كاتب الموضوع :
حلمْ يُعآنقْ السمَآء
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: و بك أتهجأ أبجديتي
بِـسمِكَ ياربْ
؛
لا تؤخروا الصلآة و الصالحات لأجلي رجاءا يا أحبةِ
،
الألف الثانية
*
ألفُ
اتيتك بعد صدٍ .. فهل القاك منتظرٌ ؟؟
.
.
يحكون في بلادنا
يحكون في شجن
عن صاحبي الذي مضى
و عاد في كفن
*
كان اسمه.. .
لا تذكروا اسمه!
خلوه في قلوبنا...
لا تدعوا الكلمة
تضيع في الهواء، كالرماد...
خلوه جرحا راعفا... لا يعرف الضماد
طريقه إليه. ..
أخاف يا أحبتي... أخاف يا أيتام ...
أخاف أن ننساه بين زحمة الأسماء
أخاف أن يذوب في زوابع الشتاء!
أخاف أن تنام في قلوبنا
جراح نا ...
أخاف أن تنام
محمُود درويش
أقصى الأمنيات قد لا تندرج ضمن المسمى الحرفي بمعناه ،
و أعلى قمم السعادة قد تكون لها درجات من بساطة .. الصقر قد يرى الوجبة فتات ، و للعصفور هي وليمة ! كل له منظاره ، و زاوية تضيق و تتسع حسبما تشتهي ظروف حياته ، و نمط عيشه
و بعيشنا كـ حمائم ، لم نعتلي بأذقاننا حيث الصقور حاسدين ، و الأولى أن نطرق لمتابعة لملمة البقايا بين طرفي منقار عصفور صغير ؟! ، كل الرضا سيتملك كل حمامة ما إن تدرك عظمة رزقها ، و ترف عيشها ، و سعادة يمتلئ بها قلبها
فـ هنالك من ينام خال المعدة جوعا ، متكسر الأضلاع بردا .. مفضوح الستر لباسا !
فـ إرضوا يا عباد الله ليرضيكم الله و يرضى عنكم
؛
“فبُعد ووجد و اشتياق و رجفة ... فلا أنت تُدنيني و لا أنا أقرب
كعصفورة في كف طفل يزمها ... تذوق حياض الموت و الطفل يلعب
فلا الطفل ذو عقل يرق لما بها ... و لا الطير ذو ريش يطير فيذهب”
― قيس بن الملوح, ديوان مجنون ليلى
مدركة أشد الإدراك بأن عصفوريها لم ينفكا عن لملمة الفتات بسعادة غمرت قلبيهما الرقيقين ، و كيف لا و هما من يتمنيان دوما هكذا لحظات .. كم تحايلا لكي تهديهما بعضا مما وداه عمرا ، فيقف الخاطر - الملتحم شرخه - بمرصاد المحاولة رافضا لنفسه الذلة .. و الكسر الجديد
كم ذلت و عذبت و تبعثرت أشلاءها الوردية على مر السنين ، حتى باتت رؤياها تنحصر بالرمادي الكئيب ، لربما في بادئ الأمر ، و أول اللقاء سكنتها نشوة الإنتصار الوليد ، و لكنها و للإسف كانت بعمر قصير .. إذ لم يتحمل رحم وعيها حملها أكثر من لحظات ، فـ لفظها منقرفا ، مترفعا عن كون ثانية من حبور تسكنه و النطفة تأتيه من جائر متجبر !
تهدل الكتف الحزين ، و تشققت اوراق الحنين ، تلك التي لوهلة مضت كادت على وشك أن تقرأ ، و ويل لمن كتبها ما كتب !!
فالقراءة تعاظم ألم الكاتب بـ مكتوباته ، و هو يلمس أثر وجعه منقوشا فوق جلد لا ورق .. و حبره من فحم عتيق ، فاخر .. و الحرف ليس سوى مأساة وجع !
: مااما نروح نجيب بيبي " الجدة " من المدرسة ؟ لو هية تجي وحدها اليوم ؟ شـ إتفقتوا ؟
كانت تلك إفاقة رجلها الصغير ، ليجرها من وكر بقايا الصبا ، العتيقة .. لـ مرارة مقدمة العمر ، و إن كان بغير ذي كبر !
: لا بابا عود من نروح للبيت هية تجي ، أريد اشوفها بالبيت خوما بالشارع ، مشتاااقلها كللش رح يصير لي سنة مـ شايفها
تعليق سريع ، منفر ، مشوه بالحنين الحقيقي هو أقصى ما تمكن منه اللسان ليلفظ ، فـ راحت أفكاره تهيم ، توحشا تارة فـ وحشة أختها
و ثالثة من خجل !!!
: و حتى هييية مشتااقتلك بابااتي ، كل يومية تقول شوكت - متى - يجي ابوكم عاد ؛ صدق بابا انتة كلش تأخرت ، و ترة احنة كلللش مشتاقييلك ، عفية هالمرة كافي بعد ابقى هناا !!!
إضافة مليئة بدلع الحسناوات ، المدللات ، جاءت من الصغيرة ، ليشاكسها بغمزة عين انعكست صورتها بالمرآة الأمامية ، معلقا بذات نبرة .. تهدلت خشونتها : ماشي بابا من عيوني
فتضاف البحة الفخمة على تلك النبرة الكسولة ، فتزيدها خبثا و إغواءا ، و كأن بسهام حروفه تتوجه ذات يمينه حصرا : باااقيي هالمرة و قررت حتى اذا سافرت اخذكم وياية بعد ما بيها مجال بابا ، مو مال اعوفكم بعد
شخرة هازئة ، ذات امل مات دون احتضار ، و دفن دون تشييع !! ، تبعتها بسمة صفراء انعكست على الوجه الكئيبة تفاصيله و من يجاورها تجاوز وقاحة الاستنكار ، ليتفوق بالإستفزاز المقيت و هو يثبت بأصابعه الخشنة اطراف رداءه الطويل ، العريض ، المشرف .. ذاك الذي لا يليق بأمثاله !
: ها حبايبي ، شنو رأيكم اخذكم لفد مطعم نتغدا بيه ارييد اشبع منكم ، حلووو ؟؟
لترتفع على حين غفلة مزامير الحماس عند فتاته ، أما الصبي الرابض بـ جسد مستنفر قلق ، فظل هادئا ، مراقبا تعابير ملامح حبيبته الأولى من صورتها المنعكسة على المرآة الجانبية ، يحاول أن يسبر اغوار قلبها ليكتشف ما تعانيه دواخلها ، أهي صدمة فرح ، أم ترح ؟!
إنتبه لـ والده الأشقر ، الوسيم ، المعتد بشهرته و بهاء طلته ، يراقبه بـ صمت ابلغ من الكلام ، فهو أكثر من مدرك بأن غصن فتاه ينحني حيث جذع امه يميل
ليصاب بالجشع اللحظي حينها ، و الطمع .. ود لو يسيطر على عالم الأمنيات ، و تحقيقها ، ود لو لملم اطراف الصغير و ثناها ، ليجمعه بذات علبة سوداء اسكنها جيبه !!! فلا يكون حينها لفاتنته الصامتة عليه سيطرة ، و لا مقدرة
و لكن أوسيفلح بـ فك التحام دام من السنون عشرة و من قبلهم تسعة اشهر ؟!
تلك التسعة التي فككت عظامها الرقيقة ، و شحذت من دمها و هواها و كبدها الكثير .. ترى كيف كانت و بطنها تنتفخ ككيس ملاكمة ؟!
سؤال مر بخلده لـ دهر يماثل عمر الصغيرين ؛ بضعفين !!
سؤال لم و لن يتجرأ يوما في النبش عن اجابته و كل العالمين من حوله ، حاقدين .. مستنفرين ، رافضين كينونته و انتماءه لـ عائلتهم المبجلة
تنهيدة إنحشرت بين التجاويف المنتفخة فخامة ، لوهلة انحبس نفسه ليولي القلب نبضه ، فتشربت شرايينه بالنيران المضرمة بين أفرعها
دعك على المقود المسكين ، ليصير لعنف تشنجه مصيدة ، و كيف لا و الفؤاد المتجلد بلادة أدركه حنينا مفاجئا بعد إذ لامس اوتار اوردته همس خفيف ، يستحلي الإنفلات من الثغر المزموم حنقا
: ماما .. اني تعبانة ، خلونا نرجع للبيت و بعدين طلعوا وية خالوو
و كأن بالإنفاس انكتمت لثوان .. صمت قصير ران ليكون اصغرهم الأشجع ، كما اعتاد ، فيذبح نحره بنبرة عصر لها حنجرته لتبدو بفخامة صوت من تربى تحت كنفه ، لتظهر بذات بحة لم يستقصدها ، بل هي وسام الشبه بينه و من يقود بهم .. للأسف !!
: خير ماما ؟ شنو مأذيج حبيبتي ؟
قوله تزامن مع تقدم جسده ليلاصق ظهر مقعدها ، حاشرا صوته بفلكها ، بينها و الباب .. لتلتفت برأسها فتجيبه بـ هدوء محبب لقلبه : لتخاف عمري ، بس شوية دايخة و نفسي تلعب " أصابني غثيان "
فتكتمل صورة العائلة ذات الافراد الثلاث - حصرا - ، إذ قدمت الفتاة جسدها بين المقعدين بعد أن حررت نفسها من الحزام الخانق ، لتمد بيمناها حيث كتف والدتها ، هاتفة بـ جزع : أكيد ماماتي ؟ يعني موو نفسج ضايق ؟
كانت اليمين مستندة على الكتف المماثل ، تصافح بأناملها كف رجلها الحبيب ، لتغار الشمال ، فترتفع هي الأخرى حيث وجهتها المعتادة ، كف صبيتها المغنجة ، فيميل الرأس قليلا مقبلة الانامل الرقيقة ، متحدثة بذات حنو فاصح : عمري إنتي لتخافين ، كلشي مابية
نبذ و كأنه لم يكن !!
إعتداد الرجل به تغاضى عن وجع غمد الخنجر بالصدر ، بين الاضلع العتيدة القوة ، ليتوحش فجأة ردا عن كونه غريبا بينهم ، فتعلو نبرته ممتعضة ، متذيلة بالهزئ : صدق كذب تونة هاي بس شفتيني دختي و رح تتخربطين " تفقدين الوعي " !!!
لعد اذا عرفتي بالي جاي شيصير بيج ... حبيبتي إنتي
بـ فراسة أنثى ، لمعت الاعين و إلتوى الثغر مسفرا عن إبتسامة خفيفة ، معلقة بطرفيها على خدي الدهاء البارد مناخه
لتضغط - بعض ما تمناه صبيا - على كفي صغيريها ، بإشارة واضحة ، و عارية الستر ، بأن لها من القوة ماليس له !
فيحتقن الوجه بغيظه ، و القلب بدمه ، و تثور ثائرته ، فلا يجد ما يروح به عن نفسه ، فيتخذ من الضغط العنيف على مكابح المركبة متنفسا لإنتفاخ صدره بقذائف لن يطلقها إلا بعد أن يحشر عدوه - منفردا - بزاوية البؤس .. !
و كأن هذه المركبة الصغيرة - المضحكة - صممت ليأتيها يوما فتكون به بدلا عن - كيس ملاكمة - لذوي العضلات المصطفة بفخامة
تحدته بـ صمتها أن يطيل الحديث ، فالخسارة لأمثاله اولى و احق ، لتصدمها ردة فعله الخنوعة ، إذ راح متوجها بعكس طريق جاءه ، و كيف فعل .. هذا ما لا تعرفه حقا ، إلا إن كان قد إتصل بـ شخص قدم له معونة رجاها .. و بالتأكيد لن يكون ذلك أحد أخويهما !
الطريق العام كان مزدحما لفرط التشديد الأمني - اللا آت بنتيجة يرجونها المتضررون - فـ تكفلت ان تكون لرحلتهم حملدارا ، فراحت توجه له بعضا من نصائح بخصوص الأفرع المتوفرة امامه ، فمعظم ما كان على زمنه قد ولت اعوامه ، و غسلت اشرعته .. و بات التنقل بين الشوارع و الافرع من اتعس الروتينيات اليومية و أصعبها
ثرثرة الفتاة لم تتوقف إلا في الضرورة - كـ ثوان وسن ، أو جوع يدركاها - لم تترك محلا أو بيتا .. فـ بناية إلا و راحت تسهب في ذكر معلوماتها عنها للأب الحنون !!
ذاك الذي حاول بكل ما آتته طاقته ان يسايرها ، و يماشي سعة الفرح بمقلتيها الواسعتين ، معظم الوقت قضته محتضنة مقعده من الخلف ، مشيرة بين لحظة و اختها لـ رمز انهيار من حولها ، غير واعية لما تنثره من املاح على جرحي والديها
اما من شاركها المسكن الاول ، الأظلم ، فإكتفى بالصمت رفيقا لدربه ، دون ان تغفو اجفانه عن مراقبة والدته ، و من يفخر بأن يكون له إبنا !!
بينما ، من لم تذق يوما للفرح نكهة بعد أن شق " من كان لها حلما " طريقه حيث - كل ما تمناه طفلا فـ صبيا و من ثم رجل - ، تاركها وراءه كـ بقايا أمنية ، و هي لم تكن يوما بأمنية ، بل هي كل التمني و الناس يشهدون
برودة جمدت اطرافها الاربعة ، و نبض راح يدوي كـ قصف حرب لم تنتهي ، اهداف ترمش توترا ، و صدر ينتفض بأنفاس وجلة .. لحظات و تحل حالة من سكون ميت ، لا يليق إلا بمن وافتهم المنية ، و من بعدها تعود فتهيج الأعضاء مستنفرة مجددا ، و كأنها تأبى إلا أن تكون ثائرة جامحة
عقد و بعض منه ولى ، فـ شاب العمر ، و تلون بالخريف ربيعه ، و ها هو الصيف قادما ، متوعدا بشمس ستلظي الجلود ، و تبخر الانفاس !
تعلم بأن هنالك موجة من اعصار في سبيلها إليها ، و قد يرافقها زلزال همجي برغم إنها لا تمتلك على خط الزلازل خارطة ، لا تدري أتلوم تمني الثلاثين أم طفلة التاسعة عشر ؟
أ تجلد من تجاوزت كل الخطوط الحمراء بفعلتها الرعناء ، و قبولها التحدي الأخرس ما بين القلب و العينين ؟ أم تكتفي بندب حظ قلب تخبط في نبضاته الأولى فوق ارض وعرة !
بطرف عينها راحت تراقب تعابيره المستنفرة ، بعد أن نادتها زفرته الحانقة ، بلا شعور ادركتها بسمة خفية ، متلذذة بـ حين بأسه ، ألا ليته يعيش عمره بائسا ، متحسرا على ما فات ، منشطر الفؤاد لثلمات !
ألم تدركي يا كل التمني بأن بعض منك لا يجب أن يتمنى ؟! فـ لربما تقابل صفاء نيتك بساعة إستجابة ، و أنتي أكثر من يعلم بأنكم في الحزن متراصون ، كـ عيدان في رزمة واحدة ، فإن إنشطر قلبه .. سيتفتت خاصتك فلا يتبق سوى الرفات !
للزحام ، و الجو المشحون بالـ إلكترونات السلبية الإشارة تأثير عميق في الاذهان ، و الأفئدة ، و قد تستفحل الحالة فتشمل العضلات اجمع ، فتراه متصلب الجسد ، بل متخشبا .. انفاسه بطيئة و كأنها لـ جنين لم تكتمل رئتاه بعد ، يراقب الطريق و حاجباه متعشقان بقهر لم يدق بابه الحديدي منذ مدة
إنه القلق ، تبا له !
هاج و ماج بدواخله ، منتشيا برؤيته يتقلب بـ إحتراق فوق جمره ، آتى و ظن المعتز بنفسه صور له بأن اللقيا ستختلف ، و بأنه كـ أضعف الإيمان سينتشل منها صغيريها بصفه .. حينها ينجح بلي الذراع التي تعبت بهدهدتهما اعواما
لكن أيعقل بأن من مثله يدركه اليأس من المحاولة الأولى و هو من تحدى و جاهد بكل ما إمتلكه - يوما - لأجل نجاح حصد ثماره و راح يتفنن بالزهو الأحمق بألوانه ؟
فقط إهدأ ، لسنا سوى في الجولة الأولى ، و أنت بإستطاعتك قلب النتيجة فوق رؤوسهم جميعا " يسار "
لا تهتم و لا تضجر ، و لا تترك للـ قهر نافذة مفتوحة للمنتصف لئلا يتسلل منها بخلسة منك و يضاهي لا مبالاتك جودة و حنكة ، أنت صنعت من نفسك ما يفخر به ولداك ، و هما لن يخذلاك .. و لن يتخليا عن حلم وجودك ، و قربك
أليس كذلك ؟
لن تفعلاها ، هه ؟
*
سيدة ممتلئة العود ، و العقود ، تكاد تلامس الستة منها .. بجلباب إسلامي ساتر ، حالك الإسوداد ، يعاكسه الخمار الأبيض الناصع ، فتكون البشرة الحنطية لونا وسطا بينهما .. تمشي بطريقها اليومي ، ترفع كفيها كل ذي حين لترد سلاما اطلقه احدهم
لها كينونتها و احتراما لا يماثله الكثير في حيهم ، فهي مديرة المدرسة الثانوية الصارمة ، ذات الرؤى المنحصرة بالأخلاق و العلم ترتفع الأمم
تربت تحت كفيها اجيالا ، فأحسنت تربيتهم كما يذاع عنها ، و لكن أ أفلحت بـ تربية من حملتهم برحمها وهنا على وهن ؟ قطعا فعلت مع أبناء محمد ، رحمة الله عليه
فقـط ذلك المتهور الأرعن من نجح بـ زعزعة ثبات نجاحها ، برسمه نقطة سوداء بين سطور رسالتها النقية !
تنهيدة حسرة انفلتت من صدرها المنتفخ نفحات إيمانية تعطر ما امامها و الخلف فالجانبين ، قادتها خطاها اليومية حيث محل الأسواق الضخم ، المنتمي لأشباه كثر في المنطقة
بحركات روتينية توجهت حيث الثلاجة الزجاجية ، لتملأ كيسا علقته بين قبضتها بـ أنواع مختلفة من الشوكلاتة ، و من ثم تقتطف لها بعضا من احتياجات المنزل ، و اخيرا تتوجه حيث المحاسب ، فيرحب بها الاخير و الذي لم يكن سوى احد الجيران ، إذ إستقبلها بوجه بشوش مرح
: يا هلاا بـ - ستنا - الغالية
شلونج ام عراق شأخبارج
فتفاجئه الـ - ست - بقول لطيف ، خفيف النبرة : و عليكم السلام و رحمة الله
و بعجل تجاوزت عن احراجه لتتمتم مكملة : هلا بيك أبو سلوان ، الحمدلله تحت رحمة الله
شلونكم انتو و الولد شلونهم ؟
: الحمد لله بخير ،
شو صار يومين ماكو حجية ، خير ؟
: لا ابوية ماكو شي بس شوية السكر ديتخربط و دا اخابر ام يزوني دترجعني من المدرسة
: له له له ، سلامتج يوم ، و اليوم شلونج ؟
: لا الحمد لله زينة متشوفني رجعت امشي
: إي مو اني استغربت ادري بيج تحبين المشي
: إي والله يا امي
الحمدلله على كل حال بية و لا بولدي
: الله ينطيج الصحة و العافية حجية ، صدق شخبار يسار ؟
يمعودة قوليله خلي يشد حيله و يرفع راسنا
ترة والله من بدت البطولة لليوم كلنا متابعين و مشجعين
: هههه
بخير امي الحمد لله
: بس حجية قوليله ترة بأخر منازلة مـ عجبنا
لا تعلم أ تبكي أم تترك لبسمة الراحة حرية الفرار دون قيود بين تضاريس الوجه المجعد !
إكتفت بـ : الله يهديه ان شاء الله
تلتها بتنهيدة اخبرت الشاب بأن هنالك بين الظلوع قلبا يعاني حرقة نبض !
حاول تذليل بؤس راح يطفو على النظرات ، بإضافة خفيفة النبرة ، مدموجة بالمرح : يووم شو مـ أخذتي تشبسات لـ يزن ؟؟ اليوم المسواق - المقاضي - كله للحلوة
: هههه حافظ مسواقي ، شسوي اذا رحتلهم بدون مسواق ياكلون راسي
و اي حطلي ليز و برنكلز ، من كل واحد تلاثة
تزامن قولها مع تأشيرها نحو النكهات الراغبة بها ، لتمر الدقائق تباعا ، فتكون بعدها امام المنزل ، ببطئ استخرجت مفاتيحها ، لتحشره في بيته الرفيع ، و ما إن تخطت اقدامها العتبة ، حتى فلتت من صدرها شهقة عالية شقت هدوء المكان من حولها
لم تعي إلا و جسدها القصير مرفوعا و مقاضيها مع الحقيبة تتدليان بإهمال من على ساعدها ، هتافات الصغيرين دقت قلبها المتلهف ، اكتفت بـ إسدال جفنيها املا ،
أ يعقل ؟
هما ثمرتان من جنتها الدنيوية ، و كبيرهما بالكاد يستطيع ان يحمل نفسه ، إذن .. أ عاد ذو الرائحة الحبيبة ؟
" سربرااااايززز "
تكررت مرارا من قبل الحناجر الصغيرة ، و نبرته .. يا الله ، نبرته ذات البحة الكثيفة و الكسل العابث ، هي ذاتها ما تعلقت بأذنيها كقرطي ماس بل و أثمن
: شلوونها سموورتي الدبدوبة
" يمممة إبني " !
فقط ما قيل لفظيا ، لتترجم الأحاديث الجسدية دفئ المشاعر ، بل و إشتعالها ، اذ هم بـ إحتضان جسدها المكور بكلتي ذراعيه ، مقبلا الكتفين و منتصف الجبهة .. بغصة خنقت انفاسها راح القلب يصيح منتحبا ، بصمت ! " عيون امك .. حبيبي ، رجعت !!!! .. أبوية إنتة رجعت "
كانت الشفاه على مقربة من البوح شوقا لما تلاقت الاعين بـ أخرى يملأها الدمع دون ان تفيض ، ذبلت اللهفة ، و وئدت الفرحة بعد ولادتها المتعسرة ، أغمضت عينيها لتفلته ببطئ .. و هو لم يمانع ، بل حررها بهدوء ، متمتما بنبرة خفتت : شلونج يوم ؟
يكاد الفؤاد يتفجر مبتهجا بحفل يكون النبض به إطلاقات نارية فرحة ، الصدر أخذ بالانتفاض كـ فرس جامحة هائجة في مضمار سباق ، يراهن الجميع بأنها المنتصرة .. و لكن ، آنى للبهجة سبيل و قتيلتهم تمشي على طرفين ، منكسرة الجناحين !
: يووم شبييج ؟ وجهج صار اصفر !!!!
قالها مستقبلا منها الحقيبة و ما يرافقها من اكياس ، ليمدهما بدون اهتمام خلفه ، نحو صغيره .. فيأخذهما الأخير مبتعدا خطوتين تاركا لمن دنت راكضة فسحة للمرور
: ماما خيييير ؟ هم السكر !!!
ذات الخلف تدحرجت بخطوتها ، لتميد الارض من تحتها ، فتغمض عينيها إستسلاما للهبوط حيث القاع المرمرية ، مادة بيمناها حيث التمني ، لتشهق الأخيرة مرتعبة ، مقتربة كل القرب حتى صار الجسد القصير مستندا على قدها الممشوق بكل باونداته !
: فوتيني - دخليني - جوة حبيبتي
لوهلة صعق ، محملقا بهما كمن لامسه تيار بفولتية تكفي لإنارة مدينة ،و كأن الاحداق إلتقطت للموقف صور متتابعة ، فتظهر امامه بالتصوير البطئ
والـدته .. من كادت لثوان مضت أن تبتلع رأسه في صدرها ، و تتنفسه بشهيق طويل
طالبته التحرر لتستنـد على غزالته الشريدة ، المتنمرة !
: يساااار سااعدني شبييك
صرختها الحانقة صفعت ذهنه ليصحو ، فينحي هواجسه جانبا ريثما يتخذ لنفسه مقعدا بين انفاسهم الممتلئة ترابطا !
كل الأقطاب آلمته حين اللقيا ، فلم يجد من ناضج منهم تجاذب ،
فـ الدر شحذت همتها بـ برد سطحها بـ مبرد متعروج ، حتى لاقى منها لا مبالاة الرجال ! .. و بعدها الغزالة التي قابلته بمكر النسوة و دهائهن .. و الآن والدته !!
لم يتبق منهم سوى الجريح ، أويظن بأن له في قلب ذلك نبضا ؟ إن كن الحوائيات ، متوحشات في وجه حضوره ، فكيف الحال بمن قضى اعواما يغتابه سرا و علانية ؟
أ سيكفر عن ذنبه حين اللقاء الأول بعد مصاب مضت عليه خمس من السنين ؟
بعد أن حط بـ - أمه - على مستقر ، فوق اريكة الصالة الـ تراثية الطراز ، تقهقرت خطواته خلفا بفعل كفين تلمعان بياضا .. و قطرات من عرق !
: إشـ رجعك ؟ مو جنا خلصانين منك و من مصايبك ، إذا هاي بدايتها لا هلاا و لا مرحبا بيك و بجيتك ، إرجع من وين مـ جيت
ظل محله متسمرا ؛ بعقل يرفض إستيعاب ضربة السيف هذه .. بل الضربات !!
و كأنها قضت طريقهما الصامت تبتهل لله أن يجعل لضيقها و قهرها مخرجا ، فـ رزقها ربها و استغلت رزقها بأبشع صورة ممكنة و هي تقذف بصدره وابل حقدها المزروع و المسقى بكفيه على مر أعوام طال أمدها
حرك رأسه قليلا ليبصر الجسد الرفيع القزمي ، ذاك الذي التصق بشماله .. و ذقنه يرتفع بمحاولة لـ مناوشة النظرات مع الغول المهمل ، المنبوذ من اهل قريتهم .. الطيبين !
: بابا لـ تزعل ، لخاطري
ماما كلش تخاف على بيبي فتصير عصبية اذا شافتها تتأذى
- لتضيف عجلة و بنبرة غشاها الوجل المرتعب - بابا .. مو تروح !!!
حاول جهد قوته أن يرسم بسمة و لو خفيفة على شفتيه مداراة لـ " زعله " ، إلا إنه لم يكن يوما ناجحا في فن التمثيل ، فإكتفى بـ رفع يساره حيث الشعر المرفوع بـ - ذيل حصان - عال ، فيبعثر بعضه شارد الذهن و القلب
: لتخافين بابا ما اروح
و من بعدها راح يتراجع بخطواته السابقة ، تاركا لهم المكان بـ زينته الدنيوية
ما إن ظن بأنه انفرد بنفسه خارج نطاقهم المتماسك ، حيث الحديقة الباذخة الجمال ، حتى خاب الظن بـ سماعه نبرة الصغير من خلفه ، تأتيه قلقة ، مع بعض من خجل : بابا .. نروح للجامع نصلي ؟
هم ماما و بيبي يرتاحون ، و هم انتة تصلي و تقرا شوية قرآن
لم يلتفت صوبه ، و إنكماش ملامحه أوضح نية بيتها ، لكنه و قبل أن ينطق استرسل ذو الأعوام العشرة ، و كأنه يمتلك غيرها خمسينا !
: صدقني بابا بس تروح و تصلي هناكة ترتاح ، جرب
حباب
برجاءه الاخير جاءت طفولته لتقضي على تقليده الرجال ، او لنقل تقليده لأحد الرجال ، المثاليين بـ عينه .. و دون ان يحصل على رد ، عاد ليستجديه بـ قهر : زين صلي هنا ميخالف
إحنة مو اخر مرة حجينا على سكايب اتفقنـ ـ
: روح جيبلي تليفون بسرعة
بصرامة اناني ، متحجر القلب صاح به دون ان يدرك بأنه سيشرخ بذات قهره بعض الأفئدة
فما كان من الصغير سوى ان يتقهقر بسكون ، و عقدة بين حاجبيه تكونت ، و أخرى في خلاياه الدمعية ، لتمنع هطول ما يراه لا يليق سوى بالنساء .. و الصغار !
دلف البيت من الباب الزجاجية المؤدية للمطبخ ، ليجد توأمه مستنفرة تنتظره ، و حالما رأته باغتته بقرب سريع و قول لاهث : حجى وياك بابا ؟ إشـ قتله ؟ - ماذا قلت له -
بنبرة غطاها الكسل تمتم ، و الملامح الناعمة حافظت على وجومها : قتله امشي نصلي بالجامع و مـ قبل
تأفأف قصير ، فـ نبرة متهدجة بالزعل : إي عفية ماما ليش هيجي - هكذا - ويااه !! .. يعني هوة هستووه - للتو - راجع من سفر و تعبان و صارله كومة - كثيرا - مـ جاي ، المفروض مـ تزعله
: لـ تتأفأفين ، و ديري بالج - إنتبهي - تعيدين هالحجي ، اكيد بابا ديسوي هواية اشياء غلط فكلهم يحجون علية
ماما و بيبي و حتى خالو و خالة
شوفيه حتى صلاة مـ يصلي !!!!
فتتوسله بعفوية منكسرة الخاطر : بس احنة نحبه و نريده يبقى
ليهم بوضع كفيه بجيبي بنطاله ، معلقا بإستخفاف واع : ترة هوة ميريد يجييي ، صارلنا كم سنة نتوسل بيه ، هسة يللا اجة و شوفيه شلون عصبي
لم يكن منها سوى ان تستقل دفاعا عن موكلها من خلف ظهره : حقه يصير عصبي ، شفت ماما و بيبي شلونهم وياه
و هالمرة بقى خالو ، اصلا هوة يكرهه .. عفية حرام عليهم
قطع استرسالها بالقهر بصيحة زاجرة : زيييين ، خالوو اخوه ترة و مـ يكرهه هوة بس يعصب عليه مرات
إكفهرت لصوته الملامح ، و انتفخت الاوداج حنقا : إففففف
نهرها بـ هدوء : قلت لتتأفأفيين ، و إمشي نصلي
ليستدرك مسرعا : صدق لحظة ، بيبي شلون صارت ؟
فتسبقه خطواتها ، متزامنة مع القول الممتعض : زينة
و قبل أن تبتعد اضاف بعجل : لحظة زييين ، بسرعة روحي جيبي موبايل ماما ، بابا يريد تليفون
لم تتأخر بالإلتفات لتقول بتفكير : موبايل ماما مابيه شحن .. أوديله مال بيبي ؟؟
: بكيفج ، و اذا تريدين شحني مال ماما و اخذيه
لتبرق العينين بشقاوة بريئة و هي تبتعد هاتفة بـ : حاضررر
*
بهتت الألوان ، و لم يتبق سوى الأسود الحالك .. شعلة فوق سراج لونه احمر فقط ما ابصرته المقل ، لتنعكس الشرارة على سطحيهما .. و يتعاظم الحقد بداخله
حقد نبت هنا ، بين هذه الجدران العتيقة ، حيث ايام مضت ، كانت بطولتها منحسرة بـ رجل و إمرأتين !
أحب فـ خان .. فـ شطر قلب و ذبح نحر روح
هنا توجعت الأولى شر وجع ، بكت .. و كتمت بعنفوان شرقية ، ليتكبر و يتجبر بـ سيادة شرقي !
فيتنافر الشرقيان ، و يتجاذبان لـ أطراف مختلفة ، تعاكسهما .. فـ تتوالى الأيام ، و السنون .. و يتفرق بعض الشمل ، ليسترجع المتماثلان قربهما الواهي ، و انجذابهما البعيد .. فهما لم يتناسيا ما كان يوما
برغم إنفتاح براعم جديدة بحقليهما ، براعم لها مصادر تختلف !!
لتمنو البراعم ذات يوم ، و تجاور بعضها أشواكا ، فترتديهما كـ سترة واقية دفاعا ، و بعد سنين النضج راحت الثمرة المنتجة تتوحش ، و تتفرس بالحقل و ما يحتويه .. ثأرا لـ حزن فات و لم يمت !
*
|