وأعجب من حكايتنا تكسر نبضها فينا
كهوف الصمت تجمعنا دروب الخوف .. تلقينا
وصرت حبيبتي طيفا لشيء كان في صدري
قضينا العمر يفرحنا وعشنا العمر .. يبكينا
غدونا بعده موتى فمن يا قلب يحيينا؟!
لـــــــ فاروق جويدة
الجحيـــم
( 17 )
** لا تلهيـكم الروايـــة عن الصـــلاة **
نظرتُ إلى القطرات التي تسيل على الكأس الزجاجية لأسفل , على عكس يدي التي ترتفع لأعلى و تبتعد عن محيط الكأس
لماذا تبتعد يدي لأجل حياة مخادعٍ كاذب اوهمني بحبه لي و من ثم أنكر هذا بكل بساطة والحجة اختلاف الجنسيات و الديانات
إن كانت هذه حجة مقنعة لكنتُ أنا مثله رافضة للزيجة منه و لكني على نقيض هذا انا اتمنى قربه
لا تمنعيني يا يدي , دعيه يتسمم فيدمن
لا ترحمه يا قلب فهو لم يرحمك قط
لا تهتم لأمره
أبعدتُ يدي عن الكأس بضعفٍ له
رميتُ كيس المخدرات بالمغسلة وأخفيتُ آثار جريمتي عن أخي الذي لا ولن يرحمني ان علم بخيانتي له و لعمي
رميتُ الكيس ليس شفقةً عليه
بقدر ما هو خوف على نفسي من الموت من بعد موته
نعم فحياتي معلقةً بهِ
أخاف أن يموت هو فيموت قلبي
فأكون جسدًا بلا روح
إبتعدتُ عن المغسلة و حملتُ الصينية التي تستقر عليها على الكأس
و لم أكن أعلم بأنه يراني
بصوتٍ حـاد : مــــــــــي
إقشعر بدني إلى أطراف أصابعي فهتزت الصينية و سقطت الكأس منكسرة إلى أجزاء
لقد رآني , علم بما خبأتُه شهورًا طِوال
هل سيصبح حالي كالكأس المكسورة
هل سيخنق روحي لتتطاير بعيدًا
هل هذه هي نهايتي ؟
غرس أظافره بمرفقي و لفني بإتجاهه
عيناه تنضح وعيدًا
و عروق يداه تضخ شرًا
إما صفعاتُ هلاك , أو موتٌ مؤبد
رص على اسنانه و تحدث من بينها بصوتٍ مكتوم به شوائب الغضب : انتي مجنونة يا مي ايه ده الي انا شفته , مالك كده ؟ ليه بترميه ليه ما اديتهالو
ما تتكلمي يا كلبة .
أحسستُ بشعورِ المعتل الذي يستلزم له اجراء غسيل كلوي له
يُسحب دمه من أنحاء جسده ليمُر بآلة تصفيه من شوائبه و تدخله تارةً أخرى إلى الجسد
أنا أشعر بأن كل قطرة دم قد سُلبت مني
أرى بعيناي نهايتي
أرى ركاض سعيدًا بعد مقلتي
هم يسعون لتدميري
و انا أسعى لرضاهم
إلتفت أصابعه حول رقبتي كحبال شائكة
إعتصرني , و اغمضتُ عيني بضعف وانا أرى ضريحي يقترب أو بالأصح انا التي أقترب
و كأني اناديه موتي و انا التي تريد الحياة
صوتٌ بات حنونًا يضج خلاصًا
: مــــــي و جهاد اشبكم تعالوا .
و تحررتُ من حصار الهلاك
سحب أصابعه على كامل إستدارات رقبتي يشرخ بأظافره جريمة خيانتي لهم
ليُطبع اللون الأحمر عليها
توجه ناحية الباب ثم إلتف بإتجاهي نفث من انزيم لعابه و بصوتٍ كالأفعى : حسابك معايا بعدين يا مي هتشوفي حاجة ما شوفتيهاش خالص .
مررتُ أصابعي على شروخه برقبتي
على آثار إخلاصي لركاض
و خيانة ركاض لي
هبطتُ بجسدي للأرض وانا أسحب الصينية من بين زجاج الكأس المنكسرة
رفعتها لأعلى وانا أنظر إلى انعكاس صورتي المقتولة بها
أنظر إلى جحيمي الأزلي
الذي بدأ بحب ركاض وانتهى بخيانته
إلى أي درجة وصلت سجاذتي إلى حد أني أُحب من كان له يد بمقتل أبي ! حتى لو كان عن بعد فهو منهم
أخفضتُ الصينية إلى رقبتي وانا أنظر إلى الآثار الحمراء لم تكن شروخًا و خدوشًا بل كانت بقعًا حمراء كالكدمات
تركتُ الصينية على الطاولة
و تحركتُ لخارج المطبخ دون رفع الزجاج عن الأرض
جررتُ خطواتي لحُجرته
دخلتُ لأجده يجلس مقابلي و جهاد يعطيني ظهره
مشيتُ إلى الكنبةالمزدوجة بجانب جهاد دون إصدار اي صوت
كان يتحدث مع جهاد وكنتُ أشعر بعينيه تنظر لي بخفاء
في بداية الأمر لم أعره إهتمامًا
لكن نظراته إزدادت تركيزًا حتى أصبحت ظاهرة امام أخي
رفعتُ عيني إليه لأرى بعينيه جحيمي
شعرتُ بثقل أخي يرتفع بجانبي لأبقى وحيدةً بجحيم عينيه
لماذا ينظر إلي هكذا ؟ , أرى يعينه وحشًا
لا أراه ركاض حبيبي
و بلمحة بصر جلس بجانبي على الكنبة
أخفضتُ عيناي أرضًا و أسناني ترطم ببعضها خوفًا ولا أردي ما سبب خوفي
أمسك بيدي اليسرى ليقترب مني أكثر حتى تضاربت أنفاسنا
أغمضتُ عيني , وانا أكتم انفاسي العاشقة
أكتمها لئلا تمتزج بأنفاسه المخادعة
شعرتُ بأصابعه الباردة تخطو على جِراح رقبتي
بكل كدمة و بكل بقعة
شعرتُ بحنانٍ أعشقه
و لا أريده حنانًا مخادعًا
إبتعد يا ركاض انا ضعيفة أمامك إلى حد كبير , لا أريد الشعور بهشاشتي
ظهر صوته حادًا قويًا على عكس لمساتُه الحانية : وش هالعلامات يا مي ؟
فتحتُ عيني و رمشتُ عدة مرات كلما وقعت عيناي السوداء بسواد عينيه ابعدتُها عنه
عاد صوته قويًا : مي اكلمك ردي وش ذي العلامات ؟
نطقتُ بتأتأة : دي .. دي
بصوتٍ يكتظ غضبًا : تلوميني وانتِ تسوينها مع غيري يا مـي و اقسم بالله ان عدتيها والله يا ويلك مني حسابك عسير
و لا يهمني لا اخوك و لا احد من قرايبك و الله لا أقلب دنياكِ فوق تحت .
ما الذي يتحدث عنه ؟ , ما الذي يهذي به ؟ , ولما التهديد وانا لم اقترف اي ذنب ؟
رفع أصابعه عن رقبتي إلى شعري ذو الصبغة الحمراء و بذات وعيده و تهديده : قسم بالله يا مي ان احد لمس فيك شعرة بس شعرة بأمحيه من الوجود
انا الوحيد الي ألمسك غيري ماله اي حق فيك .
نظرتُ إليه بسخرية : ليه مش انتا بتئول بديانتك ما يصحش تئرب من بِت الا لو تتجوزتها ؟! مش ده كلامك ايه الي غيره
صلب طوله و دس اطراف اصابعه بجيب بنطاله , توجه إلى الشرفة الداخلية
و بقيتُ بمكاني على الكنبة
أفكر بكلامه و بتناقضه
كيف له ان ينكر حبه لي , ومن ثم يحاول إبعادي عن كل رجل ؟
لا و بل يكتظ غضبًا لقربي من غيره
هل يعني هذا انه يحبني ؟ , و كيف يحبني وهو يحبها ؟
أوهل يجتمع بالقلب اثنان ؟!
نفضتُ رأسي بشدة أطرد فكرة حبه لي
هو لا يحبني وهذا ظاهر بتصرفاته
لربما فعلته اليوم ما هي الا غِيْرةً تأصلت بقلبه من فطرته الإسلامية
بكل يوم هذه الديانة تزيدني شغفًا لتعرف عنها عن قرب و كثب
لكن حتى و إن كان يغار لدينه
لما يرتكب الحرام الذي يغار منه
أوليس دينه يحرم الزنا بل ويعده من كبائر الذنوب
اذًا لما يخطو هذه الطرق الوعرة ولا يريدني ان اشاركه الخطى بالرغم من أن ديانتي تسمح بكل هذا , ديانتي لا يوجد بها حلالاً وحرام كل شيءٍ بها مباح وما رأتُه الذاتُ حرامًا و لا يصح ان تقدمه للأب الأكبر تكف عنه وان رأتُه حلالاً دخلت فيه
اي ان النفس هي من تحكم ان كان ما تفعله صحيحًا ام خاطئًا وليس هنالك شروط وضوابط
ولكنه دائمًا يُصِّر على ان ديني ما هو الا تحريف لا يتم لأصله بأي صلة
لا افهمك يا ركاض بكل يوم تزداد تعقيدًا و ازداد حيرةً بفهمك
تبدو غريبًا بكل تصرفاتك وهذا ما يجعلك الرجل المميز بعيناي .
***
افتقدتُ كل سبل التركيز , بل و أصبحتُ لا أفكر بشيء إطلاقًا سواه هو
بالرغم من أني أبذل كل وسعي لأفكر بأي شيء ما عداه
منذ أن علمتُ انه هو , وانا مشتتة التركيز
أعيش بدوامة و إعصار يهز اوصالي لينشلني عن الأرض
فأحلم بهِ لأجعله فارس أحلامي
أبتسم رغمًا عني بين لحظةٍ و أخرى
أستذكر مواقفي معه واضحك بشدة
أشعر بأن الأرض و السماء لا يتسعان لي
أشعر بأني أنتمي له و لأحضانه التي لم يسبق لي توسدها
هو ليس كأي رجل
لقد كان دخوله لحياتي غريبًا دخل معلومًا مكروهًا و تشعب محبوبًا مجهولاً
أحاول بشتى الطرق ان لا أفكر بهِ فأنا أعلم بأن كل ما بُني على حرام هُدِم و حُطِم
فقد رائني بكل حالاتي حرامًا
و قد أحببته بنفسي و لم أصفح بالرسائل التي تصلني ولا بالمجهول الذي يراقبني لعذر اقبح من ذنب
ألا وهو الخوف على " أمي " لأني لا أريدها ان تعاني من شيء
لكن كان بإمكاني إخبار عمي " جلال " و لكني لم أخبره بحجة أنه لا دخل له بمعمعتي
و نتيجة هذا رضاي بالحرام و إكمال مسيرة الحب
التي بدأت بنظراتٍ غير شريعة و لا أدري ما نهاية مطافها
منذ إعترافه بحبه لي والذي لا أدري إن كان بالفعل حبًا ام خداعًا لغرضٍ ما , منذ تلك اللحظة حتى الآن لم يتصل او يرسل
و افكاري مابرحت ان تبتعد عنه حتى تعود لتتشبث به بصلابة
أغلقتُ شاشة اللاب توب بعدما رأيتُ ساعتها تشير إلى الحادية عشر ليلاً
سأنام و أترك الغد يكشف المكتوب .
***
عدتُ من عملي و وجدتُها بالأرض و حولها كتبٌ غير منتظمة و اقلام و شعرها ينسدل على وجهها ليغطي الرؤية عنها
فترفعه خلف اذنها لينهدل تارةً أخرى يزعجها
عانقتُ يداي إلى صدري و أنا انظر لها و إبتسامة تلاعب ثغري
لقد اعادت لي الذكرى الماضية
حينما كانت هي تدرس و تحمل كتابها اينما تذهب
و كان الجميع يضحك عليها و قد كنتُ منهم
حينما تفتح كتاب مدرسي تنسى الجميع ولا ترى سوى كتابها
مجتهدة إلى حد كبير ولو سئلت هل تحبي المدرسة لأجابت بـ " لا "
تحب العلم , و لا تحب الذهاب إليه !
تجتهد , و تتعب من الإجتهاد !
متناقضة هي إلى حدٍ كبير و الجواب على تناقضها كان من لسانها , قالت انها " تحب العلم نعم و من يحب العلم و يطمح للتعلم له الأجر عند الله سبحانه
لكنها بذات الوقت لا تحب ان يجبرها شخصٌ ما على إحضار الواجب بالوقت المحدد و المذاكرة لليوم المحدد
بل تحب ان تحل و تذاكر وقتما تشاء و كيفما تشاء "
معزوفتي تهوى الحرية و تبحث عنها دائمًا
ولكنها على الدوام لا تتواجد إلا بسجون ناجي
لا تُحرق الا من جحيمه
و لا تأكل الا من ضريعه و زقومه
و لا ترتشف الا من حميمه و صديده
لم ترى الحياة كما تراها أي فتاة
لم ترى زوجًا يُمادح جمالها
لم ترى اي اعجابٍ تحويه عينيه وان رأت
أنكر ما رأت بقذائف لسانه حينما يرميها بالصديد
فيتوقد لسانها بلا طفاية تخمدها
لتنذرف دموعها الصديددية التي دخلت من لساني لها و خرجت من عيناها دمعًا
ظنت أنها قبيحة , حاولت ان تكون الأجمل
و لكن دائمًا و ابدًا أُثبتُ لها انها الأسوأ
و أنني الرجل المغوار الذي صبر على من لا تستحق الصبر فقط لرضى والده
معزوفتي عزفت كل ألحان السعادة و الأمل
إلا ان ذبلت فما عادت تعزف إلا ألحان التعاسة و القنوط
زجاجتي ظلت متماسكة سنينًا مديدةً عديدة
ولكنها انكسرت لتعيد تدوير نفسها فتعود زجاجة متماسكة
أحاول دائمًا ان لا اكسرها بالكامل فلا أجد بالدنيا الا جسد عزوف البارد بلا روحها الدافئة
و لكني بذات الوقت لا أعيد تدويرها لتكون متماسكة إلى حد تحولي للزجاج و تحولها للفولاذ .
إنخفضتُ لها و مددتُ يدي إلى خصلات شعرها دسستُها خلف أذنها بينما هي إقشعر بدنها و زاغت عيناها
وضعت يدها بقلبها و اغمضت عينها و فتحتها بسرعة و هي تقول : خوفتني كم مرة اقولك تنحنح بين لي انك موجود مو على طول هجوم .
جلستُ على الأرض بجانبها و بتبرير : بس انتِ كل مرة تقولي لي لا تتكلم بصوت عالي على طول عاد انا هالمرة ما تكلمت بصوت عالي بس لمستك .
رفعت يدها لأعلى و حركتها بعشوائية : لا يا شيخ وش تفرق يعني كله يخوف الواحد يدخل يسلم اول مو كذا يهجم .
إبتسمتُ بمتعة : طيب من عيوني توبة آخر مرة ادخل بهالشكل .
بلا تصديق : ايه واضح صدقتك .
نظرتُ إلى كتابها واخذتُ أُقلب به وقد جائتني فكرة
وقفتُ و رفعتُه لأعلى و عيناها مثبتة علي
مشيتُ إلى المطبخ
بينما وصلني صوتها يصحبه الفضول : ناجي ايش رايح تسوي بكتابي بالمطبخ " أدرفت بسخرية " لا تكون ناوي تطبخ فيه
وقفتُ أمام " البوتاجاز " حاولتُ كتم ضحكتي و بجدية : لا بس حاب احرقه لأنه شكلك يزعجني وانتِ تذاكرين و
لم ألحق اتابع حديثي حتى وقفت خلفي و هي تصرخ : لا نااااااااجي كتاااابي
وقفت الضحكة بين شفتي فأبتلعتها ببلعومي وانا أتظاهر بالجدية : اقولك شكلك سد لي نفسي لازم احرق الكتاب و ارتاح
أخذت تقفز بالرغم من أني لستُ طويلاً إلا أني أطول منها
و كلما قفزت أرفع يدي لأعلى أكثر حتى برزت عروقي بوضوح
قالت وهي تضربني بصدري بخفة : ناجي بلا غباء احنا كبار عن هالهبل يلا اعطيني كتابي .
رفعتُ كتفي لأعلى واخفضته و ببرود : عادي انا توي صغيرون بالعشرينات انتِ العجيزة بالثلاثين يلا روحي ابغى احرق الكتاب
عبس وجهها قليلاً فعلمتُ أن الأمور قد إلتبست عليها ظنت أني أريد جرحها بأني اصغر منها عمرًا لكني نطقتُ بما نطقت بعفوية و بلا تفكير
كنتُ سأُوضح الأمر إلا انها سحبت خطواتها بعيدًا عن المطبخ وبكل هدوء
لماذا بكل أمر بيننا تستسلم وتسحب خطاها
لما دائمًا تفهم الأمور بشكل خاطىء
لما دائمًا تعزف انغام البكاء
اما قحطت عيناكِ دمعًا يا عزوف
سمعتُ صوت ضرباتِ صندلٍ بالأرض
رفعتُ عيني إلى الباب لأجدها واقفة و ترتدي بأقدامها صندل كعبٍ طويل جدًا , تغيرت معالم وجهها و بقهر : افففف لما لبست الصندل نزلت الكتاب .
كركرتُ بشدة و كأني لم أضحك بحياتي مطلقًا
لقد خابت ظنوني
هي لم تأخذ كلماتي على محمل الجد
بل أرادت ان تأخذ الكتاب مني
نظرت إلي بإستغراب : اشبك تضحك ؟! من جدي ترى جيت آخذ كتابي , الأهون تحرقني ولا تحرق كتابي .
إقتربتُ منها وادخلتُ أصابعي تحت ذراعها لأحبسها بصدري
و خلخلتُ بأصابعي خصلات شعرها و بهمس : مجنون انا لو حرقتك , بموت وراكِ .
بتساؤل : ليش ؟
بقسوة : تدرين القاتل مصيره يالقصاص يالدية يالعفو و اعرف اختك الكبيرة على طول بتقول قصاص و بعدين بموت ما ني مستغني عن نفسي بسهولة " و بسخرية " و كله عشانك وانتِ ما تسوين .
دفنت نفسها بصدري أكثر و هي تدفن شهقتها
اردفتُ بذات القسوة : فأحرق كتابك عشان تهتمين لشكلك اكثر اهون علي من حرقك و قصاصي وراك , انا وراي حياة طويلة وتوي صغير على الموت .
حتى صدرت شهقاتها و تعالت آهاتها و آناتها
إبكــي يا عزوف وأفرغي ألم صدرك بصدري
لأشاركك البكاء بصمت .
*
*
و إلى متى القسوة يا ناجي ؟
أي سفاح انت ؟ أي جلمود و قاتل ؟
كفى تعسفًا, ظلمًا و قهرًا
كفى إجحافًا و جلافة
مللتُ هذه الحياة
مللتٌ دور الوهن
ألم يكتب لي يومًا أكون فيه قويةً شديدة البأس ؟
***
كنتُ في صغيري كالطير ارفرفُ بأجنحتي أتمايل مع الرياح لليمين و الشمال
كنتُ في طفولي شقية لا أمّلُ من اللعب
وهالآن أصبحتُ إمرأة كُسرت جنحانها لتقبع بمكانٍ واحد لا تستطيع الحراك
أصبحتُ هادئة لأبعد حد , كسيرةُ الداخل قويةَ الخارج
و بدأت قصتي حينما أصر هو أني دنستُ بثوبي مع " علي " او مع غيره
و أصررتُ أنا أني عفيفة لم أخنع بثوبي قط
*
*
أغلقتُ الدولاب الذي كنتُ أتناول منه ملابسي بقوة , إلتفتُ بإتجاهك و وقفتُ من على الأرض وانا أكتف يداي إلى صدري و بقهر و دفاع : والله اني شريفة و اذا ما انت مصدق قدامك المستشفيات تثبت براءتي
حينها نظرت إلي من أعلاي لأسفلي بنظراتٍ ملؤها الإستهزاء و السخرية المخلوطة بالتكذيب : واثقة انهم بيوقفون بصفك اخاف تاخذي على راسك و تندمي ساعتها لا أنا برحمك ولا مجتمعك
أشرتُ إليك بسبابتي و الغضب قد وصل إلى أخمص اقدامي : اقسم بالله لو تكلمت عني بسوء والله ما تلوم الا نفسك يا معن
حركت يدك بالهواء و بلامبالاة : من يومك بس تقسمين و تحلفين ولا تسوين شي و ترضين بالأمر الواقع
إقتربتُ منك على مضض و بتهديد :لا هالمرة بنفذ تهديدي الا شرفي ويل ويلك ان شوهت سمعتي وانا بريئة
بذات نظرات السخرية : والله الي يخليكِ تهددين من الحين يثبت بالفعل انك رخيصة و زبالة المجتمع .
جلستُ على السرير بجانبك و رفعتُ يدي لأعلى لتنطبق على وجنتك الخشنة
لكنك أمسكت بيدي و أعتصرتها بقوة و جالت عيناك بتفاصيل وجهي همست حينها بضعفٍ لم أعهده منك : حرام هالدنس يتغطى بأطنان البراءة .
أتدري حينها لم أهتم بما قلته لأنني وبكل سهولة لم أخنع بثوبي وقد كنتُ على ثقة من هذا
لكن وقتها لو كان بوسعي أن أدخل أصابعي بعينيك لأنتشل الضعف منهما لفعلت
لم أكن أريدك ان تصبح واهنًا ليوم واحد
فمقلتيك لا يليق بهما إلا السلطة
تبادلنا النظرات مدةً طويلة
كانت عيناي حادة تحاول بث الحقيقة إلى دواخلك
و عيناك ضعيفة ترفض أي حقيقة وتصدق كذبًا لا محل له
وضعت أصابعك بخلفية رقبتي و سحبتني ببطىء إليك حتى أصبحتُ فوقك
لثمت ما بين عيناي
و نزلت يديك إلى ظهري , فطبطبت عليه , وشددتني إلى صدرك
و أخذت تلثم شعري و تستنشق رائحته
بهمس : غمضي عيونك وعيشي اللحظة معاي , اتمنى من قلبي ما تكون آخر لحظة لنا , لانه الطب ان انكر شرفك ساعتها ما لك بالقلب مكان .
حينها إنتفض جسدي برعب , و أنا أتخيل لو أن الطب أنكر طهارتي
نفضتُ رأسي و أنا أطردُ هذه الأفكار فمن المؤكد أني طاهرةً عفيفة
و أغمضتُ عيني كما طلبت مني
أما أنت بكل لحظة كنت تشدني إليك أكثرٌ فأكثر
كنتُ أستمع إلى ضربات قلبك المتفاوتة
و أشعر بأنفاسك الملتهبة
و أنتظمت أنفاسنا مع بعض
و تطابقت الأجفان
في سباتِ عميق من بعدِ وسن .
*
*
كنتُ أسترق النظر إليها ما بين الفنية و الأخرى من تحت نظارتي التي ارتديها حال العمل
في بداية الأمر كانت شاردة الذهن
ومن بعدها تجهمت ملامحها
و انتهى المطاف بدموعها المتساقطة على وجنتيها الناعمتين
ما الذي يبكيها ؟ أعطرة القوية تبكي ؟ أهذه هي زوجتي ؟
لم أستطع أن أبعد نظراتي عن تفاصيلها
لم أستطع أن أكون جلفًا بِحُضرةِ أُجاجها
إنقبض قلبي وفقدتُ التركيز
هي لا تبكي إلا بالمصاعب و المصائب
فمابالها تبكي الآن
ما بالها تكتب لعينيها الشقاء
و ما بالها ترسم خطوط التعاسة
و ما بال ضربات قلبي لا تستكين
شيءً ما بقلبي يقول تحرر من قيود الكرسي
و آخر بعقلي يتشبث بالكرسي و يُحرم مقربتها
مررتُ بلساني على شفتي و تلبستُ رداء القوة , و بسخرية : خير على وش تبكين هالحين يا النكدة ؟
إرتجف جسدها حينما سمعت صوتي
يبدو انها لم تشعر بنظراتي المصوبة بإتجاهها دون غيرها
وضعت يدها بخدها و مسحت دموعها بعشوائية و بتبرير : لا بس تذكرت موقف من مسلسل بطلته توفت وبكيت .
حركتُ رأسي للأعلى والأسفل و كأني إقتنعت و أنا الذي لم يقنعني حديثها هذا
فهي لا تبكي لأجل دراما و لا تبكي لأجل وفاة شخصٍ ما إن لم يكن مقربٌ إليها
هي لا تبكي إلا بالشدائد و كأن بها قحط دموع
دائمًا ما تتلحف عينيها بغشاوةٍ ضبابية من الدموع
و لكنها لا تنجذ لتسقط على وجنتيها
ليس لقحط دموع إنما لكبرياءِ أنثى
لم أرد إحراجها بالرغم من فضولي
إلا أني لا أحبذ رؤيتها كسيرة البأس إلا حينما يستدعي الأمر
لا أحبها تنكسر إلا لأجلي أما لغيري أريدها قويةً لا تضعف
صلبت طولها و توجهت إلى الطاولة بمنتصف الحجرة
مسحت دمعها
وتوجهت إلى المرآة التسرحية
و ضعت يدها بفمها عندما رأت مظهرها , إلتفت بإتجاهي
تتأكد هل أنظر إليها ام لا
ولا تدري اني أنظر إليها من تحت عدسة النظارة
حينها تنفست بإرتياح و خطت نحو دورة المياه " أكرمكم الله "
فأسندتُ وجنتي على يدي و تنهدتُ بضيق
قمت من على الكرسي لأستعد للعمل الآن الساعة السادسة والنصف صباحًا .
***
مد إلي الملف الأسود و بأمر : وضعه بمكانه
فإنتصبتُ واقفًا و توجهتُ إلى المكتب لأاضع الكتاب بين رفوفه
قام هو من على الكرسي يمشي من أمامي و أنا من خلفه
إلى حيث شركته التي عملي بها " قهوجي "
و مضينا إلى خارج القصر إلى حيث وقوف سيارة السائق
إلا أنه استوقفني قائلاً : اسمع يالظانع دام بنيتك الله يحفظها لك شغالةٍ إلنا فلزوم تعيش بالقصر مع بقية الخدم
ولها غرفةٍ خاصةٍ إبها .
ما الذي تفكر به يا عبدالقوي ؟ أتريدها قريبةً منك ؟ أهل تخاف ان تُظهر ضعفك لإمرأة وانت الذي تطمرهم بالتربةِ أحياء ؟
حركتُ رأسي إيجابًا : ان شاء الله هاليوم اعطيها خبر ما تعتب باب بيتنا لنوم و كانها تريد شوفة وميمتها حياها الله اما نومتها بالقصر عنــدك
ظهر طيف إبتسامة بشفتيه
فتح له السائق باب السيارة الخلفي فدخل
بينما أنا ترجلتُ السيارة بالمقعد المجانب للسائق .
*
*
بكل يوم ازداد شغفًا للقائها
و هل لدردبيس مثلي أن يعشق فاتنةً مثلها
ما الذي اهذي به , أوهل اتحدث عن الحب بين إمرأة و رجل ؟!
و أنا الذي يمقت النساء
أنا الذي يستصغر الرجال العاشقين للنساء
أنا الذي أعيش لأدهسهن
لكنها مختلفة عنهن
إنها حسناءُ فاتنة كحسن تلك الماضية
تلك التي خضعتُ لها
أُعجبتُ بها إلى الذروة
لم أعتقد لوهلة أن شعوري ذاك سيعادُ تارةً أخرى بعد كل هذه السنين
بعدما كنتُ رجلاً و الآن أصبحتُ دردبيسًا يناديه الموت ببوقه
فلتنسى مارسة يا عبدالقوي
فهي إمرأة
و هي في شبابها
بل وهي خادمة لك .
***
حركتُ الملعقة بالحليب الدافىء ليمتزج بالماء و السكر , نظرتُ إلى الساعة الملعقة بالحائط والتي تشير إلى الخامسة و النصف فجرًا
و عدتُ لعالم الذكريات
*
*
سمعتُ صوت الباب يُفتح فتعالت ضرباتُ قلبي
أيعقل أنه هو ؟ ماذا سيفعل لو رآني هاهنا ؟
لم يكن بوسعي التفكير فالوقتُ لايكفي
إختبأتُ بداخل دولاب الملابس
هو مخبأ مفضوح ولكن لا حل آخرٌ لدي
لكن سمعتُ صوت الحارس وهو يهتف : فينك يا بِت ؟
خرجتُ من الدولاب
بينما هو قال بعجلة : ده الواد هزاع في الحتة دي , انتِ لازم تهربي دلوقتي
إبتلعتُ ريقي
و تحركتُ بسرعةٍ هوجاء لخارج الشقة
إلى الأسفل
ولكن صوتُ الأقدام التي تضرب بالأرض
بث لي الخوف فتصلبت قدماي
و للذكرى بقية ..
***
ما أن دخلتُ إلى المدرسة , حتى تأتي إلي بعجل و الإبتسامة تشع بثغرها قائلة : يا هلا بأبلة عُطرة
أنزلتُ الطرحة إلى كتفي وامسكتُ خماري بيدي و أنا أمشي بين زحمة الطالبات إلى الساحة الداخلية
بينما هي تمشي من خلفي وتقول : اشبك يا ابلة مطنشتني كذا ؟
لم أعرها إهتمامًا و وصلتُ إلى الباب الذي يؤدي للساحة الداخلية والذي تجلس من أمامه إحدى " خالات " المدرسة لتمنع الطالبات من الدخول
دخلتُ وأخذت هي تصرخ بالخالة من خلفي تريد الدخول
بهدوء : خليها تدخل يا خالة
حينها أزاحت لها " الخالة "
فدخلت و أبتسمت بسعادة و كانت ستتكلم
إلا أني أعطيتُها ظهري و أنا أدخل إلى المكتب لأُوقع بحضوري اليوم و بتمام الساعة السابعة
و دخلت هي من خلفي
ألقيتُ التحية إلى الوكيلة فردت
و نظرت إلى المسترجلة من خلفي وهي تقول لها : ايش تبغين يا حميدة
إقتربت مني وهي تقول : ابغى ابلة عُطرة
إذًا إسمها " حميدة , وجهتُ نظراتي الى الوكيلة و قلت : هالبنت مزعجتني كثير وتصدر منها تصرفات غير لائقة
هزت الوكيلة رأسها بتفهم وقد وضح على تقاسيم وجهها انها ليست الشكوى الأولى ضد حميدة
بصوتٍ عال : حميدة و بعدين معاكِ يعني تبغينا نعطيك ملفك مرتين وانتِ تنفصلي كمان تبغين الثالثة و لا هالمرة ننقلك لمدرسة ثانية
نظرتُ إليها بإستصغار , واعدتُ أنظاري إلى الوكيلة : المشكلة بالموضوع ما في مدرسة بتقبلها
بينما هي كانت عيناها تقدح قهرًا
وجهت خطابها إلى الوكيلة بقلة أدب : ابلة عُطرة ما عارضت على علاقتي فيها وبالعكس اعطيتها هدية و رضيت فيها .
رفعتُ حاجبي و بسخرية : انا رضيت بعلاقتي فيكِ ! بالعكس انا دايمًا اتهرب منك و الهدية لما قبلتها قبلتها من طفشي منك لاني ابغاكِ تبعدي عني بأي طريقة فما كان قدامي الا اني اقبلها
بإعتذار : معليش يا عُطرة و هالطالبة من زمان وهي كذا
إنسحبتُ من المكتب وأنا أستمع إلى تهزيء الوكيلة للطالبة
المعضلة بمدارسنا ان الطالبة المسترجلة أو من تمادت بحرماتِ دينها
تعاقب بالفصل لمدة ثلاثِ ايام ثم تعود وكأنها لم تقترف ذنبًا
و تعتبر مدة العقوبة عطلةً لها
أي أنها تسعد بهذا
ما يهم بالأمر أني سأرتاحُ منها .
***
صوت الأذآن يصدح بالأرجاء , ليملأ القلوب روحانيةً و صفاء
لتنقشع غمامة الحزن و الشقاء من وجوه الفقراءِ و الأغنياء
و يدبر الشيطانٌ بعيدًا
لتلين القلوبٌ من بعد جفاء
أجلس تحت المظلة أتغطى من شمس الظهيرة الحارقة
و أنظرُ إليه وهو يترجل السيارة ليأتي بأنهار من الجامعة
ناديته : محمد تعال
تقدم الخطى نحوي و مسح العرق عن جبينه بأصابعه
نظرتُ إلى الخاتم بين اصابعه
خاتمٌ يحمل رموزًا غريبة
أشرتُ إلى الخاتم وقد نسيتُ ما أريده منه : هالخاتم من زمان اشوفه بأصابعك ما شاء الله حلو من وين اشترتيه ؟
نظر إلى الخاتم بأصابعه و رفع كتفه لأعلى : والله مدري يا استاذ جلال من زمان وهالخاتم عندي يمكن ورثته من امي او ابوي
لمس الخادم بأصابعه و بنظرةٍ لآمعة : لو كنت اقدر كان عطيتك ياه يا استاذ لكن احس هالخاتم له قصة معاي ولا اقدر اتخلى عنه بسهولة
حركتُ رأسي بالموافقة : لا اصلاً ماني بماخذه منك , بس عطني ياه مدة بحاول افصل مثله لأنه عاجبني كثير ما شاء الله
خلع الخاتم ذا الرموز الغريبة عن أصابعه ومدهُ لي
أخذتُ الخاتم و شكرته
بينما هو مضى للسيارة و إلى حيث جامعة أنهار .
***
خرجنا من حُجرة " الدكتورة "
نظرت إلي بإستغراب ومدح : ما شاء الله كيف خلصتِ البحث بهاذي السرعة واعطيتيه للدكتورة قبل موعده .
إبتسمتُ لها و بتفاخر : أعجبك انا .
ضحكت وهي تضربني على كتفي و تقول : بسحب مدحتي ترى
إبتسمتُ لها أو بالأحرى له فكميةُ سعادتي بهِ لا تضاهيها سعادة
أجمل شعور هو أن يكون هنالك من يهتم لأدق تفاصيلك ويحاول رسم الإبتسامة بشفتيك
و " معن " قد نجح بهذا
ماذا عساي أن أفعل فقلبي يزداد هيامًا بهِ ؟ وعقلي يرفض كل ما يمليه علي قلبي .
***
سحبتُها من يدها بقوة و هي أخذت تصرخ و تحاول فك حصاري عنها لكني كنتُ الأقوى
رميتها على العشب بجلافة
و أخذت هيا تمسح ركبتيها بألم
رفعت خصلات شعرها الأحمر الملتصقة على وجهها بسبب الدموع
بينما عمي نظر إلينا ببرود وكأني لم أفعل بها شيء و قال : مالك بتضربها يا جهاد هيا عملتلك ايه ؟
أشرتُ عليهاو بصقتُ بوجهها و نظرتُ إلى عمي و بحنق : الكلبة دي كدبت علينا ما ادتهولو حاجة ابدًا
بتساؤل : بتتكلم عن مين ؟
و أنا أرص على اسناني و بقهر : عن ركاض ياعمو ربيع هيا , الكلبة دي كانت بترمي المخدر بالمغسلة و تكدب عليا و تئول انها بتديهالو .
قُبضت أسارير وجهه و قُطب حاجباه و بصوت قوي : وانتا اعمى ماتشفش ؟
بترير : ما عرفش يا عمو هيا بتحضروا تحت عنيا و بعدينا بقى بترميه بالمغسلة .
تعالت شهقاتها و بصوتٍ ضعيف : سامحني يا عمو ماكنتش اقصد
صغر عينيه وبتساؤل : انتِ بتحبيه يا مي مش صح كده ؟
حركت أصابعها بالنفي و هزت رأسها برفض : لا مابحبهوش ياعمو انا بحبكو وهوا مسلم وانا بحب كنستي أوي مش سهل عليا احبو و مش سهل عليا احب عيلة كان لها ايد بموت بابا و جدو .
حرك سبابته لأعلى و اسفل و بتحذير : خدي بالك يا مي منو و انتبهي تحبيه انتوا مش عايزين تريحو من الحياة و بموتهم هنعمل احلى فرح و هنهيص
أومأت برأسها موافقةً : حاضر يا عمو هاخد بنصحتك وانا اصلاً مستحيل احبو هو مايستحقش حبي لو .
بتساؤل : طَبْ انتِ ليه ما ادتهالوش المخدر ؟
حكت شعرها و لعقت شفتيها أدخلت أصابعها المزرقة من شدة البرد من تحت قميصها البني و نفخت هواءً من صدرها و بهدوء : امس بس عملت كده اما اول كنت بعطيه و امس عملت كده لانو العصير الي عملتهالو ما يعجبو
قال جهاد بإندفاع : عمال تكدبي على عمو انا متأكد انك مادتهوش اي حاجة وعشان كده هوا ما ادمن واحتاج جرعة اكبر من الي قبلو
بدفاع عنها : خلاص يا جهاد اسكت بقى , و يلا يا حبيبتي مي عاوزكِ ترتاحي
قامت من على الأرض و هي تترنح بخطواتها
أما أنا إندفعتُ صارخًا : انا متأكد انها بتكدب ياعمو
بهدوء : اسمع يا جهاد عاوزك تراقبها و ادا ما ادتهالو تعالا و قولي أصلها كده كده متهمناش ابدًا موتها وحياتها ما بيفرئش .
هززتُ رأسي بالموافقة و مضيتُ مبتعدًا عن الحديقة إلى داخل المنزل .
*
*
كادا أن يكشفاني على حقيقتي
كادا أن يعلما أني أشتعل حبًا
بكيدك بي يا ركاض سأُقتل حية
أحببتُك و لا حولك أي إيجابية
فكل السلبيات تحيطك عن يمينك و عن شمالك
ومن فوقك و تحتك و بالرغم من هذا أحببتُك
و لا أدري ما السبب ؟!
***
طوال هذا اليوم و أنا أتهرب منه و أتحاشى الجلوس مع " متعب " لئلا أجلس معه
و لكنه الآن يهتف بإسمي و أنا أُعطيه ظهري ومن العيب ان اكمل طريقي دون الإلتفات له
حسنًا سأوهمه أني لم أسمعه
حاولتُ تسريع خطواتي و كأني بعجلةٍ من أمري و أنا أهرب بأقدامي بعيدًا عنه وبعيدًا عن الماضي المُر غير المستساغ
و بسبيلي نادتني إحدى الممرضات فتوقفت خطواتي و إستدرتُ إليها و بتساؤل : نعم وش فيه ؟
أشارت للخلف وهي تقول : مستر مشعل
و رفع " مشعل " يده لأعلى و رسم إبتسامة بشفتيه : ناجي تعال يا رجال ابيك من ساع اناديك
نظرتُ إلى الممرضة التي تعطيني ظهرها بحنق
و إستدرتُ بإتجاهه
إقتربتُ منه و أقترب مني حتى اصبحنا بمنتصف الطريق
مد يده إلي يصافحني : كيفك يا ناجي عسى ما شر اليوم لا انا و لا متعب شفناك ؟
بتبرير : الحمدلله بخير و صحة وسلامة ما به شر لكن شوي انشغلت بالولادات وكذا يعني .
ضربني بكتفي وهو يضحك : ايا القاطع مشغول بالولادات هاه و انا من دقايق سائل عن مواعيدك طلعت مسوي ولادتين ومن اول و عندك ثلاث مراجعات على المغرب .
إبتسمتُ بتوتر
بينما هو قال بإبتسامة و روحٍ مرحة : خلاص خلاص مسامحك ماله داعي الإعتذار .
أبعدتُ يده عن كتفي و بمزح : من قايلك اني بعتذر اصلاً اقول يلا امش من هناك .
أمسك بيدي وهو يتجه للمصاعد و بتعالي مصطنع : احم طبعًا انا الإستشاري مشعل بشحمه و لحمه بعزمك على قهوة انت و صديقك متيعب .
ضحكتُ من نبرة صوته , أما قلبي فكان يبكي من الموقف
ما الذي تريده يا " مشعل " هل فهمت ؟
صعدنا إلى حيث حُجرته
و كان بالداخل " متعب " ينتظرنا
ألقينا التحية
و جلستُ على الكرسي من أمامه
أما مشعل فأخذ يُجهز القهوة
نظرتُ إليه وبسخرية : يا مال الفقر , آخرتها تسوي القهوة هنا بدل ما تشتري من الكافتيريا .
بذات تفاخره : من قدك الإستشاري مشعل
قاطعته بملل : بشحمه ولحمه يسويلك قهوة
ضحك متعب وهو ينظر إلينا و يقول : العقل نعمة
بإستهزاء : اكرمنا بسكوتك يالعاقل
وضع مشعل أحد الأكواب أمام متعب وأخذ يحضر الآخر : اعترف يا متعب ماني بإستشاري ناجح
قال متعب وهو ينظر إليه : ايه والله ما شاء الله عليك الكل يشهدلك بالهشي وانا اشهد " وجه الخطاب لي " تخيل يا ناجي مرة كنت احس بضيقة من شي خاص
و اصر مشعل الا الا اقوله وش سالفتي فقلت له كلها كم ساعة و حسيت بالراحة .
ضرب مشعل على صدره : احم احم شفتوا كيف ؟
نظرتُ إليه بنصف عيني : أشك في كونك دكتور الصراحة .
رفع متعب سماعة الهاتف من بعد إتصال ومن ثم أغلقه نظر إلي وهو يقول : في ولادة طارئة لك يا ناجي .
صلبتُ طولي و توجهتُ للباب و خرجت ولكني عدتُ لأنظر إلى مشعل و أقول : والله من بخلك جاتني هالولادة يمكن خيرة اخاف تكون محطي سم او حاجة
خرجتُ بسرعة قبل أن يرميني بعلبة المناديل و نزلتُ لأسفل .
*
*
تركتٌ الفنجان البني البلاستيكي
جلستُ امام متعب و بإمتنان : مشكور يا متعب على هالمديح وابيك دوم تمدحني قدامه حتى يثق فيني و يفصح عن نفسه .
إرتشف من فنجان القهوة ثم إبتسم : ما بينا شكر يا مشعل و ناجي ان كان فيه شي فالله يشفيه عاجلاً غير آجل .
بهمس : آمين
بعد المعلومات التي قدمها لي متعب عن ناجي
تأكدت ظنوني بأن ناجي يعاني من ضغطٍ نفسي ويحتاج للعلاج بأسرع وقتٍ ممكن
و سأكون سببًا لعلاجه و الله المسبب .
***
قد بدأت أشعةُ الشمس تخف قليلاً يبدو انه لم يتبقى شيء على أذآن العصر
فرشتُ سجادتي بالأرض
وصلني صوته المتساءل : أذّن ؟
نظرتُ إليه بعكس إتجاه القبلة , و بهدوء : مدري لكن الظاهر باقي شوي ويأذن وانا بستنى لين يأذن
هز رأسه إيجابًا , ومن ثم أردف بإندفاع : أغيد عندي فكرة تخرجنا من هنا تساعدني ولا ؟
***
إنتهى الجحيم
أستودعكم الله الذي لا تضيع و دائعه .
كونوا بخير $
يمكن الجحيم قصير ويمكن طوله عادي مدري والله لكن الخبر الحلو انه الجحيم القادم بيكون بكرة بإذن الله تعالى .