أرق من افعالها الشنيعة التي تفعلها
وهي مثل بنات خالي تربت يتيمة بلا أمٍ أو أب
هي شيءٌ إعتدتُ أن تكون بحياتي
إعتدتُ أن تكون كالظل لي
أعتبرها اختي الصغرى التي لم تنجبها أمي قط
و على الأخ حماية أخته .
***
و امشي بالطرقات , بين الممرات و الأزقة
و لا بيتٌ يأويني , و لا سندٌ يواسيني
و ضجيجٌ بداخلي , مشاعري و شوقي إليهم لا يستكين
ما أبرح ان أنسى حتى و أعود لأستذكرهم
هزيم أبانا القاسي الحنون
و اخواني المبتورين
و حتى ذاك الظالم المجهول اتذكره ولكن ليس بخير و إنما بشر
فأدعو عليه من غائر قلبي
و تلك الشقراء الفاضحة لا حياءٌ و لا أدب ولا ذوق
و أتباعها أذناب الرجال كالنساء
ما الذي فعلوه بك يا هزيم ؟ أرجو ان تكون بخير , وأن لا يكون سمحي قد تعرض لك بالضرب المبرح
عندما تُقام الصلاة أربض إلى المساجد للصلاة و دخول الخلاء و إرتواءِ الماءِ من الحنفية
أتضور جوعًا ولا هناك ما يسدُ رمقي
كلما مررتُ بمطعمٍ ما , تدخل رائحة الطعام عنوةً إلى أنفي وتداعب شعيراته فيزدادُ جوعي جوعًا
أقدامي تؤلمني و قد إحمرت بشدة بل و أخذت تتشقق و تنتفخ و ما عدتُ أستطيع الإستمرار بالمشي
إن لم تملك المال , لن تمكل عٌباد المال
منذُ الصباح و أنا أسير ولا هنالك شخص سألني ما بك
منذ الصباح اجلس على الأرصفة الحارقة بعدما مدتها أشعة الشمس بحرارتها
و لا هنالك من سأل ما بك
و عدتُ نفسي ألا أمد يدي لأشحذ و لكني سوف أغدر بوعدي و سأشحذ لمشربٍ و مأكل
ليس هنالك وقتٌ كافي لأعمل بدكانٍ ما فأنا أريد رؤية الكاسر بأسرعِ وقتٍ ممكن
حتى يُمسك سمحي و تجار المخدرات بجرمهم المشهود و يكبلون بأغلاهم و يدخلون لسجونهم أمكان تلائم أمثالهم
مددتُ يدي إلى رجل عابرٍ للطريق فأدخل يده بجيب ثوبه ليخرج محفظةً جلدية سوداء أخرج منها ريالاً ومده إلي
الحمدلله ريالٌ واحد أفضلُ من اللاشيء
قد نرى الريال بأعيننا كنزًا إن كنا نريدُ أن نراه كنز .
***
بعد أخذي لهوازن من المركز توجهنا للمنزل إستحممت و من ثم أخذنا ابناءنا و مع زحمة الطرق لم نصل إلا بتمام الساعة الخامسة و النصف عصرًا , وضعتُ المنيو على الطاولة بعدما شاورتُ هوازن و ابنائي بما يريدون من طعام
جاء النادل ليأخذ الطلب فأعطيتُه , بعد ذهابه رفعت هوازن خمارها ليظهر وجهها وعدنا نتحدث معًا و ابنائي يلعبون بالأشواك والسكاكين فيضربونها بالصحون الزجاجية البيضاء
قالت ريتاج وهي تشد حقيبة هوازن : ماما اعطيني شنطتك .
مدت الحقيبة إلى ريتاج و بإبتسامة : خذيها يا عيون مامتك .
إبتسمت لها ريتاج بطفولة وهي تعبث بالحقيبة لتخرج هاتف هوازن المحمول كعادتها
امنعهم من أخذ الأجهزة عند التجول ليستمتعوا بالرحلة ولكنهم يأخذون هاتف هوازن و هاتفي
ابناء اليوم غريبون بعض الشيء لا يستمتعون بالرحلات مثلما كنا ماضيًا نستمتع و لا يتخلون عن أجهزتهم للحظةٍ واحدة
بل قد يصل بهم الأمر إلى إصطحابه لداخل دورة المياه !
و ما بدأت تلعب به حتى يتشاجر كلاً من رائد و مؤيد معها يريدان الهاتف منها
بصوتٍ شبه عالي : رائد مؤيد خلوا اختكم , و ريتاج بابا مو وقت لعب اعطي ماما الجـ
لم أكمل كلمتي وذاك الكبك الرجالي يتأرجح بالأرض حتى توقف بمنتصف الطاولة
مددتُ قدمي بطولها لأسحب الكبك حتى أصبح تحتي تمامًا
أخذتُه و رفعته لأعلى و بتساؤل : هوازن وش ذا الي طلع من شنطتك ؟
طوت شفتها السفلية وادخلت العلوية بفمها و رفعت كتفها لأعلى , و من ثم نطقت : مدري
بلا إقتناع : كيف ما تدري ؟ , كل ما اسألك جاوبتِ بمدري , آخر مرة اسألك كيــــف الكبك هذا انوجد بشنتطك .
بزغ الخوف بملامحها , إبتلعت ريقها : والله مدري .
كورتُ قبضة يدي وضربتُها بالطاولة : ابغى افهم كيف ما تدرين مو هاذي شنطتك الي جيتي فيها من المركز
وبعدين ذي مو اول مرة يكون عندك اشياء رجالية اول كان بداخل البيت وكنتِ تقولي الشغالة ملخبطة
الحين وش سالفتك ؟ وش تبريرك ؟
بصوتٍ محتقن بالدموع أجشٌ , هش : والله اني مدري والله يالكاسر .
مسحتُ على جبهتي وانا أحاول إبعاد الأفكار السوداء : هوازن كلامك مو منطقي هاذي شنطتك وذيك غرفتي و غرفتك لكن انا عارفك ما تطلع منك العيبة .
صدرت منها شهقةٌ محبوسة و تماطرت دموعها كالسيل فأصبح خدها نديٌ كالمرآة يعكس صورتي
بينما ابنائي ظلوا صامتين لم يتحرك احدهم و لم يصدروا اي صوت , تنهدتُ و انا الذي لا أحب الحديث امام الأطفال بهذه الطريقة
و لا أحب أن أكون الكاسر في العمل الكاسر في المنزل لا أحب خلط الحابلِ بالنابل
لكن الأمر غريبٌ و لا يفهم كيف لها ان أتقول لا أدري و هذا وُجد بحقيبتها ؟ غير اني لم اقتنع بما قالته عن مركز الخياطة
لا أدري أول مرة أشعرُ بهذا الشعور السيء إتجاهها
أعلم أني أظلمها ولكن لا شيء يبرر كلامها
أخذت تمسح دموعها الشفافة عن خديها حتى لا يخاف الأبناء و انا على علمٍ انها تبكي بداخلها بدلاً من الدموع دماء .
***
ينام بالأرض و لا رداءٌ يغطي جزءه الأعلى , فجروح حفرها المتوحش سمحي لم تبرأ بعد بل انها تتأجج حرارة
كماءِ النار تحرقهُ بل أشد , كل مفصلٍ بجسده يطلب الرحمة , يُحس و كأنه من المحال أن يعيش بعد الآن
كل عضلة صارت رفاتًا , بل حتى روحه مشتعلة كالجحيم لا تنطفىء و لا تنخمد
لقد قهره , لقد هزمه , إنه يتفاخر بقدرته الجسمانية
أهلكه ولم يستطع أن يهلكه , انتهك قوته وسلبها ولم تُسلب قوته او تُتنهك
لقد عرف ذلك المجهول من يختار حينما إختار سمحي للقيام بالمراقبة
إختار رجلاً ذا جسد ممشوق وقامةٍ طويلة و عضلاتٍ تشغل صدره و ذراعه بدايةً من كتفه إنتهاءً بأطراف يديه
ليست المرة الأولى التي يضربه بها , ليست الكرةُ الأولى التي يستعرض بها جلافته
لم يعد يحتمل هذا آه لو كان لديه فقط ربع ما لدى هذا الضخم يُقسم انه سيجعل كيده بنحره
سيكون قاسيًا لا رحمةَ بقلبه بل سيقتله وينهيه من الحياة هو لا يستحقُ أن يعيش
لا يستحق هواءً و لا ماء و لا غذاء
لا يستحق قوة و لا عظمة و لا سلطة
يعلم هوان القتل شروطه المترتبة القصاص و الدية والعفو
لكنه حتى لو كانت نهايته القصاص لا يهمه هذا , أهم ما عليه ان يذيقه جرعات الظلم التي هو قد أذقهُ إياها
ليعلم ان الله حق و ليظهر الحق و يزهق الباطل أوليس الباطل زهوقًا
بدأت الشمس تغيب و لا غاب ألمه
بدأ النور ينقشع ولا انقشع وجعه
حوله المبتورين حالهم ليس افضل منه هم يعانون كما يعاني ولربما أشد فأجسادهم أكثر نحالةً ونحافة ًمنه
و أكثر وهنًا و ضعف , وماذا حدث لأغيد ؟ أين سينام ؟ , هل تناول شيء ام انه مثلهم لم يأكلوا شيء فذلك سمحي عاقبهم على المشاجرة التي حدثت
هل شرب ؟ هل إلتجأ للشحذة ؟ , قد يكون هذا افضل حلٍ ممكن
ليس لأنهم لا يملكون كرامة بل لأنهم لا يمتلكون الوقت الكافي
يدعو الله ان يكون اغيد طفله بخير , نعم أغيد مهما كبر بعمره يظل طفلاً بعينيه
هو أبٌ لكل المبتورين حوله لكن أغيد الأحبُ إلى قلبه
يرى فيه برآءة تجاوزت حدود الطفولة
بدأت عوارضه تنمو بشكل خفيف إلا انه لا زال يراه طفلاً
كان أصعب موقفٍ بحياته مفارقته بأغيد هو لا يتخيل حياته دونه
هذا طفله و صديقه المقرب خير صديق بوقت الضيق
لقد شعر بشعور أغيد حالما كان يحتضنه لكنه أخفى هذا الشعور و حاول ابعاد اغيد
يعرف ان أغيد سيبكي ان طالت هذه الأبوة بينهما لذلك تركه
صعبٌ هو الفراق المصطلح الذي يربطه الجميع بحبيبٍ وحبيبة
لكنهُ بالأصح مصطلح لكل غاليٍ و قريبٍ لقلبك
سواء كانوا اقارب أو جيران أو اصدقاء
هو هذا مفهوم الفراق برأييه
سيحاول القيام للصلاة وان لم نحاول القيام للرب فلمن سنقوم إذًا
هو سيصلي واقفًا وإن كانت قدماه ملتهبة
هو سيصلي بحشوع و إن كانت روحه منهكًة
هو سيصلي ويطيل السجود
و إن مات ساجدًا فما أعظمهما من موتة .
***
كم أشعر بالحنق حينما تعاملني كالأسير اوكطفلٍ تخاف عليه من الضياع او فتاة في عمر الربيع تخشى عليها من الذئاب البشرية او تهلع على مراهقٍ يلاحقه شيطانٌ انسي
و لا تعاملني كرجل ناضج مسؤول عن نفسه و زوجٍ و أب لإبنتها , لم أعد أتحملها باتت كظل تلاحقني أينما ذهبت
لم أصبر عليها إلا لأموالها لا أريد العودة إلى عملي السابق , لقد منعتني من الذهاب إلى سوق الذهب و الفضة , كنتُ أريدُ السؤال عن الخاتم و هل استطاعوا ان يرسموا رموزه التي لآمست قلبي إلى قعره
رموزٌ لا أفهمها و لا يفهومنها , من أين اتى بها السائق أحمد ؟
هو من ذهب إلى سوق الفضة ليسأل عن الخاتم و ها هو الآن يخطو نحوي بتمام الساعة السابعة مساءً
أرجو ان يكون الخاتم سهل الصياغة
و قف أمامي و ألقى التحية , فرددتُها من خلفه كاملة
بهدوء : استاذ جلال رحت للمحل و قال الرجال انه لا زال يحاول بس فيه احتمال انه ان شاء الله بيقدر يسويه
إبتسمتُ بسعادة : الحمدلله
بتساؤل : استاذ ممكن اعرف ليش مهتم بالخاتم ؟
أجبت : مدري لكن عاجبني كثير ما شاء الله , ليتك بس تعرف من وين انت جايبه .
جلس على الكرسي من أمامي وشبك أصابعه ببعضها : انا ما اذكر شي لاني فقدت الذاكرة
بإستذكار : ايه اظن زوجتي قالت لي هالشي بس ما قالت كيف فقدتها .
حرك يده بالهواء : ولا انا والله مدري كيف فقدتها لكن الي فهمته من واحد كان يشتغل بتنسيق النباتات هنا وانا كنت اشتغل معاه
وبعدين الاستاذة غزال خلتني سايق المهم الي فهمته منه انه زوج غزال اسمه ماهر جابني لهنا من البحـر .
عقدتُ حاجبي و بلا إستيعاب : كيف يعني جابك من البحر ؟
حك حاجبه : ما اعرف اصريت عليه يفهمني اكثر لكنه كان معند على كلامه و هو ترك شغله هنا من يوم انت جيت يعني حتى ما شافك .
بتساؤل : و ليش ترك شغله ؟
أجاب : كان كبير بالسن عشان كذا تركه .
أومأتٌ برأسي و عدتُ لنقطة البداية : يعني ما في امل تذكر من وين جيت بهالخاتم .
هز أرسه بالنفي : ابد ما في بس احس بشعور غريب اتجاه هالخاتم ما اعرف احسه من الاشياء الي كانت تهمني .
بموافقة : حتى انا نفس احساسك و لا ادري وش هو السبب رغم انه الخاتم حقك .
ضحك بخفة : هههههههههههه فيه جاذبية سحرية .
إبتسمتُ له بهدوء و أنا أُبحر بسر هذا الخاتم الذي أشغل تفكيري وتفكيره .
***
أجاب على سؤالي منذ المغرب و الساعة الآن العاشرة ليلاً " انت لو بالفعل جاد ليش تسوي طيش الشباب و الله لو تبغاني قدامك باب بيتنا تعال لعمي و اخطبني رسمي " .
بكلمتين فقط لا ثالث لهما : " لأانك تكرهيني " .
ماذا يعني بهذا ؟ , انه يعرف شعوري مسبقًا
و بتصرفاته هذه أرادني ان أحبه
هل يعني هذا انه يحبني منذ كنتُ لا أطيقه و أبغضه ؟
و هل معنى هذا انه فعل كل ما فعل لئلا يخطبني من عمي فأرفضه
اما هو الآن رسى ببر الأمان لأنه يظن اني سأوافق عليه
و كيف أوافق وانا لا أعرفُ شيئًا عنه
ماذا بكِ يا انهار انكِ مضحكة كل امرأة تتزوج لا تكون على معرفة بزوجها , لكن انا حالي يختلف فأمي تحتجز عمي بالمنزل
فلن يسأل عن معن إطلاقًا فيفترض أن اقوم أنا بعملهِ هذا
ان كنتُ بالفعل أريد الزيجة منه , و هل انتِ موافقة عليه يا انهار ؟ , اني أحبه و لكني أشعر بالتردد وشعورٌ سيء يحفني
و لا أدري ما مبرره .
***
إستلقيتُ على السرير وبتمام الساعة التاسعة ليلاً , و هاجرني النوم كعادته , فهو يفرض وجوده حتى بنومي و أدق دقائقي قد كان كابوسًا لا حل له
و بالرغم من ذلك أشعر انه سببًا في توبتي وان لم يفعل شيء لكن الشعورُ بأن جزءًا من مستنقعك القذر ضرك بعنفوان يجعلك تفكر مراتٍ تلوها كرات
بسبب دخولك في هذه الخزعبلات و تغريق قدميك الطاهرتين بالعفن , فيتصاعدً العفن ليغطيك بأكملك حينها يسودُ قلبك ولا تشعر أنك على خطأ
إلا عندما يصيبك الضير حينها تفكر بالعودة طاهرًا كما كنت تائبًا للرب سبحانه , لئلا تموت بعفنك فيقال حال غسله تجمرهت الديدانُ من فوقه
أو يقال حال غسله كان السواد يغلفه فما عادت ملامحه تظهر و قد يقال تصاعدت منه روائح نتنةٌ كريهه
فلا تخطو سبيل العفن و إن خطوت فأرجع لله تائبًا متضرعًا و خاشعًا فما أوسع رحمته .
*
بعدما هددتُه بتلك الورقة لم أخطو بالقرب من سبيل بيته على أمل أنه هو من سيأتيني راجيًا ولكن طالت الأيام و صارت اسابيع و لم يأتي
و بأحد الأيام كان لدي إحتفال بالكباريه الذي يلجأُ إليه , وكعادتي حملتُ رداء الراقصة و خرجتُ برداءٍ للشارع لئلا تراني أمي فيموتها قلبها حسرة
لذلك ألبس ردائي بالكباريه , وصلت إلى الحفل و أرتديتُ الرداء المكشوف من كل الجهات
اتوسطُ المسرح و أنا أرقص و اتمايل لأجتذب الأنظار ولكن انظاري كانت تبحث عنه من بين حشدهم الماجن و لكني لم أجده , هل من الممكن أنه لم يأتي لأنه يعرف بحفلي لهذااليوم ؟
لم أطل التفكير لأنه طل بوجوده , حينما نظر إلي شعرتُ و كأنه سيتراجع للوراء ولن يدخل يبدو انه لا يعلم بأني سأرقص اليوم
لكن ما استوقفه عن الرجوع رجلاً رفع يده لأعلى يناديه , حك هو رقبته بتوتر و تقدم الخطى إلى الرجل
و ما برحا أن يدخلان في صلب الحديث من بعد السلام , حتى اقتربتُ منه و همستُ بأذنه وكل من حولي نظراتهم بإتجاهي
اما هو فكان يشتعل غيظًا من تصرفي هذا , فكيف لرجلٍ ذا مكانةٍ مرموقة أن تقترب منه إبنة الشارع بهذه الطريقة
نظر إلي من بعد همسي و هز رأسه بالرفض
فتوجهتُ إلى المنصة لأفضحه أمام الجميع
لكنه قام من على كرسيه كالمقروص وهي يحرك يديه بالهواء بإستسلام
بينما أن صمتُ ونزلتُ من فوق المسرح لخارج الكباريه وهو من خلفي و أنظارهم لازالت مصوبة علينا بغرابة
توكأت بظهري على الجدار و وقف هو من أمامي بعد محاصرتي بيديه الملصقة بالجدار من الجنبين الأيمنُ و الأيسر
بإستفزاز : جيت يا هزاع هتتجوزني امتى بقى ؟
عض على شفتيه : اعطيك فلوس وتسكتين .
رفعتُ حاجبي ونظرتُ إليه من أعلاه لإسفله : انتا بتستخف دمك , فين الي قلك دمك شرابات انا هضربو , هديك ياها من الآخر كده بص بقى شرف البنت ما يرجعو فلوس الدنيا كلها
انتا يا اما تتجوزني او افضحك .
تنهد بحرارة : بنتزوج فترة بسيطة جدًا ثم نتطلق وكلن بدربه يعني اغطي على شرفك وتغطي على خيانتي , ابسطها لك زواج مصالح .
بإستهزاء : اصلاً كده كده مستحيل تكون انتا جوزي طول العمر .
اخفض أحد يديه فأمسك بذراعي بقوة و كأنه سينتشل اللحم عن عظامه و بفحيح افعى : جحيمي بيخفي ملامحك قبل ما تعيشي العمر كله , " أردف بتساؤل " الورقة الي اخذتيها من غرفتي ما بسأل كيف اخذتيها لكن بسأل كيف عرفتي اني اتاجر بالمخدرات
ببرود : الموضوع ده مش محتاج زكاء هوا يا مخدرات يا اسلحة بس انا عارفة انو الأسحلة بتخليك اغنى من كده فخمنت انو مخدرات .
أنزل يديه المحيطة بي و مضى بعيدًا ولم يدخل للكباريه , بينما أنا عدتُ و روحي بتلك الأثناء عادت لجسدي من بعد موتها شرفًا .
***
تجلس على الكرسي وحيدة ً بشتاتها و لا هنالك من يلُم شتاتها , تستمع إلى آهاتها و آناتها و تعيد الحجرة الفارغة صوتها كصدى يلحن الألم
ماذنبها , لما خلقت هي لا تريد ان تعيش قتلوها و رحلوا , سلبوها و ذهبوا أو على الأرجح هاجروا من مدينتها وشطآن طفولتها لتكبر وهي صغيرة
ستشهد قريبًا على الجريمة , حتى المحاكم سيدخلوها إياها لم تعد تستطيع التحمل تحولت منذ المراحل المتوسطة إلى مسترجلة كانت مسترجلة بمظهرها
ولكنها تحولت سحاقية مع الوقت , كله بسببهم كله منهم , تشعر بالضعف والخدر بأوصالها لا حيلة لها و لاقوة لأن تقف أمام القاضي وتتحدث عما رأت عيناها
لقد إنتظروها حتى بلوغها سن الرشد و هاهي بلغت الثامنة عشر بل تجاوزتها و هي تعيد السنوات الدراسية لتدني مستواها
بلغت منذ سنوات هذا السن ولكنها كانت تبكي بحرقة فيعفو عنها ويسجن هو سنةً و راء سنة إلى ان تشهد
و الآن اقترب الموعد ستشهد و ستعود لها الذكريات التي ما تفتىء ان تجمع اغراضها وترحل حتى تعود بكل قوة
بجسدها جروحٌ و ندوب , و بروحها ألمٌ و حزنٌ غائر , حتى إسمها من حميدة صار حمود , تغيرت لم تعد الطفلة ذات الست سنوات التي لا يعتمدون على شهادتها لأنها طفلة
صارت إمرأة لكنها ليست إمرأة هي مسترجلة منقلبة عن فطرتها سمعت كثيرًا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ان المسترجلة ملعونة
لكنها لن تعود لفتاة لن تكون كأمها لن تكون هكذا , لديها من الأموال ما لا يعد ويحصى وبالرغم من هذا هي حطامًا هي شظايا خلفتها السنين
بكل يوم تُعالج عند اطباء النفس و لكنها بدل علاجها تزداد وحشية تزداد شراسةً و نزاقة ليس لانها اصيبت بعضال ولن تعالج بتاتًا لكن لأنها
ليست مريضة نفسية أصلاً , هي تعلم بقرارة نفسها انها بخير , هي سليمة لكنها تظهر العكس لتبعتد عن أرض المحكمة وكأنها تبتعد عن الماضي بكل صوره المؤلمة
لما كُتب لها أن تعيش ؟ لماذا لم تكن حيوانًا بلا عقل ؟ , او نبتةً يقطفها البشر الجًهل ؟
حتى هي تلك التي شعرت بإتجاهها بشعور الحنين والشوق لحضن الأم تخلت عنها بكل بساطة , شعرت بهذا اتجاه عُطرة لكنها تستحي ان تعترف تستحي أن تظهر خلوقة
هي تجاهر بمعصيتها وتفتخر بها كيف لها ان تحبها حب الفتاة لأمها وهي تكره النساء , لا تدري فقد جذبتها عُطرة كأم
رغم انها لم ترى عُطرة مع ابناءها لكنها تُحس بأن عُطرة مثلها تمامًا عُطرة تبدو قوية وبداخلها ضعف
بعيناها الحزن و بثغرها إبتسامة لا ترسم حتى تًمحى .
تنهدت بضيق و وقفت وهي تتجه للسرير و تُرمى به بفتور لتغمض عيناها و تغرق بالنوم بتمام الساعة الحادية عشر ليلاَ .
***
أيمكن استنشاق الذكريات و لو كانت مريرة ؟! أستنشق ذكرياتي معه اشتمها و بجتذبها لأنفي
و احبس بعيني كل الصور الجميلة الشحيحة و بالمقابل كل الصورة السيئة العطية
هنا على سريري كنتُ أبكي , و بصدره أنام و بصدري ينام هو
هنا على التسريحة سرحتُ شعري و وضعتُ مساحيق التجميل له
و هناك على الأريكة صرح ببشاعتي بكل كذب
منذُ دخولي لهنا فقدتُ ثقتي بنفسي , فقدتُ عزوف
هنا كان كل شيء لم أعتقد أنه سيكون
حُطمت أحلامي الدراسية لتصبح زوجية لإرضائه
دُمرت امنياتي ليصبح هو امنيتي
و هنا على الأرض اكتشفت سرًا عنه ولا أدري هل تحليلي للسر صحيحًا ام لا
فكرتُ كثيرًا أن أسأله و لكني ابعدتُ الفكرة
لا و لن أسأله , لماذا اهتمُ به وهو الذي خذلني , حطمني , جرحني , دمر مستقبلي
لن أخضع لك يا ناجي تأكد من هذا
أمسكتُ بحقيبتي بعدما رتبتُ الأردية بداخلها مع الخادمة
مشيتُ بإتجاه الباب اليوم سأخرج بلا عودة بتمام الساعة الثانية عشر بمنتصف الليل
سأذهب و أترك لك كل شيء كما كان
حتى روح عُزوف الميتة سأتركها لك
و سأعيش عُزوف التي دمرتها بإذن الله
فتحتُ الباب و قد كانت أنظاري لأسفل , رفعتُ عيني بعدما رأيتُ حذاءه الأسود
أخفض هو عينيه على حقيبتي وبإستغراب : على وين ؟
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $