2- ماذا ينقص الحنين؟

كانت كارن مستغرقة بأفكارها حتى أنها بالكاد انتبهت وهي تغادر المستشفى وتركب السيارة وتبتعد.
كان روك ميلمان بارع بالقيادة , واعترفت كارن بذلك, ولو على مضض , ولم يبدُ انه يلقي بالاً لها , جانب وجهه حاد الاطراف , عيناه ثابتتان الى الامام.
كان يرتدي ثياباً عادية , بنطلون أزرق جينز , قميص أزرق , وسترة من جلد الغنم , مازال يبدو قاسياً وساحراً , ولم يكن هذا بسبب جو السلطة من حوله , بل ان الرجل فيه يفرض نفسه بطريقة ما.
وكرهت تصرفاته وثقته بنفسه وطريقته بالكلام , وطريقة نظره اليها , ولكنها اعترفت لنفسها انه شخص لا يمكن عدم الاهتمام به ابدا , ملامحه كانت رجولية , جميلة المظهر وملفتة للنظر .
كان لديها ذكرى غامضة انه يشبه أباه بقسماته , حسبما كانت تتذكر والده جوزيف ميلمان ولكن بلون البشرة كان يشبه والدته.منتديات ليلاس
واستطاعت الآن ان تتذكر تيري ميلمان , بعد ان اغمضت عينيها , وتمثلت امامها صورة المرأة الأنيقة الجميلة التي طاردتها في طفولتها .

هل مازالت حية ؟ هل مازالت تملك ذلك الشعر الأسود الناعم , والعينين اللامعتين , والبشرة الزهرية الناعمة التي لاعيب فيها ؟
وسألها روك فجأة :
- لماذا عدت ؟
وفتحت عينيها عندما سمعت صوته :
- كي أرى والدي !.
- بعد عشر سنوات من الصمت , تذكرتيه فجأة ؟
- لا أريد بحث حياتي الخاصة معك سيد ميلمان !
- أنا واثق أنك لا ترغبين بهذا .. ولكن سيتوجب عليك ذلك .. آنسة كارادس.
- أوه ..لا.. لن أفعل !... انت لا تعرف شيئا عني ...
- أعرف ان والدك كتب لك لسنوات ولم تردي عليه! آه .. أنا واثق انه لن يعاتبك , فهو سعيد جدا بعودتك ولن يقول شيئا , ولن يتركك تهربين منه ثانية !
- هذا ليس من شأنك !
- سأجعله من شأني .
وكان صوته خشنا ومثيرا , ولكن كارن لم تكن تنوي التراجع , مهما حاول ان يكون جافا, فانفجرت قائلة :
- انظر الآن !.
ولكنه قاطعها بصوت أعلى :
- أنا احب أبيك ومعجب به وأعلم كم ألمه هذا, كل هذه السنوات , ان يكون لديه ابنة في الجانب الآخر من العالم لا ترسل له حتى بطاقة ميلاد!
منتديات ليلاس
- لا تصرخ بي ! الأمور لم تكن بالسهولة التي تبدو فيها لغريب , وهذا ما أنت عليه سيد ميلمان , إنك غريب ! انت لاتعرف سوى جزء من القصة , الجزء المتعلق بوالدي , وأنا مستعدة ان أراهن انك لا تعرف جيداً حتى هذا الجزء , واعتقد انك انما تخمن مايشعر به فقط , فأنت لا تعرف شيئا عما كان يجري في ذهني او عن حياتي خلال العشر سنوات الماضية , وانت لا تعرف عما تتحدث , لذا وحتى تعرف شيئاً عني , ارجوك .. توقف عن التدخل سيد ميلمان !
وخفف سرعة السيارة , ونظر اليها بوجه قاس , ثم اسرع ثانية , وركز انتباهه على السيارات الآتية من الناحية الأخرى , ولم يقل شيئاً لفترة , ثم قال ببرود:
- قد تنظرين إليّ كغريب , ولكنني أشك في ان هذه وجهة نظر أبيك , لقد عرفته طوال حياتي , أتذكرين هذا؟ إنه ليس مستأجراً عندنا فقط, إنه صديق قديم للعائلة .منتديات ليلاس
واحمر لون وجهها , هل يشير الى تلك العلاقة الطويلة بين والدها ووالدته ؟ ام انه غافل عن الحقيقة ؟ لقد سألت والدتها عما تشعر به عائلة ميلمان , فضحكت بمرارة , فهم من الغباء بحيث انهم لم يلاحظوا مايجري تحت أنوفهم , ولكن أيمكن هذه فعلاً ؟ وسألته :
- هل أمـ.. . والداك لا يزالان على قيد الحياة ؟
ونظرت اليه جانبياً , ورموشها تغطي عينيها الخضراون , وجهه لم يتغير , ولم تلاحظ اي ضيق او قلق على ملامحه , لو انه كان يعرف لظهر عليه ذلك بطريقة ما , واجابها :
- والدتي لا تزال على قيد الحياة , ولكن والدي مات منذ أربع سنوات .
إذا امه أرملة منذ اربع سنوات ؟ وعبست كارن , إذاً لم تتزوج السيدة ميلمان أبيها بعد ان اصبحت حرة؟ هل انتهت علاقتهما؟ وفكرت كارن بمظهر أبيها كما بدأ أمس : أبيض الشعر وكئيب قليلاً, وبدأ يظهر عليه الكبر , كان لا يزال رجلاً جذاباً منذ سنوات , وكان من السهل التصديق ان السيدة ميلمان أحبته , ولكن الآن أصبح في أواسط عمره وجاوز الخمسين بكثير , فهل اشتعلت مشاعرهما تجاه بعضهما مع الزمن ام انها انطفأت ؟