بسم الله الرحمن الرحيم
البارت الثلاثون
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
منتصف الليل
كانت تجلس مع اشقائها ووالدتها
قال خالد بحنان
: يمه قومي نامي انتي تعبانة
قالت بارهاق وبصوتٍ منخفض
: ابي اجلس معكم
قبّلت لين رأسها
: قومي حبيبتي ارتاحي , بكرة ان شالله نجلس مع بعض
صمتت
لتنهض لين وتوصلها الى غرفتها
عادت الى أشقائها
بعد برهة باغتها فيصل بسؤال
: لين ليش خلعتي جاسم
رفعت رأسها اليه بسرعة
شعرت بالجرح الذي أمضت ثلاثة أعوام لتخيطه , ينفتق بانسيابية مع سؤال شقيقها
من أنطقك يا فيصل لتقتل شقيقتك !
ظلّت صامتة ليقول هو
: نبي نكون على بيّنة , انتي مو غشيمة وتدرين انهم في أي لحظة بيطبون علينا , لازم نعرف نحاججهم
صمتت لثوانٍ , قبل أن تسرد لهم ما حدث
بأنفاسٍ مرهقة , وقلبٍ متعب
وأطرافها ترتجف
تحدثت بأدق التفاصيل
وببحةٍ عميقة
وبجرحٍ في قلبها لم يبرأ بعد
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السابعة مساءً
تركتها امّها في غرفتها وأغلقت الباب ونزلت الى ابنائها
قالت هديل بخوف
: يمه وش صاير ؟ شفيها رتيل
قالت والدتها ببحة
: صقر رجع ومتزوج
شهقت هديل بصدمة
صمتت لثوانٍ قبل ان تقول بغضبٍ وحرقة
: حسبيّ الله عليه , الله لا يوفقه , الله لا يفتحها بوجهه
نهرها علي
: هديل اقصري صوتك لا اقوم اطلع حرّتي فيك
خرجت من الغرفة ولا زالت تصرخ وتشتم وتدعو
في غرفتها
كانت مستلقيةً على جانبها الأيمن
راحةُ يدها تحت خدّها
وعينيها مفتوحتين
تُحدّقان في الفراغ
وتسمع صوتَ هديل الغاضب
طُرقَ بابُ المنزل
ليفتحه تركي ويعقد حاجبيه
: هلا والله
دخل وليد ومن خلفه ملاك بصمتٍ تام
قالت ام علي بخوف
: وش صاير لكم !
هزّ رأسه نفيًا ثم قال
: بنجلس عندكم كم يوم لين ألقى شقة وأضبطها وننتقل لها
لم تحملها قدميها , جلست وقالت
: وليد وش صاير !
: ولا شي خالتي , بس عفت الشرقية
قالت ملاك برجفة
: صارت مصيبة بينه وبين ابوي
نهرها وليد
: ملاك ولا كلمة
قال علي بغضب
: وش هالمصايب اللي تتحاذف علينا
التفت اليه وليد
: وش صاير ؟
قالت هديل بغضب
: الكلب رجع ومتزوج على رتيل علّه ما يربح
شهقا وليد وملاك
وفورًا غرقت عيني ملاك بالدمع
قال تركي بتهديد
: والله يا هديل
قاطعته بحدة
: عاجبك ! عاجبك سواته بأختك ؟ ولا رتيل ما لها قيمة ولا لها مكانة عشان يتزوج عليها الشايب الحقير ذا
قال وليد بغضب
: حاسبي الفاضك
تركتهم وصعدت الى غرفتها وهي تبكي بحرقة
وكأنّ مصاب رتيل أصاب قلبها
لا تستطيع تخيّل مدى شناعة احساس رتيل
كم تتألم
كم قلبها موجوع
كيف استطاع فعل ذلك بها !
كيف يدمّر قلبها الصغير الذي لا يعرف سواه !
نهض وليد وقال بهدوء
: تركي امش معاي بطلع اتمشى شوي
نهض تركي معه بصمت
وهو يشعر أنّ مكروهًا أصابه
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
جلست بانهيارٍ وقالت
: وش يعني !
قالت والدتها بحسرة
: ما ظنّتي بترجع مرة ثانية , البنت عيونها تقول ما لها رجعة
صرخت داليا ببحة
: ليش سوى كذا !
رفعت كتفيها والدتها بقلة حيلة
حينها دخل عبد الله وهاتفه في يده
: كلمني يقول ودّى زوجته الفندق وبيرجع بعد شوي
ضربت ام صقر فخذيها بحسرة
: يا ويلي عليك يا صقر , فارقتني وانت ولدي ورجعت وانا ما اعرفك
قال ابو صقر بعد صمتٍ طويل
: ماني مصدق انّ صقر سوى كذا !
صمتوا
لم يعرفوا بمَ يجيبونه
هم أيضًا يحتاجون الى اجابة !
كيف يفعل صقر ذلك !
صقر الذي يتنفس الحياة من خلال عائلته
صقر الذي يبصر بعين عائلته
صقر ! الذي ينبض قلبه بقربِ رتيله
كيف يقسو ذاك القلبُ الحاني
كيف يجفو , أعذب احساسٍ وأسمى ما في الحب من معانِ !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثانية صباحًا
جلس وقال محرجًا
: والله ما له داعي , انام في فندق وباتسر اتيسر لحايل
قال أحمد يعاتبه
: عيب عليك , انا جلست في بيتك سنة وانت منت راضي تبات عندي ليلة
: احراج علي وعلى هلك يا عمر افهمني
ابتسم بهدوء وقال
: اسمي احمد , ابو تالا , وما فيها احراج كل تبن ونام لا تصدع بي
ضحك يوسف ولم يُجبه
خرج أحمد من الغرفة ليلتقي بشقيقه
: حامد شوف وش يبي وودّه له , بابي وباب امي مقفلين , اذا بغى يطلع للحمام او شي ياخذ راحته
ابتسم حامد وهزّ رأسه ايجابًا
توجّه الى غرفته ليستلقي على السرير
اقتربت منه وأراحت رأسها الى صدره
قبّل رأسها بصمت
قالت بخفوت
: اشتقت لك
ابتسم ولم يُجبها
فُتح الباب لتنهض بسرعة
قالت بتساؤل
: وش تبين ؟
اقتربت لتقول
: بنام عند بابا
: بابا تعبان يبي ينام بكرة تجلسين معاه
اعتدل في جلسته ومدّ لها بذراعه
: خليها , تعالي يا بابا
اقتربت منه ليضعها بجواره ويستلقي مجددًا وهو يضمّها ويتنفس عبير شعرها
ابتسمت زوجته واستلقت معهما وهي تشعرُ بالراحة
أغمض عينيه لينام
وهاجمته أنمار بشراسة
ابتسامتها الرقيقة
شعرها المتمرد
صوتها الفاتن
أغمض عينيه بقوّة
اذهبي !
قد ارهقتني والله
لا استطيع , والله لا استطيع
هذه ابنتي , ابنة تسعِ أعوام
وهذه زوجتي التي لم يعرف قلبها سواي
وامي امرأةٌ عجوز
وشقيقي شابٌ لا يدبر من أمره شيئًا دون الرجوع لي
عائلتي التي أعولها
ان دخلتي اليها ستتشتت !
اخرجي من رأسي أرجوكِ !
لا تحاصريني بابتسامتكِ وتزيدي عليّ همّي !
لا تُحمليني وزركِ يا أنمار !
يا حديقة قلبي الذابلة !
يا حبيبتي التي وُلد حُبها في الظلام , وسَيُقتلُ فيه !
,
,
على سفحِ جبلٍ يبعدُ كيلومترات عن ضجة الرياض
التفت اليه بلا تصديق
: صادق انت !
قال بحرقة
: ما توقعتها منّه ! توقعت يكذب في كل شي الّا الموت ! حرق قلبي يا تركي
ظلّ تركي صامتًا
يشعر بالغضب لكنّه ان أظهره زادَ على ابنِ خالته
حاول التخفيف عنه بكلماتٍ لا تُسمنُ ولا تغني من جوع !
سأله بعد برهة
: بتقول لأمي ؟
: لا , يكفي وش صار فيها يوم قلت لها ان امي ميتة , ويمكن ما الاقي امي اذا دورتها ! ما ابي أعطي خالتي أمل ويخيب
: ولا بترجع لأبوك ؟
قال بغضب
: حرام بالله ما يشوف وجهي , والله ماهو مسموح عساه يلقاها بآخرته
كان يقسو بكلماتٍ تخدشه قبل أن تخرج !
لكنّ قلبه يتألم
روحه تحتضر !
كيف " لأبٍ " أن يقتل ابنه !
بكره
وفرحته الأولى كما يُقال
أبي
لمَ لمْ يكن أبي كباقي الآباء
أبًا يُحبني , يرحمني
أبًا بأضعفِ الايمان لا يقتلني !!
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثامنة مساءً
جلس أمامه وقال بهدوء
: ما ودي انّك تتعبني , عندي شغل كثير وابيك تتعاون معي
نظرَ اليه بصمت
ليتابع ذياب
: الحين بتصل على جدّك ابو غانم , بتقول له ينزل للسعودية هو وكل العائلة معاه
قال راشد بخوف
: ليش ؟
قال ذياب ساخرًا
: مشتاقين لشوفتهم
لم يُجبه راشد ليقول ذياب ببرود
: كلّهم بيتحاكمون
: انا المسؤول الوحيد !
: راشد لا تدوخني وتصدع لي راسي , ترا اللي فيني مكفيني وان ما ساعدتني ببساطة أفرغ المسدس براسك ونخلص من ذي السالفة
قال برجاء
: والله ما لهم شغل اهلي , انا المسؤول الوحيد
تأفف ذياب
: احنا لازم نعيد ونزيد , قلت لك الكل بيتحاكم , الّا زوجة صقر طالعة منها
ازدرد راشد ريقه وهو يرى ذياب يُهيأ سلاحه ويحشوه بارودًا
اتصل ذياب على ابو غانم وفتح مكبر الصوت
ووضع فوهة المسدس على رأس راشد
ابتسم بهدوء
: تقول له صايرتلك مشكلة وضروري كلهم يجون , أي كلمة زيادة يُؤسفني اشوف نقط دمّك النجسة في بدرومي الطاهر
ردّ الجد ابو غانم بصوتٍ ثقيل
: الو
قال راشد بضعف
: يدّي
: هلا راشد , وينك ؟
: يدّي انا بالسعودية طلع لي شغل , وصارت لي مشكلة
تأفف الجد
: شمسوي بعد
: يدّي ضروري اتيي انت والكل , لا تخلي أحد من عايلتنا باستراليا
: شتخربط انت !
أغلق ذياب الهاتف وابتسم
: شطور رشودي
نهض من مكانه ونادى على سعد الذي أتى بملل
: هلا
: كلمني صقر قال زوجته بالفندق وهو بينتظر عندها لين يوصله فريق حماية عشان يطلع لبيت أهله
: وش يسوي بفريق الحماية ! خلاص تركنا استراليا !
: هو قلق يقول يمكن احد لاحقنا او شي , المهم كلم فايز ويطلعون فرقة للفندق اثنين عند الغرفة وثلاثة تحت في الرسبشن
هزّ رأسه بطاعة ثم قال
: كلمتوا ابو غانم ؟
هزّ رأسه ايجابًا
: رشودي كان مطيع ومتعاون
ابتسم سعد بشماتة وتركهم خارجًا
,
أغلق أزارير ثوبه وحمل هاتفه متوجهًا الى غرفة الجلوس
تبعته وهي تقول بتوتر
: رد علي ! شنو صاير شهاللوية !
قال بهدوء
: مو وقته
: حبـ..
قاطعها بابتسامة
: خلاص تقدرين تناديني باسمي
قالت بلا تصديق
: اناديك مسفر !
قال بحدة
: صقر
ازدردت ريقها وجلست مقابلةً له , قالت برجاء
: فهمني الله يخليك , انا خايفة !
ابتسم برفق
: مها وش فيك ! تخافين وانتي معي ؟
قالت بهمس
: فهمني شصاير , منو هذيل اللي رحنا لهم ؟
: اهلي
: والبنت اللي طاحت ؟
صمتَ لثوانٍ , ثم قال بنبرةٍ غريبة
: زوجتي
شهقت وجحظت عينيها
ظلّت صامتة , ليقول بهدوء
: وش فيك ؟
نهضت لتصرخ
: شنو شفيني ! انا اوّل مرة من سنين أدري انك ريّال متزوج , شتتوقع بصفق لك يعني !
قال ببرود
: هذاك عرفتي وش صار , وحاسبي صوتك
رغمًا عنها بكت
جلست بارهاق
: ليتني ما ييت وياك , انا من ييت مو مرتاحة , كل شوي طالعين ناس يصارخون جنّك مفقود
ضحك بعمق
: طيب وانا ايش اجل ؟
التفتت اليه بعدم فهم
رنّ هاتفه ليعلمونه انّ فريق الحماية يقوم بعمله الآن
أغلق هاتفه ونهض
: انا رايح لأهلي , أي شي تحتاجينه الحرس عند الباب
نهضت بهلع
: لا تتركني بروحي
: قلت لك الحرس برى وانتي جالسة في فندق امان , انا لازم اروح
قبّل جبينها وهمس
: لا تزعلين مني , كثير اشياء تصير غصب عننا
تركها وخرج
,
,
الممكلة العربية السعودية – الرياض
عقِب أذانِ الفجر بدقائق
طرق باب غرفة شقيقه ودخل
: تركي , تركي قوم صلاة
همهم تركي ليقول علي
: قوم لا تعلّ قلبي , وانزل صحّي وليد
خرج من الغرفة ليطرق باب غرفة هديل مرارًا وهو ينادي
: هديل , ملاك , بنات قوموا صلاة
ظلّ يطرق حتى أتاه صوتُ ملاك خاملًا
: خلاص قمت
توجه الى غرفةِ والدته وأوقظها ثم الى غرفة رتيل
دخل بهدوء وأضاء الغرفة بنورٍ خفيف
رآها مستلقيةً وتحدّقُ في اللا شيء
اقترب ليجلس بجانبها على سريرها
قال بخفوت
: ما نمتي ؟
قالت ببحة
: لأ
ازدرد ريقه وهو يشعر بسهمٍ من نار يخترقه بقسوة
مسح على شعرها وهو يكاد يبكي من شحوبها وموتِ نبرتها
: ليش
: ما جاني نوم
قبّل جبينها
: قومي صلّي
أومأت بخفة ليخرج من غرفتها هاربًا من نظرتها ومن نبرتها
هاربًا من انهيارها الذي يُصيب قلبه في مقتل
دخلَ الى غرفةِ والدته التي كانت تجلس على سريرها وفي يدها رداء الصلاة تهمّ بارتدائه
قال ببحة
: يمه
رفعت رأسها اليه
: يمه رتيل ما نامت من أمس
حوقلت والدته بهمس
قال بوجع
: روحي شوفيها تطمّني عليها
هزّت رأسها ايجابًا
: ان شالله بس أصلي وأروح لها
أولاها ظهره لينزل ويخرج من المنزل وهو يقول بحرقة
: حسبيّ الله عليك يا صقر
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
التاسعة صباحًا
خرجت من غرفتها لترى شقيقها أمامها
التفت اليها بحدة وقال
: لا تخطين هذا الباب لو تنقلب الدنيا
وأشار ناحية باب المنزل
قالت بقلق
: بندر وش صاير ؟
قال بحزم
: اسمعي الكلام , لو تنحرق الدنيا ما تخطين هذا الباب
وخرج وأغلقه خلفه
ازدردت ريقها والتفتت الى والدتها
: وش فيه
لم تجبها والدتها واقتربت من الباب لتستمع
سمعت صراخ ابو جاسم
: ابعد يا خالد لا تخليني أأذيك
قال خالد بحزم
: ما بتلمسون شعرة من راسها , ان كنتوا بتوصلون لها تتعدوني أوّل
قال فارس الذي يحمل سلاحًا في يده , بغضب
: ابعد خلنّا نغسل شرفنا , خلنّي ابرد قلبي من هالكلبة
قاطعه فيصل بغضب
: قص بلسانك يا حيوان , ان كنا بنغسل شرفنا فلازم نقصيك من العائلة يا خسيس
اقترب فارس بتهديد
: ابعد من قدامي خالد
قال العمُّ بعدَ صمت
: طيب ما بنسوي لها شي , بس جيبوها نزوجها لفارس
قال بندر بحميّة
: والله لو تلمسون السما ما لكم وصول لها
صرخَ ابو جاسم
: همَاها الكلبة نايمة مع جاسم وهو ماهو زوجها , صارت شريفة على فارس الحين
اندفع أحدهم ليقتله من فرط الغضب
وبحركةٍ غيرِ محسوبة أطلق فارس النار
ليسقط صريعًا في رفّة جفن
شهقوا جميعًا وصرخ ابو جاسم
: وش سووييييت
فُتح الباب على مصارعيه واندفعت منه لين وهي تهتف بأسماء اخوتها
وحين رأته ملقًا على الأرض غارقًا بدمائه صرخت بانهيار
: خــــــــــــــالـــــــــــد
جلست بجواره وهي تهتف بجنون
: اخووووووووي وش سويتوا فيييييه , خاااااالد
هربوا بسرعةٍ وخوف , وجُبن !
ظلّ جاسم ينظرُ اليها بلهفة
كم اشتاق اليها
الى صوتها وابتسامتها
يعلم أنّه خسرها الى أبدِ الآبدين
ياه !
كبرتي
تغيرت ملامحكِ
أصبحتِ فاتنةً أكثر من قبل !
ليتني لم أكن يومًا مستهترًا !
ليتني لم أخسركِ , ليتك لم تنسابي من بين يدي وترحلي رغمًا عني
كانت صرخاتها تشقُ السكون
شقيقها الأكبر
الحنون الحبيب العطوف !
ملقًا على الأرض جثةً هامدة
خرجت والدتها كالمجنونة وهي تهتف باسمه غيرَ مصدقة
حينها خرج جاسم خوفًا من انتباه أحدهم له !
في تلك الدقائق الثقيلة , كان وليد يوقف سيارته أمام منزل صديقه واستغرب من الضجة القادمة من المنزل
ترجل من سيارته ودخل الى المنزل وهُلع من منظرهم
هتف بخوف
: وش صاير
قال فيصل بعجلة وهو يرفع خالد عن الأرض ويُبعد لين عنه
: وليد تعال ساعدني
لم يكن وليد قد انتبه أنّ المسجي هذا خالد !
خالد شطر قلبه الثاني
خالد الروح التي تتغذى منها روحه
حين رآه شهق بجنون
: وشش فييييه !!
قال فيصل بغضب
: مو وقته تعال ساعدني
اقترب ليرفعه وهو يرتجف
ركبوا سيارته وقادها بأقصى سرعةٍ الى أقربِ مشفى
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
العاشرة صباحًا
تلَقّى اتصالًا هاتفيًا وخرج الى باحة المنزل
أنهاه وعاد الى غرفةِ الجلوس
ابتسم لنظراتهم المتهكمة وجلس
قال والده بتعب
: ليش سويت كذا يا صقر
زفر ثم قال
: يبه الله يخليك ويطول عمرك من أمس لليوم ألف مرة سألتني ذا السؤال
: طيب جاوبني !
قال ببساطة
: جاوبتك الف مرة وبجاوبك الحين , انا ما سويت شي يستحق كل هذا , انا رجال صارت لي ظروف اضطرتني أختفي , وشي طبيعي أتزوج , هذه ثمان سنوات ماهي شهر وشهرين !
قال عبد الله بغضب
: طيب فهمّنا وش ظروفك عشان نعرف نعذرك
التفت اليه بحقد
: انت بالذات تسكت
ضحك عبد الله من غير نفس
: هذا اللي هامك ! اني شلتها قدامك ! طيب واللي يقول لك اني ثمان سنوات شايلها , شايل همها وشايل فرحها وحاطها بعيوني ! وش بتسوي ؟
قال بغضب
: عبد الله لا تستفز أعصابي
حينها قالت داليا ببكاء
: تخاف على أعصابك لا يستفزها عبد الله وانت قتلت كل ذرة أعصاب في رتيل ؟ وش القلب اللي عليك ! شلون قدرت تسوي فيها كذا !! رتيل كانت ما تنام الليل من شوقها لك , رتيل كانت ما تلتفت لحياتها من حاجتها لك ! رتيل كانت ميتة وانت مو موجود , ما أقدر أعد كم مرة جرحت نفسها وهي تفكر فيك , كم مرة حرقت نفسها وهي ملتهية فيك كم مرة انهارت من وراك , كم سنة ضاعت من حياتها بسببك !
وضعت كفّيها على وجهها وأجهشت بالبكاء
كانت تبكي بحدةٍ ووجع
كيف لهُ أن يجرح فؤاد رتيل
مجرد تخَيُلها لانهيار رتيل يقتلها
كيف لو رأتها !
لو شعرت بانكسارها !
زفر صقر وسحب شقيقته الى صدره يربت على شعرها
: داليا هدّي حبيبتي , بعدك صغيرة ما تفهمين كل شي , خلاص حبيبتي
قال عبد الله ساخرًا
: داليا بعدها صغيرة , وانا ؟ وامي ؟ وابوي ؟ بعد صغار !
قال ببرود
: نقطنا بسكاتك
نهض عبد الله وهو يقول بحرقةٍ عميقة
: كثر فرحتي برجعتك ودّي انّك ما رجعت , تبكيك طول حياتها مفقود ولا تبكي منك وانت جارحها , انت حتى ما فكرت تراعيها وما تجيب زوجتك من اول يوم , ما فكرت تاخذها لحضنك وتطمنها انك رجعت , انت ذبحتها ! رتيل صار عمرها واحد وعشرين سنة أمس اول مرة في حياتي أشوف منها نظرتها المقتولة , حتى وانت غايب , كان فيها انكسار ماهو خيبة , ما اقدر أدعي عليك يا ولد امي وابوي , ولا أقدر اسامحك على خيبتها , منك لله يا صقر
تركه وصعد الى غرفته
كم كان يشتاق ويتوقُ الى رؤيةِ شقيقه
حتى بعد أن رأوا زوجته , وتركتهم رتيل , كان قد قرر أن لا يتدخل بينهما , وانّه بحاجةٍ الى شقيقه , بحاجةٍ الى عضيده ! يفتقر الى مجالسته ومحاكاته ومعرفة أخباره , يشتاق الى إخباره عن كل ما حدث معه منذ ثمانية أعوام
لكنّ اصراره أنّه لم يُخطأ
اللا مبالاة الظاهرة بوضوح عليه
جعلته ينفجرُ في وجهه
وان كان شقيقه الوحيد , لن يسمح له بإيذاء ابنةِ عمه
الّا رتيل !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثانيةَ عشرةَ ظهرًا
هزّ رأسه بصدمة
: فارس ولد عمّك !
هزّ رأسه ايجابًا ومقلتيه محمرتين من حبسه لدموعه !
قال وليد بانهيار
: خالد تعبان والطبيب يقول مستحيل يصحى قبل أيام ! الطلقة جات في كليته جعل ربي يسلط على فارس من يصوب كليته
قال فيصل بغصة
: وبندر راح للقسم قالوا له جاهم البلاغ من عمامي وانّهم متنازلين عن حقهم لأنّ اللي صوّبه من معارفهم وصوّبه بالخطأ
قال وليد بغضب
: على كيفهم الشغلة !
: حاول بندر يشرح لهم قالوا الملف انفتح وتقفل في نص ساعة واللي يتقفل ما ينفتح الّا بأمر من فوق
ظلّ وليد على وضعه لدقائق حتى نهض بانكسار ونظر الى صديقه من الزجاج
قال بهمسٍ يُحرقُ حُنجرته
: عشانك يا ابو وليد , مستعد أذل نفسي وأنسى كسرتي
أولاه ظهره خارجًا من المشفى
أرسل لأخته أنّه قد لا يعود الى منزل خالته اليوم , وسيذهب الى الشرقية وقد يباتُ فيها
ثم انطلق الى الشرقية وهو يضغطُ على نفسه
,
,
الممكة العربية السعودية – الرياض
صكّت وجهها بانهيار
: راح منيي ولدددديييي راااح , ذبححححوه ذبححوك يا روحح اممممك , خاااالدد
بينما كانت لين تجلس في زاوية الغرفة وهي تتكئ بجبينها على أصابعها المرتجفة وأدمعها تبلل وجنتيها
ارتجف فكّها وهي تقول ببحة
: ليتني ما جيت , ياربي تاخذ روحي , ياربي تسامحني وتغفر لي
بعد برهة دخل بندر وجلس بانهيار وهو يقول
: الطبيب يقول ما بيقوم قبل أيام ويمكن ما يقوم !
صرخت والدته بجزع وغطّت لين وجهها تنعى شقيقها بشهقاتها المتتالية
قال بندر وهو يهزّ رأسه
: وعمامي رايحين للقسم ومتنازلين عن حق خالد ! يقولون حنّا عمامه واللي ضربه من معارفنا وماهو قاصد ! ما قدرت أشرح لهم شي قالوا قفلنا الملف خلاص
نهضت لين باندفاعٍ وغضبٍ يَعمِي بصيرتها
: وانت وفيصل بتسكتون ؟! والله ما يروح حق خالد ! فهمهم يا غبي فهمهم انّ المجرمين عمامك هم اللي ذبحوه ! بنندررر رد علييي لا تسسسكت – ضربت صدرها وهي تصرخ بانهيار وتسقط على ركبتيها – حق اخوي ما يروووححح حق اخوي ما يروووح ذبحوا ابوي وذبحوني ورجعوا على خـالـد
اقترب بندر ليضمها بقوة وهو يرجوها بكلماته
: لين بسم الله عليك هدّي اذكري الله – استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ليتلو عليها من الذكر الحكيم علّها تهدأ –
استكانت وهدأت نفسها وهي تتمسك به وتأن بضعف
: لا يروح حق خاللد , تكفى يا بندر
قبّل رأسها وهو يقول
: ما بيروح حق خالد يا روح أخوك , هدّي يا ابوي
,
,
الرابعة عصرًا
دخلت الى غرفتها ورأتها على حالها
تحدق في اللا شيء !
جلست بجانبها وهي تقول بشقاء
: يمه رتيل
لم تجبها ولا بهمهمة
قالت وهي تمسح على شعرها
: ما نمتي ؟
هزّت رأسها نفيًا
: يا يمه لا يصير لك شي ! طيب انزلي كلي لك لقمة تحركي شوي
أغمضت عينيها برفض
دخلت حينها هديل وملاك خلفها
قالت ملاك
: خالتي وليد نزل للشرقية يقول يمكن يبات
جلست هديل أرضًا أمام اختها وقالت
: مطولة على ذي السدحة ؟
لم تجبها
قالت هديل بغضب
: واذا تزوج ؟ بلعنة تلعنه , قومي لا تموتين من الجلسة ذي , انزلي كلي واجلسي معنا
ردعتها والدتها بحدة
: هديل
قاطعت والدتها
: يمه رتيل بتموت على ذي الجلسة ! لا نوم ولا اكل ولا شرب ! على شنو يا حسرة
سحبتها ملاك وهي تهمس بحدة
: بس بسس وش من لسان اللي عليك اختك تعبانة
خرجتا من الغرفة لتقول ام علي برجاء
: قومي رتيل
قالت بانزعاج مبحوح
: اتركيني خلاص , ابي انام
أغمضت عينيها وأولتها ظهرها بتصريحٍ للرفض
زفرت ام علي بيأسٍ ونهضت خارجةً من الغرفة
حينَ أُغلِقَ الباب فتحت عينيها بصمت
كان غددها الدمعية جافةً تمامًا
لم تبكِ أبدًا
لم تصرخ !
لم تتكلم !
لا تعلم بمَ تشعر
كل الذي تُدركه
ألمٌ في قلبها
ألمٌ يدكُ روحها !
المٌ يُشبه سيخًا من نار , يمر بحدةٍ بجوارِ قلبها المكلوم
تشعر بيدين ناعمتين تٌحيطان برقبتها
تبتسمان بِخبثٍ وتَشُدّان من توثيقما لرقبتها كأنهما تجتذبانها الى الموت !
ارتسم على شفتيها طيفُ ابتسامةٍ ميتة
انا قادمةٌ يا أمي !
سأموت , سأتبعكِ يا ماما !
زفرت بتعب وظلّت على حالها
تنظر في الفراغ دون أن يرفّ لها جفن
ولا تفكر في شيء
سوى كيف ستموت !
,
,
السادسة مساءً
تنفست براحة وهي ترمقه بطرف عينيها يضع التمرة في فمه ويتبعها بشربةٍ من فنجانه
ابتسم بهدوء وقال
: كنّك مو مصدقة اني هنا !
ضحكت رغمًا عنها لتقول
: لا والله ماني مصدقة ! طول ما انت نايم اقوم أتأكد هذا انت ولا اتخيل
ضحك ليقول
: حسيت فيك كم مرة , قطعتي علي نومي
قالت بحنان
: اذا صليت المغرب ارجع وحط راسك – زفرت باشتياق – ليت سعود يجي
عقدَ حاجبيه
: امس مالك اتصل عليه ثلاث مرات او اربعة ولا رد عليه
قالت بقلق
: ليه وش صاير عليه ؟
رفعَ كتفيه
: مدري والله , ان شالله برجع اكلمه اليوم
عدّلت حجابها بقلق
: كلم لي عمّك
دون نقاش أخرج هافته واتصل بعمه الذي ردّ بعد ثوانٍ
: هلا
: السلام عليكم ورحمة الله , شلونك يا عم
: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته , يا هلا سلطان الله يخليك وش اخبارك
: الله يبقيك , طيبين الحمد لله نسأل عنّك
زفر ليقول
: والله مشاغل ملهيتني , انت وش مسوي باستراليا
: انا في الرياض من امس
: ما شاء الله – ضحك ليقول – تلاقي امي طايرة فيك
ابتسم بمحبة
: ايه ما خلتني انام كل شوي تقوم تتطمن علي
ضحك عمّه دونَ تعليق
قال سلطان
: تبي تكلمك جدتي
قال محرجًا
: متفشل منها والله , عطني اكلمها
مدّ لها بالهاتف لتهتف
: محمد
قال بحنان
: هلا والله
: شلونك ابوي وش اخبارك
: الله يسلمك اسأل عنّك ومشتاق لك
قالت تعاتبه
: تسأل عني ؟ متى سألت عني يالكذوب
ضحك محرجًا
تحدثت اليه لبضع دقائق قبل أن تسأله
: الا ابنشدك عن سعود يقول مالك يتصل عليه ولا يرد
صمت لثوانٍ ثم قال
: سعود !
ضلّ صامتًا ثم زفر وقال
: لا طيّب الحمد لله
قالت بشك
: وش فيه يا محمد ؟ الولد بوه شي ؟!
: لا الله يطول عمرك بخير , بس ناسي جواله في بيت صاحبه
لم تقتنع
: اييه , هو عندك ؟
: لا طالع عنده شغيلة
: دام كذا الله يستر عليه , خلّه يكلمني اذا رجع
: ايه ابشري
,
,
المملكة العربية السعودية – الشرقية
السادسة مساءً
كان يجلس في سيارته وينظر الى المبنى
قدماه تعاندانه
يأبى النزول
كيف يذهب الى الذي نحره !
كيف تطاوعه نفسه ويدخل على رجلٌ أقسم ان يحرق قلبه عليه بهجره
تنفس بارتجاف وهو يتذكر خالد
شكلُه وهو ملقىً على السرير الأبيض بلا حولٍ ولا قوة
نزل رغمًا عنه وهو يجر قدميه عنوة
دخل الى مؤسسة والده
نهض موظف الاستقبال ليحييه
تجاهله وصعدَ الى الدورِ الرابع
مرّ بالموظف وسأله بتعب
: الوالد موجود ؟
قال الموظف باحترام
: ايه موجود اليوم تأخر على غير العادة
هزّ رأسه ايجابًا وتوجه الى المكتب
طرق الباب ليأتي صوتُ والده
: تفضل
دخل ليجده متكئًا برأسه على أصابعه وهيأته كالمهموم المكروب
قال دون أن يرفع رأسه
: وش فيه ؟
صمتَ لثوانٍ ثم قال ببحة
: انت على كلمتك ؟
رفع رأسه بسرعة ونهض بلا تصديق
: وليد !
قال وليد بانكسار
: خالد مضروب رصاص من ولد عمّه وعمامه سكروا الملف قبل ينفتح وحق خالد بينهضم اذا ما جات واسطة قوية تفتح الملف
قال والده فورًا
: مستعد افتحه وتسامحني
قال بقهر
: اقسم بالله العظيم لو ما طيحة خالد ما جيتك ولا سامحتك في حياتي , افتح الملف
: وتسامحني ؟
قال وليد بسخريةٍ مريرة
: تساومني على حق انسان ! ما عليه ما استغرب منك شي , بسامحك لكن تبعد عني وعن اختي
تهللت أسارير والده ورفع هاتفه ليجري اتصالًا لم يستغرق ثوانٍ حتى أُعطيَ كلمةً أنّ الملفَ سيفتح وستجري التحقيقات كما يجب !
حينها ارتاح وليد
اولى والده ظهره وهو يشعر بحملٍ على قلبه
كم يجب ان نتنازل وننكسر من أجلِ من نحب !
كم مرةً يجب ان نحنذ بأيماننا حتى لا يضيع حقُ من نحب !
كم مرةً نتألم ! بسبب من كان من المفترض ان يُعطينا الدواء ولا يذيقنا مرارةَ الداء !
كم تؤلمني يا ابي
مذ وُلدتُ وحتى اليوم !
كيف اسامحك , واللهِ فوق طاقتي !
انكسرت نفسه وهو يتذكر أنّ خالد يفوق كل شيء !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الرابعة مساءً
نزلت الدرج مسرعة وهي مرتديةٌ لعباءتها
هتفت ببكاء
: عبد الله
نهض بفزع
: وش فيييك !
أمسكت به وهي تجهش بالبكاء
: تكفى ودني لرتيل
بهتَ لونُه وقال بهلع
: وش فيها
: اليوم الثالث لها ما تنام ولا تاكل ولا تشرب , يا ويلي عليها بتروح البنت والله
ازدرد ريقه وهو يقول
: يلا يلا مشينا
نهض صقر وهو يخفي توتره
: بجي معكم
قال عبد الله بشراسة
: ما تجي
صرخ به
: عبد الله لا تخليني افجر فيك
نطق والدهما حين تنفس الصعداء بعد خوفه على رتيل
: بنروح كلنا , داليا نادي امك
قال عبد الله بانفعال
: مو كافي بسببه بتموت ! ليش ناخذه معنا ؟
قال صقر يفتعل البرود
: بسلم على عيال عمي وزوجة عمي
صرخت به داليا
: انت ايششش ! قلببكك من ايش مخلووق
تأفف وتركهم خارجًا
,
,
الى الملتقى :)