كاتب الموضوع :
حلمْ يُعآنقْ السمَآء
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: و بك أتهجأ أبجديتي
وَ بِكَ أتهجَأ أبجَديِتيِ
المُقَدِمَةْ
إذا اشتملتْ على اليأس القلوبُ وَضَاْقَ بِمَا بِهِ الصَّدْرُ الرَّحِيْبُ
و أوطنت المكارهُ واستقرت وَأَرْسَتْ فِي أَمَاكِنِهَا الخُطُوْبُ
و لم ترَ لانكشاف الضرِّ وجهاً و لا أغنى بحيلته الأريبُ
أتاكَ على قنوطٍ منك غوثُ يمنُّ به اللطيفُ المستجيبُ
و كلُّ الحادثاتِ اذا تناهتْ فَمَوْصُولٌ بِهَا فَرَجٌ قَرْيَبُ
علي بنْ أبيِ طالبْ ( كَرَمَ اللهُ وجهَهُ )
*
تحية ، ممزقة كأشلاء وطن !
أما بعـد ، فالدماء إستنزفت جداولنا و النهرين
أما قبل ، فـ البؤس و الفقر إلتهمنا بـ قضمتين
أرض صيرها الله محلا للإبتلاء ، لذرف الدماء .. و إشعال الأجساد ، و له بذلك حكمة لا يعلمها إلاه سبحانه و تعالى
بلد .. تكدست بها جثث إنصهرت معالمها حتى بات تعرف اهليها عليها كـ تنقيب عن إبرة بـ كومة قش ، و كيف لا و لم يتبق سوى هياكل متفحمة ، كانت لـ وهلات مضت تضج بالحياة
كلنا مدركون بـ أننا نساق كقطعان غنم قبيل ليلة عيد .. لنكون الأضحية الجديدة .. و ها أنا ذا ، و إخوتي .. نتخذ لنا من مقاعد الحياة بعضا ، تغدق علينا بـ كرم الضيافة الفاني حتى يحين موعد رحلتنا الأبدية ، بـ إرتفاع طنين قطار المغادرة
لربما هو نبض توقف لمرض تحير في علاجه الأطباء ، أو طلقات اخترقت القلوب ، لتفجر مكامنها من دما و احبة .. أو تلك المركبة الأفخم التي صارت سائدة الوجود بـ حياتنا .. فهي الاجود هنا .. و تطالب بالمزيد من الراحلين مهما اطعمتها .. مركبة العصر الدموي ، المتفحم ، السيارة المفخخة !
كلنا راحلون حتما ، فرق المواقيت هو الإختلاف الوحيد .. و لحين إعلان صافرة النهاية .. رب هب لنا توبة قبل الممات .. و ردنا إليك ردا جميلا
و ردنا إليك ردا جميلا
و ردنا إليك ردا جميلا يا حبيبي يا رب العالمين
*
قد تحشرك الدنيا في خرم إبرة .. و يطالبك العمر بالعبور ، فتضطر غير باغ إيداع اعضائك المزابل ، واحدا تلو الاخر .. فقط لـ تمر من ذلك المتسع الواه ، عسى أن يأتيك من الطرف الاخر لونا جميلا ، يرافقه لحنا لسلسلة النبض الخافتة ! تتمسك بتلابيب حلم بالحياة أو الحياة من تتمسك بتلابيبك ، و بكلتي يديها .. فيشع من مصدر ما سراج يكون بارقة سنين تأبى الإنقضاء طاعة لـ حزنك .. فقط الاله الواحد القهار هو من بيده ميقات منتهاها ، و لحين مجئ ختامها ستظل تتخبط كـ كفيف تاه بين أزقة مدينة قديمة .. في غربة لم تدرك روحه إلا الآن !
تجود عليك النفس بشئ من تصبر ، كبرق يضئ عتمة المقابر .. و رعد يبدد وحشة صمتها تستمسك بعروة البقاء !!
و هل من أقسى من حلم تبدد فتاه بين محظور خط حدوده الأحمر ؟ لتذبل أرواح فـ تصفر وريقات النبضات حتى تتساقط دون الأجساد .. نبضة تلو شقيقتها ، و نفس يتبع رفيقه .. فترى البقايا تتكوم بذي ركن معتم .. داكن اللون و المحيط .. باهتة بوادر الوعي بها .. تلك البقايا الفانية !!
*
جسد فتي ، مزق و تمزق .. يتغلب بؤس باطنه على الظاهر ، فينكمش بـ غياهب الشرود .. قد يصيب الوجع احيانا قلوبا لا تعرف المذلة .. أعزة على الدموع ، و البوح ! فيكون حينها لـ من يملكها مراجل تغلي في عقر الاجساد .. و كومة من جليد تغطي الجلود ، كومة متضخمة .. فترى وصول حرارة المراجل لها أشبه بالوهم
*
و في الركن الأخر ، القريب .. يرتمي الكائن الضخم ، حجما و مصاب .. بكتفين تهدلا هما وغم ، ذقن تشعث كدرا ، و عينين انطفئتا إثر المآسي .. ظهر قد كسر ، و عنق قد دق .. و للجسد من الذبول نصيب !
تتمايل الكومة البشرية ذات اليمين فالشمال ، كـ أوراق تفاح ايام أيلول .. لا تراه يقاوم تقلبه المتزعزع كل ذي لحظة .. مدرك بأن السبيل نحو النجاة طويل ، إن كان هنالك من منجى ! .. و من ينجو من سيف زرع بخاصرته ؟ إلا بإذن الواحد القهار
للحظة يدركه الندم لإصرار تملكه حتى جعل من ادركهم السيف يرتضون كونه مرافقا للمذبوحة الأولى .. أ وسينجح في سحب ذلك النصل من اشلاء كانت له غمدا ؟ .. أوستسمح له الاشلاء بلملمتها علها تداوى و لو بعد ألف سنة ؟ و كيف سيتقمص دور الطبيب و المريض قطعة من روحه ؟ أ سيخفض جناح حبه لـ ضرورة غرز إبرته بين ثنايا جراحاتها الندية بحثا عن إستطباب لربما يوما ينفع ؟! أسينجح دون تثقيب قلبه هو الاخر ؟
لربما سيعث في المحاولة فشلا ، و الدليل إنه لم يتجاوز بعد استحياءه مما هو " ليس بـ ذنبه " .. لم يسعفه النظر حيث مقلتين كانتا لـ أحد و عشرين عام مضوا كـ سراجيين متماثلي البريق ، فيمينهما جمال .. و شمالهما قوة !
ليجئ المصاب كـ شعلة من وجع ، تبرق امام القزحيتين حتى تستوقد من نورهما نارها .. فـ ينطفئ النور .. و يشتعل الجحيم ! .. أتتها فـ أتتهم الفاجعة لتهذب ارواحهم ، و تجمل النفوس .. قدر لها الرحمن أن تكون ضحية .. قدر يستحق الحمد عليه ، فـ ربنا العطوف هو من إصطفاها لتبتلى .. و إياهم ليختبروا ، أ وتدركون عظيم البلاء ، و روعة مجيئه ؟
لو تفقهنا في ذلك لأحسنا ضيافة كل عسر ، لـ أكرمناه بـ حمد - فـ لا يحمد على مكروه سوى الخلاق العليم -
و جدنا عليه بـ توحيد لعالم الغيب و الشهادة - لا إله إلا هو ، كل شئ عليه يسير -
و آثرنا بـ " إنا لله و إنا إليه راجعون " .. " و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور "
فـ إنتشل الله من اجتباها من الدنيا و زخرفها الفان بـ واقعة سحقت روحها الفتية .. لينضج بها الوجع قبيل أوانه .. فتتعلق النبضات من تلابيبها بـ حبال اليقين ، تؤرجحها النسمات الروحانية بين يديها و من خلفها حتى يتهدهد الألم ، و تزدان الصدور بالاصطبار الجميل .. فقد الصق الرحمن الصبر بالصلاة .. فقط تفكروا وهلة لتدركوا عظيم الصبر على الابتلاء و عظيم أجره
: عـ ـ ـر ا ا ا ا ق تعـ ـ ـ ـال
كانت الأشجع !
برغم كونه قواما عليها .. جسدا و عمرا .. إلا إنها بـ لمحة " نطق " تطاولت على شجاعته فـ هشمتها !
ينتمي لجنس الرجال .. و هي من تحمل جينات الإناث ذات الرقة المكتسبة فطريا .. تمكنت من التغلب على طبيعتها و نقضت عهدها مع الصمت .. لتكسر حدودا من بنيان مرصوص راح يشيد حولها منذ أن إعتزمت الفراشة العودة لشرنقتها الأولى
أويكون إزدراد الريق عسيرا بطبيعته ؟ أم أن غصة الوجع و عقدة الإنكسار قد اضفت بمكنوناتها المرة في خليطه الآسنة بركته ؟
طال السكون بعد صوتها المنكسر .. الخائب .. ليميل جسده كل الميل يمينا ، زاحفا ، ممتلئا بالإنهزام
و بصمت .. راح جارا بـ تكومها المشتت ليحاول لملمته فوق صدره .. و مهاداة نشيجها المكتوم .. ليثبت فمه فوق شعرها المسحوب بـ لا رحمة لتجمعه شريطة مطاطية مجرد النظر اليها يفعل حاسات الألم !
بـ حشرجة رجل تاه صوته .. لا حيلة له على رد السوء - عمن يفتديهم بـ روحه و الجسد المبتور - صار يهمس فوق الشعيرات الداكنة بـ تخبط به لمحة من ثبات .. لمحة لا أكثر : إبجي حبيبتي .. إبجي شقد متريدين .. محد هنا و محد يشوفج .. طلعي الي بقلبج عيوني إنتي .. كافي تكتمين .. إنفجري !
" آآآآآآآآآخ آآآآآآآآخخخ ، لك آآآآآآآآخ "
ليكن ذلك الإنهمار الأول للضعف بعد إنهيار سد التماسك الواه .. تتمسك اليد الصغيرة ذات الآثار المبكية بـ قميص توشح السواد بعد كل ما صار ، و صير !
تحاول الحرث في صدره الواسع قبرا لـ آلامها .. فـ دوما ما كان الرفيق الصلب .. الحبيب .. هذا هو بطلها .. و سيظل رغم إعاقته .. و وجعه .. و سواده .. عراقا يجود بـ تماسكه الدؤوب
جسداهما يتقافزان تزامنا مع الحركة المتخبطة على الاراض الوعرة لما تخبئهما بها كـ جنينين يجمعهما رحم واحد .. متوائمي المشاعر ، و الإنشطار .. ضوضاء تراقص الصناديق الخشبية من امامهما و الخلف ، يمينا فالشمال تزداد سوءا لوهلات .. ثم تعود فـ تهدأ .. الطريق طال و هما محتبسين بحثا عن النجاة !
همهمات كان يطلقها الثغر المرتجف .. الباك ، تكاد اجمعها تتذيل بـ استنجادات لرب الخليقة ، استجداءات صبر على المصابين ، إذ إن نشيجها يتخلله بعضا من الـ - زين - لتعوج الأضلع اكثر حد الإنكسار
و ما يكون ممن يناصفها الـ إفتقاد سوى شد ذراعيه من حولها عل الرجفة تهدأ لا تزول ، فهي بارقة حياة .. توحي بالأمل .. فمنذ ايام و الجمود المتيبس هو الطاغ المتغطرس على سيقان شجرة الدر و اوراقها .. تلك التي هبطت اغلبها قاعا .. فـ خريف عمر قد حل عليها و لا سبيل لـ فصل أخر !
بين رقص الصناديق .. و هز العلب المعدنية بداخلها .. انتهى العرض بعد تصفيق حار للعجلات المحتكة بإسفلت خشن .. لتطلق الزمامير تحايا الإعجاب بـ روعة المشهد المخزي .. فينتهي الأمر بعد دقائق ، ما إن فتح ما كان مؤصدا ، و تسللت خصل الشمس الشقراء بحياء راجف حيث هما .. حيتهما بتحية باسمة .. ترفع بين ثنايا خيوطها الممتدة شارة أمل .. لتنعكس بصفارها على الأوجه الذابلة .. تعدهم من الله يسرا مع العسر .. فـ كانت أعظم صورة قد يلتقطها - ماهر بفنه -
و بعد إبعاد بعض من تلك الصناديق من قبل سواعد خشنة .. راح ضوء النهار يسطع على الجسدين المنكبين فوق السجادة المهترئة - لئلا تأكل حرارة الأرضية المعدنية جلديهما - ليصل مسامعهما دون القلبين صوتا فخم الرنة عطوف الفحوى
: الحمد لله على سلامتكم دكتور .. عبرنا الحدود و لله الحمد .. و هاي السيارة تنتظركم حتى توصلكم للمطار
يللا توكلوا على الله و نزلوا
قلق تبدد ، فـ فضل الله وسعهما .. ليزفر " الدكتور " بشئ من راحة مبعدا من تتوسد كتفه بروية ، محاكيا إياها بترفق عهدته منه اعواما : يللا حبيبتي خل ننزل
فتستجيب بـ تيه واضح ، و بعثرة عريت بـ خبث .. ليكون هو الاول .. فيجر جسده بذات الزحف حتى وصل لمنتهى المركبة الضخمة التي اودعت سرهما بـ حنان متدفق .. يشابه حنان من تكاد تفلت خيوط اعصابها هلعا عليهما الآن ، لتصير من دونهما ذات رحم ثكل ! ارتفاع مستوى المركبة الضخمة عن الارض عسر عليه مهمة الهبوط اليسير ، فتقبل اليد الممتدة بـ خضوع لقدر ، و ما إن إستقر على القاع الجرداء إستدار حيث لوحة البؤس الملكوم .. فمد يمينه و رقق قوله : يللا حبيبتي .. تعالي
و بينما هي تتبع خطواته بزحف راجف .. آتاه صوت من يجاوره متمتما بـ بقهر جرده ظلم الحال : الله يعينكم دكتور و يرحم بحالكم .. و ان شاء الله يفرجها على اخوكم
زفرات الهبت الصدور الثلاثة ، ليسترسل الخمسيني بـ قهر من فاض كيله : ما ادري بعد جم سنة رااح نبقى بهالضيم ، وصلنا للـ - 98 - و خطوة وحدة متقدمنا من السبعينات ، بالعكس ، اشوو دنرجع ليورة ، هذا حالنا من حرب لحرب و من صاروخ ايران لتهديد امريكا !!
ليواجهه الاخر بالبصر دون الجسد .. معلقا بـ حسرة حيلة قد فقدت : يمعود ابو عبد الله دير بالك .. تعرفهم بكل مكان الهم عين و اذن ..و انتة رجال وراك بيت و جهال ، إسكت و خليها على ربك .. ترة ماكو حق يضيع يمه
: و نعم بالله
*
وطن مد على الافق جناحا
وارتدى مجد الحضارات وشاحا
بوركت ارض الفراتين وطن
عبقري المجد عزما وسماحة
***
هذة الارض لهيب وسنا
وشموخ لا تدانية سماء
جبل يسمو على هام الدنى
وسهول جسدت فينا الإباء
بابل فينا واشور لنا
وبنا التاريخ يخضل ضياء
نحن في الناس جمعنا وحدنا
غضبة السيف وحلم الانبياء
***
حين اوقدنا رمال العرب ثورة
وحملنا راية التحرير فكرة
منذ ان لز مثنى الخيل مهره
وصلاح الدين غطاها رماحا
***
شفيق الكمالي
تتعالى الهتافات الحماسية .. و تتألق الأصوات المتفاوتة الطبقات بلحن واحد ، شديد القرب للنابض !
و كأنهم ينزفون دمهم بـ مجرد ترديدهم تلك التعويذة السحرية المسماة بالـ - نشيد الوطني - ، منذ نعومة الأظافر و هم يستسقون من ينابيع الفراتين حبا و عشقا و فداء .. تحشرجت انفاس الحياة لتقتصر على حب الله و من ثم الوطن .. فالقائد !!!
أمة عربية واحدة .. ذات رسالة خالدة ، عبارة ردتتها الاف الحناجر ، و لم تسمعها أذن واحدة !
زمن الشعارات كان ذاك ، و التطبع بما لا يليق .. ربيت الأنفس على التذلل ، لترتضيه
و صدقت الأرواح كذبات راحت تخطها بأيديها .. يقال أن الإنسان من يصنع الأصنام و هو من يعبدها ، و أخص بالذكر العربي .. و كأنه إعتاد أن يكون مرؤوسا .. يبحث بـ شراهة عن الحرية و الديمقطراطية - و إن أتياه تضرع لسيد جديد ، كما إعتاد - ذلكما السمان الأميركيان اللذان تفشيا بعد زرقهما بأوردة الشعوب .. فصارت تفدى لأجلهما أرواحا طاهرة .. دون أي نتاج !!
فالحرية لم تعن يوما القتل حسبما تشاء .. و لا قطع الطريق على من تريد .. لم تعن التجاوز عن ملكيات الأخرين و ذبح ارزاقهم .. فلم يحرفونها لـ ظلم و طغيانا ؟!
*
في اخر الطابور يقف الجسد المستنفر ، المستقذر لكل حكاوييهم و صاحبته تدرك خدعة الوطن ، و المدافعين عن حياضه كما يدعون !!
فـ ما زال الجرح نديا ، و أثار الذبح نازفة .. تكاد تختنق بعد إذ أجبرت على التظاهر بـ إستمرار الحياة رغم فقدان عموديين من المنزل .. أحدهما شمعة ذبل نورها ، حتى إنطفئ دون ان تنصهر .. و الأخر صبي لم يرتشقوا طعم رجولته بعد
الجسد الفتي - و الذي لم تكتنز معالم صباه بعد - كان مرتجفا رغم وجود الشمس ذات الأشعة الساطعة ، المتلألئة بـ خيلاء شقراء مثيرة
باتت الثقة مذبوحة بمن حولها ، و لربما الشك بنفسها أولى .. تتوجس خيفة من كل نظرة شفقة .. و من كل جملة رثاء قيلت بحق فقيديها الراحلين - كما يظنون - ، و كيف تستقبل منهم حنوا و امثالهم من هزوا اركان حياتهم ، و دمروا بنيانهم الرصين .. ليصيروا فجأة من الأسر الفاقدة ، في سبيل الوطن !!!!!
أمثال هؤلاء هم من يقتلوا و يقيموا مناصب العزاء ، و لربما يجودوا بوقاحة افعالهم فيرفعون النعوش .. يظاهرون بالمودة و الفخر - فحصيلة الضحايا لأجل الوطن قد ارتفعت -
بينما يخفون كون الفقيدين ' على اختلاف نوعية فقدهما ' ارتحلا لأجل العفن .. لا الوطن .. لأجل الأنفس الدنيئة و قذاراتها ، لأجل شهوات خنازير من بني البشر .. - بعض من مسخ قذر - راحوا يعثوا في الأرض فسادا ، و يتصفوا بـ سمات فرعون و جنوده .. فهم الأعلون ، و من تبقى عندهم عبيدا ، يستبيحون النساء و ينتهكون الحرمات !
في غمرة الطغيان ، نسوا ان لا عظيم سوى ربهم الاعلى .. و ما استبد بهم من العلو ، فهو لـ حكمة يقتضيها الرؤوف بعباده .. فوق كل ذي ظلم هو .. لعلهم كانوا حينها يتفكرون
إنتفاضة سريعة سرت عبر القد الرفيع ، ذلك المختبئ بإستحياء خلف قميص أبيض و - مريول - نيلي اللون ، دهشة عارمة حطت على الملامح الشاحبة و المقل راحت تتطلع بكل من يحيطونها بشئ من فزع !
ازدردت ريقها بصعوبة وهي تستقبل كما هائلا من نظرات الشفقة المزيفة - برأيها - لتجر من شرود منعها من فهم ما قيل سلفا بـ تكرار الجملة الـ خادعة
و نحن أسرة مدرسة الـ - * - نقدم خالص الأسف لطالبتنا المجتهدة - تمني محمد أحمد - لفقدان اختها و اخوها بسبب الاعادي و ذوي النفوس الضعيفة من - أعداء العراق - و ندعوا الله ان يقر بعودتهم عيون اهلهم الذين قدموهما فداءا في سبيل الوطن !
قالت عفن .. لم لا يدركون ؟ فقدتهما لأجل ما تشمئز له الانفس البشرية .. لم تتهمون الوطن و تحملونه الإثم زورا و هو برئ ؟! .. أما ستكتفون يوما من جعله يبتلع غصات مصائبكم دون أن تقدموا له حتى شربة ماء !
آوه نسيت .. فأنتم لا تملكون سوى الدم .. و هو لا يسقى لـ بل ريق ، إلا لأمثالكم .. و ما قصة اعداء العراق تلك ؟ إسطوانة - مشروخة - رحتم تنصتوا إليها عند كل ذي غلطة ، و على الآذان وجوب سماعها !!
مراهقة يانعة لم تزل ، و أن تحاط بهذا الكم من المنافقين - بوجهة نظرها الضئيلة - كان أقوى من قابلية إحتمال عقلها الواع لإدراكه و التعامل معه بـ تعقل العقلاء ، لينبض الفؤاد بثورة عارمة ، إنقباضات تتلوها انبساطات لا تكاد تحس ، توشك الغصة ان تعتصر العنق بيديها ، لترديه صريعا لـ هيجان قلب
فجأة و دون إنصاف لذات التماسك راح الجسد يتهاوى مغشيا عليه ، هاربا من الذبح بحدة الموقف ، ذاك الذبح الذي لم يستخدم به الة اكثر حدة من - النفاق -
*
يضخ الدم للأطراف بـ ذات سرعة توازي تلك التي للمراكب الجوية ، النبضات تتخلخل ضمن حدود اللا محتمل و البرودة راحت تنتشر في الأعضاء حتى وصلت الكبد
يجالسها و الصوت بح من المصاب ، يحاول محاكاتها ببقايا نبرات اكرمته بها رجولته الوشيكة - فهو لم يعتب الثامنة عشر بعد - و تركته له الأزمات المشتعلة حديثا
و ها قد أوكلت له بعضا من أولوياتهم ، ليتقلد شرف الإعتناء بها !
أصعب الأولويات و أفخمها رقة
كانت نبرته المحببة كعقار مخدر لقلبها الفتي ، المترعرع في طاهر المشاعر ، لتحاول التماسك قدر الإمكان و حذف ما تربع على الخدين من دمعات هطلت - حالما ابصرت المقل نورها المتمثل بـ مراهق هزيل الجسد - و كأن مصدرهما مزن لا محاجر ! : - تونـ ـة - .. سكتي عاد .. كافي
يمعودة باعي وجهج رح ينفجر
ليتقافز صدرها بذات شهقات متتالية تكاد بها أن تفقد انفاسها المبتلة بالدمع ، فتهمهم بفزع و الملامح تنكمش تلقائيا ما إن أدركت احداقها إصفرار ملامحه المشوهة - بفعل سنين المراهقة - : هاي شجا ا ا بك ؟ أ أ أ ، شصـ ـ ـااار ؟؟؟ وصلـ ـوا ؟ ،، و - زييين - رجـ ـعوه ؟
هو من كان دوما لـ دمعاتها لا يطيق ، فكيف الآن و بعد ان تركوه امام حلق المدفع وليمة !!!
تعسر عليه الحديث لوهلة .. حتى استراح القلب من انقباضته ليضيف بعد حين بحنو بالغ رغم اندماج النبرة بالكثير من الإنكسار : عيووني كافي .. اششش إسكتي تونة .. كافي حجي زايد .. - و بنبرة اقل مستوى اضاف - دتفتهمين شدا أقول
لم تستجب له ، بل إزدادت ذرفا من المقل و هي تهمس بتوجس و نظراتها تتحوقل كـ مخبول !! : شصـ ـا ا ر ؟ وصلـ ـوا ؟!!
فما كان منه سوى ان يقلب بصره هلعا من حولهما " حيث مكتب المرشدة الاجتماعية " ، ليعلق بفحيح هامس حانق افلت منه دون انتباه : إششش زمالة - حمارة - كافي ، ليروح احد يسمع ، تدرين حتى الحيطان إلها إذان
إهتزاز الثغر الصغير ، و ترقرق الأحداق وخز ضميره ، ليتعلق النبض بفوهة حنجرته ، فينبح صوته رغم محاولاته المستميتة لإسترجاع النبرات الطبيعية " أسف لتبجين ، بس .. تدرين لازم تسكتين .. فخلص سكتي "
بعدها استقام واقفا قرب قدميها الممدودتين فوق الاريكة ، ليشرف عليها من علوه و بحدقتيه نظرتين ملؤهما الآسى ، و لإفتقارها الخبرة بالوجع تاهت دون الوصول للتفسير الصحيح ، فـ ظل الذهن منشغلا بـ قلق يجذها حيث قطب الأخوة ، لا الشقيق .. التوأم !
فترت الاجواء بينهما ، هي بتوتر متعاظم ، و هو بقلق من ردة - بؤسها - إن علمت ما خفي .. همس بتعب بعد ثوان : خلص قومي يللا و شوفي نفسج تقدرين تمشين ؟ لإن حنرجع للبيت مشي
تقبلت أسفه و تفهمت لومه بـ هبوط في معدل النبضات ، لترتخي اهدابها قهرا من الحال ، فـ تنزل ساقيها من مكانهما ، مستندة بكفيها على الاريكة على جانبي ردفيها ، لتعلق بعد حين : بابا وين ؟
أ تشنج حتما أم هيئ لها الأمر ؟ لمحت ارتجاف يمناه الجاثمه على عنقه الطويل ، الناصع البياض ! ، لـ تصلها نبرته مشوبة بالارتباك : بالبيت
فتسترسل مستفسرة بصوت حمل من التهدج بعضا : و ماما - نزهت - ؟ .. و زين رجعوه صح ؟
نحنحة بسيطة واتته للتهرب ، و من ثم أكمل سلسلة الأكاذيب بـ حلقة اخرى : كل اهلج بالبيت
لتهز رأسها ممتعضة من ذات إسلوب كريه ، و من ثم تصلب ظهرها لتقوم متغلبة على بقايا الدوخة ، فيما يسفر عن اللسان مع القلب تساؤلا جديدا ، منبعه صافيا كـ ماء كوثر ! : و ماما - سميرة - ؟
سكون اخر ، فتجئ الإجابة المموجة بالتنهيدات المشتعلة .. مختنقة النبرات : راحت لبيت خالتي .. تدرين مدتحمل تقعد بالبيت ورة أخواني
ما كادت ان تخطو خطوتين لتهم اعصابها بـ الإستنفار قسرا ، اذ ربعت ذراعيها مضيفة و حشرجة الهم لم تزل تقرص حنجرتها : زين ماما - نزهت - تدري أنتة اجيتني ؟؟ إنتة تدري بيها متقبل
فما كان منه إلا أن يبدي إستنهجانه بأن يكز على فكيه و كأنه يود القبض على هوجاء حرفه ، و من بين السيطرة المتزعزعة فلتت المكابح ليجيب ممتعضا ، حانقا ، و للأسف ، فشل في الإستمرار بالتخفي خلف قناع الناضجين لفترة اطول ! : ترة مـ إجيت دا اكلج و لا اتحارش بيج .. ابوج دزني و اذا متصدقيني سألييه .. امج هاااي أفكارها تـ ـ
فتسارع هي لصب دلو ماءها فوق ناره ، اذ لم تستسغ يوما الشواء حية : الله يخليك هسة مو وكت نقاشاتنا هاي .. خلص هاية امي و المفروض انتة تعودت عليها - لترفع يمناها مزيحة شريطا من الكستناء المستلقي على الخد الرطب ، فيتزامن قولها الحرج مع فرار حدقتيها عن رعونة هيئته - بس جاوبني تدري بيك جايني ؟؟
و كأن بنبضه عث في عقله حكما ، ليخمد لهيب غيظه و تثقل كفة القلب ، فما كان من الفتى اليافع إلا أن يستسلم لـ يجيب على مضض متحركا حيث الباب الخشبي بتهادي : ما ادري .. قتلج ابوج دزني من خابروه المدرسة قلوله عليج
فتستوقفه بـ بلاهة صبية : زين ، لتقول قدامها انتة اجيت عفية
سكن محله لثوان ، ليستدير بعدها متحدثا بـ تشنج : تمنـ ـ
و قبل أن تستعيد النار لهيبها راحت تتوسله بـ خفوت منكسر : الله يخليك ، الله يخليييك حبااب .. لخاطري ، و الله ما بية حيل اترزل - أعنف -
تمكنت بـ ارتداءها زي المرتعبة من أن تحيك لذاتها بين رئتيه بيتا ، فيدللها مرحبا ببهاء الحضور : زين هالمرة لخاطرج ، ديللا روحي جيبي جنطتج دنرجع ، هسة ابوج يظل باله ' يقلق ' لإن اتأخرنا
قبيل ان تتحرك قاطعت فظاظة قوله بـ : ترة عيب تقول ابوج و امج و اخوج .. شو اني عمري مـ قلت امك ؟؟
كله اقوللها ماما
بلا إهتمام - تظاهر به - و كفه تنكمش بداخل جيبه علق : امي مرة ابوج
لتنس لوهلة طيف حزنها الداكن فتحاول ثنيه عن ري شجرة الحقد ذات الفروع المتشعبة كرها و غيظا : و ابوية رجـ ـ ـ
فيحذرها بعد أن إعتدل منتصبا : ديري بالج تكملين .. و يللا دنروح
لم تشأ أن تخنث عهدها مع الطهر ، اذ سارعت معتذرة : أسفة يسـ ـ
فقاطعها هو بنبرة متكاسلة حاول بها ستر عورة بؤسه لـ عظيم حزن سيشق صدرها قريبا : يللا تونة .. روحي جيبي غراضج
امام بصريه راحت تزم شفتيها حنقا ، و لمحة الوجع لم تغادر صفحة مآقيها ، لتتحرك الهويني من أمامه .. فتشعر فجأة بنغزات تتوزع من شمال الصدر لما يحيطه .. فتبتلع غصة جافة رغم رغبتها في تجشؤها ، كادت ان تخر صريعة لمطرقة الوجع النافذة لـ رأسها ، لتتماسك بعد حين متمسكة بطرف الباب المشرع و كأنه حبل نجاة دون الغرق
و بلا أدنى وعي ، راح لسانها يردد بخفوت مرتجف ، مذهول .. و كأن ما بها من عوارض أدركت من قبل المقل المشوشة لتبصر اخيرا حقيقة ما يحدث معها منذ ساعات !!
: زين .. زين بيه شي
و بلحظة كان القد ملتفا حول ذاته ليقابل من لم تظهر ملامح الصدمة على وجهه الكئيب فهو من عاشر هذا التواصل الروحي لـ أعوام طوال !
: زين شبيه ؟ مـ رجعوه ؟ شسـووله ؟؟
*
أجساد تتراقص .. إحتراقا !
و هتافات استنجاد تعلو ، فزعا
بنيان فخم دفن ارضا و معه حطبه من بني البشر .. آرادوه ملجئا من فزع القصف و هلعه .. ليريده الله موقعا لإنتقالهم لـ حياتهم الأولى ، كلن له ميقاته المعلوم عند الواحد الأحد
ضوضاء ضجت بمسامع الجميع و شقت قلوبهم المتأهبة لمثل ما يحدث .. قلوب ارتضعت مع اللبن الصافي خوفا و وعدا بالموت قريب !
أناسٌ يتراكضون بأجساد تحترق .. و آخرين من خلفهم لم ينجحوا حتى بالوصول للمنفذ المؤدي للخارج ، بل احتبسوا بداخل الملجأ المشتعل إثر قنبلة جادتْ بها طائرة أميركية من نوع - أف 117 - إستهدفت منافذ الخروج اولا .. فأخرى هدفها من احتبس ، فصار الناس حطبا في محرقة
أي دين تتبعون فقط أنشدوني ؟!
أي رب تعبدون ؟ و أي نبي تصدقون ؟ فـ ربنا الواحد القهار لم يأمر عبدا من عباده بهز أركان الأرض .. قتلا
و نبينا الحبيب - صلوات اللهِ عليهِ و على آلهِ و صحبهِ - و أصحابه من الرسُل - عليهم أفضل السلام - لم يكنوا يوما من ذوي القلوب المتحجرة .. بل كاد لعطفهم و صبرهم أن يذوب أشد الرجال
أإستبحتم في الحرب كل شئ كما تشتهي دناءة أنفسكم ؟
و الـ " كل " يقع ضمنها التلذذ بإشعال الناس أحياءا ؟!
خسئتم و رب العزة و خسأ سبيل الغي الذي تتبعون
؛
بـ هلع من لم يشاهد يوما - و لفقر الحال - شاشة تلفاز ، و أجبر على متابعة لقطات " متفحمة " لمشهد حي بالغ الرعونة الشيطانية ، خفقات قلبه الفتي - المتجلد فقدا - تدوي كـ دوي القنابل و الصواريخْ التي صاحبت أسماعهم و فزعهم لـ ميلة موت جديدة .. كـ التي امامه
من بين الأكوام الحية الميتة .. لمح البصر كائنا صغيرا .. لا يشابه من حوله ، فهو لم تتسنه النار بعد .. و دون إنتظار لقي الغلام نفسه راكضا - بـ نعلين متقطعين و قلب زهد من دنياه قبل أن يدركها حقا - حيث من فزعت دون علمها بـ بشاعة الواقعة من حولها
فـ سنون عمرها لم تكد تصل الثلاث .. أو هذا ما تبدو عليه !
بـ رحمة من الرحمن و تيسير ، وجده مدفوعا و من يحمله بسواعد ضخمة ، جاءت و اجسادها مستنفرة عظيم الوقع و الحال .. كاد الفتى ان يتعثر موتا بـ الكثير حتى افلح بالإنزواء بعيدا عن الجمع الملتهب و قريبا من ضجة اخرى ذات ترف مميز ، و ما غيرها ؟ صافرات الانذار المعتادة .. المذيلة بهلع يحتل الأفئدة عند كل ذي اشتغال !
عويل الطفلة المنكمشة بعلو منقطع النظير ادرك وعيه الفزع ، الباهت لونه .. ليحاول بـ رعب - من صغر عمره و انعدمت خبرته لتلاشي الطبيعية بحياته - هز اركان الجسد الصغير و إسكات صفارته هو الأخر ، و للمرة الأولى - منذ أن أدرك معنى أن تكون إنسانا - كان يضم لصدره كائنا إنسيا .. يعاكسه لونا و حجما ، و يماثلهه بالرعب و لا يتغلب عليه .. فالاحداق المرتجفة لم تفارق تلك البقعة المشتعلة .. و التي لساعات مضت سميت بملجأ .. ملجأ العامرية !
شيد رقمَ خمسٌ وعشرين و هرع لهُ الناس لظنهم إنهُ المنجيِ .. فـ خاب الظن و خابت الأماني .. و كيف و ربنا الأعلى من قال بأن المُوتُ مُدرِكُنا ولو كُنا في بروجٍ مُشيدةْ ؟!
فأراد سُبحانه أن يكون ذلك الصرح مهدودا ، مشتعلا .. كَـ محرقة حطبها أربعة الآفٍ و يزيد من الأطفال و الرجال و النسـاء .. في 13 فبراير، 1991
*
و لَهَـا مَـا يَتبَعُها بإذنهِ الواحِد الأحدِ
حُلُمُكمْ .. الجَميلَةْ
التعديل الأخير تم بواسطة تفاحة فواحة ; 18-11-13 الساعة 09:27 AM
سبب آخر: ^ــــ^
|