كاتب الموضوع :
حلمْ يُعآنقْ السمَآء
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: و بك أتهجأ أبجديتي
مُنذ ساعات " الـ أحد " الأُولى و العمل افلح بمُجالسته و إلهاءه عن الكثير ، خلا أمراً واحدا لم يترك ساعة تنقضي إلا و حشر أنفه بين دقائقها الخاملة ، فيجعل منه صريع التفكير لبعض الوقت ، ثُم سُرعان ما يتجاوزه بـ هدوء عُجن بشخصه العريق
لتكن هذه المرة الأوبة اكثر شراسة حتى جعلت من قلمه يُهمل على سطح العقد المُهم الموضوع قيد الدراسة ، بملامح مكفهرة بسطها الإستغفار المُتكرر ، و الكفين تدلُكان الوجه الثاقبة نظرته
فيأتيه الإدراك حين غفوة المشاعر السلبية ، حتى يُنفذ دون اعادة توجيه لقراره الآني ، فراح يرفع الهاتف بعد ان اتصل بـ من يتوجب عليه فتح ملف التحقيق معه
: السلام عليكم دكتور
تجيني للمكتب ؟ رايدك بموضوع
ماشي
مُكالمة مُختصرة إقتصرت السبيل لبلوغ غايته ، مُتحلياً ببال هادئ رغم تشابك كومة الافكار فيه
لم يُطل إنتظاره حتى دلف المُشتبه به الأول لـ حجرة الإستجواب ، بعد التحية ربض على المقعد المُقابل و النظرة يشوبها القلق دون غيره
فيكون الأخر على قدر من التفهم حين شروعه بالحديث : دكتور ، اعرف الموضوع صارله فترة ، بس هسة عندي شغل و عقود ، فد شوية " بعد قليل " عندي اجتماع وية مُدير مكتب - - و محتاج وجود مدام فُرات .. وصلني خبر انو بأخر مرة جتي صارت بينكم مُشادة
ممكن أعرف السبب ؟
مسحة التوتر ذاك إندلقت اخر قطراتها من العينين ، لتتبدل بـ كومة من الراحة الشامتة ، تلك التي نغزت في ذهن العراق بعض اعصابٍ ، و القول المنتصر تولى أمر الأخرى : هاا هذا الموضوع
دكتور انتظر لباجر ان شاءالله و يرجع شغلنا مثل قبل و التعامل يبقى بيننا
اليوم مشيها شلون مجان - كيفما كان -
ارتفع حاجبيه تساؤلا ، و من ثم تلبست النبرة الصرامة و الجسد المسترخي فوق مقعده تلقائيا تشنج فإعتدل منتصب الظهر ، بينما الرأس مال قليلا ، اذ هو الاخر ملأ جمجمته القلق : شنو يعني هالكلام ؟
ليش وين فُرات ؟
بضحكة تتسم بالمكر الساخر ، و الكف تضرب بخفة على سطح الطاولة قال : لتخاف دكتور الي مثلها ميصير بيهم شي
تقدر تقول عرّفتها حجمها ، و خليتها تشوف الحق وين حتى ترجعه لأصحابه ، و راح ترجعه ، لهذا قتلك إنتظرني منا لباجر و ان شاءالله يرجع الشغل لوضعه القديم
أنفاسه فقدت إتزانها ، ليجول عفريت الظن بـ ذهنه شر جولاتٍ و صولات ! بإتقادٍ بالغ التخوف قال و البصر من قبله يُرسل شرارات الغضب صوب الساخر : حسين شنو هالحجي !!!
فهمني البنية وين ؟؟
: بنية !!
دكتور هاي شيطان نقس ، على شنو خايف عليها و
انقباض فكيه ، و تشنج طرفه المبتور بعضه أدركه صمتاً لحظياً ، و من بعده قول شديد النبرة : جاوبني .. فُرات وين و شبيها ؟
لتسود على صورة الاخر تشوش قبيح ، كلسانه الناطق مُجاهراً بالظُلم : حضرتك مو دتتدخل بأمور عائلية اكثر من اللازم
و ارجع و اقلك لتخاف ، موجودة ببيتها و خليها تبقى هناك لان هذاك مكانها الصحيح
فتكون السيّادة حينها لأصحابها الاولى بها ، فهي لا تليق الا على قدودهم الفخمة : حسين ، إسمعني كلش زين
فرات أمانة ابوك الله يرحمه إلي ورة رب العالمين ،، بغض النظر عن تصرفاتها و عن اعتراضي عليها هذا ميخليني اتنازل عن كلمتي و عهدي ، فهمت ؟
توجس تهديداً ، لتفلت الريبة من الفمِ المزموم : يعني شتريد توصل دكتور ؟
فـ يكون حينها إسترساله حقاً واجباً على مُنصتيه تطبيقه : يعني اذا عندك شغلة تجي تقولها الي و تعوفها بحالها منا وجاي خلص ،
جان اكو شي يربطك بيها بس هسة انتهى ، والدك توفى و هية انفصلت عن عائلتكم
إستوقف لسانه برهة ، مُخبرا حسين بأهمية القول الآتِ من ذوي الريّادة : ترة المكتب حقها الشرعي ، و حتى اذا هية تنازلت عنه ما راح اسمحلها مثل موقفت بوجهها لما رادت تتطاول على املاككم الباقية
ماشي ؟
حينها ، صار حقاً على الغضب قضم تماسكه بين فكيه ، ليفلت اعتراضه صياحاً : لا اعذرني ، مو ماشي
و باجر غصباً ما عليها رح تجي وياية و تتنازل عن البوگة الي لهفتها من عدنا ، برضاها غصبا عليها ما اعرف ، المهم تتنازل
فيكون عراقٌ الأكثر متانة حين القهر ذاك ، فجاءت صرامته بـ مصرع بقايا تعقل الاخر : و اني اقلك هالحجي ميصير و اني موجود
ذاك الذي سرعان ما نفث انفاسه المشتعلة جمراً مع التساؤل القاتم لونه : يعني توقف وياها ضدي !!!!
بحركة تحمل من الإستفزاز أغلبه ، رفع القلم من محله ، ناطقاً بذي تأدب و نظراته تستقر على الملف امامه : تقدر تقول ، و مثل مقتلك ، بعد ما اريد زياراتك تتكرر لبيتها ، احترم خصوصية حياتها
و من عقبها ، أمرٌ أخير : هسة حضرتك تقدر تتوكل لشغلك
و قبل إنفجار برميل المفرقات الجالس امامه ، دلّف إيهاب بـ توقيت مُمتاز ، جالباً معه قوله المُتزن : دكتور ،
دكتور مُضر موجود برا
: خليه يتفضل
علّق بها واقفاً من موضعه ، و دون ان يولي حسين بَصراً لمحّ بطرف احداقه خروجه العجل و دُخان إشتعاله يلحق به
طيلة الإجتماع الطويل نسبياً لم ينجح حقا بتصفية ذهنه من شوائب تعلقت بمعظم اجزاءه ، فها هي مخاوفه تظهر امام كل مُنحني يدير مقوده لدخوله
ما يُشغله حقاً كون ظاهرها يُوهم بالتماسك ، كيف له ان يُصدق هشاشة تلك القشرة حين الصدمات ؟!
أليست هي المُختالة غرورا بتمكنها على مُجابهة مصاعب الـ " عِراق " مُنفردة ؟ دون معين سوى الله سُبحانه ؟
أعليه فعلاً خشية الأسوء إن كان السئ لا يؤثر بها كما تزعم ؟ أم إن زعمها يُشابه وجبة نملّة ظنّتها ستكفيها شتاءاً حين سُبات ، فغدرت بها في اول الدرب لتتركها تعاني جوعاً بعد جوعٍ حتى صار قوتها مُنحسرا على النفس الخائبة
في اخر اللقاء الذي رآه مُملاً حد القلق ، طويلاً لا هدّف له سِوى إختبار صبره الممتد حتى اخر حدود الرِضا ، استقام واقفاً مع الرجل المُقابل ، يبادله تحية الودّاع بمُصافحة ودودة ، متبادلا معه وعد لقاء جديد حين عودة الشريكة
مجرد أن طرّت ذكراها على الذهن المُنشغل بها اكثر من عقوده الضخمة ، شُرع الباب بإنعدام ذوق ، فجُرت أبصارهما قسرا نحو القادم
رجفة جفنه الأيسر فقط ما أدركت جمود الملامح المُمتعضة غزوها المغُولي لرتابة الجو من حولهما ، بسترة تعلو بنطالٍ لا يعد واسعا بطابع رسمي بحت ، يُشعل إصفرار القميص لونها النيلي الخافت .. جيد ، فـ لا زالت أطرافها مُتصلة بالجذع ، إلا إنها اضحت أكثر ضُغفاً ، حتى الوجه المُنمش بدا و كأنه أُهلك حتى بانت عظامه
لبُرهة ضاق بؤبؤيه تساؤلا عمّا تُخبئه خلف الإسكارف المُحيط جيدها ، فها هي تتخلى عن كُل ما يخفي حُسنها خلا قطعة الزينة تلك ، و التي لا تزيدها إلا بهاءاً إن كانت تعلم !
: سلام
إختصرت نون النسوة بـ حضور أتلف له صوابه ، قهراً و ضيق !
: و عليكم السلام ، يا هلا بـ مدام فُرات
تُجاهر بالوجود طارقة بكعبيها على طبول الخطايا .. اذن لا زالت على عهدها الداكن ذاته !
: أهلا بيك دكتور مُضر شأخبارك ؟
: بخير الحمدلله
ماشاءالله وجهج منّور ، احسن من الاسبوع الي راح ، شلونها صحتج ؟
: الحمدُلله عال العال
ابعد ناظريه الرافضين حُضوراً يخطف من القلوب الخفيفة نبضاتها تأثراً ، هازاً رأسه بـ شئ من أسى على عِراقيته ، تلك التي جعلت منه يُغالي بالقلق على من لا تستحق فُتاته
هاهي تُثبت له مِصداقية أفكاره المُعتمة حين ذكراها ، من اين لها بمعرفة شريك عملهم القادم ؟!
هه ، حتماً من مِثلها لا يُخشى عليهنّ سوءاً ، فما بأنفسهُنّ يكفي لإصابة الأخرين دون ذواتهم الرعناء
: شلونك دكتور ؟
مُطرق الرأس قليلا .. و البصر أشاح به حيث مهربه المنطقي ، الملفات المُستلقية امامه .. أدركه سؤالها و إستنقص لحظتها نفسا إرتضت هذا الهوان
اصابع الكفين تستند على المكتب بمُلامسة خفيفة ، تكفيها للإمتناع عن رفع أي حملٍ و إلقاءه فوق الملامح المُبهرجة
دون ان يُبدل حال جسده ، فقط اللواحظ ما تحركت لترمقها بشرٍ كامن ، بغير ذي استتار : الحمدُ لله
فرار احداقها العجل ، و إبتلاعها الريق الجاف طمأن به الغضب ولو قليلاً
انفاسه العكرة تصافت مع الرئتين لحظة مُغادرة الغريب ، عقب اتفاق أُبرم معها على موعد أخر يتمون نقاشاً ظل ناقصا في المرة الماضية
لمّا أُغلق الباب ، إستنفرت روحه شر نفور ، و إعترضت اعصابه اجمع على برودٍ يتركه مهزوماً امام طيشها المُستهتر و الذي يقع الرضا به ضمن محظورات حياته المُسننة بـ قوانينٍ لا تتبدل و لو إحتله قبائل المغول هذه
إذن ، آنى له الإكتفاء بـ الإشتعال دون تقديمها قُربانا لحطبه الجائع ؟
: اخبار الشغل ، دكتور ؟
بادرت بالحديث المُتمايع ، تاركة حقيبتها بعناية فوق الطاولة القصيرة امامها ، لتجلس بعدها ببطئ مُستفز على المقعد الجانبي ، مُظهرة لا مُبالاة الكون أجمع
ليبقى هو على حاله ، فقط بصره ما يدُل على كُونه بشراً لا تمثالاً شمعيا لذوي الإستبداد !
تُشهر له اسلحتها الوقحة مرة واحدة و بتكتيك فاشل لمن لا تعرف حقاً أساليب المعارك ، واضعة ساقٍ فوق اخرى و النبرة تعلو بـ حدة تُجاهد بها لتبدو مُنتصرة
: مو المفروض حضرتك متعقد اجتماع بدوني ؟!
هروب اللواحظ الجاد منه إنتهى ، فصار لزاماً عليها إثبات تمكنها لـ عينيه الشرستين ، شعر بجهادها لئلا تستبق الفرار مجددا ، و لم يهتم بـ تهدئة روعها ، يكفيه ما أهدره لأجل سخافاتها
بنبرة كسولة علّق بينما جسده يعتدل واقفاً ثُم مُتحركا من خلف المكتب : تقدرين تقولين جنت متأكد مراح يفوتج شي
و مخيبتي ظني ! طلعتي سابقتني و رايحة لمكتبهم
لمّا صار خلف مقعدها ، إستوقفته دقة فوضوية شعرها القرمزي ، ترفعه بـ مطاط رفيع ، فيتدلى بلولبية غريبة ، اذ تنافر الخصلة شقيقتها
: و تقدر تقول اعرف دائما اسبق - عدوي - بخطوة
رجفة نبرتها جعلت السخرية تُلون ملامح الصوت الجهور ، ليعلّق و قدماه استقرتا في محله : عدوّج !
اتوقع اثنينا نشتغل لنفس المكتب و هدفنا واحد ، شنو الي يخلينا اعداء ؟
بدا و كأن لا جِلد لها لجعل - عدوها - يقف في ادبارها خشية طعنة تُرديها صريعة حمقٍ لا يليق بها ، اذ هبّت من مكانها واقفة ، مُستديرة نحوه و النبرة كساها حقداً دُفن بين كُثبان احرفها : إسال نفسك دكتور ، اكو سبب يخلينا اعداء ؟
هزة رأس أُخرى ، و اشاحة بصر ساخر ، ليستطرق ناقماً : على حالج نفسه ، تحاملج على الناس يخليج تفقدين توازنج !
بينهما مقعدٌ ، و الف ميلٍ من لا تفاهم !
ضحكة مُلأت هزءاً ، و من ثم تنهيدة مُفتعلة إكتفت بهما تعليقاً على ما قيّل بحقها ، ليبادرها التعقل مُكافحا في سبيل السِلم : شنو الي صار وية حسين و خلاج تختفين !
كان قد سلط على عينيها البصر لما سأل ، فأبهر بالخيبة حين الإجابة : بعد وكت ! - ما زال الوقت مُبكرا -
زفرة ثقيلة اطلقها ، و من خلفها قولٌ مُتماسك ، لم يشأ أن يخدش به متانته : اتوقع خابرتج اكثر من مرة
ضحكة أُخرى ، صارت عنواناً حديثا للهزل و بصرها يُقلّب في الفضاء من حولهما : ورة إسبوع !!! ، مقصرت ما شاءالله
أ يلمس عِتاباً أم هُيئ له ؟
أمال برأسه مُستفسراً ، مسلوب التفقه حينها
لـ تحكم على كبوة لِسانها حين جموح ، و تُعدل ما بالغ في كركبته
: المهم هسة رجعت ، و مرح اكرر الغياب لإن اعرف الي حيطعنوني بظهري هواية
و بما انو ماكو احد بهالمكتب كله اقدر اثق بيه ، فراح اكون على راس مالي ، و ما اخلي الذيابة تنهش بية
شئ توغل مع عطرها القريب حيث شمال صدره ، شئ أوجع عضلة فؤاده حق الوجع ، و كأنه أشبه بالشفقة !
هذهِ الإمرأة العبوس ، و رغم نباهتها تغرق حتماً في كوب ماء ! كما أخبره شريكه المرحوم
سعال خفيف هرب من حُنجرتها ذات تأثر بصمته المُهيب ، و كأنه تلقى رسالتها بـ فطنة الاوائل
هو الاخر أجلى حُنجرته دون تحكم ، ليبعد احداقه حيث اقاصي الحُجرة مُستفسرا بـ إهتمام حقيقي : شنو موضوع التنازل الي ديقوله حسين ؟؟
باغتته بالقول العجل ، الساخر : اوه
يعني ما زالت مواكب تطوراتنا ، كلش زين
جعلت من احداقه حبيسة مدارها حين الهزئ ذاك ، لتواجهه ببشاشة المبسم ، حتى لعبت على اوتار غيظه السافر
جمّد نظرات احداقه على عينيها الحمراوتين بـ عناد لا يُشابهه ، و لا يدري اي سماً بثته في هواه ليستنشقه و يُصاب بعدواها المُثيرة في نفسه إشمئزازا عنيفا
ان ظّن منها إنكساراً ، فهاهي تُخيب له كُل ظنونه ، إذ عاكسته بالبصر المُشتعل .. لا يعلمان كم كان بإستطاعتهما التناطح أحداقاً لولا إنقطاع العراك ذاك بـ دخول احدهم
كانت أول من غيرت وجهة انظارها و الجسد ، مُلتفتة صوب القادم و صدرها يعلو فيهبط بـ إنفعال لم يستُره جلباب شخصها المُظاهر قوةً
وهلة لا تُحتسب ظلت بها عيناه راسخة على وجهها ، لتُبدي له حقيقة بشرتها المليئة بحبات النمش الأحمر ، تشبه في شعرها الاحمر و البياض المُنقط نمشاً إحدى دُمى - زين الصغيرة -
: مساء الخير
إلتوى عُنقه هو الاخر بعد ان وصلّته النبرة ببحتها المشهورة ، بهزة رأس خفيفة و تحية أجابه ، ليتقدم الاخر و خُطاه تلتهم الارض مسرعة
عيناه لم تستطيعا التهاون بالجمال السافر امامه دون إهتمام ، أو إطراء
اذ سرعان ما حدّثها باسطاً كفه بـ ودٍ " أرعن " ، و النبرة المغوية غمرت التحية : مساء الورد ، حضرتج
كان قريباً ، اعاد ببصره نحوها بـ حركة غير كفوءة ، رغبة غريبة سكنت روحه لكشف خباياها ، أتراها تتسم بالقذارة حقاً كما تسول له نفسه بها ظنّا ؟
ليبتلع نفساً مُفاجئا دون استنشاق لحظة ابصار تكشيرة وجهها إشمئزازاً ، مُرفقة اياها بنظرة حادة اسكنتها الاحداق النارية
: شنو حضرتج الظاهر مو رياضية ؟ و متتابعين الاخبار فمعرفتيني !
اغلق اجفانه متمللاً من الاحمق ، ليمد بكفه مستقبلا تحيته بدلاً عن الفُرات ، و لم يلمح حينها نظرة تجلت في قزحيتيها اعلنت بها عن إنهزامها الاخير
: يسّاار
: تاج راسي ، ليش مقتلي عالشغل وياك اول مـ جيت ؟ حرمتني من شوفة الـ
: امشي اطلع برا اخلص اجتماعي و تعال
قبضة يده على كف اليسار لم تؤثر به إطلاقا، بل ساهمت بإتساع البسمة ، لكنّ نظرة البأس العراقية جعلت منه يتراجع بخُطى مُستقيمة ، متقهقر الغزل : ماشي يابة لتعصب
على غير عادته وجده مُنصتاً لتهديده البصري ، ليخرج مُسرعا
فتتحرك بعده من ضاقت عليها أنفاسها دون إدراك ، إذ لاح في فضاها كوكب غريب ، حاد الطباع ، يرشق من يقربه اشعة سوداء
كان التوتر قد ضيق عليها الخناق حتى تزلزلت عِظامها حد التفكك ، رفعت حقيبتها بعجلٍ دؤوب ، و تحت انظاره المُستغربة سرّعت خُطاها الهاربة
قد تجتمع كُل المكائد ضِدها حين لؤمٍ ، اذ تعمل جاهدة لإفتضاح امرها ، فهاهو كعبها الحقير يُباغتها بميلان غير مُفاجئ ، اذ كونها معتادة على مثل تلك المواقف كان امرا ينقذها في كثير من الاحيان
الا الآن ، فـ تشنج اطرافها لم يوليها التوازن ، و ها هي دون سيطرة توشك على الهبوط قاعاً امام انظار العراق ، الشامت !
ذاك الذي تعجل في خطوتيه كي يُجنبها الوقوع عكس ما تظن به ، و دون أن يدري عمل على غرس قبضته في جرحها الندي : آآآآي إيديييي
صرخة هزت طبلة أذنه القريبة حد التمزق ، إرتياعٌ حقيقي صاحب ابتعاده عنها يراقب انهيارها ارضا فيكون ارتطامها في القاع ذو الاثر الثاني في نفسه ، رعشة اصابت تماسكه و هو يقف هكذا دون حول او قوة او حتى فهمٍ لما ألّم بها !
: ايدييي ايديي تمووتني ، اييي
ليرافق القول المُشتعل وجعاً رفعها لساعد يمناها اقصى اعالي قد تصلها من محلها ، شق روحه القلق ، و القهر لدى رؤياها تتوجع كما لم يرى أحدهم يفعل
دون ان يُدرك نظراته صبت على يمينه جام حقدها .. و من ثم إنحنى بصعوبة بالغة ، حابسا بين تجاويف صدره آهة توجع فخذه بسبب حافة القدم الاصطناعية
رتابة حركته جعلت انفعالها يُضاعف و هذه المرة تُرخي ساعدها الراجف لتحاول زرقه بالسكون بتربيتة كفها الايسر على اناملها الراجفة
حالمّا شاركها المجلس الارضي ، راميا جُل ثُقله على رُكبته اليمين ، مد يديه نحوها بتهادي ، إحداهما لامست المرفق و الاخرى الانامل ، مُحاكياً إياها بشدة عهدته منها : شبيهاا ايدج فهميني شبيهاا ؟؟
مُطرقة برأسها ، تشعر بنار تلتهم ساعدها ألماً ، حتى حين الجرح اولا لم يزورها الوجع هكذا ، تكاد روحها تقتلع الحُنجرة و الفم !
: فُرات ، راويني " اريني " ايدج شبيها
لمّا قابلته بالتصدي ، عمل جاهداً في فك طلاسمٍ كادت تودي بمصرع هدوءه ، لتُباغتها يداه في سحب طرف سترتها من على الكتف الايمن ، و لإنهيارها الجسدي لم تجد لـ مُقاومته حيلّة
زندٌ من عاج .. قد يُلقي بعقل اعتى الرجال جحيما ، لكنّه لم يره ، صدقاً لم يُبصره و كُل مابه يريد الوصول للساعد المخفي
ببطئ حلّت عليه لعنة الإهتمام زم شفتيه يسحب ذراع السترة و بصره يُكنز مواساته دون ان يجود عليها بـ حرف
حتى ظهر له ما ظهر !
شقٌ بدايته مفصل المرفق ، لينتهي قريبا من الرُسغ .. عدد مرعب من الغرز تستلقي على طوله ، تجمع شقيه بـ عُسر جعل رؤيته بحد ذاتها تستحق التأوه
بروز قطرات الدم من بعض اجزاءه أخبره سوءة فعله الاخير ، بل أفعاله الظالمة بمجملها !
دون وعي ترك لها مُهمة امساك ذراعها ، و نشيج روحه غزا حُنجرته ليخرج صوته شبه ميت : هاي شنو
لم تُجب ، فقط تأوه يتلوه أخر ، و رفرفة إلتياع الوجع جعلته يعاني هو الاخر حتى حُرمت رئتيه انفاسه
شعر بتوهج عينيه حتى قاربها الانفجار ، ليعود فيحادثها و يده تستند على كتفها المنحني : زين ليش فاتحتها !
وين الشاش ؟؟ ليش مـ لافتها فرات ؟
: الشاش صار قديم
فتحته دابدله و مـ قدرت اسيطر بأيدي اليسرة فـ عفته " تركته "
غصت انفاسه و الروح
رُكلت معدته مراراً بقدم الضمير الهائج ، تلوى على نفسه ذنباً غير مُغتفرٍ ، ليضغط على كتفها جُل قوته ، مائلا بوجهه نحو رأسها المُطرق ، فيهمس اخيرا بنبرة قطع الإثم اوشاجها ، مواسياً نفسه و هي : أسف
*
حُلم
|