سئمت الحقيقة..
فما عدت أملك في الأرض شيئا
سوى أن أغني..
وأوهم نفسي بأني.. أغني
وأحفر في اليأس نهر التمني
لتسقط يوما تلال الظلام
وينساب كالصبح صوت المغني
وأوهم نفسي..
ببيت صغير لكل الحيارى
يلم البقايا.. ويأوي الطريد
رغيف من الخبز.. ساعات فرح
وشطآن آمن.. وعش سعيد
وأوهم نفسي بعمر جديد
فأبني القصور بعرض البحار..
وأعبر فيها الليالي القصار
وأوهم نفسي..
بأن الحياة قصيدة شعر
وألحان عشق.. ونجوى ظلال
وأن الزمان قصير.. قصير
وأن البقاء محال.. محال
تعبت كثيرا من السائلين
وما زال عندي نفس السؤال
لماذا الحقيقة شيء ثقيل؟
لماذا الهروب من المستحيل؟
سئمت الحقيقة..
لأن الحقيقة شيء ثقيل
لـ فاروق جويـدة
الجحيـــم
إهــــــــداء إلى :
الغاليتين أبداع أنثى , Delo-ib لمطالبتهم بإهداء ثاني و انا كريمة و هم يستحقون الله يسعدهم
للأخ الكريم fadi azar لحضوره الراقي
سيدة نفسها لحضورها الهادىء و يا هلا ببنت مصر
فتون أيضًا لحضورها الهادىء
( 19 )
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
دخلتُ إلى الجناح , وضعتُ مفاتيحي على الطاولة وأخذتُ انظر لها وهي نائمة بعباءتها على الكنبة
جلستُ بجانبها و هززتُها من كتفها : عُزوفي عمري قومي نامي على السرير
تحركت بإنزعاج ومن ثم فتحت أحد عينيها و بتساؤل : الساع كم ؟
إبتسمتُ لها وانا أدير شعرها حول أصابعي : الساعة 12 .
توسعت عيناها وبتعجب : كــــم ؟
و أنا أشد الكلمة : اثنــــــــاعشر
جلست من بعد إستلقاء : من الساعة تسعة وانا نايمة , جيعانة ما تعشيت بروح اطلب من الخدم يطلعلولي اكل , تبغى معايا ؟
حركتُ يدي بالنفي : لا الحمدلله تعشيت بالمستشفى و بعدين ما قد شفت احد يصحى من النوم جيعان
مشت بإتجاه اللاسيلكي و قالت بلامبالاة : عاد كل شي معاي يصير " ثم طلبت من الخادمة إحضار الطعام "
مددتُ يدي إلى حقيبتها ولكنها سحبتها بسرعة , و خبأتها بصدرها
رفعتُ حاجبي بإستغرابٍ و استنكار لتصرفها : خير اشبك تسحبيها ؟
شدت الحقيبة لصدرها وبحنق : اخاف تشق كتابي
إبتسمتُ رغمًا عني , بكل يوم أتأكد أني على زيجةٍ من طفلة ليس إلا
و يحق لها ان تكون طفلة بهذا العمر , ليس نقصًا بعقلها
و لكن شيءٌ متوقع فهي فقدت امها و اباها بالعاشرة من عمرها
و لم يكن هنالك من يصحح أفعالها و يرشدها
أبي عبدالقوي ينشغل عنا بعمله فما بالكم بهن و هن لسن بناته غير انه لا يطيق البنات مهما حاول ان يكون حنونًا
اما أمي ساجدة كانت تحاول بشتى الطرق ان توفق ما بيننا و لكن هي مهما فعلت ليست بمثابة الأم
حركت يدها اليمنى بتعجب بينما الأخرى متمسكة بالحقيبة : خير ليش متبسم ؟
قمتُ من مكاني و جلستُ بجانبها بينما هي إلتصقت بحافة الكنبة
أدخلتُ يدي ما بين صدرها و الحقيبة و أنا أحاول سحبها , و هي متشبثة بها بكل قوتها
شددتُ الحقيبة بجلافة حتى اصبحت بيدي
أخذت هي تفرك عنقها و اعلى صدرها و تتحلطم بضيق من تصرفاتي
في حين اني فتحتُ حقيبتها واخرجتُ كتابها و أنا أقلب صفحاته
و أنظر إلى خطها المنسق بعكس كتابي عندما كنتُ أدرس
إستغربتُ هدوءها الذي دام فترةً طويلة
و رفعتُ رأسي إليها , بينما هي واجهتني بإندفاع : ناجي ايام زواجنا كنت اشوفك تكتب بكتابك " طفولتي سُلبت " ليش ؟
في هذه اللحظة عادت لذاكرتي صور طفولتي المنتهكة
ناجي الطفل الذي كان يعلم بما لا يجب ان يعلم
ناجي الطفل الذي كان يبكي وحده في العتمة و لا هنالك من يُضمد جراحه
ناجي الطفل الذي كتم بقلبه و خنق بأنفاسه ذكرى رجل ضخم داكن اللون
ناجي الشاب الذي كان يشعر بالنقص أمام اصدقائه
ناجي الشاب الذي كانت بحياته كل مقومات السعادة ولكنه لم يشعر بالسعادة
ناجي الذي تمنى لو أنه لم يُولد
ناجي الذي تمنى لو أنه فتاة يقرن ببيته بلا خروج
و بلا شعور مني قضمتُ أظافري بشراسة
و حركتُ جسدي للأمام والخلف ونظري مصوب للحائط دون أي شيءٍ آخر .
*
*
كان مجرد سؤال حُفر بذاكرتي منذ أمدٍ بعيد
و اليوم إستذكرته لأسأله
لكن ردة فعله كانت تحمل من الغرابة الكم الهائل
إرتعد جسدي حال رؤيتي لأسنانه التي تصك ببعضها
جسدٌ لا تُعرف ماهيته بلغ منتصف السبيل قد يكون وحشًا او كائنًا فضائيًا
و طفلٌ يرتعد رهبةً من خيالاته الوهمية
و إنتفضت أنا لمظهره الشنيع
و قلبي تدافقت خفقاته
و كل عرقٍ بجسدي إنكمش من خوفه
فضاقت مجاري الدم
و سرت زرقة بجسدي من أعلاه لأسفله إفتقارًا للدماء .
وضعتُ يدي بخلفية رأسه , حتى دُس رأسه بصدري
مسحتُ على شعره الأسود و أنا أقرأ عليه من كتاب الله
آيات الذكر و التحصين
اليوم يا ناجي أصابني وسواس قهري
يوسوس بي و يوقن بأن وراءك ماضي ما
تخفيه عن الجميع بقلبك
فهذه الكلمتان " طفولتي سُلبت "
بالماضي جعلتك عاصفةُ غضب
و بالحاضر جعلتك إنتفاضةُ خوف
و حتمًا لها دخلٌ بالمستقبل
إما أن تعترف بحقيقتها
أو أنا أكتشف الحقيقةً وحدي
ليس فضولاً إنما إهتمامًا بك
يا من أهملتني بلا إهتمام
جعلتني بالحياة هامشًا
تقول حبيبتي و تعامني كمعشوقتك
و لا تأخذُ حقوقك كأي رجل
لستُ أختًا لك
و لا زوجة
إذًا من تكوني يا " أنا " !
***
دخلتُ إلى حجرة النوم و كما توقعت و جدتُ الحجرة معتمة تدل على نومها
رددتُ الباب و اهتديتُ بالضوء الداخل من الصالة حتى وصلتُ للسرير
فتحت الأبجورة بجانبي
و أستلقيتُ على السرير , كانت تعطيني ظهرها
و لكني كنتُ بحاجة لتأملها حتى أنام
إعتدتُ انها لو نامت قبلي أتأملها حتى أنام
أعيش ببراءة ملامحها و أحاول طرد الماضي الحمضي و نسيانه
أتخيل لو أن بوسعي أن أعيش معها كأي زوجين
أتخيل لو انها لم تفعل ما فعلت كيف لحياتنا ان تكون
أعتقد بأن حياتنا ستكون حُلوة كحياة أخي الكاسر
اني أفهم أخوتي و أعلم بأن أكثرنا راحة بحياته الزوجية هو الكاسر
اما ناجي فمهما أظهر أعلم بأن حياته يتخللها المرارة ولكن لا أدري ما السبب
إلا أني متأكد أن سبب مرارته لا تضاهي أسباب مرارتي
ظُلمنا كثيرًا بزواجنا من بنات خالي
بالرغم من أني بذلك الوقت كنتُ موافقًا
إلا أن الخطأ واقعٌ منذُ أن خطط أبي عبدالقوي للمستقبل
و قسمنا على بنات خالي
و تركهن " محيراتٌ " لنا إلى أن بلغنا سن الرشد
هنا كانت المعضلة و من هنا بدأ المستقبل يرسم طريقه الأعوج
لم تجمعنا صلاةُ إستخارة
لم نكن مخيرون بل كنا مسيرون
فناجي و عزوف لم يكن يظهر منهما أي كراهية او تواد وبالرغم من هذا جُمعا معًا
و عُطرة كانت تبغضني أشد البغض و حاولتُ أن أزرع حبي بداخل صدرها إلى أن أحبتني
و لكن كل الحب تملص بلحظة و أختفى
او بصحيح العبارة لم يختفي
أعترف أني إلى هذا الحين أُحبها مهما حاولتُ إنكار حبي و إخفائه
منذ زواجي منها لم أرى منها اي سوء
و لكني لا أتقبل فكرة مغفرة خطيئتها و جمع وصالنا
لأني و ببساطة رجل شرقي كبرياءه لا يخنع لمن خنت بثوبها
لأنني و بكل طلاقة رجلٌ بدوي تربى على القسوة و الجلافة
تهذب على الأخلاق و الشيم و القيم
لأنني رجل أحب بإخلاص في دنيا الخداع .
إنقلبت على جانبها الآخر ليصبح وجهها بإتجاهي
إقتربتُ منها و لم يفصلنا عن بعض سوى لحافٍ يدثرها
و راحت بي الذاكرة إلى أرضِ المستشفى
إلى اليوم الذي مات به الحب
إلى يومٍ أرعن
إلى ضريحها
و حياتي بجسد يفتقرُ لروحه
*
*
كان يفصلها عني الستار
تقف بجانبها الطبيبة
لتفصحها وتثبت براءتها و تنفي إدانتها
أًو لتنفي براءتها و تثبت إدانتها
لا أستطيع وصف شعوري بذلك الحين
يومًا كان مقداره خمسين ألف سنة بقلبي
كنتُ أدعي من أعماقِ و غريق قلبي أن تكون طاهرةً عفيفة
أن يكون هنالك خطأٌ ما بظني
و أن يكون إصرارها على عفتها حقًا ليس بباطل
لأول مرة كنتُ أشعر أني رجلٌ هش ضعيفٌ واهن
ينتظر ولا يدري ما نهاية الإنتظار
وكانت النهاية بخروج الطبيبة من وراءِ الستار
أحكمت ربط الطيلسان على شعرها
و هي تمشي على مضض و بكل برود بإتجاهي
و لا تبدو على معالم وجهها البشرى او عبس
جلست على مقعدها
و قبل أن تشرع بالحديث خرجت عُطرة من وراءِ الستار
و هي تُمسك عباءتها بأحد أيديها و تغلق أزاير بنطالها الأسود باليد الأخرى
أهدلت العباءة على جزئها السفلي بعدما أغلقت بنطالها
رفعتُ عيني إلى وجهها لأرى ماهية ملامحها
لكنها أبعدت وجهها عن مقابلتي
و لفت شعرها بالطيلسان بسرعةٍ جمة
و من ثم غطت وجهها بالخمار
هرولت بسرعةٍ هوجاء بإتجاه الباب , إنتصبتُ قائمًا و أمسكتُ برسغها ما بين ساعدها وكفها
أمنعها عن الحراك لتلتزم بالسكون
حاولت سحب كفها ولكني لم أسمح لها , رفعتُ يدي الأخرى إلى وجنتها فشعرتُ برطوبة خمارها
حينها علمتُ أنها تبكي و لا تريديني أن أراها بآكية
حينها شعرت بأن السماء بطبقاتها السبع طبقت علي فخنقتني هلاكًا
حينها أحسستُ الأرض تدُك دكًا لتبعدني عنها
شعرتُ و كأن الفضاء يضيق و يضيق
شددتُ بيدها ليس شدًا بإزرها
إنما ردةُ فعل بمعنى إن كنتِ عفيفة شديني
و إن كنتِ واطية فتركيني
كنتُ أشدُ و أزيد من الشد
أناديها لتشد ولكنها كانت تتراخى
و بكل تراخي تصدر من جوفها شهقةٌ حارقة .
حينها سحبتُ يدي بعيدًا عن يديها
و كأنها قذارةٌ تلوثني .
نظرتُ للطبيبة و بتساؤل , وأنا أحاول التماسك بقدر الإمكان : وش طلع معك يا دكتورة ؟
نظرت الدكتورة إلي ثم إلى عُطرة وأعادت أنظارها للسجلات امامها , بصوتٍ ثابت : بص حضرتك مراتك المنطقة عندها سليمة يعني مش مطاطية كتير
و لو كانت مثلاً طاحت من فوق حاجة زي الحصان مثلاً بتلتحم عندها المنطقة بنفسها و
ضربتُ مكتبها بقوة و بصوتٍ شبه عالي : اخلصــــــــــي علينا
إبتلعت ريقها : يعني هيا اكيد في حد دخل عليها .
حينها لم أصدقها لا أردي لما هل لأني أريد تكذيب الحقيقة أم لأنها تمادت كطبيبة
رفعتُ حاجبي وأنا أواجهها بحديث عُطرة سابقًا : الي اعرفه انه الدم مو دليل كافي ان كانت الحرمة بكر او لا
يمكن ما نزل لها دم كذا من ربي .
بترير : بس الاغلب الدم بينزل .
و لم اقتنع البتة على الرغم من أن الطبيبة ذات كفاءةٍ عالية
إلا أني شعرتُ بشيءٍ غريبٍ بحديثها
فأمسكتُ بيد عُطرة و خرجت من الحُجرة الطبية و من المستشفى بأكملها
كل شيء كان يقف ضدك و لكني صدقتُكِ يا عُطرة
الطبيبة ضدك
و صمتك ضدك
و هزيمتُكِ ضدك
لما لم تدافعي عن ذاتكِ حينها ؟
لما بكيتي وكأنكِ مذنبة ؟! , و كأنكِ نادمة على ما اقترفته يداك
و عدنا أدراجنا للمنزل وقد أخذنا موعد آخر مع طبيبةٍ أخرى و مبنى طبيٌ آخر
على أمل أن اجابة الفحص ستتغير لصالحنا
و لكن لا شيء تغير سوى المكان والزمان والأشخاص
حُطم الأمل وهدم
حينما كانت إجابة الطبيبة الأخرى مشابهة للطبيبة الأولى
و لكن الغريب بهذا الأمر انكِ دافعتي و صرختي حتى تلاشى صوتكِ فأصبح مبحوحًا بالكاد يُسمع
و لكنني لم أصدقكِ وكيف لي أن أصدقكِ و طبيبتان لهما نفس المنطق
كلامهما متماثل هذا غير أنهما طبيبتان كبيرتان يشهدلهما الجميع بمهارتهن .
و انتهى كل شيء قبل أن يبدأ
و حُطمت القصور الوردية قبل أن تُبنى
و أصبح شهر العسل شهرٌ كئيب
ماتت الأمنيات
و ذبلت الإبتسامات
أصبحت حياتنا أخذٌ و عطاء فقط
بلا أي أحاسيسٍ او مشاعر
أأخذ حقي منكِ لتلدي بطفل فتصمت أمي عن حديثها
و يقتنع مجتمعنا بأننا زوجين كأي زوجين
و لكن من بعد إنجابكِ لبلقيس و وائل
لم أقترب منكِ قط
فرجولتي لا تسمح لي بالخنوع لكِ
رغم أنكِ فاتنة و بشدة
تملكين جمالاً عربيًا بحتًا
من عينيكِ الواسعتين الكحيلتين النجلتين السوداويتين
إلى أنفك الشامخ بكبرياء
بشعركِ الأسود الناعم
أنتِ أصلاً للعروبة بمظهرك و بالوقت ذاته انتقاصًا للعروبة بخلقكِ .
***
أقف على الشرفة الداخلية و أنظر إلى قطعة الأرض من تحتي بأنورها المضيئة بمنتصف الظلمة
أرى دنيا مصغرة , فانية غير باقية
و لكن قلبي متشبث بالفانية محبٌ لغير الباقية و بالرغم من حبه لها لا يعثو فيها إلا فسادًا
و السبب بالماضي أبي منشغلٌ عني بعمله و أمي على الرغم من حرصها إلا انها لا تستطيع أن توفق بتربيتنا
فلديها اخوتي ناجي و معن والكاسر ولديها بناتُ عمي الثلاث
بدأت كل قصتي بآخر مرحلةٍ لي بالمتوسطة " الإعدادية "
كنا نجلس بالشارع بعد إنتهاء الدوام المدرسي نظر إلي أحد الطلاب و هو يعطيني " سيجارة "
حينها انتفض جسدي بخوف و ابعدتُ يده عني وابتعتد عنه و بإبتعادي تعالت اصوات ضحكاتهم
و قليلاً من الوقت و عدتُ للمنزل
و بدأ اليوم الدراسي الثاني و مّدّ إلي أحد الطلاب الذي كان يجلس مع ذلك الطالب " سيجارة " فلم أأخذها وضحك هو واصدقائه وهم يقولون اني امرأة لستُ برجل
و اكره ما على الرجل أن تُتنقص رجولته بأي وجه من الوجوه
لذلك تناولتُ السيجارة من بين يديه لكي أقنعهم أني رجل
لكن الحال لم يتوقف هنا فسيجارة تلوها سيجارة إلى حالةٍ ميوئسة منها
إزدادت شعبيتي بين الطلاب كنتُ ركاض الرجل و المتفوق بالوقت ذاته
و بأحد الأيام سألني أحد هؤلاء الطلاب عن الأفلام التي أشاهدها فأجبتُ بأني لا أشاهد أي فليم
فضحكوا جميعًا , أعطاني شريط فيديو وهو يقول تابعه على إنفراد
أخذتُ الشريط وانا لم أكن أعلم ما بداخله
أغلقتُ باب غرفتي بالثلاث و فتحتُ الشريط , و جلستُ على السرير
بدأ الشريط يُعرض قد كان فيلمًا رومانسيًا جاءني النوم وانا أتابعه
و ما غفت أجفاني إلا و يُعرض بالفليم مالم تشاهده عيناي قط
كان فليمًا غير اخلاقي فيلمًا إباحيًا
سرت بجسدي إنتفاضة قوية وأخذتُ أنظر إلى كل شيء بالحُجرة ويُخيل لي أن هنالك من يشاهدني
حتى أني وقفتُ وتوجهتً للباب وأنا أتأكد من إغلاقي له بالثلاث , ثم توجهتُ للنافذة وانا أُسدلُ الستار عليها من كل الجهات
و عدتُ لأجلس على سريري أنظر قليلاً للمعروض ثم أُغمضُ عيني بخوف
و لكني لم أحتمل الوضع فأغلقتُ الفيلم , لم أستطع النوم بذلك اليوم
حتى أنه كان لي لدي إختبار ولم أذاكر و كان أول امتحانٍ لي أدخله بلا مذاكرة
و ذهبتُ باليوم الثاني إلى المدرسة أعطيتُ الشريط للطالب الذي قال لي هل اعجبك
فقلتُ له نعم , لئلا يسخر مني
فأعطاني شريطًا آخر وهو يقول هذا سيعجبك أكثر
لم أكن أريد أخذ الشريط لكني لم أكن أريدهم أن يسخروا مني
عدتُ للمنزل وذاكرت واخذت قيلولة ولكن بكل فعل كنتُ أفعله كانت افكاري تعود إلى ما بداخل الشريط
فدخلتُ إلى حجرتي واغلقتُ الباب , و أخذتُ أشاهد ما بداخل الشريط
كان قلبي ينبض بشدة كنتُ أشعر أني مخطىء لكن هنالك شيءٌ ما يرغمني على الإستمرار بالخطأ
لم أكن حينها أعلم ان ما يرغمني على الخطأ هو شيطان بخلوتي يزين المعصية بعيني
تابعتُ الفيلم من أوله إلى نهايته
و فيلمًا تبعه فيلم حتى تشجع قلبي فلم أعد أشعر أني على خطأ !
و أصبحتُ " أنا " احد الطلاب الذين ينشرون الأشرطة
لكن الحال لم يتوقف هنا بل كانت شهوتي تزداد فلم أعد قادرًا على كبحها
فأخبرني أحد الطلاب حالما استشرته عن حالتي و أرشدني بأن امارس شهوتي مع ذاتي , و عدتُ للمنزل ومارستُها
و زاد بي الحال حتى أصبحت هذه العادة لا تكفيني
فأقتربتُ من إحدى الخادمات حينها كنتُ خائفًا ان ترفض وتصرخ ولكنها رضخت لي بكل سهولة
كنتُ أعطيها أموالاً من الأموال التي يعطيني إياها أبي
فكانت تأتي لي ببقية الخادمات
و وصل الأمر إلى حد أنهن لا يُشبعن رغبتي , فأخذتُ أفكر بمارسة
التي كنتُ أحبها منذ الطفولة حبًا بريئًا عفيفًا وكانت تبادلني الشعور
كلما حاولتُ إبعاد أفكاري عنها أعود للتفكير بها من جديد
فإعترفتُ لها بشعوري اتجاهها و لكني كنتُ خائفًا عليها مني
لذلك كنتُ ألمسها لمساتٍ غير لائقة الا اني لم أقترف معها فاحشة الزنا او الإغتصاب
فقد أمرتُها بأن تنبهني وتمنعني كلما اقتربتُ منها بطريقة خاطئة ولصغر سنها آنذاك وافقت على كل كلمة قلتُها لها
و لكن علاقتي بها لم تمنعني من ملازمة الخادمات
و انتهيتُ من المرحلة الثانوية و حان الوقت للسفر إلى مصر للإلتحاق بالجامعة فهذا كان حلمي منذ صغري
و سافرتُ بقلبي الأسود إلى أرض بمصر و أخترتُ أماكن الفجور للجلوس بها و ازداد قلبي سوادًا
ذهبتُ مكتنزًا بالعلوم و القليل من الفجور وسأعود فاجرًا بكل اللغات , أصبحتُ أصلي كعادة بل و أقول لنفسي لما تصلي ؟!
أنت لديك المال , لديك الوسامة صحيح انك لست وسيمًا إلى حدٍ كبير لكنك لست بشعًا , لديك العلم
ما الذي ينقصك ؟! انك لا تحتاج للصلاة
أنت أكبر من أنك تسجد
و لكني إلى الآن انفض رأسي و أحاول إبعاد هذه الأفكار
أضع أكبر الخطأ على أمي و أبي
أمي تظن أن التربية هي الحنان إتجاه الأبناء لكن تنسى بأن كل شيء قد زاد عن حده إنقلب ضده
و أبي يظن بأن التربية بالأموال فلو كثرت الأموال نجح الأبناء
إعطائي لغرفة وحدي كان أكبر خطأ من المفترض ان أنام مع أخوتي فأنا في سن المراهقة و هنالك شيطان يعمل على التزيين بكل إحتراف
او حتى إعطائي غرفةً وحدي ولكن المفتاح يكون بإيديهم مع المراقبة من وقتٍ لآخر
الخطأ الثاني انهم لم يحرصوا على اكتشاف ماهية اصدقائي
لم يسبق لي أن سألني أبي أو امي أو حتى أخوتي عن اصدقائي الذين كانوا اصدقاء سوء
بإختصار الحرية المفرطة من أكبر الأخطاء
لا يعني هذا أن نكتم على ابناءنا
لكن يعني أن نتوسط بالتربية
فالإسلام دين توسط
ليس حرية ولا تعقيد
فأبناءكم أمانة بإعناقكم , فتحملوا المسؤولية لبناءِ جيل أفضل
جيل متمسك بالقيم الإسلامية .
***
بعدما أعلن هزيمٌ عن خطته , ضج المكان بأصوات المبتورين المتفاوتة بحسب أعمارهم المجهولة
فكروا جميعهم بأدق التفاصيل و أصغرها لم ينام أحدٌ منا طيلة الليل
كلهم سعداء أما أنا لا أشعر بالسعادة قط
أخاف ان أذهب بلا عودة فلا يتسنى لي رؤيتهم كرةً أخرى
تربينا سويًا منذ الصغر هم عائلتي
كلٌ منا إعتاد على طبائع الآخر
فلا ننزعج ولا نتضجر من بعضنا
إعتدتُ أن يعاملني هزيم بقسوة و لا أتضجر إطلاقًا بل إني أشعر بالسعادة لأنه بمنزلة أخي الكبير الذي لا اعرفه
يخيل إلى ذهني كثيرًا اننا لقطاء
وجدنا المجهول الذي يتعامل معه سمحي بكرتون ما وسط أكوام القاذورات
و أننا أبناءُ حرام لا ذنب لنا سوى أن أباءنا و أمهاتنا وقعوا بالزنا
او قد تكون امهاتنا تم إغتصابهن من قِبل اباءنا
و لكي لا يتحدث عنهم المجتمع بسوء تركونا بالقمامة و راحوا بعيدًا دون أي رحمة ومن لا يرحم لا يرحمه الله
ماذنبنا إن كانوا هم وقعوا بالخطأ ؟!
حركتُ رأسي وان أطرد هذه الخيالات واتمنى من أعماق قلبي أن نكون أبناء حلال و قد تم إختطافنا من قبل الجشع المجهول .
و على خيالاتي هذه شعرتُ بهزيم يجلس بجانبي , لم ألحق أن ألتفت له
حتى إحتضنني بشدة لم أعهد هذه التصرفات منه هو دائمًا قاسي بتصرفاته
قال بصوتٍ ملؤوه الحنان و التحذير الأبوي قبل الأخوي : اغيد انتبه على نفسك و تذكرني دوم ابغاك تكون رجال يا اغيد وقد المسؤولية الي اعطيناك ياها
ابغاك تنتقم لنا منهم ابغى اقولهم شفتوا المبتورين وش سووا فيكم ابغاك تخلينا نضحك يا اغيد نضحك بفرحة مو نضحك عشان نفرح .
لأول مرة يحتضنني شخصٌ ما , شعورٌ غريب
تشعر بأن هنالك من يساندك يقف بجانبك يشدُ من إزرك
لا تشعر أنك وحيد بلا سند و لا إزر
لأول مرة أشعرُ بهذا الكم من الحنان والعطف
تمنيتُ أن يحتضنني طول الدهر لا أكذب بهذه الأمنية فقد تمنيتُها من غريق قلبي
أشعر و كأنه أبي الذي لم أراه
و امي التي لم أشعر بحنانها
و اخي الذي لم أشاكسه
و اختي التي لم أبثها دلعًا
كنتُ متشبثًا بقميصه بكل قوة
ضحك هو بصخب و همس بصوتٍ خافت : ما انت ناوي تقوم .
سحبتُ نفسي من بين أضلاعه و الحياء يداهمني
و تهاتف من حولي بقية المبتورين أحضانًا و بكاء وكأني بالفعل لن أعود لهم
و لكن صوته الجهوري جعلنا نتوقف عن تعازي الفراق
و انتظم الجميع بحسب الخطة المدبرة بكل دقة , توقف هزيم بمنتصف القبو و إقترب منه أحد المبتورين و الذي يظهر انه أصغر مني بأعوامٍ بسيطة
و أخذا يتشاجرا بأصواتٍ عالية و انتشر حولهم بقية المبتورين يفكون الحصار فأصبح المكان ملوثًا ضوضائيًا
حتى ان قمصان بعض المبتورين مزقت , قد كان مظهرهم و كأنه بالفعل هنالك خناقٌ ما
كان هزيم يضرب المبتور بلا أي رحمة ! , بالفعل خفتُ أن يقتله
فهزيم إن دخل بصراعٍ ما يتحول إلى وحش يدمر بنزاقته كل من حوله ولا يبالي لأنه فقد زمام السيطرة
و كما أراد فُتح الباب على وسعه و دخلت الشقراء بردائها الفاضح و حولها أذنابُ الرجال
صرخت هي بصوتها الناعم : مازا بكم توكفوا
لكن لم يستمع أحدٌ لها
فتدخل أحدُ الأذناب وهو يصرخ : يلا ما تجلسوا بئى , مالكم تتضربوا ليه هوا حصل ايه انتوا كده بتموتوا بعض ما توقفوا خناق بلاش فضايح .
و كأنه لم يتكلم قط بل و على العكس إزدادت الفوضى و تراكمت النزاعات فأصبح كل مبتور يتشاجر مع الآخر و لا أحد يُصلح ما بينهم
حتى صرخت تلك التركية على الرجلين : اهيا الحمقى فلتكوموا بإيكاف هزه الفوضى .
نظرا أذناب الرجال لبعضهما و شمر أحدهما كم ردائه الرسمي و كأنه سيدخل بحربٍ عالمية أمرهم مضحك رجالٌ بطولهم و عرضهم يستمعون لإمرأة ماجنة
و تدخلا الرجلين و انشغلت المرأة بالرجلين وهي تأمر وتنهي
اما هزيم فقد رفع سبابته للأعلى , الإشارة المتفق عليها
فخرجتُ من القبو و أنظاري مثبتة عليهم
نظرتُ لليمين و اليسار و لم يكن هنالك أحد
صعدتُ الدرجات للأعلى و كما اتفقنا توجهتُ للباب الخلفي للمنزل
لكن صوت سمحي و رجلٌ ما إستوقفني إبتلعتُ ريقي وشعرتُ و كأن الجبس قد ثبت أقدامي بالأرض ولكن وصاية هزيم وصوته عاد لذاكرتي بقوة انه يناديني انه يريدني ان اخرج
عدتُ لجهة القبو ولكني لم أدخله بل إختبأتُ تحت الدرجات
اما هم فكانوا يقتربون من القبو و ينزلون الدرجات
كتمتُ أنفاسي و كلي أمل أن لا يلاحظوا تواجدي ها هنا
و كان لي ما أردت دخلوا هم القبو و خرجتُ " أنا " من تحت الدرج
و إلى الباب الخلفي , وضعتُ يدي على مقبض الباب و تهكم وجهي , لماذا انه مغلق , لم تكن هذه النقطة من حساباتنا
أدرتُ رأسي وشتتُ عيناي وأنا أبحث عن شيءٍ ما قد تُدس المفاتيح بداخله
و وجدتُ مزهرية مستقرة فوق طاولة
رججتُ المزهرية بالمقلوب لكن لا ضرب و لا صوت مفتاح
وضعتُ المزهرية بمكانها و أنا أحاول التركيز , و أصواتُ المبتورين بالداخل على وجه الإختفاء الا صوت هزيم
لا شيء هاهنا مهم و قد يوضع بداخله المفتاح , أخاف أن اتوجه للباب الأمامي و يكون حوله حراس
ما الذي يجبُ علي فعله ليت هزيم قام بهذا العمل عني فهو أذكى و أفطنُ مني
و صرخةُ ألمٍ من هزيم جعلت أقدامي تنتفضان خوفًا
فسمحي يصرخ بصوتٍ عالي يبدو انهما يتشاجران
هل أدخل له إنه سيموت , لكن انا على علمٍ أني لن أستطيع مساعدته فأنا كالجرذ امام جسد سمحي الضخم
الوقتُ يضيع و انا واقفٌ بلا حراكٍ ولا تدبير
لن أخذلك يا هزيم , لن يتلاشى صوتك و يخر طولك بلا فائدة ولا منفعة
لن أسمح بهذا يا أخي الأكبر
رجوتُ ربي من دواخل قلبي أن يلهمني عقلاً مفكرًا مدبر
فيارب عبدك بحاجتك , ذليلك بحاجتك يا سلطان يا قوي يا جبروت بعظمتك و رحمتك يالله
أفرج كربتنا , و زحزح همنا , و اقشع عنا كل ألم , يا رب قد ضاقت بنا الوسيعة فما عادت القلوب تحتمل ظلمًا
يا رب اغشي بصيرتهم و اجعل من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا , بكرمك و جودك و وفير رحمتك هبني مخرجًا يكون به الخلاص منهم
إنهم يعثون , يدمرون فيقتلون انهم ظالمين ونحن المظلومين وانت الناصر المقتدر دُك الأرض من تحتهم دكًا فأخرج
منها نارًا لظى , نزاعةً لشوى , يا رب كلما نضجت جلودهم بدلهم بجلودٍ غيرها أذقهم بقدرتك حالاً عاشتها نفوسنا تحت وطأة الظلم
انت القادر المقتدر و نحن عبيدُ المقتدر .
و ماذا عساي أن أقول , هل أقول أن قلبي أرشدني إلى عداد الكهرباء ؟
ام هل اقول بأن الجبروت الحق قد ألهمني الذكاء ؟
و قد وهبني المخرج
تدافعت أقدامي بإتجاه العداد الذي من بعد دعائي خفق قلبي بشدة و كراكيب مشاعري أرغمتني على التقدم
مددتُ يدي إلى اعلى العداد حتى أصبح المفتاح يكتنف بين أصابعي
توجهتُ للباب المجانب للعداد و أدخلتُ المفتاح لفتان و انفتح الباب وحل الفرج من بعد الصبر وما بعد الصبر الا الفرج
أيشعر أحدكم بالسعادة حينما تلامس أشعة الشمس جسده ؟! , انني أشعر بأني على اوج السعادة ارنو طيرًا يُحلق بلا جناح
أيُحس أحدكم بالسرور حالما يرفع رأسه فيرى الغيوم , ام هل يحس أحدكم بالحبور لأن نسمة هواء حركت خصلةً من شعره
كلها نعم لا نشعر بها إلا حال فقدها واليوم شعرتُ بها وكم تمنيتُ لو أنهم يحسون مثلي لو انه بإمكانهم الخروج
فنحن لا نشعر بنعمةٍ موجودة و لكننا نتمنى نعمةٍ مفقودة
نحن جاحدون غير شاكرين رغم أنه جل علا ان شكرت يزيدك نعمة و ان جحدت قد تصيبك نقمة
فقل الحمدلله مهما تكابلت حولك الهموم
قل الحمدلله لأنك مسلم
قُل الحمدلله لأنك بصحة
قُل الحمدلله لأنك عبد الله
كُن قنوعًا و أرضى بالمكتوب , فالقناعة كنزٌ لا يفنى .
و إلى الباب الذي يؤدي لخارج اسوار الفناء , تنهدتُ بضيق وأبتعلتُ غصتي حال رؤيتي لرجل يقف امام الباب ويدخلُ صناديق لا أدري ماذا تحمل بداخلها
إنشغل هو بإخراج صندوق من حقيبة السيارة و في هذا الحين و قفتُ و راء الباب الحديدي و أنا أدعو الله أن يعمي بصيرته فلا يشاهدني
و دخل هو للفناء ليضع الصندوق مع أكوام الصناديق الأخرى
اما انا فخرجتُ من الفناء بسرعةٍ هوجاء
و فُتح الحصار , ها هي الحرية على أرض الله الطاهرة فكل أرضك مسجد يالله سخرته لنا لنعمل نهارًا و تغفو أجفننا ليلاً
مشيتُ , و مشيت مسافةً طويلة
و لا أدري أين سأتوقف
و أنا لا أملك المال لأُوقف سيارة أجرة
حتى لا أدري أين سأمكث بالليل .
***
الآن الساعة الواحدة ظهرًا , لم أذهب إلى المعهد ليس لعلةٍ أصابتني , و ليس لعملٍ أشغلني بل لأفكار دفعتني
طوال الليل هو نائمٌ , انفاسه منتظمة و ظهره مستوي و أسارير وجهه منبسطة شهيقٌ و زفير عمليتان متتاليتان يمرُ هو بهما و أخطو أنا بساحات الألم
و لكني بآخر لحظة لم أتابع الخطى و غيرتُ مسيرة أفكاري القانطة و مشاعري المنهكة إلى دربٍ آخر بعيدُ عن المعزوفات الحديثة إلى معزوفاتٍ قديمة
بموالٍ طويل الأمد , موالٌ عالي الصوت جلجال فخم أفكارٌ أكبر و كلمات ذات منطقٍ أوسع , كلماتٌ أمد فيها الأمل لأفكاري ولكل عرق ميت ليعيش حيًا نشطًا
لأول مرة منذ زواجي منه أفكر انه هو من به علة و انني جميلة و هو يخفي عني هذا لسبب ما أجهله
لأول كرة أكون عزوف القديمة ببيت زوجي , عُزوفٌ بجلجال صوتها و تمرد افعالها و فوضوية اقوالها
أشعر بأن كبريائي عاد , و كرامتي عادت بمجرد أني علمتُ بأني كأي إمرأة لا يهم أني متوسطة الجمال و لستُ فاتنة ولكن الأهم أني لستُ بقبيحة
وصل تثبيطه و تحبيطه لي إلى أني أُفكر بأني قبيحة وقد نسيت بأن الله جميل يحب الجمال و لا يخلق الا الجمال
لقد نسيتُ أن الله يصور الإنسان بأحسن صورة
كانت أفكاري صغيرة أصغرُ من كل شيء و أي شيء
ساذجة , ذلية لا أفكر إلا بإرضائه و أنسى بأن رضى الناس غايةٌ لا تدرك و رضى الله غايةٌ لا تترك
و قد تركتُ رضة الله و حاولت أدراك رضاه
نسيتُ بأني لو عشتُ اليوم من المحتمل أن لا أعيش الغد
كرستُ حياتي ضبطها و وظفتُها بالتفكير بأصغر شؤونه
برداءٍ يرضيه و زينةٍ تسعده و تصرفاتٍ قد تجذبه
حمقاء إلى حد أني أريد الزمان يعود للوراء لأرفضه او حتى أتزوجه و لكن أقهره
سكب سائلٌ أسود كالنفط بقلبي لأحسد كل من هم حولي
لأفكر بحياتي إن كنتُ أعيش حياتهم
لأبتسم لهم و بقلبي غل
لو أتيح لهم أن يعلموا خفايا قلبي لتركوني منذُ الأزل
جعلتُك اميرًا بلا إمارة , جلعتُك قائدًا بلا جنود , و جعلتُك حبًا بلا صدود
بكل يومٌ ترميني بقذائف لسانك فأجهشُ بالبكاء
و حينما تغفو و تحلق إلى أرض الأحلام
يعانق صدري صدرك لأنني بحاجةٍ للحنان
تجرحني و لا أربض إلا لجارحي
أيعقل ان احد عشر سنة مضت من حياتي بلا أي منفعة
أيستوعب الشخص اني عشتُ معك أحد عشر سنة على ورقٍ بالي
أيعقل أنني عانسٌ و أنا متزوجة !
كيف لبلاهتي أن تجعلني أحبك !
أيقتلون فيحبون و كأنهم أحبوا فأحبون !
أيظلمون فيعظمون , فيتكبرون فيذلون !
لكنكم و أعدكم
ستحبون فتقتلون , و كأنكم قتلتم فأقتلون
و نظلم فنعظم , فنكابر ولا نُذل
أعدك بهذا يا ناجي
يا من أغرقتني ولم ترميني بطوق نجاة
بل كنتُ لك طوقًا ينجيك من نقصٍ ما فيك
و كنت لي جحيمًا بلا نيران تحرقيني
حان موعد إغلاق جحيمك
و فتح ابواب جحيمي .
لن أكون عزوف لناجي
لكن ستكون أنت ناجي لعزوف .
سمعتُ صوت الطرق على الباب و انا التي قد ناديتُ الخادمة للمجيء
فتحتٌ الباب على وسعه و دخلتُ إلى منتصف الحُجرة ودخلت الخادمة من بعدي
رفعتُ يدي إلى أعلى الدولاب مشيرة إلى حقائب السفر , بأمر : جيبي كرسي و لا سلم و جيبي لي الشنط كلها .
بطاعة : هاضر ماما أُزوف .
خرجت هي من الغرفة لتجلب شيئًا ما يساعدها على الصعود
اما أنا فبسطتُ سجادتي على الأرض و أرتديتُ جلال الصلاة لأصلي الظهر
و بدأتُ صلاتي بتكبير للمولى
فركوع إلى سجود لأكون أقرب ما أكون إليك يالله
إلهي تهتاج المشاعر و تلتهب فلا تستكين
و أنا بهذا القرب العظيم منك
و حولي ملائكة من نور لهم ستمائة جناح أو أقل
روحانية إيمانٌ تحفني
بعيدًا عن تخمة الهوم
و تزاحم الغموم .
و أنتهت صلاتي بتسليم لليمين فالشمال , نبدأ بتكبير وننتهي بتسليم و لا تأخذُ منا عشرُ دقائق
و بالرغم من هذا كثير من يتهاونون بها و يأخرونها عن أوقاتها ويتجاهلون قوله سبحانه في سورة المآعون : " فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ " .
طبقتُ سجادتي و جلال الصلاة و وضعتهما على الأريكة
قعدتُ بجانب الخادمة التي تمسح الحقائب من الغبار المتراكم فوقها
مضحكٌ أمرنا حقائب لا تعد و لا تحصى ولم نسافر بحياتنا إلا قليل , رغم أننا نملك المال الكافي لنجوب أراضي الله
و رغم أنه يستطيع و بكل بساطة ان يسافر و يترك عمله , نستطيع فعل أمور قد لا يستطيع أحدٌ فعلها
و لكننا قعدنا بالوطن , و السبب سهل لأننا و بمختصر العبارة يصعبُ أن نعالج ضيقنا بسفرة
ان أرى ارضًا جديدة و تلامسني نسماتٌ عليلة غير هواء وطني و أرض وطني ليس جمالاً
إنما تغيير روتينٍ معتاد فقط
بإمكان الجميع أن يسافر كما قالت لي هوازن هذه المعلومة يومًا
قالت لي الأعمى عندما يسافر يرى , وعندما يقعد يغشيه العمى !
قد كان كلامها غريبًا و أشبه بأحجية صعبةُ الفتح
لكنها أردفت يُسافر بالقرآن الكريم فيرى جمالاً لا تراه اي عين سافرت على الأرض
يتهاون عن قراءة القرآن فيغشيه العمى بحق فلا يرى إلا سوادًا
و نحن مثلهم تمامًا ليست السعادة بتذاكر سفر و أموالٍ طائلة
بل السعادة بكتاب حُصر بين غلافين حمل أجمل المعاني و الحكم و أحلى العبر
كتابٌ سماوي فُصل من الذكر ر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا و أنزله جبريل عليه السلام على الرسول صلى الله عليه و سلم
نُزل إلى السماء الدنيا بليلة القدر جملةً واحدة إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجمته السفرة إلى جبريل في عشرين ليلة، ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة.
فما أعظم هذا الكتاب و ما أعظم دين الإسلام .
رأيتُ حقيبةً بنية اللون عتيقة يبدو أنها من زمن أبي و أمي رحمة الله عليهما لشدة قِدمها
بأمر : ذي الشنطة ارميها بالزبالة مرة قديمة .
حركت رأسها بإحترام و حملت الحقيبة إلا أن هنالك شيءٌ ما يتحرك بداخلها
لم أهتم و لكن الخادمة اهتمت فقالت : يمكن بابا نازي يبىء سنطة هادي .
لا أعتقدُ انه يريدها ولكن الغريب بالأمر انه يحتفظ بحقيبة من هذا النوع !
بذات اسلوب الأمر : جيبيها اشوف اذا فيها حاجة مهمة او لا .
وضعت الحقيبة أمامي , و هممتُ بفتحها لكنها كانت بالأرقام و من الغباء ان هذه الأرقام محفورة بأعلى سطح الحقيبة
يبدو انه حفرها لئلا ينساها و يطويها الزمان
حركتُ الأرقام كالمكتوب تمامًا ففتحت الحقيبة
عقدتُ حاجبي بغرابة حالما رأيت الجلد الذي يغطي كرة القدم مرمي بداخل الحقيبة !
و ضعتُ هذا الجلد بالأرض و أنا أبحثُ عن شيءٍ أكثر أهمية
فوجدتُ كتبه الدراسية منذ الإبتدائي حتى بلوغه الثانوي !
هل يحتفظ بهذه الحقيبة كذكرى لماضيه ؟
فتحتُ سحاب الجيب الوحيد بداخل الحقيبة و أخذتُ أبحثُ بداخله و كانت نتيجة بحثي آية قرآنية مكتوبة بورقة : " فأخذتهم الصيحة مشرقين * فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} " .
ماذا يعني هذا ؟ , إنقبض قلبي لفكرةٍ ما داهمتني , أهل يعقل ان ما أفكر بهِ صحيحًا ؟!
أهل هو شاذٌ لا تغريه النساء , و يحتفظُ بهذه الآية ليُذّكر نفسه
لذلك لم يقترب مني بتاتًا لأني إمرأة وهو شاذٌ يميل للرجال
و لكن إن كان هذا صحيحًا فهل هنالك علاقة لجملة " طفولتي سُلبت "
و لكن تبدو الكلمتان بريئتان إلى حدٍ كبير أما تصرفه فيناقض الكلمتين
ماذا إذًا هنالك خطبٌ ما , و أيضًا لا أعتقد بأن ناجي المصلي يكون شاذًا
من المؤكد أن الأمور إلتبست علي
صحيح انه قاسي عندما حطمني و أنهى حياتي قبل أن أستهلها
لكنه لا يصل بأفعاله إلى قومِ لوط , لا يبلغ بتصرفاته هذه الدناءة
هنالك أمرٌ ما لا أفهمه و لا أستطيع استيعابه
هنالك لغزٌ ما لم تصل إليه استقصاءاتي
هل أسأله ام أبدأ بطريق اللامبالاة الذي قد خططتُ له طيلة الليل
هل أضع أرديتي بحقيتي و أبتعد عنه ليأتيني خاضعًا ثم أسأله ؟
أم أسأله ثم أبدأ بتجهيز رحالي ؟
***
ركبتُ سيارة السائق و أنا بطريق العودة للمنزل بعدما كنتُ بالدوام المدرسي , في هذا اليوم لم تلحقني حميدة و لم تزعجني
و لكن هنالك شعورٌ طفيف بالندم بقلبي , ماذا كنتُ سأخسر إن هديتها لطريق الحق
ما الذي تقولينه يا عُطرة كنتِ ستخسرين سمعتك يكفي أنكِ خسرتيها امام معن دون أي ذنب افترفتيه
لماذا حظي عاثرٌ هكذا بدايةً من حب المراهقة " علي " انتهاءً بالدماء التي لم تخرج ثم إلى الطبيبتان اللتان قالتا كلامًا غير منطقي
إلا ان حديثهما يطابق بعض إحداهما تحمل جنسية مصرية و الأخرى سعودية اي لا علاقة لهما ببعض
غير هذا مبنى المستشفى مختلف و كلا الطبيبتان يشهد لهما الجميع بحسن آدائهن لأعمالهن
و معن لسوء الحظ هو من شاهدني بالماضي , لماذا لم يكن أحدٌ من أحد ابناء خالي لما هو من بينهم ؟
لماذا كل شيء يقف ضدي و بعكس إتجاهي ؟
و بالنهاية جاءت هذه الفتاة لتدمر سمعتي امام الجميع , من معلمة مخلصة إلى معلمة سحاقية
إكتفيتُ و ضقتُ ذرعًا , ما عدتُ أحتمل
عندما ذهبنا إلى الطبيبة بأول يوم كنتُ على ثقة أني عفيفة وانها ستقف بجانبي ضده أنها ستصرخ و تصيح على شكه به
أنها ستنهره لأنه رجلٌ متعلم و يُفكر بهذه الرجعية
كنتُ على ثقةٍ تامة أني سأنتصر و ستهزم أمامي
و ماتت الثقة عندما انتهت من فحصها لي قائلة بأنه ليس هنالك خطبٌ ما و حتمًا إن كان هو استقصى انني لستُ فتاة بكر
فإستقصاءه صحيح لا ريب فيه !
حينها ضعفتُ بشدة , أصابت عظامي هشاشة , و أصيبت عيني بحرقة جعلت دموعي تهطل بغزارة
صحيح اني على ثقة اني طاهرة لكنها فآجأتني إلى حدٍ كبير
غير هذا كنتُ متأكدة أن معن من المؤكد سيقف ضدي للوهلة الأولى
ولكن على العكس معن لم يثق بالطبيبة
لا أنكر أن شكه به قد زاد ولكنه لم يثق
و عدنا للمنزل و بثاني يوم ذهبنا للطبيبة الأخرى بعد أخذ الموعد
و كانت صدمتي انها وقفت ضدي
حينها لم أضعف قط بل حاولتُ أن أثبت لمعن أني بريئة وهم الكاذبون
و لم يصدقني و معه كل الحق فكل شيء يقف بعكسي فكيف له ان يصدقني
و هو رجلٌ تربى على القسوة
رجلٌ شرقي جدب
رجلٌ لا أخوات له قد يشعر بشعورهن إن وضعن بموقفي
معه كل الحق لذلك انا اقول
صدقني و حتمًا سأعفو عنك
لأنك كريمًا إلى حدٍ واسع يا معن
صبرت أحد عشر سنة ولم تفضحني
بل إقتربت مني لتنجب الأطفال بالرغم من أنك تعتقد أني رخيصة
قد تكون رجلاً نادرًا يا معن
لكن لستُ أنا عُطرة التي تتحمل الظلم و تبكي
صحيح انني ابكي لكن مع نفسي ليس امامك يا معن
و ان بكيتُ امامك فهذا نادرٌ جدًا
لستُ المرأة التي ترضى سريعًا لستُ هكذا ان اقوى من أي إمرأة ضعيفة البأس
لكن كل الأمور تحاول زعزعة ثقتي بنفسي و زحزحة قوتي
على الرغم من هذا أدافع إلى آخر لحظة
كثيرًا ما أُشفق على ابنائي بقليسٌ و وائل لأني لم أعطيهم الحنان الكافي بل حتى لم أربيهم و اهتم لشؤونهم
جزى الله اختي هوازن كل خير قد كانت أُمًا لهم ربتهم مع ابنائها كانت لهم أُمًا بدلاً عني
أما انا فلا اشعرُ بالحنين إتجاههم فنظرةُ معن لهم قد جعلتني لا أطقيهم بل و أرآهم بلاءُ من الرحمن !
أراهم خطأٌ اقترفته مع معن , فلا داعي لوجودهم وهذه الكراهية بيني وبين معن
لأننا مهما فعلنا لن نكون الوالدين المثاليين لأنه و ببساطة ليس هنالك أي توادٌ أو تآلف بيني وبين معن
بل أن معن لا يطيقهم أصلاً و يظن انهم ليسوا بأبنائه رغم انه لم يصرح بهذا الا ان نظراته دليلٌ قاطع
أكبر عقبة هم ابنائي , بهذه الأيام أفكر كثيرًا بالخلع
لأنه قال انه لا ولن يفضحني لو كنتُ أعلم قبل أن أرزق بأبنائي لكنتُ رفعتُ قضية الخلع دون تردد
لكني كنتُ أظنه سيفضحني و كلمة المرأة بمجتمعنا الرجعي منكوسة امام كلمة الرجل
فمن حق الرجل ان يحب ويقيم علاقاتٍ محرمة اما المرأة فلا رغم ان الخطأ هنا و هناك و الذنبُ هنا و هناك
و لكن ماذا عسانا ان نقول ؟
هل أكون لهم أمًا لمرةٍ واحدة بحياتي واضحي بحياتي كاملة مع معن لأجلهم ؟
ام هل أرفع الدعوة و نفترق أنا و معن ويتشتت أبناءنا ما بيني وبينه ؟
و ما الفرق فنحن سواءٌ كنا معهم او لم نكن معهم لن نكون الوالدين المثاليين .
اظن انهم سيتقبلون حياتهم بوجودنا او بعدمنا .
***
و بعدما أصبحتُ أملك دليلاً ضده , دليلاً سيرمي به بسجون مصر او السعودية
شعرتُ و كأن الدنيا قد أضاءت نورًا و أن غمامة مثقلة صارت سرابًا
إرتاحت نفسيتي نوعًا ما , و بثاني يوم إرتديتُ أجمل الحلي التي أمتلكها من عملي المحرم كراقصة بالكباريهات
فقط لأُثبت له أنني واثقة و لم أخف منه وانني لازلتُ أهتم لذاتي ولا يهمني أمره بتاتًا و كأنه لم يفعل شيء على الرغم من أنه فعل أكبر شيء
أصعبُ شعور قد يمر بالمرأة هو فقدها لشرفها , المرأة دون شرفها منتهية لا صلاح لها
المرأة بلا شرفها كالأرض بلا نباتها
سلسلة حياة المرأة الشرف وسلسة حياة الأرض النبات
مقارنة عادلة برؤيتي الخاصة
و وصلتُ إلى منزله , صعدتُ إلى شقته و ضغِطُ زر الجرس
و قليلاً من الوقت و فُتح الباب
لم أستطع ان أتكلم فقد هاجمني بحديثه : يا هلا بالقمر , عساني عجبتك و تطالبين بليلة ثانية
نظرتُ إليه بشزر لولا الحاجة لما أتيتُ إليه : هه , انتا بتدحك على نفسك انا جيت اقولك وبكل كل صراحة انك لو ما اتجوزتنيش هروح افضحك و اقولهم هزاع خاين لبلدو .
رفع حاجبه و هو الذي لم يشك بلحظة أنه لدي دليل ضده : فضحية إيش تستهبلين انتِ و وجهك لا تقولي كلام ما انتِ بقده لا أنا أقوم افضحك " و بإستهزاء " ولا اقولك اروح عند امك المريضة و اقولها بنتك رقاصة شهيرة
أخليها تموت من قهرها و اخليكِ تزحفين بالأرض فقر و جوع ومذلة .
سأقتله إن فكر بأذية أمي , انا التي أرخصتُ بنفسي بأبشع الصور فقط لأُوفر لها علاجًا و اسد جوع أخواتي
و يأتي هو بلحظة ليُحطم ما بنيتُه , بقوة : لا حبيبي انا عندي دليل هيدخلك السجن غصبًا عنك بقولهم انو هزاع السعودي الغني ضابط خاين لبلدو و ببيع مخدرات و هعطيهم رسالة بينك و بين التاجر ربيع .
تجلى الخوف بملامحه , قال بتماسكٍ مصطنع : انتِ كيف اخذتِ الورقة ؟
وضعتُ يدي بخصري و نظرتُ له من أعلاه لأسفله : ما يهم كيف اخدتها المهم اني عرفت و هفضحك لو ما اتجوزتنيش .
تركته و مضيت و هو لم ينطق ببنس شفة .
وللذكرى بقية ..
*
تركتُ الطعام ينضج على النار و رحتُ أشاهد برنامج " خواطر " على اليوتيوب بعدما رأيتُ الساعة التي تشير إلى الثانية عشر ظهرًا .
***
الآن الساعة الواحدة , رتبتُ الأردية بداخل حقيبتي الصغيرة سأقضي هذا اليوم عند فتى تعرفتُ عليه في الكنيسة
سأحاول بقدر الإمكان أن أبتعد عن أخي جهاد و عمي ربيع إلى أن أجد الحل المناسب لهما و لركاض الذي لا يستحق إضاعة شيءٍ من وقتي للتفكير به
إنه رجل يرى عيوبه محاسن و عيوب الآخرين عيوبًا , ينهاني أن أجلس و أعاشر شاب ما غيره و هو يفعلها معي !
يقول أن دينه ينهاه عن الزنا ويستمر بالزنا ! , يقول أنه لن يتزوجني و يريدني مطيعةً له !
يقول أنني متمسكة بدينًا محرفًا لا داعي ان اتمسك به !, و هو لا يتمسك بدينه العظيم برأييه !
في بعض الأحيان أتمنى لو أنه بإمكاني التجول بعقله و معرفة ما يفكر به و بأحيان أخرى أقول لذاتي لن تلقي غير تناقضًا و تعقيد و أفكارًا لا منطقية
أخذتُ حقيبتي بعد توضيبي لها و خرجتُ بخطواتٍ خفيفة من حجرتي ومن المنزل بأكمله دون أن يشاهدني أحد و يمسكني بجرمي .
***
لم أستطع أخذ قيلولتي اليومية من بعد عودتي من الجامعة لأن هنالك ما يشغلُ تفكيري و ما يشغله هو معن
لقد إستحوذ على عقلي و سلب إبتسامتي فما عدتُ أبتسم إلا لأجله و لا أسعدُ إلا عندما أُفكر به
أصبح من أهم احداث حياتي بعدما كنتُ أستحقره
حسنًا هنالك سؤال يدور بعقلي بلا جواب و الإجابة عنده وحده
أمسكتُ بهاتفي المحمول " جالكسي " و أنا على إصرارٍ تام على سؤاله
كتبتُ بالرسالة : " انت لو بالفعل جاد ليش تسوي طيش الشباب و الله لو تبغاني قدامك باب بيتنا تعال لعمي و اخطبني رسمي " .
بإجابته ستُنظم أفكاري و أعرف هل هو يستحق حبي ام لا .
***
إستيقظتُ من نومي بسبب رنين هاتفي المحمول بمكالمة من " ركاض " مالذي يريده هذا المتعجرف
لقد مللتُ منه متى سينتهي و تنتهي عائلتُه و تنطفىء نيران الإنتقام و تخمد معلنة النصر لنا و الهزيمة لهم
رددتُ على الهاتف و بترحيب : اهلاً بركاض و انا أسأل النور ده جاي منين
بهجوم : اسمع يا جهاد اختك ليش اليوم ما جاتني وينها من امس و هي ساحبة علي للحين ما اتعافت , طيب انتوا وديتوها المستشفى
بصدق : معرفش هيا بغرفتها او لا بس هروح اشوف ماوديتهاش المستشفى هيا قالت انها مجرد حرارة و هتروح .
وصلتُ إلى حجرتها طرقتُ الباب لكنها لم ترد
فتحته و لم أجدها , طرقتُ باب دورة المياه لكنها لم ترد و فتحته ولم أجدها
إن لم تكن بحجرتها فهي ليست بالمنزل
بهدوء : هيا مش موجودة يا ركاض
بعصبية و صوتٍ عال : وينها فيه وين راحت هاذي هيا التعبانةالي ما تقدر تقوم من فراشها , قايمة تتصيع
بسخرية مبطنة : هدي نفسك الموضوع مش محتاج العصبية دي يمكن تكون بالكنيسة شوية كده و هروح اشوفلك هيا فين هاخد شور و اتغدا الساعة الحين تالتة
لكنه لم يستمع إلى حديثي حتى انتهائي بل أغلق الهاتف بوجهي
كم تغضبني حركته هذه حتمًا سيندم على هذا الكبرياء .
***
بما أنه بالغد لدي دورةً تدريبية و سأنشغل عن زوجتي هوازن و أبنائي رائد و مؤيد و ريناد و رتاج و لجين
قررتُ أن أخذهم لمطعمٍ ما و نتجول معًا قليلاً من الوقت
وصلتُ إلى مركز الكاسر للخير والذي تتواجد به هوازن الآن الساعة الرابعة و النصف عصرًا
خرجتُ من السيارة و أنا أتوجه للمركز
ضغطُ على أزارير الجرس المنظمة هذا الجرس يعمل على إعطاءِ صورة لحظية لهوية الشخص القابع بالخارج
توقعتُ أن هوازن هي من سترد و لكن أتآني صوتُ إمرأة قائلة : اهلاً أستاذ الكاسر وش بغيت حضرتك ؟
بدبلوماسية : بغيت هوازن لو سمحتي خليها تنزل .
غابت قليلاً من الوقت ثم عادت لتقول : الإستاذة هوازن ماهي موجودة .
لم أستوعب ما قالته فعدتُ عبارتها من خلفها ببلاهة : الاستاذة هوازن مو موجودة !
قالت بإستدراك : يمكن يا استاذ احد من اخواتها طلبها .
بهدوء : طيب شكرًا .
إنسحبتُ من المكان بإتجاه السيارة
وفكرة أنها غير موجودة تكاد تفتكُ بي
أين هي ؟ ! , كيف لها ان تخرج بلا إستأذآن ؟ ! , بل مع من خرجت ؟ ! , وكيف خرجت و هي تخجل من ظلها ؟ !
***
خرجتُ من مكتبي و عيناي مصوبة بإتجاه قسم الخدم و أفكارٌ شيطانية تحيطني , أريد رؤيتها إني مشتاقٌ إليها أقسم بأن عيناي بسهدٍ منذ أن رأيتها
أشعرُ بأنها جزءٌ مني لكن كبريائي لا يسمح لي بالخنوع لإمرأة و الأدهى أنها خادمة !
كيف لي أن أبرر موقفي ماذا عساي أن أقول أصبحتُ أحبُ النساء بعد بغضي لهن , أم أقول أنها مميزة عن البقية
و ماذا أقول لأبنائي الأكبر منها عمرًا ؟ , بل ماذا أقول لمجتمعي , سأصبحُ حديث الجميع بهذا الموسم إن خضعتُ لها
كانت تنظف مكتبي بالأسبوع مرة وبقية الأيام غيرها من الخدم
و أصبحت تنظفه كل يوم ولا أحد غيرها ينظفه
حتى أنها بالفترة الأخيرة غيرت ترتيب الكتب كما تريد , ولم أعترض و اشتكي ! , و لو كانت خادمة أخرى فعلت فعلتها لطردتُها بكل جلافة
كانت بداخل المكتب صورًا لأبنائي بعضها رمتها بسلة المهملات و أخرى تركتها معلقة ولستُ أدري لما رمتها و ليس من حقها أن ترمي
و لكني رأيتها بسلة مهملات المكتب
حتى سجلات العمل لم تتركها بل أخرجت الأوراق من كل سجل و وضعتُه بالآخر !
و لم أنطق ببنس شفة !
توجهتُ للقسم و فكرةُ قد خطرت ببالي و أرجو أن تنجح لأنال قُربها و أروي عطشي برؤيتها
قلتُ لإحدى الخادمات : وين مارسة ؟
لم تلحق أن ترد حتى تأتي مارسة بحجابها وخمارها من وراءِ الخادمة قائلة : اهلاً ياعمي , وش بغيت ؟
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كونوا بخير $