كاتب الموضوع :
حلمْ يُعآنقْ السمَآء
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: و بك أتهجأ أبجديتي
بسم الرحمن ابتدأ و بحمده انتهي
صلواتكم و الطاعات ثم الرواية يا احبة
راء
آنى لنا التعايش مع أُناسنا بـ صدق حقيقي ؟ فنعترف لهم ما يعتمل في الروح من أشجان و لينتهي البؤس العنيد !
نعتصر الأشياء في ارواحنا اعتصاراً حتى تندلق من المآق إنتفاضاً على وحشيتنا !
ما مُتعة كسر الخواطر و القلوب ؟!
أليس من الاجدر بنا ترميمهم ما داموا ساكني الفؤاد بملكية أبدية ؟! لم اذاً نُغالي في إحالتهم حُطاما ؟ متى التفقه و التغيير ؟
متى سنُبدل ما بأنفسنا العليلة !
•
بين جدران ضيقة ، خانقة ، تحتجز رفرفة روحها المُبللة بغيث الحسرات ، كينونة الصمود صُدعت حيطانها حتى آل سقفها وقوعاً دك الصمت و ما يخفيه ! ليلوذ البوح بدمعات ثقال ، كـ احمال الكاهل المُنحني عللاً لا شفاء لها ، تكتظ انفاسها الحارة فتحترق بشرتها بلهيب روح اعتادت النيران
في الحمام الصغير العائد لـ الكادر التدريسي ظلّت دقائق طوال ، تُقارب العشرين ، يُسراها تعتصر صدرها محل القلب ، تتمنى لو بإمكانها إنتزاعه من بين الاضلع انتزاعاً لا مرد له ، قلباً ضعيفاً احمقاً فاشلاً في اول اختبار كـ هو ، لم تُبصر !
كيف له و بعد عُمرٍ قضاه في صفوف التعلم يتهجئ ابجديات التصلب و الإقدام ان تنحل لُحيماته و تُذاب العُظيمات فقط بـ مُحاورة واحدة تُبالغ في تذكيرها بالماض ؟!
اي فشل و اي غباء يحمله حتى اضاع اعوام الدراسة عند دق ساعة الامتحان !
" أسف "
أ تعويذة سحر هي افلحت في تفتيت حصاها المُقاومة ؟!
ام تميمة عشق لم يُذَق - من بعد العشرين - تاهت يوما و لم تجدها سوى الآن هي ما اغدقت عليها ذوبانا ؟!
يا ليت أسماعها صُمت عمّا يُميع الروح الجامحة ، الف ليت !
ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً لا تمني ، هذا ما كان عليها ادراكه سلفاً ، قبل ان تُحمل قلبها ثقل صلادة لا طاقة له على عبئها
و ها هي و لسوء التدابير تقع مغشية من الالم ، الم نفسي يماثل زرع سكينٍ في الخاصرة ، و من بعد الزرع تدوير بين الحشا الرخوة ، حتى تسيل عصارتها كما الدمع المُنهمر فوق خدين شاحبين
ألمٌ يستنطقها لتبوح ببعض ما يعتمل في نفسها ، يتوسلها مصافحة الحديث ، يتذلل لها لـ تقتدي بشكاية العالمين .. لكنها تأبى !
مجزرة الوجع و ان تغذت على لحمها و العظام لن تنجح في جعلها تُناجي الناس في هواجسها ، لن تفعل ! اذ ليس في مقدورها صب اشجانها في دلاء الاحبة ، فما بحوزتهم يوشك على الاندلاق ، و لا نية لها لجعل همومهم تُدلق !
لمّن تبوح ؟ فـ التمني تمتلك بعض مساحة فارغة يجب ان تُملئ بصغيريها ، و اليسّار عليه ان يستغل فضاءات حياته في الانشغال بكيفية إستعادة روحه القديمة
اما العراق فـ هي من يتوجب عليها إغاثته من بعد الله ببعض صبر ، هو من يحتاجها بصمت الكبار و تصديهم لـ موجات التهالك
بينما والدتها ، فالموت اهون عليها من تحميل قلبها كُتل الوجع القديم !
هي لا تمتلك سواهم من دون الرحمن ، و لا تريد ان تصاب من رؤسهم شعرة
إستكانتها اللحظية ، و ثباتها على صراط عقيدتها جعلاها تتحرك مُغادرة حجزها الانفرادي بعد ان تأكدت من خلو ملامحها من علامات النياح ، خشية تعري ستر امرٍ عتيق ، لا حال لها لـ تجرع مرارة الفضيحة مُجدداً ، ليس بعد سنين الهرب تلك !
ما ان تحلت تجاهلاً أخرجها من الرواق الخانق حتى الحدائق الخارجية ، حتى غلفت اشعة الشمس جليدها من جوانبه الخمسة فـ أذابته ، لتجعلها تُحتضن برحمة من الله كانت لها شاكرة حامدة ، ناطقة في اسرارها المُكتظة اوجاعاً
ان ليس هنالك من يُشدد على قلبي سواك يا قوي ، ليس لي من يُجبر كسرات روحي إلاك
لست بشئ دون عونك يا الهي
فـ اللهم قوةً
اللهم سلواناً و صبراً
اللهم رحمةً من عندك و لُطفاً
لا سبيل لدي للمواصلة لولاك يا حبيبي يا الله
لم يعد لي قوة ، فأغثني بقوتك يا رحمن
اغثني بقوتك يا حبيبي
*
كـ تلميذ مُهذب ، مُثابر ، ظل على عهده مع دروسه ينتظر مُعلمه رغم تأخره الطويل !
لا يدري أحديث رفيقه السابق قد بالغ في ترك اثره في نفسه بعد أن رسم له بفُرشاة شقراء لوحة مُستقبل جميل قد تكون من نصيبه إن كرّس طاقاته على الشهرين القادمين ، حتى ينجح في الإختبار المُنتظر ، علّ تخرجاً جميلاً يُحاصصه بالقادم من الاعوام
ساعتان كاملتان قضاهما بإنتظار عودة العراق الى المكتب ، حتى يجود عليه بـ وظيفة قد تكون الحلقة الاولى في مُسلسل تعريفهم على ذاته المُنسلخة عنهم منذ أمدٍ بعيد
تبادل مع السكرتير الشاب الكثير من النقاشات خضم الإنتظار المُمل ذاك ، و منها علم بعض امورٍ عن العمل ، و مُنتسبيه ، كـ تلك الحمراء الوحشية بجمالها و التصرف !
إنتقادٌ حاد جلجل في نفسه لدى علمه عن كونها " ارملة " حديثة ، إنتقاد سُرعان ما أُخرس ليعلو رعد القلق محله ! أ للإناث قُدرة على المُضي من خلف أزواجهن بسرعة قياسية كتلك التي للرجال بعد نساءهم ؟
أ تستطعن إهمال الوفاء ، و الحياء و العدو خلف الحياة مُتشبثات بألوانها الزاهية ؟
في اعماق وجدانه ادرك بأن قلقه لا يشمل كُل النساء ، واحدة فقط من تُزلزل بُنيان تماسكه ، و تفاخره
أ ستفعلها تمني و تنتزع نفسها من ذراعي كنيته ؟ تهديدها هو ما جعلّه ينقلب على ادباره صاغراً ، هائج الذهن و النبض ، - رغم مخافته - في اعماقه كانت هنالك بذرة يقين بأنها لن تفعل ، يقوم بسقيها يوماً ، ليهملها بعده ، حسب مزاجه الغريب !
وها هو الان و بعد رؤية إحداهن تفعل ما لا يفعله الرجال ، اهمل سقاية بذرة الخوف تلك حد الجفاف ! ظنونٌ سكنّت افكاره المُبتذلة حتى جعلت الراحة تُفارق مجلسه الرتيب
كان على حاله المُبعثر بعضه لما دلّف العراق مُحييا تسبقه الرزانة ، و تتبعه الهيبة .. شعور مُختل تسلل في عظامه ، شعور بالزهو و الفخر بأنه ينتمي لهذا الرجل ، إنه أخيه !
لم يفُته نظرة التعجب التي طلّت من احداق العراق و كأن اخر ما ينتظره وفاء اليسار بوعوده .. من الجيد تخييب توقعات البعض ، بالذات أولئك الشامخين كـ العراق ، اعجبه ذلك و ضاعف من اسباب تفاخره
تحرك خلف اخيه بعد اذ ناداه ، ليدلفا الحجرة البسيطة ، فيبادر هو بالحديث المُتملل : يمعود عراق وينك ! صار ساعتين انتظرك ، هسة لو مفهمني شسوي قبل متروح
انهى كلامه و هو يجلس على احدى الارائك الطرفية ، و عيناه لم تُخطئا في ترجمة اللغة الغاضبة لملامح عراقٍ ويح من يُغضبه ! فهو من جرب اغضابه ، و احتجز بعقابه الصامت اعواما
اراد فهم ما يجري ، فقرر استمالة صمته للإفصاح عبر استنطاقه بود الحديث : خير خوية ، شبيك ؟ خوما صارت مشكلة وية هاي فرات مدري شسمها !
كان على وشك الجلوس حين الفضول ذاك فتسمر لحظة نطق يسار لإسمها ، ثم استطرد جسده مُهمة القاء الذات على المقعد ، و احداقه تجولت في المحيط ، لتثبت اخيراً على الكائن العضلي الجالس بإسترخاء مُزعج امامه دون ان يبعث له جوابا
ليكرر الاخر بإهتمام باد : اقلك يعني هسة " هاي " حصتها بالمكتب اكثر منك ؟
تجاهل اخر ، جعل كبوة لسان الاصلع تنفلت ليثرثر بـ افكار هزّت حصون عراقٍ إضطر ان يُبصرها بعيون الاخرين .. أجميع من هُنا يظنون بها هذا السوء ؟ : هوة هذا ابو حسين الله يرحمه متزوج وحده بقد بته مـ قال اكيد متزوجته حتى تاخذ فلوسه ، شقد بقت وياه سنة سنتين !! هسة مات و لهفتلها الورث الزين
حشرجة بسيطة حكت عن إنفعاله ، و لسان حاله يرفض الانصات اكثر : هنا مكان شغل مو حمام نسوان
قوله الخشن ، الرافض افكار اخيه حتى الصميم ، لم يقف حائلا بين اليسار و بوحه ، إذ أكمل سرد رواية البهتان بحق البطلة القرمزية بـ نبرة مُنزعجة : هههه هاي شنو !
شدعوة هالاعصاب ؟ ندري بيك متحجي عالعالم بس من ورة - بسبب - ابو حسين هاي صارت شريكتك ! متخاف على فلوسك الي بالمكتب لتروح تسويلك مصيبة ، وحدة مثلهـ
: اذا مناوي تسكت توكل على الله و اطلع يللا
كان مُمتلئا بالبغض ، و بعض قهر !
لُتصاحب نبرة الود اليسارية بسمته اللعوب : دانصحك ترة
لم يفلح بإزاحة لمحات الضيق من على الملامح الحادة ، بل ربما ضاعفها دون ان يدري ! اذ راح الكبير يُناقشه بتعقل : انصح نفسك اول شي ، و دير بالك تمشي ورة حجي العالم
بحاجبين تعشقا إنزعاجاً أكمل مُوجهاً أخيه ، الفوضوي : انتة هستوك " للتو " جيت شلحقت تعرف حتى تفكر هيج ؟ لتنسى حسين و اخته يداومون هنا و اكيد كل الموظفين ينتمي ولائهم الهم و راح يوقفون ضد اي شخص جديد ياخذ مكانهم
لم يكن بحاجة لدهاءٍ عجيب حتى يفهم ما يريد العراق إيصاله ، و هذا ما جعل العجب يسكن النبرة و جسده المسترخي على الاريكة يعتدل بـ اهتمام : هاا يعني انتة تعرف شي عنها
اذن هية مو مثل م سمعت ؟
لا يعلم لم يتبع اسلوب اللف والدوران ، فهاهو يواجهه بالكثير من النُصح دون ان يجيب حقا على تساؤلاته : انتة قلتها ، سمعت ! لا شفت و لا واجهت موقف ، حتى اذا شفت شي لتحكم عليه قبل متعرف حقيقته ، لتتسرع بالظن الآثم يسّار
و كأن بسنينٍ اضاعها غُربةً لم تكن ! و كأن لا جرحا عميقا يثقب روح العراق و الجاني سيف غمده ، و كأنه لم يخيب أمله في فقده مرتين ، حين فقد أبيه ، و إبنه !
ها هو يحادثه كما الاخوة ، يوجهه و يغالي في ذلك ، يحاول برمجة شخصيته كما يودّها ، يُهلك نفسه في السيطرة على غضبه ، و قهره القديم ! نظراته تفضحه و إن انعقد الحديث في الحناجر ، عتاب الاعين لا يُخطئ ابدا ، و العراق ما زال له مُعاتباً ، مكسور الخاطر
وخزة تأنيب القلب تلك جعلته يجاهر في الانصات و تمجيد الحديث الناصح ، علّه يفض من على الاحداق عتبها يوما : ماشي لعد انتة ادرى ، و اذا تريدني ما ادير بال لحجيهم تتدلل ، اصلا راح اشوفها وجهي الحلو ، بس هية ضوجتني فأني قلت لعد حجيهم صحيح !
عراق اريد افتهم اكو واحد ميعرفني حتى هية مـ
استرساله بالحديث الاحمق جعله يستوقفه بـ جدية ، مُغيراً دفة الكلام لواقعٍ يبدو ان مفتول العضلات غفل عنه : يسار بطل سوالفك ، اريدك تثقل شوية و تركز بالشغل ، انتة اصلا لا اختصاص و لا شي بس راح احطك على شغلات ادارية مهمة
النبرة الحازمة ، المُتحكمة حطمت قمقم عفريت اليسار ، ذاك الذي تركه حُراً من سيطرته لفترة وجيزة جعلت منه اخرقا يتسم بالادب !
ليمتعض معترضا : ترة اذا من هسة تذلني عالشغل اطلع منا و بعد متشوف خلقتي
حينها قابله الاخر بتحكمه ذاته ، ناطقاً بجزم : يا مذلة ؟ فاتح مُنظمة مساعدات اني ؟
انتة تشتغل و بتعبك تقبض راتب
سلاطة لسانه ، و تخليه عن الانصات لـ قلبه الرخو عند أهله ، جعلا اللسان يبوح غيظاً : اي قول هالحجي لنفسك
مو كل شوية تذكرني انو انتة مشغلني يمك
فيكون الاكبر مُصرا على صقل صبيانية من امامه : اعقل شوية و عوف هالسوالف للنسوان !
انتفض المارد مُجددا لاطماً فاه القلب ، تاركاً العقل الهائج يصيح منفعلا ، مفصحا عن مخاوفه دون ادراك : شوف شوف !
اذا بدايتها هيج قبضنا لعد
من هسة قلي اذا بعدك مـ طايق تشوف جهرتي و قوة متحملني و رح تعلق على كل حجاية و تصرف حتـ
رفة عين واحدة ، لم تلتقطها ابصار اليسار ، و لو فعلت لفهم بأن جرح أخيه منه لازال قائما ، لكنه اكثر تفهما من ان يُعريه
فها هو يقطع دابر الحديث المُزعج بأخر جدي ، ذو نفعٍ لكل افراد العائلة ، و ليس لليسار منفرداً : لتتحسس زايد
و هسة خلينا بالشغل
من هسة اقلك ماكو دوام عالمزاج ، تلتزم مثل كل الي وياك
و ما اريد قيل و قال ، الي تسمعه هنا يبقى هنا مو ارجع للبيت اشوف الحجاية واصله لأمي
مجددا ، هاهو امام اخيه الكبير يستمع لتوجيهاته بإنصات مخبول ، لا يليق بوقاحة افعاله القديمة ، لابد و أن قمقم أخر بُني في رأسه و احتجز بداخله عفاريت الحقد اجمعها
: ماشي
بعد تأمر بشي ؟
سخرية جملته الاخيرة لم تُلفت اعصاب الكبير لتزعجه ، بل لاقت اهتماما كريماً ، جعله يغدق عليه بالقول اللين : لتعتبرها اوامر ، مجرد شروط تمشي عالجميع
هزة رأس خفيفة يُفترض ان تكون مُعبرة عن تفهمه ، و لكن النبرة المُتمردة تستمر في استعراض نفسها ، اذ ان لا شئ يعجب صاحبها ! : ماشي مـ قلنا شي يابة ، شروط شروط
بس على هالحجي محتاج سيارة اني
بهدوء علّق ، و الراحة الغريبة اغشت ذهنه لوهلة ، فراح يباغت اخيه بالتساؤل الهادف : شتسوي بالسيارة ؟
انتة شهرين حاطنا و حاط نفسك تحت التجربة !
لكن الاخر لم يقع مُتعثرا في تلك الحفرة ، بل تفاداها بدهاء : ميخالف هم احتاجها ، لإن احتمال امدد الفترة
بسمة خفيفة لونت كآبة الوجه الكظيم بعد ان صدمه ذكاء الاجابة : اوكي نشوفلك
عند الانتهاء ، كـ طريق مُستدير عاد لنقطة الإنطلاق ، ليكرر حينها استفساراته المُزعجة : زين مـ قتلي شبيها هاي البرشة ؟
ملل كسا الصوت ، و الجسد إذ ارخاه على المقعد قائلا : هسة شحجينا ؟
شعليك انتة شبيها !!
لتحاول تحجي وياها لو شي ، مالك دخل بيها يسّار
: على اساس شلون اخلاق عدها حتى احجي وياها !
بس حلوة بت الكـ
فيعود لحظتها مُنتصب الظهر ، قاتم الوجه ، و حاد النبرة : بالله العلي العظيم ، اذا سمعت منك هيج حجاية تافهة عليها لو على غيرها يا يسار راسك اكسره ، انتة جاي تشتغل حتى ترجع تفتح بيتك مو تستهتر اكثر
ضربة خفيفة من الكف على الفخد ، و زفرة كسل يتلوها تمرد : اهووو بدينا
ليكون صمت اللسان بالمرصاد ، تاركاً مُهمة التقريع للاعين ، فتحاشاها اخيه معللا : عراق اني مو عمري 18 سنة !! ركز شوييية ترة عبرت التلاثين اعتقد مو من المنطقي تعاملني عبالك " كأنه " مراهق
عندها واجهه بشراسة ، بغيتها تعليمه اولى خطوات المسير : اثبتلي انتة عبرت فترة المراهقة حتى يتغير تعاملي ، كلشي متوقف على تربيتك لنفسك بهالشهرين
*
عش أنت أني مت بعدك وأطل إلى ماشئت صدك
كانت بقايا للغرام بمهجتي فختمت بعدك
مـاكان ضرك لو عدلت أمـا رأت عيناك قدك
وجـعلت من جفني متكأً ومـن عـيني مـهدك
ورفعت بي عرش الهوى ورفعت فوق العرش بندك
بشارة الخوري
يومان أخران ، كان لهما من بعد الله الفضل في امداده ببعض سلوى ، اللقاء الأخير إستنزف روحه فعلياً !
ظن بالبوح راحة ، ليصعقه الواقع بغبن أعظم ، ما عايشاه حفر قلبيهما بـ عاهة لن تزول حتى يلفهما اللحد
: بابا ، العشا صار ، تعال للصالة
إبنه ، إبراهيم ، كان قد دلف في المكتبة الخاصة به ، مُحطماً خلوته مع احد الكُتب العلمية
رفع رأسه نحوه ، ليلقى في وجهه الصغير ملامح خاله ، بـ إنزعاج حقيقي نطق بما اعتاده منه ولده : ما ارريد
و قول لأخوك لحد يدخل علية
: بابا عفية تعال ، صارلك شقد مقاعد ويانة عالأكل ؟
توسله المُمتعض جرجر وعيه التائه في غياهب الذكرى ، ليعلق بـ حاجبين ارتفعا إستغرابا : نعم ؟
من شوكت تحاسب ابوك ؟
: مو احاسبك بس مشتاقيلك
زفرة ثقيلة اخرجت الكثير من صدره ، بل ظنه كثيراً حتى تعثرت انفاسه بالاكوام المُلتصقة كالعفن في رئتيه ، لينهي مع إبنه الحوار عجولاً : حبيبي عندي شغل هسة
يللا بابا اطلع و سد الباب
و قبل ان يجد من الصغير ردة فعل ، ظهر من خلفه قزم جميل الطلّة ، ضاحكاً ملأ فمه المُبتهج ، صائحاً بـ دلال : باباااا يللا عشا عشا عشااا
حينها استدار اخيه الكبير نحوه ، قائلا بـ خاطر مكسور : ميريد عشا
امشي احنة نروح
: لاا وييين نرووح !!
بابا يجي ويانة
: ررح احسب من واحد لتلاثة و ارريدكم تختفون من قداامي
و قبل المباشرة بالعد ، تسلسل الاكبر جاراً اخيه العنيد بـ كرامة خُدشت
لما اختفيا خلع نظارته ليرمي بها بـ كسل امامه ، لتقوم الكفان في محاولة فض الضيق من على الوجه الايهمي
: ليش متريد عشا ؟
كسرت بخاطر ولدك
دخولها المُفاجئ أزعج به السكون ، لتبدو على الملامح تلك التجعيدة الخاصة بها ، الا انه لم يبدل من وضعية رأسه المُطرق نحو الكتاب ، بل بالغ بإغداقها اهمالاً و هو يعيد ارتداء نظارته
لكنها لم تستسلم لعكرة مَزاجه ، فهي مُعتادة على نكساته النفسية و التي لا تعد و لا تُحصى
رغم ان هذه اثقل من سابقاتها بأرطال ، فهو حتى لم يُبادلها بصراً منذ اسابيع ! و كأن إشمئزاز الكون سيندلق من عينيه ان فعل
تعلم جيداً لفتات كُرهه لها ، و إن سُئلت عن الندم لما أجابت الا سلباً .. لم و لن تندم على خوض حربٍ غير مُنصفة يوماً ، لن تندم اطلاقاً على غزو ارض الاخرين ، و استحلال خيراتهم المُحرمة ، حتى و ان تشققت بها تربتهم ، حتى و ان جفت مُزنهم و ماتت ، لن يطرق بابها ندماً يعض بنانها
: طلعي بررة و سدي الباب
نبرته الحازمة شدت شعر شياطينها لتثور رافضة قمعه السادي لحياتها و طفليها ، اضطج بروحها سليل السيوف لتصرخ به و قدماها تسوقانها للداخل اكثر : ما رح اطلع اذا متجي وياية
صارلك شقد مقاعد ويانة عالاكل ؟ حتى جهالك نسوا شكلك
لم يبادلها النبرة ، بل هيج فتيل غضبها اكثر ببرود تحركاته و الكلام : لتختبررين صبرري و طلعي
استوقفتها كلمته الاخيرة ، لتثبت محلها لحظة ، ثم يكز غيظها على فك روحها المُشتعلة ، فصاحت به بقهر سافر ، لا يستره جلباب التحكم بالذات : انتة شنو قصتك ؟ صارلك اسابيع زايدة حالتك
ممليت من وضعك ؟ كاافي بطل بعد كم سنة تحتاج حتى تستوعب حياتك و ترضى بيها
ليرفع رأسه نحوها أخيراً ، فيدفع نظارته الطبية بإهمال ، ثم تأتيها زجرته بذات الهدوء المتماسك : اعررفي احجي
لم يخب سنا الثورة ، بل رُفعت شعلات الانتفاضات اكثر ، ناهيك عن الموقد الكبير الرابض بين اضلعها : اعرف احجي كلش زين مو انتة تعلمني
شوف نفسك و تصرفااتك و راح تعذرني
فـ يجابهها بنفوذ الحُكام الصُم و العُمي عن دمار شعوبهم : قلت بررة
لا تدري أ دمعة تلك التي توشك على الهطول قهرا ؟
صرير صوتها نفذ الى أسماعه اخيرا ، و تحشرج انفاسها ادركه ، و لولا تحريم الشماتة ، لـ شمت !
: والله ما اعرف شمصبرني على واحد حتى اسمي يستنكف يقوله !
ببسمة مُذهلة ، أوجعها قولا : اسألي نفسج
: بس هالوضع مينسكت عنه
اتسعت البسمة بملئ قهره ، و حقده : يارريت متسكتين و تخلصيني
توغلت اكثر حتى وصلته ، فإنتصب جسدها قرب احدى المقاعد و نبرتها علّت بفيض بوح : تدري بية ما اعوفك لو شمسويت
عادي تجيك دائما هيج فترات انتة ، بعدين تتحسن
اغلق الكتاب ، و معه شعرت و كأن يداه قد صفعت روحها المُرفرفة حول شُطآنه الكئيبة : هالمررة إنسي
توجست من ثقته خيفة كابوس الخمسة عشر عاما ، لتهمس ثائرة النبض : ليش شصار هالمرة ؟
ودّ شييها على أسياخ القلق ، لم يكن بينهما مودة و رحمة كما بين اي زوجين ، و لن يكون و لو من بعد اعوامهم الماضية مضت الفا : ترريدين تعررفين شصارر
: طبعا اريد
حتى جهالك يريدون
اندفاعها اعاد لوجهه دم السخرية ، و الملل ، ليُحاكيها بتأن هدّاف ، و شبكته اعصابها المنفلتة : لا عوفي الجهال على صفحة - على جنب -
لأن ما اتوقع ترريديهم يعررفون سفالة امهم
ضربة قوية على المكتب امامه ، و صيحة أُستخلصت من لُحاء ضيق خنق حبال صبرها : اييييهم احترم نفسك
استرخاء عميق في المقعد ، و النفس الأمارة بالإيلام صفقت له مُشجعة ، ليشذب نبال اوجاعه الكُبرى ، ثم يرسلها نحو قلبها : بالتعامل وياج ميحتاج اي احتررام صدقيني
انحنى الكتفان هما ، و القهر افلح اخيرا في تفتيت الحصى الخانقة للحُنجرة ، و شحذ الصوت من طرقاتها المتعروجة : فهمني شبيك
تنهيدة خفيفة على الهواء من حوله ، و لكن ثُقلها يعادل اطناناً لو قيست بـ ما تحمله من هموم : تدررين شبية ؟
من اسابيع رردتلي رروحي
جانت قطعة من قلبي ضايعة و لقيتها
الهوا الي جان يخنقني يمكم تغيرر ، تقدررين تقولين جنت شبه ميت و الله حيياني
فزع
فزع حقيقي اصاب وعيها ، ليتسربل التماسك بعيداً ، نملّت على اثره اطرافها : انتـ ـة شدتحجي ؟
: دُررة ررجعت
فاتحاً ذراعيه مُرحبا بقوله ، أ رأيتم احمقاً يُطلق اهازيج عرس لـ ما يقول ؟!
اي هُيام يأكل روحه ، و اي ضياع ؟
: دُ ر صـ صـ ـااف
شهقة أفرغت من ملامحها الدما ، لتصير كالاموات شاحبة ، ساعة النهاية دق جرسها حتى ثُقبت اذان السامعين
قلبها و الروح فالجسد
اهتزت اركانها اجمع ، لم العودة ؟
الم تكتف بترك شبحها بعد الرحيل ؟ ذاك الذي ظلّ يحتضن الايهم بتملك حقير ، يغطي عينيه و يصم اذنيه !
يلتصق به كما العلكة ، يزداد بأسه رغم مرور الاعوام و يقصيه عنها و عن اولاده ، ألم تكتف ؟
لبّى الفؤاد " دُررة "
ليستقيم واقفاً على اعتاب ذكراها الحبيبة ، معلقا بـ قهر فُك قيده اخيرا ، ليبوح : اي دُررصاف الي بأقذرر الوسائل بعدتيني عنها
الي استغليتي مصيبتنا حتى تضيعيني و تضيعيها و حتى تضيعين نفسج
هبطت مقعداً ، و لو ان الارض اولى بهبوطها المُنهار ، لم تزل الصدمة تُغشي ملامحها الباهتة ، المرتعدة !
من اضخم الصعاب تلك التي تحصرك في جحر اللا حيلة ! هو لم يكن يوما رجلها ، مُطلقاً ، آنى لها الخوض في ارض معركة خاسرة ؟ كيف تُسابق في ربوعِ الهزيمة ؟
دائما و ابدا كان لأُخرى ، مرت سنونها معه تحمل امآل سنينٍ قادمة ، أن إنه سيتغير
لربما حين اهداءه طفلاً من بين احشاءها ، لربما حين ان يكبر ذلك الطفل
انتظار اخر ، فطفل اخر ، يقيده بها دون ارادته و يبني لها عُش وهم جديد ، و خيمة أمان لا وتد لها !
و لكن ، لا اضمحلال لرفضه ، و لا انهيار لسدوده العُظمى
بل ان تباعده يتضاعف ، و انسلاله من بين اياديها يتسارع نبضا تلو نبض !
تحشرجت احرفها عند المضيق في الحُنجرة ، علامَ ستقدر ؟ أ على انفاس ضحلة ام حديث راجف ؟ : ويـ ـن رجعـ ـت ؟
تحرك من خلف مكتبه متفانياً في ضبط بسمته الشغوفة برؤية بعض ما عكف اعواماً مُلاصقا لروحه و المُقل ينعكس عليها : مو شغلج
احسبي حسابج العقد الي بيننا حينتهي هاهية
راح الرعب يقتات على وعيها اكثر فأكثر حتى نُهبت عقلانيتها ، فصار لسانها ثقيلاً ، كما النبض الغائر بين اضلعها : مستحيـ ـل
: هه
شنو المستحيل ؟
قبل جانوا اهلج الهم سلطتهم و قدرروا يدمررون حياتي وياج
بس بعد ماكو شي يوقف بوجهي سمعتيني ؟
: جهالـ ـك
إستمتاعه وصل الذروة ، بينما ملامحه تفيئت بالغم ، تُخبره الا تتعجل بالفرح ، فلابد لك من صبرٍ جديد : تتوقعين تلووين ذرراعي بيهم ؟
مكفاج من كسررتي رراسي بـ دُررة
اذا هالسنين خلتج تنسين شنو يعني دُررة اررجع اذكررج
تررة و لا لحظة بحياتي نسيتها ، و لا لحظة قدررتي تاخذين رربع مكانها ، اصلا بقائي وياج جان بسببها شنو نسيتي كل شي ؟
: كافي
: ليش تسكتيني ؟
انتي تدرين بكل هالحجي ماكو شي جديد عليج
في دُرك الجحيم صار مقرها ، يلوح لها بيده ان هلُمي هنا ، حيث بقاءك الازلي : عبالك اني اسكتلك ؟
اشوفها تهجم بيتي و اسكت ؟
الق دلوك ، و واجهها بمخاوفها العفنة : يا بيت هذا ؟! من كل عقلج تحجين ؟ الي مثلج ترريدها من الله تخلص من هالسجن
لم تستطع للوصال سبيلا ، فهاهي تتخذ اخر ، مُنعدم الرحمة ، كما اعتادت : ادمرها ايهم
و حق الله ادمرها اذا قربت منك و هدمت الي بنيته
اتقاء المنايا كان لزاماً مفروضاً عليها لو تفكرت ، أبعد كل الوجع تنهال عليه بقذارات جديدة تُغرق بها صدره ! أو تظن منه استسلاما جديداً ؟
ببالغ الكراهية و المظلومية ، ضربها بسوط الكلام بلا شفقة ، فأمثالها لا يستحقون حتى الفُتات : حتى اشوفج شلون يصيرر الموت
من قدررتوا تسيطررون علية قبل جنت صغيرر ، غبي
بس هالمررة غير شكل ، بعد خسررتها و ماكو شي اغلى منها حتى اخسرره ، اذا لمستي شعررة منها تكون نهايتج و نهاية اهلج على ايدي ، و تشوفين
هالها التهديد حتى تساوت عندها الرؤية و اللا رؤية
إختفى من امامها فأنطلقت رجفتها لتفضح حُطامها
*
على طاولة الطعام الطويلة ، تجمع افراد العائلة يتبادلون بضع احاديث و بصر !
بعد حادثة المطعم ، عاد العصفور لعشه الدُري ، فعقب التجاهل الكريه و الذي اغدقت عليه به ، ردت على اعقابها تحنو عليه
و هاهي تجاوره المقعد ، تختار له لُقيمات لذيذة ، تُغذيه كما الأم
عند وجودها حوله لا حاجة له لوالدةٍ و لا تمني ! فهذه الحنون عوّدته على الاحتضان طيلة اعوام الغربة حتى صار صغيرها البار المُكتفِ بها دون البشر
ادرك الجميع تبدل حاله حين رضا الدُر عنه ، من بعد خلافٍ لا يعلمون سببه ، إلا الحنطية الخرساء
مزاجه المُصاحب للنشاط جعله ربان المجلس الحميم ، يتشقلب مرحاً بين المواضيع ، متسليا بردود الفعل المتباينة من حوله ، اذ ان صغيريه شاركاه الجنون بمثله
بينما الدر و والدته فجادتا عليه بحنو عجيب يزيد من عزمّه لمواصلة الإنفعال ، فقط العراق و اخته الصُغرى من لم يبادلاه تأثراً حقيقياً
تلك الصُغرى ، الحانقة !
لو احصى الكلمات المتبادلة بينهما على مر الايام المنصرمة سيجدها لا تتعدى الخمسين كحد اقصى !!
ما يثير استغرابه حقاً هو صمت البقية و تنحيهم على جانب ارض اللقاء ، مُحايدين .. فقط عراقاً من تدخل مرة ، وضع له فيها قوانينا و من عقبها ابتعد ، تاركا له و لتلك الفضاء خالياً الا من قلبيهما المتخاصمين
رنين هاتفه قطع عليه حديث اللهو مع ابنته ، و تهلل وجهه حين الرد وخز قلب تلك المُنزوية على ذاتها ، و جعلها نقطة تمركز انظار البقية قلقين على أسآها !
: حبيبي جبتلي الرقم ؟
اوكي اوكي
يعني هسة بالباب همة ؟
ماشي
اقلك هوة الي ديبيعها ابو من ؟
ابو جود
اوكي اوكي
ابو جود و صاحبك اللاخ ابو نور
ماشي وردة
مشكوور ألوني
ههههه مشكور محمد حبيبي
مُكالمته هي الاخرى ضُجت بالحماس ، و سنين الشباب !
يتجمل وجهه حين محاكاته لرفيقه الوحيد هُنا ، هذا ما فهمه الجميع .. حين انهاءه الاتصال استقام من محله مُتعجلاً ، متحدثا مع اخيه : عراق جوي الجماعة جايبين السيارة ، تطلع وياية تشوفها ؟
هزة رأس خفيفة من العراق ، تلاها تساؤل والدته السريع : يا سيارة ماما ؟
كانت حركاته عجولة ، كما الحديث المنفعل المحبب على قلب اخته ، اذ ظل رأسها مرفوعاً نحوه و البسمة العطوف تزين الملامح الهادئة : سيارة صديق ألن صديقي ، ديبيعها و الن قلي خوش سيارة و نظيفة فهسة جابوها دنشوفها
لتصيح طفلته بإنفعال برئ ، مُبتهج : المن السيارة بابا ؟
الك ؟!
: اي الي
يللا عيني نادرات رتبوا الاستقبال و حضرولنا شي اخاف يدخلون الولد
ليهرع مُبتعداً حال انهاءه جملته الضاحكة ، و من عقب اختفاءه تبادلت الدرة مع والدتها نظرة واعية حق وعيٍ لما وراء ما يحدث ، فتقطع الحوار الصامت بينهما تمني بنبرة خافتة ، مُرهقة : ليش هوة شقد ناوي يبقى ؟!
كان العراق على وشك المغادرة لما وصلته همستها المتوجعة ، فإستوقفته كله ثم استدار قائلا من محله بكثير من حنو : يبقى لحدما تسامحيه و ترضين عليه
عُصِر داخلها حتى أُحيل زُلالا ، لتبتسم ببؤس و نظرها حاكى اخيها مُمتناً لوجوده الجميل ، لا بلغها الله حُزنه و لا فقده
غادر و من خلفه الصغيرين ليترك النسوة تتجالسن بـ مشاعرٍ لا تُحكى ، فقط تهرش دواخلهن
بادرت دُرصاف بالتحرك تنفيذا لطلب اليسّار ، لتحضر صينية صغيرة بها كأسي ماء ، و أُخرى تحوي علب عصير و صحن كعك
في كل حين تسترق النظر لـ تمني و والدتها ، و حوارهما الخافت ارهق روحها شجناً ، كم سينتظرون يساراً دون تدخل ؟ الم يكتف بـ طيشه ؟ الا يُبصر ذبلان زهرتهم الجميلة ؟
لولا اتفاق عقد بينهم و عراق لكان تدخلها حتمياً ، و لكن شقيقها حذرها و والدتهما من مُحادثة اليسار او محاولة تليين رأسه و هما على يقين بأن هنالك تأديب خفي و تربية صالحة يتبعها العراق معه لذا تتحاملان على حُزنهما و تصمتان
التفتت صوب القزمين الآتيين ، يتقدم اليزن توأمه ناطقاً بحماس : خاالة وين المي و العصير ؟ همة ميقبلون يدخلون فـ برة ناخذلهمياه
: مامااا السيارة تجنن تجننن رح يشتريها بابا
كانت زين من توجهت سريعا نحو والدتها صائحة بحماس طفولي ، لتستقبلها تمني بـ اهتمام مُزيف لاك اوجاعها بين فكيه
: يللا زين تعالي انتي اخذي صينية المي و اخوج ياخذ العصاير
كانت الدُر من نادتها ، لتأتيها راكضة تحمل عنها الصينية و الفرحة الحلوة تملئ شدقيها
تقدمت اخيها ، تسير خطواتها بحذر لطيف رسم البسمة على الوجه العبوس لوالدتها
كادت تعثر و معها تخبط فؤاد التمني فوقفت سريعا لولا تدارك الصغيرة لذاتها وهي تستمع لـ ذكر النسوة اسم الرحمن ليحميها
: على كيفج زنزون ابوج ديشتري سيارة مو طيارة
علقت درصاف بمحاولة حثيثة لتلوين المجلس الداكن ، ضحكة خفيفة غالت بها لتبدو و كأن مصدرها القلب ثم تحرك بطئ لتُشارك والدتها و الاخت المجلس
لتبادر حينها والدتها لكشف محل نُدبة قديمة ، بـ عزم الامهات الحازمات
: دُر ، هسة ماكو احد بس اني و اختج
تدرين من الجمعة لليوم بالنا مهموم بيج
و كأن بالتمني انسلخت من احزانها لـ تفقد التفكير بكل شئ خلا الاخت الحنون ، فتعتدل بجلستها سريعا ، مُعلقة بـ حذر : اي دردور وحق الله حجي ماما صحيح و كلللش متأذين علمودج بس نخاف نحجي
تحشرجت انفاس الحديث لحاظاً ، ثم استعادت السيطرة على كبوة الانفاس الجامحة ، لـ تغلب بؤسها بـ بسمة تشق الوجنتين دون ان تدميهما !
: فدوة لعينكم لتبدون بأسطواناتكم ، ابقوا خايفين و انسوا الموضوع
وجهت الصغرى نظرها صوب المدرسة العُليا ، لتجد في احداقها كومة حديث ، يكاد ان يقفز مع كُل رفة هُدب ! زمت شفتيها ثم كررت تصر على اختها : هسة انتي مو تحاولين تجرجرينا من حزنا ، خلينا شوية احنة هم نشيل همج
: شلتوا همي بما فيه الكفاية
جملة نُطقت دون سيطرة نوعية " ذهنية " ، حال ان انهتها حتى اتسعت نظراتها فزعاً من ردة فعل الامرأتين .. تباً ، لم تشأ اغراقهما في زوبعة قهرها ، و هاهي تخنقهم بها دون قصد
: عيب هالحجي
مو احنة غربة حتى منشيل همج
اضافة والدتها كانت قاسية ، مقهورة !
لتبتلع ريقها خجلاً من لسانٍ افلت ما لا ترتضيه ، و لا تنتويه .. الف تُعس للحظات الحمق تلك
: مو هذا قصدي ماما ، بس تدرين بية كلش زين ما احب احجي ، شلون يعني ؟
صمت والدتها ارهبها ، اذ ادركت غضباً سافرا راح يصول بحرية في نفسها العزيزة ، لتتدخل حينها تمني بـ نبرة ناعمة كـ حروف اسمها الجميل : ميخالف حياتي احنة هم خطية ، حسي بينا والله العظيم اني بيوم الي شفناه بالمطعم مقدرت انام بالليل من التفكير
تمنيت اسوي اي شي و اخليج تنسين شوفته
بموهبة اكتسبتها اثر تدريب مُكثف ، صقلت تأثرها و خرج صوتها مُتمكنا ، بينما الملامح تراصت بـ قوة جليدية مُعتدة بشجاعتها : يا عيني اني صغيرة تخافون علية من هيج شي ؟
رفة جفن ، و من ثم اعتراف مُهمل ، اذ ان معرفتهم ستكون مُحتمة ، لذا لتكن هي القائلة : ترة اني شايفته هاي مو اول مرة
شهقة تمني ، و صبر والدتها عن الكلام ، اخبراها عن العجز التام في عائلتهم !
: من جيتي اول مرة من الكلية صح ؟ جنتي منهارة !
: اولا مـ إنهاريت ، ثانيا بيومها شفت قيصر ، ورة كم يوم شفته
اتمت كلامها ثم تبسمت ، فأُضئ وجهها كالبدر .. فاضت احداق الصغرى بالدمع الحزين ، بينما مربية الاجيال فتصبرت خير تصبر
تُحاذي حافة الهاوية حديثاً حذراً كانت التمني : بس لا يداوم بالكلية هوة هم ؟
لتُجيبها منفردة الملامح قدر الاستطاعة : اي عيني يداوم بالكلية و متشاوفين هواية و كلش عادي ماكو شي يخليكم تخافون
ذُرف العتاب الشديد من احداق والدتها ، اما التمني فـ كان السكوت خير رفيق لـ صدمتها .. و لم يُقطع دابر صمتهم سوى الدخول الحماسي للأصلع و طفليه ، اذا سارع في التوجه صوب والدته ليعتصرها احتضانا شهقت له الاناث فزعاً
بالغ في تقبيل خدها ضاحك الوجه و كأن لا هم يقربه ، ثم اعتدل بعدنا واقفاً مُشيرا بسبابة يُمناه صوبها فـ دُرصاف و اخيراً تمني
: يللا بسرعة عزيزاتي قوموا بدلوا دا افركم بسيارتي ، يللا عيني استعجلوا
اعصابهن المشدودة خنقت المرح في انفسهن ، لم تستطع احدى المصدومتين تحرير انفسهما من قسوة الاعتراف الاخير ، فأخذت الدُر على عاتقها فض التوتر بـ ضحكة خافتة و قول لطيف : لا بالله !
اسرع عملية بيع و شرا شفتها بحياتي
: يابة جماعة صاحبي ذولا لعد شتريدين
و بعدنا ممتكاتبين على الخميس ان شاءالله
يللا عيني يللا فضونا
: انتو روحوا الله وياكم اني رايحة انام وراية دوام
اضافتها كانت باسمة ، لتتحرك بعدها مُغادرة إياهم تُشيعها انظار الإمرأتين ، فتتبادلا بينهما اسرار حديث ساكن ، تستقيم من بعده التمني متحدثة بـ هدوء يجز عشيبات رفضها : ماما ابقي يم دُرة و اني اروح وية الجهال
هناك ، حيث يمكث القلب ، تشنج !
بوغت بتأتأة روح مُتلهفة ، و صمت لسان اعرض عن البوح عناداً ، بلا شعور التفت هاربا بعينيه لئلا تبصرا مشقة الحب فيهما
لينطق اخيراً ببحة فاضحة ، غلبّت مُكره : يللا ننتظرج بالسيارة احنة
سعل بخفة مُبتلعاً شوقا غص به بعد تربع صوتها على اسماع قلبه ، ثم اضاف مُحدثا التوأم بنية ستر فضيحته
: يللا بابا احنة خلي نطلع قبل امكم
*
على مقعد السائق يحتجز نفسه بـ صعوبة !
يستمع لضجة الصغيرين دون فهم ما يقولانه ، يواجه مغبة الانتظار لأول مرة ، و كأن بمرجل شوقٍ يتوسد رئتيه ، يتخذ من اضلاعه حطباً يحترق لأجلها .. حماسه السابق لأجل السيارة تبخر و كأنه قطرة ماء تحت شمس تموزية ! فما يُثير به الروح حينها اعظم بألف مرة
أحبها و لم تزل دُنياه في الهوى ، لو تفكرت قليلا بـ عودته إثر تهديدها الوقح لسامحته على ذلك الهجر المُقيت
أ تعقل ما تقول يا احمق ؟ أ تُريد منها ضعفاً و استسلاماً لرجوعك المُبجل ؟ و كأن لا موت دونك اصاب صباها !
ويحك من شرقيتك الخرفة يا أنت ، ان ما يُقصيكما عن بعض اوسع من وادٍ بين جبلين ، و انت لم تزل تزيد من اتساع الوادِ بخطايا تتلو بعضها بعضا !
: جتييي ماماا
التفات سريع ، مُباغتٌ للعنق العريض جعل من عظيمات الرقبة تستصرخه توجعا و امتعاضا ، أن تباً لك حطمتنا
" آخ "
افلتها مُنكمش الملامح ، و البصر نفذ راكضا ، مهرولا حيث القادمة ، لتنبسط تجعيدة الالم ببطئ راجف ، يُتابع احتشام حضورها ، و روعته
رفت اجفانه تباعاً ، اما الخافق ، فلم يترك لذهنه لحظة تفكر ، بل قاده كـ ضريرٍ له من يحركه
دون ان يشعر وجد نفسه مترجلاً من محله ، شماله تدعك العنق محل الالم ، و يمينه تعتصر نفسها عقاباً على ما جنته بحق هذه الحبيبة
بـ طفولة تقطن في روحه راقبها متلهفاً لرؤية اعجابها بـ سيارته ، لتصيب لهفته خيبة بتصميم غريب جعل انظارها لا تنحرف من على الاسفلت ، تنهيدة منفطرة الخاطر ، و من ثم سابقها الاستدارة حول مقدمة السيارة ، شاعرا بشهقة الصدمة العاقدة حُنجرتها ، متيبساً بـ ذهول من الذات الغريبة المُتأثرة بلفتاتها الخفية
لولا ارتداءها لـ حذاء منعدم الكعب لـ تعثرت ، هذا ما تيقن منه لدى تدقيقه في سيرها الراجف اثر حركته اللبقة بعد ان فتّح لها باب السيارة
لمّا دنّت ، صبت على رأسه دلو عشق !
فـ هام بها و شرد عن الدُنيا لحاظا .. النضج الجديد لها جعل منه ابلهاً امام حضورها الصامت
استوقفت حركتها امامه لحظة ، رفعت بها حاجبيها تعجباً من حاله الغريب .. رشقته سهاماً مُشتعلة الرؤوس دون جدوى
فلا زال مُتسمراً محله دون حِراك .. لما طال انتظارها لحظات ، نطقت بأحرف ثابتة ، لم تحمل بين طياتها وجيف النابض الهائج : مرح توخر حتى اصعد ؟
: هاا اي اي اسف
تحرك بسرعة تاركاً لها المجال مفتوحا للمرور ، و بالسرعة ذاتها رُفعت يده نحو رقبته تُدلكها بعد تأوه عفوي صاح به ، و قبل ان تخطو بها القدمين سألته بـ برود : شبيك ؟
: رقبتي تشنجت ، نعلعلا
شكواه كانت لطيفة ، تُطابق تدلل صغيريه ، انتفض قلبها بقفزة واحدة اوصلته الحلق لتبتلعه بهلع غير مُستقر ، ثم تبتسم برعشة خفيفة
دون اضافة تعليق يقتل سحر اللحظة سارعت بالدخول الى السيارة ، فـ اغلق الباب خلفها نافخاً من صدره كومة تشنج
ابتلع ريقه المُتيبس حتى شعر بخدوش بلعومه تنزف قهراً من ذاته الظالمة !
بسمتها إنطبعت على سطح مُقله ، حتى جعلت منه احمقاً تائه الخُطى و النبضات !
*
بعد رحيل التمني ، و ذهاب عراقٍ لـ حُجرته ، توجهت بها الخُطى حيث الحُجرة السفلية المُكنزة دُراً لا ينضب ، جعلت خطواتها مسموعة قبيل وصولها الباب المُشرع ، فلا تود ان ترى ابنتها بحالٍ يخدش كرامة تعتز بها كالروح بل و اكثر
لما دلفت وجدتها تستلقي على السرير نصف استلقاء ، و الهاتف يتوسد كف يمينها .. تبسمت حال قدومها و كأنها كانت مُتيقنة من سرعة مجئ والدة اضنتها الامومة
اعتدلت جالسة و الترحيب خرج من فمها مصحوبا بضحكة قصيرة : ها عيني ، هلا بست سميرة
ليقابلها وجوم الالف حُزن على صفحة الوجه المُجعد قبيل اوانه ، فتجاعيد الهم اعمق أثراً على الوجوه من تلك التي للعمر !
: دُر ، ايهم حجى وياج شي ؟
رجفة ، فـ شحوب ، ثم نطق مُمتعض : ماما الله يخليـ ـ
: انتي الله يخليج ، جاوبيني
جدية السؤال و اصراره ، جعلت من روحها تتوجس مخافة حقائق مخفية : اي حجى ليش ماما شكو ؟
: قلج ليش تزوج ؟
هج القلب من صدرها و شُيعت قوتها بجنازة تليق بـ كونها من صفوة النساء .. وارت اضمحلال تماسكها تحت كثبان الكبرياء ، بصعوبة !
: جاوبيني دُر ،
ايهم قلج شنو الي جُبره على هالزواج ؟
" جُبره !!! "
انهالت على روحها الركلات ، حتى شعرت و كأنها تحمل رحماً ملئوه الاجنة ، فتتساقط منها واحداً تلو أخر
كانت على يقين من ذلك ،
هو لم يهجرها ، لم يفعل .. كانت أكيدة و إن ظاهرت بالعكس
ليست حمقاء لتُصدق كذبة إبتعاده خجلاً منها من بعد كُربها العظيم ، و العظمة لله وحده
لكنّها ودّت التصديق ، لُتقصي نفسها عنه ، و عن ذكراه
: ماما الله يرضى عليج ، ماكو داعي نحجي بهالموضوع
جملتها كانت صادقة ، منبعها شعورها القوي بـ انتهاء فصول رواية اكل عليها الشوق و شرب ، حتى الحنين لم يعد ممكناً ، يكفيها ان يكون من الظُلم بحقها برئ
لا ترغب بالخوض فيما لا طاقة لها على تحمله .. فـ لا تواصلي يا اماه ، أتوسلك صمتاً اخر ، و نسيان
: لا امي اكو داعي
حمل هالولد على ظهري من خمسطعش سنة ، محد يدري بقهره غيري اني و ابوج الله يرحمه
اتسعت احداقها و ارتعدت فرائصها ، تشنجت اضلعها و تعسر على جسدها اكمال المهام الحيوية
كُشف الغطاء عن الحُزن العتيق ، لتثور الاتربة حتى خنقتها جُل اختناق
: دُر امي
اني جان سكتت ، و ظليت ضامة الموضوع لو انتي مشايفته ، بس رجعتج جانت تخطيط من رب العالمين فدوة لإسمه
يمكن يريدج تعرفين الحقيقة ، تعرفين انو ايهم عمره مـ جان سبب بأذيتج ، بالعكس امي
ناح كبدها كما لم ينوح قبلاً ، ضاقت عليها الجدران و تزلزل بكيانها السرير ، فغادرته
تحركت كـ ما التائه المُتخبط مُبتعدة عن والدتها حتى مُنتصف الحُجرة ، ناطقة بلسان ثقيل ، خائر القوى : ما اريد ، ماما ما اريد اعرف شي
الله يخليج عوفيني ما اريد
: لازم تعرفين
من حقج تعرفين ، و من حقه عليج تعرفين
دُرصاف ، أيهم ضحى بحياته علمود يطلعج من الأمن !
انتي تدرين هوة طلعوه قبلج بيوم ، لإن اخوان جنات جانوا بالمخابرات و طلعوه ، بهاليوم الواحد مـ خلا شي مـ سواه ، و اخر شي قدر يسويه يتفق وياها تخلي اخوانها يساعدوج ، مقابيل زواجه منها !
تولى القلب سفاحاً ، بساطور
مزق لُحيماته بلا مشقة ، فهو بالأصل كان مُمزقاً ، بالياً كـ خرقة
لم تنزف ثلماته ، اذ ان نزيف الاعوام قضى على نحب دماه ، فانهاها حتى اخر قطرة !
بحسرة كُل من ناح ، و وجع كل من انتحب ، صاحت روحها الغوث يا الله ، فليس لي من دونك مغيث .. إني أموت ، فـ برحمتك ، و لُطفك ، خفف علي السُكرات
*
حُلم
|